في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

٧
٨

المقدّمة

أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين اصطفاهم الله تعالي لنفسه وجعلهم خلفاء في أرضه وخصّهم بفائق کراماته وجعل کامل معرفتهم منحصراً بذاته وخاتم رسله ، فلا يمکن العباد أن يعرفونهم حقّ المعرفة ، بل تکون معرفتهم بقدر ما يکون للبشر من طاقة ، وبمقدار ما يکون للإنسان من قدرة.

وقد ذکرنا بمنّه تعالي شمّة بيان وخلاصة برهان لإمامتهم الحقّة ، وولايتهم المطلقة في کتاب العقائد (١) ضمن فصول خمسة تتلخّص في :

(١) ضرورة الإمامة للبشر قاطبة.

(٢) الإمامة انتصابية من الله تعالي ، لا إنتخابية من الناس.

(٣) انحصار الإمامة في الهداة الغرر الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام.

(٤) خصوصيات الإمام والإمامة.

(٥) وظائف الاُمّة تجاه أهل بيت العصمة.

وامتداداً لتلک الفصول نرجوا من الله الوصول إلي ما تيسّر من معرفة الأئمّة ، والتعرّف علي سادة الاُمّة وعرفان الخصائص والفضائل الثابتة لهم ، إستفادةً من دليل معرفتهم وحديث فضيلتهم ، أعني زيارتهم الجامعة ولئاليهم اللامعة الواردة عن سيدنا الإمام الهمام علي بن محمّد الهادي عليهما سلام. وهي أصحّ الزيارات سنداً ، وأتمّها

__________________

(١) العقائد الحقّة : ص ٢٥٧ ـ ٣٥٣ الطبعة الاُولي.

٩

مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معني ، وأعلاها شأناً ، کما عبّر بذلک عنها العلاّمة المجلسي قدس سره (١).

وقد احتوت علي الرياض النضرة والحدائق الخضرة .. المزدانة بأنوار المعارف والحکمة ، والمحفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة .. في شطر وافر من حقوق اُولي الأمر الله بطاعتهم (٢) ، والهداة الصراط الذين حثّ الله تعالي علي متابعتهم (٣) ، وذوي القربي الذين فرض الله مودّتهم (٤) ، وأهل الذکر الذين أرشدنا الله إلي مسألتهم (٥).

وقد آفاضوا أنفسهم (صلوات الله عليهم) علينا من معرفتهم ما يوجب لنا البلوغ إلي سعادة المآل ، والوصول إلي درجة الکمال ...

وهم الصادقون الصدّيقون الذين اُمرنا أن نکون معهم (٦) ، وورثة علم الرسول الذين اُلزمنا أن نأتي مدينة الحکمة من بابهم (٧).

فما أجدر أن نعرف کمالاتهم بما جاء في کلماتهم ، وما أنسب أن نتوصّل إلي معرفتهم بالتوسّل إلي بيانات آنفسهم من خلال زيارتهم هذه ، الجامعة الکبري ، التي هي مدرسة عُليا لنيل الکمالات ودرک الکرامات ...

مضافاً إلي إنّ نفس التوجّه إليهم بزيارتهم في حدّ ذاتها هي من المعالم الراقية والتقرّبات الزاکية التي توجب وصول الزائر إلي الدرجات الرفيعة والمقامات المنيعة التي تلاحظها في مثل حديث شيخنا ابن قولويه القمّي باسناده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام : «يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي ، أو زارک في

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤٤.

(٢) في سورة النساء : الآية ٥٩.

(٣) في سورة الأنعام : الآية ١٥٣.

(٤) في سورة الشوري : الآية ٢٣.

(٥) في سورة النحل : الآية ٤٣ ، وسورة الأنبياء : الآية ٧.

(٦) في سورة التوبة : الآية ١١٩.

(٧) في الأحاديث المتواترة المتّفق عليها بين الفريقين.

١٠

حياتک أو بعد موتک ، أو زار إبنيک في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنتُ له يوم القيامة أن اُخلصه من أهوالها وشدائدها ، حتّي اُصيره معي في درجتي» (١).

بل إنّ زيارتهم ممّا اُخذ عليها العهد فيلزم الوفاء به ، ولا يمکن ترکه کما في حديث الوشا قال سمعت الرضا عليه السلام يقول : «إنّ لکلّ إمام عهداً (٢) في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه کان أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة» (٣).

