الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
التختم في اليمين ، ولما كان ذلك شعار أهل البدعة والظلمة ، صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا.
(راجع ما أورده العلامة الأميني في الغدير ، ج ١٠ ص ٢١١)
٦٧٢ ـ صلاة إحدى وخمسين : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٥)
ويقصد بها الصلوات المشرعة في كل يوم : الفرائض والنوافل. فالفرائض ١٧ ركعة ، والنوافل في المذهب الجعفري : ركعتان قبل صلاة الصبح ، وثمان ركعات قبل صلاة الظهر ، وثمان قبل صلاة العصر ، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب ، وركعتان من جلوس بعد صلاة العشاء تحسبان بركعة. فمجموع هذه النوافل ٢٣ ركعة ، يضاف إليها ١١ ركعة صلاة الليل ، فيكون مجموع النوافل اليومية ٣٤ ركعة. وبإضافتها إلى الفرائض يصبح المجموع ٥١ ركعة. وهذا مما اختص به الإمامية ، فإن أهل السنة وإن وافقوهم على عدد الفرائض ، إلا أنهم خالفوهم في عدد النوافل.
٦٧٣ ـ الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم):
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٧)
الثالث مما ذكر الحديث : (الجهر بالبسملة). وإن الإمامية تديّنوا إلى الله تعالى به ؛ وجوبا في الصلاة الجهرية ، واستحبابا في الصلاة الإخفاتية ، تمسّكا بأحاديث أئمتهم عليهالسلام. وفي ذلك يقول الفخر الرازي : ذهبت الشيعة إلى أن من السنّة الجهر بالتسمية في الصلاة الجهرية والإخفاتية ، وجمهور الفقهاء يخالفونهم. وقد ثبت بالتواتر أن علي بن أبي طالب عليهالسلام كان يجهر بالتسمية ، ومن اقتدى في دينه (بعلي) فقد اهتدى ، والدليل عليه قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«اللهم أدر الحقّ معه كيفما دار» (١).
وكلمة الرازي هذه لم يهضمها أبو الثناء الآلوسي ، فتعقبها بقوله : لو عمل أحد بجميع ما يزعمون تواتره عن الأمير كفر ، فليس إلا الإيمان ببعض والكفر ببعض. وما ذكره من أن من اقتدى في دينه (بعلي) فقد اهتدى مسلّم ، لكن إن سلم لنا خبر ما كان عليه علي عليهالسلام ودونه مهامه فيح (٢).
__________________
(١) مفاتيح الغيب ، ج ١ ص ١٠٧.
(٢) روح المعاني للآلوسي ، ج ١ ص ٤٧.
٦٧٤ ـ تعفير الجبين : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٩)
الرابع مما ذكره الحديث : (تعفير الجبين) ، والتعفير في اللغة : هو وضع الشيء على العفر ، وهو التراب. والمقصود بالجبين هنا : الجبهة. فيكون المعنى : أن الشيعة التزمت بالسجود على الأرض والتراب دون المأكول والملبوس.
أو إن المعنى استحباب تعفير الجبين بعد الصلاة في سجدة الشكر ، كما ذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، اقتداء بما كان يفعله الإمام علي عليهالسلام بعد كل صلاة من تعفير جبهته وجبينه بالتراب ، تذللا وخضوعا لله تعالى ، حتى سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أبا تراب.
وقد ورد تعفير الخدين في سجدة الشكر ، وبه استحق موسى عليهالسلام الزلفى من المناجاة.
أما السنّة فقد كره بعضهم سجدة الشكر بعد الصلاة ، فضلا عن تعفير الجبين!.
٦٧٥ ـ زيارة الأربعين : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٣ و ٤٨٠)
المقصود من هذه الشعيرة ، تلك العادة المطّردة التي اتخذها الموالون لأهل البيت عليهالسلام في زيارة قبر الحسين عليهالسلام كل عام في يوم الأربعين (وهو العشرون من صفر) لإقامة العزاء عليه. فمن علامة الإيمان والولاء للدين ولسيد شباب أهل الجنة عليهالسلام المثول في يوم الأربعين من شهادة الحسين عليهالسلام عند قبره الأطهر لإقامة المأتم عليه ، وتجديد العهد بما جرى عليه وعلى صحبه وأهل بيته من الفوادح.
يقول مولانا الأجل العلامة المجتهد السيد علي مكي حفظه الله : لماذا كانت زيارة الأربعين علامة المؤمن؟. نلاحظ أن هناك زيارات كثيرة للحسين عليهالسلام في أوقات مختلفة [مثل : يوم عاشوراء ـ يوم عيد الأضحى ـ يوم عرفة ـ النصف من شعبان ـ النصف من رجب ـ كل ليلة جمعة] يزار بها الحسين عليهالسلام خاصة ؛ فلماذا التأكيد على زيارة الحسينعليهالسلام.
السبب في ذلك أن الحسين عليهالسلام وهب نفسه لله ، فأصبح عنوانا للدين ، وزيارته هي لإحياء شعائر الدين. هذه الزيارات تذكّرنا بيوم الطف ، وبمظلومية أهل البيت عليهالسلام ، وأن الحسين عليهالسلام أنقذ الدين من الجاهلية. تعلّمنا أن ننصر الحق دائما ، ونردع أنفسنا عن المعاصي ، كما أنها مناسبة حيّة ليتدارس المؤمنون فيها أوضاعهم.
