في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

عزّ وجلّ : (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) (١).

قال : «استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء» (٢).

٥ ـ حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق عليه السلام : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي ما هما؟

فقال : «العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسي وعاؤه ، وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع الله عليه أحداً من أنبيائه [ورسله] وحججه عليهم السلام» (٣).

وهذا تفسير العرش في الأحاديث التي بيّنها الأئمّة الطاهرون عليهم السلام الذين هم الألسنة الناطقة عن صاحب العرش جلّ جلاله.

وأهل البيت عليهم السلام خلقهم الله أنواراً كانوا يطوفون حول العرش الإلهي حتّى مَنّ علينا بهم فجعلهم أئمّتنا وسادتنا وقادتنا في الدنيا والآخرة ، وأولياءنا وموالينا وهداتنا إلى الكتاب والحكمة ، ووسائل البركة لنا بدين الإسلام وسعادة الختام.

قال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (٤).

والمَنّ هو الإنعام والإحسان ، وقد أنعم الله علينا وأحسن إلينا بأهل البيت أئمّتنا عليهم السلام ، الذين هم النعمة الكبرى والعطيّة العظمى ، والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) سورة طه : الآية ٥.

(٢) التوحيد : ص ٣١٧ ح ٧ ، معاني الأخبار : ص ٢٩ ح ١.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٩ ح ١.

(٤) سورة آل عمران : الآية ١٦٤.

٤٤١

فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ (١)

____________________________________

(١) ـ أي أنّ الله تعالى حيث خلقكم أنواراً ثمّ مّنّ علينا بكم جعلكم في بيوتٍ أذن في رفعة قدرها وذكر إسمه الشريف فيها.

وهذه الفقرة الشريفة إشارة إلى قوله عزّ إسمه : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (١).

فإنّها نزلت في أهل البيت عليهم السلام باتّفاق الفريقين.

وقد نقل رواياته العلاّمة البحراني قدس سره في تسعة أحاديث من طرق الخاصّة وأربعة أحاديث من طرق العامّة (٢).

وأضاف العلاّمة التستري قدس سره في الإحقاق نقل نصوصه عن ثلّة من أعلام العامّة في كتبهم مثل الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، والبدخشي في مفتاح النجا ، وابن حسنويه في دُرّ بحر المناقب ، والثعلبي في الكشف والبيان ، والأمر تسري في أرجح المطالب ، والبغدادي في عوارف المعارف ، والآلوسي في روح المعاني (٣).

وللتبرّك بتفسير الآية الشريفة نذكر بعض أحاديث تفسيرها :

١ ـ حديث أنس بن مالك وبريدة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قالا : قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟

__________________

(١) سورة النور : الآية ٣٦ ـ ٣٨.

(٢) غاية المرام : ص ٣١٧.

(٣) إحقاق الحقّ : ج ٣ ص ٥٥٨ ، وج ٩ ص ١٣٧ ، وج ١٤ ص ٤٢١ ، وج ١٨ ص ٥١٥.

٤٤٢

.........................................

____________________________________

فقال : «بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟

وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام.

قال : نعم من أفضلها» (١).

٢ ـ حديث الثمالي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : أتى قتادة بن دعامة البصري أبا جعفر عليه السلام فقال عليه السلام له : «أنت فقيه أهل البصرة؟

قال : نعم.

فقال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، إصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه.

قال : فسكت قتادة طويلاً ثمّ قال : أصلحك الله ، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عبّاس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك.

فقال له أبو جعفر عليه السلام : أتدري أين أنت؟ بين يدي (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) فأنت ثَمّ ، ونحن اُولئك.

فقال له قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة لا طين» (٢).

٣ ـ حديث عيسى بن داود ، عن الإمام الكاظم عن أبيه عليهما السلام في قول الله عزّ وجلّ : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٢٥ ب ١٩ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٢٩ ب ١٩ ح ١٠.

٤٤٣

.........................................

____________________________________

رِجَالٌ).

قال : «بيوت آل محمّد صلى الله عليه وآله بيت علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهما السلام.