إلي غير ذلک من الأحاديث الشريفة التي تلاحظها في کتب المزار ، نذکر بعضها تعميماً وتکميلاً للفائدة ، من ذلک :

(١) ـ حديث جابر ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أهدت لنا اُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً قدّمنا منه فأکل ، ثمّ قام إلي زاوية البيت فصلّي رکعات ، فلمّا کان في آخر سجوده بکي بکاءً شديداً ، فلم يسأله أحد منّا إجلالاً وإعظاماً له ، فقام الحسين فقعد في حجره وقال له : يا أبه ، لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء کسرورنا بدخولک ، ثمّ بکيت بکاءً غمّنا ، فما أبکاک؟

فقال : يا بني أتاني جبرئيل عليه السلام آنفاً فأخبرني أنّکم قتلي وأنّ مصارعکم شتّي.

فقال : يا أبه فما لمن يزور قبورنا علي تشتّتها؟

فقال : يا بني اُولئک طوائف من اُمّتي يزورونکم فيلتمسون بذلک البرکة ، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّي اُخلّصهم من أهوال الساعة ومن ذنوبهم ويسکنهم الله الجنّة» (٤).

__________________

(١) کامل الزيارات : ص ١١.

(٢) والعهد هو الوصية والأمر ، والمعاهدة هي المعاقدة کما في مجمع البحرين : ص ٢٢٠. قال الله تعالي في سورة الإسراء : الآية ٣٤ : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا).

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١١٦ ب ٢ ح ١.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١١٨ ب ٢ ح ١١.

١١

(٢) ـ حديث عيسى بن راشد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت : جعلت فداك ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام وصلّى عنده ركعتين؟

قال : «كتبت له حجّة وعمرة».

قال : قلت له : جعلت فداك وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته؟

قال : «وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته» (١).

(٣) ـ حديث أبي عامر التبّاني واعظ أهل الحجاز قال : أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام وقلت له : يابن رسول الله ما لمن زار قبره ـ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ـ وعمّر تربته؟

قال : يا أبا عامر حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّبه الحسين بن علي عليهما السلام ، عن علي عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : «والله لتُقتلنّ بأرض العراق وتُدفن بها.

قلت : يا رسول الله ما لمن زمار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟

فقال لي : يا أبا الحسن إنّ الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها وأنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم وتحتمل المذلّة والأذى ، فيعمّرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ومودّة منهم لرسوله ، اُولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم زوّاري غداً في الجنّة» (٢).

(٤) ـ حديث يحيى بن سليمان المازني ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة الذين هم من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. وأمّا الأربعة من الآخرين : محمّد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام ، ثمّ يُمدّ الطعام ، فيقعد معنا من زار قبور

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١١٩ ب ٢ ح ١٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١٢٠ ب ٢ ح ٢٢.

١٢

الأئمّة ، ألا إنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوّار قبر وَلَدي عليه السلام» (١).

(٥) ـ حديث الوشاء قال : قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار قبر أحد من الأئمّة؟

قال : «له مثل من أتى قبر أبي عبد الله عليه السلام».

قال : قلت له : وما لمن زار قبر أبي عبد الله عليه السلام؟ قال :

«الجنّة والله» (٢).

ثمّ إنّ لهذه المراقد المقدّسة والزيارات المباركة آداب خاصّة ينبغي مراعاتها وقد جمعها الشهيى الأوّل في مزار الدروس في أربعة عشر أمراً قال قدس سره ما نصّه : «وللزيارة آداب :

أحدها : الغسل قبل دخول المشهد ، والكون على طهارة ...

وثانيها : الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور ...

وثالثها : الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق ...

ورابعها : استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة ...

وخامسها : الزيارة بالمأثور ، ويكفي السلام والحضور.

وسادسها : صلاة ركعتي الزيارة عنى الفراغ ...

وسابعها : الدعاء بعى الركعتين بما نقل ...

وثامنها : تلاوة شيء من القرآن عند الضرائح واهداؤها إلى المزور ...

وتاسعها : إحضار القلب في جميع أحواله مهما استطاع ، والتوبة من الذنب والاستغفار ...

