في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

ساقي المؤمنين بالكاس ... السلام على صاحب النُهى والفضل والطوائل ، والمكرمات والنوائل ... السلام على من أيّده الله بجبرائيل ، وأعانه بميكائيل ، وأزلفه في الدارين ، وحباه بكلّ ما تقرّ به العين ... السلام عليك يا عين الله الناظرة ، ويده الباسطة ، واُذنه الواعية ، وحكمته البالغة ونعمته السابغة ... السلام على قسيم الجنّة والنار ، السلام على نعمة الله على الأبرار ونقمته على الفجّار ، السلام على سيّد المتّقين الأخيار ... أخا الرسول ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ... وقايةً لمهجته ، وهادياً لاُمّته ، ويداً لبأسه ، وتاجاً لرأسه ...».

ومن عطايا الله تعالى لهم عليهم السلام التي لم يعطها أحداً من العالمين ولدهم الحجّة الثاني عشر ، الذي يظهر على الكون كلّه ويقيم دين جدّه ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً.

وقد بشّر به الأئمّة المعصومون ، والنبي الأعظم والأنبياء الآخرون عليهم السلام (١).

بل بشّر به الله تعالى في حديثي المعراج الشريف الذي رواه ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «لمّا عرج بي إلى ربّي جلّ جلاله أتاني النداء : يا محمّد!

قلت : لبّيك ربّ العظمة لبّيك.

فأوحى الله تعالى إليّ : يا محمّد فيم اختصم الملأ الأعلى؟

قلت : إلهي لا علم لي.

فقال : يا محمّد هلاّ اتّخذت من الآدميين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟

فقلت : إلهي ومن أتّخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي.

فأوحى الله إليّ : يا محمّد قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب.

__________________

(١) لاحظ مجموع البشارات به سلام الله عليه في المجلّد الأول من إلزام الناصب.

٥٨١

.........................................

____________________________________

فقلت : إلهي ابن عمّي؟

فأوحى الله إليّ : يا محمّد إنّ علياً وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك ، يسقي من ورد عليه من مؤمني اُمّتك.

ثمّ أوحى الله عزّ وجلّ إليّ : يا محمّد إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً لا يشرب من ذلك الحوض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرّيتك الطيّبين الطاهرين ، حقّاً أقول : يا محمّد لاُدخلنّ جميع اُمّتك الجنّة إلاّ من أبى من خلقي.

فقلت : إلهي هل واحد يأبي من دخول الجنّة؟

فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ : بلى.

فقلت : وكيف يأبى؟

فأوحى الله إليّ : يا محمّد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك وجعلته أباً لولدك ، فحقّه بعدك على اُمّتك كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة ، فخررت لله عزّ وجلّ ساجداً شكراً لما أنعم علىّ ، فإذا منادياً ينادي : ارفع يا محمّد رأسك ، وسلني أعطك.

فقلت : إلهي اجمع اُمّتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليَّ حوضي يوم القيامة؟

فأوحى الله تعالى إليّ : يا محمّد إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ، وقضائي ماضٍ فيهم ، لاُهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء. وقد آتيته علمك من بعدك ، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك واُمّتك ، عزيمةً منّي لاُدخل الجنّة من أحبّه ، ولا اُدخل الجنّة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك ، فمن أبغضه

٥٨٢

.........................................

____________________________________

أبغشك ، ومن أبغضك أبغضني ، ومن عاداه فقد عاداك ، ومن عاداك فقد عاداني ، ومن أحبّه فقد أحبّك ، ومن أحبّك ، ومن أحبّك فقد أحبّني ، وقد جعلت له هذه الفضيلة.

وأعطيتك أن اُخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً ، كلّهم من ذرّيتك من البكر البتول ، وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم. يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً ، اُنجي به من الهلكة ، واُهدي به من الضلالة ، واُبرىء به من العمى ، واُشفي به المريض ...».