قلت : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).

قال : الصلاة فيأوقاتها ن قال : ثمّ وصفهم الله عزّ وجلّ وقال : (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) قال : هم الرجال لم يخلط الله معهم غيرهم ، ثمّ قال : (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ) قال : ما اختصّهم به من المودّة والطاعة المفروضة ، وصيّر مأواهم الجنّة (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)» (١).

كما وأنّ الآيات التي تليها نزلت في أعدائهم بما تلحظه في حديث صالح ابن سهل الهمداني عن الإمام الصادق عليه السلام فراجع (٢).

ثمّ أنّ البيوت : يحتمل أن يراد بها البيوت المعنويّة التي هي بيوت العلم والحكمة وغيرهما من الكمالات ، والذكر فيها كناية عن إستفاضة تلك الأنوار منهم.

أو البيوت الصورية التي هي بيوت النبي والأئمّة صلوات الله عليه وعليهم في حياتهم ومشاهدهم بعد وفاتهم كما فسّره العلاّمة المجلسي قدس سره (٣).

وأضاف أعلى الله مقامه عند احتمال إرادة البيوت المعنوية قوله : فأنّه شائع في العرب والعجم التعبير عن الأنساب الكريمة والأحساب الشريفة بالبيوت (٤).

وأمّا إذن الله تعالى : ففُسّر بأمره تعالى في مثل الحديث الرضوي الشريف الوارد

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٢٦ ب ١٩ ح ٤.

(٢) الكافي : ج ١ ص ١٩٥ ح ٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٢٦.

٤٤٤

.........................................

____________________________________

في تفسير قوله عزّ إسمه : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (١) جاء فيه : «وإذنه أمره لها بالإيمان» (٢).

وأن ترفع : فسّر بمعنى أن ترفع بالتعظيم ورفع القدر من الأرجاس ، والتطهير من المعاصي والأدناس.

وقيل : رفع الحوائج فيها إلى الله تعالى ، أو عمومها مع الرفع بالبناء ، حيث قال المفسّر المشهدي : والأولى الحمل على الأعمّ منهما ومن الرفع بالبناء ، ثمّ قال (ويذكر فيها إسمه عام فيما يتضمّن ذكره) (٣).

واعلم أنّ في نسخة المصباح للكفعمي هنا بعد هذه الفقرة إضافة كثيرة جاء فيها : «تولّى عزّ ذكره تطهيرها ، ورضى من خلقه بتعظيمها ، فرفعها على كلّ بيت قدّسه ، وأعلاها على كلّ بيت طهّره في السماء ، لا يوازيها خطر ، ولا يسمو إلى سمائها النظر ، ولا يقع على كنهها الفكر ، ولا يطمح إلى أرضها البصر ، ولا يغادر [ولا يعادل] سكّانها البشر ، يتمنّى كلّ أحد أنّه منكم ، ولا يتمنّون [تتمنّون] أنّكم من غيركم ، إليكم انتهت المكارم والشرف ، وفيكم استقرّت الأنوار والعزم والمجد والسؤدد ، فما فوقكم أحد إلاّ الله ، ولا أقرب إليه ، ولا أخصّ لديه ، ولا أكرم عليه حجّة ، أو أفل منكم عَلَم أطلع الله على خلقه (لخلقه نسخة) من عقب الماضي خَلَفاً إماماً ونوراً هادياً ، وبرهاناً مبيّناً نيّراً ، داعياً عن داع ، وهادياً بعد هادٍ ، وخزنة وحفظة ، لا يفيض بكم غوره ، ولا تنقطع عنكم موادّه ، ولا يسلب منكم أريجه ، سبباً موصولاً من الله إليكم ، ورحمة منه علينا ، يرشدنا إليه ، ويقرّبنا منه ويزلفنا لديه».

__________________

(١) سورة يونس : الآية ١٠٠.

(٢) مرآة الأنوار : ص ٥٨.

(٣) كنز الدقائق : ج ٩ ص ٣١٢.