عاشرها : التصدّق على السدنة والحفظة للمشهد ...

حادي عشرها : أنّه إذا انصرف من الزيارة استحبّ له العود إليها ...

ثاني عشرها : أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلها ...

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١٢٣ ب ٢ ح ٢٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ١٢٤ ب ٢ ح ٣٣.

١٣

ثالث عشرها : تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة ... وروي أنّ الخارج يمشي القهقرى حتّى يتوارى.

رابع عشرها : الصدقة على المحاويج بتلك البقعة» (١).

واعلم أنّ الزيارة الجامعة في اصطلاح أهل الحديث هي الزيارة التي يزار بها جميع أهل البيت النبي (صلوات الله عليهم) ، من ىون اختصاص ببعضهم .. وهي زيارات عديدة متّصفة بهذه الفضيلة ، وقد ذكر شيخ الطائفة والسيّد ابن طاووس وغيرهما من الزيارات الجامعة عدا هذه الزيارة الشريفة الكبيرة زيارات جامعة اُخرى تبلغ أربعة عشر زيارة تجدها مجموعة في مزار البحار (٢).

إلاّ أنّ أعلى تلك الزيارات شأناً وأرفعها مكانةً ـ كما عبّر به بعض الأعاظم ـ هي الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة المرويّة عن سيّدنا ومولانا الإمام الزكي أبي الحسن الهادي النقي عليه السلام.

وفصاحة ألفاظها وبلاغة مضامينها تشهد بصدورها من بيت الوحي ومصدر العلم وينبوع الهدى.

وقد رواها جملة جليلة من أساطين الدين وحملة علوم الأئمّة المعصومين عليهم السلام في كتبهم المعتبرة ، نذكر منها عشرة مصادر تيمّناً بعاشر الأئمّة المفاخر صاحب هذه الزيارة المباركة ، فقد جاءت في مثل :

١ ـ من لا يضره الفقيه للشيخ الأقدم الصدوق / ج ٢ / ص ٣٧٠.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الجليل الصدوق أيضاً / ج ٢ / ص ٢٧٧.

٣ ـ التهذيب لشيخ الطائفة الحقّة الطوسي / ج ٦ / ص ٩٥.

٤ ـ روضة المتّقين لوالد العلاّمة المجلسي / ج ٥ / ص ٤٥٠.

٥ ـ بحار الأنوار للمولى المجلسي / ج ١٠٢ / ص ١٢٧.

__________________

(١) الدروس الشرعية : ج ٢ ص ٢٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ٢٠٨ ـ ١٢٦.

١٤

٦ ـ تحفة الزائر لشيخنا المجلسي / ص ٣٦٣.

٧ ـ البلى الأمين للشيخ الكفعمي / ص ٢٩٧.

٨ ـ الوافي للفيض الكاشاني / ج ١٠ / ص ٤١٦ / ب ٨٥ / ح ١٧.

٩ ـ عمدة الزائر للسيّد حيدر الكاظمي / ص ٣٧٠.

١٠ ـ مستدرك الوسائل للمحدّث النوري / ج ١٠ / ص ٤١٦.

فاعتمد عليها جميع الخاصّة ، بل حتّى بعض العامّة كالحمويني في فرائدة نقلاً عن الشيخ الصدوق قدس سره (١).

وقد ذكر المولى التقي المجلسي (٢) كرامة ظريفة لهذه الزيارة الشريفة ، قال فيها : (ولمّا وفّقني الله تعالى لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وشرعت في حوالي الروضة المقدّسة في المجاهدات ، وفتح الله تعالى عليّ ببركة مولانا صلوات الله عليه أبواب المكاشفة التي لا تحتملها العقول الضعيفة رأيت في ذلك العالم ـ وإن شئت قلت بين النوم واليقظة ـ عندما كنت في رواق عمران جالساً أنّي بسرّ من رأي (سامرا) ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزينة ، ورأيت على قبرهما لباساً أخضر من الجنّة لأنّه لم أرَ مثله في الدنيا ، ورأيت مولانا ومولى الأنام صاحب العصر والزمان عليه السلام جالساً ، ظهره على القبر ووجهه إلى الباب ، فلمّا رأيته شرعت في هذه الزيارة بالصوت المرتفع كالمدّاحين ، فلمّا أتممتها قال صلوات الله عليه : نعمت الزيارة.

