في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

قال : فوثب الرجل إلى علي بن أبي طالب واحتضنه من وراء ظهره ، وهو يقول : اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله ، ثمّ قام فولّى وخرج. فقام رجل من الناس فقال يا رسول الله ـ صلّى الله عليك وأهلك ـ أَلحقُه وأسأله أن يستغفر لي؟

فقال رسو الله صلى الله عليه وآله : إذا تجده مرفقاً.

قال : فلحقه الرجل وسأله ان يستغفر له.

فقال له : هل فهمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وما قلت له؟

قال الرجل : نعم.

فقال له : إن كنت متمسّكاً بذلك الحبل فغفر الله لك ، وإلاّ فلا غفر الله لك وتركه ومضى» (١).

وفي حديث جعفر بن محمّد بن سعيد الحمسي مسنداً ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «نحن حبل الله الذي قال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [و] ولاية علي عليه السلام من استمسك بها كان مؤمناً ، ومن تركها خرج عن الإيمان» (٢).

وقد تظافرت الأحاديث الشريفة في إنحصار الهداية بهم في بابين فلاحظ :

١ ـ (باب إنّ الناس لا يهتدون إلاّ بهم) (٣).

٢ ـ (باب إنّهم عليهم السلام الهداية والهدى والهادون في القرآن) (٤).

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ٣ ص ١٨٦.

(٢) كنز الدقائق : ج ٣ ص ١٨٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٩٩ ب ٦.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٤٣ ب ٤٥.

٤٢١

مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ (١)

____________________________________

(١) ـ المأوى : اسم للمكان الذي يُأوى إليه ، مأخوذ من الايواء بمعنى النزول والرجوع ، فالمأوى معناه المنزل والمرجع (١).

والمثوى : اسم مكان أيضاً مأخوذ من الثواء بمعنى الإقامة مع الإستقرار كما في قوله تعالى : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (٢).

فالمثوى معناه المقام والمنزل الذي يُقام فيه ، والجمع مثاوي (٣).

ومعنى الفقرتين في الزيارة الشريفة إنّ من كان تابعاً لكم فالجنّة منزله ومرجعه الذي يؤوي إليه في الآخرة.

ومن كان مخالفاً لكم فنار جهنّم مقامه ومنزله الذي ينزله ويستقرّ فيه يوم القيامة فهو مخلّد في النار.

وهذا أمر مصيري ، وغاية نهائية تكشف عن عظمى الأهمية في متابعة أهل البيت عليهم السلام ، ومدى خسران الصفقة في مخالفة أهل البيت عليهم السلام.

وقد تظافرت الأخبار في تفسير آيات الجنّة في القرآن الحكيم أنّها في أولياء أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي آيات النار في القرآن الكريم أنّها في أعداء أمير المؤمنين عليه السلام ، ويمكنك ملاحظتها من طريق الفريقين في غاية المرام للسيّد الجليل البحراني أعلى الله مقامه.

ونموذجها قوله تعالى : (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (٤) ـ (٥) ـ (٦).

__________________

(١) المرآة : ص ٦١ ، المفردات : ص ٣٢.

(٢) المفردات : ص ٨٤.

(٣) مجمع البحرين : ص ١٧.

(٤) سورة الحشر : الآية ٢٠.

(٥) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ١٩١.

(٦) غاية المرام : ص ٣٢٨.

٤٢٢

.........................................

____________________________________

والمستفاد من كتاب الشموس : أنّ الأخبار في ذلك بحدّ التواتر ، بل المطلب من ضروريات المذهب ، بل من ضروريات الدين في الجملة بحيث لا تحتاج إلى ذكر دليل آخر (١).

لكن نتبرّك بذكر حديث واحد تيمّناً ، وهو ما رواه ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«يا علي إنّ جبرئيل أخبرني عنك بأمر قرّت به عيني وفرح به قلبي ، قال : يا محمّد قال الله عزّ وجلّ : اقرأ محمّداً منّي السلام واعلمه أنّ علياً إمام الهدى ، ومصباح الدجى ، والحجّة على أهل الدنيا ، وأنّه الصد!يق الأكبر ، والفاروق الأعظم.

وإنّي آليت وعزّتي وجلالي أن لا اُدخل النار أحداً توالاه وسلّم له وللأوصياء من بعده.

حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم وأطباقها من أعدائه ، ولأملأنّ الجنّة من أوليائه وشيعته» (٢).

