في رحاب الزيارة الجامعة

السيد علي الحسيني الصدر

في رحاب الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: ٧٠٤

وَذَوِى النُّهى (١)

____________________________________

(١) ـ ذَوي : جمع ذي بمعنى صاحب ، فذوي بمعنى أصحاب.

والنُّهى جمع نُهْيَه بضمّ النون بمعنى العقل ـ فإنّه يسمّى العقل بالنُهية لأنّه يَنهى عن القبائح ، أو لأنّ صاحبها ينتهي إليها عن القبائح ، أو ينتهي إلى إختياراته العقلية.

وللعقل أسماء اُخرى أيضاً وردت في اللغة أو إستعملت في المحاورة ، فمن أسمائه :

(الحَصاة ، والحَصافة ، والحِجْر ، والحِجى ، والأُربة ، والمِرّة ، والنّحيزَة ، والأدَب ، واللُّب ، والفِطنة) (١).

فالنُّهية إذاً هذه التي جُمعت على نُهى بمعنى العقل ، فقوله عليه السلام : «ذوي النهى» بمعنى أصحاب العقول.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم أصحاب العقول الكاملة ، والألباب الفاخرة.

وهم الذين منحهم الله العقل الأكمل الذي يُعبد به الرحمن ، ويُكتسب به الجنان.

وهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي اُعطي تسعة وتسعون جزءاً من العقل ، ثمّ قُسّم بين العباد جزء واحد ، كما في حديث النوفلي (٢).

وهم المعنيّون بقوله عزّ إسمه : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ) (٣) كما في حديث عمّار (٤) فقد فسّرت بالأئمّة من آل محمّد عليهم السلام ، حيث قد بلغوا القمّة في العقل ، وكانوا سادة العقلاء (٥).

__________________

(١) لاحظ تهذيب الألفاظ : ص ١٨٣ ، والألفاظ الكتابية : ص ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ٩٧ ب ٢ ح ٦.

(٣) سورة طه : الآية ١٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١١٨ ب ٤٠ ح ١.

(٥) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٣٧٢.

١٢١

وَاُولِى الْحِجى (١) وَكَهْفِ الْوَرى (٢)

____________________________________

(١) ـ اُولي : جمعً لا واحد له منن لفظه ، ويستعمل بدل مفرده ذو بمعنى صاحب ، فاُولوا بمعنى أصحاب.

والحِجى هو العقل والفطنة كما عرفت ذلك أنفاً في أسماء العقل.

وهذه الفقرة الشريفة إمّا مرادفة لذوي النُّهى وبمعناها للتأكيد.

أو مغايرة معها بأن تكون الفقرة الاُولى لبيان عقل المعاش والاُمور الدنيوية ، والفقرة الثانية لبيان عقل المعاد والاُمور الاُخروية كما أفاده السيّد شبّر قدس سره (١).

أو يكون الحجى بمعنى العقل مع الفطانة ، فيزاد معنى هذه الفقرة على الفقرة السابقة كما قد يستفاد هذا المعنى من تعابير اللغة.

(٢) ـ الكهف هو الملجأ والملاذ ، ومنه قوله عليه السلام : «يا كهفي حين تعييني المذاهب» أي ملجئي وملاذي حين تعجزني مسالكي إلى الخلق وتردّداتي إليهم (٢) ، ومنه أيضاً توصيف أمير المؤمنين في زيارته الشريفة في اليوم الحادي العشرين من شهر رمضان المبارك : «كنت للمؤمنين كهفاً وحصناص» (٣).

والوَرى على وزن فتى بمعنى الخَلْق.

وأهل البيت النبوي صلوا الله عليهم هم الملجأ والملاذ للخلائق في الدين والدنيا ، والآخرة والعقبى ، ففي حديث عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام جاء فيه :

«الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والاُمّ البَرّة بالولد

__________________

(١) الأنوار اللامعة : ص ٦٩.

(٢) مجمع البحرين : مادّة كَهَفَ ص ٤٢٠.

(٣) عمدة الزائر ، للسيّد حيدر : ص ١٠٠ وأشار إليه وإلى اعتبار سنده المحدّث القمّي في المفاتيح في آخر باب زياراته عليه السلام المخصوصة.