قلت : مولاي روحي فداك ، زيارة جدّك؟ ـ وأشرت إلى نحو القبر ـ.

فقال : نعم ، اُدخل ، فلمّا ىخلت وقفت قريباً من الباب. فقال صلوات الله عليه : تقدّم.

فقلت : مولاي أخاف أن أصير كافراً بترك الأدب.

فقال صلوات الله عليه : لا بأس إذا كان باذننا ، فتقدّمت قليلاً وكنت خائفاً مرتعشاً ، فقال : تقدّم .. تقدّم ، حتّى صرت قريباً منه صلوات الله عليه ، قال : اجلس.

__________________

(١) فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٧٩.

(٢) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٥١.

١٥

قلت : أخاف مولاي.

قال صلوات الله عليه : لا تخف ، فلمّا جلست جلسة العبيد بين يدي المولى الجليل قال صلوات الله عليه : استرح واجلس مربّعاً فإنّك تعبت جئت ماشياً حافياً ...

فالحاصل أنّه لا شكّ لي أنّ هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي سلام الله عليه بتقرير الصاحب عليه السلام.

وذكر الميرزا النوري مطلوبية هذه الزيارة والتأكيد عليها في حكاية السيّد الموسوي الرشتي التي تلاحظ تفصيلها في النجم (١).

هذا واستقصاء البحث في هذا الكتاب يكون في مقامين : سند هذه الزيارة أوّلاً ، وشرح متن حديثها ثانياً ، بنصّ بيانها ثمّ حاص شرحها.

ومن الله تعالى نسأل العون والتوفيق.

__________________

(١) النجم الثاقب : ص ٦٠١.

١٦

المقام الأوّل :

في سند حديث الزيارة الجامعة

روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن موسى بن بابوية القمّي (١) في العيون (٢) قال :

حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضى الله عنه (٣) ومحمّد بن أحمد السناني (٤) ، وعلي بن عبد الله الورّاق (٥) ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب (٦) قال :

__________________

(١) هو الشيخ العظيم من مشايخ الشيعة الثقات ، والركن القويم من أركان الشريعة الأجلاّء ، من الذين لا شكّ في وثاقتهم ولا حاجة إلى بيان عدالتهم.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ٢ ص ٢٧٧.

(٣) هو من مشايخ الصدوق الذين ترضّى عليهم وترحّم لهم وهو قرين المدح ، بل عديل التوثيق فإنّهم أثبات أجلاّء ، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه كما حكي من المحقّق الداماد قدس سره.

بل يستفاد توثيق مشايخه عموماً من كلامه في أوّل كتاب المقنع : ص ٢.

(إذ كان ما اُبيّنه فيه من الكتب الاُصولية موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء والفقهاء الثقات رحمهم الله).

(٤) من مشايخ الصدوق الذين أكثر الحديث عنهم وترحّم عليهم ، فهو مورد الإطمئنان والوثوق.

(٥) من مشيخة الصدوق وممّن روى عنهم مترحّماً عليهم ، فيطمئنّ بوثاقته.

(٦) هو الحسين بن إبراهيم المؤدّب المكتّب .. روى عنه الصدوق مترضّياً عليه ، وأقلّ ما يستفاد

١٧

حدّثنا محمّد بن عبد الله الكوفيّ (١).

وأبو الحسين الأسدي (٢) ، قالوا :

حدّثنا محمّد بن إسماعيل المكّي البرمكي (٣) قال :

حدّثنا موسى بن عبد الله النخعي (٤) قال : قلت : لعلي بن محمّد بن علي بن

__________________

منه حسن حاله كما حكي عن التعليقة.

(١) هو محمّد بن عبد الله بن نجيح الكوفي المعروف بالشيخ ، ذكره العلاّمة في القسم الأوّل من رجاله المعدّ للمعتدمين في الخلاصة : ص ١٥٦ الرقم ١٠٨ ، وفي محكي الوجيزة والبلغة أنّه ممدوح ، وفي محكي منتهى المقال أنّه من مصنّفي الإمامية ، ويكفيه حسناً.

(٢) هو محمّد بن جعفر الأسدي الكوفي المحقّق وثاقته ، وقد قال فيه النجاشي في رجاله : ص ٢٦٤ أنّه ثقة صحيح الحديث.

