في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والَى اللهَ (١)

____________________________________

(١) ـ والا : بمعنى تابَعَ ، والولاية بمعنى المتابعة.

والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام متابعة لله تعالى ، والمعاداة معهم معاداة مع الله جلّ شأنه.

ومحبّتهم محبّة لله المتعالى ، والبغض لهم بغض لله العزيز.

والإعتصام والتمسّك بهم تمسّك بالله الكريم.

وذلك لأنّهم حجج الله تعالى وأولياؤه وخلفاؤه ومظاهر صفاته وأخلاقه ، والأدلاّء عليه والدعاة إليه.

وأمر الله تعالى بموالاتهم ومحبّتهم والتمسّك بهم ، ونهى عن معاداتهم وبغضهم.

فكانوا المظاهر الربّانية التامّة لطاعة الله وعصيانه ، وحبّه وبُغضه ، ومتابعته والمخالفة معه.

في حين أنّهم عباده ، وخلقه ، لكن عبادٌ مكرمون وخلق مصطفون.

٣٨١

وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ـ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المعنى واضح ، ويدلّ على ذلك آيات الكتاب الكريم وروايات الحجج المعصومين عليهم السلام المبيّنة لها فيما يلي :

١ ـ حديث ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ولاية علي بن أبي طالب ولاية الله عزّ وجلّ ، وحبّه عبادة الله ، واتّباعه فريضة الله ، وأولياؤه أولياء الله ن وأعداؤه أعداء الله ، وحربه حرب الله ، وسلمه سلم الله عزّ وجلّ» (١).

٢ ـ حديث حمزة بن بزيع ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله الله عزّ وجلّ : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (٢).

فقال : «إنّ الله عزّ وجلّ لا يأسف كأسفنا ولكنّه خَلَق أولياء لنفسه ، يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه ، لأنّه جعلهم الدعاة إليه والأدلاّء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أنّ ذلك يصل [إلى الله كما يصل] إلى خلقه ، لكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال : «من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها».

وقال : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (٣).

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٤).

فكلّ هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرضا ، الغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك» (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ب ٥٧ ص ٣١ ح ٩.

(٢) سورة الزخرف : الآية ٥٥.

(٣) سورة النساء : الآية ٨٠.

(٤) سورة الفتح : الآية ١٠.

(٥) الكافي : ج ١ ص ١٤٤ ح ٦.

٣٨٢

.........................................

____________________________________

٣ ـ حديث زرارة ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

قال : «إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يُظلم ، ولكنّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته ، حيث يقول : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢) يعني الأئمّة منّا» (٣).

٤) حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «إنّما فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (٤).

٥ ـ حديث التفسير عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «آل محمّد عليهم السلام هم حبل الله الذي اُمر بالإعتصام به ، فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (٥)» (٦).

فيلزم علينا ولايتهم وحبّهم والإعتصام بهم تحصيلاً لولاية الله وحبّه والاعتصام به الموجبة للفوز في الدنيا والآخرة.

كما يلزم علينا الاجتناب عن معاداتهم وبغضهم والتفرّق عنهم الموجبة للهلاك في الدنيا والآخرة.

فهم أولياء اُمورنا وحجج ربّنا ، والذين جعلهم الله تعالى مصابيح هدايتنا ، وسفن نجاتنا.

إن التجأنا إليهم وتمسّكنا بهم كنّا من الناجين ، وإن تركناهم وتخلّفنا عنهم كنّا من الهالكين.

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٥٧.

(٢) سورة المائدة : الآية ٥٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٤٦ ح ١١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٩ ب ٣ ح ٤٠.

(٥) سورة آل عمران : الآية ١٠٣.

(٦) كنز الدقائق : ج ٣ ص ١٨٥.

٣٨٣

.........................................

____________________________________

واتّضح من مظهريّة أهل البيت عليهم السلام لله تعالى أنّ من والاهم فقد والى الله عزّ إسمه ، ومن عاداهم كان معادياً لله تعالى ، وأنّ محبّهم محبّ لله العزيز ، ومبغضهم مبغض لله القهّار.

وإنّ المعتصم بهم معتصم بالمولى القدير ، فمن ترك الاعتصام بهم ترك الإعتصام بالله تعالى.

ثبّتنا الله تعالى على ولايتهم ومحبّتهم والإعتصام بهم ومودّتهم سلام الله عليهم. وفي نسخة الكفعمي هنا زيادة : «أنتم يا مواليّ نعم الموالي لعبيدهم».

