في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

مسلم المتقدّم (١).

وأمّا الأحاديث فهي متواترة في ذلك ، كما صرّح بالتواتر في روضة المتّقين (٢) ومن ذلك :

١ ـ حديث عبد الله بن الوليد قال : قال لي ابو عبد الله عليه السلام : أي شيء يقول الشيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين عليه السلام؟

قلت : يقولون : إنّ عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين عليه السلام.

قال : فقال : أيزعمون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد علم ما علم رسول الله؟

قلت : نعم ، ولكن لا يقدّمون على اُولوا العزم من الرسل أحداً.

قال أبو عبد الله عليه السلام : فخاصمهم بكتاب الله.

قال : قلت : وفي أي موضع منه اُخاصمهم؟

قال : قال الله تعالى لموسى : (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا) (٣) إنّه لم يكتب لموسى كلّ شيء وقال الله تبارك وتعالى لعيسى : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٤) وقال الله تعالى لمحمّد صلى الله عليه وآله : (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (٥).

٢ ـ حديث الحسين بن علوان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنّ الله خلق اُولوا العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم ، وأورثنا علمهم وفضلهم ، وفضّلنا عليهم في علمهم ، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يعلموا ، وعلّمنا علم الرسول صلى الله عليه وآله وعلمهم» (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٠ ب ١٨ ح ٢.

(٢) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٨٥.

(٣) سورة الأعراف : الآية ١٤٥.

(٤) سورة الزخرف : الآية ٦٣.

(٥) سورة النحل : الآية ٨٩.

(٦) بصائر الدرجات : ص ٢٢٧ ب ٥ ح ٢.

٤٦١

.........................................

____________________________________

٣ ـ حديث علي بن إسماعيل عن بعض رجاله قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لرجل : تمصّون الثماد (١) وتدعون النهر الأعظم.

فقال له الرجل : ما تعني بهذا يابن رسول الله؟

فقال : عُلّم النبي صلى الله عليه وآله علم النبيين بأسره وأوحى الله إلى محمّد صلى الله عليه وآله فجعله محمّد صلى الله عليه وآله عند علي عليه السلام.

فقال له الرجل : فعلي عليه السلام أعلم أو بعض الأنبياء؟

فنظر أبو عبد الله عليه السلام إلى بعض أصحابه فقال : إنّ الله يفتح مسامع من يشاء ، أقول له : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله جعل ذلك كلّه عند علي عليه السلام فيقول : علي عليه السلام أعلم أو بعض الأنبياء» (٢).

٤ ـ حديث سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمّا لقي موسى العالم كلّمه وسائله نظر إلى خطّاف يصفر ويرتفع في السماء ويتسفّل في البحر.

فقال العالم لموسى : أتدري ما يقول هذا الخطّاف؟

قال : وما يقول؟

قال : يقول : وربّ السماء وربّ الأرض ما علمكما ي علم ربّكما إلاّ مثل ما أخذت بمنقاري من هذا البحر.

قال : فقال أبو جعفر عليه السلام أما لو كنت عندهما لسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما فيها علم» (٣).

__________________

(١) الثماد : جمع الثمد بالفتح وبالتحريك ، هو ماء المطر يبقى محقوناً تحت رمل فإذا كشفت عنه أدّته الأرض.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٢٢٧ ب ٥ ح ٤ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٥ ب ١٥ ح ٣.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٢٣٠ ب ٦ ح ٢ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٦ ب ١٥ ح ٥.

٤٦٢

.........................................

____________________________________

٥ ـ حديث أبي ذرّ الغفاري قال : بينما ذات يوم من الأيّام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قام وركع وسجد شكراً لله تعالى ، ثمّ قال :

«يا جندب من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى عيسى في سياحته ، وإلى أيّوب في صبره وبلائه ، فلينظر إلى هذا الرجل المقابل [المقبل] الذي هو كالشمس والقمر الساري ، والكوكب الدرّي ، أشجع الناس قلباً ، وأسخى الناس كفّاً ، فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قال : فالتفت الناس ينظرون من هذا المقبل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام» (١).

فالدليل تامّ صريح على أفضلية أهل البيت عليهم السلام حتّى من الأنبياء اُولي العزم من الرسل.

