في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

قال : ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال : علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (١) ـ (٢).

٢١ ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : نزل جبرئيل على محمّد صلى الله عليه وآله برمّانتين من الجنّة ، فلقيه علي عليه السلام فقال : ما هاتان الرمّانتان اللتان في يد؟

فقال : أمّا هذه فالنبوّة ليس لك فيها نصيب ، وأمّا هذه فالعلم ، ثمّ فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله نصفها ثمّ قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه.

قال : فلم يعلم والله رسول الله صلى الله عليه وآله حرفاً ممّا علّمه الله عزّ وجلّ إلاّ وقد علّمه عليّاً ثمّ انتهى العلم إلينا. ثمّ وضع يده على صدره (٣).

٢٢ ـ حديث المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : روينا عن ابي عبد الله عليه السلام أنّه قال : «إنّ علمنا غابر ، ومزبور ، ونكتٌ في القلوب ، ونقر في الأسماع ، فقال : أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك» (٤).

٢٣ ـ حديث عبد بن زرارة قال : أرسل أبو جعفر عليه السلام إلى زرارة أن يُعلم الحكم بن عتيبة ، أنّ أوصياء محمّد عليه وعليهم السلام محدَّثون (٥).

٢٤ ـ عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال : «بحكم الله وحكم داود ، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا ، تلقّانا به

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٨٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ٢.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٦٣ ح ٣.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٦٤ ح ٣.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٧٠ ح ١.

٦١

.........................................

____________________________________

روح القدس» (١).

٢٥ ـ حديث العيون عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسو الله صلى الله عليه وآله : «ما ينقلب جناح طائر في الهواز إلاّ وعندنا فيه علم» (٢).

٢٦ ـ حديث المناقب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : والله لقد اُعطينا علم الأوّلين والآخرين.

فقال له رجل من أصحابه : جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال له : ويحك إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وارحام النساء.

ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتعِ قلوبكم ، فنح حجّة الله تعالى في خلقه ، ولن يسمع ذلك إلاّ صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبال تهامة إلاّ بإذن الله (٣).

٢٧ ـ حديث أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لمّ حضر الحسين عليه السلام ما حضر دعا فاطمة بنته فدفع غليها كتاباً ملفوفاً ووصيّته ظاهرة ، فقال : يابنتي ضعي هذا في أكابر ولدي. فلمّا رجع علي بن الحسين عليهما السلام دفعته إليه وهو عندنا.

قلت : ما ذاك الكتاب؟

قال : ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا حتّى تفنى (٤).

٢٨ ـ حديث زيد بن شراحيل الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه : أخبروني بأفضلكم.

قالوا : أنت يا رسول الله.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٩٨ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ١٩ ب ١ ح ٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٧ ب ١ ح ٢٨.

(٤) بحار الانوار : ج ٢٦ ص ٥٠ ح ٩٦.

٦٢

.........................................

____________________________________

قال : صدقتم أنا أفضلكم ، ولكن اُخبركم بأفضل أفضلكم ، أقدمكم سلماً وأكثركم علماً وأعظمكم حلماً علي بن أبي طالب عليه السلام.

والله ما استودعت علماً غلاّ وقد أودعته ن ولا علّمت شيئاً إلاّ وقد علّمته ، ولا اُمرت بشيء إلاّ وقد أمرته ، ولا وكّلت بشيء إلاّ وقد وكّلته به ، ألا وإنّي قد جعلت أمر نسائي بيده ، وهو خليفتي عليكم بعدي ، فإن استشهدكم فاشهدوا له (١).

٢٩ ـ حديث أبي هاشم الجعفري قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «الأئمّة علماء حلماء صادقون مفهَّمون محدَّثون» (٢).

٣٠ ـ حديث حمران بن أعين قال : أخبرني أبو جعفر عليه السلام أنّ علياً كان محدَّثاً.

فقال اصحابنا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟

فقُضي إنّي لقيت أبا جعفر عليه السلام فقلت : أخبرتني أنّ علياً كان محدّثاً.

قال : بلى.

قلت : من كان يحدّثه؟

قال : ملك (٣).