٣٨٤

اَنْتُمُ السَبِيلُ الأَعْظَمُ (١)

____________________________________

(١) ـ السبيل في اللغة بمعنى : الطريق ، وجمعه سُبل يعني طرق ...

والسبل التي يسلكها الناس مختلفة ، إلاّ أن السبيل الذي من سلكه نجا ومن تخلّف عنه هوى هو سبيل أهل البيت عليهم السلام ، وهو سبيل الله الحقّ ، وليس بعد الحقّ إلاّ الضلال.

لذلك كان ذلك السبيل الإلهي هو السبيل الأعظم ومسلكه هم آل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

فإنّهم سبيل الله الأعظم كما دلّت عليه الأدلّة الوفيرة من الكتاب الكريم والروايات الشريفة المفسِّرة مثل :

١ ـ حديث جابر ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : سئل عن قول الله : (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ) (١).

قال : أتدري يا جابر ما سبيل الله؟

فقلت : لا والله إلاّ أن أسمعه منك.

قال : «سبيل الله علي عليه السلام وذرّيته ، فمن قُتل في ولايته قتل في سبيل الله ، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله ... الحديث» (٢).

٢ ـ حديث الخطبة العلوية الشريفة الوسيلة :

«فانا الذكر الذي عنه ضلّ ـ الشيطان ـ والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كف ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي به كذّب ، والصراط الذي عنه نكب» (٣).

٣ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (٤).

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٧.

(٢) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٢٤٩.

(٣) روضة الكافي : ج ٨ ص ٢٨.

(٤) سورة العنكبوت : الآية ٦٩.

٣٨٥

.........................................

____________________________________

قال : «هذه نزلت في آل محمّد صلى الله عليه وآله وأشياعهم» (١).

٤ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) (٢).

قال : «اتّبع سبيل محمّد وعلي عليهما السلام» (٣).

٥ ـ حديث أسباط قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) (٤). قال : فقال : «نحن المتوسّمون والسبيل فينا مقيم» (٥).

واعلم أنّ هذه الفقرة الشريفة وإن كانت لم تذكر في نسخة الفقيه ، لكن ذكرت في عيون الأخبار وسائر المزارات.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢١ ح ٣٨.

(٢) سورة لقمان : الآية ١٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢١ ح ٣٩.

(٤) سورة الحجر : الآية ٧٥ ـ ٧٦.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٠٨ ح ١.

٣٨٦

والصِّراطُ الاْقْوَمُ (١)

____________________________________

(١) ـ الصراط في اللغة هو : الطريق ، ومنه سمّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الله ، وكذلك سمّي صراط الآخرة الصراط لأنّه طريق إلى الجنّة.

والأقوم : تفضيل للقويم ، مأخوذ من الإستقامة بمعنى الثُبات والتمامية والعدل.

وأهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى كونهم السبيل الأعظم هم الصراط المستقيم الثابت والطريق القويم الموصِل في جميع اُمور الحياة الدنيا ، وهم الطريق الأقوم لسعادة الحياة الاُخرى في كلّ العقائد والأفعال ، وعموم الأقوال والأعمال ، وفي مطلق الحالات والأحوال.

بل هم الطريق الوحيد إلى الله المجيد كما دلّ عليه الدليلان الكتاب والسنّة فيما يلي :

١ ـ أحاديث تفسير قوله تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١) جاءت أحاديث تفسيرها بهم عليهم السلام في الكنز (٢).

٢ ـ حديث الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى : (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) (٣).

قال : «يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم السلام وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً ، يقول لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء» (٤).

٣ ـ حديث الفضيل بن يسار ، عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (٥).

قال : «يعني والله علياً والأوصياء عليهم السلام» (٦).

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ١٥٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٤ ص ٤٨٢.

(٣) سورة الجنّ : الآية ١٦.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٢٠ ح ١.

(٥) سورة الملك : الآية ٢٢.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٢ ح ٤٤.

٣٨٧

وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي شهداء الله تعالى على خلقه في دار الدنيا التي هي دار الفناء لأنّها تفنى وتضمحل وتزول ، مقابل الآخرة التي هي دار البقاء لأنّها تبقى وتخلد وتدوم.

وقد تقدّم في الفقرة السابقة : «وشهداء على خلقه» أنّ أهل البيت عليهم السلام مشاهدين وشاهدين لجميع الأعمال والأفعال.