٤٤٥

وَجَعَلَ صَلواتِنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طِيباً لِخَلْقِنا (١)

____________________________________

(١) ـ صلواتِنا ـ ورد هكذا في العيون والفقيه ، وفي بعض النسخ صلاتنا ـ مأخوذة من الصلاة ، وألفها في الأصل واو لأنّ جمعها صلوات (١).

وصلوات الله على أنبيائه والصالحين من خلقه : حسن ثنائه عليهم ، وحسن ذكره لهم (٢).

والصلاة في الأصل اللغوي هو : الدعاء ، وطلب الرحمة من الله بالصلوات دعاء (٣).

ويراد بالصلوات في الإستعمال : الإعتناء بإظهار الشرف ورفع الشأن.

وجاءت بمعنى التعظيم ، قيل : ومنه اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد أي عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دعوته ، وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في اُمّته وتضعيف أجره ومثوبته (٤).

هذا ما في اللغة ، وأمّا المستفاد من الأخبار الشريفة في معنى الصلوات فقد أفاد في المرآة :

(الصلوات قد نسبت في القرآن الكريم إلى الله تعالى ، وإلى الملائكة ، وإلى المؤمنين.

فهي من الله الرحمة والتزكية والثناء ، ومن الملائكة مدحهم وتزكيتهم ، ومن المؤمنين والناس الدعاء والتصديق والإقرار بالنفضل وفعل العبادة كما يستفاد من الأخبار) (٥).

__________________

(١) المحيط : ج ٨ ص ١٨٤.

(٢) كتاب العين : ج ٢ ص ١٠٠٦.

(٣) لسان العرب : ج ١٤ ص ٤٦٤.

(٤) مجمع البحرين : ص ٥٤.

(٥) مرآة الأنوار : ص ١٤٦.

٤٤٦

.........................................

____________________________________

وهناك معنى إقتضائي دقيق للصلوات في حديث معاني الأخبار بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه :

«من صلّى على النبي صلى الله عليه وآله فمعناه أنّي أنا على الميثاق والوفاء الذي قبلتُ حين قوله : ألست بربّكم قالوا : بلى» (١).

وولايتكم : من الولاية بالكسر وهي الأولوية الثابتة لهم عليهم السلام.

وقد تقرأ بفتح الواو فتكون بمعنى المحبّة.

وولايتهم عليهم السلام هي الولاية الإلهية التامّة المطلقة على الجميع ، الثابتة لله تعالى ولرسوله بقرينة المسانخة والحصر في قوله عزّ إسمه :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (٢).

وهي الولاية الثابتة للنبي الأكرم في قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (٣).

وقد أثبتها الرسول بأمر الله تعالى ، وجاءت في الأحاديث المتواترة بين الفريقين مثل حديث الغدير الشريف ، لأمير المؤمنين وأولاده المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

فولايتهم هي الولاية العظمى ، والإمامة الكبرى ، والمالكية المُثلى ، التي هي أساس الدين في شريعة سيّد المرسلين كما تشهد به الأحاديث المتظافرة (٤).

وقد تقدّم بيان ولايتهم التكوينية والتشريعية في فقرة : «والسادة الولاة».

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١١٥ ح ١.

(٢) سورة المائدة : الآية ٥٥.

(٣) سورة الأحزاب : الآية ٦.

(٤) الكافي : ج ٢ ص ١٨ باب دعائم الإسلام الأحاديث.

٤٤٧

.........................................

____________________________________

وطِيْباً : مفعول ثانٍ لجَعَلَ ، والطيب يطلق على معانٍ عديدة :

الأول : المستلذّ ، الثاني : ما حلّله الشارع ، الثالث : ما كان طاهراً ، الرابع : ما خلى عن الأذى في النفس والبدن ، والطيّب يقابله الخبيث (١).

وطيب الخَلق : بفتح الخاء هي طهارة المولد ، يقال : فلا طاب مولده أي ولد من حلال.