لهذا ذكر صاحب (الجواهر) : أن زيارة الحسين عليهالسلام تكاد تكون من ضروريات الدين ، لأن هذه الزيارة سبب لاستمراريتنا في الإلتزام بأحكام الدين.
وهنا يطرح سؤال أساسي : لماذا كانت زيارة الحسين عليهالسلام يوم الأربعين
من شهادته عليهالسلام ، وليس قبل ذلك اليوم أو بعده؟. فما هي خاصة يوم الأربعين ، الّذي اتّخذ فيما بعد عادة بالنسبة لكل الموتى؟.
(أقول) : لقد ورد في الحديث : أنه إذا مات المؤمن ، يبكي عليه كل شيء والملائكة أربعين يوما. وبالطبع يكون بكاؤهم عليه وترحمهم في آخر يوم منها أشدّ ما يمكن ، وهو يوم الأربعين ، فتكون إقامة مراسم الحزن والعزاء على المؤمن يوم الأربعين ، مشاركة منا للملائكة والملأ الأعلى في حزنهم وأساهم وترحمهم عليه.
خبر الرباب زوجة الحسين عليهالسلام
٦٧٦ ـ وفاء الرباب لزوجها الحسين عليهالسلام :
الرباب هي بنت امرئ القيس الكلبي ، وقد ذكرنا شيئا عن إخلاصها سابقا ، كما ذكرنا كيف أنه لما وضع رأس الحسين عليهالسلام في مجلس عبيد الله بن زياد ، لم تتمالك نفسها أن هجمت على الرأس وحملته واحتضنته وأخذت تقبّله وتنعيه. ومن معالم إخلاصها هنا أن السبايا لما انصرفن من كربلاء إلى المدينة ، أبت هذه الحرة الذهاب معهم ، بل آثرت أن تظل عند قبر زوجها الحسين عليهالسلام هائمة تبكي عليه وترثيه ، حتى مضت عليها سنة كاملة ، وأبت أن تستظل بظل ، فضربت بذلك لذوات الحجال ، مثالا رائعا من الوفاء والإخلاص أي مثال.
٦٧٧ ـ محبة الحسين عليهالسلام للرباب وإخلاصها له :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)
قال سبط ابن الجوزي في تذكرته : وكان في السبايا الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبي ، زوجة الحسين عليهالسلام ، وهي أم سكينة بنت الحسين عليهالسلام. وكان الحسين عليهالسلام يحبها حبا شديدا ، وله فيها أشعار منها :
لعمرك إنني لأحبّ دارا |
|
تحلّ بها سكينة والرباب |
أحبّهما وأبذل فوق جهدي |
|
وليس لعاذل عندي عتاب |
وليس لهم وإن عتبوا مطيعا |
|
حياتي أو يغيّبني التراب |
٦٧٨ ـ إقامة الرباب العزاء على الحسين عليهالسلام سنة كاملة :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٨)
وفي (كامل التواريخ) : إن الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين عليهالسلام أقامت على قبر الحسين عليهالسلام سنة كاملة ، ثم عادت إلى المدينة. وخطبها الأشراف فقالت : لا والله ما كنت لأتّخذ حموا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولم تزل تبكي بعد الحسين عليهالسلام ليلها ونهارها ، وبقيت لم يظلها سقف ، وتجلس في حرارة الشمس ، حتى ماتت كمدا ، رضوان الله عليها.
وكانت ترثي الحسين عليهالسلام ، ولها هذه الأبيات :
إن الّذي كان نورا يستضاء به |
|
بكربلاء قتيل غير مدفون |
سبط النبي جزاك الله صالحة |
|
عنا وجنّبت خسران الموازين |
قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به |
|
وكنت تصحبنا بالرّحم والدين |
من لليتامى ومن للسائلين ومن |
|
يعني ويأوي إليه كلّ مسكين |
والله لا أبتغي صهرا بصهركم |
|
حتى أغيّب بين الرمل والطين |
ترجمة الرباب زوجة الحسين عليهالسلام
(الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ، ج ٨ ص ١٥٨)
الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبية : كانت من خيار النساء وأفضلهن. وفي (نسمة السحر) : كانت من خيار النساء جمالا
وأدبا وعقلا. أسلم أبوها في خلافة عمر بن الخطاب ، وكان نصرانيا من عرب الشام ، ثم ولاه عمر على من أسلم بالشام من قضاعة.
وخطب منه علي بن أبي طالب عليهالسلام ابنته الرباب لابنه الحسين عليهالسلام ، فولدت له سكينة عقيلة قريش ، وعبد الله بن الحسين عليهالسلام ، قتل يوم الطف وأمه تنظر إليه. وقد بقيت الرباب سنة بعد شهادة الحسين عليهالسلام لم يظلها سقف بيت حزنا على الحسين عليهالسلام حتى بليت وماتت كمدا عليه ، وذلك بعد شهادة الحسين عليهالسلام بسنة ، ودفنت بالمدينة.