وهذه الدنيا الفانية دار امتحان للعباد في سبيل يوم المعاد ، لتنال كلّ نفس جزاءها بالقسط والعدل.

ومن تمام الحجّة وعدالة المحجّة أن يُوفّى الناس حسابهم على طبق شهادة شهودهم.

ومن أصدق شهادة من أهل بيت العصمة عليهم السلام الذين هم الصادقون المصدّقون ، والذين يُعرض عليهم أعمال العباد من قبل ربّهم ، بل يشاهدونها في عمود نورهم.

وقد عرفت الدليل على شاهديتهم عليهم السلام من الكتاب في قوله تعالى : (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (١) ـ (٢).

ومن السنّة في الأحاديث المتواترة التي عقد لها باب كما تقدّم (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٤٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٢ ص ١٧٧.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٩٠.

٣٨٨

وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي الشفعاء إلى الله تعالى لشيعتهم في الدار الاُخرى.

والشفاعة هي : السؤال في التجاوز عن الجرائم والذنوب (١).

وأهل البيت عليهم السلام لهم وسام الشرف في الوجاهة عند الله تعالى ، ولهم مقام التكريم من قبل الله عزّ وجلّ ، إعظاماً لهم وإحساناً إلى شيعتهم.

فيشفعون إلى الله الذي ارتضى شفاعتهم في العفو عن أهل الخطأ من مذنبي المؤمنين.

وهذا ثابت بالأدلّة الأربعة كما فصّلنا بيانها في العقائد فلا نودّ التكرار (٢) ، لكنّا نشير إليها باختصار :

١ ـ أمّا دليل الكتاب فمثل قوله تعالى : (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٣) وتلاحظ أحاديث تفسيره في الكنز (٤).

٢ ـ وأمّا دليل السنّة فالأحاديث التي تفوق على المئة ممّا جمعت في بابي الشفاعة والصفح عن الشيعة في المجلّد الثامن والستّين من بحار الأنوار.

ونتبرّك هنا بذكر حديثين فقط من طرق الخاصّة والعامّة وهما :

أمّا أولاً : فمن طريق الخاصّة حديث فرات الكوفي بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام.

قال جابر لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك يابن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر عليه السلام : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم

__________________

(١) مجمع البحرين ص ٣٨٣.

(٢) العقائد الحقّة الطبعة الأولى : ص ٤٥٤.

(٣) سورة الأنبياء : الآية ٢٨.

(٤) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٠٦.

٣٨٩

.........................................

____________________________________

القيامة ثمّ يقول الله : يا محمّد اخطب. فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون ، منبره أعلى منابرهم ثمّ يقول الله : يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لإبنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيّام حياتي منبر من نور ، ثمّ يقال لهما : اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام : أين فاطمة بنت محمّد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيى بن زكريا؟ فيقمن.

فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهّار.

فيقول الله جلّ جلاله : يا أهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة ، يا أهل الجمع طأطؤا الرؤوس وغضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة ، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة مدبّجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ المحقّق الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها ، فتركبها ، فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها عند باب الجنّة ، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنّتي؟

فتقول : يا ربّ أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم.

٣٩٠

.........................................

____________________________________

فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده فأدخليه الجنّة».

قال أبو جعفر عليه السلام : «والله يا جابر أنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الردي ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله : يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون : يا ربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا أحبّائي ارجعوا وانظرو من أحبّكم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنّة».

قال أبو جعفر عليه السلام : «والله لا يقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) فيقولون : (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (٢)» (٣).

وأمّا ثانياً : ومن طريق العامّة فحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقى الله عزّ وجلّ وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده

__________________

(١) سورة الشعراء : الآيات ١٠٠ ـ ١٠٢.

(٢) سورة الأنعام : الآية ٢٨.

(٣) تفسير فرات الكوفي : ص ٢٩٨ ح ٤٠٣.

٣٩١

.........................................

____________________________________

لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا».

رواه نور الدين بن أبي بكر في مجمع الزوائد ، والهيثمي في الصواعق ، والسيوطي في إحياء الميت ، والقندوزي في الينابيع ، والنبهاني في الشرف المؤبّد ، والحمزاوي في مشارق الأنوار ، والطبراني في الأوسط ، والصبّان في الإسعاف ، والحضرمي في رشفة الصادي ، وباكثير في وسيلة المآل ، والسمهودي الشافعي في الأشراف ، كما تلاحظ كامل مصادر جميعها في الإحقاق (١).

