موسوعة كربلاء - ج ٢

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ٢

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

السماء ، شاخصا ببصره إلى نحو الأفق ، والريح تلعب بلحيته الشريفة يمينا وشمالا ، كأنه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وعن أبي مخنف : والرأس الشريف على رمح بيد شمر بن ذي الجوشن.

٥١٠ ـ دخول الناس من باب الخيزران :

(مقتل أبي مخنف ، ص ١٢١ و ١٢٤)

قال سهل بن سعد : ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم ، وإذا قد أقبل ثمانية عشر رأسا ، وإذا السبايا على المطايا بغير وطاء ، ورأس الحسين عليه‌السلام بيد شمر ، وهو يقول :

أنا صاحب الرمح الطويل. أنا قاتل ذي الدين الأصيل. أنا قتلت ابن سيد الوصيين ، وأتيت برأسه إلى أمير المؤمنين (يزيد بن معاوية).

فقالت له أم كلثوم [بنت علي] عليه‌السلام : كذبت يا لعين بن اللعين ، ألا لعنة الله على القوم الظالمين. ويلك تفخر بقتل من ناغاه في المهد جبرائيل وميكائيل ، ومن اسمه مكتوب على سرادق عرش رب العالمين ، ومن ختم الله بجده المرسلين ، وقمع بأبيه المشركين. فمن أين مثل جدي محمّد المصطفى ، وأبي علي المرتضى ، وأمي فاطمة الزهراء؟!.

فأقبل عليها خولي وقال : تأبين الشجاعة وأنت بنت الشجاع.

ثم قال : وأقبلوا بالرأس إلى يزيد بن معاوية ، وأوقفوه ساعة إلى باب الساعات. وأوقفوه هناك ثلاث ساعات من النهار.

وقد ذكرنا سابقا أن باب الخيزران لا بدّ أن يكون إلى الغرب من باب الساعات ، أي في زقاق (سبع طوالع) شمالي المسجد الجامع ، وأن الناس دخلوا من باب الخيزران متوجهين إلى باب الساعات لرؤية الرؤوس والسبايا يدخلون من هناك.

الرأس الشريف يتكلم

تعددت الروايات في تكلّم رأس الحسين عليه‌السلام في عدة مواقف وأماكن ، منها الكوفة ودمشق وغيرهما. عدا عما جرى بين الرأس الشريف وبعض الرهبان من مكالمات ومحاورات ، كان من نتيجتها إسلامهم وهدايتهم. وقد ذكرنا ما جرى في

٤٤١

الكوفة من تلاوة الرأس الشريف لمقطع من سورة الكهف ولبعض الآيات الأخرى ، وذلك في الفقرتين رقم ٣٤٩ و ٣٥٠ من هذا الجزء.

والآن نذكر ما حصل في دمشق عند باب الفراديس وغيره.

٥١١ ـ الرأس الشريف يتكلم في دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٤)

في (القمقام) نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب : سمعوا من الرأس الشريف يرفع صوته في دمشق الشام ويقول : " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

وفي (الناسخ) عن منهال بن عمرو ، قال : لما أدخل الرأس الشريف إلى دمشق الشام ، رأيت رجلا يتلو القرآن أمام الرأس ، ويتلو سورة الكهف ، فلما وصل إلى هذه الآية : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) ، أشهد والله لقد سمعت الرأس المبارك قال بلسان طلق ذلق : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.

٥١٢ ـ تكلم الرأس الشريف عند باب الفراديس :

(فرائد السمطين ، ج ٢ ص ١٦٩)

قال أبو الحسن العسقلاني بإسناده ، قال الأعمش : قلت لمسلمة بن كهيل : الله إنك سمعته منه؟. قال : الله إني سمعت منه في باب الفراديس في دمشق ، لا مثّل ولا شبّه لي ، وهو [أي رأس الحسين (ع)] يقول : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٣٧) [البقرة : ١٣٧].

٥١٣ ـ النصارى في دمشق يحتشمون لأهل البيت عليه‌السلام أكثر من أدعياء الإسلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٥٦)

في (الدمعة الساكبة) قال سهل : وكان معي رقيق نصراني ، يريد بيت المقدس ، وهو متقلد بسيف تحت ثيابه ، فكشف الله تعالى عن بصره ، فسمع رأس الحسين عليه‌السلام يقرأ القرآن ويقول : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢] ، فأدركته السعادة ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

٤٤٢

ثم انتضى سيفه وحمل به على القوم ، وهو يبكي. فجعل يضرب فيهم ، فقتل منهم جماعة كثيرة ، فتكاثروا عليه فقتلوه ، رحمه‌الله.

فقالت أم كلثوم عليه‌السلام : ما هذه الصيحة؟. فحكيت لها الحكاية. فقالت : وا عجباه ، النصارى يحتشمون لدين الإسلام ، وأمة محمّد الذين يزعمون أنهم على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون أولاده ويسبون حريمه! ولكن العاقبة للمتقين.

خبر هند زوجة يزيد

٥١٤ ـ من هي هند؟ :

هناك روايتان : إحداهما تقول بأنها هند بنت عمرو بن سهيل ، وكانت تحت عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبر معاوية زوجها على طلاقها لرغبة يزيد فيها ، كما حاول أن يفعل مع أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام ، فباءت مساعيه بالفشل.