رجوع السبايا إلى المدينة المنوّرة
٦٧٩ ـ ارتحال آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من كربلاء إلى المدينة :
(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٨٣)
ثم انفصل [السبايا] من كربلاء طالبين المدينة.
قال بشير بن جذلم : فلما قربنا منها ، نزل علي بن الحسين عليهالسلام فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه.
وقال زين العابدين عليهالسلام : يا بشير رحم الله أباك ، لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه؟. قال : بلى يابن رسول الله إني شاعر. فقال عليهالسلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله عليهالسلام.
٦٨٠ ـ بشير بن جذلم يدخل المدينة وينعى الحسين عليهالسلام :
(المصدر نفسه)
قال بشير : فركبت فرسي وركضت ، حتى دخلت المدينة. فلما بلغت مسجد النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها |
|
قتل الحسين فأدمعي مدرار |
الجسم منه بكربلاء مضرّج |
|
والرأس منه على القناة يدار |
(قال) ثم قلت : هذا علي بن الحسين عليهالسلام مع عماته وأخواته ، قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.
قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلا برزن من خدورهن ، مكشوفة شعورهن ، مخمشة وجوههن ، ضاربات خدودهن ، يدعون بالويل والثبور. فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمرّ
على المسلمين منه.
٦٨١ ـ جارية تنوح على الحسين عليهالسلام : (المصدر نفسه)
قال بشير : وسمعت جارية تنوح على الحسين عليهالسلام فتقول :
نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا |
|
وأمرضني ناع نعاه فأفجعا |
فعينيّ جودا بالدموع واسكبا |
|
وجودا بدمع بعد دمعكما معا |
على من دهيعرش الجليل فزعزعا |
|
فأصبح هذا المجد والدين أجدعا |
على ابن نبي الله وابن وصيه |
|
وإن كان عنا شاحط الدار أشثعا |
ثم قالت : أيها الناعي ، جدّدت حزننا بأبي عبد الله عليهالسلام ، وخدشت منا قروحا لمّا تندمل. فمن أنت رحمك الله؟.
فقلت : أنا بشير بن جذلم ، وجّهني مولاي علي بن الحسين عليهالسلام ، وهو نازل في موضع كذا وكذا ، مع عيال أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ونسائه.
قال بشير : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع. فنزلت عن فرسي ، وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط [أي خيمة زين العابدين عليهالسلام].
خطبة زين العابدين عليهالسلام في أهل المدينة
وكان علي بن الحسين عليهالسلام داخلا (الفسطاط) فخرج ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك عن العبرة. وارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، وحنين النسوان والجواري ، والناس يعزّونه من كل ناحية. فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.
٦٨٢ ـ خطبة الإمام زين العابدين عليهالسلام في أهل المدينة :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٨٦)
فأومأ [الإمام زين العابدين عليهالسلام] إلى الناس أن اسكتوا ، فلما سكنت فورتهم قالعليهالسلام :
الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدّين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الّذي بعد فارتفع في السموات العلى ، وقرب فشهد النجوى. نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع (١) ، وجليل الرّزء ، وعظيم المصائب ، الفاظعة الكاظّة ، الفادحة الجائحة (٢).
أيها القوم ، إن الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله الحسين عليهالسلام وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان (٣). وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.
__________________
(١) اللواذع : المصائب المحرقة الموجعة.
(٢) الجائحة : الشدة التي تستأصل المال وغيره.
(٣) السّنان : هو رأس الرمح ، وعامل السنان : ما يلي السنان.
أيها الناس ، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟!. أم أي فؤاد لا يحزن من أجله؟. أم أية عين منكم تحبس دمعها ، وتضنّ عن انهمالها؟. فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسموات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقرّبون ، وأهل السموات أجمعون.
أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله؟!. أم أي فؤاد لا يحنّ إليه؟. أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصمّ؟.
أيها الناس ، أصبحنا مشردين مطرودين ، مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلا اختلاق. والله لو أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تفدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا ، لما زادوا على ما فعلوا بنا. فإنا لله وإنا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظّها وأفظّها وأمرّها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنه عزيز ذو انتقام.
قال الراوي : فقام إليه صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي ، وكان زمنا ، فاعتذر إليه بما عنده من زمانة رجليه (١). فأجابه عليهالسلام بقول عذره وحسّن الظن فيه ، وشكر له وترحّم على أبيه.
دخول المدينة
٦٨٣ ـ حال المدينة عند دخول الإمام زين العابدين عليهالسلام :
(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٤١٠)
في (الدمعة الساكبة) و (المعدن) وغيرهما ، عن بعض المقاتل : لما دخل زين العابدين عليهالسلام المدينة ، بعدما رجعوا من كربلاء ، ومعه عماته وأخواته ، كان اليوم يوم الجمعة ، والخاطب يخطب.
فلما سمعن الهاشميات ، تجددت عليهن الأحزان والمصائب ، وارتفعت بالبكاء
__________________
(١) الزّمانة : مرض دائم مزمن.
