في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

.........................................

____________________________________

وأخبرهم بأناّ أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.

فتظاهروا على علي عليه السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعته العامّة. فقالوا : صدقت ، قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نَسَخَه فقال : «إنّا أهل بيت أكرمنا الله عزّ وجلّ وإصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا ، وإنّ الله لا يجمع لنا النبوّة والخلافة»! فشهد بذلك أربعة نفر : عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، فشبّهوا على العامّة وصدّقوهم وردّوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جَعَلها الله.

واحتجّوا على الأنصار بحقّنا وحجّتنا فَعَقَدوها لأبي بكر. ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها. ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة ، فقلّدوها عبد الرحمن. ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه ، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه () في حياته وزعم ولده أنّ عثمان سمّه فمات.

ثمّ قام طلحة والزبير فبايعا عليّاً عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثمّ نَكَثا وغَدَرا ، ثمّ ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثمّ دعا معاوية طغاة أهل الشام

() وفي «د» هكذا : فأظهر ابن عوف خلعه وكفره فذكر لنا أنّ عثمان سمّه ، فمات ابن عوف. روى العلاّمة الأميني في الغدير : ج ٩ ص ٨٦ : أنّه لمّا أحدث عثمان ما أحدث قيل لعبد الرحمن ابن عوف : هذا كلّه فعلك. فقال : ما كنت أظنّ هذا به. لكن لله عليّ أن لا اُكلّمه أبداً. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحوّل إلى الحائط ولم يكلّمه. مات عبد الرحمن سنة (٣٢).

وروى العلاّمة المجلسي في البحار : ج ٨ ص ٣١٩ الطبع القديم عن الثقفي في تاريخه قال : كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتّى قال عبد الرحمن : أما والله لئن بقيت لك لاُخرجنّك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه وما غررتني إلاّ بالله.

٣٢١

.........................................

____________________________________

إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثمّ خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ، فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لَحَكما أنّ عليّاً عليه السلام أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيّه وفي سنّته ، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه.

ثمّ بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه ، ثمّ غَدَروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتّى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل اُمّهات أولاده. فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته ، وهم قليل حقّ قليل ، حين لا يجد أعواناً.

ثمّ بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً. ثمّ غدروا به ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قُتل.

ثمّ لم نَزَل أهل البيت ـ منذ قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله ـ نذلّ ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكلّ مَن يحبّنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقُضاتهم وعمّالهم في كلّ بلدة ، يحدّثون عدوّنا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة ، ويروون عنّا ما لم نقل تهجيناً منهم لنا وكذباً منهم علينا وتقرّباً إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب.

وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام ، فقُتلت الشيعة في كلّ بلدة وقطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنّة من ذكر حبّنا والإنقطاع إلينا.

ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثمّ الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّه وبكلّ تهمة ، حتّى أنّ الرجل ليقال له : «زنديق» أو «مجوسي» كان ذلك أحبّ إليه من أن يُشار إليه أنّه من «شيعة الحسين

٣٢٢

.........................................

____________________________________

صلوات الله عليه!!» (١) ـ (٢).

وزيارة جامعة أئمّة المؤمنين التي رواها السيّد ابن طاووس نوّهت عن شيء من مصائبهم ومحنهم صلوات الله عليهم أجمعين ولعن الله أعدائهم إلى يوم الدين ، جاء فيها :

«يا موالي ، فلو عاينكم المصطفى وسهام الاُمّة مغرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولعة في دمائكم ، يشفي ابناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شكّت أكفانه بالسهام ، وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه ، ومكبّل في السجن قد رضّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قطّعت بجرع السمّ أمعاؤه ، وشملكم عباديد تفنيهم العبيد وأبناء العبيد.

فهل المحن يا سادتي غلاّ التي لزمتكم ، والمصائب إلاّ التي عمّتكم ، والفجائع إلاّ التي خصّتكم ، والقوارع إلاّ التي طرقتكم صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم ، وأجسادكم ورحمة الله وبركاته» (٣).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٦٣٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٢١١ ب ٩ الأحاديث.

(٣) مصباح الزائر : ص ٤٦٤.