وفي حديث المعراج الآخر : «... يا محمّد لو أنّ عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي ، يا محمّد تحبّ أن تراهم؟

قلت : نعم يا ربّ.

فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، و«م ح م د» بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّي.

قلت : يا ربّ ومَن هؤلاء؟

قال : هؤلاء الأئمّة وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرّم حرامي وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللات والعزّى طرييّن فيحرقهما» (١).

وكلّ هذه خصائص ودرجات اختصّ بها أهل البيت الطيبين دون العالمين.

__________________

(١) إكمال الدين : ص ٢٥٠ ب ٣٣ ح ١ و ٢.

٥٨٣

طَأطَاَ كُلُّ شَريفٍ لِشَرَفِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ التطأطأ : هو الإنحناء والخضوع ، يقال : طأطأ رأسه أي خفضه.

وطأطأ كلّ شريف أي تواضع وخضع.

والشَرَف في أصل اللغة : هو العُلو ، وشرف الأرض : المكان العالي منها ، ومنه سمّي الشريف شريفاً تشبيهاً للعُلوّ المعنوي بالعلوّ المكاني كما تقدّم.

فالمعنى أنّه تواضع وخضع كلّ شريف لشرافتكم العلايء التي تفوق كلّ شرافة ، ولم يصل إليها أيّ شريف.

وهذا أمر وجداني نلاحظه في جميع الشرفاء تجاه أهل البيت عليهم السلام.

فقد شرّفهم الله تعالى بأسمى الشرافات في علمهم وعملهم وحسبهم ونسبهم وسائر مزاياهم التي لا يدانيها أحد ، كما هو واضح مُبان من دون حاجة إلى دليل وبيان.

وتجد شطراً منها في الخطبة الشريفة الغرّاء للإمام زين العابدين عليه آلاف الثناء فيما عرّف به أهل بيته الأزكياء عليهم السلام (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ١٣٨.

٥٨٤

وَنَجَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ (١) وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ (٢)

____________________________________

(١) ـ في نسخة التهذيب : «بخع» بالباء ثمّ الخاء.

البخوع : هو الإقرار والخضوع ، يقال : بخع بالحقّ أي أقرّ به وخضع له.

لكن في العيون والفقيه وفي نسخة الكفعمي : «نخع» بالنون وهو بمعنى الخضوع أيضاً.

والمعنى خضع كلّ متكبّر في طاعتكم ، أو في إطاعتكم لله تعالى ، حتّى أقرّ لهم بالطاعة ألدّ أعدائهم.

وقد تقدّم بيانه.

(٢) ـ الخضوع : هو التواضع والإنقياد.

والجبّار : هو المتسلّط وقيل : هو العظيم الشأن في المُلك والسلطان.

أي تواضع وانقاد كلّ متسلّط لفضلكم ودرجتكم الرفيعة.

وهذه اُمور وجدانية يجدها الإنسان ، ويراها بالعيان في سير الأزمان ويكفيك في ذلك اعترافات جائري عصورهم.

في مثل اعترافات الثلاثة : (لو لا علي لهلك فلان) كما ورد جميع تلك الاعترافات بمصادرها من العامّة في محلّه (١).

وفي مثل تصديق معاوية لذلك في آخر حديث عدي بن حاتم وحديث الطرماح ، أمّا حديث عدي فهو : أنّ عدي بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية : يا عدي أين الطَرَفات؟ يعني بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة.

قال : قتلوا يوم صفّين بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال : ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه.

__________________

(١) الإمام أمير المؤمنين عليه السلام از ديدگاه خلفا : ص ١٢٠ و ١٢٩ و ١٨٧.

٥٨٥

.........................................

____________________________________

قال : بل ما نصفتُ أنا علياً إذ قُتِلَ وبقيتُ.

قال : صف لي علياً.

فقال : إن رأيت أن تعفيني.

قال : لا أعفيك.