أصواتهن ، وشققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، ونشرن الشعور. فانقلبت المدينة بأهلها ، وحلّ فيها الرجف والزلازل ، لكثرة النوح والعويل ، من المهاجرين والأنصار. ولقد كان ذلك اليوم أشدّ من يوم مات فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكان الوليد بن عتبة والي المدينة على المنبر ، فسمع الصياح ، فقال :
ما الخبر؟. قيل له : هذا صياح الهاشميات. وجرت دموعه على خديه ، ونزل عن المنبر ودخل منزله.
٦٨٤ ـ نعي أم كلثوم عليهالسلام :
(وسيلة الدارين ، ص ٤٠٩ ؛ والمنتخب للطريحي ، ص ٤٩٩ ط ٢)
وأما أم كلثوم [بنت الإمام علي عليهالسلام] ، فحين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول :
مدينة جدّنا لا تقبلينا |
|
فبالحسرات والأحزان جينا |
ألا فاخبر رسول الله عنا |
|
بأنا قد فجعنا في أخينا |
وأن رجالنا في الطف صرعى |
|
بلا روس وقد ذبحوا البنينا |
وأخبر جدّنا أنا أسرنا |
|
وبعد الأسر يا جدّ سبينا |
ورهطك يا رسول الله أضحوا |
|
عرايا بالطفوف مسلّبينا |
وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا |
|
جنابك يا رسول الله فينا |
فلو نظرت عيونك للأسارى |
|
على قتب الجمال محمّلينا |
رسول الله بعد الصونصارت |
|
عيون الناس ناظرة إلينا |
وكنت تحوطنا حتى تولّت |
|
عيونك ثارت الأعدا علينا |
أفاطم لو نظرت إلى السبايا |
|
بناتك في البلاد مشتّتينا |
أفاطم لو نظرت إلى الحيارى |
|
ولو أبصرت زين العابدينا |
أفاطم لو رأيتينا سهارى |
|
ومن سهر الليالي قد عمينا |
أفاطم ما لقيت من عداك |
|
ولا قيراط مما قد لقينا |
فلو دامت حياتك لم تزالي |
|
إلى يوم القيامة تندبينا |
وعرّج بالبقيع وقف وناد |
|
أأين حبيب ربّ العالمينا |
وقل يا عمّ يا الحسن المزكّى |
|
عيال أخيك أضحوا ضائعينا |
أيا عماه إن أخاك أضحى |
|
بعيدا عنك بالرمضا رهينا |
بلا رأس تنوح عليه جهرا |
|
طيور والوحوش الموحشينا |
ولو عاينت يا مولاي ساقوا |
|
حريما لا يجدن لهم معينا |
على متن النياق بلا وطاء |
|
وشاهدت العيال مكشّفينا |
* * *
مدينة جدّنا لا تقبلينا |
|
فبالحسرات والأحزان جينا |
خرجنا منك بالأهلين طرّا |
|
رجعنا لا رجال ولا بنينا |
وكنا في الخروج بجمع شمل |
|
رجعنا حاسرين مسلّبينا |
وكنا في أمان الله جهرا |
|
رجعنا بالقطيعة خائفينا |
ومولانا الحسين لنا أنيس |
|
رجعنا والحسين به رهينا |
ونحن السائرات على المطايا |
|
نشال على جمال المبغضينا |
ونحن بنات حيدرة وطه |
|
ونحن الباكيات على أبينا |
ونحن الطاهرات بلا خفاء |
|
ونحن المخلصون المصطفونا |
ونحن الصابرات على البلايا |
|
ونحن الصادقون الناصحونا |
ألا يا جدنا قتلوا حسينا |
|
ولم يرعوا جناب الله فينا |
ألا يا جدنا بلغت عدانا |
|
مناها واشتفى الأعداء فينا |
لقد هتكوا النساء وحمّلوها |
|
على الأقتاب قهرا أجمعينا |
وزينب أخرجوها من خباها |
|
وفاطم واله تبدي الأنينا |
سكينة تشتكي من حرّ وجد |
|
تنادي الغوث ربّ العالمينا |
وزين العابدين بقيد ذلّ |
|
وراموا قتله أهل الخؤونا |
فبعدهم على الدنيا تراب |
|
فكأس الموت فيها قد سقينا |
وهذي قصتي مع شرح حالي |
|
ألا يا سامعون ابكوا علينا |
٦٨٥ ـ حال زينب العقيلة عليهالسلام : (وسيلة الدارين ، ص ٤١٠)
في (البحار) : وأما فخر المخدرات زينب عليهالسلام ، فلما دخلت المدينة ، ووقع طرفها على قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صرخت وبكت وأخذت بعضادتي باب المسجد ، ونادت : يا جداه ، إني ناعية إليك أخي الحسين عليهالسلام. وهي مع ذلك لا تجفّ لها عبرة ، ولا تفتر من البكاء والنحيب. وكلما نظرت إلى علي ابن الحسين عليهالسلام تجدد حزنها وزاد وجدها.
