في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

٣ ـ حديث معمّر بن خلاّد قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (١) ثمّ قال لي : «ما الفتنة؟ قلت : جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدِّين.

فقال : يفتنون كما يفتن الذهب ، ثمّ قال ك يخلّصون كما يخلّص الذهب» (٢).

فالإبتلاء الإمتحاني عام للناس أجمعين حتّى الأنبياء المكرّمين ، كما تلاحظه في ابتلاء سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السلام في التكاليف الموضوعة عليه والأوامر الملقاة إليه (٣).

إلاّ انّ أهل البيت عليهم السلام هم الباب الإلهي الذين اصطفاهم الله تعالى في بدء الخلق ثمّ جعلهم باباً لامتحان الناس ليتبيّن المطيع من العاصي ، والمحسن من المسيء ، والسعيد من الشقي ، كباب حطّةٍ التي امتحن الله تعالى بها بني اسرائيل بدخوله سُجّداً وأن يقولوا عند دخولهم حطّة يعني حطة لذنوبنا ، أو حطّ عنّا ذنوبنا ، فدخلها قوم قائلين حطةً فنجوا ، وبدّل الذين ظلموا قولاً غير ذلك فهلكوا.

وأهل البيت عليهم السلام مثل ذلك الباب الامتحاني ، من دخل في باب متابعتهم نجى وغفر له ، ومن لم يدخل هلك وعوقب عليه.

بل هم أفضل من باب حطّة بني إسرائيل ، التي كانت من الخشب ، وأهل البيت ناطقون صادقون هادون.

وقد ورد في ذلك الأحاديث المتّفق عليها بين الفريقين كما تلاحظها في المصادر ، منها :

١ ـ ما عن ابن عبّاس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من دان بديني ، وسلك منهاجي ، واتّبع سنّتي فليُدِن بتفضيل الأئمّة من أهل بيتي على جميع اُمّتي ، فإنّ مثلهم في هذه

__________________

(١) سورة العنكبوت : الآية ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٣٧٠ باب التمحيص والامتحان ح ٢ ـ ٤.

(٣) كنز الدقائق ك ج ٢ ص ١٣٣.

٤٠١

.........................................

____________________________________

الاُمّة مثل باب حطّة في بني إسرائيل».

٢ ـ ما عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : «هؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطّة وأنتم يا معشر اُمّة محمّد نصب لكم باب حطّة أهل بيت محمّد عليهم السلام ، واُمرتم باتّباع هداهم ، ولزوم طريقتهم ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم ، وليزداد المحسنون منكم.

وباب حطّتكم أفضل من باب حطّتهم ، لأنّ ذلك كان بأخاشيب ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون الهادون الفاضلون ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ النجوم في السماء أمان من الغرق ، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الضلالة في أديانهم لا يهلكون ما دام منهم من يتّبعون هديه وسنّته.

أما إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال : من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، وأن يسكن جنّة عدن التي وعدني ربّي وأن يمسك قضباً غرسه بيده وقال الله : كن فكان ، فليتولّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، وليوال وليّه ، وليعاد عدوّه ، وليتولّ ذرّيته الفاضلين المطيعين لله من بعده ، فإنّهم خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي».

٣ ـ ما عن أبي ذرّ الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومثل

٤٠٢

مَنْ اَتاكُمْ نَجا وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ (١)

____________________________________

باب حطّة يحطّ الله بها الخطايا» (١).

فأهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى أنّهم باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله هم باب النجاة للعالم (٢).

وهم أبواب الله تعالى وبيوته التي يؤتى منها حيث قال تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (٣) كما تلاحظ في أحاديث تفسيره (٤).

(١) ـ النجاة : الخلاص من الهلاكة ن والهلاك : العطب.

أي من أتاكم أهل البيت وعرفكم واتّبعكم وأطاعكم ووالاكم كان ناجياً ، ومن تخلّف عنكم كان هالكاً.

لأنّهم عليهم السلام ـ مضافاً إلى كونهم باب حطّة النجاة ـ هم الطريق إلى الله الرحمن ، وخلفاء الربّ المنّان ، فمن أتاهم فقد أتى الله وكان ناجياً ، ومن أباهم فقد أبى الله وكان هالكاً.