١٢٢

.........................................

____________________________________

الصغير ، ومفزعُ العباد في الداهية النآد» (١).

وقد التجأ إليهم ولاذ بهم أعاظم الخلق وأكابر المخلوقين من لدن سيّدنا آدم عليه السلام ، وهم الملجأ والملاذ إلى آخر العالم ، وإلى يوم القيام الأعظم.

وسيأتي في فقرة الشفاعة أحاديث التجاء الأنبياء مع اُممهم إليهم ، والتجاء الخلق إلى الرسول وآله الطاهرين سلام الله عليهم.

والشواهد عليها حيّة ، والدلائل عليها كثيرة. كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة نظير :

حديث معمّر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : أتى يهوديٌ النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحدّ النظر إليه.

فقال : يا يهودي ما حاجتك؟

قال : أنت أفضل م موسى بن عمران النبي الذي كلّمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلّه بالغمام؟

فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول :

«إنّ آدم عليه السلام لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّ «لما غفرت لي ، فغفرها الله له.

وإنّ نوحاً لمّا ركب في الفينة وخاف الغرق قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما أنجيتني من الغرق ، فنجّاه الله عنه.

وإنّ إبراهيم عليه السلام لمّا اُلقي في النار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

١٢٣

.........................................

____________________________________

وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما آمنتني فقال الله جلّ جلاله : (لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ) (١).

يا يهودي إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئاً ، ولا نفعته النبوّة.

يا يهودي ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدّمه وصلّى خلفه» (٢).

واعلم أنّه جاءت هذه الفقرة في البلد الأمين والمستدرك بصيغة : وكهوف الورى ، وجاء بعدها وبدور الدنيا.

وبدور جمع بدر وهو القمر في ليلة تمامه وكاله ، يعني ليلة أربعة عشر من الشهر.

فأهل البيت سلام الله عليهم هم البدور المضيئة التي أنارت العالم ، وهَدَته إلى الطريق الأقوم ، وإستمدّت نورها المتألّق وضيائها المشرق من شمس الهداية في سماء العالم ، رسول الله صلى الله عليه وآله.

ولو لاهم لهوى الناس في الظلمات وارتكسوا في الداجيات ، كما ترى ذلك في أحاديث تفسير قوله عزّ إسمه : (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) (٣) ـ (٤).

فهم البدور الهادية والأقمار المنيرة ، التي إهتدت وتزيّنت بهم عالم الدنيا والآخرة والاُولى.

__________________

(١) سورة طه : الآية ٦٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣١٩ ب ٧ ح ١.

(٣) سورة الشمس : الآية ١ ـ ٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٧٢ ح ١ ـ ٧.

١٢٤

وَوَرَثَةِ الاْنْبِياءِ (١)

____________________________________

(١) ـ ورثة جمع وارث وهو من يبقى بعد المورِّث ويستحقّ ميراثه.

والميراث هو ما يخلّفه الرجل لورثته ، ويطلق على كلّ ما يورّث ، ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا) (١) وهم الأئمّة الذين أورثهم الله كتابه (٢).

والأنبياء هم المبعوثون المعروفون ١٢٤٠٠٠ نبي سلام الله عليهم.

وأهل البيت صلوات الله عليهم هم الورثة المحقّون ، والأئمّة الوارثون الذين وصل إليهم جميع مواريث الأنبياء بحقٍّ ، وكافّة مواريث سيّدهم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلّم باستحقاق.

ورثوا كتبهم وآثارهم وآيات نبوّتهم ، وتركة رسالتهم ، وكلّ علم وفضيلة وكمال ومنقبة كانت فيهم ، وهم الذين يرثون الأرض ومن فيها وما عليها.

قال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (٣) فهم آل محمّد يبعث الله مهديهم ، فيعزّهم ويُذلّ أعدائهم كما في الأحاديث المتوفّرة (٤).

والمواريث التي وصلت إليهم ، وورثوها من سَلَفهم ، كما تستفاد من الأحاديث الشريفة المتظافرة في أبواب متعدّدة (٥) هي كما يلي ملخّصاً :

(١) الكتب السماوية التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ على انبيائه كصحف إبراهيم ، وتوراة موسى ، والألواح ، وزبور داود ، وانجيل عيسى ، وسائر الكتب الاُخرى ، بل كلّ ما كان عند الأنبياء.

