في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

وَيَسْلُكُ سَبيلَكُمْ (١) وَيَهْتَدي بِهُداكُمْ (٢) وَيُحْشَرُ فى زُمْرَتِكُمْ (٣) وَيَكِرُّ فى رَجْعَتِكُمْ (٤)

____________________________________

(١) ـ السبيل معناه : الطريق أي جعلني الله ممّن يسلك طريقكم الذي تسلكوه.

وقد ورد صريحاً في الأحاديث المباركة أنّ أهل البيت عليهم السلام هم سبيل الله وسبيل الهدى وسبيل الرشاد ومن سلكه نجا ، كما تلاحظها مجموعة في أحاديث المرآة (١).

(٢) ـ أي جعلني الله تعالى ممّن يهتدي بهداكم الذي هو هدى الله تعالى.

فهم عليهم السلام أئمّة الهداية والإرشاد ، كما تقدّم بيان ذلك في فقرة «السلام على أئمّة الهدى».

(٣) ـ الحشر : هو الجمع بكثرة مع سَوق ، كما تلاحظ تفصيله في تفسير قوله تعالى : (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) (٢) ـ (٣).

والزمرة : هي الجماعة من الناس.

أي جعلني الله تعالى ممّن يُحشر يوم القيامة في جماعتكم أهل البيت.

لأنّه الحشر الفائز يوم القيامة ، والموصل إلى الجنّة تحت راية الأئمّة.

فهم عليهم السلام يقودون شيعتهم إلى روضات الجنّات وأعلى الدرجات كما تقدّم بيانه مع أحاديثه في فقرة : «والقادة الهداة».

(٤) ـ كرَّ يكرُّ على وزن مدّ يمُدّ بمعنى : رجَعَ ، من الكرّة بمعنى الرجعة.

والرجعة : هي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت والحياة قبل يوم القيامة عند ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه ، كما تقدّم بيانها ودليلها في فقرة «مصدّق برجعتكم».

أي جعلني الله تعالى من خواصّ شيعتكم الذين يكرّون في رجعتكم الغرّاء.

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ١٢٤.

(٢) سورة الكهف : الآية ٤٧.

(٣) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٩٠.

٥٦١

وَيُمَلَّكُ فى دَوْلَتِكُمْ (١) وَيُشَرَّفُ فى عافِيَتِكُمْ (٢)

____________________________________

(١) ـ يُملّك بصيغة المبني للمجهول اي : يُجعل مَلِكاً.

أي جعلني الله تعالى ممّن يصير مَلِكاً لإعلاء كلمته وإظهار دينه في دولتكم الحقّة.

فإنّ خواصّ الشيعة في الرجعة يصيرون ملوكاً في دولتهم المظفّرة.

(٢) ـ الشرف : هو العلو والمكان العالي ، وشُبّه به العلو المعنوي في الشرافة.

والعافية : هي السلامة من المكاره والبلايا.

أي جعلني الله تعالى ممّن يصير شريفاً معظّماً في زمان سلامتكم من أعاديكم ، وسلامتكم من بغي كلّ باغٍ وطاغٍ عليكم ، وهو زمان دولتهم السعيدة.

واحتمل السيّد شبّر قراءة عافيتكم بالقاف ، يعني عاقبتكم بمعنى عاقبة أمركم وهي : دولتهم وأيام ظهورهم (١).

كما احتمله والد العلاّمة المجلسي (٢) ، كما هو هكذا في نسخة الكفعمي أعلى الله مقامه.

وكيف كان فمقتضيات الشرافة السامية لشيعتهم الزاكية متوفّرة في تلك الدولة الزاهرة.

وقد تقدّم شيء منها في فقرة «مرتقب لدولتكم».

__________________

(١) الأنوار اللامعة : ص ١٧٧.

(٢) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٩١.

٥٦٢

وَيُمَكَّنُ فى اَيّامِكُمْ (١) وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ (٢) بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي وَاَهْلي وَمالي (٣) مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ (٤)

____________________________________

(١) ـ يمكّن بصيغة المبني للمجهول أي : يجعل له التمكّن والمُكنة.