قال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلاً ، ويحكم فصلاً ، تنفجر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ويقلّب كفّيه على ما مضى ، يعجبه من اللباس القصير ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ويتحبّب إلى المساكين ، لا يخاف القوي ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله.

فاُقسم لقد رأيته ليلة وقد مَثُل في محرابه ، وأرخى الليل سرباله وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول : يا دُنيا ألِيَّ تعرّضت أم إليّ أقبلت ، غُرّي غيري لا حان حينُك قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعيشُكِ حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر وقلّة الأنيس.

قال : فوكفت عينا معاوية وجعل ينشفهما بكمّه.

ثمّ قال : يرحم الله أبا الحسن كان كذلك فكيف صبرُك عنه؟

قال : كصبر من ذُبح ولدُها في حِجرها فهي لا ترقأ دمعتها ولا تسكن عبرتها.

قال : فكيف ذكرك له؟

٥٨٦

.........................................

____________________________________

قال : وهل يتركني الدهر أن أنساه؟!» (١).

وأمّا حديث الطرماح فهو ما رواه الشيخ الأديب أبو بكر بن عبد العزيز البستي بالأسانيد الصحاح أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لمّا رجع من وقعة الجمل كتب إليه معاوية بن أبي سفيان عليه اللعنة :

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أمّا بعد فقد اتّبعت ما يضرّك وتركت ما ينفعك وخالفت كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وقد انتهى إليّ ما فعلت بحواري رسول الله صلى الله عليه وآله طلحة والزبير واُمّ المؤمنين عائشة ، فوالله لأرمينّك بشهاب لا تطفيه المياه ولا تزعزعه الرياح إذا وقع وقب ، وإذا وقب ثقب ، وإذا ثقب نقب ، وإذا نقب التهب ، فلا تغرنّك الجيوش واستعدّ للحرب فإنّي ملاقيك بجنود لا قبل لك بها والسلام.

فلمّا وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكّه وقرأه ودعى بدواة وقرطاس وكتب إليه :

«بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبده علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمّه ووصيّه ومغسّله ومكفّنه وقاضي دَينه وزوج إبنته البتول وأبي سبطيه الحسن والحسين إلى معاوية بن أبي سفيان.

أمّا بعد فإنّي أفنيت قومك يوم بدر وقتلت عمّك وخالك وجدّك ، والسيف الذي قتلتهم به معي ، يحمله ساعدي بثبات من صدري ، وقوّة من بدني ، ونصرة من ربّي كما جعله النبي صلى الله عليه وآله في كفّي.

فوالله ما اخترت على الله ربّاً ، ولا على الإسلام ديناً ، ولا على محمّد نبيّاً ، ولا

__________________

(١) سفينة البحار : ج ٦ ص ١٨٤.

٥٨٧

.........................................

____________________________________

على السيف بدلاً ، فبالغ من رأيك ، فاجتهد ولا تقصّر فقد استحوذ عليك الشيطان ، واستفزّك الجهل والطغيان ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

والسلام على من اتّبع الهدى وخشي عواقب الردى.

ثمّ طوى الكتاب وختمه ودعى رجلاً من أصحابه يقال له : الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي وكان رجلاً جسيماً طويلاً أديباً لبيباً فصيحاً لَسِناً متكلّماً لا يكلّ لسانه ولا يعيي عن الجواب ، فعمّمه بعمامته ، ودعى له بجمل بازل وثيق فائق أحمر ، فسوّى راحلته ، ووجّهه إلى دمشق ، فقال له : يا طرماح انطلق بكتابي هذا إلى معاوية بن أبي سفيان وخذ الجواب.

فأخذ الطرماح الكتاب ، وكوّر بعمامته ، وركب مطيّته ، وانطلق حتّى دخل دمشق فسأل عن دار الإمارة فلمّا وصل إلى الباب قال له الحجّاب : من بغيتك؟

قال : اُريد أصحاب الأمير أوّلاّ ثم الأمير ثانياً.