والرواية الثانية ، التي ذكرها الطبري في تاريخه عن أبي مخنف ، أنها هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، فلما قتل أبوها بقيت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام. وعندما قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام بقيت في دار الحسن عليه‌السلام. فسمع بها معاوية فأخذها من الحسن عليه‌السلام فزوّجها من ولده يزيد.

وفي خبر أنها كانت تحت الحسين عليه‌السلام فطلقها ، وتزوجها يزيد ، فبقيت عند يزيد إلى أن قتل الحسين عليه‌السلام [راجع معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٠٣].

٥١٥ ـ خبر هند مع زينب العقيلة عليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٠٣)

لم يكن لهند بنت عبد الله علم بأن الحسين عليه‌السلام قد قتل. ولما قتل الحسين عليه‌السلام وأتوا بنسائه وبناته وأخواته إلى الشام ، دخلت امرأة على هند وقالت : يا هند هذه الساعة أقبلوا بسبايا ولم أعلم من أين هم؟. فلعلك تمضين إليهم وتتفرجين عليهم. فقامت هند ولبست أفخر ثيابها وتخمّرت بخمارها ، ولبست إزارها ، وأمرت خادمة لها أن تحمل الكرسي. فلما رأتها الطاهرة زينب عليه‌السلام التفتت إلى أختها أم كلثوم وقالت لها : أخيّة أتعرفين هذه الجارية.؟ قالت : لا والله. قالت لها : أخيّة هذي خادمتنا هند بنت عبد الله. فسكتت أم كلثوم ونكّست

٤٤٣

رأسها ، وكذلك زينب. فقالت هند : أخيّة أراك طأطأت رأسك!. فسكتت زينبعليه‌السلام ولم تردّ عليها جوابا. ثم قالت لها : أخية من أي البلاد أنتم؟. فقالت لها زينب عليه‌السلام : من بلاد المدينة. فلما سمعت هند بذكر المدينة نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام. ثم التفتت إليها زينب وقالت : أراك نزلت عن الكرسي. قالت هند : إجلالا لمن سكن في أرض المدينة. ثم قالت لها : أخية أريد أن أسألك عن بيت في المدينة. قالت لها الطاهرة زينب : اسألي ما بدا لك. قالت : أريد أن أسألك عن دار علي بن أبي طالبعليه‌السلام. قالت لها زينب عليه‌السلام : وأين لك معرفة بدار علي عليه‌السلام.؟ فبكت وقالت : إني كنت خادمة عندهم. قالت لها زينب : وعن أيّما تسألين؟. قالت : أسألك عن الحسين عليه‌السلام وعن إخوته وأولاده وعن بقية أولاد علي عليه‌السلام ، وأسألك عن سيدتي زينب وعن أختها أم كلثوم وعن بقية مخدّرات فاطمة الزهراء عليه‌السلام. فبكت عند ذلك زينب عليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت لها : يا هند ، أما إن سألت عن دار علي عليه‌السلام فقد خلّفناها تنعى أهلها ، وأما إن سألت عن الحسين عليه‌السلام فهذا رأسه بين يدي يزيد ، وأما إن سألت عن العباسعليه‌السلام وعن بقية أولاد علي عليه‌السلام فقد خلّفناهم على الأرض مجزّرين كالأضاحي بلا رؤوس ، وإن سألت عن زين العابدين عليه‌السلام فها هو عليل نحيل لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألت عن زينب فأنا زينب بنت علي ، وهذي أم كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدّرات فاطمة الزهراء عليه‌السلام.

فلما سمعت هند كلام زينب عليه‌السلام رقّت وبكت ونادت : وا أماه وا سيداه وا حسيناه ، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء ، ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة. ثم تناولت حجرا وضربت به رأسها ، فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها. فلما أفاقت من غشيتها أتت إليها الطاهرة زينب عليه‌السلام وقالت لها : يا هند قومي واذهبي إلى دارك ، لأني أخشى عليك من بعلك يزيد. فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أدخلك وسائر النساء الهاشميات معي داري.

٤٤٤

عود على بدء

الموكب يدخل دمشق

٥١٦ ـ وصف موكب النصر :

مع إطلالة الأول من صفر كانت دمشق على أهبة الاستعداد لاستقبال موكب الرؤوس والسبايا ، موكب النصر والفرح ، والطرب والمرح. وقد اصطفّت الجنود والقواد على طول الطريق الّذي يمتد من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، الّذي يؤدي إلى منطقة القصور الملكية لبني أمية ، المجاورة للمسجد الجامع ، ومنها قصر يزيد ، حيث يزيد يقف مع بعض أعيانه على شرفة قصره. وقد أقيمت الزينات والأضواء في جميع الشوارع والمحلات ، وخرج الناس يشاركون الملك الضلّيل في بهجته وطربه بمناسبة نصره وغلبه ...

هذه هي المسيرات والعراضات تملأ الأزقة والطرقات والساحات ، وقد لبس الناس أزياءهم ، وتحلّوا بسيوفهم وأتراسهم ... إنه عيد دمشق العظيم ، بمناسبة قتل ريحانة سيد المرسلين ، وسبط الرسول الكريم ، سيد الشهداء الحسين (ع).