وقد يقرأ طيب الخُلق بضمّ الخاء فهو بمعنى تزكية الأخلاق ، والأخلاق الحسنة. فمعنى هذه الفقرة الشريفة أنّه جعل الله تعالى صلواتنا عليكم أهل البيت ، وموالاتكم التي خصّنا الله تعالى بها موجبة لطيب ولادتنا ، وسبباً لتزكية أخلاقنا ـ على قراءة ضمّ الخُلق ـ فإنّهم اُسوة الأخلاق الحسنة ، فالصلوات عليهم يذكّر بأخلاقهم ويُبارك لشيعتهم ، وفي جدّ هم جاء : (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٢).

والصلوات حينما كانت تصديقاً بالنبي وآله وإقراراً بفضلهم ، ووفاءً بميثاقهم كانت قبولاً لولايتهم ومحبّة لهم.

وقبول ولايتهم وحبّهم علامة لطيب الولادة ، وموجب لطهارة المولد كما إستفاضت وتواترت به الأخبار الشريفة ، ومنها :

أوّلاً / أحاديث كتاب المحاسن مثل :

١ ـ حديث المدائني قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «إذا برد على قلب أحدكم حبّنا فليحمد الله على أولي النعم.

قلت : على فطرة الإسلام؟

قال : لا ، ولكن على طيب المولد ، إنّه لا يحبّنا إلاّ من طابت ولادته ولا يبغضنا

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ١٢٥.

(٢) سورة القلم : الآية ٤.

٤٤٨

.........................................

____________________________________

إلاّ الملزق الذي [تأتي] به اُمّه من رجل آخر فتلزمه زوجها ، فيطّلع على عوراتهم ويرثهم أموالهم ، فلا يحبّنا ذلك أبداً ، ولا يحبّنا إلاّ من كان صفوة ، من أي الجيل كان».

٢ ـ حديث إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «من وجد منكم برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على أولى النعم.

قلت : وما أولى النعم؟

قال : طيب الولادة».

٣ ـ حديث الحسين بن علوان عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا كان يوم القيامة يُدعى الناس جميعاً بأسمائهم وأسماء اُمّهاتهم ستراًَ من الله عليهم إلاّ شيعة علي عليه السلام فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وذلك أن ليس فيهم عهر» (١).

ثانياً / أحاديث كتاب البحار مثل :

١ ـ حديث الطبرسي ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : «يا علي لا يحبّك إلاّ من طابت ولادته ، ولا يبغضك إلاّ من خبثت ولادته ، ولا يواليك إلاّ مؤمن ولا يعاديك إلاّ كافر».

٢ ـ حديث الكرخي ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «علامات ولد الزنا ثلاث : سوء المحضر ، والحنين إلى الزنا ، وبغضنا أهل البيت».

٣ ـ حديث قيس العطّار قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذوو الشرف وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء كلّ مدنّس

__________________

(١) المحاسن : ص ١٠٤ باب ٩ طيب المولد الأحاديث ٢٥ و ٢٦ و ٣٤.

٤٤٩

.........................................

____________________________________

مطرّد (١)».

٤ ـ حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنّا بمنى مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ بصرنا برجل ساجد وراكع ومتضرّع.

فقلنا : يا رسول الله ما أحسن صلاته؟

فقال عليه السلام : هو الذي أخرج أباكم من الجنّة.

فمضى إليه علي عليه السلام غير مكترث فهزّه هزّة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ، ثمّ قال : لأقتلنّك إن شاء الله.

فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربّي ، ما لك تريد قتلي؟ فو الله ما أبغضك أحد إلاّ سَبَقت نطفتي إلى رحم اُمّه قبل نطفة أبيه ، ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد ، وهو قول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه : (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (٢).

قال النبي صلى الله عليه وآله : صدق يا علي لا يبغضك من قريش إلاّ سفاحي ، ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ شقى ، ولا من النساء إلاّ سلقلقية وهي التي تحيض من دبرها.

ثمّ أطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار أعرضوا أولادكم على محبّة علي.

قال جابر بن عبد الله : فكنّا نعرض حبّ علي عليه السلام على أولادنا فمن أحبّ علياً علمنا أنّه من أولادنا ، ومن أبغض عليّاً انتفينا منه» (٣).