فالجنّة مأوى تابعيه ، والنار مثوى معاديه ، بل هو قسيم الجنّة والنار وبيده مفاتيحهما ، فيُدخل شيعته الجنّة التي أعدّعليها السلاما الله تعالى للمتّقين ، ويُدخل أعدائه النار التي أعدّها الله تعالى للكافرين.

وقد تظافرت في ذلك أحاديث الفريقين مثل : ما رواه ابن عبّاس عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

إنّ النبي صلى الله عليه وآله وعليّاً ينصب لهما منبر فيه الف مرقاة ثمّ يتسلّم النبي صلى الله عليه وآله مفاتيح

__________________

(١) الشموس الطالعة : ص ٣٤٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١٣٢ ب ٤ ح ١٢٤.

٤٢٣

.........................................

____________________________________

الجنّة والنار فيسلّمها لعلي عليه السلام فيدخل شيعته الجنّة ، وأعداءه النار (١).

وما أحلى الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال : «من عرف حقّ علي ذكا وطاب ، ومن أنكر حقّه لُعن وخاب ، أقسمت بعزّتي أن اُدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت بعزّتي أن اُدخل النار من عصاه وإن أطاعني» (٢).

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٦ ص ٢١٣ ب ٩١ ح ١ وله أسانيد عديدة من طرف العامّة.

(٢) لاحظه عن مصادر العامّة في إحقاق الحقّ : ج ٤ ص ٢٢١.

٤٢٤

وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ (١)

____________________________________

(١) ـ الجحود هو : الإنكار مع العلم كما تقدّم ، يقال : جحد حقّه جحداً وجحوداً أي أنكره مع علمه بثبوته ، قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ) (١) ، أي جحدوا بالآيات بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم ، والاستيقان أبلغ من الإيقان (٢).

فالمعنى هو أنّ من جحد أهل البيت عليهم السلام وأنكر حقّهم أو ولايتهم أو فضلهم كان كافراً. فإنّ حقّهم ثبت من رسول الله من قبل الله تعالى ، فيكون إنكاره إنكاراً لرسالة الرسول ، وردّاً على الله ، وهو كفر بالله العظيم.

فمن البديهيات العقليّة أنّه لا معنى لأن يقول أحد أنّ الله تعالى معبودي ، لكنّي لا أعترف بما عبّدني به من ولاية أولياءه المعصومين عليهم السلام.

ولا معنى لأن يدّعي أحد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نبيّي ، لكنّي أنكر ما اُرسل به من إمامه أوصياءه الطيّبين عليهم السلام.

وليس الإنكار هذا إلاّ ردّاً على الله ورسوله ، وهو كفر قطعاً.

وقد تواترت الروايات في كفر من جحد أهل البيت عليهم السلام.

مثل : حديث يحيى بن القاسم عن الإمام الصادق عليهم السلام عن آبائه الطاهرين عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

قال : «الأئمّة بعدي إثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ... المقرّ بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر» (٣).

بل في حديث الإمام الباقر عليه السلام أنّ ترك ولاية علي بن أبي طالب وإنكار فضله

__________________

(١) سورة النمل : الآية ١٤.

(٢) مجمع البحرين : ص ١٩٨.

(٣) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٥٥٧ ب ١٠ الأحاديث ٨ و ١١ و ١٣ و ١٨ و ١٩ و ٢٧ و ٢٨ و ٣٤ و ٣٨ و ٤٠ و ٤٣ و ٤٨ و ٤٩.

٤٢٥

.........................................

____________________________________

ومظاهرة عدوّه يُخرج عن الإسلام (١).

هذا وقد ورد كفر جحود ولاية الأئمّة الطاهرين عليهم السلام في أحاديث كثيرة من طرق العامّة ايضاً منها : ما ذكره الخوارزمي بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : «ليلة اُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ) (٢).

قلت : والمؤمنون؟

قال : صدقت يا محمّد ، من خلّفت في اُمّتك؟

قلت : خيرها.

قال : علي بن أبي طالب؟

قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد إنّي اطلعت إلى أهل الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك إسماً من أسمائي فلا اُذكر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد ، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت عليّاً وشققت له إسماً من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو علي.

يا محمّد إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمّد لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٢٣٨ ب ١٠ ح ٦٠.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٨٥.