__________________

(١) سورة فاطر : الآية ٣٢.

(٢) مرآة الأنوار : ص ٢١٧.

(٣) سورة القصص : الآية ٥.

(٤) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٢٩.

(٥) بصائر الدرجات : ص ١٧٤ ، الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٠١.

١٢٥

.........................................

____________________________________

وهم يعرفونها ويقرأونها على اختلاف لغاتها كما تلاحظه في أحاديث الكافي (١).

بل هم ورثه اُصول العلم من جدّهم الرسول الأمين ، وكلّ علم أحصاه الله تعالى في خاتم النبيّين ، كما عرفت ذلك بتفصيل فيما تقدّم عند بيان علومهم في شرح قوله عليه السلام : «وخزّان العلم».

(٢) الإسم الإلهي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جعله بين المسلمين والمشركين لم تصل المشركين إلى المسلمين نشّابة أبداً ، كما في حديث السمّان (٢).

بل اُعطوا إنثان وسبعون حرفاً من الإسم الأعظم كما تلاحظه في أحاديث اُصولنا (٣).

(٣) سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله : السيف والدِّرع والمِغْفَر ، التي هي من مختصّات الأئمّة ، وتدور حيث دارت الإمامة ، محفوظة عندهم ، ولا تصل إليه أيدي غيرهم كما تلاحظه في أحاديثنا (٤).

(٤) راية رسول الله العقاب ، ورايته المغلِّبة ، التي لا تنشر إلاّ ويكون معها النصر والغلبة (٥) ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وآله المُخذم (٦) ، وسيف أمير المؤمنين عليه السلام ذو الفقار الذي هبط به الأمين جبرئيل عليه السلام وقلّده رسول الله عليّاً سلام الله عليهما وآلهما (٧) ، وكذا رايته السحابة (٨).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٢٥ ح ٥ ـ ٦ ، وص ٢٢٧ ح ١ ـ ٢.

(٢) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ج ٢ ص ١٨٧.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢ الأحاديث.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢ الأحاديث.

(٥) الغيبة للنعماني : ص ٣٠٧ ب ١٩ ح ٢ ـ ٣.

(٦) الكافي : ج ١ ص ٢٣٣.

(٧) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢.

(٨) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٠٧.

١٢٦

.........................................

____________________________________

(٥) الجفنة التي اُهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ملؤها اللحم والثريد ، وكانت مباركة ، رآها بعض الأصحاب وتمسّح بها (١).

(٦) سائر تراث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وآثاره كخاتمه الفيروزج ، وقميص القائم عجّل الله تعالى فرجه ، وكتاب أسماء أهل النجنّة والنار كما تلاحظه في حديث حمران وآبان بن عثمان (٢) وحديث ابن مهران (٣).

(٧) تابوت بني إسرائيل التي فيها السكينة والعلم والحكمة ، والتي يدور معها العلم والنبوّة والمُلك ، وفيها بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون.

وفسّرت السكينة التي فيها بأنّها ريح تخرج من الجنّة لها صورة كصورة الإنسان (٤).

(٨) قميص يوسف الذي كان ثوب إبراهيم الخليل ، ألبسه جبرئيل حين اُلقي في النار فلم يضرّ معه ريح ولا برد ولا حرّ ، ووصل بعده إلى إبنه إسحاق ثمّ ليعقوب ثمّ كان على عضد يوسف.

وحين أخرجه يوسف من محرزه إشتمّ يعقوب ريحه وقال : إنّي أجد ريح يوسف (٥) ، وكذا قميص آدم عليه السلام (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢١٤ ح ٢٧.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٣٥ ح ٧ ، وص ٢٣٦ ح ٩.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٢١ ب ١٦ ح ٤٥ ، والغيبة للنعماني : ص ٢٤٣ ب ١٣ ح ٤٢ ، وبصائر الدرجات : ص ١٩٢ ح ٥.

(٤) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٨٣ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٠٣ ح ٣.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢١٤ ح ٢٨.

