موسوعة كربلاء - ج ٢

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ٢

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

كفر يزيد وارتداده

٨٧٨ ـ ما حكاه عبد الله بن عمر عن معاوية ويزيد :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٥)

حكى عبد الله بن عمر ، قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مسجده ، فسمعته يقول لجلسائه : الآن يطلع عليكم رجل ، يموت على غير سنّتي. فما استتم كلامه إذ طلع معاوية وجلس معنا في المسجد. فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب ، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد ، وخرج ولم يسمع الخطبة. فلما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا مع ابنه ، قال : لعن الله القائد والمقود.

(أقول) : إن يزيد بن معاوية لم يكن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ولد سنة ٢٨ ه‍ ، والصحيح أن معاوية حين خرج من المسجد كان يأخذ بيد أخيه الأصغر يزيد بن أبي سفيان ، وليس ابنه يزيد.

٨٧٩ ـ كفر يزيد وارتداده عن الإسلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٠)

يقول محمّد مهدي المازندراني : ثم لا بأس أن نشير إلى كلمات بعض علماء العامة في كفر يزيد ، ووجوب اللعن عليه.

شهادة ابن عقدة :

قال ابن عقدة : ومما يدل على كفره وزندقته ، فضلا عن سبّه ولعنه ، أشعاره التي أفصح فيها بالإلحاد ، وأبان عن خبث الضمير والاعتقاد ؛ منها قوله في تحليل الخمر وإنكار البعث :

إذا ما نظرنا في أمور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا

وإن متّ يا أم الأحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الّذي حدّثت من يوم بعثنا

أحاديث طمّ تجعل القلب ساهيا

وله أيضا :

معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدا

ن عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحو

ر خمورا في الدّنان

٧٢١

شهادة أبي يعلى : (المصدر السابق)

وحكى القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب (الوجهين والروايتين) أنه قال : إن صحّ عن يزيد ذلك [أي ما استشهد به من أبيات شعر ابن الزبعرى المشرك] ، فقد كفر بالله وبرسوله ، لأنه أسف على كفار بدر ، ولم يرض بقتلهم ، وأنكر أمر الله فيهم ، وفعل الرسول في جهادهم ، واعتبر أن قتل الحسين عليه‌السلام صواب ، وعادله بالكفار وسوّى بينهم ، والله سبحانه وتعالى يقول : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠) [الحشر : ٢٠]. وهل هذا إلا ارتداد عن الدين ف (لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف : ٤٤](الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ٢٨ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٢٩) [إبراهيم : ٢٨ ـ ٢٩]. ثم إن يزيد زاد في القصيدة بقوله :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قال مجاهد : وهذا نافق في الدين.

شهادة الزهري : (المصدر السابق)

وقال الزهري : لما جاءت الرؤوس كان يزيد على منظرة جيرون ، فأنشد يقول :

لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من النبي ديوني

وهل أحد يشكّ في كفره ، بعد إنشاده هذه الأبيات؟!.

٨٨٠ ـ صبّ يزيد الخمر على رأس الحسين عليه‌السلام :

(المصدر السابق)

وقال بعض آخر : إن صبّ الجرعة من الخمر على رأس الحسين عليه‌السلام واستهزاءه بأن عليا عليه‌السلام ساق على الحوض ، وأن محمدا حرّم الذهب والفضة ، وشعره في الانتقام من بني أحمد ، واترا عن شيوخه الكفرة المقتولين يوم بدر ؛ إن صحّ عنه ذلك فهو كافر ، لأنه ما فعل ذلك إلا وهو منكر لما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... والمنكر لما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافر.

٧٢٢

٨٨١ ـ رأي عمر بن عبد العزيز في يزيد : (أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣١)

قال نوفل بن أبي الفرات : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فذكر رجل يزيد ، فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية!. فقال عمر : تقول أمير المؤمنين!. وأمر به فضرب عشرين سوطا.

٨٨٢ ـ رأي عبد الملك بن مروان بمن قبله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٨)

خطب عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل الزبير ، فقال : أما بعد ، فلست بالخليفة المستضعف [يعني عثمان] ، ولا الخليفة المداهن [يعني معاوية] ، ولا الخليفة المأفون [يعني يزيد].

٨٨٣ ـ رأي ابن حجر في كفر يزيد :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٦٨)

قال ابن حجر في (شرح الهمزية) : إن يزيد قد بلغ من قبائح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغا لا يستكثر عليه صدور تلك القبائح منه. بل قال الإمام أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به علما وورعا ، يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ، ثبتت عنده ، وإن لم تثبت عند غيره.

٨٨٤ ـ رأي عبد الباقي العمري وحكمه بكفر يزيد :

(المصدر السابق ، ص ٥٧)

قال الشبراوي بعد ذكر الأبيات التي تمثّل بها يزيد :

إن هذه الأبيات أشار إليها شاعر العراق المرحوم عبد الباقي العمري في ديوانه (الباقيات الصالحات) بقوله :

نقطع في تكفيره إن صحّ ما

قد قال للغراب لما نعبا

٨٨٥ ـ آراء علماء السنة في يزيد ولعنه :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

قال ابن عماد الحنبلي : ولعلماء السلف في يزيد وقتله الحسين عليه‌السلام خلاف في اللعن والتوقف.