٣ ـ وأمّا دليل الإجماع فقد أفاده الشيخ الصدوق (٢) ، والشيخ الطبرسي (٣) ، والعلاّمة شبّر (٤).

٤ ـ وأمّا دليل العقل فلإبتناء الشفاعة على عفو الله تعالى ، وهو إحسان حسن ، والعقاب حقّه فجاز إسقاطه ، كما إستدلّ به العلاّمة أعلى الله مقامه (٥).

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٩ ص ٤٢٨ ، وج ١٨ ص ٥٣١.

(٢) الإعتقادات : ص ٦٦.

(٣) مجمع البيان : ج ١ ص ١٠٣.

(٤) حق اليقين : ج ٢ ص ١٣٤.

(٥) نهج المسترشدين : ص ٨٢.

٣٩٢

وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ الرحمة من الله تعالى : عطفه وبرّه ورزقه وإحسانه (١).

وهي الإحسان والإنعام والإفضال إلى الغير (٢).

والموصولة : مأخوذة من الوصل مقابل القطع ، يعني الرحمة المتّصلة غير المنقطعة.

وأهل البيت عليهم السلام رحمة الله تعالى الموصولة إلى خلقه ، والنعمة التي يتنعّم بها العباد.

وهم عليهم السلام أيضاً قد اتّصلت الرحمة فيما بينهم حيث كان كلّ إمام منهم يخلفه إمام آخر إلى آخر الدنيا ، إذ هم عليهم السلام ورثة جدّهم صلى الله عليه وآله الذي كان بالمؤمنين رؤوف رحيم.

وهم أسباب الرحمة الإلهية ، ومحور استقرار الكرة الأرضية ، ومظاهر الألطاف الربّانية ، كما تقدّمت أدلّته في الفقرة السابقة : «ومعدن الرحمة».

ونضيف للتبرّك حديثاً آخر في ذلك ، وهو حديث الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «نحن المثاني الذي أعطاه الله نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ، ونحن وجه الله نتقلّب في الأرض بين أظهركم ، ونحن عين الله في خلقه ، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده ، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ...» (٣).

وهم عليهم السلام سلالة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي بعث رحمةً للعالمين ، حيث إنّ ما بُعث به سبب لإسعادهم ، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم (٤).

وكان رحمةً لا للبشر فقط بل لجميع العالمين ، حتّى الملائكة المقرّبين كما ينبىء عنه حديث المجمع :

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٥١٦.

(٢) المفردات : ص ١٩١.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٤٣ ح ٣.

(٤) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٨٤.

٣٩٣

.........................................

____________________________________

روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لجبرائيل لمّا نزلت هذه الآية : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟

قال : نعم ، إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (١) ـ (٢).

ولقد كان صلى الله عليه وآله رحمة للدين والدنيا كليهما.

أمّا في الدين فلأنّه بُعث سراجاً للخلق ، وهادياً إلى الحقّ ، ومبيّناً للأحكام ومميّزاً للحلال عن الحرام ، بُعث والناس في جاهلية وضلالة ، وأهل الكتاب في جهل وحيرة للتحريفات التي وقعت عندهم ، والاختلافات التي حدثت بين علماءهم.

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (٣).

وأمّا في الدنيا فلأنّه بعث بركة على العباد والبلاد ، وتخلّصوا بسببه من مذلاّت الجاهلية وحروبها ، وأنجاس تلك العصور وخبائثها

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٤).

فببركة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله طابت مآكلهم وحسنت معيشتهم ، بعد أن كان من أفضل مآكلهم العِلهز ، وهو الوبر المخلوط والمطبوخ بالدم.

__________________

(١) سورة التكوير : الآية ٢٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ٦٧.

(٣) سورة آل عمران : الآية ١٦٤.

(٤) سورة الأعراف : الآية ١٥٧.

٣٩٤

.........................................

____________________________________

وفي الخطبة الفاطمية المباركة : «وكنتم على شفا حفرةٍ من النار ، مُذقةَ الشارب ، ونُهزةَ الطامع ، وقُبسةَ العجلان ، وموطىءَ الأقدام ، تشربون الطَرَق ، وتقتاتون القدّ [والورق] ، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد صلى الله عليه وآله بعد اللّتيا والتي» (١).