٤٢٦

.........................................

____________________________________

يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟

قلت : نعم يا ربّ.

فقال لي : التفت عن يمين العرض فالتفتُّ فإذا أنا بعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، والمهدي في ضحضاح من نور ، قياماً يصلّون ، وهو في وسطهم «يعني المهدي» كأنّه كوكب درّي. قال :

يا محمّد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك ، وعزّتي وجلالي أنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي» (١).

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ٤٥.

٤٢٧

وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ (١)

____________________________________

(١) ـ الحرب في اللغة هو : القتال كما هو معروف.

أي من قاتلكم أهل البيت كان مشركاً بالله تعالى ، ومطيعاً لهوى نفسه ويدخل فيه كلّ من أطلق لسانه بسبّهم ومعارضتهم ومضادّتهم فإنّه حربٌ عرفاً.

وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في أنّ حرب علي عليه السلام حرب الله ، وحرب رسول الله ، وقول النبي صلى الله عليه وآله لأهل البيت عليهم السلام : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» والحرب مع الله ورسوله كفر وشرك.

دلّت على ذلك أحاديث الخاصّة مثل ما تقدّم من حديث ابن عبّاس : «أنّ أعداء علي أعداء الله ، وحرب علي حرب الله».

حديث أبي أيّوب الأنصاري : «من تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي قلّده الله تعالى يوم القيامة وشاحاً من نار» (١).

كما دلّت على ذلك أحاديث العامّة أيضاً التي نقلها في الإحقاق (٢).

هذا مضافاً إلى أنّ المحاربة مع أهل البيت عليهم السلام إنكار لإمامتهم ودفع لها وهو كفر ، كما أنّ دفع النبوّة وإنكارها كفر ، فإنّ من آمن بنبيٍّ أو إمامٍ لا يحاربه.

وهو شرك لا يغفر كما فسّر به قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) (٣) ففي حديث جابر ، عن الإمام الباقر عليه السلام : يعني أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي عليه السلام (٤).

قال شيخ الطائفة قدس سره : «عندنا أنّ من حارب أمير المؤمنين عليه السلام وضرب وجهه

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٣١ ب ٥٧ ح ٩ ـ ١٠ ، وج ٣٢ ص ٣١٩ ب ٨ الأحاديث ، العوالم : ج ١١ ص ٩٣٣. والوشاح هو يُتقلّد به.

(٢) إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ٤٣ ، وج ٦ ص ٤٣٩.

(٣) سورة النساء الآية ٤٨.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٤٥ ح ١٤٩.

٤٢٨

.........................................

____________________________________

ووجه أصحابه بالسيف كافر.

والدليل المعتمد في ذلك إجماع الفرقة المحقّة من الإمامية على ذلك ، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة على حال من الأحوال ، وقد دللنا أنّ إجماعهم حجّة فيما تقدّم ...).

ثمّ تمسّك قدس سره بالأحاديث الشريفة الدالّة على ذلك فراجع (١).

__________________

(١) تلخيص الشافي : ج ٤ ص ١٣١.

٤٢٩

وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ في اَسْفَلِ دَرْك مِنَ الْجَحيمِ (١)

____________________________________

(١) ـ يقال : ردّ عليه الشي أي : لم يقبله منه (١).

والدّرْك هو الطبَق الأسفل ، فإنّ للنار دركات متسافلة ، كما أنّ للجنّة درجات متعالية.

والمنافق في أسفل طبقة من جهنّم لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (٢) ـ (٣).

والمعنى أنّ من لم يقبل شيئاً من أقوالكم أو أخباركم أو أحكامكم أهل البيت كان صالياً نار الحميم ، وفي الدرك الأسفل من الجحيم.

فإنّ أقوالهم وأخبارهم وأحكامهم صادرة عن رسول الله عن ربّ العزّة فيكون ردّه ردّاً وتكذيباً لكلام الله تعالى وهو كفر وجحود موجب للنار ، ويكون هذا الردّ نفاقاً من المتظاهر بالإسلام يوجب الحشر مع المنافقين في أسفل دركٍ من الجحيم.

فردّ كلامهم يكون كفراً بالله العظيم كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة مثل :

١ ـ حديث جابر ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزّت قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمّد صلى الله عليه وآله.