٣١ ـ حديث ابن مسكان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٤) قال : «كشط لإبراهيم عليه السلام السماوات السبع حتّى نظر إلى ما فوق العرش وكشط له الأرض حتّى رأى ما في الهواء ، وفعل بمحمّد صلى الله عليه وآله مثل ذلك ، وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٦٦ ب ١ ح ١٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٦٦ ب ٢ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٧٣ ب ٢ ح ٢٠.

(٤) سورة الأنعام : الآية ٧٥.

٦٣

.........................................

____________________________________

بهم مثل ذلك» (١).

٣٢ ـ حديث عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه السلام واقرأنيه رسالة إلى بعض أصحابه : «إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق» (٢).

٣٣ ـ حديث حذيفة بن اُسيد الغفاري قال : لمّا وادع الحسن بن علي عليهما السلام معاوية وانصرف إلى المدينة صحبته في منصرفه ، وكان بين عينيه حمل بعير لا يفارقه حيث توجّه.

فقلت له ذات يوم : جعلت فداك يا أبا محمّد هذا الحمل لا يفارقك حيث ما توجّهت.

فقال : يا حذيفة أتدري ما هو؟

قلت : لا.

قال : هذا الديوان.

قلت : ديوان ماذا؟

قال : ديوان شيعتنا فيه أسماءهم (٣).

٣٤ ـ حديث الأعمش قال : قال الكلبي : ما أشدّ ما سمعت في مناقب علي ابن أبي طالب؟

قال : قلت : حدّثني موسى بن طريف ، عن عباية قال : سمعت علياً عليه السلام يقول : «أنا قسيم النار».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٤ ب ٦ ح ١٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٨ ب ٧ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٢٤ ب ٧ ح ١٩.

٦٤

.........................................

____________________________________

فقال الكلبي : عندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً كتاباً فيه أسماء أهل الجنّة وأسماء أهل النار (١).

٣٥ ـ حديث الثمالي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «إنّ الإمام منّا ليسمع الكلام في بطن أمّه حتّى إذا سقط على الأرض أتاه ملك فيكتب على عضده الأيمن : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢). حتّى إذا شبَّ رفع الله له عموداً من نور يرى فيه الدنيا وما فيها ، لا يستر عنه منها شيء» (٣).

٣٦ ـ حديث المفضّل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «اُعطيت تسعاً لم يعطها أحد قبلي سوى النبي صلى الله عليه وآله لقد فتحت لي السبل ، وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، ولقد نئرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وإنّ بولايتي أكمل الله لهذه الاُمّة دينهم ، وأتمّ عليهم النعم ، ورضي لهم إسلامهم ، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد صلى الله عليه وآله : يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم دينهم ، وأتممت عليهم النعم ، ورضيت إسلامهم ، كلّ ذلك منّاً من الله علىّ فله الحمد» (٤).

٣٧ ـ حديث معمّر بن خلاّد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : «إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا حذو القذّة بالقذّة» (٥).

٣٨ ـ حديث الأصبغ بن نباتة قال : سمعت علياً عليه السلام يقول على المنبر : «سلوني

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٢٦ ب ٧ ح ٢٣.

(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٣٣ ب ٨ ح ٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٤١ ب ٨ ح ١٤.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٧٩ ب ١٢ ح ٦٢.

٦٥

.........................................

____________________________________

قبل أن تفقدوني ، فوالله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة ولا فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة غلاّ وعرفت قائدها وسائقها، وقد أخبرت بهذا رجلاً من أهل بيتي يخبر بها كبيرهم صغيرهم إلى أن تقوم الساعة» (١).

٣٩ ـ حديث الهروي قال : كان الرضا عليه السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة.

فقلت له يوماً : يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على إختلافها؟

فقال : يا أبا الصلت «أنا حجّة الله على خلقه ، وما كان ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : اُوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات» (٢).

٤٠ ـ حديث الحسين بن علوان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله فضّل اُولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء ، وورثنا علمهم وفُضّلنا عليهم في فضلهم ، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وآله ما لا يعلمون ، وعلّمنا علم رسول الله صلى الله عليه وآله فروينا لشيعتنا ، فمن قبل منهم فهو أفضلهم ، وأينما نكون فشيعتنا معنا» (٣).