ممّا تعلم من ذلك أنّه صلوات الله عليه وآله كان رحمة للدين والدنيا معاً.

بل كان رحمة للمؤمن والكافر كليهما في دنياهما.

حيث إنّ بيمنهم رُزق الوري كلّهم ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء فانتفع بهما جميعهم ، وبواسطتهم عمّت النعم لأصناف الخلق عمومهم.

هذا مضافاً إلى أنّ نفس تعريض الكافر للإيمان واثواب الدائم ترحّم عليه ورحمة له ، وهو نعمة عليه وإن لم يهتد بهدايته ، نظير من قدّم طعاماً إلى جائع فلم يأكل الجائع من ذلك ، فإنّ المقدِّم منعم عليه وإن لم يقبل (٢).

قال شيخ الطائفة قدس سره : (وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبّرة في أنّه ليس لله على الكافرين نعمة ، لأنّه تعالى بيّن أنّ إرسال الله رسوله نعمة للعالمين وعلى كلّ من اُرسل إليهم ، ووجه النعمة على الكافر أنّه عرّضه للإيمان ولطف له في ترك معاصيه) (٣).

وعلى الجملة أهل البيت كسيّدهم الرسول الأعظم (صلوات الله عليهم) رحمة الله المتصّلة والموصولة إلى خلقه وخليقته ، تلك الرحمة الإلهية التي وسعت كلّ شيء ، ولم تضِق بشيء كما تلاحظه في أحاديثه المجموعة (٤).

ويكفيك في سعة الرحمة الإلهية حديث الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى :

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ١٣٥.

(٢) مقتنيات الدرر : ج ٧ ص ٢٠٥.

(٣) التبيان : ج ٧ ص ٢٨٥.

(٤) سفينة البحار : ج ٣ ص ٣٣٣.

٣٩٥

.........................................

____________________________________

(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ) (١) قال عليه السلام : «المختصّ بالرحمة نبي الله ووصيّه صلوات الله عليهما وآلهما ، إنّ الله خلق مائة رحمة ، تسعة وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد وعلي وعترتهما عليهم السلام ، ورحمة واحدة مبسوطة على سائر الموجودين» (٢).

لذلك روي أنّه قيل للإمام السجّاد عليه السلام يوماً : إنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممّن هلك كيف هلك؟ وإنّما العجب ممّن نجى كيف نجى.

فقال عليه السلام : «أنا أقول : ليس العجب ممّن نجى كيف نجى ، وأمّا العجب ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله» (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٠٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٦١ ب ٢٩ ح ٤٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ١٥٣ ب ٢١ ح ١٧.

٣٩٦

وَالآيَةُ الْمخْزُونَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ الآية هي : العلاّمة والعجيبة (١).

والمخزونة بمعنى : المكتومة مأخوذة من قولهم خزنت المال واختزنته أي كتمته وجعلته في المخزن ، وكذا خزنت السرّ أي كتمته ولم أذعه (٢) ، والخزن هو حفظ الشيء في الخزانة.

أي أنّ أهل البيت عليهم السلام علامة قدرة الله وعظمته المخزونة ، ومعرفة ذلك كما ينبغي مخزونة عند خالص عباده العارفين بعظيم مراتبهم ، ومكتومة عن الناس إلاّ الخواصّ من أولياءهم.

وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أكبر آية من آيات الله عزّ وجلّ» (٣)

. وبحقّ كان أعظم آية ي جميع الفضائل والكمالات حتّى في البدن والصفات كما تلاحظ أخباره (٤).

وهنا باب في أنّ الآيات الورادة في القرآن الحكيم هم الأئمّة الطاهرون عليهم السلام ، وجاء فيه حديث تفسير القمّي في قوله تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (٥).

قال عليه السلام : «أنّ الآيات أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام» (٦).

قال العلاّمة المجلسي أعلى الله مقامه بعد هذا الحديث : (إنّما أطلق عليهم الآيات لأنّهم علامات جليلة واضحة لعظمة الله وقدرته وعلمه ولطفه ورحمته).

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٨.

(٢) المجمع : ص ٥٥٦.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٠٧ ح ٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٧٤ ب ١١٣.

(٥) سورة ص : الآية ٢٩.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٠٧ ب ١١ ح ٨. وتفسير القمّي : ج ٢ ص ٢٣٤.

٣٩٧

وَالاْمانَةُ الْمحْفُوظَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ الأمانة هي : ما يؤتمن عليها الإنسان.