وإنّما الهالك أن يحدّث بشيء منه لا يحتمله فيقول : والله ما كان هذا شيئاً

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢٠٥.

(٢) سورة النساء : الآية ١٤٥.

(٣) مجمع البحرين : ص ٤٥٠.

٤٣٠

.........................................

____________________________________

والإنكار هو الكفر» (١).

٢ ـ حديث جابر ـ الآخر ـ عن الإمام الباقر عليه السلام : «ما أحد أكذب على الله ولا على رسوله ممّن كذَّبَنا أهل البيت ، أو كذب علينا لأنّا إنّما نتحدّث عن رسول الله وعن الله ، فإذا كذَّبَنا أهل البيت ، أو كذب علينا لأنّا إنّما نتحدّث عن رسول الله وعن الله ، فإذا كذَّبَنا فقد كذّب الله ورسوله» (٢).

٣ ـ حديث فرات الكوفي باسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «لمّا نزلت هذه الآية : (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (٣) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يردّ أحد على عيسى بن مريم عليه السلام ما جاء به فيه إلاّ كان كافراً ، ولا يردّ على علي ابن أبي طالب عليه السلام أحد ما قال في النبي صلى الله عليه وآله إلاّ كافر» (٤).

٤ ـ حديث أبي خالد الكابلي ، عن الإمام السّجاد عليه السلام قال : قلت له : كم الأئمّة بعدك؟

قال : «ثمانية لأنّ الأئمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إثنا عشر ـ إلى أن قال : ـ

ومن أبغضنا وردّنا ، أو ردّ واحداً منّا فهو كافر بالله وبآياته» (٥).

٥ ـ الأخبار الاُخرى التي صرّحت بأن الرادّ عليهم عليهم السلام رادّ على الله تعالى مثل حديث ابن حنظلة ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه :

«الرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله» (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢ ص ١٨٩ ب ٢٦ ح ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢ ص ١٩١ ب ٢٦ ح ٢٩.

(٣) سورة النساء : الآية ١٥٩.

(٤) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٥٦١ ب ١٠ ح ٢١.

(٥) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٥٦٣ ب ١٠ ح ٢٩.

(٦) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٩٩ ب ١١ ح ١.

٤٣١

اَشْهَدُ اَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فيما مَضى وَجارٍ لَكُمْ فيما بَقِىَ (١)

____________________________________

(١) ـ احتمل في معنى هذه الفقرة الشريفة وجوه عديدة هي :

أمّا بالنسبة إلى المشار إليه بقوله عليه السلام (هذا) فيحتمل :

١ ـ أن يكون هذا إشارة إلى ما تقدّم قريباً من وجوب متابعتهم في قوله عليه السلام : «من اتّبعكم فالجنّة مأواه الخ».

٢ ـ أن يكون إشارة إلى جميع الأوصاف المذكورة بالنسبة إليهم صلوات الله عليهم من أوّل الزيارة الشريفة أو من قوله : «وأشهد أنّكم الأئمّة الراشدون ، أو من قوله : «من والاكم فقد والى الله» أو من قوله : «أنتم السبيل الأعظم» أو من قوله : «من أتاكم نجى» أو من قوله : «سعد من والاكم».

وأمّا بالنسبة إلى معنى ثبوت هذه الأوصاف لكم فيما مضى من الأزمنة السابقة من أوّل زمان خلقتكم المباركة ، إلى ما يبقى من الأزمنة الآتية من دون إختصاص بزمانٍ دون زمان.

٢ ـ أن يكون بمعنى ثبوتها فيما مضى منكم من الأئمّة الطاهرين ، وما يبقى منكم من الأئمّة المعصومين إلى الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

٣ ـ أن يكون بمعنى ثبوتها فيما مضى من الكتب المقدّسة المتقدّمة ، وما بقى منها إلى القرآن الكريم.

وجميع هذه المعاني صادقة فيهم ومنطبقة عليهم قطعاً لكن لعلّ الذي يلوح أقرب في النظر بالنسبة إلى هذه الفقرة هما المعنيان الأوّلان.

أمّا بالنبة إلى كلمة هذا فلقرب المرجع الأوّل ومناسبته مع كلمة هذا التي هي إشارة إلى القريب.

٤٣٢

.........................................