__________________

(١) يقال : دنّس ثوبه أي فعل به ما يشينه ، وطردته أي نفيته عنّي.

(٢) سورة إسراء : الآية ٦٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١٤٥ ب ٥ الأحاديث الثلاثون ومنها الحديث ١ و ٢ و ١٤ و ٢٠.

٤٥٠

.........................................

____________________________________

هذا كلّه في فضل الولاية ، وأمّا الفضائل الشامخات في أنواع الصلوات فتلاحظها مجموعة في كتاب الوصايا (١) عند بيان وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام في قوله : «يا علي : من نسى الصلاة عليَّ فقد أخطأ طريق الجنّة ...» فلاحظها ، ومن تلك الفضائل السنيّة ما صرّحت به هذه الزيارة المباركة : أنّ الصلاة عليهم مع ولايتهم تكونان طيباً لخلقنا.

وفي نسخة الكفعمي : «وجعل صلواتنا عليكم وذكرنا لكم وما خصّنا به من ولايتكم وعرفناه من فضلكم طيباً لخلقنا».

__________________

(١) وصايا الرسول لزوج البتول عليهم السلام : ص ١٢٣.

٤٥١

وَطَهارَةً لاِنْفُسِنا (١) وَتَزْكِيَةً لَنا (٢)

____________________________________

(١) ـ وطهارة لأنفسنا ، أي وتكونان يعني الصلوات والولاية سبباً لطهارة أي نزاهة أنفسنا أي أرواحنا.

فإ،ّ التطهّر هو التنزّه عن لوث الأرجاس والأنجاس والمعاصي والنقائص الظاهرية والباطنية.

والصلوات والولاية توجبان طهارة الباطن والنفس وصفائها ، وخلوصها عن الرذائل ، وتحليتها بالفضائل.

فإنّ ذكرهم مع ولايتهم عبادة مقبولة ومغفرة موفورة تقتضي القرب إليهم في الصفات الفضائل ، والبعد عن أعداءهم أصحاب الصفات الرذائل.

وخير صفاءٍ للروح وكرامة للباطن يكون بإزدياد الولاء لأهل البيت عليهم السلام وارتقاء درجات الإيمان بهم ، كما تلاحظه في صفوة أصحابهم ، وخُلّص المؤمنين بهم ، من دون حاجة إلى الرياضات الباطلة.

فإنّ الولاء لهم يوجب الإطاعة لهم ، إذ المحبّ مطيعٌ لمن أحبّ ، وطاعتهم هي طاعة الله تعالى.

لذلك تكون الولاية محصّلة للتقوى التي هي طاعة الله في إتيان الواجبات وترك المحرّمات فتوجب طهارة النفس وتزكية الإنسان.

(٢) ـ أي تطهيراً لنا من الأعمال القبيحة ، والعقائد الفاسدة ، والآراء الباطلة.

إذ التزكية هي : التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من شَرَه البطن والكلام ، والغضب ، والحسد ، والبخل ، وحبّ الجاه ، وحبّ الدنيا ، والكبر ، والعجب (١).

والزكاة هو : ما أخرجته من مالك لتطهّره به ، وزكى المال أي : نمى وزاد ،

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٤١.

٤٥٢

.........................................

____________________________________

والزكّي من الطعام : الطيّب الحلال ، ومن الناس الطاهر من الذنوب ، وقيل : التامّ في أفعال الخير (١).

والصلوات والولاية توجبان طهارة نفوسنا ، للملاك المتقدّم أي القرب إليهم عليهم السلام ، والمحكي عن بعض النسخ هنا «وبركةً لنا» فإنّ الصلاة عليهم مع ولايتهم جالبة للبركة الدائمة والخيرات المهمّة ، فهم مستقر بركة الله كما تلاحظ شرحه في الفقرة المتقدّمة من هذه الزيارة الشريفة : «ومساكن بركة الله».

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ١١٥.

٤٥٣

وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا (١)

____________________________________

(١) ـ أي ماحيّةً لذنوبنا الكبائر والصغائر.