٦٨٦ ـ منازل المدينة تنعى أهلها :
(اللهوف لابن طاووس ، ص ٨٥)
قال السيد في (اللهوف) : ثم إن علي بن الحسين عليهالسلام دخل إلى المدينة بأهله وعياله ، ونظر إلى منازل قومه ورجاله ، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها ، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها ، لفقد حماتها ورجالها ، وتندب عليهم ندب الثواكل ، وتسأل عنهم أهل المناهل ، وتهيّج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم وا ثكلاه ، وتقول : يا قومي اعذروني على النياحة والعويل ، وساعدوني على المصاب الجليل ... فلو كنتم هناك لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة ، وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة.
ولقد أحسن [ابن قتّة] وقد بكى على تلك المنازل حيث قال :
مررت على أبيات آل محمّد |
|
فلم أر أمثالا لها يوم حلّت |
فلا يبعد الله الديار وأهلها |
|
وإن أصبحت عنهم برغم تخلّت |
وإن قتيل الطفّ من آل هاشم |
|
أذلّ رقاب المسلمين فذلّت |
ندب الحسين عليهالسلام في المدينة
٦٨٧ ـ ندب الحسين عليهالسلام في المدينة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٦ ؛ والمنتخب للطريحي ، ص ٤٧ ط ٢)
قالوا : ولما دخل حرم الحسين عليهالسلام المدينة ، عجّت نساء بني هاشم ، وصاحت المدينة صيحة واحدة.
قال الطريحي : مصاب أبكى فاطمة البتول ، وأحزن قلب المصطفى الرسول. مصاب بكت عليه السماء دما ، وأقيم له فوق الطباق مأتما.
فوا أسفاه على ما تجرّعوه من الحتوف ، ومرارات حرّ السيوف. أفيعذر أحد من ذوي الألباب ، في ترك الحزن والاكتئاب ، على جليل المصاب.
٦٨٨ ـ تعزية عبد الله بن جعفر رضي الله عنه : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٦)
وجلس عبد الله بن جعفر للتعزية. فدخل عليه مولاه (أبو اللسلاس) ، فقال : هذا ما لقينا من الحسين!. فحذفه عبد الله بنعله ، وقال : يابن اللخناء ، أللحسين تقول
هذا؟. والله لو شهدته لأحببت أن أقتل دونه ، وإني لأشكر الله الّذي وفّق ابنيّ عونا ومحمدا معه ، إذ لم أكن وفّقت.
٦٨٩ ـ خروج أم سلمة لاستقبال السبايا :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٢٣)
قال الراوي : فخرجت أم سلمة من الحجرة الطاهرة ، وفي إحدى يديها القارورة ، وقد صارت التربة فيها دما ، وقد أخذت بالأخرى يد فاطمة العليلة بنت الحسين عليهالسلام. ثم رحلوا إلى المدينة.
٦٩٠ ـ ندب أم لقمان بنت عقيل رضي الله عنها :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٧ ط ٢ نجف)
قال أبو مخنف : فسمعت أم لقمان [زينب] بنت عقيل صراخ زينب وأم كلثومعليهالسلام وباقي النسوة ، فخرجت حاسرة ومعها أترابها : أم هاني ورملة وأسماء بنات علي عليهالسلام ، وهي تصيح : وا حسيناه!. وا إخوتاه!. وا أهلاه!.
وا محمداه!. ثم قالت :
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم |
|
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم |
بأهل بيتي وأولادي ، أما لكم |
|
عهد ، أما أنتم توفون بالذمم |
ذريّتي وبنو عمي بمضيعة |
|
منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم |
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم |
|
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي |
٦٩١ ـ ندب فاطمة بنت عقيل رضي الله عنها :
(ينابيع المودة ، ج ٢ ص ١٥٦)
وقالت فاطمة بنت عقيل بن أبي طالب عليهالسلام ترثيه :
عينيّ بكيّ بعبرة وعويل |
|
واندبي إن ندبت آل الرسول |
تسعة كلهم لصلب عليّ |
|
قد أصيبوا وخمسة لعقيل |
وأوردهما ابن عبد البر في (الإستيعاب).
٦٩٢ ـ حزن وحداد الهاشميات :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٢٥)
وفي (نفس المهموم) عن (دعائم الإسلام) عن جعفر الصادق عليهالسلام أنه نيح على الحسين بن علي عليهالسلام سنة كاملة كل يوم وليلة.
وفيه أيضا : أنه لما قتل الحسين عليهالسلام لبست نساء بني هاشم السواد والمسوح ، نائحات الليل والنهار ، والإمام السجّاد يعمل لهن الطعام (١).
وفي حديث الإمام الصادق عليهالسلام : ما اختضبت هاشمية ولا ادّهنت ولا أجيل مرود [وهو الميل يكتحل به] في عين هاشمية خمس حجج [أي سنين] ، حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد.
٦٩٣ ـ بكاء الإمام السجّاد عليهالسلام على أبيه الحسين عليهالسلام أربعين سنة :
(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٨٧)
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال :
كان زين العابدين عليهالسلام بكى على أبيه أربعين سنة ، صائما نهاره قائما ليله ؛ فإذا أحضر الإفطار ، وجاء غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه ، فيقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عطشانا. فلا يزال يكرر ذلك ويبكي ، حتى يبتلّ طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه. فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل.