____________________________________

وأمّا بالنسبة إلى معنى وما بقى فلمناسبة المعنى الأوّل أيضاً مع سياق ما يأتي في الزيارة الشريفة بدون تكرار الشهادة يعني فقرة : «وإنّ أرواحكم» وفقرة : «خلقكم الله» التي تبيّن بدو خلقتهم النورية وطينتهم العُلوية ، فتناسب أزمنة الخلقة. وعلى هذا يكون المعنى ـ والله العالم ـ : إنّي أشهد أنّ ما تقدّم من وجوب متابعتكم وحرمة مخالفتكم الخ لا يختصّ بزمان دون زمان ، بل هو جارٍ ثابت لكم منذ بدو خلقتكم المباركة ، وباقٍ لكم إلى الأزمنة الآتية ، إلى ما شاء الله ، وإلى الأبد.

إذ هم الصفوة الطيّبة الذين إستخلصهم الله تعالى لنفسه ، واختار لهم أسنى نعمه ، وأوجب طاعة الخلق لهم ، وتصديق المخلوقين إيّاهم منذ عالم الذرّ ، كما جعل دينهم هو الإسلام الخالد الباقي مدى الدهر.

وذلك بعد أن علم منهم عليهم السلام الوفاء بشرطه وعهده كما في دعاء الندبة الشريفة :

«الذين إستخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا إضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء فقبلتهم وقرّبتهم ، وقدّمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ...» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٠٤.

٤٣٣

وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطينَتَكُمْ واحِدَةٌ ، طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض (١)

____________________________________

(١) ـ أي وأشهد أنّ أرواحكم الشريفة ، ونوركم الذي خُلقتم منه ، وطينتكم التي جبلتم منها واحدة وطيبةٌ طاهرة ، مخلوقة من أعلى علّيين كما أنّ أبدانكم من علّيين.

وقد ورد ذلك في الأخبار الكثيرة نختار منها ثلّة منها يون بها البيان والتبيين مثل :

١ ـ حديث أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنّ الله خلقنا ـ أي أجسادنا ـ من علّيين وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شيعتنا من علّيين وخلق أجسادهم من دون ذلك ، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحنّ إلينا» (١).

٢ ـ حديث معاذ بن جبل أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «إنّ الله خلقني وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام.

قلت : فأين كنتم يا رسول الله؟

قال : قدّام العرش ، نسبّح الله ونحمده ونقدّسه ونمجّده.

قلت : على أي مثال؟

قال : أشباح نور ، حتّى إذا أراد الله عزّ وجلّ أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ، ثمّ قذفنا في صلب آدم ، ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات ، ولا يصيبنا نجس الشرك ، ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون.

فلمّا صيّرنا إلى صلب عبد المطلّب أخرج ذلك النور فشقّه نصفين ، فجعل نصفه في عبد الله ، ونصفه في أبي طالب ، ثمّ أخرج الذي لي إلى آمنة ، والنصف إلى

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٨٩ باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم عليهم السلام ح ١.

٤٣٤

.........................................

____________________________________

فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة ، وأخرجت فاطمة علياً.

ثمّ أعاد عزّ وجلّ العمود إليّ فخرجت منّي فاطمة ، ثمّ أعاد عزّ وجلّ العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين ـ يعني من النصفين جميعاً ـ فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلى يوم القيامة» (١).

٣ ـ حديث سلمان الفارسي رضوان الله عليه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : «يا سلمان فهل علمت مَن نقبائي ومَن الإثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعت ، وخلق من نوري علياً فدعاه فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه ، فسمّانا بالخمسة الأسماء من أسمائه :

الله المحمود وأنا محمّد ، والله العلي وهذا علي ، والله الفاطر وهده فاطمة ، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين ، ثمّ خلق منّا من صلب الحسين تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماءً مبنيّة وأرضاً مدحيّة ، أو هواءً أو ماءً أو ملكاً أو بشراً ، وكنّا بعلمه نوراً نسبّحه ونسمع ونطيع» الخبر (٢).

٤ ـ حديث محمّد بن حرب الهلالي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «إنّ محمّداً وعلياً صلوات الله عليهما كانا نوراًَ بين يدي الله جلّ جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام ، وإنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلاً وقد انشعب منه شعاع لامع.

فقالت : إلهنا وسيّدنا ما هذا النور؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ب ١ ص ٧ ح ٧.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٥ ب ١ ص ٩ ح ٩.

٤٣٥

.........................................