(٦) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ٤.

١٢٧

.........................................

____________________________________

(٩) مواريث النبي موسى عليه السلام إضافة إلى التوراة والألواح وهي :

(أ) الحَجَر الذي إنفجرت منه إثنتى عشرة عيناً ، الذي يكون مع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، وينادي حين خروجه من مكّة :

«ألا لا يحملنّ أحدكم طعاماً ولاشراباً» ، فلا ينزل منزلاً إلاّ وإنبعثت عينٌ منه ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان ظامئاً روي كما في حديث أبي سعيد الخراساني (١).

(ب) العصى التي كانت من آس الجنّة ، وكانت تروّع وتلقف كلّ شيء بلسانها وشفتيها اللتين تنفتحان أربعين ذراعاً ، وتأتي بالعجب العجاب ممّا تلاحظها في بيان خصائصها (٢).

(ج) الطشت الذي كان يُقرّب فيها موسى عليه السلام القرابين فتأكله النار علامة للقبول كما تلاحظ حديثه في تفسير البرهان (٣) ، وتلاحظ شأنه في كتاب البحار (٤).

(١٠) خاتم سليمان عليه السلام الذي روي أنّه كان إذا لبسه سخّر الله له الطير والريح والمَلَك (٥) وتلاحظ شأن هذا الخاتم في الأحاديث المباركة (٦).

واعلم أنّ تلك المواريث موجودة الآن عند سيّدنا الإمام المهدي المنتظر أرواحنا

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ١٨٥ ح ٢ وتلاحظ التحريف في : ص ١٩٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ١ ، بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٦٠.

(٣) تفسير البرهان : ج ١ ص ٢٠٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ١٩٤ وج ٢٦ ص ٢٠٢ ب ١٦ ح ٢.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٥٣ ، وج ٥٣ ص ١٠٠ ، وج ٩٥ ص ٣٧٣.

١٢٨

.........................................

____________________________________

فداه (١) مع مواريث الأئمّة عليهم السلام.

تكون معه قوّةً في قيامه الحقّ ، وظهوره المحقّق ، وحكومته العادلة ، متّعنا الله تعالى بذلك ، وهي من وسائل قواه الربّانية وعُدّته الإلهية.

وبوجود هذه القوّة الإلهية الفائقة يتّضح الجواب ضمناً عن السؤال الذي كثيراً ما يتسائله الشباب : أنّه كيف يخضع الأعداء ، وتخضع الحكومات للإمام المهدي عليه السلام ، ويكون هو الغالب عليهم ، بالرغم من حداثة أسلحتهم؟

فجواب هذا أنّ غلبة الإمام عليه السلام يكون لوجوه هي :

أوّلاً : إرادة الله القادر العليم الذي إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون. وقد أراد ذلك بصريح قوله الكريم : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (٢).

وقوله الجليل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣).

وتعرف كيف تنفذ الإرادة الإلهية وتأتي بالخوارق العجيبة باتلوسائل البسيطة.

نظير غلبة النبي داود عليه السلام على جالوت بأحجار ثلاثة فقط بالرغم من كون جالوت مع جيش عرمرم جرّار ، كما تلاحظ تفصيل بيانه في حديث القمّي (٤).

ثانياً : غمتلاك الإمام الحجّة أرواحنا فداه للمواريث السابقة التي هي فوق القدرة البشرية ، وأعلى من الاُمور الطبيعية كالإسم الشريف الأعظم ، والراية المغلّبة ، وعصى موسى ، وخاتم سليمان ، وسيوف أصحابه النازلة من الجنّة التي إذا أصابت

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٣٥ ح ٧ ، بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٣٦ ح ١.

(٢) سورة القصص : الآية ٥.

(٣) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٤) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٨٨.

١٢٩

.........................................

____________________________________

الجبال قطّتها أو هشمتها.

ثالثاً : إنّ الله تعالى ينصره بالملائكة المسوّمين ، والمردفين ، والمنزَلين ، والكروبيّين ، مع جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، كما في حديثي الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام(١).

خصوصاً جبرائيل الذي هو رأس الكرّوبيين ، الذين هم سادة الملائكة المقرّبين (٢).