(٣) وثّقه النجاشي في رجاله : ص ٢٤١ وقال : كان ثقة مستقيماً له كتب منها كتاب التوحيد ، وحكى توثيقه أيضاً عن الوجيزة ، والبلغة ومشتركات الكاظمي والطريحي.

(٤) ورد فيها بأيدينا من نسخة العيون موسى بن عمران النخعي ، والظاهر أنّه تصحيف لإ والصحيح موسى بن عبد الله النخعي كما أثبتناه بقرينة ذكره هكذا في الفقيه من نفس الصدوق رحمه الله ، ونقله عنه في التهذيب : ج ٦ ص ٩٥.

على أنّ موسى بن عمران النخعي لم يذكر له حديث عن الإمام الهادي عليه السلام ، وهو أيضاً ثقة ورد في اسناد تفسير القمّي : ج ١ ص ٣٨٨ ، إلاّ أنّه ليس هو الراوي لهذه الزيارة الشريفة.

وموسى بن عبد الله النخعي ورد أيضاً في اسناد مشايخ علي بن إبراهيم في الكافي : ج ١ ص ٢٧ ح ٣١.

وفي روايته الزيارة الجامعة دلالة على كونه إمامياً ، صحيح الاعتقاد ، بل في تلقين مولانا الإمام الهادي عليه السلام هذه الزيارة المتضمّنة لبيان مراتب الأئمّة ، شهادة على كون الرجل من الحسان ومقبول الرواية ، كما أفاده المحقّق المامقاني في تنقيح المقال : ج ٣ ص ٢٥٧.

وعلى الجملة فهو مقبول ، بل هو موثّق بالتوثيق العام من علي بن إبراهيم الذي وثّق عموماً سلسلة

١٨

موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

والسند تامّ بل أنّ هذه الزيارة لا تحتاج إلى ملاحظة السند ، لأنّ فصاحة مشحونها وبلاغة مضمونها تغني عن ذلك كنهج البلاغة العلوية ، والصحيفة المباركة السجّادية كما أفاده السيّد شبّر قدس سره (١).

هذا مضافاً إلى سنده القريب والعجيب المتقدّم فيما أفاده والد العلاّمة المجلسي (٢) ـ وهو الثقة العدل ـ : أنّه قرّرها سنداً ومتناً مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه في المكاشفة التي تقدّم نقلها ..

فالسند معتبر في النفس ، ومقرّر من مقام القدس.

__________________

رواته بقوله في مقدّمة تفسير القمّي : ج ١ ص ٤ «ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ..».

وبذلك تعرف أنّ جميع رجال سلسلة السند معتبرون بالإستقصاء. مع ما عرفت من العلاّمة المجلسي في أوّل هذا الكتاب من أنّ هذه الزيارة أصحّ الزيارات سنداً.

(١) الأنوار اللامعة : ص ٣٣.

(٢) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٥٢.

١٩

المقام الثاني :

متن حديث الزيارة الجامعة

متن هذه الزيارة المباركة بعد السند المتقدّم إلى موسى بن عبد الله النخعي هو كما يلي : قال : قلت لعليّ بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب : : علّمني يابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً (١) كاملاً إذا زُرتُ واحداً منكم.

فقال : إذا صرت إلى الباب (٢) فقف ، واشهد الشهادتين وأنت على غسل (٣)

__________________

(١) القول البليغ هو الكلام المبيّن الموصل للحقيقة ، من البلوغ الذي هو الانتهاء والوصول إلى أقصى الحقيقة.

(٢) أي باب الروضة في المشاهد المشرّقة.

(٣) (٣) أي غسل الزيارة ، وتلاحظ إستحبابه في باب الأغسال المسنونة من الوسائل : (ج ٢ ص ٩٣٦ ب ١ و ٢٩ الأحاديث).

واعلم أنّ من آداب الزيارة الإستئذان في الدخول إلى روضة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين. وقد ذكر العلاّمة المجلسي استئذاناً شريفاً قبل ذكر هذه الزيارة المباركة تلاحظه في البحار (ج ١٠٢ ص ١١٥ باب زيارة الامام الحجة عليه السلام) جاء فيه ما نصّه :

٢٠