يقال : أمكنه من الشيء أي جعل له سلطاناً وقدرةً عليه فتمكّن منه ، ومعنى تمكّن منه أي قدر عليه ، وله مُكنة أي قوّة وشدّة (١).

فالجملة دعاء بأن يُجعل للزائر الداعي القدرة والسلطة والقوّة في أيّامهم السعيدة ودولتهم الرشيدة.

وفي نسخة الكفعمي : «ويمكّن في ولايتكم ، ويتمكّن في أيّامكم».

(٢) ـ قال في المجمع : (قُرّة العين برودتها وإنقطاع بكائها ...) (٢).

أي جعلني الله تعالى ممّن تسرّ عينه برؤيتكم البهيجة ، فإنّها اُمنيّة كلّ محبّ واُنشودة كلّ مشتاق.

(٣) ـ مرّ أنّها تفدية ما أحبّه الإنسان تعظيماً للمخاطب وتحبيباً له.

وأهل البيت عليهم السلام أجدر من يُفدَّون بكلّ غالٍ ونفيس.

(٤) ـ أي أنّ من أراد معرفة الله تعالى ومرضاته بدأ بكم ، وأراده من طريقكم.

إذ لا يمكن الوصول إلى معرفته ومعارفه ومراضيه إلاّ بطريقكم واتّباعكم ، عقيدةً وقولاً وفعلاً.

فإنّكم حجج الله والسبيل إليه والأدلاّء عليه كما تقدّم ودليله في فقرة : «السلام على محالّ معرفة الله».

__________________

(١) مجمع البحرين ص ٥٧٢.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢٩٦.

٥٦٣

وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ (١) وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ (٢)

____________________________________

(١) ـ أي أنّ كلّ موحّد معتقد بتوحيد الله تعالى يقبل قولكم.

فإنّ البرهان اليقيني كما يدلّ على توحيد الله يدلّ على إمامتكم وخلافتكم لله ، فلابدّ من القبول عنكم خلفاء الله تعالى.

كما وأنّ حقيقة التوحيد إنّما عرفت منكم ، فمن لم يقبل علومكم وأدلّتكم لم يعرف التوحيد الحقّ.

كما وأنّ التوحيد الخالص يكون بشرطه وشروطه ، وأهل البيت عليهم السلام من شروطه ، فلا بدّ من الإذعان بولايتهم وهو يقتضي قبول قولهم.

وقد تقدّم بيان ذلك ودليله في فقرة : «وأركاناً لتوحيده».

قال العلاّمة المجلسي : (ومن وحّده قَبِل عنكم : أي من لم يقبل عنكم فليس بموحّد ، بل هو مشرك وإن أظهر التوحيد) (١).

(٢) ـ أي من قصد الله تعالى توجّه إليه بكم وعن طريقكم.

لأنّكم وجه الذي يتوجّه به ، وباب الله الذي يؤتى منه ، والوسيلة التي يلزم أن تبتغى إليه ، كما تلاحظ بيانه ودليله في فقرة : «مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤٣.

٥٦٤

مَوالِيَّ لا اُحْصي ثَناءَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ موالي : جمع مولى ، أي يا موالي ، نداء وخطاب لأهل البيت عليهم السلام.

والثناء بالمدّ : هو الذكر الحسن والكلام الجميل ، يقال : أثنيت عليه أي مدحته. وكنه الشيء : نهايته.

أي إنّي لا أتمكّن من إحصاء مدحكم من حيث لا يمكنني إحصاء معروفكم ومحامدكم التي توجب الثناء عليكم.

وحتّى لو مدحتكم لا أصل في المدح إلى نهايتكم ، وفي الوصف إلى توصيف قدركم.

وأنّى لنا بمعرفة كنهكم ، أو توصيف شأنكم الذي لا تناله العقول ، ولا تصل إليه الألباب.