____________________________________

فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : هذا نور من نوري أصله نبوّة ، وفرعه إمامة ، فأمّا النبوّة فلمحمّد عبدي ورسولي ، وأمّا الإمامة فلعلي حجّتي ووليي ، ولو لا هما ما خلقت خلقي» الخبر (١).

٥ ـ حديث جابر الجعفي قال : كنت مع محمّد بن علي عليهما السلام فقال : «يا جابر خُلقنا نحن ومحبّينا من طينة واحدة بيضاء نقيّة من أعلى علّيين فخُلقنا نحن من أعلاها وخلق محبّينا من دونها ، فإذا كان يوم القيامة التفّت العليا بالسفلى.

وإذا كان يوم القيامة ضربنا بأيدينا إلى حجزة نبيّنا ، وضرب أشياعنا بأيديهم إلى حجزتنا ، فأين ترى يصيّر الله نبيّه وذرّيته؟ وأين ترى يصيّر ذرّيته محبّيها؟

فضرب جابر يده على يده فقال : دخلناها وربّ الكعبة ثلاثاً» (٢).

وقد طابت تلك الأرواح الزكيّة.

وطهرت تلك الأبدان الشريفة.

وقد كانت واحدة تشعّب بعضها من بعض ، كما قال عزّ إسمه : (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (٣).

وقد خلقوا جميعاً من نور عظمة الله تعالى ، خلقهم الله من نور تحت العرش الإلهي كما في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله (٤). وخلق عدوّهم من سجّين كما تلاحظه في الحديث (٥).

واعلم أنّ الطيّب مقابل الخبيث ، والطيّب من الإنسان هو : من تعرّى من نجاسة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ب ١ ص ١١ ح ١٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ب ١ ص ١١ ح ١٦.

(٣) سورة آل عمران : الآية ٣٤.

(٤) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٨٥٤.

(٥) البصائر : ص ١٤ ح ٢ و ٥.

٤٣٦

.........................................

____________________________________

الجهل والفسق وقبائح الأعمال ، وتحلّى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ) (١) ـ (٢).

كما وأنّ التطهير هو : التنزّه والتخليص عن لوث الأرجاس والأنجاس والخبائث والمعاصي وغيرها من المعايب الظاهرية والباطنية (٣).

وأهل البيت عليهم السلام نور واحد طيّبون طاهرون روحاً وبدناً ، من نفس طينة رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقد تظافرت أخبار الطينة في ذلك حتّى من العامّة بطرقٍ عديدة نختار منها حديث الحافظ أبي نعيم باسناده عن ابن عبّاس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال علياً من بعدي وليوال وليّه وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي» (٤).

واعلم أنّ في نسخة مصباح الشيخ الكفعمي وردت هذه الفقرة هكذا :

«وأنّ أنواركم وأشباحكم وسناءكم وظلالكم وأرواحكم وطينتكم واحدة ، جلّت وعظمت وبوركت وقدّست وطابتت وطهرت بعضها من بعض ، لم تزالوا بعين الله وعنده في ملكوته أنواراً تأمرون ، وله تخافون ، وإيّاه تسبّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافّون ، حتّى مَنّ بكم علينا».

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٣٢.

(٢) المفردات : ص ٣٠٩.

(٣) مرآة الأنوار : ص ١٥٠.

(٤) إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ١١١.

٤٣٧

خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ أي خلقكم الله مُذ خلقكم ـ أنواراً من نور عظمته ـ كما تقدّم ـ فجعلكم بعرشه محدقين ، اي : طائفين حوله ...

من أحدق بالشيء أي أطاف وأحاط به (١).

وأمّا معنى العرش فهو وإن كان لا يعلم حقيقته العليا إلاّ الله تعالى وأهل بيت الهدى عليهم السلام (٢) إلاّ أنّا نستضىء بأشعّةٍ ممّا يمكن فهمه فنقول :

كلمة العرش أساساً في اللغة العربية جاءت لمعانٍ عديدة منها :

١ ـ سرير الملك ، ويكنّى به عن العزّة والسلطان والمملكة والملك.

٢ ـ عرش الرجل : قوام أمره فإذا زال عنه ذلك قيل ثلَّ عرشه.

٣ ـ ركن القصر وجانبه.

٤ ـ سقف البيت.

٥ ـ ما عرّش من بناء يُستظلّ به.