دخل موكب الرؤوس والسبايا من باب توما ، ثم عبروا الساحة العامة (آغورا) ، حتى وصلوا إلى باب جيرون الداخلي ، حيث أوقفوا هناك ساعة ليتفرج عليهم الناس ، ونصب الرأس على الباب ، ليراه كل شامت ومرتاب. ثم كان لا بدّ لزيادة التشهير بهم من تسييرهم إلى الأماكن الهامة ، فجاؤوا بالركب إلى باب الفراديس ، حيث علّق الرأس ساعة ، وقد غصّت الطرق بالناس ، سيّروه من هناك إلى باب داخلي مجاور هو باب الساعات الواقع جنوب باب الفراديس ، حيث علّق الرأس عليه ساعة أخرى ... وكان آخر مطافهم أن وصلوا إلى درج المسجد الجامع المتصل بالباب الشرقي للجامع ، فأدخلوا الرؤوس إلى قصر يزيد من بابه المجاور للدرج ، بينما أوقفوا السبايا على الدرج حيث يقام السبي ، لتمرّ أمامهم وفود الناس ، فتلقي عليهم نظرات الشماتة والازدراء ، مثلما تلقي عليهم حجارة من السباب والشتائم ، ويتصفح وجوههم القاصي والداني ، وهم في حالة محزنة مزرية ، وقد تمزقت ثيابهم وتقشرت وجوههم ، والقيود معقودة في أعناقهم ؛ من زين العابدين عليه‌السلام إلى زينب والنساء ، إلى الصبية والأطفال. وظلوا على درج السبي ثلاث ساعات ، حتى أذن لهم بالدخول على يزيد.

٤٤٥

لقد كان يوما حافلا في دمشق لم تشهد له مثيلا في التاريخ ... لقد انتصر يزيد وتغلّب ، مثلما انتصر أبوه من قبل وتسلّط ، ولكن نصر الأرض غير نصر السماء ، وغلبة الدنيا غير غلبة الدين (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) [الشعراء : ٢٢٧].

٥١٧ ـ إيقاف السبايا على درج المسجد الجامع :

أجمعت الروايات على أن آخر محطة للسبايا قبل إدخالهم على يزيد هي درج المسجد الجامع حيث يقام السبي ، وذلك ليتسنى للناس المحتشدين أن يأتوا لرؤيتهم والتفرج عليهم. ريثما يأتي الأمر من يزيد لإدخالهم إلى قصره من الباب المجاور للدرج. وقد كان هذا الباب مفتوحا ، ثم سدّوه بالأحجار ، وتظهر آثار هذا الباب بوضوح في جدار القصر ، على يمين الصاعد على الدرج وقبل دخوله المسجد. (انظر المخطط السابق).

وهذه بعض الروايات :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ :

ثم ازدحم الناس ، حتى خرجوا من باب الساعات ، والنساء مكشوفات الوجوه ، والرؤوس على الرماح. فقال أهل الشام : والله ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء ، فمن أنتم؟. فقالت سكينة بنت الحسين عليه‌السلام : نحن سبايا آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر ، [حمدا (١) حدقت] النظّار إلى زين العابدين عليه‌السلام وهو موثوق بالرباط.

وفي رواية ابن أعثم والخوارزمي :

ثم أتي بهم حتى وقفوا (أقيموا) على درج باب المسجد (الجامع) حيث يقام السبي.

٥١٨ ـ إيقاف السبايا ثلاث ساعات قبل أن يؤذن لهم بالدخول :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٩)

وأوصلوا الرؤوس والنساء وقت الزوال إلى باب دار يزيد بن معاوية ، وهم في

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح [وقد أحدقت].

٤٤٦

تعب شديد من كثرة الإزدحام ، فأوقفوا ثلاث ساعات ليأذن لهم يزيد بالدخول. فصاح صائح : هؤلاء سبايا أهل بيت الخارجي الملعون.

٥١٩ ـ الشيخ المغرّر به : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦١ ؛

ولواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٢ ؛ ومقتل المقرم ص ٤٤٨)

في (تاريخ مختصر الدول) لابن العبري ، ص ١٩٠ : فأمر يزيد نساء الحسين وبناتهعليه‌السلام فأقمن بدرج المسجد ، حيث توقف الأسارى ، لينظر الناس إليهم.

وإذا شيخ أقبل ، فدنا من نساء الحسين عليه‌السلام وعياله ، وقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وأراح العباد (البلاد) من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم.

يقول السيد عبد الرزاق المقرم : ههنا أفاض الإمام السجّاد عليه‌السلام من لطفه على هذا المسكين المغترّ بتلك التمويهات ، لتقريبه من الحق وإرشاده إلى السبيل. وهكذا أهل البيتعليه‌السلام تشرق أنوارهم على من يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية".

فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : يا شيخ هل قرأت القرآن؟. قال : نعم. قال : فهل قرأت هذه الآية : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ [الشورى : ٢٣]. قال الشيخ : قرأتها ؛ قال عليه‌السلام : فنحن القربى. يا شيخ فهل قرأت في بني إسرائيل: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) [الإسراء : ٢٦]؟. فقال : قد قرأت ذلك ؛ فقال عليه‌السلام : فنحن القربى. يا شيخ فهل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) [الأنفال : ٤١]؟. قال : نعم ؛ فقال عليه‌السلام : فنحن القربى. يا شيخ ولكن هل قرأت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣]؟. قال : قد قرأت ذلك ؛ فقال عليه‌السلام : فنحن أهل البيت الذين اختصّنا الله بآية الطهارة يا شيخ.

فبقي الشيخ ساكتا ساعة ، نادما على ما تكلم به ، وقال : بالله إنكم هم؟!. فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : تالله إنا لنحن هم من غير شك ، وحقّ جدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنا لنحن هم!. فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : الله م إني أتوب إليك من بغض هؤلاء ، وإني أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجن والإنس.