وبدراية هذه الأحاديث الشريفة تعرف علوّ علومهم الربّانية ، ومعالمهم الرحمانية ، كما وإنّ الإيمان بها يكون من شؤون معرفتهم والإيمان بهم.

وما أحلى حديث المفضّل الجعفي في هذا المقام ؛ قال : دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم فقال لي : يا مفضّل هل عرفت محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ١٢١ ب ٨ ح ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٠ ب ١٤ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٩ ب ١٥ ح ١١.

٦٦

.........................................

____________________________________

والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم؟

قلت : يا سيّدي وما كنه معرفتهم؟

قال : يا مفضّل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمناً في السنام الأعلى.

قال : قلت : عرّفني ذلك يا سيّدي.

قال : يا مفضّل تعلم أنّهم علموا ما خلق الله عزّ وجلّ وذرأه وبرأه ، وأنّهم كلمة التقوى ، وخزّان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار ، وعلموا كم في السماء من نجم وملك ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة غلاّ علموها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين وهو في علمهم وقد علموا ذلك.

فقلت : يا سيّدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت.

قال : نعم يا مفضّل ، نعم يا مكرّم ، نعم يا محبور ، نعم يا طيّب ، طبت وطابت لك الجنّة ولكلّ مؤمن بها (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٦ ب ٦ ح ٢٢.

٦٧

وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ (١)

____________________________________

(١) ـ المنتهى على وزن منتدى اسم مكان بمعنى محلّ نهاية الشيء ، وهنا بمعنى محلّ نهاية الحلم ومنتهى درجته.

والحِلم بكسر الحاء وسكون اللام : هي الصفة النفسانية الكريمة التي حقيقتها ضبط النفس عن هيجان الغضب ، وهو يلازم الصبر ، ويكون بمعنى الناة وكظم الغيظ.

والحليم هو الذي لا يستنفره الغضب ، والحلم عن الشيء يكون فيما إذا صفح عنه وسَتَر عليه.

وأهل البيت عليهم السلام قد بلغوا الغاية والنهاية في تلك الصفة الربّانية الكريمة؛ والإنسان حينما يلاحظ حلمهم عليهم السلام وكظم غيظهم إلى جانب قدرتهم الربّأنية ، وجلالة قدرهم الواقعية ، يدرك أنّهم قد بلغوا غاية الحلم ونهايته حتّى فاقوا الأنبياء في ذلك : فيكونون هم الموصوفون بمنتهى الحلم كما في هذه الزيارة الشريفة والموسومون بملأ الحلم كما في حديث عبد العزيز بن مسلم جاء فيه توصيف الإمام عليه السلام بقوله :

«... شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، ملأُ الحلم ، مضطلع بالإمامة ...» (١).

وتلاحظ حلمهم العظيم في سيرتهم الغرّاء كحلم أمير المؤمنين وكظم غيظه عليه السلام في يوم الدار أمام هتك الحرمات التي إرتكبه الأعداء ممّا تلاحظها بالتفصيل في كتاب سليم بن قيس الهلالي (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٢ ح ١.

(٢) كتاب سليم بن قيس الهلالي : ج ٢ ص ٥٨٥.

٦٨

.........................................

____________________________________

ومثل حلم الإمام المجتبى عليه السلام مع الرجل الشامي كما في حديث المبرّد وابن عائشة بأنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يردُّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك فقال : «أيّها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو إسترشدتنا أرشدناك ، ولو إستحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا إلى وقت إرتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريقاً ومالاً كثيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه ، بكى ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ، وحوّل رحله إليه ...» (١).

وكذلك حلم الإمام زين العابدين عليه السلام عن جاريته التي جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجّه فرفع عليه السلام رأسه إليها ، فقالت له الجارية : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) إنّ الله يقول : (٢).

فقال لها : كظمت غيظي.

قالت : (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).

قال : عفى الله عنك.

قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

قال : فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٤٤.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٣٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ص ٣٩٨.

٦٩

.........................................

____________________________________

وهكذا حلم الإمام الصادق عليه السلام في حديث حفص بن أبي عائشة قال : بعث أبو عبد الله عليه السلام غلاماً له في حاجة فأبطأ ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام على أثره لمّا أبطأ ، فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه ، فلمّا تنبّه قال له أبو عبد الله عليه السلام : يا فلان ، والله ما ذلك لك ، تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار» (١).