وهو أمين أي ثقة مأمون به.

والمحفوظة أي : التي يجب حفظها ويلزم الاعتناء بها ، فإنّ الأمانة وديعة.

والوجوه المفسّرة بها هذه الفقرة الشريفة ثلاثة :

١ ـ بمعنى أنّكم أهل البيت الأمانة المستودعة ... وديعة الله ورسوله التي إستودعها أولياءه المؤمنين في أرضه ، والتي يجب على العالمين حفظها وبذل أنفسهم وأموالهم في حراستها ، شأن الودائع الإلهية.

مضافاً إلى أنّ بهم قوام دينهم ونظام اُمورهم في دنياهم وآخرتهم ، فيلزم مراعاتهم.

قال في المرآة : (الظاهر أنّ المراد وجوب مراعاتهم وموالاتهم وإطاعتهم وترك ما لا يرضيهم كما ورد في حديث الثقلين) (١).

يعني قوله صلى الله عليه وآله في الحديث المتّفق عليه بين الفريقين :

«إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا من بعدي أبداً وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ألا وإنّي سائلكم عنهما فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فاحفظني فيهما».

وقد ورد حديث الثقلين الشريف هذا متواتراً من الطريقين ، فمن الخاصّة في (٨٢) حديثاً ومن العامّة في (٣٩) حديثاً (٢).

٢ ـ بمعنى أنّكم ذو الأمانة المحفوظة ، يعني صاحب الولاية التي هي الأمانة المحفوظة التي عرضت على السماوات والأرض.

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ٥٩.

(٢) غاية المرام : ص ٢١١ ـ ٢٣٥.

٣٩٨

.........................................

____________________________________

كما يشهد له الأخبار الشريفة الكثيرة الواردة في بيان أنّ الأمانة المعروضة هي الولاية ، ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، في تفسير قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (١) ـ (٢).

٣ ـ بمعنى أنّكم صلوات الله عليكم أصحاب الأمانة المحفوظة ، بمعنى أمانة الإمامة التي اُمر كلّ إمام منكم أن يؤدّيها إلى الإمام الذي بعده ، مثل العلم والكتب الإلهية وسلاح رسول الله صلى الله عليه وآله.

وهو المعنى المفسّر به قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) (٣) وله باب خاصّ من الأحاديث الشريفة (٤).

وعلى الجملة يصدق في حقّهم سلام الله عليهم جميع المعاني الثلاثة ، لما عرفت من الشواهد والأدلّة.

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٧٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٧٩ ب ١٦ الأحاديث ٢٠ و ٢٢ و ٢٧ ، تفسير البرهان : ج ٢ ص ٨٦٤.

(٣) سورة النساء : الآية ٥٨.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٧٦ الأحاديث ١ ـ ٧ ، وقد جاءت أيضاً في بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٧٥ ب ١٦ الأحاديث ، وتفسير البرهان : ج ١ ص ٢٣٤.

٣٩٩

وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ (١)

____________________________________

(١) ـ أي الباب الممتحن به الناس ، من الإبتلاء بمعنى الامتحان.

فإنّ الإبتلاء في الأصل هو : الاختبار والامتحان (١).

قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) (٢) أي اختبره (٣).

واعلم أنّه يقال في الله تعالى : أنّه أبلى فلاناً فليس المراد منه إلاّ ظهور جودته أو رداءته دون التعرّف على حاله والوقوف عليه ، لأنّ الله لا يجهل ذلك وهو علاّم الغيوب (٤).

وبالامتحان يحصل تمييز الخبيث من الطيّب ، والغشّ من الذهب ، والجيّد من الرديء ، إتماماً للحجّة ، وإظهاراً للمحجّة ، وهو عام للمجميع.

وقد ورد الامتحان في القرآن الكريم.

قال عزّ إسمه : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (٥).

وقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (٦).

ونطقت به الأحاديث الكثيرة مثل :

١ ـ حديث ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : «لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلقٌ كثير».

٢ ـ حديث منصور قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «يا منصور! إنّ هذا الأمر لا يأتيكم غلاّ بعد إياس ، ولا والله حتّى تميّزوا ولا والله حتّى تمحّصوا ولا والله حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد».

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ٧٢.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

(٣) مجمع البحرين : ص ١٢.

(٤) المفردات : ص ٦١.

(٥) سورة العنكبوت : الآية ٢.

(٦) سورة الملك : الآية ٢.

٤٠٠