٣٢٣

وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فى جَنْبِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي أنّكم أهل البيت سلام الله عليكم صبرتم على ما أصابكم من المشقّة والتعب والظلم والأذى وسفك الدماء وسبي النساء ونهب الأموال ، في جنب الله وجهته وفي طريقه ومرضاته.

والصبر في اللغة : نقيض الجزع (١).

وفي الإصطلاح : (حبس النفس على المكروه إمتثالاً لأمر الله تعالى) (٢).

وفسّ بالإمساك في الضيق وحبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع (٣).

وفي الشموس بيّن أنّ حقيقة الصبر هو وقار النفس ، ولاءمه عدم الإضطراب عند الإبتلاء (٤).

وعرّفه المحقّق الطوسي أنّه (حبس النفس عن الجزع عند المكروه ، وهو يمنع الباطن عن الإضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة) (٥).

والصبر يكون في مواطن كثيرة كالصبر على الطاعة ، والصبر على المعصية ، والصبر على المصيبة.

ولقد أشاد الله تعالى بذكر الصبر والصابرين في أكثر من (٧٠) موضع من القرآن الكريم (٦).

كما مدحه المعصومون عليهم السلام بفائق المدح والثناء في أحاديث كثيرة تلاحظها في

__________________

(١) المحيط في اللغة : ج ٨ ص ١٣٤.

(٢) مجمع البحرين : مادّة صبر ص ٢٧٢.

(٣) المفردات : ص ٣٧٣.

(٤) الشموس الطالعة : ص ٢٩٨.

(٥) سفينة البحار : ج ٢ ص ٤.

(٦) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : مادّة صبر.

٣٢٤

.........................................

____________________________________

كتب الأخبار (١).

وأهل البيت سلام الله عليهم بلغوا أعلى مراتب الصبر ، وأعلى درجات الصابرين الذي كان جزاؤه معيّة الله تعالى والزلفى عنده عزّ إسمه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

ويكفي لذلك دليلاً ومثالاً ، كلام أمير المؤمنين عليه السلام :

«فنظرت فإذا ليس معين إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من حرّ الشفار» (٢).

وتلاحظ صبرهم في أحاديثهم الشريفة الواردة في البحار (٣).

ولقد عجبت من صبرهم ملائكة السماء كما في زيارة الناحية المقدّسة (٤).

وقد اعتر بعظيم صبرهم شيعتهم وغير شيعتهم كما تلاحظه في ما تقدّم من حديث ابن دأب (٥).

وفي نسخة الكفعمي بعد هذه الفقرة : «وصدعتم بأمره ، وتلوتم كتابه ، وحذّرتم بأسه ، وذكّرتم بأيّامه ، وأوفيتم بعهده».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧١ ص ٥٦ ب ٦٢ الأحاديث.

(٢) نهج البلاغة : قسم الخطب ، الخطبة ٢٦.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ١ ب ٩٩ ، وج ٢٤ ص ٢١٤ ب ٥٧.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٠١ ص ٢٤٠ ب ١٨ ح ٣٨.

(٥) الاختصاص : ص ١٠٨.

٣٢٥

وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ (١)

____________________________________

(١) ـ الصلاة هي العبادة القربيّة المعروفة التي هي معراج المؤمن ، وقربان كلّ تقيّ ، وقرّة عين الصالحين.

وإقامتها فُسّرت بمعانٍ ثلاثة :

١ / بمعنى تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ وإنحراف في أفعالها ، أخذاً من أقام العُود يعني عود الخيمة : أي قوّمه.

٢ / بمعنى المواظبة على الصلاة وترويجها ، أخذاً من قامت السوق : أي راجت.

٣ / بمعنى التشمير والاستعداد لأدائها من غير فتور ولا توانٍ ولا تهاون ، أخذاً من قام بالأمر : أي جدّ فيه ، وتجلّد ، ولم يتهاون (١).

ولعلّ جامع المعاني في إقامة الصلاة هي المحافظة عليها ، تلك المحافظة التي أمر بها في قوله عزّ إسمه : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (٢).

والتي هي من صفات المؤمنين المفلحين المبشَّرين بالجنّة في كتاب الله الكريم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٣).