وقد وصفه الله تعالى بقوله عزّ إسمه : (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (٣) وأيّ قوّة أقوى من قوّته وقد قَلَب بلدة لوط بكاملها ، وجعل عاليها سافلها في آن واحد (٤).

رابعاً : إنّ الإمام المهدي عليه السلام منصور بالرعب في قلوب الأعداء ، فلا يتسنّى للظالمين إستعمال السلاح بواسطة الرعب الذي يُلقى في قلوبهم ، ويحول بينهم وبين إعمال قدرتهم.

قال تعالى في الغلبة على الأحزاب ومظاهريهم : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) (٥).

ففي الحديث «الرعب ليسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله» (٦).

خامساً : أنّه يسخّر له كلّ شيء كما سخّر لبعض الأنبياء عليهم السلام فالأرض تنصره

__________________

(١) الغيبة للنعماني : ص ٢٤٤ ح ٤٤ ، وص ٣٠٧ ح ٢.

(٢) مجمع البحرين : مادّة كرب ص ١٣٦.

(٣) سورة التكوير : (الآية ٢٠).

(٤) مجمع البيان : ج ١ ص ٤٤٦.

(٥) سورة الأحزاب : الآية ٢٦.

(٦) الغيبة للنعماني : ص ٣٠٧ ح ٢.

١٣٠

.........................................

____________________________________

بالخسف ، والسماء تنصره بالصواعق ، وهاتان القوّتان بنفسهما كافيتان في التغلّب على الأعداء المعاندين وحكومات الظالمين.

مضافاً إلى تسخير الريح له سلام الله عليه (١).

وهي نصرة الله تعالى التي لا رادّ لها بشيء ، وقدرة الله التي لا يقاومها شيء : (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) (٢).

__________________

(١) الإمام المهدي عليه السلام من المهد إلى الظهور : ص ٥٧٣.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٦٠.

١٣١

وَالْمَثَلِ الأَعْلى (١)

____________________________________

(١) ـ المَثَل بفتح الميم والثاء ، وجمعه مُثُل بضمّتين وأمثال ، يأتي على معانٍ ثلاثة :

١ ـ بمعنى الحجّة والدليل والآية ، كما يستفاد من الشموس (١).

ولعلّ منه قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢) أي الأمثال والآيات والدلائل القرآنية التي هي حجج.

٢ ـ بمعنى الحديث والقصّة ، كما يستفاد من المجمع (٣). فالعرب تسمّي الحديث الحسن والقصّة الرائقة بالمثل ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٤).

٣ ـ الصفة فإنّه يستعمل المثل في توصيف الشيء كما يستفاد من المجمع أيضاً (٥) كقوله تعالى : (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ) (٦) أي صفتها هكذا.

هذه هي المعاني المذكورة للمَثَل ، ويمكن إرادة جميعها من لفظ المَثَل في هذه الفقرة الشريفة التي تصف آل محمّد عليهم السلام بأنّهم المثل الأعلى.

أمّا على المعنى الأوّل ، فأهل البيت سلام الله عليهم أعلى حجج الله تعالى ، وأكبر آياته ، وأعظم براهينه الدالّة علهي والمبيّنة لقدرته.

__________________

(١) الشموس الطالعة : ص ١٧٦.

(٢) سورة الحشر : الآية ٢١.

(٣) مجمع البحرين : مادّة مثل ص ٤٩٥.

(٤) سورة الحجّ : الآية ٧٣.

(٥) مجمع البحرين : مادّة مثل ص ٤٩٥.

(٦) سورة محمّد : الآية ١٥.

١٣٢

.........................................

____________________________________

ولذلك ورد في الحديث عن سيّدهم أمير المؤمنين عليه السلام قوله : «ما لله آيةً أكبر منّي» (١).

ولذلك أيضاً ضرب به المَثَل رسول الله صلى الله عليه وآله في شأن نزول قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٢) كما تلاحظه في أحاديث كثيرة (٣) قد رويت متواتراً منّا ، بل رويت من طريق الفريقين.

وبحقٍّ كان سيّد العترة أمير المؤمنين أكبر آية وأعظم دلالة من آيات الله ودلالاته ، عجيباً في شأنه ، غريباً في معجزاته ، كما تلاحظ ذلك في سيرة حياته (٤).