٤٤٧

ثم قال : هل من توبة؟. فقال له عليه‌السلام : نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا. فقال : أنا تائب.

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به فقتل.

٥٢٠ ـ تزيين دار يزيد ونصب السرير له :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للزنجاني ، ص ٣٨٣)

ولما أدخلوا الرؤوس والسبايا دمشق الشام ، أمر يزيد فزيّنت داره بأنواع الزينة ، ونصب ليزيد سرير مرصّع ، ونصب أطراف سريره كراسي من الذهب والفضة. وجلس يزيد في سريره ، وعلى رأسه تاج مكلل بالدرّ والياقوت ، وحوله أربعمائة نفر من الأمراء والأعيان والسفراء ، وسفراء الملوك من النصارى وغيرهم ، وحوله كثير من مشايخ قريش.

٥٢١ ـ دار الخضراء وقصر يزيد :

لما أصبح معاوية حاكما لدمشق ، بنى في الجنوب الشرقي من المسجد الجامع دارا له ، وجعلها قصرا للإمارة ، وسماها (دار الخضراء). وبعد أن ضرب على فخذه أثناء صلاته في المسجد ، جعل بابا يصل بين داره والمسجد مباشرة ، وجعله خاصا به ، وجعل له مقصورة عالية في المسجد يصلي فيها بعيدا عن الناس.

ولما ولي يزيد الحكم جعل لسكنه قصرا ملاصقا للمسجد من الجهة الشمالية الشرقية [انظر الشكل ٢٤]. ولعله فعل ذلك ليعزل دار سكنه عن دار الخضراء التي خصّصها لشؤون الحكم.

وجعل لقصره عدة أبواب ، منها باب رئيسي من الشمال (١) ، وباب يدخل منه إلى المسجد مباشرة (٢) ، وباب مجاور لباب جيرون (٣) الّذي هو الباب الشرقي للمسجد ، وهذا الباب (٣) مسدود الآن ، ومنه أدخلت الرؤوس والسبايا على يزيد. ويقع مشهد رأس الحسين عليه‌السلام قريبا من هذا الباب في غرفة ملاصقة للمسجد ، لأن يزيد بيّت رأس الحسين عليه‌السلام هناك ليلة ، قبل صلبه على باب قصره ، ثم على باب المسجد ، ثم على إحدى منارات المسجد. وتذكر بعض الروايات أنه في هذا المكان دفن رأس الحسين عليه‌السلام قبل نقله إلى كربلاء.

ولا يبعد أن يكون حمام النوفرة الحالي جزءا من قصر يزيد. وإذا دخلنا في أول زقاق بعد الحمام نجد الأحجار الكبيرة التي تشكّل الحائط الشرقي للقصر ، حيث

٤٤٨

(الشكل ٢٤) : دار الخضراء

وقصر يزيد الملاصق للمسجد على يمين الداخل من باب جيرون

كان يزيد يجلس على إحدى الشرفات ، يمتّع نظره بمنظر قدوم سبايا أهل البيت عليه‌السلام ورؤوس قتلاهم ، وهم مقبلون من باب جيرون الداخلي نحو المسجد.

ونلاحظ من جهة الشمال أن جدار القصر يحاذي تماما جدار المسجد الجامع ، وله هناك باب فخم ، كان بابا للثانوية التجارية ، ثم أصبح المكان اليوم بيوتا ومحلات تجارية.

ويمثّل مشهد رأس الحسين عليه‌السلام جزءا صغيرا من القصر ، وهو الجزء الغربي الملاصق للمسجد ، وهو صلة الوصل بين القصر والمسجد ، ومنه كان يدخل يزيد إلى صحن المسجد مباشرة.

ـ تاريخ قصر يزيد :

(الآثار الإسلامية في مدينة دمشق لكارل لتسينغر ، ص ١٢٧)

قال كارل عن قصر يزيد : البناء هو دار عطا العجلاني اليوم ، كانت في السابق مقرا لمدرسة شيخ المشايخ. أما في الأصل فقد كان المكان قصرا ليزيد بن معاوية

٤٤٩

[٦٨٠ ـ ٦٨٣ م]. لاحظ قطع الحجاة الكلاسيكية في الجزء السفلي من الجدار الشرقي للبناء نفسه. وكان البناء يستخدم سجنا في أيام ابن شاكر ، وكان يعرف بالبيت الحجري (احترق سنة ٥٦٢ ه‍].

هذا وتقع إلى الشمال من باب جيرون ، وإلى الشرق من مشهد علي (في الجامع الأموي) المدرسة الرواحية (نسبة إلى ابن رواحة المتوفى سنة ٦٢٢ ه‍) والمدرسة الدولعية (التي أنشأها العلامة جمال الدين الدولعي المتوفى سنة ٦٣٥ ه‍) ، وكان بيت خديجة يقع إلى الجوار منهما. تضم الباحة جزءا من واجهة تتمتع بقوسين أصمّين ، وتتناوب فيها المداميك الملونة. ترجع هذه الواجهة إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي [التاسع الهجري].

إدخال الرؤوس على يزيد

٥٢٢ ـ مدخل حول ترتيب الحوادث من الزوال في اليوم الأول من صفر :

الروايات متداخلة ، لا يظهر منها بشكل حاسم ، هل أدخلت السبايا إلى يزيد مع الرؤوس ، أم أحدهما سبق الآخر. لكننا نرجح أن إدخال الرأس الشريف كان سابقا ، لقولهم: "رمي الرأس بين يدي يزيد ...".