قال ابن الصلاح : والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاه ، وفرقة تسبّه

٧٢٣

وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك ، لا تتولاه ولا تلعنه. قال : وهذه الفرقة هي المصيبة ، ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين ، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة. انتهى كلامه

ويتابع الحنبلي كلامه قائلا : وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين عليه‌السلام والمتحاملين عليه ، يدلّ على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم ، وتهاونهم بمنصب النبوة ، وما أعظم ذلك!. فسبحان من حفظ الشريعة حينئذ ، وشيّد أركانها حتى انقضت دولتهم. وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيت عليه‌السلام حمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هلاك أمتي على أيدي أغيلمة من قريش».

رأي التفتازاني في لعن يزيد : (المصدر السابق)

وقال سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) : اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين (ع) ، أو أمر بقتله ، أو أجازه أو رضي به (من غير تبيّن).

قال : والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين عليه‌السلام ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مما تواتر معناه ، وإن كانت تفاصيله آحادا.

قال : فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. اه

رأي الحافظ ابن عساكر : (المصدر السابق ، ص ٦٩)

وقال الحافظ ابن عساكر : نسب إلى يزيد قصيدة منها :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فإن صحّت عنه ، فهو كافر بلا ريب.

رأي الحافظ الذهبي :

(المصدر السابق)

وقال الحافظ الذهبي في يزيد : كان ناصبيا فظا غليظا ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الحسين عليه‌السلام ، وختمها بوقعة الحرّة. فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره. وخرج عليه غير واحد بعد الحسين عليه‌السلام.

٧٢٤

رأي الكيا الهراسي :

واستفتي الكيا الهراسي في يزيد ، فذكر فصلا واسعا من مخازيه حتى نفدت الورقة. ثم قال : ولو مددت ببياض [اي ورق] لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

رأي الغزّالي :

وأما الغزالي ، فرغم كل علمه وفهمه ، فقد توقف في شأنه ومنع من لعنه ، مع تقبيح فعله ، بدعوى أنه ربما تاب قبل موته. مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعن يزيد ، وهو يعلم أنه لن يتوب. وواقع الحال يدلّ على عدم توبته ، فقد قصف الله عمره أثناء ما كان جيشه يضرب الكعبة ويحرقها. فأين التوبة!.

رأي اليافعي :

وقال اليافعي : وأما حكم من قتل الحسين عليه‌السلام أو أمر بقتله ، ممن استحل ذلك فهو كافر ، وإن لم يستحل ففاسق فاجر.

لعن يزيد وسبّه

٨٨٦ ـ كفر يزيد ولعنه :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٩٢)

قال الشيخ الصبان : وقد قال الإمام أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به ورعا وعلما ، يقتضيان أنه لم يقل ذلك إلا لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك.

وواقفه على ذلك جماعة كابن الجوزي.

وأما فسقه فقد أجمعوا عليه. وأجاز قوم من العلماء لعنه بخصوص اسمه ، روي ذلك عن الإمام أحمد.

قال ابن الجوزي : صنّف القاضي أبو يعلى كتابا فيمن كان يستحق اللعنة ، وذكر منهم يزيد.

وأما جواز لعن من قتل الحسين عليه‌السلام أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به ، من غير تسمية ؛ فمتّفق عليه.

٧٢٥

٨٨٧ ـ هل يزيد من الصحابة ، وهل يجوز لعنه؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠ ؛

والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ، ج ٢ ص ٥٣)

سئل عماد الدين الكيا الهراسي الفقيه الشافعي ، عن يزيد بن معاوية ، هل هو من الصحابة أم لا؟. وهل يجوز لعنه أم لا؟. فقال : إنه لم يكن من الصحابة ، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب.

وأما قول السلف في لعنه ؛ ففيه لأحمد قولان : تلويح وتصريح ، ولمالك قولان : تلويح وتصريح ، ولأبي حنيفة قولان : تلويح وتصريح ، ولنا قول واحد : التصريح دون التلويح. وكيف لا يكون ذلك وهو اللاعب بالنرد ، والمتصيّد بالفهود ، ومدمن الخمر. وشعره في الخمر معلوم ، ومنه قوله :

أقول لصحب ضمّت الكاس شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذة

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غد

فربّ غد يأتي بما ليس يعلم

وكتب الهراسي فصلا طويلا ، ثم قلب الورقة وكتب : لو مددت ببياض ، لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

وقال الجاحظ في (الرسالة ١١ في بني أمية) ص ٢٩٨ :

المنكرات التي اقترفها يزيد ؛ من قتل الحسين عليه‌السلام ، وحمله بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا ، وقرعه ثنايا الحسين عليه‌السلام بالعود ، وإخافته أهل المدينة ، وهدم الكعبة ؛ تدل على القسوة والغلظة والنّصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان. فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) : كان يزيد بن معاوية ناصبيا فظا غليظا جلفا ، يتناول المسكر ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين عليه‌السلام ، وختمها بوقعة الحرّة [في المدينة] ، فمقته الناس ولم يبارك في عمره.

(راجع مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٢ و ١٣ ، ط ٣)

٧٢٦

رأي ابن الجوزي وأحمد بن حنبل

٨٨٨ ـ هل يجوز لعن يزيد؟ :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٦ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ذكر جدي أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتابه (الردّ على المتعصب العنيد ، المانع من ذم يزيد) وقال : سألني سائل فقال : ما تقولون في يزيد بن معاوية؟. فقلت له : يكفيه ما به.