ومن عجائبه وليس من بعجيب :

أنّه لم يبارز أحداً إلاّ وظفر به.

ولا نجا أحدٌ من ضربته فصلح منها ولم يفلت منه قرن ولا شجاع.

ولا قاتل تحت راية إلاّ غلب ، وبارز عمرو بن عبد ودّ العامري بوثبته إليه أربعين ذراعاً فضربه ورجع عشرين ذراعاً.

وضرب مرحب الخيبري على رأسه فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدّام وخلف فقدّها بنصفين.

وقلع باب خيبر الذي كان يغلقه عشرون رجلاً منهم فدحا به في الهواء ، وتترّس به ، وجعله جسراً لعبور العسكر ، ثمّ جرّبه العسكر فلم يستطع أن يحمله أربعون رجلاً منهم.

بل كان حتّى في الخِلقة والتكوين وحيداً في بدنه وفريداً في صفاته كما تعرف

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ٣ ب ٢٥ ح ٧ و ١٠ و ١١.

(٢) سورة الزخرف : الآية ٥٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٢١ ب ١٠ ح ١٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٢ ص ٣٣ ح ١١ ، وص ٥٠ ح ١ ، وج ٤١ ص ٢٧٩.

١٣٣

.........................................

____________________________________

ذلك من أحاديث شمائله وجوامع مناقبه (١).

وقد عقد العلاّمة المجلسي باباً خاصّاً ذكر فيه ما يتعلّق من الإعجاز ببدنه الشريف ، ذكر فيه معاجزه منذ صغر سنّه في مهده ، إلى كبره وفي حربه فلاحظه بالتفصيل (٢).

وأمّا على المعنى الثاني ، فأهل البيت صلوات الله عليهم هم حديث الله الصدق وقصصه الحقّ ، وأنباؤه الراشدة.

فما أحلى ذكرهم ، وما أعلى حديثهم ، وهم قادة الهداة ، وسادة السادات ، وضربت بهم الأمثال العاليات كما يشهد له القرآن والوجدان وآية النور بالعيان (٣) فلاحظ أحاديثها الحسان (٤).

وفي الحديث المحكي عن كتاب الإبانة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في حديث له : «وبنا ضُربت الأمثال» (٥).

وأمّا على المعنى الثالث ... فأهل البيت تحيّات الله عليهم هم المتّصفون بصفات الله ، بل هم أكمل مظاهر أسمائه.

فهذا أمير المؤمنين عليه السلام قد اشتُقّ إسمه العالي من إسم الله العلي ، وهو مظهر التعالي الإلهي ، والترفّع الربّاني ، كما تلاحظه في أحاديث ولادته (٦).

وكذلك سائر الأئمّة الطاهرين في أسمائهم المقدّسة وصفاتهم المحمودة ، وفي

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٥ ح ٢ ، وج ٤٠ ص ٨٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٧٤ ب ١١٣.

(٣) سورة النور : الآية ٣٥.

(٤) الكافي : ج ١ ص ١٩٥ ح ٥.

(٥) مرآة الأنوار : ص ٢٠٢.

(٦) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٨ ح ١١ ، وص ١٨.

١٣٤

.........................................

____________________________________

حلمهم وكرمهم وجودهم وسخائهم ورأفتهم وقدرتهم ، هم مظاهر الصفات الإلهية الجليلة.

وقد فسّر بهم قوله تعالى (١) : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) (٢).

فأهل البيت عليهم السلام هم المُثُل الربّانية العليا بجميع معنى الكلمة.

وقد يكون هذا الوصف ـ يعني المَثَليّة ـ جارياً في غيرهم كأنبياء الله الكرام عليهم السلام الملك العلاّم ، إلاّ أنّ أهل البيت هم الأعلى منهم ، والمفضّلون عليهم والمختارون فيهم فكانوا هم المثل الأعلى.

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٨٠.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٥١.

١٣٥

وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى (١)

____________________________________

(١) ـ الدعوة جاءت هنا بأحد معنيين أو كليهما وهما :

المعنى الأوّل : مصدر دعا يدعو دعوةً بمعنى أنّهم عليهم السلام أهل الدعوة الحسنى ، بحذف المضاف.