وأهل البيت عليهم السلام هم الذين أقاموا الصلاة حقّ إقامتها بكلّ خضوع وخشوع ، وإخلاص وحضور قلب ، وجاؤوا بها تامّة الأجزاء والشرائط ، وحافظوا على أدائها بكلّ ما هو من شروط قبولها وكمالها ، وواظبوا على إتيانها بكلّ جدٍّ واجتهاد ، واستعدّوا لها أتمّ الإستعداد ، وعلّموها أحسن التعليم ، ومنحوها غاية التعظيم ، والتزموا بها في الشدّة والرخاء ، واعتنوا بها غاية الاعتناء.

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة قَوَمَ ص ٥٣٢.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٣٨.

(٣) سورة المؤمنون : الآية ٩ ـ ١١.

٣٢٦

.........................................

____________________________________

كما تلاحظ ذلك بوضوح في سيرتهم وحياتهم ، وفي سفرهم وإقامتهم ، حتّى في حروبهم وسجونهم.

وغني عن البيان صلاة أمير المؤمنين عليه السلام (١).

وصلاة الإمام السجّاد عليه السلام (٢).

وصلاة الإمام الكاظم عليه السلام (٣).

نقل أحمد بن عبد الله عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : أشرفْ على هذا البيت وانظر ما ترى؟

فقلت : ثوباً مطروحاً.

فقال : انظر حسناً.

فتأمّلت فقلت : رجل ساجد.

فقال لي : تعرفه؟ هو موسى بن جعفر ، أتفقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة ، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب إلى أن تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة ، فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد ، فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر.

وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيراً يقول في دعائه : «اللهمّ إنّك تعلم أنّني كنت أسألك أن تفرّغني ...» (٤).

ولقد شهد بسموّ عباداتهم حتّى غير شيعتهم ، كما تقدّم عن أبي الحديد في

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ١١.

(٢) سفينة البحار : ج ٦ ص ٣٨٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٨ ص ١٠٠ ب ٣٩ الأحاديث.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٨ ص ١٠٧ ب ٣٩ ح ٩.

٣٢٧

.........................................

____________________________________

شرحه حيث قال في صلاة أمير المؤمنين عليه السلام :

وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسط له نطعٌ بين الصفّين ليلة الهرير ، فيصلّي عليه ورْدَه ، والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالاً ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته! ثمّ قال : وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت ، وعلى أي لسان جرت!

وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام ـ وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدّك؟

قال : «عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله» (١).

فإقامة الصلاة وإتمام العبادات كانت بأهل بيت العصمة سلام الله عليهم كما في حديث الإمام الرضا عليه السلام :

«بالإمام تمام الصلاة والصيام والحجّ والجهاد ...» (٢).

وأهل البيت سلام الله عليهم قد أتمّوا الحجّة ، وأوضحوا المحجّة في بيان الحثّ على الصلوات ، والمحافظة عليها في جميع الأوقات ، والترغيب إليها في جميع المناسبات كما تشاهده في أحاديثهم الوافية (٣).

وقد بيّنوا حدود الصلاة وأبوابها وأحكامها بجميع سننها وآدابها.

وقد فسّر الشهيد الأوّل قدس سره حديث (إنّ للصلاة أربعة آلاف حدّ) بواجباتها ومندوبها ، فجعل أحكام الواجبات ألفاً وصنّف لها كتاب الألفية ، وجعل مندوباتها

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٧.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨٣ ص ١ ب ٦ الأحاديث.

٣٢٨

.........................................

____________________________________

ثلاثة آلاف وصنّف لها كتاب النفليّة (١).

فأهل البيت عليهم السلام هم الذين أقاموا الصلاة حقّ إقامتها ، بل علّموا وهذّبوا وأمروا الخلق بالصلاة التامّة الكاملة التي يلزم مراعاتها.

ويحسن التدبّر لذلك في مفصّل حديث حمّاد في هذا الباب قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوماً : «تحسن أن تصلّي يا حمّاد؟ قال :

قلت : يا سيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة.

قال : فقال عليه السلام : لا عليك قم صلّ.

قال : فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة ، وركعت ، وسجدت.

فقال عليه السلام : يا حمّاد لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل (منكم) أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة ، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة؟!

قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة.

فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة ، منتصباً ، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه (جميعاً) لم يحرّفهما عن القبلة ، بخشوع واستكانة فقال : الله أكبر ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما تنفّس وهو قائم ، ثمّ قال : الله أكبر وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره وتردّد ركبتيه إلى خلفه ، ونصب عنقه ، ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال :

__________________

(١) سفينة البحار : ج ١ ص ٤٣.

٣٢٩

.........................................

____________________________________

سمع الله لمن حمده ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه ، وسجد ، ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه وقال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم ك الجبهة ، والكفّين ، وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والأنف ، فهذه السبعة فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنّة وهو الإرغام ، ثمّ رفع رأسه من السجود فلمّا استوى جالساً قال : الله أكبر ، ثمّ قعد على جانبه الأيسر ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، وقال : استغفر الله ربّي وأتوب إليه ، ثمّ كبّر وهو جالس ، وسجد الثانية وقال : كما قال في الاُولى ، ولم يستعِنْ بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلّى ركعتين على هذا.

ثمّ قال : يا حمّاد هكذا صلّ ، ولا تلتفت ، ولا تعبث بيديك وأصابعك ، ولا تبزق عن يمينك ولا (عن) يسارك ولا بين يديك» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٦٧٣ ب ١ ح ١.

٣٣٠

وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ (١)

____________________________________

(١) ـ الإيتاء هو البذل والإعطاء.

والزكاة جاءت لغةً بمعنى الطهارة وبمعنى النماء.

لأنّها إمّا مصدر زكّى بالتشديد بمعنى طَهَّرَ ، ومنه قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (١) أي طهّر نفسه ، أو مصدر زكى بالتخفيف بمعنى نَما ، ومنه قوله تعالى : (ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) (٢) أي أنمى لكم.

والزكاة تناسب كلا المعنيين الطهارة والنمو ، فزكاة المال طهر للمال ، وزكاة الفطرة طهر للأبدان.

وكذلك زكاة المال تطهّر المال من الخبث فتكون بمعنى الطهارة ، وتستجلب البركة في المال فتكون بمعنى النموّ (٣).

وحكى صاحب الجواهر عن الشهيد الأول قدس سره معنىً ثالثاً للزكاة وهو العمل الصالح فإنّه قد تطلق عليه ، ثمّ أفاد أنّه لعلّ منه قوله تعالى : (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (٤) ـ (٥).

فتكون معاني الزكاة في اللغة ثلاثة : الطهارة ، والنماء ، والعمل الصالح.

هذا لغةً وأمّا إصطلاحاً فالمستفاد من تعاريف الفقهاء رضوان الله عليهم أنّ الزكاة : (اسم للصدقة المقدّرة بأصل الشرع ، المتعلّقة بالنصاب ، الثابتة في المال أو في الذمّة).

وأهل البيت سلام الله عليهم آتوا الزكاة ، وأعطوا الصدقات الواجبة والمستحبّة ، بكلّ معنى الكلمة ، وبأكمل ما يمكن ، وبأسخى بذلٍ يتصوّر.

__________________

(١) سورة الشمس : الآية ٩.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٣٢.

(٣) مجمع البحرين : مادّة زكا ص ٤١.

(٤) سورة مريم : الآية ٣١.

(٥) جواهر الكلام : ج ١٥ ص ٢.

٣٣١

.........................................

____________________________________

وقد صنعوا المعروف ، وجادوا بكلّ خير ، وأحسنوا إلى كلّ ذي روح ، لا يريدون في قبال ذلك جزاءً ولا شكوراً ، فبارك الله لهم كثيراً وطهّرهم تطهيراً.

ويشهد بذلك تصفّح سيرتهم الغرّاء ، وحياتهم العلياء ، المليئة بالبذل السخيّ والعطاء الوافي ، لأنحاء الصدقات وأبرّ الخيرات.

فإنّه يظهر ذلك بوضوح في أحوال جميعهم رسول الله وأمير المؤمنين ، وفاطمة سيّدة نساء العالمين ، وأولادهم الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد اتّفق على هذا الفريقان ، واعترف بذلك المؤالف والمخالف.

قال المعتزلي في أمير المؤمنين عليه السلام :

وأمّا السخاء والجود فحالة فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده ، وفيه اُنزل : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (١).