وهذا المقام السامي تجري فيه الأوصاف التالية في هذه الزيارة المباركة : «حيث لا يلحقه لا حق» الخ.

وفي نسخة الكفعمي : «فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرّمين ، وأفضل شرف المشرّفين».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٣٨ ب ٧٣ ح ٩.

٤٦٣

حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ (١) وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ (٢) وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ (٣)

____________________________________

(١) ـ يقال : لحقه أي أدركه ، فعدم اللحوق هو عدم الإدراك.

أي لا يلحق ذلك المقام الأسمى والمحلّ الأشرف أحد غيركم ولا يبلغه أيّ واحد ممّن هو دونكم ، بل هو مختصّ بكم أهل البيت لا يدرككم أحد.

فإنّ مناقبهم الجمليلة لا تنتهي إلى حدّ ، إلى حدّ ، ولا تستقصى بالعدّ ، فكيف يلحقها لا حق؟!

كما يدلّ على ذلك حديث الإمام الهادي عليه السلام عند سؤال يحيى بن أكثم منه عن قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١).

قال عليه السلام : «... ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى» (٢).

(٢) ـ يقال : فاق الرجل أصحابه : أي علاهم في الفضل والشرف وغلبهم.

أي لا يعلوكم ولا يغلبكم في مقامكم الأسمى غالبٌ من المتفوّقين كالأنبياء حتّى اُولي العزم من المرسلين ، غير رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو سيّدكم أهل البيت ، ولا يتوصّل فكر أحدٍ إلى مقامهم الأسمى ، بل تقصر العقول عن الوصول إلى معرفتهم العليا.

كما تجلّى ذلك في قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الشقشقية : «ولا يرقى إليّ الطير» (٣).

(٣) يقال : سبق الشيء : أي تقدّمه وتجاوز عنه.

أي لا يتقدّم ولا يتجاوز عن مقاكم الأرفع أحد من السابقين إلى الفضائل. فإنّه إذا لم يتمكّن أحد من أن يلحقهم لم يتمكّن م نسبقهم بالأولوية.

__________________

(١) سورة لقمان : الآية ٢٧.

(٢) الإحتجاج : ج ٢ ص ٢٩٥.

(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٣.

٤٦٤

وَلا يَطْمَعُ فى اِدْراكِهِ طامِعٌ (١) حَتّى لا يَبْقى (٢)

____________________________________

(١) ـ يقال : طمع في الشيء : إذا حرص عليه ورجاه ، ولا مطمع له في هذا الأمر أي أنّه يائس منه ولا أمل له فيه.

فالمعنى أنّه لا يرجو راجٍ من الأنبياء والأوصياء والملائكة الإدراك والوصول إلى المقام الأسمى الذي وصلتم إليه أنتم أهل البيت.

فإنّهم يعلمون أنّه موهبة خاصّة من الله تعالى لكم ، فلا يمكن الوصول إليه بالسعي والجدّ والإجتهاد ، ولا يشاركهم أحد فيه من العباد.

كما تعرف كلّ ذلك من الحديث العلوي الشريف الذي جاء فيه :

«فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصّة الله وخالصته ، وسرّ الديّان وكلمته ، وباب الإيمان وكعبته ، وحجّة الله ومحجّته ، وأعلام الهدى ورايته ، وفضل الله ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته ، وصراط الحقّ وعصمته ، ومبدؤ الوجود وغايته ، وقدرة الربّ ومشيّته ، واُمّ الكتاب وخاتمته ، وفصل الخطاب ودلالته ، وخزنة الوحي وحفظته ، وآية الذكر وتراجمته ، ومعدن التنزيل ونهايته ...» (١).

(٢) ـ أي حتّى لم يبق في عالم الأرواح ولا في عالم الأجساد من سائر أصناف الموجودات ، إلاّ وعرّفهم الله تعالى في الكتب الإلهية والصحف السماوية على ألسنة الأنبياء والمرسلين جلالة أمركم.

بل إنّ ولايتهم جعلت في فطرة المكلّفين ، وميثاق اُخذت حتّى من الأنبياء والمرسلين.

كما تدلّ على ذلك الأحاديث الكثار التي عقد لها باب مستقلّ في البحار يشتمل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٧٤ ب ٣ ح ٣٨.