فإنّهم أحسن الدعاة ، والداعون بأحسن وجه ، إلى الله تعالى وإلى الإسلام وإلى الإيمان والتقوى وطريق الجنّة الذي هو طريق النجاة والفوز بالسعادات.

دَعَوا إليها بأبلغ بيان وأطرف لسان ، وهَدَوا الناس بالحجج القاطعة والأدلّة المُقنعة.

فكانوا كسيّدهم الرسول الأعظم فيا وصفه الله تعالى بقوله : (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) (١).

وجاء في زيارة خاتمهم الأكرم الإمام المهدي عليه السلام : «السلام عليك يا داعيّ الله» في زيارة آل يس المعروفة (٢).

وفي حديث البصائر عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : «جعل الله الأئمّة الدعاة إلى التقوى» (٣).

فأهل البيت عليهم السلام هم الدعاة إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى.

ويكفيك دليلاً على حسن دعوتهم ، سيرتهم الحسنة ، وإحتجاجاتهم المستحسنة ، وقد شهد العدوّ بكمال حجّتهم وحسن دعوتهم ، كما تلاحظ ذلك في إعتراف ابن أبي العوجاء في أوّل حديث توحيد المفضّل (٤).

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٦.

(٢) الإحتجاج : ج ٢ ص ٣١٦.

(٣) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار : ص ١٠١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٥٨.

١٣٦

.........................................

____________________________________

المعنى الثاني : أن تكون الدعوة بمعنى الدعاء ويقال : دعوتُ الله أدعوه دعاءً ودعوةً : أي إبتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير (١).

فالمعنى أنّ في شأنهم كانت دعوة أبيهم نبي الله إبراهيم عليه السلام فكانوا هم المقصودون بالدعوة الحسنة من سيّدنا إبراهيم الخليل.

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «وأنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام» (٢).

وقال الإمام الباقر عليه السلام : «فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام» (٣).

فإنّ النبي إبراهيم عليه السلام دعا لهم في مواضع متعدّدة حكاها القرآن الكريم وهي :

(١) فيما حكاه الله تعالى بقوله : (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) ـ (٥).

(٢) فيما حكاه الله تعالى من دعائه بقوله : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٦) ـ (٧).

(٣) فيما حكاه الله تعالى من دعائه أيضاً بقوله : (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨) حيث استجاب الله دعاءه وأخبر عنه بقوله : (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٩) ـ (١٠).

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة دعا ص ٢٩.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ص ٦٢.

(٣) تفسير الصافي : ج ٣ ص ٩١.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٥) تفسير الصافي : ج ١ ص ١٩٠.

(٦) سورة إبراهيم : الآية ٣٧.

(٧) تفسير الصافي : ج ٣ ص ٩٠.

(٨) سورة الشعراء : الآية ٨٤.

(٩) سورة مريم : الآية ٥٠.

١٣٧

وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَالاْولى (١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ حجج جمع حُجّة مثل غُرَف جمع غُرفة ، هي الدليل والبرهان كما في اللغة ، وهي البيّنة الصحيحة المصحّحة للأحكام ، التي تقصد إلى الحكم ، ماخوذة من حَجَّ إذا قصد كما اُفيد.

وأهل البيت سلام الله عليهم يحتجّ بهم الله تعالى ويُتمّ حجّته على جميع خلقه بواسطة ما جعل لهم من المعجزات الباهرة والدلائل الظاهرة والعلائم الواضحة ، والعلوم الحقّة ، والإحتجاجات المحقّة.

فهم حجج الله تعالى على أهل الدنيا والآخرة ، وعلى الاُولى ، يعني على أهل النشأة الاُولى أي عالم الذرّ ، أو الاُولى مقابل الاُخرى بمعنى عالم الدنيا تأكيداً.

وحجّيتهم على جميع الخلق صريحة في الأدلّة المتظافرة في باب أنّهم الحجّة على جميع العوالم وجميع المخلوقات مثل :

١ ـ حديث عبد الخالق ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «إنّ لله عزّ وجلّ إثنى عشر ألف عالم ... وإنّي الحجّة عليهم» (١١).