كما تلاحظ ذلك في أحاديث الإمامة مثل :

١ ـ حديث طارق بن شهاب ، عن أمير المؤمنين عليه السلام جاء فيه : «وهل يعرف أو يوصف أو يُعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك من هو شعاع جلال الكبرياء ، وشرف الأرض والسماء؟

جلّ مقام آل محمّد صلى الله عليه وآله عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين وأن يقاس بهم أحد من العالمين» (١).

٢ ـ حديث عبد العزيز بن مسلم ، عن الإمام الرضا عليه السلام جاء فيه : «الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ، ولا نظير» (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٧١ ب ٤ ح ٣٨.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠١ ح ١.

٥٦٥

وَاَنْتُمْ نُورُ الاْخْيارِ (١) وَهُداةُ الاْبْرارِ (٢)

____________________________________

(١) ـ هذه الفقرات الشريفة تعليل لقوله : «مواليّ لا اُحصي ثنائكم» الخ ، وبيان لوجه العجز عن إحصاء ثنائهم وبلوغ المدح إلى كنههم وتوصيف قدرهم.

يعني كيف أحصي ثنائكم وأبلغ في المدح كنهكم وأتمكّن من وصف قدركم؟ والحال أنّكم في هذه الدرجات السامية :

فأنتم نور الأخيار أي : منوّروهم ومعلّموهم وهادوهم ، أنتم شمس الهداية للأخيار.

والأخيار : هم الأنبياء المرسلون والملائكة المقرّبون.

وأنا عاجز عن إحصاء ما لأولئك الأخيار من الكمالات والمحمدات ، فكيف باحصاء كمالاتكم ومحامدكم التي توجب الثناء عليكم وأنتم منوّروا اُولئك الأخيار.

ففي حديث الإمام الرضا عليه السلام المتقدّم : «الإمام كالشمس المضيئة ...» (١).

وفي نسخة الكفعمي : «لأنّكم نور الأنوار ، وخيرة الأخيار».

(٢) ـ الأبرار : جمع بَرّ بالفتح بمعنى البارّ ، وهو فاعل الخير.

أي أنتم هداة الأبرار ، وهم شيعتهم الطيّبون وأولياؤهم المحسنون.

فهم عليهم السلام الهادون في تفسير قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (٢).

لاحظ بيان ذلك ودليله في فقرة : «والقادة الهداة».

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٢) سورة الأنبياء : الآية ٧٣.

٥٦٦

وَحُجَجُ الْجَبّارِ (١) بِكُمْ فَتَحَ اللهُ (٢) وَبِكُمْ يَخْتِمُ (٣)

____________________________________

(١) ـ أي وأنتم حجج الله الملك الجبّار.

فأهل البيت عليهم السلام جعلهم الله تعالى حجّته البالغة على جميع خلقه ومخلوقاته ، وتقدّم له باب كامل من الأحاديث المتظافرة في أنّهم الحجج على جميع العوالم وجميع المخلوقات (١) في فقرة : «وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى».

(٢) ـ أي بكم أهل البيت فتح الله تعالى الوجود والخلق ، أو الخلافة والولاية الكبرى ، أو الخيرات والفيوضات.

ففي حديث الكساء الشريف : «فقال الله عزّ وجلّ يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي إنّي ما خلقت سماء مبنيّة ، ولا أرضاً مدحيّة ، ولا قمراً منيراً ، ول شمساً مضيئة ، ولا فلكاً يدور ، ولا بحراً يجري ، ولا فُلكاً يسري إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.

فقال الأمين جبرائيل : يا ربّ ومن تحت الكساء؟

فقال عزّ وجلّ : هم أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها» (٢).

(٣) ـ أي بدولتكم المباركة تُختم الدول ، فإنّها آخر الدول كما تقدّم في بيان الرجعة في فقرة : «مرتقب لدولتكم».

أو يختم بدولتكم في الآخرة كما تقدّم عند بيان فقرة : «إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم».