وروى المفسّرون أنّه لم يكن يملك إلاّ أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرّاً وبدرهم علانية ، فاُنزل فيه : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) (٢).

وروي عنه أنّه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة ، حتّى مَجَلَت (٣) يده ، ويتصدّق بالاُجرة ، ويشدّ على بطنه حجراً.

وقال الشعبي وقد ذكره عليه السلام : كان أسخى الناس ، كان على الخُلُق الذي يحبّه الله : السخاء والجود ، ما قال : «لا» لسائل قطّ.

وقال عدوّه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمِحْقَن

__________________

(١) سورة الإنسان : الآية ٨ ـ ٩.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٧٤.

(٣) مجلت يده : أي ثخن جلده وتعجّر وظهر فيه ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة.

٣٣٢

.........................................

____________________________________

بن أبي محْقَن الضبي لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك! كيف تقول إنّه أبخل الناس ، لو مَلَك بيتاً من تِبْر وبيتاً من تِبْن لأنفد تبره قبل تبنه.

وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلّي فيها. وهو الذي قال : «يا صفراء ، ويا بيضاء ، غرّي غيري ، وهو الذي لم يخلِّف ميراثاً ، وكانت الدنيا كلّها بيده إلاّ ما كان من الشام» (١).

وتلاحظ إنفاقهم الزكوات وبذلهم الخيرات ، وشيمتهم السخيّة ، ومكارمهم الزكيّة في أحاديثنا الشريفة في أبواب صدقاتهم وإنفاقاتهم (٢).

وقد بذلوا كلّ ما لديهم من الله في سبيل الله حتّى نزل فيهم كتاب الله ، فإنّه نزل في أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣) ـ (٤).

ونزل فيه قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٥).

ونزل فيهم عليهم السلام قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٦) ـ (٧).

وسجّل شيخ الإسلام المجلسي المصادر من الفريقين فيما أوقفه أمير المؤمنين عليه السلام من أمواله بخيبر ، ووادي القرى ، وأبي نيزر ، والبغيبغة ، وأرباح ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي : ج ١ ص ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ٥٩ ب ٣٦ ح ١ ـ ٣ ، وج ٤١ ص ٢٤ ب ١٠٣ ، وج ٤٢ ص ٧١ ب ١١٩ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٢٨٤ ب ١٩ ح ١ و ٣ و ٥ ، وص ٣١٩ ب ٣٩ ح ٢ و ٣.

(٣) سورة البقرة : الآية ٢٦٥.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ص ١٤٨.

(٥) سورة البقرة : الآية ٢٧٤.

(٦) سورة الحشر : الآية ٩.

(٧) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ١٧٥.

٣٣٣

.........................................

____________________________________

واُدينة ، ورغد ، ورزين ، ورياح. ثمّ ما أوقفه من مساجده ، وآباره ، ونخيله ، وأنّه كانت غلّته اربعين ألف دينار ، جعلها صدقة ...

وإنّه كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ، حتّى قال بعض أصحابه : لوددت أنّي كنت يتيماً ... وأنّه كان مثالاً للجود والعطاء حتّى نزل فيه قوله تعالى في سورة الليل : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ) (١).

كما تلاحظه في حديث فرات الكوفي بسنده عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال : «كان رجل مؤمن على عهد النبي صلى الله عليه وآله في دار حديقة ، وله جار له صِبية ، فكان يتساقط الرطب من النخلة فينشدون صبيته يأكلونه ، فيأتي الموسر فيخرج الرطب من جوف أفواه الصبية.

وشكا الرجل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فأقبل وحده إلى الرجل فقال : بعني حديقتك هذه بحديقة في الجنّة.

فقال له الموسر : لا أبيعك عاجلاً بآجل!

فبكى النبي صلى الله عليه وآله ورجع نحو المسجد فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له : يا رسول الله ما يكيك لا أبكى الله عينيك؟ فأخبره خبر الرجل الضعيف والحديقة.

فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتّى استخرجه من منزله وقال له : بعنى دارك.

قال الموسر : بحائطك الحسنيّ.

فصفق علي يده ، ودار إلى الضعيف فقال له : تحوّل إلى دارك فقد ملّكها الله ربّ العالمين لك.

وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال له : يا محمّد اقرأ : (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ) (٢) إلى آخر السورة ، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقبّل بين عينيه ، ثمّ قال : بأبي أنت قد أنزل الله فيك هذه السورة الكاملة» (٣).

__________________

(١) سورة الليل : الآية ٥ ـ ٧.

(٢) سورة الليل : الآية ١ ـ ٣ إقرأها إلى آخرها.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٣٧ ب ١٠٢ ح ١٥.

٣٣٤

وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ (١)

____________________________________

(١) ـ الأمر بالشيء : الدعوة إلى ذلك الشيء ، والحثّ على إتيانه.

والمعروف : اسم جامع لكلّ ما عُرف من طاعة الله تعالى ، والإحسان إلى الناس ، والمندوبات في الشرع ، والأفعال الحسنة الراجحة.

وهو يشمل الواجبات والمستحبّات ، فيكون الأمر بالواجب واجباً والأمر بالمستحبّ مستحبّاً ، كما صرّح به كثير من الفقهاء.

والنهي عن الشيء : الزجر عن ذلك ، والتحذير عن إتيانه.

والمنكر : ضدّ المعروف ، وهو كلّما قبّحه الشارع ، ولذلك ذكروا أنّه يكون فرض النهي عن المنكر في المحرّمات فقط.

لكن أفاد بعض الفقهاء عمومية المنكر وشموله للمحرّمات والمكروهات ، فان كان الشيء محرّماً كان النهي عنه واجباً ، وإن كان مكروهاً كان النهي عنه محبوباً.

وقد وقع شرعاً النهي عن المكروهات أيضاً فيما تلاحظه في حديث مناهي النبي صلى الله عليه وآله (١).

كما نُهي عن الذنوب وبُيّن آثارها في حديث الإمام السجّاد عليه السلام (٢) واُحصيت الكبائر الأربعين المنهيّة ، في الكتب المفصّلة الفقهية ، مثل مفتاح الكرامة للسيّد العاملي قدس سره فلاحظ (٣).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الأساسية في الشريعة المقدّسة.

وقد أمر الله تعالى بهما في قوله تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٦ ص ٣٥٩ ب ٦٧ ح ٣٠.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١١ ص ٥١٩ ب ٤١ ح ٨.

(٣) مفتاح الكرامة : ج ٣ ص ٥٩.

٣٣٥

.........................................

____________________________________

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

وتظافرت بهما السنّة الشريفة كما تجده في الأحاديث (٢).

وقام عليهما إجماع المسلمين ، وحكم العقل المستقلّ (٣).

فالأدلّة الأربعة محقّقة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأهل البيت سلام الله عليهم خير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وهدى بأمر الله ، وبذل كلّ غالٍ ونفيس في سبيل إقامة الحقّ وتشييد العدل.

ففي حديث حمران ، عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٤).

قال : «هم الأئمّة» (٥).

وفي حديث أبي حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٦).

قال : «نحن هم» (٧).

فهم عليهم السلام خير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.

وكانت هذه سيرتهم وسنّتهم في مدى حياتهم.

وقد تجلّت هذه المنقبة بأسمى معانيها في عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام ، حيث

__________________

(١) سورة آل عمران : الاية ١٠٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ٦٨ ب ١ الأحاديث التسعة والتسعون.

(٣) جواهر الكلام : ج ٢١ ص ٣٥٨.

(٤) سورة الأعراف : الآية ١٨١.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٤٤ ب ٤٥ ح ٥.

(٦) سورة آل عمران : الآية ١١٠.

(٧) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٥٥ ب ٤٦ ح ٨.

٣٣٦

.........................................

____________________________________

كانت شهادته وخروجه إليها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الإصلاح في دين جدّه صلى الله عليه وآله كما في الوصيّة المروية عنه عليه السلام (١).

وفي نسخة الكفعمي بعد هذه الفقرة : «وجادلتم بالتي هي أحسن».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ٣٢٩.

٣٣٧

وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الجهاد بكسر الجيم : مأخوذ في اللغة من الجهد بالفتح بمعنى التعب والمشقّة ، أو من الجُهد بالضمّ بمعنى الوسع والطاقة.

وفي الإصطلاح هو : بذل النفس وما يتوقّف عليه كالمال في محاربة المشركين أو الباغين ، على وجه مخصوص.