٦ ـ عرش الكُرم إذا حمل على خشب ونحوه ليمتدّ عليه.

٧ ـ وعرش القوم رئيسهم المدبّر لأمرهم.

٨ ـ وعرش القدم ما ارتفع من ظهر القدم كما يستفاد من كتب اللغة (٣).

وأمّا معناه الشرعي فقد قال الشيخ الصدوق قدس سره : (اعتقادنا في العرش أنّه جملة

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٤٢٥.

(٢) جاء في دعاء تعقيب صلاة أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله : «وأسألك باسمك الذي خلقت به عرشك الذي لا يعلم ما هو إلاّ أنت». بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٣٦ ب ١ ح ٦٠.

(٣) العين :ج ٢ ص ١١٧١ ، مجمع البحرين : ص ٣٤٠ ، المفردات : ص ٣٢٩ ، مرآة الأنوار : ص ١٦٠ ، لسان العرب : ج ٦ ص ٣١٣ ، النهاية الأثيرية : ج ٣ ص ٢٠٧ ، المصباح : مادّة عرش ، القاموس : ج ٢ ص ٢٧٧ ، تاج العروس : ج ٤ ص ٣٣١ ، أساس البلاغة : ص ٤١٤.

٤٣٨

.........................................

____________________________________

جميع الخلق.

والعرش في وجه آخر هو العلم.

فأمّا العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحَمَلَته ثمانية من الملائكة.

وأمّا العرش الذي هو العلم ، فحملته أربعة من الأوّلين ، وأربعة من الآخرين.

فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى. وأمّا الأربعة من الآخرين : فمحمّد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، صلّى الله عليهم.

هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّة عليهم السلام في العرش وحملته) (١).

فيستفاد من كلامه قدس سره أنّ للعرش معنيان في الشرع.

وجاء في التصحيح :

(فأمّا العرش الذي تحمله الملائكة فهو بعض الملك ، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة ، وتعبّد الملائكة عليهم السلام بحمله وتعظيمه ، كما خلق سبحانه بيتاً في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحجّ إليه وتعظيمه.

وقد جاء في الحديث : أنّ الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سمّاه : البيت المعمور ، تحجّه الملائكة في كلّ عام ، وخلق في السماء الرابعة بيتاً سمّاه الضرّاح وتعبّد الملائكة بحجّة والتعظيم له والطواف حوله ، زخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الضراح.

وروي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «لو اُلقي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور ، ولو اُلقي حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام.

ولم يخلق الله عرشاً لنفسه ليستوطنه ، تعالى الله عن ذلك ، لكنّه خلق عرشاً

__________________

(١) الإعتقادات : ص ٤٥.

٤٣٩

.........................................

____________________________________

أضافة إلى نفسه تكرمة له وإعظاماً وتعبّد الملائكة بحمله ، كما خلق بيتاً في الأرض ولم يخلقه لنفسه ولا ليسكنه ، تعالى الله ذلك كلّه. لكنّه خلقه لخلقه وأضافه لنفسه إكراماً وإعظاماً ، وتعبّد الخلق بزيارته والحجّ إليه») (١).

وأمّا الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك فهي كثيرة وفيرة نتبرّك منها بما يلي :

١ ـ حديث البرقي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام جاء فيه : «إنّ العرش خلقه الله تعالى من أنوارٍ أربعة : نور أحمر منه احمرّت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة ، ونور أبيض منه [ابيضّ] البياض وهو العلم الذي حمّله الله الحملة ...» (٢).

٢ ـ حديث صفوان بن يحيى ، عن الإمام الرضا عليه السلام الذي جاء فيه : «العرش ليس هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كلّ شيء ...» (٣).

٣ ـ حديث داود الرقي ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (٤) أنّه قال :

«إنّ الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن يكون أرض أو سماء أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : مَن ربّكم؟

فأوّل من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة صلات الله عليهم فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ...» (٥).

٤ ـ حديث مقاتل بن سليمان قال : سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام عن قول الله

__________________

(١) تصحيح الإعتقاد : ص ٧٦.

(٢) الكافي : ج ١ باب العرش والكرسي ص ١٢٩ ح ١.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٣٠ ح ٢.

(٤) سورة هود : الآية ٧.

(٥) الكافي : ج ١ ص ١٣٢ ح ٧.

٤٤٠