٤٦٥

.........................................

____________________________________

على (٨٨) حديثاً (١) نختار منها ما يلي :

١ ـ حديث التفسير أنّه قال الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ) الآية ، كان الميثاق مأخوذاً عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوّة ولأمير المؤمنين والأئمّة بالإمامة ، فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ومحمّد نبيّكم وعلي إمامكم والأئمّة الهادون أئمّتكم؟ فـ (قَالُوا بَلَىٰ) فقال الله : (أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي لئلاّ تقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) (٢).

فأوّل ما أخذ الله عزّ وجلّ الميثاق على الأنبياء بالربوبية ، وهو قوله : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) فذكر جملة الأنبياء ثمّ أبرز أفضلهم بالأسامي فقال : يا محمّد فقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله لأنّه أفضلهم (وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (٣) فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ، ورسول الله أفضلهم» (٤).

٢ ـ حديث عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (٥) قال : «التوحيد ، ومحمّد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام» (٦).

٣ ـ حديث حذيفة بن أسيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثّلوا له ، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم» (٧).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٧ ب ٦.

(٢) سورة الأعراف : الآية ١٧٢.

(٣) سورة الأحزاب : الآية ٨.

(٤) المصدر المتقدّم : ص ٢٦٨ ح ٢.

(٥) سورة الروم : الآية ٣٠.

(٦) المصدر المقدّم : ص ٢٧٧ ح ١٨.

(٧) المصدر المتقدّم : ص ٢٨١ ح ٢٧.

٤٦٦

.........................................

____________________________________

٤ ـ حديث حبّة العرني قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض ، أقرّ بها من أقرّ وأنكرها من أنكر ...» (١).

٥ ـ حديث ابن محرز ، عن الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم أسماء حجج الله كلّها ثمّ عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أنّكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم :

قالوا : سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم.

قال الله تبارك وتعالى : يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنبأهم بأسمائهم وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ، فعلموا أنّهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته ، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم وقال لهم : ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون» (٢).

والمستفاد من هذه الأحاديث الشريفة أنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام وجلالة شأنهم قد عُرّفت لجميع المخلوقات في الأرضين والسماوات.

بل عُرضت حتّى على نفس السماوات والأرضين ، والحيوانات والنباتات (٣) ، فكل بقعة آمنت بها جعلها طيّبة زكيّة وجعل ثمرتها ونباتها حلواً عذباً وجعل ماءها زلالاً ، وكلّ بقعة جحدت بها وأنكرتها جعلها سبخاً ، وجعل نباتها مرّاً علقماً كما

__________________

(١) المصدر المتقدّم : ص ٢٨٢ ح ٣٤.

(٢) المصدر المتقدّم : ص ٢٨٣ ح ٣٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٨١ ب ١٦ ح ٢٧.

٤٦٧

.........................................

____________________________________

في الحديث (١).

ولا عجب في أن تعرض ولايتهم حتّآ على الجمادات فتصدّقها الطيّبات منها ، بقدرة الله تعالى التي تُنطق كلّ شيء ، وتخلق الشعور في الأشياء.

كما يشهد به النظائر في الكتاب الكريم ، وكذلك الروايات التي ورد فيها نطق الجمادات إعجازاً.

فاسرح الفكر في قوله تعالى : (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (٢).

وقوله تعالى : (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (٣).

وتدبّر في الأحاديث التي تبيّن نطق الحيوانات بأمر المعصومين عليهما السلام وإعجازهم كحديث ابن عبّاس المروي من طريق الفريقين.

قال : خرج أعرابي من بني سليم يدور في البرية ، فصاد ضبّاً فصيّره في كمّه وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وقال : يا محمّد ، أنت الساحر الكذّاب الذي تزعم أنّ في السماء إلهاًَ بعثك إلى الأسود والأبيض؟ فواللات والعزّى لو لا أن يسمّيني قومي العجول لضربتك بسيفي حتّى أقتلك.

فقام عمر بن الخاب ليطش به ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : «مهلاً يا أبا حفص ، فإنّ الحليم كاد أن يكون نبيّاً».

ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله : «يا أخا بني سليم ، هكذا تفعل العرب؟ تأتينا في مجالسنا وتهجونا بالكلام! أسلم يا أعرابي فيكون لك ما لنا ، وعليك ما علينا ، وتكون في الإسلام أخانا».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٢٨٠ ب ١٧ ح ٤.

(٢) سورة الإسراء : الآية ٤٤.

(٣) سورة فصّلت : الآية ٢١.

٤٦٨

.........................................

____________________________________

فقال : فواللات والعزّى ، لا اُؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الضبّ. وألقى الضبّ من كمّه.

قال : فعدا الضبّ ليخرج من المسجد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : «يا ضبّ» فالتفت إليه فقال صلى الله عليه وآله له : «من أنا؟».

فقال : أنت محمّد رسول الله.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : من تعبد.

فقال : أعبد من اتّخذ إبراهيم خليلاً ، وناجى موسى كليماً ، وإصطفاك حبيباً.

فقال الأعرابي : سبحان الله ، ضبّ إصطدته بيدي ، لا يفقه ولا يعقل ، كلّم محمّداً وشهد له بالنبوّة ، لا أطلب أثراً بعد عين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.

وأنشأ يقول :

ألا رسول الله إنّك صادق

فبوركت مهديّاً وبوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما

غدونا كأمثال الحمير الطواغيا

فياخير مدعوٍّ ويا خير مرسل

إلى الإنس ثمّ الجنّ لبّيك داعيا

فنحن أناس من سليم عديدنا

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

فبوركت في الأقوام حيّاً وميّتاً

وبوركت طفلاً ثمّ بوركت ناشيا

فقال النبي صلى الله عليه وآله : «علّموا الأعرابي» فعُلّم سوراً من القرآن» (١).

__________________

(١) الثاقب في المناقب : ص ٧٣.

٤٦٩

مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ ، وَلا صِدّيقٌ (١) ، وَلا شَهيدٌ ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ (٢) وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ (٣) وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ (٤)

____________________________________

(١) ـ الصدّيق : هو المداوم على التصديق بما يوجب الحقّ ، والذي عادته الصدق.

(٢) الدنّي : هو الخسيس من الرجال ، والدناءة : النقص.

بينما الفضيلة هي خلاف النقيصة ، وهي الدرجة الرفيعة ، وصاحبها هو الفاضل.

(٣) ـ الصالح : هو صاحب الصلاح ، ويقال : صلح الرجل ، خلاف فسد.

والطالح : ضدّ الصالح ، هو الرجل الفاسد.

(٤) الجبّار : هو المتسلّط والمتكبّر.

والعنيد : هو الجائر عن القصد ، والباغي الذي يردّ الحقّ مع العلم به ، يقال : عَنَد ، أي خالف الحقّ وردّه وهو يعرفه.

٤٧٠

وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ (١) وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ (٢) اِلاّ عَرَّفَهُمْ (٣) جَلالَةَ اَمْرِكُمْ (٤) وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ (٥) وَكِبَرَ شَأنِكُمْ (٦) وَتَمامَ نُورِكُمْ (٧)

____________________________________

(١) ـ المَريد بفتح الميم : هو الخارج عن الطاعة وهو متمكّن منها.

(٢) ـ أي خلق في حدّ الإعتدال شهيد ، أي عالم أو حاضر.

(٣) ـ يقال : عرّفته الشيء أي أدركته واطّلعت عليه.

وحقيقة التعريف : تمييز الشيء بما لا يشتبه بغيره (١).

(٤) ـ يقال : جلّ فلان جلالةً أي عظم قدْرُه.

فالمعنى : عرّفهم الله تعالى عظمة أمركم أهل البيت.

(٥) ـ عِظَم : على وزن عنب ضدّ الصِغَر.

والخطر : بفتحين هو القدر والمنزلة.

أي عرّفهم عظم قدركم ومنزلتكم عند الله تعالى.

(٦) ـ أي كبر أمركم وحالكم وولايتكم المطلقة.

(٧) ـ أي نوركم التامّ الكامل.

فإنّ أبا الأئمّة أمير المؤمنين عليه السلام خُلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله من نور واحد من نور الله عزّ وجلّ وكذا الصدّيقة الطاهرة والذرّية الباهرة عليهم السلام كما صرّحت به أحاديث معرفتهم بانورانية مثل حديث سلمان وأبي ذر المتقدّم. (٢) وغيره ممّا ذكرناها في فقرة «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين».