وبذل النفس والمال والوُسع في سبيل إعلاء كلمة الإسلام ، وإقامة شعائر الإيمان.

قال تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (١).

وذكر في مجمع البيان : أنّ أكثر المفسّرين حملوا الجهاد هيهنا على جميع أعمال الطاعات ، وقالوا : حقّ الجهاد أن يكون بنيّة صادقة خالصة لله تعالى (٢).

وفي الأنوار فسّر حقّ الجهاد بالجهاد لساناً وجَناناً وأركاناً (٣).

وأهل البيت سلام الله عليهم أتمّ المصاديق ، وأكمل موردٍ حقيق للجهاد في الله عزّ إسمه ، كما يشهد به حياتهم الغرّاء وسيرتهم العلياء.

وهم المعنيّون بهذه الآية الشريفة كما تلاحظه في حديث الإمام الباقر عليه السلام الوارد في تفسيرها (٤).

وللنموذج إقرأ جهاد أمير المؤمنين عليه السلام الذي شهد به الفريقان.

ففي ما حكي عن المناقب : اجتمعت الاُمّة أنّ عليّاً كان المجاهد في سبيل الله ، والكاشف للكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ، المقدّم في سائر الغزوات ، وصاحب الراية ... وما رُئي أحد عمل في الجهاد ما عمل علي عليه السلام.

__________________

(١) سورة الحجّ : الآية ٧٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ٩٧.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ١٣١.

(٤) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٧١٦.

٣٣٨

.........................................

____________________________________

وقال سفيان الثوري : كان علي بن أبي طالب عليه السلام كالجبل بين المسلمين والمشركين ، أعزّ الله به المسلمين ، وأذلّ به المشركين (١).

وقال ابن أبي الحديد : (وأمّا الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوّه أنّه سيّد المجاهدين ، وهل الجهاد لأحد من الناس إلاّ له) (٢).

ولا يخفى على مسلم مدى جهاد سلالته الطيّبة وريحانته الطاهرة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء الذي أحيا به السنّة وأقام به القرآن كما تلاحظه في زيارة الناحية المباركة (٣).

وقد واصلوا عليهم السلام جهادهم وجهدهم حتّى تحقّقت الغايات التالية في هذه الزيارة الشريفة ، يعني الفقرات الآتية : «حتّى أعلنتم دعوته ...».

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٦٠ ـ ٦٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٤.

(٣) تحفة الزائر : ص ٢٧٧.

٣٣٩

حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ (١) وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ (٢)

____________________________________

(١) ـ العلانية : خلاف السرّ ، والإعلان هو النشر والإظهار.

وأعلنتم دعوته : أي أظهرتم ونشرتم دعوة الله الحقّة بين الناس ، وبعلانية الدعوة حصل للناس العلم والمعرفة ، وتمّ البيان والحجّة.

ودعوة الله التي أعلنوها هي دعوته تعالى خلقه إلى معرفته ومعرفة أوليائه وعبادته ، وسنّته وفرائضه ، وأوامره ونواهيه.

وهي دعوة إلى أسباب السعادة ، ودعوة إلى الجنّة ، ودعوة إلى الحياة الأبدية كما نطق به الكتاب الكريم في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (١) ـ (٢).

وكلّ ما أعلنه أهل البيت عليهم السلام هي دعوة الله تعالى ، إذ هم خلفاء رسول الله فهم الدعاة إلى الله.

وفي نسخة الكفعمي زيادة : «وقمعتم عدوّه ، وأظهرتم دينه».

(٢) ـ التبيين : إظهار الشيء وتمييزه بحيث لا يشتبه بغيره ، من البيان بمعنى الوضوح والإنكشاف.

أي أوضحتم فرائض الله تعالى.

وفرائض الله تعالى هي واجباته المفروضة ، أو أحكامه بنحو عام.

وفي الشموس الطالعة : (إنّ الفرائض هي ما بيّن الله وجوبه في كتابه كالصلاة والصوم والحجّ والجهاد ...) (٣).

وأهل البيت سلام الله عليهم هم أوصياء النبي الأعظم ، والخلفاء على الدين

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٢٤.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٣١٥.

(٣) الشموس الطالعة : ص ٣٠٢.

٣٤٠