من التكفير الذي هو محو السيّئات والذنوب.

يقال : كفّر الله عنه الذنوب أي محاها ، ومنه الكفّارة ، وهي فَعّالة من اكَفر وهي التغطية ، لأنّها تكفّر الذنب عن الإنسان أي تمحوه وتستره وتغطّيه (١).

وفي قوله تعالى : (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) (٢).

فُسّرت الذنوب بالكبائر والسيّئات بالصغائر (٣).

فالصلوات والولاية توجبان محو الذنوب حتّى الكبائر ... للوجه المتقدّم مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة في فضل الصلوات وأنّها تمحو الذنوب وقد ذكرناها في كتاب الوصايا فلا نعيد (٤).

وكذا الأدّلة الاُخرى في أنّ ولايتهم ومحبّتهم تحطّ الذنوب ، كما تلاحظه في باب ثواب حبّهم ونصرهم وولايتهم مثل :

١ ـ حديث الأزدي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من أحبّنا نفعه الله بذلك ولو كان أسيراً في يد الديلم ، ومن أحبّنا لغير الله فإنّ الله يفعل به ما يشاء.

إنّ حبّنا أهل البيت ليحطّ الذنوب عن العباد كما تحطّ الريح الشديدة الورق عن الشجر».

٢ ـ حديث حفظ الدهّان قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «إنّ فوق كلّ عبادة عبادة ، وحبّنا أهل البيت أفضل عبادة».

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٣٠١.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٩٣.

(٣) مجمع البحرين : ص ١١٥.

(٤) وصايا الرسول لزوج البتول عليهم السلام : ص ١٢٤.

٤٥٤

.........................................

____________________________________

٣ ـ حديث الحسين بن مصعب قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : «من أحبّنا وأحبّ محبّ،ا لا لغرض دنيا يصيبها منه ، وعادى عدوّنا لا لإحنة كانت بينه وبينه ثمّ جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفر الله تعالى له».

٤ ـ حديث جرير بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آ يس من رحمة الله.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة» (١).

بل ثبت في المؤمنين الذين تابوا وعملوا صالحاً أنّه تبدّل سيّئاتهم حسنات كما في سورة الفرقان (الآية ٧٠) (٢) وتلاحظ حكاية دعاء مولاهم الإمام المنتظر عليه السلام

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٧٣ ب ٤ الأحاديث خصوصاً الحديث ٩ و ٤٨ و ٧٧ و ٨٤.

(٢) كنز الدقائق : ج ٩ ص ٤٣١.

٤٥٥

.........................................

____________________________________

لهم بالغفران (١).

كلّ هذا الفيض يضاف إليه : أنّ الصلاة عليهم مع لعن أعدائهم من مصاديق التولّي والتبرّي اللذين هما الركنان الأساسيان في الدين الحنيف ... «وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض» (٢).

فلا عجب في أن يكون الولاء لهم والصلاة عليهم كفّارة للذنوب ، وماحية للعيوب.

__________________

(١) كتاب جنّة المأوى المطبوع في البحار : ج ٥٣ ص ٣٠٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٦٨ ص ٦٣ ب ١٥ ح ١١٤.

٤٥٦

فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ قوله عليه السلام : «فكنّا» : مرتبط بجعل الصلاة والتولّي طيباً لخلقنا الخ ، وكبيان الوجه له.

وعنده : أي في علمه ، أو في اللوح المحفوظ.

ومسلّمين : بالتشديد أي منقادين ، من التسليم بمعنى الإنقياد.

وبفضلكم : أي بفضلكم على العالمين ، واعلائية درجتكم عليهم.

فالمعنى إنّه كنّا نحن في علم الله تعالى منقادين بالإنقياد القلبي الحقيقي بفضلكم أهل البيت على العالمين.

ويدلّ على هذا أخبار الطينة وعرض الولاية علينا في العالم السابق ، وقبولنا للولاية في الذرّ في الذرّ والأظلّة ، وقد أشرنا إليها في آخر الفصل الثاني في فقرة : «وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى» فراجع.