٦٩٤ ـ حزن الإمام زين العابدين عليهالسلام على أبيه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٢٤)
قال الإمام الباقر عليهالسلام : كان أبي زين العابدين عليهالسلام علي بن الحسين عليهالسلام إذا حضرت الصلاة ، يقشعرّ جلده ويصفرّ لونه ، وترتعد فرائصه ويقف شعره ، ويقول ودموعه تجري على خديه : لو علم العبد من يناجي ما انفتل [أي ما ترك الصلاة].
وبرز يوما إلى الصحراء ، فتبعه مولى له ، فوجده قد سجد على حجارة خشنة. قال مولاه : فوقفت حيث أسمع شهيقه وبكاءه ، فو الله لقد أحصيت عليه ألف مرة وهو يقول : " لا إله إلا الله حقّا حقا ، لا إله إلا الله تعبّدا ورقّا ، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا". ثم رفع رأسه من سجوده ، وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه. فقال له مولاه : يا سيدي ، أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقلّ؟!. فقال له عليهالسلام : ويحك إن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي وله اثنا عشر ابنا ، فغيّب الله تعالى واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ،
__________________
(١) محاسن البرقي ، ج ٢ ص ٤٢٠.
واحدودب ظهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حيّ في دار الدنيا. وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة وعشرين من أهل بيتي صرعى مقتولين ؛ فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي؟!.
ولقد نسب إلى الإمام زين العابدين عليهالسلام هذه الأبيات :
نحن بنو المصطفى ذوو غصص |
|
يجرّعها في الأنام كاظمنا |
عظيمة في الأنام محنتنا |
|
أوّلنا مبتلى وآخرنا |
يفرح هذا الورى بعيدهم |
|
ونحن أعيادنا مآتمنا |
والناس في الأمن والسرور ولا |
|
يأمن طول الزمان خائفنا |
وما خصصنا به من الشرف |
|
الطائل بين الأنام آفتنا |
يحكم فينا ـ والحكم فيه لنا ـ |
|
جاحدنا حقّنا وغاصبنا |
٦٩٥ ـ أول من رثى الحسين عليهالسلام شعرا على قبره الشريف :
(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٥٤)
قال العلامة الأمين في (أعيان الشيعة) : وينبغي أن يكون أول من رثى الحسينعليهالسلام سليمان بن قتّة العدوي التيمي مولى بني تيم بن مرة [توفي بدمشق سنة ١٢٦ ه] ، وكان سليمان منقطعا إلى بني هاشم. وقيل (قتّة) اسم أمه ، وأما أبوه فاسمه حبيب المحاربي ، وهو تابعي مشهور.
٦٩٦ ـ قصيدة سليمان بن قتّة في رثاء الحسين عليهالسلام :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٣٠١)
مرّ سليمان بن قتّة بكربلاء بعد مقتل الحسين عليهالسلام بثلاثة أيام ، فنظر إلى مصارع الشهداء ، واتكأ على فرس له عربية ، وأنشأ يقول :
مررت على أبيات آل محمّد |
|
فلم أرها أمثالها يوم حلّت |
وكانوا لنا غنما فصاروا رزيّة |
|
لقد عظمت تلك الرزايا فجلّت |
فلا يبعد الله الديار وأهلها |
|
وإن أصبحت منهم برغم تخلّت |
إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها |
|
وتقتلنا قيس إذا النّعل زلّت |
وعند غنيّ. قطرة من دمائنا |
|
سنطلبهم يوما بها حيث ولّت |
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة |
|
لفقد حسين والبلاد اقشعرّت |
وقد أعولت تبكي السماء لفقده |
|
وأنجمها ناحت عليه وصلّت |
وإن قتيل الطفّ من آل هاشم |
|
أذلّ رقاب المسلمين فذلّت |
فإن تبتغوه عائذ البيت تفضحوا |
|
كعاد تعمّت عن هداها فضلّت |
وهذه الأبيات ذكرها العلامة المجلسي في (البحار) ، كما ذكرها أبو الفرج الإصفهاني في (مقاتل الطالبيين) ، وكذلك ابن شهر اشوب والخوارزمي ، فراجع.