__________________

(١) الشموس الطالعة : ص ٣٧٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣ ب ١٣ ح ١.

٤٧١

وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ (٤) وَثَباتَ مَقامِكُمْ (٢) وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ (٣) وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ (٤)

____________________________________

(١) ـ أي أنّكم أهل البيت صادقون في مقاماتكم ومراتبكم السامية ، وهي حقّكم ومرتبتكم المختصّة بكم.

قال العلاّمة شبّر : ولعلّه إشارة إلى قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (١).

وفي نسخة الكفعمي : «وصدق مقالكم».

(٢) ـ الثبات : هو الإستقرار.

أي إستقرار مقامكم المرضي ، وقيامكم في طاعة الله ومرضاته ومعرفته.

(٣) ـ الشرف : هو العلوّ والمكان العالي ، وسمّي الشريف شريفاً تشبيهاً للعلوّ المعنوي بالعلو المكاني.

أي علوّ مقامكم ومنزلتكم عند الله تعالى.

(٤) يقال : كرُم الشيء أي عزّ ونَقُس ، ومنه التكريم ، والإسم منه الكرامة.

أي عرّفهم كرامتكم وعزّتكم على الله تعالى.

فإنّ النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أعزّ الخلق على الله وأوجههم عند الله ، وببركتهم وصل من وصل إلى عالي المقام وشرافة الأنام ، وبالتوسّل بهم والاستشفاع بمقامهم استجيب دعاء الأنبياء ودعوات الأولياء كما تلاحظ ذلك في أبوابها الكثيرة ومواردها الوفيرة ، نختار منها بعض الأحاديث الشريفة مثل :

١ ـ حديث معمّر بن راشد المتقدّم قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول يهودي النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحدّ النظر إليه ، فقال : يا يهوديّ ما حاجتك؟

__________________

(١) سورة القمر : الآية ٥٥.

٤٧٢

.........................................

____________________________________

قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه الله ، وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر ، وأظلّه بالغمام؟

فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول.

إنّ آدم عليه السلام لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمدّ وآل محمّد لمّا غفرت لي ، فغفرها الله له.

وإنّ نوحاً عليه السلام لمّا ركب في السفينة وخاف الغرق قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني من الغرق ، فنجّاه الله عنه.

وإنّ إبراهيم عليه السلام لمّا اُلقي في النار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا آمنتني فقال الله جلّ جلاله : (لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ) (١).

يا يهودي إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئاً ، ولا نفعته النبوّة.

يا يهودي ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدّمه وصلّى خلفه» (٢).

٢ ـ حديث المفضّل قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمّد وعلي

__________________

(١) سورة طه : الآية ٦٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٦ ص ٣٦٦ ب ١٦ ح ٧٢ عن جامع الأخبار : ص ٨ ، أمالي الصدوق : ص ١٨١ ح ٤.

٤٧٣

.........................................

____________________________________

وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم صلوات الله عليهم ، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم.

فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمّة بريّتي ، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منهم [و] لهم ولمن تولاّهم خلقت جنّتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري.

فمن ادّعى منزلتهم منّي ومحلّهم من عظمتي عذّبته عذاباً لا اُعذّبه أحداً من العالمين ، وجعلته مع المشركين في أسفل دركٍ من ناري.

ومن أقرّ بولايتهم ولم يدّع منزلتهم منّي ومكانهم من عظمتي جعلتهم معهم في روضات جنّاتي ، وكان لهم فيما ما يشاؤون عندي ، وأبحتهم كرامتي وأحللتهم جواري ، وشفّعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه دون خيرتي؟

فابت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، وأشفقن من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّها.

فلمّا أسكن الله عزّ وجلّ آدم وزوجته الجنّة قال لهما : (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ) يعني شجرة الحنطة (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١) فنظر إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة [من] بعدهم فوجداها اشرف منازل أهل الجنّة فقالا : يا ربّنا لمن هذه المنزلة؟

فقال الله جلّ جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي ، فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة [بعدهم] صلوات الله عليهم

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٣٥.