فقال : أتجوّز لعنه؟. فقلت : قد أجازها العلماء الورعون ؛ منهم أحمد بن حنبل ، فإنه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة!.

ـ كيف أجاز الله لعن يزيد في القرآن؟ :

وحكى جدي أبو الفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل (قال) قلت لأبي : إن قوما ينسبونا إلى توالي يزيد. فقال : يا بني وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟!.

فقلت : فلم لا تلعنه؟. فقال : وما [وفي رواية : متى] رأيتني لعنت شيئا يا بني؟. ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟. فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟. فقال : في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) [محمد : ٢٢ ـ ٢٣] وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين عليه‌السلام. وقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] وأي أذى أشدّ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل الحسين عليه‌السلام الذي هو له ولبنته البتول قرة عين؟!.

٨٨٩ ـ رأي أحمد بن حنبل : (التاريخ الحسيني لمحمود الببلاوي ، ص ١١)

نقل صالح بن أحمد بن حنبل (قال) قلت لأبي : يا أبت أتلعن يزيد؟. فقال : يا بني كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز ؛ في الرعد والقتال والأحزاب؟!. قال تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٢٥) [الرعد : ٢٥] وأي قطيعة أفظع من قطيعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابن بنته الزهراء عليه‌السلام؟!. وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٥٧) [الأحزاب : ٥٧] وأي أذيّة

٧٢٧

له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق قتل ابن بنته الزهراء عليه‌السلام؟!. وقال تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) [محمد : ٢٢ ـ ٢٣] وهل بعد قتل الحسين عليه‌السلام إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام؟!.

٨٩٠ ـ من أخاف أهل المدينة ملعون :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٨ ط ٢ نجف)

قال أحمد بن حنبل في (المسند) : حدثنا أنس بن عياص ، حدثني يزيد بن حفصة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب ابن خلاد ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».

وفي صحيح البخاري : حدثنا حسين بن حريث ، أخبرنا أبو الفضل عن جعيد عن عائشة ، قالت : سمعت سعدا يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يكيد أهل المدينة (أحد) إلا انماع كما ينماع الملح في الماء». أخرجه مسلم أيضا بمعناه ، ومنه : «لا يريد أهل المدينة أحد بسوء ، إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص».

ولا خلاف أن يزيد أخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها في وقعة الحرّة.

٨٩١ ـ رأي أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في لعن يزيد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٣٠١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد ، بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء ، قام جماعة من الجفاة من مجلسه ، فذهبوا. فقال جدي : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٩٥) [هود : ٩٥].

وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم ، أن جماعة سألوا جدي أبا الفرج عن يزيد ، فقالوا : ما تقول في رجل ولّي ثلاث سنين ؛ في السنة الأولى قتل الحسين عليه‌السلام ، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها ، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟. فقالوا : نلعن؟. فقال : فالعنوه.

وقال أبو الفرج في كتابه (الردّ على المتعصب العنيد) : قد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر معشار عشر فعل يزيد.

٧٢٨

٨٩٢ ـ رأي الفاضل الدربندي : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٠)

يقول الفاضل الدربندي عن يزيد : والعجب من جماعة يتوقفون في أمره ، ويتنزّهون عن لعنه!. وقد أجازه كثير من الأئمة ؛ منهم ابن الجوزي ، وناهيك به علما وجلالة.

ثم ذكر محاورة صالح مع أبيه أحمد بن حنبل ، وأدلة جواز لعن يزيد من القرآن. ثم عقوبة من أخاف أهل المدينة ، وأن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم ساق القصة التالية :

ـ مناوشة ظريفة للفاضل الدربندي :

يقول الفاضل الدربندي : إن الأمر الأعجب ، أن جمعا من المتعصبين في هذا الزمان من الفرقة الشافعية ، يستنكفون عن اللعن على يزيد ، بل ينسبون ذلك إلى إمام مذهبهم الشافعي أيضا!. وتعصّب الأكراد الساكنين (بغداد) أزيد من تعصّب غيرهم ، بل إن جمعا منهم يفتون بحلّية دماء الذين يلعنون على يزيد!.

ومن جملة الظرائف الواقعة قبل مدة ... أني كنت نازلا في بغداد ، في دار علامة علماء العامة شهاب الدين سيد محمود الأروسي المفتي. فخرجت يوما من المنزل وحيدا ، فسرت حتى وصلت منزل ملا عبد الرحمن الكردي ، وكان أهل السنة يفضّلونه على المفتي. فلما حضرت عنده جرى بيننا ما حرّك العداوة الأصلية ... قال : أنتم معشر الشيعة لم تلعنون يزيد وأبيه معاوية؟!. فلما سمعت هذا الكلام ، ارتعدت فرائصي واغتظت ورفعت صوتي قائلا : أي مسلم يسأل عن مثل هذه المسألة؟ لعنة الله ولعنة اللاعنين على يزيد وأبيه معاوية. فلما سمع الكردي هذا الكلام مني تغيّر لونه واسودّ وجهه وكاد أن يهلك من شدة الغضب ، وما ظننت إلا أن السموات قد سقطت على رأسه ، أو أنه خسف الله به الأرضين!. فصاح صيحة منكرة واجتمع الناس بها ... ثم قال : فقد جئت بشيء عظيم ، أتلعن خال المؤمنين ، وأنت في دار السلام بغداد ، مجمع أهل السنة؟. فعليك إثبات جواز اللعن عليه ، وإلا فإني أقيم عليك الحدّ والتعزير.