الفصل الحادي والثلاثون
مراقد الحسين وأهل البيت عليهمالسلام وتراجمهم
يتضمن هذا الفصل المواضيع التالية :
(١) ـ مرقد الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء :
ـ ما جاء حول القبر الشريف
ـ فضل زيارة الحسين عليهالسلام
ـ فضل تربة الحسين عليهالسلام ـ فضل السجود على التربة الحسينية
ـ الحائر الحسيني
ـ الحرم الحسيني
ـ مشهد الإمام الحسين عليهالسلام والكتابات المدوّنة عليه
ـ عمارة قبر الحسين عليهالسلام :
ـ العمارة الأولى :
ـ هدم الرشيد لقبر الحسين عليهالسلام
ـ العمارة الثانية : عمارة المأمون
ـ هدم المتوكل لقبر الحسين عليهالسلام
ـ العمارة الثالثة : عمارة المنتصر
(٢) ـ مشهد أبي الفضل العباس عليهالسلام
(٣) ـ المشاهد المشرّفة لأهل البيت عليهالسلام في دمشق :
١ ـ مشهد رأس الحسين عليهالسلام
٢ ـ مرقد الطفلة رقية عليهالسلام
٣ ـ مشهد رؤوس الشهداء عليهالسلام
٤ ـ مرقد السيدة سكينة بنت الحسين عليهالسلام
ـ ترجمة سكينة عليهالسلام
ـ الدفاع عن سكينة عليهالسلام
ـ ترجمة فاطمة الصغرى بنت الحسين عليهالسلام
٥ ـ مقام السيدة أم كلثوم بنت علي عليهالسلام وترجمتها
٦ ـ مقام فاطمة بنت الحسين عليهالسلام وترجمتها
٧ ـ مرقد السيدة زينب الكبرى العقيلة بنت الإمام علي عليهالسلام
ـ ضريح زينب عليهالسلام ووصف قفصها
ـ ترجمة العقيلة زينب الكبرى عليهالسلام
(٤) ـ مدفن الشريفات العلويات في مصر
(٥) ـ سيرة الإمام زين العابدين عليهالسلام :
ـ والدته عليهالسلام
ـ ترجمته عليهالسلام
الفصل الحادي والثلاثون
مراقد الحسين وأهل البيت عليهمالسلام
[وتراجمهم]
مقدمة الفصل :
آثرنا بعد أن انتهينا من ذكر الحسين عليهالسلام وأهله في نهضتهم المباركة ، أن نعقد فصلا عن مراقدهم الكريمة ومقاماتهم العظيمة ؛ بادئين بمرقد الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء : قدسيته وحدوده ، وفضل زيارته ، وشرافة تربته. حيث نفرّق بين حدود الحائر وحدود الحرم وحدود كربلاء. ثم نذكر العمارات التي جرت على المشهد الشريف.
ثم ننتقل إلى بيان المشاهد المشرّفة لأهل البيت عليهالسلام في دمشق ؛ ومنها مشهد رأس الحسين عليهالسلام في القسم الشرقي من المسجد الجامع ، ومرقد السيدة رقيّة عليهالسلام قرب باب الفراديس (العمارة) أحد أبواب دمشق الواقع شمال المسجد الجامع. ثم عدة مشاهد في مقبرة باب الصغير (الستّات) ؛ منها مشهد رؤوس الشهداء عليهالسلام ، ومقام السيدتين سكينة بنت الحسين عليهالسلام وعمتها السيدة أم كلثوم زينب الصغرى بنت الإمام علي عليهالسلام. ثم مرقد السيدة زينب العقيلة بنت الإمام علي عليهالسلام في قرية راوية على بعد ١٠ كم جنوبي دمشق.
ويزخر هذا الفصل أيضا بذكر تراجم بعض السادات الشريفات من أهل البيت عليهالسلام ، اللواتي كان لهن شأن في مسيرة كربلاء ، ومنهم السيدة رقيّة عليهالسلام والسيدة سكينة بنت الحسين عليهالسلام ، وأختها السيدة فاطمة الصغرى عليهاالسلام.
ثم السيدة أم كلثوم زينب الصغرى بنت الإمام علي عليهالسلام وأختها السيدة زينب الكبرى عقيلة بني هاشم عليهالسلام.
وننهي الفصل بترجمة الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين عليهالسلام.
(١) ـ مرقد الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء
٦٩٧ ـ فضل قبر الحسين عليهالسلام :
قال الطريحي في (المنتخب) ص ٧٠ : روي عن اسحق بن عمار عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «ما بين قبر الحسين عليهالسلام إلى السماء السابعة ، مختلف الملائكة». [المختلف : هو مكان الاختلاف ، أي الترددد والزيارة].
وقال محمّد حسين الأعلمي في (دائرة المعارف) ص ١٨٥ :
وفي (كامل الزيارة) عن الصادق عليهالسلام قال : «موضع قبر الحسين عليهالسلام منذ دفن فيه ، روضة من رياض الجنة ، وترعة من ترع الجنة».
٦٩٨ ـ تحديد موضع القبر الشريف : (المنتخب للطريحي ، ص ٧٢)
عن اسحق بن إسماعيل أنه قال : سمعت من الإمام الصادق عليهالسلام يقول : إن لموضع قبر الحسين عليهالسلام حرمة معروفة ، من عرفها واستجار بها أجير. فقلت : يا مولاي فصف لي موضعها جعلت فداك!. فقال عليهالسلام : امسح [من المساحة] من موضع قبره الآن خمسة وعشرين ذراعا من ناحية رأسه ، ومن ناحية رجليه كذلك ، وعن يمينه كذلك وعن شماله. واعلم أن ذلك روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج الملائكة ، تعرج فيه إلى السماء بأعمال زواره. وليس ملك في السموات ولا في الأرض إلا وهم يسألون الله عزوجل في زيارة قبر الحسين عليهالسلام ، ففوج منهم ينزل وفوج يعرج إلى يوم القيامة.
زيارة الحسين عليهالسلام وفضلها
٦٩٩ ـ زيارة الحسين عليهالسلام من أحب الأعمال إلى الله :
(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٨)
عن الصادق عليهالسلام قال : من أحبّ الأعمال إلى الله زيارة قبر الحسين عليهالسلام ، وأفضل الأعمال عند الله إدخال السرور على قلب المؤمن ، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد باك.