وأيضاً حلم الإمام الكاظم عليه السلام في حديث معتب قال : كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة (٢) من تمر ، فرمى بها وراء الحائط ، فأتيته وأخذته وذهبت به إلىه ، فقلت : جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة.

فقال للغلام : يا فلان.

قال : لبّيك.

فقال : أتجوع؟

قال : لا يا سيّدي.

قال : فتعرى؟

قال : لا يا سيّدي.

قال : فلأي شيء أخذت هذه؟

قال : إشتهيت ذلك.

قال : إذهب فهي لك وقال : خلّوا عنه (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ١١٢ ح ٧.

(٢) الصرم بمعنى القطع يقال : صرمت الشيء أي قطعته ، والكارة مقدار معيّن من الطعام.

(٣) الكافي : ج ٢ ص ١٠٨ ح ٧.

٧٠

.........................................

____________________________________

وقد شهد بحلمهم حتّى من خالفهم فلاحظ ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في حلم أمير المؤمنين عليه السلام ، قال :

(وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسيء) ثمّ ذكر شواهد ذلك في موارد كثيرة فراجع (١).

واعلم : أنّ في نسخة البلد الأمين يوجد بعد قوله : «ومنتهى الحلم» قوله عليه السلام : «ومأوى السكينة ...» أي أنّهم عليهم السلام تأوي السكينَة إليهم وتنزل عليهم ، وهي الطمأنينة والوقار والأمنة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٢.

٧١

وَاُصُولَ الْكَرَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ الاُصول جمع الأصل وهو أساس الشيء ، وما يكون منه الشيء.

والكرم ضدّ الؤم ، وهو في اللغة صفة لكلّ ما يُرضى ويُحمد ويُحسَن ، ولذلك يعبّر عن الصفات الحسنة جميعها بمكارم الأخلاق.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم الأصل والأساس في هذه السيجيّة الطيّبة.

وفسّر كرمهم الأصيل بتفاسير ثلاثة كلّها متوفّرة لديهم وكاملة فيهم وهي :

الأوّل : الجود في العطاء وعدم البخل ، فيكون الكريم بمعنى الجواد المعطي ، وأصالة كرمهم تفوّقهم في هذا الجود كما تلاحظه في سيرتهم الحسنة ، وكلّ واحد من أهل البيت عليهم السلام كان جواداً معطاءً كما تلمسه في أدوار حياتهم الكريمة.

ففي حديث المناقب أنّه وفد عرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين عليه السلام فدخل المسجى فوجه مصلّياً فوقف بازائه وأنشأ :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرّك من دون بابك الحَلَقة

أنت جواى وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتلَ الفَسَقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبِقَة

قال : فسلّم الحسين وقال : يا قنبر هل بقى من مال الحجاز شيء؟

قال : هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا ثمّ نزع برديه ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياءً من الأعرابي وأنشأ :

خذها فغنّي إليك معتذر

واعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكنّ ريب الزمان ذو غير

والكفّ منّي قليلة النفقة

قال : فأخذها الأعرابي وبكى.

٧٢

.........................................

____________________________________

فقال له عليه السلام : لعلّك استقللت ما أعطيناك.

قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك. وهو المروي عن الحسن بن علي عليهما السلام أيضاً (١).

الثاني : جميع أنواع الخير والشرف والفضائل الحسنة فيكون الكريم بمعنى الشريف ذي الخير والفضيلة ...

ففي حديث عبد العزيز بن مسلم في صفة الإمام عليه السلام : «مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا إكتساب ، بل إختصاص من المفضل الوهّاب» (٢).

الثالث : ما احتمله العلاّمة المجلسي (٣) ووالده (٤) أعلى الله مقامها ، من أن يكون المراد كونهم أسباب ووسائل كرم الله تعالى في الدنيا والآخرة ، حيث أنّه بيمنهم رزق الورى وببركتهم تكون الدرجات العُلى.