وهم عليهم السلام أبواب الإيمان ، فمن توجّه إليهم كان مؤمناً ، ومن أدبر كان كافراً.

بل طريق النجاة منحصر بهم ، وسلوك الفوز لا يكون إلاّ منهم. دلّ على ذلك الكتاب والسنّة.

فمن الكتاب : قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (٥) حيث هي مفسّرة بأهل البيت عليهم السلام (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١١٩ ـ ١٢٣ ب ٧ الأحاديث ٣٩ و ٤٧ و ٤٨ ، إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ٨٦ ، وج ٩ ص ٣٨٥ ، وج ١٨ ص ٣١٢.

(٢) لاحظ حديث مدينة العلم المتّفق عليه بين الفريقين في غاية المرام : ص ٥٢٠.

(٣) سورة البقرة : الآية ١٨٩.

(٤) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٢٦٠.

(٥) سورة الصفّ : الآية ١٠.

(٦) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ٢٣٦.

٤٠٣

.........................................

____________________________________

ومن السنّة : الأحاديث المتظافرة في ذلك منها :

١ ـ حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى : «أنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى ، وصل الله طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله ...» (١).

٢ ـ حديث مقرن قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : جاء ابن الكوّا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين! (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) (٢)؟

فقال : «نحن على الأعراف ، نعرف أنصارنا بسيماهم ، ونحن الأعراف الذي لا يُعرف الله عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا ، ونحن الأعراف يعرّفنا الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط ، فلا يدخل الجنّة إلاّ من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلاّ من أنكرنا وأنكرناه.

إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا ، فإنّهم عن الصراط لناكبون.

فلا سواء من اعتصم الناس به ، ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض ، وذهب من ذهب إلينا غلى عيون صافية تجري بأمر ربّها ، لا نفاد لها ولا إنقطاع» (٣).

٣ ـ حديث أبي سلمة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : «نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلاّ معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ١٨٢ ح ٦.

(٢) سورة الأعراف : الآية ٤٦.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٨٤ ح ٩.

٤٠٤

.........................................

____________________________________

كان مؤمناً ، ومن أنكرنا كان كافراً.

ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء» (١).

٤ ـ حديث داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزّ وجلّ : «لو لا أنّي أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها ، وإذا كملت له الإيمان ابتليته بضعف في قوّته وقلّة في رزقه ، فإن هو حرج أعدت عليه ، فإن صبر باهيت به ملائكتي.

ألا وقد جعلت علياً علماً للناس ، فمن تبعه كان هادياً ومن تركه كان ضالاً ، لا يحبّه غلاّ مؤمن ولا يبغضه إلىّ منافق» (٢).

٥ ـ حديث السفينة المتقدّم المتّفق عليه بين الفريقين أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «مَثَل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرف» (٣).

واعلم أنّ في البلد الأمين جاء بعد هذه الفقرة الشريفة قوله : «ومن أباكم هوى».

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ١٨٧ ح ١١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٢٥٣ ب ٨٧ ح ٢٢ ، ولاحظ بقيّة أحاديث الباب التي تفيد أنّ النجاة من النار لا يكون إلاّ بولايتهم.

(٣) غاية المرام : ص ٢٣٧.

٤٠٥

اِلَى اللهِ تَدْعُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ هذه الفقرة الشريفة والفقرات التي تليها غلى قوله : «وبقوله تحكمون» تبيّن اختصاص أهل البيت عليهم السلام بذات الله المقدّسة في جميع ما يتعلّق بهم من أفعالهم وأقوالهم ، وأنّهم الإلهيون الحقيقيّون بجميع معنى الكلمة.

فدعوتهم إلى الله فقط ودلالتهم على الله فقط ، وإيمانهم بالله فقط ، وتسليمهم إلى الله فقط ، وعملهم بأمر الله فقط ، وإرشادهم إلى سبيل الله فقط ، وحكمهم بقول الله فقط. كما يشهد به الوجدان ودليل العيان.

فهم المختصّون بالله خاصّة في جميع شؤونهم عامّة.