٧٠٠ ـ فضل من زار الحسين عليهالسلام عارفا بحقه :
في (مناقب آل أبي طالب) لابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢٧٢ : عن الإمام
الكاظم عليهالسلام : من زار قبر الحسين عليهالسلام عارفا بحقه ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر.
وفي (فرائد السمطين) للجويني ، ج ٢ ص ١٧٤ : سئل الإمام جعفر الصادقعليهالسلام عن زيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فقال : أخبرني أبي قال : من زار قبر الحسين بن علي عليهالسلام عارفا بحقه ، كتبه الله في علّيين.
ثم قال عليهالسلام : إن حول قبر الحسين عليهالسلام سبعين ألف ملك شعثا غبرا ، يبكون عليه إلى أن تقوم الساعة.
وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ١٩٥ : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة : يا عائشة من أراد الله به الخير قذف في قلبه محبة الحسين عليهالسلام وحبّ زيارته ، ومن زار الحسين عليهالسلام عارفا بحقه ، كتبه الله في أعلى عليّين ، مع الملائكة المقرّبين.
٧٠١ ـ فضل زيارة الحسين عليهالسلام :
(مزار البحار للمجلسي ، ج ١٠١ ص ١ ـ ٣ ط ٢)
في (أمالي الصدوق) ص ١٤٣ ، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر
[الباقر] عليهالسلام قال : مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي عليهالسلام ، فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع ، وزيارته مفترضة على من أقرّ للحسين عليهالسلام بالإمامة من الله عزوجل.
وفي (كامل الزيارات) ص ١٥٠ : وعنه عليهالسلام قال : مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي عليهالسلام ، فإن إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفروض على كل مؤمن يقرّ للحسين عليهالسلام بالإمامة من الله.
وفي (كامل الزيارات) ص ١٢٢ ، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر ، قال الصادق عليهالسلام : لو أن أحدكم حجّ دهره ، ثم لم يزر الحسين بن علي عليهالسلام ، لكان تاركا حقا من حقوق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن حق الحسين عليهالسلام فريضة من الله ، واجبة على كل مسلم.
٧٠٢ ـ الإخلاص في زيارة الحسين عليهالسلام :
(كامل الزيارات ، ص ١٤٣)
عن محمّد بن مسلم (قال) قلت لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام : ما لمن أتى قبر الحسين عليهالسلام؟. قال : من أتى قبر الحسين عليهالسلام شوقا إليه ، كان من عباد الله
المكرمين ، وكان تحت لواء الحسين بن علي عليهالسلام حتى يدخلهما الله جميعا الجنة.
وعن سدير الصيرفي ، قال أبو جعفر عليهالسلام : ما أتى (الحسين) عبد فخطا خطوة ، إلا كتبت له حسنة ، وحطّت عنه سيئة.
٧٠٣ ـ فضل زيارة الحسين عليهالسلام وثوابها :
(معالي السبطين للمازندراني ج ١ ص ٨١ و ٨٢ و ٧٦ و ٧٧)
عن (الخصائص الحسينية) للتستري ، وفي الروايات الصحيحة : لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليهالسلام من الفضل لماتوا شوقا إليه ، وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات. ولو علموا فضلها لأتوه حبوا من أقصى البلدان.
وفي (الخصائص) عن الصادق عليهالسلام قال : إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : أين زوّار الحسين بن علي عليهالسلام؟. فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله ، فيقول لهم : ماذا أردتم بزيارة قبر الحسين عليهالسلام؟. فيقولون : يا رب حبا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولعلي ولفاطمة عليهالسلام ، ورحمة له بما ارتكب منه. فيقال لهم : هذا محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ فالحقوا بهم ، فأنتم معهم في درجتهم ، الحقوا بلواء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فيكونون في ظله ، وهو في يد علي عليهالسلام ، فيكونون أمام اللواء وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه ، ويباهي الله بهم حملة عرشه وملائكته المقربين ، ويقول : ألا ترون زوار قبر الحسين عليهالسلام أتوه شوقا؟!.
وفي (البحار) عن حنّان بن سدير عن أبيه ، قال الصادق عليهالسلام : يا سدير تزور قبر الحسين عليهالسلام في كل يوم؟. قلت : لا. قال : ما أجفاكم!. فتزوره في كل شهر؟. قلت: لا. قال : أفتزوره في كل سنة؟. قلت : قد يكون ذلك. قال عليهالسلام : يا سدير ، ما أجفاكم بالحسين عليهالسلام!. أما علمت أن لله ألف ألف ملك شعث غبر يبكون ، فيزورون لا يفترون؟. وعليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليهالسلام في [يوم] الجمعة خمس مرات ، وفي كل يوم مرة. قلت : جعلت فداك ، بيننا وبينه فراسخ كثيرة. قال لي : اصعد فوق سطحك ، ثم تلتفت يمنة ويسرة ، ثم ترفع رأسك إلى السماء ، ثم تنحو نحو القبر ، وتقول : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ؛ يكتب لك بكل زيارة حجة وعمرة.