ويتمسّك لهذا المعنى الثالث بحديث الإمام العسكري عليه السلام «... فنحن ليوث الوقى ، وغيوث الندى وطعّان العدى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والحوض في الآجل ، وأسباطنا حلفاء الدين وخلفاء النبيّين ، ومصابيح الاُمم ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الإصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا بالباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية صاروا لنا ردءً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً» (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ١٩٠.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠١ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٣٥.

(٤) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٥٩.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٤ باب جوامع مناقبهم وفضائلهم ح ٥٠.

٧٣

وَقادَةَ الاْمَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ القادة جمع قائد وهو الأمير والرئيس ومن يقود ، يقال : قوّاد أهل الجنّة أي الذين يسبقونهم ويجرّونهم إلى الجنّة.

والاُمم جمع الاُمّة بمعنى الخلق ، واُمّة كلّ نبي أتباعه ، ويُطلق على الجماعة أيضاً ، بل يطلق على الشخص الواحد الجامع للخير المقُتدى للناس ، ومنه قوله عزّ إسمه : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ) (١).

وأهل البيت سلام الله عليهم قادة الاُمم بكلّ معنى الكلمة ، وفسّر بتفسيرين :

التفسير الأوّل : أنّهم عليهم السلام الرؤساء الحقيقيون المحقّون في العالم لجميع الأنام ، كما في دعاء الاستئذان المتقدّم : «الذين إصطفيتهم ملوكاً لحفظ النظام ، وإخترتهم رؤساء لجميع الأنام ، وبعثتهم لقيام القسط في إبتداء الوجود إلى يوم القيامة ، ثمّ مننت عليهم بإستنابة أنبيائك لحفظ شرائعك وأحكامك ، فأكملت باستخلافهم رسالة المنذرين كما أوجبت رياستهم في فطر المكلّفين» (٢).

فيقودون جماعات هذه الاُمّة إلى معرفة الله تعالى وطاعته بالهداية في الدنيا ، والإيصال إلى الدرجات العليا بالشفاعة في الآخرة.

ويستفاد هذا المعنى من حديث أبان عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود النبي عليه السلام ، فيأتي النداء من عند الله عزّ وجلّ : لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله تعالى خليفة ؛ ثمّ ينادي ثانية : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فيأتي النداء من قبل الله عز وجلّ :

يامعشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ،

__________________

(١) سورة النحل : الآية ١٢٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١١٥.

٧٤

.........................................

____________________________________

فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء بنوره ، وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنّات ؛ قال : فيقوم الناس الذين قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله : ألا من إئتمّ بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب به ، فحينئذٍ تبرّأ الذين اتُّبعوا لو أنّ لَنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّؤوا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار» (١).

التفسير الثاني : أنّهم عليهم السلام يقودون في الآخرة جميع الاُمم حتّى الاُمم السابقة بالشفاعة الكبرى ، والقيادة إلى الجنان العليا.

ويستفاد هذا المعنى من حديث المفضّل الجعفي جاء فيه : «... قال أبو عبد الله عليه السلام : ما من نبي وُلد من آدم إلى محمّد صلوات الله عليهم إلاّ وهم تحت لواء محمّد صلى الله عليه وآله ...» (٢).

وحديث جابر أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك يابن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر عليه السلام : «حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ، ثمّ يقول الله : يا محمّد اخطب ، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور ، وينصب لوصيّي علي بن أبي طالب في

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨ ص ١٠ ب ٩ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٤٥ ب ١٩ ح ٤٦.

٧٥

.........................................

____________________________________

أوساطهم منبر من نور ، فيكون منبره أعلى منابرهم ، ثمّ يقول الله : يا علي اخطب ، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لإبنيَّ وسبطيَّ وريحانتي أيّام حياتي منبر من نور ، ثمّ يقال لهما : اخطبا ، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام : أين فاطمة بنت محمّد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بن عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيى بن زكريّا؟ فيقمن.

فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهّار.

فيقول الله تعالى : يا أهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة ، يا أهل الجمع طأطأ والرؤوس وغضّوا الأبصار ، فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة ؛ فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة مدبّحة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها فتركبها ، فيبعث الله مائة الف ملك ليسيروا عن يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها على باب الجنّة فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنّتي؟

فتقول : يا ربّ أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده فأدخليه الجنّة.

٧٦

.........................................