ومن كان بهذا الشأن العظيم ترتّب عليه ما يأتي في الفقرات المتعقّبة بعدها أنّه : «سعد من والاكم وهلك من عاداكم» الخ.

ويفهم الحصر والاختصاص من تقديم قوله إلى الله ، وعليه ، وبه ، وله ، وبأمره وإلى سبيله ، وبقوله ، على أفعالها.

إذ أنّ تقديم ما حقّه التأخير يفيد الحصر ، فيستفاد إنحصار شؤونهم بربّهم المتعال جلّ جلاله.

فمعنى هذه الجملة الشريفة أنّكم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الله تدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ، ودعوتكم منحصرة بالله تعالى.

فإنّه قد يكون لغيرهم في حال من أحواله دعوة إلى غير الله أو غفلة عن الدعوة إلى الله ، لكن أهل البيت عليهم السلام يدعون إلى الله فقط من دون غفلة ولا سهو ، فهم الدعاة وأكمل الدعاة إلى الله تعالى لا غير.

٤٠٦

وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ (١) وَبِهِ تُؤْمِنُونَ (٢) وَلَهُ تُسَلِّمُونَ (٣) وَبِاَمْرِهِ تَعْمَلُونَ (٤)

____________________________________

(١) ـ أي على الله تعالى لا على غيره تدلّون بمعارفكم الحقّة ، وبراهينكم الناطقة ، وعلمكم الفيّاض ، وقدرتكم الفائقة.

فكلّها منكم تدلّ على الله المتعال وصفاته المتعالية.

والدلالة هي ما يتوصّل به إلى معرفة الشيء كدلالة الألفاظ على المعاني بحيث متى اُطلقت فُهم منها معانيها.

وأهل البيت عليهم السلام هم المظهر الأتمّ المنبىء عن الحقّ المطلق ، والمذكّر بالله تعالى ، والدالّ عليه ، والهادي إليه.

(٢) ـ أي بالله تعالى لا بغيره تؤمنون ، بالإيمان الحقيقي الكامل التامّ الخالص من جميع شوائب الشرك الجلي والخفي.

(٣) أي لله تعالى لا لغيره تسلّمون ـ بتشديد اللام ـ أي تسلّمون اُموركم وتفوّضونها إلى الله تعالى ، وتنقادون فيها له عزّ إسمه.

من التسليم بمعنى الإنقياد ظاهراً وباطناً ، وعدم الإعتراض أبداً.

وقد يقرأ بتخفيف اللام يعني تُسلمون ويكون بنفس المعنى المتقدّم.

(٤) أي بأمر الله تعالى لا بأمره غيره تعملون في جميع أقوالكم وأفعالكم وأحوالكم وشؤونكم ، فإنّهم عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّ وجلّ وأمرٍ منه لا يتجاوزونه كما مرّ ذكره بأحاديثه (١).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٧٩ ح ١ ، وص ٢٨٣ تتمّة الحديث ٤.

٤٠٧

وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُونَ (١) وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ (٢)

____________________________________

(١) ـ أي إلى سبيل الله تعالى القويم وصراطه المستقيم ودينه العظيم لا إلى غيره ترشدون الخلق بأكمل إرشاد وأجمل بيان وأفضل هداية.

وسبيل الله تعالى هو : دينه وطاعته وأولياؤه وولاية أوليائه (١).

والإرشاد هي : الهداية إلى طريق الحقّ ، مأخوذ من الرُشد والرشاد الذي هو بمعنى الهدى والهداية.

يقال : أرشده الله تعالى أي هداه ، والأئمّة الراشدون أي الهادون إلى طريق الحقّ والصواب ، والطريق الأرشد أي الأصواب والأقرب إلى الحقّ (٢).

(٢) ـ أي بقول الله تعالى وبالإستناد إليه فقط لا بالإستحسانات والآراء والقياسات تحكمون بين الناس ، فإنّهم عليهم السلام كرسول الله صلى الله عليه وآله إنّما يحكمون بما أعلمهم الله تعالى حيث قال في كتابه الكريم : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) (٣) ، فهي جارية في أوصياءه عليهم السلام كما صرّح به في حديث عبد الله ابن سنان (٤).

واعلم أنّ في البلد الأمين بعد هذه الفقرة زيادة : «وإليه تنيبون ، وإيّاه تعظّمون».