فقلت له : اربع على ظلعك [أي ارفق على نفسك ولا تحمّلها ما لا تطيق] ، سبحان الله كيف أنت تقيم الحدّ والتعزير على أحد ، وأنت ممن وجب في شأنه الحدود والتعزيرات؟!. ثم إن الضروري من الدين لا يحتاج إلى إقامة الدليل ، وقد

٧٢٩

غطّى بصرك وبصيرتك التنصّب والتعصّب ، حيث تعدّ الضروري من قسم النظريات. وعلى كلّ فإن إثبات ذلك بالدليل من أسهل الأمور.

أنسيت قول علامتكم التفتازاني في (شرح المقاصد في تذييل مباحث الإمامة) مع كونه على ما تعرفه من التنصّب والتعصّب؟ فقال : " لا ريب أن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد آذوا عترته بعده ، فليس كل صحابي بمعصوم ، ولا كل من لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخير بموسوم. إلا أنّا كففنا عن الطعن في الأولين لئلا تشقّ العصى على الإسلام والمسلمين. وأما من بعدهم من الظالمين فتشهد بظلمهم الأرض والسماء والحيوانات والجمادات ، فعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين".

فقلت له : أليس هذا مضمون كلامه وخلاصة مراميه في ذلك التذييل؟. فقال : نعم ، ولكن أقول : من العلامة التفتازاني؟ وأين قوله من أن يكون حجة؟ بل أنا أعلم منه. فائتني بأثارة من العلم من الآيات المحكمة والأخبار النبوية. فقلت له : هل تلتزم باللعن على يزيد ومعاوية إذا ذكرت آية صريحة وأخبارا نبوية من طرقكم في ذلك الباب؟. فقال : نعم.

فلما أخذت منه العهد والميثاق على ذلك ، قرأت قوله تعالى في سورة الأحزاب : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) [الأحزاب: ٥٧]. فقال : كيف التقريب في الاستدلال؟.

فقلت له : ألم يرد في الأخبار المتضافرة المتسامعة من طرقكم أنه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، ولحمك لحمي ودمك دمي ، ومن حاربك فقد حاربني وحارب الله. فقال : نعم قد ورد.

ثم قلت له : ألم يرد أيضا في الأخبار المتواترة المتكاثرة من طرقكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : حسين مني وأنا من حسين ، لحمه لحمي ودمه دمي؟. فقال : نعم قد ورد.

ثم قلت له : ألم يرد أيضا في الأخبار المتواترة المتوافرة في طرقكم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : فاطمة بضعة مني ، من أغضبها فقد أغضبني ، ومن آذاها فقد آذاني؟. فقال : نعم قد ورد.

فقلت له : هل التقريب في الاستدلال تام أم لا؟. فطأطأ رأسه طويلا ، فسكت فلعله قد التفت إلى أن الإذعان بذلك كله ، نظرا إلى أنه لا يمكن [إمكانه] ، قد خرّب

٧٣٠

بنيان مذهبه ، وكيف لا؟ فإن الإذعان بذلك يستلزم الإذعان بارتداد الأولين ، ويستلزم وجوب اللعن عليهم ، فضلا عن يزيد ومعاوية.

ثم لما أردت أن أقوم من المجلس ، أحلفني بالله أن أجلس فيه مدة نصف ساعة أيضا. فأمر خادمه بتجديد البن [أي القهوة] والتتن والقليان!.

«انتهى كلام الفاضل الدربندي»

قبر يزيد ومعاوية

٨٩٣ ـ انطماس قبور الظالمين وذكرهم :

من مظاهر عدالة الله ، أن الشهيد يخلّد ذكره حتى في الدنيا ، بينما يمحو ذكر الظالم ، كما يمحو أثره وقبره ... فهذه قبور عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكللها الذهب والعقيان ، بينما قبور ملوك بني أمية فتكللها الأوساخ والأدران ، ويلفّها العدم والنسيان ، فلا يعرف لها محل ولا مكان!. وأوضح شاهد على ذلك قبر يزيد وقبر معاوية في دمشق الشام.

يقول الشيخ محمّد حسين المظفر في كتابه (تاريخ الشيعة) ص ١٣٨ عن التشيّع في دمشق :

وأما اليوم فالشيعة في سورية ودمشق مجاهرة بالتشيع ، ولهم شأن في البلاد رفيع. ولو رأيت اليوم قباب القبور العلوية المشيّدة في دمشق عاصمة بني أمية ، مع اندراس قبور بني أمية ؛ لعرفت كيف يعلو الحق ، وإن اجتهد أعداؤه طول الزمن في طمسه.

قبر يزيد

٨٩٤ ـ قبر يزيد : (الخصائص الحسينية للتستري ، ص ٢٧٠)

قال الشيخ جعفر التستري :

وانظر إلى قبر يزيد في الشام ، من يوم قبر فيه إلى الآن ، كل من يمرّ عليه لا بدّ أن يرجمه بالحجارة ، ويحمل كلّ من يريد المرور عليه الحجارة من بعيد. يفعل ذلك الشيعة والسنّة ، واليهود والنصارى. وقد جرّب أن من لم يضربه بحجر ، لم تقض حاجته. وقد صار [قبره] تلا عظيما من أحجار الرجم.