وفي نسخة الكفعمي : «بكم ختم الله».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٤٦ ب ١٥ الأحاديث.

(٢) العوالم : ج ١١ القسم الثاني ص ٩٣٣.

٥٦٧

وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ (١) وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ اِلاّ بِاِذْنِهِ (٢) وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ (٣)

____________________________________

(١) ـ فإنّهم عليهم السلام معدن الرحمة والبركة ، وببركتهم يُنزّل الغيث وتنشر الرحمة كما تلاحظه في الأحاديث المتواترة المتقدّم بيانها في فقرة : «ومساكن بركة الله».

وفي نسخة الكفعمي : «وبكم ينزّل الغيث والرحمة».

(٢) ـ أي بكم أهل البيت وببركة وجودكم يمسك الله تعالى السماء ويحفظها عن أن تقع على الأرض ، عند حصول أسباب ذلك ، من عصيان بعض المخلوقين ، وشرك المشركين واتّخاذهم الآلهة الباطلة كما قال تعالى : (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا) (١).

فلا تسقط السماء إلاّ بإذنه ، ومورد إذنه عند قيام الساعة ، أو في كلّ وقت يريده الله تعالى ويأذن فيه.

ولو لا هم عليهم السلام لساخت الأرض ولسقطت السماء.

ففي دعاء العديلة : «بيُمنه رُزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء».

(٣) ـ التنفيس : هو إذهاب الهمّ والغمّ ، يقال : نفّس الله كربته أي فرّجها ، والأصل في التنفيس هو التفريج ، كأنّه مأخوذ من قولهم : أنت في نَفَس من أمرك أي سعة (٢).

والهمّ : هو الحزن (٣).

وفي الدعاء : «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والغمّ والحزن» ، وقيل : الهمّ قبل نزول الأمر ، والغمّ بعد نزوله ، والحزن هو الأسف على ما فات ، وأهمّني الأمر أي أقلقني (٤).

__________________

(١) سورة مريم : الآية ٩٠ ـ ٩١.

(٢) مجمع البحرين : ص ٣٣٦.

(٣) ترتيب العين : ج ٣ ص ١٩٠١.

(٤) مجمع البحرين : ص ٥٤٣.

٥٦٨

.........................................

____________________________________

وأهل البيت عليهم السلام بهم تزول الهموم وتسرّ النفوس ، بكفاية الاُمور وقضاء الحاجات.

لأنّهم الوسيلة إلى الله تعالى والشفعاء إليه كما تلاحظه في أحاديثه (١) وقد شهد بتفريجهم الهموم حتّى عدوّهم كما تلاحظه في الحديث (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣١٩ ب ٧ الأحاديث.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ٢٦ ب ١ ح ١٤.

٥٦٩

وَيَكْشِفُ الضُّرَّ (١)

____________________________________

(١) ـ كشف الشيء : إزالته وإزاحته.

وكشف الله غمّه : أزاله ، وفي التنزيل : (رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١).

والضُرّ بضمّ الضاد : سوء الحال ، والضرر في النفس من مرض وهزال.

وأهل البيت عليهم السلام يدفع الله تعالى ببركتهم الأسواء والأضرار عن الخلق.

وقد جاء في الزيارة الجامعة الاُخرى : «بكم ينزّل الغيث وينفّس الهمّ ويكشف السوء ويدفع الضرّ ويُغنى العديم وشفى السقيم» (٢).

وفي الزيارة الرجبية الشريفة : «فبكم يجبر المهيض ، ويشفى المريض» (٣).