وتلاحظ أخبار الطينة مجموعة عند تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) (١) ـ (٢).

واعلم أنّ في بعض النسخ مسمّين ـ بدل مسلّمين ـ أي كنّا مكتوبة أسماؤنا أنّنا من شيعتكم.

ويدلّ عليه الحديث الرضوي الشريف : «... وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسماءهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يريدون موردنا ، ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملّة الإسلام غيرا وغيرهم» (٣).

وفي نسخة الكفعمي : «إذ كنّا عنده بكم مؤمنين مسوّمين ، وبفضلكم معروفين ، وبتصديقنا إيّاكم مشكورين ، وبطاعتنا لكم مشهورين».

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٢.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٢٨.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٢٣ ح ١.

٤٥٧

وَمَعْرُوفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ أي وكنّا عند الله تعالى معروفين أيضاً بتصديقنا إيّاكم في الإمامة والفضيلة وفرض الطاعة.

والتصديق هو : الإعتراف بالصدق. وفي تلك النشأة الاُولى حصل تصديق الشيعة الأبرار للأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وعُرفوا عند الله تعالى بتصديقهم لحججه وخلفائه ، والحمد الله على آلائه.

ويدلّ عليه أخبار الطينة والميثاق التي تقدّم ذكرها ومنها :

حديث بكير بن أعين ، عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذرّ يوم أخذ الميثاق على الذرّ بالإقرار له بالربوبية ، ولمحمّد بالنبوّة ، وعرض على محمّد صلى الله عليه وآله اُمّته في الظلِّ وهم أظلّة ، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق ارواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليه ، وعرّفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام ونحن نعرفهم في لحن القول» (١).

فالمؤمنين بأهل البيت عليهم السلام معروفون عند الله تعالى.

وسيعرّفهم يوم القيامة بنور الإيمان الذي يتجلّى منهم ، مع بشارة الملائكة لهم بجنّات الخلد كما في قوله عزّ إسمه : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢) ـ (٣).

وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت ذات يوم عند النبي إذ أقبل بوجهه على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : «ألا اُبشّرك يا أبا الحسن؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٥٠ ب ١٠ ح ٤٣.

(٢) سورة الحديد : الآية ١٢.

(٣) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ٨٦.

٤٥٨

.........................................

____________________________________

قال : بلى يا رسول الله.

قال : هذا جبرئيل يخبرني عن الله جلّ جلاله أنّه قد أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والاُ،س عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنّة قبل الناس ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم» (١).

__________________

(١) الخصال : باب السبعة ص ٤٠٢ ح ١١٢.

٤٥٩

فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ (١)

____________________________________

(١) ـ يعني بلّغكم الله تعالى أشرف محلّ عباده المكرّمين ، أي أفضل مراتبهم وأعلى منازل المقرّبين من الأنبياء والمرسلين.

وأرفع درجات المرسلين وهي درجة نبيّ الإسلام عليه وآله أفض التحيّة والسلام.

وهذه الفقرات تقتضي بل تلازم أفضلية أهل البيت عليهم السلام على الأنبياء كأفضلية خاتم النبيين عليهم.

لأنّ لازم الأشرفية والأعلائية والأرفعية هي الأفضلية ، إذ غير الأفضل لا يكون أشرف أو أعلى أو أرفع.

ويدلّ على هذا المقام الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى في آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ) (١).

فالأنفس مفسّرة بأمير المؤمنين عليه السلام عند الخاصّة والعامّة.

والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله أفضل من جميع الأنبياء ، فيكون نفسه يعني أمير المؤمنين عليه السلام افضل منهم أيضاً ، فلاحظ تفسير الآية من طرق الخاصّة في الكنز (٢) ومن طرق العامّة بتسعة عشر حديثاً في الغاية (٣).

والأئمّة الطاهرون عليهم السلام بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله كما صرّح به في حديث محمّد ابن

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٢) كنز الدقائق : ج ٣ ص ١٢١.

(٣) غاية المرام : ص ٣٠٠.

٤٦٠