٧٣١

(أقول) : ولما هلك يزيد في ظروف غامضة ، ولم يجدوا غير فخذه ، قبروه قرب مقبرة باب الصغير بدمشق ، في غرفة ليس لها سقف. وقد كان الناس إلى وقت قريب ـ كما كان يحدّثنا آباؤنا ـ إذا مرّ أحدهم بهذه الغرفة يضرب على ساكنها حجرا ، تعبيرا عن أن يزيد كإبليس يستحق الرجم والطرد من رحمة الله. ثم سكّروا تلك الغرفة وهجروها. فأنشأ أحدهم بجوارها معملا لنفخ الزجاج ، فكان أتون النار ملاصقا لقبر يزيد ، يحرقه في الدنيا قبل أن يحرق في نار جهنم ، جزاء وفاقا (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)!.

وقد سمعت من المرحوم الحاج حسن أبي ياسر الخياط يقول : إن فخذ يزيد هو في غرفة مواجه الدرج الّذي يصعد منه إلى مقبرة الستات. وحين كنا صغارا كنا مثل كل الناس عندما نمرّ من هناك نضرب على الغرفة حجرا. ثم فرّغوا الغرفة من الأحجار وقلبوها إلى معمل لأنوال النسيج.

وعلى مقربة من فخذ يزيد يوجد قبر يظن أهل الشام أنه قبر أبي عبيدة بن الجراح ، ولذلك سمّوا المسجد الذي يقابل قبر يزيد : جامع الجرّاح.

(أقول) : هذا خطأ لأن أبا عبيدة دفن في غور بيسان ، وليس في دمشق.

وفي (خطط دمشق) لصلاح الدين المنجد ، ص ٩٠ :

جامع جرّاح : خارج الباب الصغير ، بمحلة سوق الغنم ، بدرب جرّاح. كان أصله مسجدا للجنائز ، بناه الملك الأشرف موسى ، ثم جدده جرّاح المنيحي.

ـ حرق عظام بني أمية وعظم يزيد : (الكنى والألقاب ، ج ١ ص ٢٣٣)

بعد أن صلب الأمويون زيد بن علي [زين العابدين عليه‌السلام] على جذع شجرة ، وأبقوه مصلوبا خمس سنين عريانا ، جاء الوليد بن يزيد فكتب إلى عامله بالكوفة فأحرق زيدا بخشبته ، وأذرى رماده في الرياح على شاطئ الفرات ؛ صار هذا سببا لأن يفعل العباسيون بهم وبقبورهم مثل ذلك.

حكى المسعودي عن الهيثم بن عدي عن معمّر بن هانئ الطائي ، قال : خرجت مع عبد الله بن علي وهو عم السفاح والمنصور ، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك فاستخرجناه صحيحا ، ما فقدنا منه إلا خرمة أنفه ؛ فضربه عبد الله ثمانين سوطا ، ثم أحرقه. فاستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق ، فلم نجد منه شيئا ، إلا صلبه وأضلاعه ورأسه ، فأحرقناه. وفعلنا ذلك بغيره من بني أمية ، وكانت قبورهم

٧٣٢

بقنّسرين [قرب حلب]. ثم انتهينا إلى دمشق فأخرجنا الوليد بن عبد الملك ، فما وجدنا إلا شؤون رأسه. ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية ، فما وجدنا منه إلا عظما واحدا ، ووجدنا خطا أسود كأنما خطّ بالرماد بالطول في لحده. ثم تتبّعنا قبورهم في جميع البلدان ، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.

قبر معاوية

٨٩٥ ـ قبر معاوية في دمشق :

جاء في (تاريخ ابن عساكر) تحقيق صلاح الدين المنجد ، مج ٢ قسم ١ ص ١٩٨: أما معاوية فيختلف في قبره. فيقال : إن قبره خلف حائط المسجد الجامع ، موضع دراسة السّبع اليوم. والأصح أن قبره خارج باب الصغير. ا ه

وقال صلاح الدين المنجد في (خطط دمشق) ص ١٢٠ :

أصبح من الثابت أن معاوية بن أبي سفيان دفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق. وذلك بعد أن عثر على شاهد يدل على قبر نصر المقدسي ، الّذي تذكر المصادر الموثوقة أنه دفن في جوار قبر معاوية. ويبدو أن موضع هذا القبر كان مثار جدل في الأعصر الخالية. فقالوا : إنه في بيت في قبلة الجامع الأموي.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) : إنه دفن بين باب الجابية وباب الصغير.

٨٩٦ ـ قبر معاوية في النقّاشات :

(تاريخ ابن عساكر ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، ج ٢ قسم ١ ص ٢٦١)

قال ابن عساكر : توفي معاوية بدمشق في رجب سنة ٦٠ ه‍ وله ثمانون سنة.

ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير ، وقيل بل في الدار المعروفة بدمشق (بالخضراء) إلى هذا الوقت ، في قبلة المسجد الجامع ، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل ، ومن ولي الأمر بعده من بني أمية. وإن الّذي في مقبرة باب الصغير هو قبر معاوية بن يزيد بن معاوية.

وجاء في (نزهة الأنام في محاسن الشام) لأبي البقاء البدري ، ص ٢٧٦ :

ونقل عن الحافظ ابن طولون في (بهجة الأنام) أن قبر معاوية الكبير في الحائط القبلي من جامع دمشق ، في قصر الإمارة الخضراء ، وهو الّذي تسميه العامة (قبر

٧٣٣

هود). أما الّذي في الباب الصغير فهو قبر أبي ليلى معاوية الثاني ابن يزيد ، الّذي تولى الحكم نحو أربعين يوما ، وكان منه عفّة ودين.