ثم أمر يزيد بإنزاله من على الرمح ، وإعداده ليعرض في مجلس عام مع السبايا. وبعد ثلاث ساعات أدخل السبايا إلى مجلس يزيد ، وحصلت ملاسنات بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد الماكر.

وبعد توضيب الرأس الشريف وتسريحه ، أدخل إلى مجلس يزيد ـ مع بقية الرؤوس ـ على طشت من ذهب. وقد كان يزيد استدعى الأعيان والوزراء ، ليشاركوه في بهجته وسروره.

ولما شرع يزيد يضرب ثنايا الحسين عليه‌السلام بالقضيب ، اعترض عليه الصحابي أبو برزة الأسلمي وعنّفه. وحين تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى المشرك (ليت أشياخي ببدر شهدوا ...) ردّ عليه زين العابدين عليه‌السلام ، وكذلك العقيلة زينب عليه‌السلام.

ثم دخل شمر إلى المجلس وطلب من يزيد الجائزة على إنجازه للمهمة. ثم دخلت هند زوجة يزيد إلى مجلسه مستنكرة عليه عمله الشائن.

٤٥٠

هذه الحوادث كلها حدثت في اليوم الأول من دخول السبايا إلى دمشق ، وذلك من الظهر إلى المغرب ، وكان آخرها قصة الشامي الّذي طلب إحدى بنات الحسين عليه‌السلام ليتخذها جارية له يتسرى بها. ثم أودع يزيد السبايا في حبس الخربة.

أما بقية الحوادث المروية ، فيمكن أنها حدثت في أيام تالية متفرقة. منها قصة رأس الجالوت ، وقصة جاثليق النصارى ، وقصة رسول ملك الروم. لأن يزيد كان كل يوم يقيم مجلسا عاما ، ويحضر فيه رأس الحسين عليه‌السلام ، ويشرب الخمر. ولعله في بعضها كان يحضر زين العابدين عليه‌السلام والسبايا أيضا ، وفي إحدى المرات كان خطاب زين العابدين عليه‌السلام على منبر مسجد دمشق ، وذلك يوم الجمعة التالي.

٥٢٣ ـ لؤم محفّر بن ثعلبة الأنصاري : (كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٢)

ورفع محفّر بن ثعلبة الأنصاري صوته مناديا على باب يزيد : جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم!. فقال يزيد : ما ولدت أم محفّر ألأم وأحمق منه ، ولكنه [أي الحسين] قاطع ظالم.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٨ : قال ابن محفّز : يا أمير المؤمنين ، جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام!. فقال يزيد : ما ولدت أم محفّز أكفر وألأم وأذمّ.

وفي رواية (لواعج الأشجان) ص ١٩١ : فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفّر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة. فأجابه علي بن الحسين عليه‌السلام : ما ولدت أم محفّر أشرّ وألأم.

٥٢٤ ـ إدخال حملة الرؤوس على يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٩)

فخرج حجّاب يزيد وأدخلوا الذين معهم الرؤوس. فلما دخلوا على يزيد قالوا : بعزّة الأمير قتلنا أهل بيت أبي تراب واستأصلناهم.

وفي (نفس المهموم) : رمي الرأس بين يدي يزيد.

٥٢٥ ـ موقف مروان بن الحكم وأخيه عبد الرحمن من أعمال يزيد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٤ ط ٢)

قال أبو مخنف : ثم أتوا بالرأس إلى باب الساعات ، فوقفوا هناك ثلاث ساعات ، يطلبون الإذن من يزيد.

٤٥١

فبينما هم كذلك ، إذ خرج مروان بن الحكم. فلما نظر إلى رأس الحسين عليه‌السلام صار ينظر إلى أعطافه جذلا طربا. ثم خرج أخوه عبد الرحمن ، فلما نظر إلى الرأس بكى ، ثم قال: أما أنتم فقد حجبتم عن شفاعة جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله

لا جامعتكم على أمر أبدا.

ثم قال : بالعزيز عليّ يا أبا عبد الله ما نزل بك ، ثم أنشأ يقول :

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل!

إمام غريب الطفّ أدنى (١) برأسه

من ابن زياد وهو في العالم الرّذل

٥٢٦ ـ حامل الرأس يشرح ليزيد ما حدث في كربلاء :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٨)

قال أبو مخنف : وأقبلوا بالرأس إلى باب الساعات ، وأوقفوه هناك ثلاث ساعات. ثم أتوا به إلى يزيد بن معاوية ، وكان مروان جالسا إلى جنبه. فسألهم : كيف فعلتم به؟. فقالوا : جاءنا في ثمانية عشر من أهل بيته ونيّف وخمسين من أنصاره ، فسألناهم أن ينزلوا على حكم الأمير أو القتال ، فاختاروا القتال. فقتلناهم عن آخرهم ، وهذه رؤوسهم ، والسبايا على المطايا.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٦ : فأطرق يزيد ساعة ثم رفع رأسه وبكى ، وقال : والله يا هذا لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. أما والله لو صار إليّ لعفوت عنه. ولكن قبّح الله ابن مرجانة (يقصد ابن زياد).

فجعل مروان بن الحكم يهزّ أعطافه ، وأنشد يقول :

يا حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدّين

شفيت نفسي من دم الحسين

أخذت ثأري وقضيت ديني

وفي (مقدمة مرآة العقول للمجلسي) للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٣٠٤ :

روى الطبري وغيره قال : لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد ؛ رأس الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ، قال يزيد :

__________________

(١) أدنى : أكثر دنوا. أي كيف يكون إمام قتل في طف كربلاء غريبا ، أدنى من ابن زياد الوضيع حسبا ونسبا؟!.