فإنّهم عليهم السلام أمان لأهل الأرض ، وبهم تنزل الرحمة ويصرف العذاب كما في أحاديث كثيرة منها :

حديث خيثمة الجعفي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول : «نحن جنب الله ، ونحن صفوته ، ونحن حوزته ، ونحن مستودع مواريث الأنبياء ، ونحن اُمناء الله عزّ وجلّ ، ونحن حجج الله ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ، ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن مَن بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمّة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، ونحن العَلم المرفوع للخلق ، مَن تمسّك بنا لحق ، ومن تأخّر عنّا غرق ، ونحن قادة الغرّ المحجّلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عزّ وجلّ ، ونحن من نعمة الله عزّ وجلّ على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن

__________________

(١) المعجم الوسيط : ج ٢ ص ٧٨٩ ، سورة الدخّان : الآية ١٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٥٤ ب ٥٧ ح ٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٩٥ ب ٨ ح ٦.

٥٧٠

.........................................

____________________________________

النبوّة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة ، ونحن عرى الإسلام ، ونحن الجسور والقناطر ، من مضى عليها لم يُسبق ، ومن تخلّف عنها محق ، ونحن السنام الأعظم ، ونحن الذين بنا ينزّل الله عزّ وجلّ الرحمة ، وبنا يسقون الغيث ، ونحن الذين بنا يُصرف عنكم العذاب.

فمن عرفنا وابصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا» (١).

والشواهد كثيرة والمشاهدات وفيرة فيما تفضّل الله تعالى ببركتهم من إرسال الخيرات ودفع المضرّات.

__________________

(١) إكمال الدين : ص ٢٠٥ ب ٢١ ح ٢٠.

٥٧١

وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ ، وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ (١)

____________________________________

(١) ـ الجملة الثانية مفسّرة للجملة الاُولى.

والمعنى أنّ عندكم أهل البيت سلام الله عليكم ما أنزلته الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام ، فجمع الله تعالى لكم كلّ ما خصّ الله به أنبياءه ، وشرّفكم وحدكم بجميع فضائل النبيين كلّهم ، بما هبط به الملائكة المقرّبون من الصحف الإلهية والكتب السماوية ، والعلوم الربّانية ، والأسرار الحقّانية ، والمواريث القدسيّة.

فعندهم صحف إبراهيم ، وتوراة موسى ، والألواح ، وزبور داود ، وانجيل عيسى وسائر الكتب المقدّسة كما في أحاديث الكافي (١).

وعندهم تابوت بني اسرائيل الذي فيه السكينة وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون كما في حديث الكنز (٢).

وعندهم مواريث النبي موسى عليه السلام كالحجر ، والطست ، والعصى التي تأتي بالعجائب كما في حديث البحار (٣).

وعندهم العلوم والأسرار الإلهية ، والمواريث النبوية كما تقدّم تفصيلها ودليلها في فقرات «خزّان العلم» و«حفظة سرّ الله» و«ورثة الأنبياء» ، وهذه كرامات جُمعت لهم واختصّت بهم سلام الله عليهم.

وفي العيون : «وعندكم ما ينزل به رسله».

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٢٥ ح ٤ و ٥ ، وص ٢٢٧ ح ١.

(٢) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٨٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٦٠.

٥٧٢

وَاِلى جَدِّكُمْ * بُعِثَ الرُّوحُ الاْمينُ (١)

____________________________________

(١) ـ أي إلى جدّكم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بُعث واُرسل جبرائيل عليه السلام.

والإنبعاث : هو الإسراع إلى الطاعة للباعث (١).

والروح الأمين : هو أمين وحي الله جبرائيل عليه السلام كما عبّر عنه بذلك في قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (٢).

وهذا من معالي مزاياهم عليهم السلام أن يكون جدّهم وأخو أمير المؤمنين عليه السلام هو من بُعث إليه جبرئيل عليه السلام رسولاً من قبل الله تعالى ، بأتمّ بعثة وأكمل إرسال.

ولعلّ تقديم «إلى جدّكم» المفيد للاختصاص يفيد هذه الخصوصية المنحصرة برسول الله صلى الله عليه وآله أن كانت بعثة جبرئيل إليه بأتمّ وأكمل بعثة.

من حيث الكمّية والكيفية ، بحيث لم تكن بهذه الخصوصية لسائر الأنبياء ، عليهم سلام الله في جميع الآناء.