٨٩٧ ـ قبر معاوية الثاني في الباب الصغير :

(كتاب الزيارات بدمشق للقاضي العدوي ، ص ١٢)

قال القاضي محمود العدوي : ثم دفن معاوية [الثاني] ، فقيل بدار الإمارة ، وهي الخضراء ، وقيل بمقبرة باب الصغير ، وعليه الجمهور.

وقال ابن كثير أيضا في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ٢٣٧ في وفاة معاوية ابن ابنه : دفن بباب الصغير عند آبائه ، وحزن الناس عليه كثيرا لعقله وعفته ودينه وزهده. والظاهر أن القبر الّذي بباب الصغير يقال له قبر معاوية بن يزيد بن معاوية هذا ، وليس بقبر معاوية بن أبي سفيان. ويقال : إن معاوية بن أبي سفيان مدفون في حائط جامع دمشق ، خوفا عليه من الخوارج.

٨٩٨ ـ وصف قبر معاوية بن أبي سفيان في النقّاشات :

(الآثار الإسلامية لكارل ولتسنغر ، ص ١٤٨)

يذكر عبد الغني كما يورده (كريمر) : أن قبر معاوية يقع في الجامع الأموي

[حارة النقاشات] ضمن تربة مربعة ، مشيّدة بالحجارة الصقيلة ، وتعلوها رقبة مثمّنة ، تخترق كل ضلع من أضلاعها نافذتان متباعدتان. تقوم فوق الرقبة آجرية نصف كروية ومطلية بطبقة من الجص.

من الداخل : إن الجدران مشيّدة بالحجارة الصقيلة ، لكنها خالية من الطينة حاليا. تقوم في الزوايا دعامات تحمل أقواسا جدارية ، ويجري الانتقال من القبة بواسطة مثلثات زوايا. تظهر في الزاوية الشمالية علائم مقرنصات ذات مساحات كبيرة ، كما أنها دقيقة ومتطورة.

وبما أننا لم نعثر على كتابة تأسيسية ، فإنني أريد أن أؤرّخ البناء بعد سنة ١٣٢٠ م.

(أقول) : من المشهور في دمشق أن معاوية بن أبي سفيان حين توفي ، دفن في حديقة قصره (الخضراء) ، وهو المعروف اليوم بحي النقاشات ، أو زقاق الخضراء ، الواقع في جنوب شرق المسجد الأموي. وهذا القبر موجود ضمن بيت ينزل إليه بدرج ، وقد تراكمت عليه الأوساخ والقاذورات ، مصحوبة بالروائح الكريهة ،

٧٣٤

وبجيوش الذباب. أما القبة المضروبة عليه فقد تشققت حتى كادت أن تخرّ وتسجد ، كما وصفها الشاعر محمّد المجذوب (١) من طرطوس في قصيدته التالية ، التي وصف فيها قبر معاوية وصفا حيا كما رآه حين زاره.

٨٩٩ ـ زيارة الشاعر محمّد المجذوب لقبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم لقبر معاوية :

ذهب الشاعر الطرطوسي محمّد المجذوب خريج الأزهر ، إلى النجف الأشرف ، وزار هناك مرقد مولانا الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فوجد الذهب الإبريز يسجد على أعتابه .. وعند ما عاد إلى دمشق مرّ بخربة فيها قبر ، فسأل عنها؟. فقالوا : إنها قبر معاوية!.

فأنشد في ذلك الموقف الأبيات التالية ، مخاطبا بها (أبا يزيد) :

أين القصور أبا يزيد ولهوها

والصّافنات وزهوها والسّؤدد

أين الدّهاء نحرت عزّته على

أعتاب دنيا سحرها لا ينفد

آثرت فانها على الحقّ الذي

هو لو علمت على الزّمان مخلد

تلك البهارج قد مضت لسبيلها

وبقيت وحدك عبرة تتجدد

هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه

لأسال مدمعك المصير الأسود

كتل من التّرب المهين بخربة

سكر الذّباب بها فراح يعربد

خفيت معالمها على زوّارها

فكأنها في مجهل لا يقصد

ومشى بها ركب البلى فجدارها

عان يكاد من الضّراعة يسجد

والقبّة الشّماء نكّس طرفها

فبكلّ جزء للفناء بها يد

تهمي السحائب من خلال شقوقها

والريح في جنباتها تتردّد

وكذا المصلّي مظلم فكأنه

مذ كان لم يجتز به متعبد

__________________

(١) محمّد المجذوب : أديب وقاصّ وشاعر سوري مرموق ، ولد في طرطوس عام ١٩٠٧ م وتوفي عام ٢٠٠٠ م عن عمر يناهز ٩٣ عاما. من كتبه الكثيرة : فضائح المبشرين ـ دروس من الوحي ـ مشكلات الجيل في ضوء الدين ـ همسات قلب (شعر) ـ نار ونور (شعر) ١٩٤٧. من تراث الأبوة (مسرحيات تاريخية) اللاذقية ١٩٣٥ ـ الكواكب الأحد عشر (قصة طويلة) بيروت ١٩٥٤. (مجلة الموسم ـ العدد ٧ ص ٨٧٣).