__________________

(١) مشكاة الأنوار : ص ١٢٤.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢٠٦.

(٣) سورة النساء : الآية ١٠٥.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٦٧ ح ٨.

٤٠٨

سَعَدَ مَنْ والاكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ هكذا في الفقيه ، لكن في العيون : «سعد والله من والاكم» ، وفي البلد الأمين : «سعد والله بكم من والاكم.

وهذه الفقرات الآتية تفيد البشارت العظمى التي توجبها التولّي لأهل البيت عليهم السلام والتمسّك بهم والإلتجاء إليهم وتصديقهم والإعتصام بهم ... ثبّتنا الله تعالى على ذلك.

وفي مقابلها سوء العقبى الذي يوجبه معاداة أهل البيت أو جحودهم أو مفارقتهم أعاذنا الله تعالى من ذلك.

وما أقرّها للعين من بشارة سارّة هذه الكلمة الفاخرة : «سعد من والاكم».

أي سعد في الدنيا والآخرة ، وفاز في النشأة الاُولى والاُخرى من كان من مواليكم وشيعتكم.

وسعد مأخوذ من السعادة خلاف الشقاوة ، ومنه سعد الرجل في دين أو دنيا خلاف شقي فهو سعيد والجمع سعداء (١).

والسَّعد والسعادة : (معاونة الاُمور الإليهة للإنسان على نيل الخير) (٢).

والسعادة والشقاوة تكون باختيار العبد لنفسه ما يسعدها أو يشقيها وليس باجبار أو اضطرار حتّى يستلزم إشكال ، كما هو ثابت في محلّه ، وراجع بشأنه إذا شئت الأحاديث الشريفة (٣).

وممّا يوجب السعادة بل لا تكون السعادة إلاّ بها ولاية أهل البيت عليهم السلام التي فرضها الله تعالى كما تطابقت عليه الأدلّة من الكتاب والسنّة في مبحث الإمامة والأحاديث متواترة في ذلك منها :

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢١٠.

(٢) المفردات : ص ٢٣٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ١٥٤ ب ٦ ح ٤ و ٥ و ١٠.

٤٠٩

.........................................

____________________________________

١ ـ حديث عبّاد الكلبي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن فاطمة الصغرى ، عن الحسين بن علي ، عن اُمّه فاطمة بنت محمّد صلوات الله عليهم قالت : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله عشيّة عرفة فقال :

«إنّ الله تبارك وتعالى باهى بكم وغفر لكم عامّة ولعلي خاصّة ، وإنّي رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي ، هذا جبرئيل يخبرني أنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته ، وإنّ الشقي كلّ الشقي حقّ الشقي من أبغض عليّاً في حياته وبعد وفاته».

٢ ـ حديث زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته كتب الله عزّ وجلّ له من الأمن والإيمان ما طلعت عليه شمس وغربت.

ومن أبغضه في حياته وبعد موته مات موتة جاهلية وحوسب بما عمل».

٣ ـ حديث الثمالي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، عن أبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :

«يا علي ما ثبت حبّك في قلب امرىء مؤمن فزلّت به قدم على الصراط إلاّ ثبتت له قدم حتّى يدخله الله عزّ وجلّ بحبّك الجنّة» (١).

فولاية آل محمّد عليهم السلام هي السعادة العظمى والفوز الأكبر كما ثبت حتّى في أحاديث العامّة.

فقد ورد حديث عبّاد الكلبي المتقدّم في المناقب للخوارزمي ، وذخائر العقبى للطبري ، وشرح النهج للمعتزلي ، ومنتخب كنز العمّال لحسام الدين الهندي ، والينابيع للقندوزي ، والأربعين للهروي ، ومفتاح النجا للبدخشي ، وأرجح المطالب

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٧٣ ـ ٧٧ ب ٤ ح ١ و ٧ و ٨.

٤١٠

.........................................

____________________________________

للأمر تسري ، كما تلاحظ النقل مفصّلاً في الإحقاق (١).

فولاية أهل البيت عليهم السلام توجب سعادة الدنيا بالحياة الطيّبة ، والتوفيق لأعمال الخير المقبولة ، وغفران الذنوب ، وحياة القلوب.