٤٥٢

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان ، وكان في المجلس :

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل (١)

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل (٢)

فضرب يزيد في صدر يحيى ، وقال : اسكت.

(وفي رواية) : أنه أسرّ إليه ، وقال : سبحان الله أفي هذا الموضع ما يسعك السكوت!.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٧ : فقال يزيد : نعم!. فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على قتل مثل الحسين بن فاطمة. أما والله لو كنت أنا صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي. ولكن إذا قضى الله أمرا لم يكن له مردّ.

وروي أن يزيد نظر إلى عبد الرحمن ، وقال : سبحان الله ، أفي هذا الموضع تقول ذلك ، أما يسعك السكوت!.

وفي (العقد الفريد) لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٨ : لما وضع الرأس بين يدي يزيد تمثّل بقول حصين بن الجاحم المزني :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام وكان في السبي : كتاب الله أولى بك من الشعر ، يقول الله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].

فغضب يزيد ، وجعل يعبث بلحيته. ثم قال : غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك ، قال الله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠) [الشورى : ٣٠].

__________________

(١) الوغل : المدعي نسبا كاذبا.

(٢) في البيت الثاني إقواء ، وهو من عيوب الشعر. والإقواء : كسر القافية وضمّها.

٤٥٣

٥٢٧ ـ استنكار هند بنت عبد الله لأعمال زوجها يزيد :

(مقتل أبي مخنف ، ص ١٢٥)

قال أبو مخنف : فسمعته هند بنت عبد الله زوجة يزيد ، وكان مشغوفا بها.

قال : فدعت برداء فتردّت به ، وتقنّعت ووقفت من وراء الستر ، وقالت ليزيد : هل معك أحد؟. قال : أجل. فأمر من كان عنده بالانصراف. وقال : ادخلي ، فدخلت.

قال : فنظرت إلى رأس الحسين عليه‌السلام فصرخت ، وقالت : ما هذا الّذي معك؟. فقال : رأس الحسين بن علي. قال : فبكت وقالت : يعزّ والله على فاطمة أن ترى رأس ولدها بين يديك. لقد فعلت فعلا استوجبت به اللعن من الله ورسوله. (وفي رواية المنتخب ، ص ٤٨٥) : «ويحك ، فعلت فعلة استوجبت بها النار يوم القيامة». والله ما أنا لك بزوجة ولا أنت لي ببعل. فقال لها : ما أنت وفاطمة؟!. فقالت : بأبيها وبعلها وبنيها هدانا الله وألبسنا هذا القميص. ويلك يا يزيد ، بأي وجه تلقى الله ورسوله؟!. فقال لها : يا هند دعي هذا الكلام.

(وفي رواية): " ارتدعي يا هند من كلامك هذا ، والله ما أخبرت بذلك ولا أمرت به". فخرجت باكية وتركته.

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ١٧٥ : فقامت [هند] وحسرت رأسها وشقّت الثياب وهتكت الستر ، وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد أنت أمرت برأس الحسين عليه‌السلام يشال على الرمح عند باب الدار؟. أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصلوب على فناء داري؟!.

يقول الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥١٦ : ويظهر أن استنكار هذه المرأة الحرة لأعمال يزيد ، ودخولها على مجلسه ، حدث عدة مرات :

الأولى : في اليوم الأول بعد انصراف الناس من المجلس ، وهو المشار إليه أولا.

الثانية : بعد صلب الرأس على باب القصر ، وهو المشار إليه ثانيا.

الثالثة : رؤيا هند قبيل تسيير السبايا إلى المدينة. وكان ذلك الإستنكار من دوافع يزيد إلى الإسراع في تسيير السبايا إلى المدينة والتخلص منهم.

٤٥٤

٥٢٨ ـ شمر يطلب الجائزة من يزيد : (أسرار الشهادة للدربندي ، ٤٩٨)

ثم دخل عليه الشمر وجعل يقول :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيّد المهذّبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وأكرم الناس جميعا حسبا

سيد أهل الحرمين والورى

ومن على الخلق معا منتصبا

طعنته بالرمح حتى انقلبا

ضربته بالسيف ضربا عجبا

قال : فنظر إليه يزيد شزرا ، وقال له : أملأ الله ركابك نارا وحطبا ، إذا علمت أنه خير الناس أما وأبا ، فلم قتلته؟!. قال شمر : أطلب بذلك الجائزة من عندك.

قال : فلكزه يزيد بزبال سيفه ، وقال : لا جائزة لك عندي ، فولّى هاربا (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الحج : ١١].

إدخال السبايا على يزيد في مجلس عام

٥٢٩ ـ علي بن الحسين عليه‌السلام أول من دخل :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٢)

قيل : إن أول من دخل شمر بن ذي الجوشن بعلي بن الحسين عليه‌السلام ، مغلولة يداه إلى عنقه. فقال له يزيد : من أنت يا غلام؟. قال : أنا علي بن الحسين. فأمر برفع الغل عنه.

٥٣٠ ـ إدخال آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مجلس يزيد :

(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٣٠٤)

روى الطبري قال :

جلس يزيد بن معاوية ، ودعا أشراف أهل الشام ، فأجلسهم حوله. ثم دعا بعلي ابن الحسين عليه‌السلام وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلوا عليه ، والناس ينظرون.