٤٧٤

.........................................

____________________________________

مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار جلّ جلاله.

فقالا : يا ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك ، وما أحبّهم إليك ، وما أشرفهم لديك؟!

فقال الله جلّ جلاله : «لو لا هم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علي واُمنائي على سرّي ، إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنّيا منزلتهم عندي ، ومحلّهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) الحديث (١).

٣ ـ أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : «لمّا أراد الله عزّ وجلّ أن يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى [الله] إليه : أن شقّ ألواح الساج ، فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمرّ بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار [منها] فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدرّي في اُفق السماء ، فتحيّر [من ذلك] نوح ، فأنطق الله [ذلك] المسمار بلسان طلق ذلق فقال له : يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

قال : هذا باسم خير الأوّلين والآخرين : محمّد بن عبد الله ، أسمره في أوّلها على جانب السفينة اليمين.

ثمّ ضرب بيده على مسمارٍ ثانٍ فأشرق وأنار ، فقال نوح : وما هذا المسمار؟ فقال : مسمار أخيه وابن عمّه علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٧٢ ب ٣ ح ١٩ ، عن معاني الأخبار : ص ١٠٨ ح ١ باب معنى الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض ....

٤٧٥

.........................................

____________________________________

فقال : هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار.

فقال : هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار خامس ، فأشرق وأنار وبكى فقال : يا جبرئيل ما هذه النداوة؟

فقال : هذا مسمار الحسين بن علي سيّد الشهداء فأسمره إلى جانب مسمار أخيه.

ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله : (وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) (١) قال النبي صلى الله عليه وآله : الألواح خشب السفينة ، ونحن الدّسر ، [و] لولا نا ما سارت السفينة بأهلها» (٢).

ومعاجزهم الباهرة تنبىء عن عظيم كرامتهم على الله تعالى ، ومقاماتهم الزاهرة في الدنيا والآخرة تشهد بأنّهم أعزّ الخلق عند الله.

__________________

(١) سورة القمر : الآية ١٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ١١ ص ٣٢٨ ب ٣ ح ٤٩.

٤٧٦

وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ (١) وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ (٢)

____________________________________

(١) ـ الخاصّة : مأخوذة من الخصوصية ، يقال : خصّ الشيء خلاف عمَّ ، وفي الدعاء محمّد حبيبك وخاصّتك ، أي اختصصته من سائر خلقك.

فالمعنى عرَّفَهم خصوصيتكم أهل البيت عند الله تعالى.

وقد خصّهم بفضائل ومناقب ومقامات لم يشترك فيها معهم حتّى الأنبياء. فجمعوا عليهم السلام صفات الأنبياء وزادوا عليهم وفاقوهم.

وقد تقدّم بيانه ودليله في فقرة «فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين» فلاحظ.

(٢) ـ المنزلة : هي المرتبة ، ومنه الحديث «اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا» أي منزلتهم ومراتبهم في الفضيلة والتفضيل (١).

أي أنّ الله تعالى عَرَّف من سبق ذكرهم قرب منزلتكم ومرتبتكم عنده.

فإنّكم أهل البيت اقرب المقرّبين والمرسلين عند ربّ العالمين. فقد اختاركم صفوة أوليائه ، وخوّلكم معالي درجاته ، وجعلكم مظاهر قدرته وأفضل خليقته ، وهذا يدلّ على أنّكم أقرب الخلق منزلة عند الله.

وأيّ قربٍ ودُنوٍّ معنوي أعظم من أن يكتب اسم أمير المؤمنين على عرش ربّ العالمين مقروناً باسم الله واسم نبيّه.

ففي حديث الصدوق بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال في وصيّته لي :

«يا علي إنّي رأيت إسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن ، فآنست بالنظر إليه إنّي لمّا بلغت بيت المقدس في معراجب إلى السماء وجدت على صخرتها مكتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري؟

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٤٩٨.

٤٧٧

.........................................

____________________________________

فقال : علي بن أبي طالب.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوباً عليها : إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي ، محمّد صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل : مَن وزيري؟

فقال : علي بن أبي طالب.