أمّا من حيث الكمّ فنُقل أنّ جبرائيل عليه السلام نزل على إبراهيم عليه السلام خمسين مرّة وعلى موسى عليه السلام أربعمائة مرّة وعلى عيسى عليه السلام عشر مرّات وعلى محمّد صلى الله عليه وآله أربعة وعشرين ألف مرّة (٣).

وأمّا من حيث الكيف ففي غاية العظمة والتشريف كما في أحاديثه التي منها :

١ ـ حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر عليه السلام : «... فلمّا بعث الله جبرئيل إلى محمّد صلى الله عليه وآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا ،

__________________

(*) في الفقيه : ج ٢ ص ٦١٥ : [وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام فقل : «وإلى أخيك بُعث الروح الأمين].

(١) مجمع البحرين : ص ١٥٠.

(٢) سورة الشعراء : الآية ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) سفينة البحار : ج ١ ص ٥٤٤.

٥٧٣

.........................................

____________________________________

فصعق أهل السماوات.

فلمّا فرغ من الوحي انحدر جبرئيل ، كلّما مرّ بأهل السماء فزّع عن قلوبهم ... فقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلي الكبير».

٢ ـ حديث كمال الدين : سُئل الصادق عليه السلام عن الغشية التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله أكانت تكون عند هبوط جبرئيل؟

فقال : «لا ، إنّ جبرئيل عليه السلام إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله لم يدخل عليه حتّى يستأذنه ، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنّما ذلك ـ أي الغشية ـ عند مخاطبة الله عزّ وجلّ إيّاه بغير ترجمان وواسطة».

٣ ـ حديث عمر بن يزيد ، عن الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ جبرئيل كان يجيء فيستأذن على رسول الله ، وإن كان على حال لا ينبغي أن يأذن له قام في مكانه حتّى يخرج إليه ، وإن أذن له دخل عليه.

فقلت : وأين المكان؟

قال : حيال الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له : باب فاطمة بحذاء القبر ، إذا رفعت رأسك بحذاء الميزاب ، والميزاب فوق رأسك ، والباب من وراء ظهرك. الخبر» (١).

وفي نسخة الكفعمي هنا زيادة : «وبمفتاح منطقكم نطق كلّ لسان ، وبكم يسبّح القدّوس السبّوح ، وبتسبيحكم جرت الألسن بالتسبيح ، والله بمنّه آتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٢٥٩ ب ٢ الأحاديث ١١ و ١٢ و ١٨ ، كنز الدقائق : ج ١٢ ص ٤٨٩.

٥٧٤

آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمينَ (١)

____________________________________

(١) ـ أي آتاكم الله تعالى من العلوم والمعارف ، والأسرار والمواهب ، والمواريث والعطايا ، والخصائص والفضائل ما لم يؤتها أحداً من العالمين حتّى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين.

فإنّ العالمين بفتح اللام جمع ، محلّى باللام يفيد العموم ، ويشمل جميع العوالم التي ترى الإشارة إليها في حديث الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «إنّ لله عزّ وجلّ إثنى عشر الف عالم ... إنّي الحجّة عليهم» (١).

والعالمين بمعنى : أصناف الخلق وكلّ صنف منهم عالَم كما في المجمع (٢).

وأحداً نكرة في سياق النفي ، فيفيد عموم كلّ أحد أيضاً.

فأهل البيت وسيّدهم الرسول الأكرم سلام الله عليهم أعطاهم الله هذه العطايا الفضلى ، وتفضّل عليهم بهذه المنح العظمى ، لأنّهم المفضّلون على الخلق أجمعين ، والمصطفون على العالمين.

حيث إنّهم سبقوا جميع الخلق إلى طاعة الله ، وفاقوهم في التقرّب إلى الله من النشأة الاُولى إلى المراحل الاُخرى.

وقد علم الله تعالى منهم الوفاء فاختارهم باختياره الثاقب المصيب.