وتوجب أيضاً سعادة الاُخرى بفوز الحساب ، وشفاعة الأولياء ، ودخول الجنّة ورضوان من الله أكبر.

كما أنّ ترك ولايتهم أو معاداتهم توجب الشقاء ، والجاهلية الجهلاء ، وسوء العقبى ، والنار الكبرى.

قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٢).

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٧ ص ٢٥٣.

(٢) سورة هود : الآية ١٠٦ ـ ١٠٨.

٤١١

وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ الهلاك هو : العطب والفناء.

والهلاك المعنوي هي الهلاكة الأبدية ، التي هي الخلود في النار (١).

أي أنّ من كان عدوّاً لكم أهل البيت كان من الهالكين في الدين ، ومن الخالدين في عذاب ربّ العالمين ، وهي الشفاوة الأبدية ، وفقد السعادة الحقيقيّة ، فيشقى عدوّكم في آخرته بواسطة سوء مصيره ، بل يشقى في دنياه بواسطة فقده الحياة الطيّبة والروح المطمئنة والمغفرة والرحمة.

وقد تظافرت الأحاديث في ذلك ، نتبرّك منها بذكر حديث واحد منها وهو : حديث ميسّر ، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال : أي البقاع أعظم حرمة؟

قال : قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال : «يا ميسّر ما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنّة ، وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنّة ، والله لو أنّ عبداً عمّره الله ما بين الركن والمقام ، وما بين القبر والمنبر ، يعبده ألف عام ، ثمّ ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح ، ثمّ لقى الله عزّ وجلّ بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم» (٢).

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ٢٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١ ص ٩٤ ب ٢٩ ح ١٦ ، وفي ثواب الأعمال : ص ٢٥٠ ح ١٦.

٤١٢

وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ خاب : مأخوذ من الخيبة وهي الحرمان والخسران.

والخائب هو الذي فاته الظفر بالمطلوب (١).

والجحود هو : الإنكار مع العلم ن يقال : جحد حقّه أي أنكره مع علمه بثبوته (٢).

أي خاب وخسر ولم يظفر بمطلوبه من جحد وأنكر إمامتكم ولم يؤمن بها.

فإنّ إنكار إمامتهم إنكار لنعمة الله ، وإنكار لرسول الله ، وهو يوجب ميتة الجاهلية وخسران الدنيا والآخرة ، كما تلاحظه في أحاديثه الشريفة (٣).

وفي خطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : «يا علي : ما عُرف الله إلاّ بي ثمّ بك ، من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته» (٤).

في نسخة الكفعمي : «وخاب من جهلكم».

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ١١٣.

(٢) مجمع البحرين : ص ١٩٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٧٦ ـ ١٠٣ ب ٤ ـ ٦ الأحاديث ١٦ و ٢٤ و ٣٤ و ٣٨ ، و ٤ و ٥ و ٤.

(٤) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٨٥٥.

٤١٣

وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ الضلال والضلاة : ضدّ الهدى والهداية (١).

والضلالة عن الطريق : ضدّ الرشاد (٢).

والضلال هو : العدول عن الطريق المستقيم (٣).

أي قد ضلّ وعدل عن طريق الحقّ ولم يهتد إلى الحقّ من فارقكم أهل البيت وترك متابعتكم.

إذ هو مفارقة لرسول الله صلى الله عليه وآله كما نُصّ عليه في أحاديث الفريقين (٤).

والحقّ فيكم ومنكم وإليكم أهل البيت ، وليس بعد الحقّ إلاّ الضلال ، فمن تخطّى عن الحقّ وقع في الضلالة ، والضلالة خسران مبين.

قال عزّ إسمه : (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (٥).

فملازمه أهل البيت عليهم السلام توجب الهداية ، ومفارقتهم توجب الضلالة كما تستفيده من حديث الثقلين المتقدّم نقله ، الذي يفيد كون الهداية مقيّدة بالتمسّك بهما فقط.

وخصوص حديث ابن عبّاس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «لن تضلّوا ولن تهلكوا وأنتم في موالاة علي ، وإن خالفتموه فقد ضلّت بكم الأهواء في الغي ، فاتّقوا الله ، فإنّ ذمّة الله علي بن أبي طالب» (٦).