فقالوا له : من تريد منهم؟

قال : اُريد جعشماً وجرولاً ومجاشعاً وباقعاً ـ وكان أراد أبا الأعور السلمي وأبا هريرة الدّوسي وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم ـ.

فقالوا : هم بباب الخضراء يتنزّهون في بستان.

فانطلق وسار حتّى أشرف على ذلك الموضع فإذا قوم ببابه فقالوا : جاءنا أعرابي بدوي دوين إلى السماء تعالوا نستهزىء به ، فلمّا وقف عليهم قالوا : يا أعرابي هل عندك من السماء خبر؟

فقال : بلى ، الله تعالى في السماء ، وملك الموت في الهواء ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في القفاء ، فاستعدّوا لما ينزل عليكم من البلاء ، يا أهل الشقاوة والشقاء.

قالوا : من أين أقبلت؟

٥٨٨

.........................................

____________________________________

قال : من عند حرّ تقي نقيّ زكيّ مؤمن رضيّ مرضيّ.

فقالوا : وأي شيء تريد؟

فقال : اُريد هذا الدعي الرديّ المنافق المردي الذي تزعمون أنّه أميركم ، فعلموا أنّه رسول أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى معاوية.

فقالوا : هو في هذا الوقت مشغول.

قال : بماذا بوعد أو وعيد؟

قالوا : لا ولكنّه يشاور أصحابه فيما يلقيه غداً.

قال : فسحقاً له وبُعداً.

فكتبوا إلى معاوية بخبره : أمّا بعد فقد ورد من عند علي بن أبي طالب رجل أعرابي بدوي فصيح لسن طلق ذلق ، يتكلّم فلا يكلّ ، ويطيل فلا يملّ فأعد لكلامه جواباً بالغاً ، ولا تكن عنه غافلاً ولا ساهياً والسلام.

فلمّا علم الطرماح بذلك أناخ راحلته ، ونزل عنها وعقلها ، وجلس مع القوم الذين يتحدّثون.

فلمّا بلغ الخبر إلى معاوية أمر إبنه يزيد أن يخرج ويضرب المصاف على باب داره ، فخرج يزيد وكان على وجهه أثر ضربة ، فإذا تكلّم كان جهير الصوت فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك ، وقالوا للطرماح ، هل لك أن تدخل على باب أمير المؤمنين؟

فقال : لهذا جئت وبه اُمرت ، فقال إليه ومشى ، فلمّا رأى أصحاب المصاف وعليهم ثياب سود فقال : من هؤلاء القوم كأنّهم زبانية لمالك على ضيق المسالك؟ فلمّا دنى من يزيد نظر إليه فقال : من هذا الميشوم ابن الميشوم ، والواسع الحلقوم ، المضروب على الخرطوم؟!

٥٨٩

.........................................

____________________________________

فقالوا : مه يا أعرابي ابن الملك يزيد.

فقال : ومن يزيد لا زاد الله مزاده ولا بلّغه مراده ومن أبوه؟ كانا قدماً غائصين في بحر الجلافة ، واليوم استويا على سرير الخلافة ، فسمع يزيد ذلك واستشاط وهمّ بقتله غضباً ثمّ كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم يقتله خوفاً منه وكظم غيظه وخبا ناره وسلّم عليه فقال : يا أعرابي إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام.

فقال : سلامه معي من الكوفة.

فقال يزيد : سلني عمّا شئت ، فقد أمرني أمير المؤمنين بقضاء حاجتك.

فقال : حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتّى يجلس من هو أولى منه بهذا الأمر!!

قال : فماذا تريد آنفاً؟

قال : الدخول عليه.

فأمر برفع الحجاب وأدخل إلى معاوية وصواحبه.

فلمّا دخل الطرماح وهو متنعّل قالوا له : اخلع نعليك.

فالتفت يميناً وشمالاً ثمّ قال : هذا ربّ الواد المقدّس فأخلع نعلي؟! فنظر فإذا هو معاوية قاعد على السرير مع قواعده وخاصّته ، ومثل بين يديه خدمه فقال : السلام عليك أيّها الملك العاصي.