فلمّا جاوزت السدرة انتهيت إلى عرض ربّ العالمين جلّ جلاله فوجدت مكتوباً على قوائمه : أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد حبيبي أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره.

فلمّا رفعت رأسي وجدت على بُطنان العرش مكتوباً : أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي ، محمّد عبدي ورسولي أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره» (١).

إلى أن يرقى مع النبي في المعراج إلى قاب قوسين أن أدنى كما في حديث شيخ الطائعفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «لمّا عُرج بي إلى السماء دنوت من ربّي عزّ وجلّ حتّى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى (٢) ، فقال : يا محمّد ، من تُحبّ من الخلق؟

قلت : يا ربّ عليّاً.

قال : التفِت يا محمّد ، فالتفتُّ عن يساري ، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام» (٣).

__________________

(١) الخصال : ص ٢٠٧ ح ٢٦.

(٢) لا يخفى أنّ الدنو هنا بمعنى الدنوّ المعنوي ، أو الدنو بالعلم أو الدنو من نعمة الله ورحمته ، أو الدنوّ من حجب النور كما تلاحظه في أحاديثه في الكنز : ج ١٢ ص ٤٧٥.

(٣) الأمالي : ص ٣٥٢ ح ٧٢٧.

٤٧٨

بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَاَهْلى وَمالى وَاُسْرَتى (١)

____________________________________

(١) ـ هذه الكلمات إنشاء للتحبيب ، وتعظيم للمحبوب ، بتفدية ما أحبّ الإنسان من الأب والاُمّ والأهل والمال والاُسرة لمحبوبه (١).

وجاء في الحديث : «بآبائنا واُمّهاتها يا رسول الله» ، وهذه الباء يسمّيها بعض النحّاة باء التفدية ، حذف فعلها في الغالب ، والتقدير نفديك بآبائنا واُمّهاتنا (٢).

فامعنى هنا : أفديكم أهل البيت بأبي واُمّي ... ، أو أنتم مفديّون بأبي واُمّي ...

واُسرة الرجل : بالضمّ هم رهطه وعشيرته وأهل بيته الذين يتقوّى بهم ، والرهط الأدنون.

ولقد حقَّ نقيهم عن كلّ محذور ، وندفع عنهم كلّ محظور.

فإنّ المحافظة على أنفسهم الزكيّة ، ونفوسهم القدسيّة لازمة علينا بكلّ ما نملكه من النفس والنفيس.

لأنّهم أولياؤنا ، والأولى بأنفسنا ، وودائع الله ورسوله عندنا ، فيكون حفظهم لازماً علينا. كما بيّنا ذلك في فقرة «والأمانة المحفوظة».

ولأنّهم زمام الدين ، وأساس الإسلام المبين ، وقرين القرآن الكريم ، فيكو حفظهم حفظاً للدين القويم ، كما عرفت ذلك من حديث عبد العزيز بن مسلم المتقدّم (٣).

وفي نسخة الكفعمي هنا زيادة : (يا ساداتي وأئمّتي).

__________________

(١) الشموس الطالعة : ص ٣٨٥.

(٢) مجمع البحرين : ص ٣.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٨٨ ح ١.

٤٧٩

اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ هذا تجديدٌ للعهد ، واستشهادٌ من العبد.

فيُقرّ الزائر بالمعتقدات الحقّة التي بيّنها بقوله : «إنّي مؤمن بكم ...» الخ.

وهي من أبرز المعالم الإعتقادية الشريفة التي يشهد بها المؤمن ، ويستشهد عليها شاهدين :

الشاهد الأوّل : أصدق الصادقين وهو ربُّ العالمين ، وكفى بالله شهيداً.

(قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (١).

الشاهد الثاني : نفس أهل البيت عليهم السلام الذين يخاطبهم بهذه الشهادات فإنّهم الشهداء الصادقون على ما يعمله المخلوقون.

(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٢).

فما أعظمهم من شهود صدق : ربّ العزّة ، وحججه الأعزّة.

وما أعظمها من شهادات حقّ : أركان الإيمان ، ومُسعدات الإنسان.

وهي ما يلي في الفقرا التالية : «أنّي مؤمن بكم» الخ.

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٩٦.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٤٣.

٤٨٠