٧٣٥

أأبا يزيد لتلك حكمة خالق

تجلى على قلب الحكين فيرشد

أرأيت عاقبة الجموح ونزوة

أودى بلبّك غيّها المترصّد

أغرتك بالدنيا فرحت تشنّها

حربا على الحقّ الصّراح وتوقد

تعدو بها ظلما على من حبّه

دين ، وبغضته شقاء سرمد

علم الهدى وإمام كلّ مطهّر

ومثابة العلم الذي لا يجحد

ورثت شمائلهپ براءة أحمد

فيكاد من برديه يشرق أحمد

وغلوت حتى قد جعلت زمامها

إرثا لكلّ مذمّم لا يحمد

هتك المحارم واستباح خدورها

ومضى بغير هواه لا يقيّد

فأعادها بعد الهدى عصبيّة

جهلاء تلتهم النّفوس وتفسد

فكأنما الإسلام سلعة تاجر

وكأنّ أمّته لآلك أعبد

* * *

فاسأل مرابض كربلاء ويثرب

عن تلكم النّار التي لا تخمد

أرسلت مارجها فماج بحرّه

أمس الجدود ولن يجنبها غد

عبثا يعالج ذو الصّلاح فسادها

ويطيبّ معضلها الحكيم المرشد

أين الّذي يسلو مواجع أحمد

وجراح فاطمة التي لا تضمد

والزّاكيات من الدّماء يريقها

باغ على حرم النّبوة مفسد

والطّاهرات فديتهنّ حواسرا

تنثال من عبراتهنّ الأكبد

والطّيبين من الصّغار كأنهم

بيض الزّنابق ذيد عنها المورد

تشكو الظّماء لظالمين أصمّهم

حقد أناخ على الجوانح موقد

والذائدين تبعثرت أشلاؤهم

بددا ، فثمّة معصم وهنا يد

تطأ السّنابك بالطّغاة أديمها

مثل الكتاب مشى عليه الملحد

فعلى الرّمال من الأباة مضرّج

وعلى النّياق من الهداة مصفّد

وعلى الرّماح بقيّة من عابد

كالشّمس ضاء به الصّفا والمسجد

فلطالما حنّ الدّجى لحنينه

وحنا على زفراته المتهجّد

إن يجهل الأثماء موضع قدره

فلقد داره الرّاكعون السّجّد

٧٣٦

تلك الفواجع ما تزال طيوفها

في كلّ جارحة تحسّ وتشهد

ما كان ضرّك لو كففت شواظها

فسلكت نهج الحقّ وهو معبّد

ولزمت ظلّ أبي تراب وهو من

في ظلّه يرجى السّداد وينشد

ولو أن فعلت لصنت شرعة أحمد

وحميت مجدا قد بناه محمّد

ولعاد دين الله يغمر نوره الدّ

نيا ، فلا عبد ولا مستعبد

* * *

أأبا يزيد وساء ذلك عترة

ماذا أقول وباب سمعك موصد

قم وارمق النّجف الشريف بنظرة

يرتدّ طرفك وهو باك أرمد

تلك العظام أعزّ ربّك قدرها

فتكاد لو لا خوف ربّك تعبد

أبدا تباكرها الوفود ، يحثّها

من كلّ حدب شوقها المتوقّد

نازتتها الدنيا ففزت بوردها

ثمّ انقضى كالحلم ذاك المورد

وسعت إلى الأخرى فأصبح ذكرها

في الخالدين ، وعطف ربّك أخلد

* * *

أأبا يزيد لتلك آهة موجع

أفضى إليك بها فؤاد مقصد

أنا لست بالقالي ولا أنا شامت

قلب الكريم عن الشّماتة أبعد

هي مهجة حرّى أذاب شغافها

حزن على الإسلام لم يك يهمد

ذكّرتها الماضي فهاج دفينها

شمل لشعب المصطفى متبدّد

فبعثته عتبا وإن يك قاسيا

هو في ضلوعي زفرة تتردّد

لم أستطع جلدا على غلوائها

أيّ القلوب على اللّظى تتجلّد؟

* * *

لكن هذا الشاعر تجاهل فيما بعد هذه القصيدة ، فلم ينشرها في ديوانه (نار ونور) المطبوع عام ١٩٤٧ ، ولا في ديوانه الثاني (همسات قلب) المطبوع عام ١٩٧٠ ، فكأنه ندم على قولها ، مع أنها أصدق قصيدة قالها.

٧٣٧

مظاهر العدل الإلهي

٩٠٠ ـ العدل الإلهي في مصير الحسين عليه‌السلام ومصير أعدائه :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٣٣ و ١٣٤)

قال السيد علي جلال الحسيني المصري في كتابه (الحسين) :

ومن آثار العدل الإلهي ، قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء ، كما قتل الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ، كما بعث برأس الحسين عليه‌السلام إلى ابن زياد.

وهل أمهل يزيد بن معاوية بعد الحسين عليه‌السلام إلا ثلاث سنين أو أقل؟!. وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين عليه‌السلام اقتصّ الله تعالى منه ، فقتل أو نكب!. وأي عبرة لأولي الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين عليه‌السلام حرما معظّما ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة؟!.

ـ العناية الإلهية بأهل البيت عليه‌السلام :

وتأمّل عناية الله بالبيت النبوي الكريم ؛ يقتل أبناء الحسين عليه‌السلام ولا يترك منهم إلا صبي مريض ، أشفى على الهلاك ؛ فيبارك الله في أولاده ، فيكثر عددهم ويعظم شأنهم. والذين قتلوا مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه.