فقرب إليه عمرو بن العاص فقال : ويحك يا أعرابي ، ما منعك أن تدعوه بأمير المؤمنين؟

فقال الأعرابي : ثكلتك اُمّك يا أحمق ، نحن المؤمنون ، فمن أمّره علينا بالخلافة.

فقال معاوية : ما معك يا أعرابي؟

فقال : كتاب مختوم من إمام معصوم.

فقال : ناولنيه.

٥٩٠

.........................................

____________________________________

قال : أكره أن أطأ بساطك.

قال : ناوله وزيري هذا وأشار إلى عمرو بن العاص.

فقال : هيهات هيهات ظلم الأمير وخان الوزير.

فقال : ناوله ولدي هذا وأشار إلى يزيد.

فقال : ما نرضى بإبليس فكيف بأولاده؟

فقال : ناوله مملوكي اشتريته من غير حلّ وتستعمله في غير حقّ!!!

قال : ويحك يا أعرابي فما الحيلة وكيف نأخذ الكتاب؟

فقال الأعرابي : أن تقوم من مقامك وتأخذه بيدك على غير كره منك ، فإنّه كتاب رجل كريم وسيّد عليم وحبر حليم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

فلمّا سمع منه معاوية وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب بغضب ، وفكّه وقرأه ووضعه تحت ركبتيه ، ثمّ قال : كيف خلّفت أبا الحسن والحسين؟

قال : خلّفته بحمد لله كالبدر الطالع ، حواليه أصحابه كالنجوم الثواقب اللوامع ، إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه ، وإذا نهاهم عن شيء لم يتجاسروا عليه ، وهو من بأسه يا معاوية في تجلّد بطل شجاع سميدع ، إن لقي جيشاً هزمه وأرداه ، وإن لقي قرناً سلبه وأفناه ، وإن لقي عدوّاً قتله وجزاه.

قال معاوية : كيف خلّفت الحسن والحسين؟

قال : خلّفتهما بحمد الله شابّين نقيّين تقيّين زكيّين عفيفين صحيحين سيّدين طيّبين فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا والآخرة.

فسكت معاوية ساعة فقال : ما أفصحك يا أعرابي؟

قال : لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لوجدت الاُدباء

٥٩١

.........................................

____________________________________

الفصحاء البلغاء النجباء الأتقياء الصفياء ، ولرأيت رجالاً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، حتّى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك الشعل ، لا بسين القلوب على مدارعهم ، قائمين ليلهم صائمين نهارهم ، لا تأخذهم في الله ولا في وليّ الله علي لومة لائم ، فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر عميق لا تنجو من لجّته.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرّاً : هذا رجل أعرابي بدوي لو أرضيته بالمال لتكلّم فيك بخير.

فقال معاوية : يا أعرابي ما تقول في الجائزة أتأخذها منّي أم لا؟

قال : بل آخذها فو الله أنا اُريد استقباض روحك من جسدك ، فكيف باستقباض مالك من خزانتك.

فأمر له بعشرة آلاف درهم ثمّ قال : أتحبّ أن أزيدك؟

قال : زد فإنّك لا تعطيه من مال أبيك ، وإنّ الله تعالى وليّ من يزيد.

قال : أعطوه عشرين ألفاً.

قال الطرماح : اجعلها وتراً فإنّ الله تعالى هو الوتر ويحبّ الوتر.

قال : أعطوه ثلاثين ألفاً فمدّ الطرماح بصره إلى إيراده فأبطأ عليه ساعة فقال : يا ملك تستهزئ بي على فراشك؟

فقال : لماذا يا أعرابي؟

قال : إنّك أمرت لي بجائزة لا أراها ولا تراها ، فإنّها بمنزلة الريح التي تهبّ من قلل الجبال!!! فأحضر المال ووضع بين يدي الطرماح فلمّا قبض المال سكت ولم يتكلّم بشيء.