ففي حديث الوصيّة : «يا علي إنّ الله عزّ وجلّ أشرف على [أهل] الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الثالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين» (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ٣٢٠ ب ١ ح ٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٣٧٤.

(٣) مجمع البحرين : ص ٥٢٧.

٥٧٥

.........................................

____________________________________

وقد فُضّلوا حتّى على الأنبياء العظام كما في حديث حذيفة بن أسيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثّلوا له ، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم».

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من نبي نُبّيء ، ولا من رسول اُرسل إلاّ بولايتنا وتفضيلنا على من سوانا» (١).

وفُضّلوا على الملائكة الكرام كما في حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : «يا علي إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي لو لا نحن ما خلق آدم ولا حوّا ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقدسيه ، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده» (٢).

وتلاحظ إختصاصهم بالمزايا والخصائص العلياء التي فُضّلوا بها على العالمين حتّى الأنبياء ، في أحاديث متظافرة منها :

حديث إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلّهم؟

قال : نعم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٨١ ب ٦ الأحاديث ٢٧ و ٢٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٣٥ ب ٨ ح ١.

٥٧٦

................................ ____________________________________

قلت : من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟

قال : ما بعث الله نبيّاً إلاّ ومحمّد صلى الله عليه وآله أعلم منه.

قال : قلت : إنّ عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله.

قال : صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل؟

قال : فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) (١) حين فقده ، فغضب عليه فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) (٢).

وإنّما غضب لأنّه كان يدلّه على الماء فهذا ـ وهو طائر ـ قد اُعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والإنس والجنّ والشياطين والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ) (٣) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلاّ أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون ، جعله الله لنا في اُمّ الكتاب ، إنّ الله يقول : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (٤). ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (٥).

فنحن الذين اصطفانا الله عزّ وجلّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شيء (٦).

__________________

(١) سورة النمل : الآية ٢٠.

(٢) سورة النمل : الآية ٢١.

(٣) سورة الرعد : الآية ٣١.

(٤) سورة النمل : الآية ٧٥.

(٥) سورة فاطر : الآية ٣٢.

(٦) الكافي : ج ١ ص ٢٢٦ ح ٧.

٥٧٧

................................ ____________________________________

وحديث جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ، ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين.

ونحن عندنا من الإسم الأعظم إثنان وسبعون حرفاً ، وحرفٌ واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوّة إلاّ الله العلي العظيم».

وحديث هارون بن الجهم ، عمّن رواه قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «إنّ عيسى بن مريم عليه السلام اُعطي حرفين كان يعمل بهما ، واُعطي موسى أربعة أحرف واُعطي إبراهيم ثمانية أحرف ، واُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، واُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإنّ الله تعالى جمع ذلك كلّه لمحمّد صلى الله عليه وآله.

وإنّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، اعطي محمّداً صلى الله عليه وآله إثنين وسبعين حرفاً وحجب عنه حرف واحد» (١).

هذا مضافاً إلى ما آتاهم الله تعالى من معاجزهم الخاصّة وقدرتهم الفائقة التي تلاحظها في أفعالهم ، مثل ما أبداه أمير المؤمنين عليه السلام في قضيّة الغلام الذي جاءه من قبل معاوية وادّعى ما ادّعى.

فروى ميثم التمّار أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رقى المنبر وراقى ثمّ تنحنح فسكت جميع من في الجامع ، فقال : «رحم الله من سمع فوعى ، أيّها الناس من يزعم أنّه أمير المؤمنين؟ والله لا يكون الإمام إماماً حتّى يحيي الموتى ، أو ينزل من السماء مطراً ، أو يأتي بما يشاكل ذلك ممّا يعجز عنه غيره ، وفيكم من يعلم أنّي الآية

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٢٦ ح ٧ ، وص ٢٣٠ ح ١ و ٢.

٥٧٨

.........................................

____________________________________

الباقية ، والكلمة التامّة ، والحجّة البالغة.