ـ شتان بين الذهب والرغام! :

ثم يقول : وشتان ما السبط الزكي ، والظالم السكّير ، يزيد القرود والطنابير. وهل يستوي الفاسق الجائر ، والعادل الإمام ، وأين الذهب من الرغام. لكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمرا فلا مردّ له. واقتضت أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسين عليه‌السلام على مرّ الدهور ، كلما أرهق الناس الظلم ، تذكّره من ندب نفسه لخدمة الأمة ، فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة لها.

٩٠١ ـ العاقبة للمتقين : (المصدر السابق)

قال تعالى جلّ من قائل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا

٧٣٨

فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) [القصص : ٨٣]. وكثير من الناس يغرّهم العلوّ في الأرض والتمكن فيها ، فيظنون أن ذلك ميزة لهم على غيرهم ، غير ناظرين إلى أن هذه الدنيا ليست دار الجزاء ، إنما هي دار الامتحان والبلاء ، وأن العاقبة ليست فيها ، إنما هي في دار البقاء .. فالحسين عليه‌السلام حين استشهد ، استبدل دار الشقاء وهي الدنيا ، بدار البقاء وهي الآخرة. فانتقل إلى دار الجنان ، يعيش فيها خالدا ، مصداقا لقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠].

أما الذين ظنوا أنهم انتصروا على الحسين عليه‌السلام ، فقد عاشوا حياة الشقاء في الدنيا ، وسوف يخلّدون في نار جهنم ، والله لهم بالمرصاد.

العبرة في المصير

٩٠٢ ـ الحسين عليه‌السلام إمام الشاهدين :

(الحسين بن علي عليه‌السلام إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٩)

الإمام الحسين عليه‌السلام كان يدرك بالمنطق الرياضي إدراكا شموليا ، أنه مفارق جسده وعيشه ... لم يقل عليه‌السلام : إلهي إلهي لماذا تركتني؟ بل صاح : إلهي أنا قادم إليك. وكأنه يرى دمه ، ودماء رفاقه الشهداء أمام بصره ، رياضا طفحت وردا وبيلسانا وشقائق نعمان.

ـ العبرة في المصير ، والخلود للحسين عليه‌السلام :

آثر معاوية مقعده وبطنه.

وعمل يزيد لشهوة جسده.

ونال المغيرة لقيمة.

وعمرو بن العاص جريعة.

ومات ابن زياد ، وابن ذي الجوشن ، وابن سعد ، في الموت منذ أن ولدوا ؛ وبقي الحسين بن علي عليه‌السلام يذكر حيا ، نضرا ، فوّاحا ، كلما ذكر محمّد وآل محمّد ورسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في كل صلاة وفي كل تسليم.

٧٣٩

٩٠٣ ـ خفقة النشيد الأخيرة : (المصدر السابق ، ص ١٣١)

منذ ثلاثة عشر قرنا ، والكلام على الحسين عليه‌السلام : أخضر ، أزهر ، فوّاح ، معطار ، يفرح ويبكي ، ويمجّد ويرفع. ثم لا ينتهي بانطواء جيل ، وولادة آخر.

ومنذ ذلك الزمن ، وقلّ أن يذكر الذاكرون يزيد ، وابن زياد ، وابن سعد ، وابن ذي الجوشن ، إلا كما يذكر أحدنا : الحرباء والعقرب والخنزير. بينما يتردد اسم البلبل والروضة والجدول ، تردد النسيم والشعاع والماء ، في العيون والمعاطس ، والأفواه والقلوب. ذلك بيّن الخطوط والألوان.

فالحسين عليه‌السلام دخل في تراث الانسانية ، واحدا من بناة شمائلها ، وعمارة حضارتها. وغلّب جانب الخير والحق والجمال ، على جانب الشر والباطل والضلال ، فأصبح كوكبا في كل سماء من أرض البشر ، يجري اسمه على الأقلام ، مجرى نشيد الانتصار على الحناجر والأوتار.

يبقى أمر مهمّ إضافة لما قدّمنا ، هو أمر البطل يكون شاهدا وشهيدا ، عندما يقدم بشجاعة قلّ نظيرها ، لدى القادة الأبطال المقدمين.

فصحيح أن سقراط مات ، واختار قدح السمّ ، وشربه بشوق. لكنه مضى وحده!.

وصحيح أن المسيح عليه‌السلام صلب على مذهب النصارى ، لكنه توجّع وتوسّل وصاح : إلهي إلهي لماذا تركتني؟!. ورفعه الله إليه. ثم مضى وحده!.

الإسكندر : حمّ ومات!. هنيبال : هرب وتاه وضاع!.

نابليون : انطفأ في الأسر!. هتلر : انتحر!.

موسيليني : جرّ كما تجرّ الهرّة!.

وخالد بن الوليد : كره الموت على الفراش!.

وهؤلاء جميعا كانوا قادة ، على اختلاف وتباين في المعتقد والمنهج والفضيلة ، لكن واحدا منهم لم يرسم وهو على شفير النهاية ، بعينيه وقلبه وجسده المفجع ، والخارق والمذهل ، كما رسم الحسين عليه‌السلام ومعه أفلاذ أسرته كلهم ، وأحباء قلبه

٧٤٠