٢ ـ حديث سليمان بن خالد المتقدّم ، عن الإمام الصادق عليه السلام : «ما من شيء ولا من آدمي ولا إنسي ولا جنّي ولا ملك في السماوات إلاّ ونحن الحجج عليهم ، وما خلق الله خلقاً إلاّ وقد عرض ولايتنا عليه واحتجّ بنا عليه ، فمؤمن بنا وكافر وجاحد ، حتّى السماوات والأرض والجبال» (١٢).

٣ ـ حديث سليم بن قيس بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «وهم حجج الله على

__________________

(١٠) تفسير الصافي : ج ٤ ص ٤٠ ، وج ٣ ص ٢٨٤.

(١١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٤١ ب ١٥ ح ١.

(١٢) بحار الأنوار ج ٢٧ ص ٤٦ ب ١٥ ح ٧.

١٣٨

.........................................

____________________________________

خلقه ، وشهداؤه في أرضه» (١).

ولتوضيح النشأة الاُولى بمعنى عالم الذرّ لا بأس ببيان ما يلي :

إنّ المستفاد من كتاب الله الكريم والسنّة الشريفة أنّ جميع البشر مخلوق من الطين كما هو صريح قوله عزّ إسمه : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) (٢).

وسادة الخلق محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجميعن ، أبدانهم مخلوقة من طينة علّيين ـ وأرواحهم مخلوقة من النور ـ.

ومن طينة أبدان أهل البيت عليهم السلام خلقت أرواح شيعتهم ، وخلق أبدان الشيعة من طينةٍ دون ذلك.

كما خلق أعداؤهم من طينة خبال من حمأٍ مسنون ، أي طينة فاسدة من الطين الأسود المُنتن السجّين ، وخلقت أرواحهم من طينة دون ذلك.

وقد مزج بين الطينتين الطيّبة والفاسدة فجعل في المؤمن شيء من الطينة الفاسدة ، كما جعل في غير المؤمن شيء من الطينة الطيّبة (٣) لكي يتمّ الإختيار في الإنسان ، ويمكن به الطاعة والعصيان ، ولا يكون جبرٌ في الخلقة ، ولا إجبار في الجبلّة.

والأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام ، وكانت موجودة في الجوّ إلى أن خلق الله الأبدان ، وتسمّى تلك الخلقة بعالم الأظلّة والأرواح.

ثمّ خلقت الأبدان أوّل ما خلقت بصورة الذرّ الصغير جدّاً ، واُخذ منهم الميثاق واُودعوا في صلب آدم عليه السلام ، وتسمّى تلك الخلقة بعالم الذرّ والأبدان والميثاق ، وهي

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٨٤٠ ح ٤٢.

(٢) سورة السجدة : الآية ٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٤٣ ب ١٠ ح ٣٠ ـ ٣١.

١٣٩

.........................................

____________________________________

النشأة الاُولى في إحدى المعنيين المتقدّمين.

ويستدلّ لهذه النشأة يعني عالم الذرّ من الكتاب العزيز بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١) وتلاحظ تفسيرها بعالم الذرّ في كتب التفسير الشريفة (٢).

كما يستدلّ لعالم الذرّ من السنّة بأحاديث كثيرة مثل :

(١) أحاديث الإشهاد (٣).

(٢) أحاديث خلق الأرواح (٤).

(٣) أحاديث الطينة والميثاق وعالم الذرّ (٥).

نختار منها نبذة منها ونكتفي ببيانها :

١ ـ حديث داود الرقي ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «لمّا أراد الله أن يخلق الخلق ، نثرهم بين يديه.

قال لهم : مَن ربّكم؟

فأوّل من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام ، فقالوا : أنت ربّنا.

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٢ و ١٧٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٢٨.

(٣) البرهان : ج ١ ص ٣٧٤ ، ج ٢ ص ٨٣٣ ، كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٦١ ص ١٣١ ب ٤٣ وفيه ٢٩ حديثاً.

(٥) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٢٥ ب ١٠ وفيه ٦٧ حديثاً ، بصائر الدرجات للصفّار : ص ٧٠ ـ ٩٠.

١٤٠