وأهل البيت عليهم السلام من اقتدى بهم هدي إلى الصراط المستقيم كما في حديث جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل البيت عليهم السلام قال :

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ١٤٩.

(٢) مجمع البحرين : ص ٤٨٠.

(٣) المفردات : ص ٢٩٧.

(٤) غاية المرام : ص ٥٤٢.

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٧٨.

(٦) إحقاق الحقّ : ج ٦ ص ٥٧ ب ٤٢ ح ١ عن ينابيع المودّة ، وغيره من الأحاديث الاُخرى التي تجدها في غاية المرام : ص ٥٤٢.

٤١٤

.........................................

____________________________________

«هم أبواب العلم في اُمّتي من تبعهم نجى من النار ، ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم ، لم يهب الله محبّتهم لعبد إلاّ أدخله الله الجنّة» (١).

وهم الثابتون على الهدى والملازمون للحقّ فلا يخرجونا من الهدى ولا يُدخلونا في الضلالة كما في حديث عمّار بن ياسر ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :

«من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ... فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ، ولم يدخلكم في ضلالة» (٢).

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٤ ص ٥٩ عن الينابيع.

(٢) إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ١٠٩ عن كنز العمّال.

٤١٥

وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ الفوز هو : النجاة والظفر بالخير (١).

وهو الظفر بالخير مع حصول السلامة (٢).

والمسّك بالشيء هو : الإعتصام به (٣) ، وهو التعلّق به وحفظه (٤).

والمعنى نجى وظفر بالخير وسلم من اعتصم بكم وتمسّك بحبل ولايتكم وتعلّق بحجزتكم ، وهو الفوز العظيم.

فإنّ من اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، وهو الفوز اليقين.

قال عزّ إسمه : (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (٥) ـ (٦).

وقال عزّ إسمه : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (٧) ـ (٨).

وفي الحديث الثابت من طريق الفريقين ك «شيعة علي هم الفائزون» (٩).

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٣١٨.

(٢) المفردات : ص ٣٨٧.

(٣) مجمع البحرين : ص ٤٥٥.

(٤) المفردات : ص ٤٦٨.

(٥) سورة آل عمران : الآية ١٨٥.

(٦) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٢٨٢.

(٧) سورة الأحزاب : الآية ٧١.

(٨) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٤٤٩.

(٩) لمصادر الخاصّة بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٩٥ ب ٦١ ح ١١ ، وج ٣٩ ص ٣٠٤ ب ٨٧ ح ١٢٠ ، وج ٤٠ ص ٢٥ ب ٩١ ح ٥٠ ، وج ٦٨ ص ٩ ب ١٥ ح ٥ ، ولمصادر العامّة إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ٤٣ ، وج ٧ ص ٢٩٨ ، وج ١٤ ص ٢٥٨ ، وج ١٧ ص ٢٦٢ ، وج ٢٠ ص ٢٥٧.

٤١٦

وَاَمِنَ مَنْ لَجَأ اِلَيْكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ أصل الأمن : طمأنينة النفس وزوال الخوف.

والأمن والأمان والأمانة مصادر تعجل تارةً للحالة التي يكون عليها الإنسان عند الأمن (١).

وأمِنَ هنا فعل ماضٍ بمعنى : اطمأنّ وزال خوفه.

أي اطمأنّ ولم يخف عذاب الله تعالى وغضبه من لجأ إليكم أهل البيت.

ولجأ : مأخوذ من اللجوء.

يقال : لجأ إلى الحصن والتجأ إليه أي اعتصم به ، فالحصن هو الملجأ.

والجأت ظهري إليك أي اعتمدت في اُموري عليك ، والجأت أمري إلى الله تعالى أي أسندته إليه (٢).

فاللجوء بمعنى الاعتصام والاعتماد والاستناد.

ومعنى هذه الفقرة الشريفة : أمن من اعتصم بكم واعتمد عليكم واستند إليكم أهل البيت بالاعتقاد والاتّباع والاستشفاع فأنتم الملجأ الأمين ، والحصن الحصين لخلق الله إلى يوم الدين.