فقال عمرو بن العاص : يا أعرابي كيف ترى جائزة أمير المؤمنين؟

٥٩٢

.........................................

____________________________________

فقال الأعرابي : هذا مال المسلمين من خزانة ربّ العالمين ، أخذه عبد من عباد الله الصالحين.

فالتفت معاوية إلى كاتبه وقال : اكتب جوابه ، فو الله لقد أظلمت الدنيا عليّ وما لي طاقة ، فأخذ الكاتب القرطاس فكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبده معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أمّا بعد فإنّي اُوجّه إليك جنداً من جنود الشام مقدّمته بالكوفة وساقته بساحل البحر ، ولأرمينّك بألف حمل من خردل تحت كلّ خردل ألف مقاتل فإن أطفأت نار الفتنة وسلّمت إلينا قتلة عثمان وإلاّ فلا تقل غال ابن أبي سفيان ، ولا يغرنّك شجاعة أهل العراق واتّفاقهم ناف فمثلهم كمثل الحمار الناهق يميلون مع كلّ ناعق والسلام.

فلمّا نظر الطرماح إلى ما يخرج تحت قلمه قال : سبحان الله لا أدري أيّكما أكذب أنت بادّعائك أم كاتبك فيما كتب!!! لو اجتمع أهل الشرق والغرب من الجنّ والإنس لم يقدروا به على ذلك.

فنظر معاوية فقال : والله لقد كتب من غير أمري.

فقال : إن كنت لم تأمره فقد استضعفك وإن كنت أمرته فقد استفضحك.

أو قال : إن كتب من تلقاء نفسه فقد خانك ، وإن أمرته بذلك فأنتما خائنان كاذبان في الدنيا والآخرة ثمّ قال الطرماح : يا معاوية أظنّك تهدّد البطّ بالشطّ.

فدع الوعيد فما وعيد ضائر

أطنين أجنحة الذباب يضير

والله إنّ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لديكاً عليَّ الصوت ، عظيم المنقار ، يلتقط الجيش بخيشومه ، ويصرفه إلى قانصته ، ويحطّه إلى حوصلته.

٥٩٣

.........................................

____________________________________

فقال معاوية : والله كذلك هو مالك بن الأشتر النخعي ثمّ قال : ارجع بسلام منّي» (١).

هكذا خضع الجبابرة أمام أهل البيت عليهم السلام وكذلك خضع الظالمون تجاههم.

وروي أنّ الرشيد لمّا أراد قتل الإمام موسى الكاظم عليه السلام أرسل إلى عمّاله في الأطراف فقال : التمسوا لي قوماً لا يعرفون الله أستعين بهم في مهم لي ، فأرسلوا إليه قوماً يقال لهم : العبدة ، فلمّا قدموا عليه وكانوا خمسين رجلاً أنزلهم في بين من داره قريب من المطبخ ، ثمّ حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثمّ استدعاهم وقال : مَن ربّكم؟

فقالوا : ما نعرف ربّاً وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ، ثمّ قال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّاً في هذه الحجرة فادخلوا إليه وقطّعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على الكاظم عليه السلام والرشيد ينظر ماذا يفعلون.

فلمّا رأوه رموا ألحتهم وخرّوا له سجّداً فجعل موسى عليه السلام يمرّ يده على رؤوسهم وهم منكّسون وهو يخاطبهم بألسنتهم.

فلمّا رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان أخرجهم فأخرجهم يمشون القهقري إجلالاً لموسى عليه السلام ثمّ ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا» (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٣ ص ٢٨٩ ح ٥٥٠.

(٢) جلاء العيون : ج ٣ ص ٧١.

٥٩٤

وَذَلَّ كُلُّ شَىْءٍ لَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ ذلّ : مأخوذ من الذِّل بكسر الذال بمعنى اللين والإنقياد والسهولة ضدّ الصعوبة ، كما وأنّ الذُّل بضمّ الذال بمعنى الخفّة والهوان ضدّ العزّة.