وروى سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ١٤٩ وغيره : أن الصبيان والصبيات من بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا موثّقين في الحبال.

٤٥٥

٥٣١ ـ عدد الذكور الذين أدخلوا على يزيد :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص ٥)

قال : وذكروا أن أبا معشر قال : حدثني محمّد بن الحسين بن علي ، قال : دخلنا على يزيد ، ونحن اثنا عشر غلاما ، مغلّلين في الحديد وعلينا قميص. فقال يزيد : أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟. وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ، ولا بقتله حين قتل!.

٥٣٢ ـ كيف ادخل السبايا على يزيد وهم مربوطون بالحبال :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٢)

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : أتى بنا يزيد بن معاوية بعدما قتل الحسين بن علي عليه‌السلام ونحن اثنا عشر غلاما ، وكان أكبرنا يومئذ علي بن الحسين عليه‌السلام ، فأدخلنا عليه ، وكان كل واحد منا مغلولة يده إلى عنقه.

وفي (الأنوار النعمانية) : أدخلوهن [أي السبايا] وهن مربقات بحبل طويل ، وزحر ابن قيس يجرّهن.

وفي (المنتخب) قال علي بن الحسين عليه‌السلام : لما وفدنا على يزيد ، أتونا بحبل وربقونا مثل الأغنام. وكان الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم ، وبكتف زينب وسكينة والبنات عليه‌السلام. وساقونا ؛ وكلما قصّرنا عن المشي ضربونا ، حتى أوقفونا بين يدي يزيد ، وهو على سرير مملكته.

٥٣٣ ـ من الّذي غلب؟ يزيد أم الحسين عليه‌السلام؟ :

(المصدر السابق ، ص ٩٤)

قال المفيد : فلما انتهوا إلى باب يزيد ، استقبلهم إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، وقال : يا علي بن الحسين ، من غلب؟. وهو يغطي وجهه. فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام: إذا أردت أن تعلم من غلب ، ودخل وقت الصلاة ، فأذّن وأقم (تعرف من غلب).

٥٣٤ ـ نساء يزيد يولولن عند دخول السبايا :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٠)

وفي خبر عن (الأمالي) : ثم أدخل نساء الحسين عليه‌السلام على يزيد بن معاوية ،

٤٥٦

فصاحت نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله ، وولولن وأقمن المآتم ، ووضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه.

وقال السيد ابن طاووس : ثم أدخل ثقل الحسين عليه‌السلام ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد ، وهم مقرّنون في الحبال ، وزين العابدين عليه‌السلام مغلول. فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال ، قال له علي بن الحسين عليه‌السلام : أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا على هذه الصفة؟. (فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى). فأمر يزيد بالحبال فقطّعت (وأمر بفكّ الغلّ عن زين العابدين). ثم وضع رأس الحسين عليه‌السلام بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه.

محاورة سكينة بنت الحسين عليه‌السلام ليزيد

٥٣٥ ـ يزيد يتعرف على السبايا ويسأل عن أسمائهن :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٦ ط ٢)

ثم إن يزيد أمر بإحضار السبايا ، فأحضروا بين يديه. فلما حضروا عنده جعل ينظر إليهن ، ويسأل من هذه ، من هذا؟. فقيل : هذه أم كلثوم الكبرى ، وهذه أم كلثوم الصغرى ، وهذه صفيّة ، وهذه أم هاني ، وهذه رقية : بنات علي عليه‌السلام. وهذه سكينة ، وهذه فاطمة : بنتا الحسين عليه‌السلام ، وهذا علي بن الحسين عليه‌السلام.

فالتفت اللعين إلى سكينة ، وقال : يا سكينة أبوك الّذي جهل حقي ، وقطع رحمي ، ونازعني في ملكي!.

٥٣٦ ـ تقريع سكينة ليزيد : (المصدر السابق ، ص ٤٨٦)

فبكت سكينة عليه‌السلام وقالت : لا تفرح بقتل أبي ، فإنه كان مطيعا لله ولرسوله ، ودعاه إليه فأجابه ، وسعد بذلك. وإن لك يا يزيد بين يدي الله مقاما يسألك عنه ، فاستعدّ للمسألة جوابا ، وأنّى لك الجواب!.

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٥٠٠ :

عن (الأنوار النعمانية) : أن الحريم لما دخلن في السبي على يزيد ، وكان يطلع فيهن ويسأل عن كل واحدة بعينها ، وهن مربقات بحبل طويل ، وزجر بن قيس يجرّهن ، حتى أقبلت امرأة ، وكانت تستر وجهها بزنديها ، لأنها لم يكن لها خرقة تستر بها وجهها ، فقال : من هذه التي ليس لها ستر؟. قالوا : سكينة بنت

٤٥٧

الحسين (ع). قال : أنت سكينة؟ فسالت دموعها على خدها ، واختنقت بعبرتها. فسكت عنها حتى كادت أن تطلع روحها من البكاء. فقال لها : وما يبكيك؟. قالت : كيف لا تبكي من ليس لها ستر تستر به وجهها ورأسها عنك!. فبكى يزيد وأهل مجلسه.

ثم قال : لعن الله عبيد الله بن زياد ، ما أقوى قلبه على آل الرسول!. ثم أقبل إليها وقال : ارجعي مع النسوة ، حتى آمر بكنّ أمري.