يدلّ عليه :

١ ـ تأويل قوله تعالى : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) (٣) المفسّر بالسير في ولايتهم عليهم السلام (٤).

٢ ـ الأحاديث الدالّة على أنّ أهل البيت عليهم السلام أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ولو لا هم لهلك أهل الأرض ، كما تلاحظه في أحاديثه

__________________

(١) المفردات : ص ٢٥.

(٢) مجمع البحرين : ص ٧٨.

(٣) سورة سبأ : الآية ١٨.

(٤) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٤٨٦.

٤١٧

.........................................

____________________________________

المتظافرة ، من ذلك :

حديث فضيل الرسّان قال : كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي عبد الله عليه السلام : أخبِرنا ما فضلكم أهل البيت؟

فكتب إليه أبو عبد الله عليه السلام : «إنّ الكواكب جعلت في السماء أماناً لأهل السماء ، فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : جُعل أهل بيتي أماناً لاُمّتي ، فإذا ذهب أهل بيتي جاء اُمّتي ما كانوا يوعدون» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ب ٨ ص ٣٠٩ ح ٥.

٤١٨

وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ سَلِمَ : مأخوذ من السَّلْم والسلامة ، وهي التعرّي عن الآفات الظاهرة والباطنة (١).

وصدّقكم : مأخوذ من التصديق ، يقال : صدّقه أي اعترف بصدق كلامه ن واعتبره صحيحاً مخلَصاً لا كذب فيه (٢) وبمعنى حقّقه (٣).

أي سَلِمَ من العذاب والهلاك ، ومن الزيغ والشكّ والضلال من صدّقكم في الإمامة وغيرها من شؤونكم ، واعترف بصدقكم واعتبر كلامكم.

وذلك لأنّهم لا ينطقون إلاّ عن الله تعالى ، فيكون تصديقهم تصديقاً لله عزّ إسمه ، وهو مقرون ومضمون بالسلامة القطعية والسَّلْْم اليقين.

وقد أمر الله تعالى بإطاعتهم في آية اُولي الأمر الشريفة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٤).

وأمر بالكون معهم في آية الصادقين المباركة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥).

والآيتان واردتان في شأن أهل البيت عليهم السلام في أحاديث الفريقين (٦).

فهل يكون طريقهم إلاّ طريق السعادة والسلامة.

__________________

(١) المفردات : ص ٢٣٩.

(٢) الرائد : ص ٩١٦.

(٣) المعجم الوسيط : ج ١ ص ٥١٠.

(٤) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٥) سورة التوبة : الآية ١١٩.

(٦) غاية المرام : ص ٢٦٣ و ٢٤٨.

٤١٩

وَهُدِىَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ هُدِيَ : مأخوذ من الهدى ، وهي الهداية والإرشاد إلى طريق الحقّ والسداد والاعتصام بالشيء هو : التمسّك بالشيء والتعلّق به (١).

أي هُدي إلى طريق النجاة ، واهتدى به من اعتصم بكم ، وتمسّك بحبلكم وتعلّق بحُجزتكم.

لأنّهم عليهم السلام حبل الله المتين الذي من تمسّك به نجى ، ومصباح الهداية الذي من استضاء به اهتدى ، فالاعتصام بهم إعتصام بالله تعالى ، ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم.

قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (٢).

وفي حديث جابر عن الإمام الباقر عليه السلام قال : «آل محمّد عليهم السلام هم حبل الله الذي اُمر بالإعتصام به فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (٣).

وفي حديث شرح الآيات الباهرة عن الإمام السجّاد عليه السلام قال : كان رسو الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في المسجد ، وأصحابه حوله ، فقال لهم : «يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه.

قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر ، فتقدّم وسلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وجلس ، وقال : يا رسول الله ، إنّي سمعت الله يقول : فما هذا الحبل الذي أمر الله بالإعتصام ولا نتفرّق عنه؟

قال : فأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : هذا حبل الله الذي من تمسّك به عُصِم في دنياه ، ولم يضلّ في اُخراه.

__________________

(١) المفرادات : ص ٣٣٧.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٠٣.

(٣) كنز الدقائق : ج ٣ ص ١٨٥.

٤٢٠