فكلمة ذَلَّ بمعنى انقاد ولانَ وسَهُل ، كما في قوله تعالى : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) (١).

وهذا الإنقياد هو غاية الخضوع ، يقال لكلّ مطيع من الناس ذليل ، ومن غير الناس ذلول (٢).

فالمعنى : انقاد وخضع كلّ شيء في العالم لكم بقدرة الله تعالى.

وهذه هي الولاية التكوينية الثابتة بقدرة الله تعالى وإرادته لأهل البيت عليهم السلام.

فإنّ كلّ شيء في الكون خاضع ومنقاد وتابع لهم ، ويمكنهم التصرّف بولايتهم في جميع أشياء ، الكون والتكوين.

وهذا مضافاً إلى ولايتهم التشريعية الثابتة لهم بنصب الله تعالى وهي إمامتهم وأولويتهم بالأمر وهدايتهم وإرشادهم مع وجوب إطاعتهم ، الثابتة بأدلّة الإمامة من الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز.

كما ثبتت ولايتهم التكوينية بالأدلّة المتظافرة المتقدّمة في فقرة : «والسادة الولاة».

ونضيف هنا بياناً أنّ من الأدلّة عليها :

١ / الاقتران في آية الولاية في سورة المائدة / الآية ٥٥ (٣).

٢ / حديث طارق بن شهاب الذي جاء فيه : «خلقهم الله من نور عظمته ،

__________________

(١) سورة الإنسان : الآية ١٤.

(٢) مجمع البحرين : ص ٤٧٤.

(٣) كنز الدقائق : ج ٤ ص ١٤٤.

٥٩٥

.........................................

____________________________________

وولاّهم أمر مملكته ، فهم سرّ الله المخزون وأولياؤه المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون» (١).

٣ / تصرّفاتهم الإعجازية في الكون والمكان والكائنات ، ممّا تلاحظها في كتاب الثاقب في المناقب.

فهم عليهم السلام أولياء الكون ، وكلّ شيء خاضع لهم بالتكوين ، بالقدرة الإلهية ، والإرادة الربّانية.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٦٩ ب ٤ ح ٣٨.

٥٩٦

وَاَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِكُمْ (١) وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ (٢) بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ (٣)

____________________________________

(١) ـ أي أشرقت الأرض بنور وجودكم ، فإنّه لولاهم عليهم السلام لما وجدت ولا ثبتت أرض ولا غيرها من سائر الموجودات. كما أشرقت القلوب بنور هدايتكم.

وتلاحظ بيان ذلك في فقرة : «ونوره وبرهانه».

قال الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (١) وجاء تفسيرها بنور الإمام عليه السلام كما في حديث علي بن إبراهيم (٢).

(٢) ـ الفوز : هو النجاة والظفر بالخير.

أي نجى وظفر الناجون بولايتكم أهل البيت ، وباعتقاد إمامتكم ، ومتابعتكم فإنّ شيعتكم هم الفائزون كما تظافر به الحديث من الفريقين.

وتلاحظ بيان ذلك ودليله في فقرة «وفاز من تمسّك بكم».

وكذلك فقرة «من اتّبعكم فالجنّة مأواه».

(٣) ـ أي بكم أهل البيت عليكم السلام لا بغيركم يسلك إلى جنان الله تعالى ورضوانه فإنّكم حجج الله وخلفاؤه والوسيلة إليه ، فاتّباعكم إطاعة لله ، وموجب لرضوانه.

إشارة إلى قوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٣).

وفي حديث تفسيره عن الإمام الهادي عليه السلام قال : «إذا صار أهل الجنّة في الجنّة ودخل ولي الله جنّاته ومساكنه ، واتّكى كلّ مؤمن منهم على أريكته ، حفّته زوجاته

__________________

(١) سورة الزمر : الآية ٦٩.

(٢) كنز الدقائق : ج ١١ ص ٣٣٨.