٥٣٧ ـ زين العابدين عليه‌السلام يستثير عطف يزيد على السبايا :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠١)

وفي رواية (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي : ثم أمر بعلي بن الحسين عليه‌السلام وأدخل إليه مغلولا. فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : يا يزيد لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لفكّه عنا ؛ فأمر بفكّه عنه. فقال عليه‌السلام : لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بعد لأحب أن يقرّبنا إليه ؛ فأمر به فقرّب منه.

إدخال الرأس المطهّر

٥٣٨ ـ إعداد الرأس الشريف :

قال سهل بن سعد : فدخلت مع من دخل لأنظر ما يصنع يزيد. فأمر بحطّ الرأس عن الرمح ، وأن يوضع في طشت ذهب ، ويغطى بمنديل ديبقي [أي منسوج من الشعر المضفور] ، ويدخل به عليه.

٥٣٩ ـ تسريح شعر الرأس الشريف ولحيته :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٣)

عن (مستدرك الوسائل) للنوري ، عن زهرة بل الرياض ، قال :

وضعوا الرأس بين يديه بعدما غسّلوه ، وسرّحوا لحيته وشعره ، وجعلوه في طشت.

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٠٨ قال :

فلما وضع الرأس بين يديه يزيد ، بعدما غسّلوه ، وسرّحوا لحيته وشعره ، وجعلوه في طشت من ذهب ؛ فجعل يزيد ينكت ثناياه بقضيب في يده.

٤٥٨

٥٤٠ ـ يزيد يبدي اشمئزازه من رائحة رأس الحسين عليه‌السلام :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٦)

ثم جيء برأس الحسين عليه‌السلام فوضع بين يدي يزيد ، فأمر الغلام فرفع الثوب الّذي كان عليه. فحين رآه غطّى وجهه بكمّه كأنه شمّ رائحة ، وقال : الحمد لله الّذي كفانا المؤن بغير مؤنة (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) [المائدة : ٦٤].

٥٤١ ـ رائحة المسك تفوح من الرأس الشريف :

(المصدر السابق)

قالت (دبا) حاضنة يزيد : دنوت من رأس الإمام الحسين عليه‌السلام حين شمّ يزيد منه رائحة لم تعجبه ، فإذا تفوح منه رائحة من روح الجنة كالمسك الأذفر ، بل أطيب.

وفي (سفينة البحار) ج ١ ص ٤٩٢ :

روي : أنه لما أدخل بالرأس الشريف على يزيد ، كان للرأس طيب قد فاح على كل طيب.

٥٤٢ ـ يزيد يطلب إحضار الرأس الشريف بين يديه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٤ ط ٢)

يقول الطريحي : ثم إن يزيد بعث يطلب الرأس ، فلما أوتي به إليه ، وضعه في طشت من ذهب ، وجعل ينكث ثناياه بقضيب كان عنده ، وهو يقول : رحمك الله يا حسين ، لقد كنت حسن المضحك. ثم أنشأ :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

ويقول السيد الأمين في (اللواعج) ص ١٩٥ :

ثم وضع رأس الحسين عليه‌السلام بين يدي يزيد ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه.

ويقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٤٥٥ :

ودعا يزيد برأس الحسين عليه‌السلام ووضعه أمامه في طست من ذهب ، وكان النساء خلفه. فقامت سكينة وفاطمة تتطاولان النظر إليه ، ويزيد يستره عنهما ، فلما رأينه صرخن بالبكاء.

٤٥٩

٥٤٣ ـ ما فعلته زينب عليه‌السلام لما رأت الرأس الشريف :

(لواعج الأشجان ، ص ١٩٥)

وأما زينب عليه‌السلام فإنها لما رأت رأس الحسين عليه‌السلام أهوت إلى جيبها فشقّته ، ثم نادت بصوت حزين يقرّح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يابن مكة ومنى ، يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يابن بنت المصطفى.

قال الراوي : فأبكت والله كلّ من كان حاضرا في المجلس ، ويزيد ساكت ، وهو بذاك شامت.

٥٤٤ ـ فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام تستنكر على يزيد فعله :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٧٦)

ثم إنه أدخل نساء الحسين والرأس بين يديه ، فجعلت فاطمة وسكينة تتطاولان لتنظرا إلى الرأس ، وجعل يزيد يستره عنهما. فلما رأينه صرخن وأعلنّ بالبكاء ، فبكت لبكائهن نساء يزيد وبنات معاوية ، فولولن وأعلنّ الصوت.

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٥٠٠ :

قال سهل بن سعد : ووضع الرأس الشريف في حقّة ، وأدخل على يزيد ، وهو جالس على السرير ، وحوله كثير من مشايخ قريش.

وفي (مقتل الحسين لأبي مخنف المنقول من تاريخ الطبري) ص ٢١٧ :

فقالت فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام وكانت أكبر من سكينة : أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا يا يزيد؟. (أيسرك هذا؟). فقال يزيد : يا ابنة أخي (والله ما يسرّني) وأنا لهذا كنت أكره. قالت : والله ما ترك لنا خرص. قال : يا ابنة أخي ما أتى إليك أعظم مما أخذ منك.

فبكى الناس ، وبكى أهل داره ، حتى علت الأصوات.

٥٤٥ ـ سكينة عليه‌السلام تشهد على قساوة يزيد :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٥٥ ط ٣)

ووضع رأس الحسين عليه‌السلام بين يدي يزيد ، فقالت سكينة : ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرّا منه ، ولا أجفى منه.

٤٦٠