ولقد أرسل إليّ معاوية جاهلاً من جاهليّة العرب عجرف في مقاله ، وأنتم تعلمون لو شئت لطحنت عظامه طحناً ، ونسفت الأرض من تحته نسفاً ، وخسفتها عليه خسفاً ، إلاّ أنّ احتمال الجاهل صدقة.

ثمّ حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله. وأشار بيده إلى الجوّ فدمدم ، وأقبلت غمامة وعلت سحابة ، وسمعنا منها نداءً يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، ويا سيّد الوصييّن ويا إمام المتّقين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا كنز المساكين ، ومعدن الراغبين.

وأشار إلى السحابة فدنت!

قال ميثم : فرأيت الناس كلّهم قد أخذتهم السكرة ، فرفع عليه السلام رجله وركب السحابة وقال لعمّار : اركب معي وقل : (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) فركب عمّار وغابا عن أعيننا ، فلمّا كان بعد ساعة أقبلت سحابة حتّى أظلّت جامع الكوفة ، فالتفتُّ فإذا مولاي جالس على دكّة القضاء؟

وعمّار بين يديه : والناس حافّون به ثمّ قام وصعد المنبر ، وأخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقيّة. فلمّا فرغ اضطرب الناس! وقالوا فيه أقاويل مختلفة. فمنهم من زاده الله إيماناً ويقيناً! ومنهم من زاده كفراً وطغياناً.

قال عمّار : قد طارت بنا السحابة في الجوّ ، فما كان هنيئة حتّى أشرفنا على بلد كبير حواليها أشجار وأنهار ، فنزلت بنا السحابة وإذا نحن في مدينة كبيرة ، والناس يتكلّمون بكلام غير العربية ، فاجتمعوا عليه ولاذوا به ، فوعظهم وأنذرهم بمثل كلامهم ، ثمّ قال : يا عمّار اركب ففعلت ما أمرني ، فأدركنا جامع الكوفة ثمّ قال لي : يا عمّار تعرف البلدة التي كنت فيها؟

٥٧٩

.........................................

____________________________________

قلت : الله أعلم ورسوله ووليّه.

قال : كنّا في الجزيرة السابعة من الصين أخطب كما رأتني ، إنّ الله تبارك وتعالى أرسل رسوله إلى كافّة الناس ، وعليه أن يدعوهم ويهدي المؤمنين منهم إلى الصراط المستقيم ، وأشكر ما أوليتك من نعمة ، وأكتم من غير أهله ، فإنّ لله تعالى ألطافاً خفيّة في خلقه ، لا يعلمها إلاّ هو ومن ارتضى من رسول.

ثمّ قالوا : أعطاك الله هذه القدرة الباهرة وأنت تستنهض الناس لقتال معاوية؟

فقال : إنّ الله تعبّدهم بمجاهدة الكفّار والمنافقين ، والناكثين ، والقاسطين ، والمارقين.

والله لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة ، وضربت بها صدر معاوية بالشام ، وأجذب بها من شاربه ـ أو قال من لحيته ـ فمدّ يده وردّها وفيها شعرات كثيرة فتعجّبوا من ذلك. ثمّ وصل الخبر بعد مدّة أنّ معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان عليه السلام مدّ يده ، وغشي عليه ، ثمّ أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات» (١).

إلى غير ذلك ممّا اُعطوا دون العالمين ، من خصائصهم السامية الواردة في زياراتهم العالية ، خصوصاً هذه الزيارة السادسة المطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام التي تضمّنت المواهب الربّانية التي حازوها هم عليهم السلام دون الخلق ، فتدبّر في المعالي الشريفة التي جاءت في تلك الزيارة أيضاً :

«... السلام على مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، صاحب السوابق والمناقب والنجدة ومبيد الكتائب ، الشديد الباس ، العظيم المراس ، المكين الأساس

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ٣٤٤ ب ١ ح ٣٦.

٥٨٠