(٣) سورة التوبة : الآية ٧٢.

٥٩٧

.........................................

____________________________________

وخدّامه ، وتهدّلت عليه الثمار ، وتفجّرت حوله العيون ، وجرت من تحته الأنهار ، وبُسطت له الزرابي ، وصُفّفت له النمارق وأتته الخدّام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك.

قال : وتخرج عليهم الحور العين من الجنان ، فيمكثون بذلك ما شاء الله ، ثمّ أنّ الجبّار يشرف عليهم ، فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنّتي في جواري ، ألا هل اُنبّئكم بخير ممّا أنتم فيه؟

فيقولون : ربّنا ، وأيّ شيء خير ممّا نحن فيه؟ نحن فيما اشتهت أنفسنا ولذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم.

قال : فيعود عليهم بالقول.

فيقولون : ربّنا نعم ، فأتنا بخير ممّا نحن فيه.

فيقول لهم تبارك وتعالى : رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه.

قال : فيقولون : نعم ، يا ربّنا رضاك ومحبّتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا.

ثمّ قرأ علي بن الحسين عليهما السلام هذه الآية : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ـ إلى قوله ـ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)» (١).

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٤٩٨.

٥٩٨

وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي على من جحد وأنكر ولايتكم وإمامتكم وخلافتكم ووجوب طاعتكم غضب الله الرحمن أي سخطه وعذابه وعقابه.

قال تعالى : (ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (١).

وفي حديث تفسيره عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : قال الله عزّ وجلّ : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتركهم ولاية علي عليه السلام (عَذَابًا شَدِيدًا) في الدنيا (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الآخرة (ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) والآيات : الأئمّة عليهم السلام» (٢).

__________________

(١) سورة فصّلت : الآية ٢٨.

(٢) كنز الدقائق : ج ١١ ص ٤٤٤.

٥٩٩

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفسي وَاَهْلي وَمالي (١) ذِكْرُكُمْ فِى الذّاكِرينَ ، وَاَسْماؤُكُمْ فِى الاْسْماءِ ، وَاَجْسادُكُمْ فِى الاْجْسادِ، وَاَرْواحُكُمْ فِى اْلاَرْواحِ ، وَاَنْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ ، وَآثارُكُمْ فِى الاْثارِ ، وَقُبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ (٢)

____________________________________

(١) ـ سبق أنّ هذه الكلمات إنشاء للتحبيب وتعظيم للمحبوب ، بتفدية ما أحبّه الإنسان أي أفديكم يا أهل البيت بأبي واُمّي ، أو أنتم مفديّون بأبي واُمّي.

(٢) ـ الروح هنا : هي التي بها حياة الإنسان ويشتمل عليه البدن.

والنفس : هي جملة الشيء وحقيقته.

والآثار : جمع الأثر هي بقيّة الشيء وما يبقى منه.

وقد فُسّرت هذه الفقرات المباركة بتفسيرات عديدة منها :

الأوّل : إنّ ذكركم الشريف وإن كان في الظاهر مذكوراً بين الذاكرين فيذكرونكم ويذكرون غيركم ، لكن لا نسبة بين ذكركم وذكر غيركم ، من جهة ما لكم من كمال الامتياز والسموّ والرفعة والقدر والمنزلة.

وكذا بقيّة الفقرات يعني أسماؤكم وأجسادكم وأرواحكم الخ.

والقرينة على هذا المعنى قوله : فما أحلى أسماؤكم الخ المفيد للامتياز.

وهذا المعنى يستفاد من العلاّمة المجلسي (١) ، وأفاد السيّد شبّر (٢) أنّه أحسن المعاني وأوضحها.

الثاني : أنّ الأخبار في هذه الفقرات هي الأحسنية المحذوقة ، وتقدّر بما يناسبها.

يعني ذكركم في الذاكرين أحسنُ الذكر ، وأسماءكم في الأسماء أحسن الأسماء وهكذا.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤٣.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ١٨٨.

٦٠٠