____________________________________

قال أبو جعفر عليه السلام : والله يا جابر إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول الله : يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون : يا ربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة.

قال أبو جعفر عليه السلام : والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بن الطبقات نادوا كما قال الله تعالى : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١) فيقولون : (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (٣) ـ (٤).

هذه قيادتهم عليهم السلام في الاُخرى بل هم يقودون الاُمم في الدنيا أيضاً إلى حوائدهم ، بالتوسّل بأنوارهم المقدّسة كما يستفاد من حديث علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : «لمّا أشرف نوح عليه السلام على الغرق دعا الله بحقّنا فدفع الله عنه الغرق».

__________________

(١) سورة الشعراء : الآية ١٠٠ و ١٠١.

(٢) سورة الشعراء : الآية ١٠٢.

(٣) سورة الأنعام : الآية ٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٥١ ب ٢١ ح ٥٩.

٧٧

.........................................

____________________________________

وإنّ موسى لمّا ضرب طريقاً في البحر ، دعا الله بحقّنا فجعله يبساً.

وإنّ عيسى لمّا أراد اليهود قتله ، دعا الله بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه إليه» (١).

وغيره من الأحاديث في باب أنّ دعاء الأنبياء إستجيب بالتوسّل والإستشفاع بهم صلوات الله عليهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٢٥ ب ٧ ح ٧.

٧٨

وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ أولياء جمع ولي وهو الأولى والأحقّ الذي يلي التدبير.

والنعم جمع نِعمة بكسر النون : ما يتنعّم به الإنسان.

والنعم جمع شامل لجميع النعم وهي :

(الف) : النعم الظاهرة : أي التي تكون مرئية في السماء والأرض وما بينهما ممّا نشاهدها.

(ب) : النعم الباطنة : أي التي لا تكون مرئية ولكنّها نِعم معنوية مدرَكة كالمعرفة والإيمان ، والصفات الحسنة والكمالات النفسيّة التي ندركها.

(ج) : النعم الاُخروية : أي التي يُتفضّل بها في الحياة الآخرة كالكوثر والشفاعة والدرجات الرفيعة.

هذه نعم الله تعالى التي تفضّل بها علينا ظاهرة وباطنة دنياً وآخره.

قال عزّ إسمه : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (١) كما تلاحظ بيانها وتفسيرها (٢) في مثل حديث عبد الله بن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري ... أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده في رهط من أصحابه ـ إلى قولهما في الحكاية ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «وقد أحى إلىَّ ربّي ـ جلّ وتعالى ـ أن اُذكّركم بالنعمة ، وأُنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه. وتلا (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) (الآية).

ثمّ قال لهم : قولوا الآن قولكم ، ما أوّل نعمة رغّبكم الله فيها وبلاكم بها؟

فخاض القوم جميعاً. فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرّية والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله ـ عزّ وجلّ ـ من أنعمه الظاهرة.

__________________

(١) سورة لقمان : الآية ٢٠.

(٢) تفسير كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٢٦٠.

٧٩

.........................................

____________________________________

فلمّا أمسك القوم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن ، قل فقد قال أصحابك.

فقال : فكيف لي بالقول؟ فداك أبي واُمّي وإنّما هدانا الله بك.

قال : ومع لك فهات ، قل ما أوّل نعمة أبلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها؟

قال : أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً.

قال : صدقت ، فما الثانية؟

قال : أن أحسن بي إذ خلقني ، فجعلني حيّاً لا مواتاً.

قال : صدقت ، فما الثالثة؟

قال : أن أنشأني ـ فله الحمد ـ في أحسن صورة وأعدل تركيب.

قال : صدقت ، فما الرابعة؟

قال : أن جعلني متفكّراً داعياً لا بلهة ساهياً.

قال : صدقت ، فما الخامسة؟

قال : أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت لها. فجعل لي سراجاً منيراً.

قال : صدقت ، فما السادسة؟

قال : أ، هداني الله لدينه ولم يضلّني عن سبيله.

قال : صدقت ، فما السابعة؟

قال : أن جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها.

قال : صدقت ، فما الثامنة؟

قال : أن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً.

قال : صدقت ، فما التاسعة؟

قال : أن سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.

٨٠