موسوعة كربلاء - ج ٢

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ٢

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

حوادث تالية

١ ـ تسيير الرأس الشريف إلى مصر :

ـ بدعة وضع الحدوة للبركة

ـ دفن الرأس الشريف في عسقلان

ـ نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى الفسطاط (القاهرة)

ـ إقامة ذكرى الحسين عليه‌السلام في مصر

ـ تعصب الإخشيديين على الشيعة في مصر

٢ ـ تسيير الرأس الشريف إلى المدينة

٣ ـ أحفاد الجناة في كربلاء

ـ تفاخر بعض الأسر الشامية بالمشاركة في قتل الحسين عليه‌السلام

٤ ـ مدفن رأس الحسين عليه‌السلام :

ـ في دمشق

ـ في المدينة

ـ في الكوفة

ـ في عسقلان ثم القاهرة

ـ في كربلاء

٤٠١
٤٠٢

الفصل التاسع والعشرون

الرؤوس والسبايا في دمشق

٤٨٤ ـ توقيت الحوادث في دمشق : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٠)

قال الفاضل الدربندي :

الغافل يظنّ أن ما وقع في أيام متعددة ، أنه وقع في يوم واحد ، وهو يوم دخول الحرم والسبايا دمشق ، بل يظنّ أيضا أن ما وقع من رخصة يزيد وإذنه لأهل البيت عليه‌السلام وغيرهم ، بأن يقيموا مأدبة المأتم والتعزية والندبة على سيد الشهداء عليه‌السلام ، فقد وقع أيضا في ذلك اليوم!. مع أن الأمر ليس كذلك أبدا.

وكيف لا؟ فإن وقوف أهل البيت عليه‌السلام ومكثهم في الحبس في المكان الخراب مما قد دلت عليه روايات معتبرة. ثم بعد غضّ النظر عن كل ذلك أقول : إن الرواة ما أجروا الكلام من جهة الترتيب على نهج واحد.

فإن أبا مخنف ذكر أولا ما نقلناه عنه من مقالات يزيد حين إحضاره الرأس الشريف بين يديه ، ثم ذكر دخول هند بنت عبد الله زوجة يزيد عليه. ثم ذكر دخول الشمر عليه. ثم ذكر قصة رأس الجالوت. ثم ذكر قضية جاثليق النصارى ، ثم ذكر قضية خروج جارية من قصر يزيد ، وقولها له : قطع الله يديك ورجليك. ثم بعد ذلك كله قال : ثم استدعى يزيد الحرم فوقفوا بين يديه ، فنظر إليهن وسأل عنهن ... إلى آخر ما ذكره.

ثم ذكر بعد ذلك قضية نقل سكينة ما رأته في منامها.

ثم ذكر قضية صعود الإمام زين العابدين عليه‌السلام على المنبر.

هذا والعجب منه حيث يستفاد من ظاهر كلامه أن كل ذلك إنما وقع في يوم واحد ، بل ما ذكر بعد ذلك أيضا ، وذلك من قضية أمر يزيد الناس بقراءة القرآن بعد الصلوات الخمس ، ومن قضية أن يزيد أقام خطيبا ، وقال : يا أهل الشام إني ما قتلت الحسين ... إلى آخر ما ذكره.

٤٠٣

هذا اللهم إلا أن يقال إن تلك القضايا وإن لم تكن واقعة في يوم واحد ، إلا أن مقصود أبي مخنف كان هو الإشارة إلى محض الترتيب ، ولم يلاحظ في ذلك تعيين يوم كلّ واقعة من الوقائع ، ولا ذكر الأيام على نهج التفصيل.

وكيف كان ، فإن الظاهر من كلمات غير أبي مخنف أن ساعة أمر يزيد بإحضار الرؤوس المطهرة الى مجلسه في اليوم الّذي دخل الحرم والسبايا دمشق ، كانت ساعة أمره بإحضار الحرم والسبايا أيضا إلى مجلسه ...

ورود السبايا على دمشق

٤٨٥ ـ خولي يطلب من يزيد الخروج لاستقباله :

(نور العين في مشهد الحسين لأبي اسحق الإسفريني ، ص ٨٧)

ثم كتب (خولي) إلى يزيد كتابا يقول فيه : نهنّئ أمير المؤمنين ونعلمه أن معنا رأس عدوك الحسين وحريمه وأطفاله ، ونحن قريب من دمشق ، فاخرج لنا وتلقّنا.

ثم طوى الكتاب وأرسله مع رسول من عنده. فلم يزل سائرا إلى أن دخل دمشق ، وسلّم الكتاب ليزيد ، فقرأه وفهم معناه.

فأمر بتجهيز العساكر فجهزوا ، ثم أمرهم أن يخرجوا لملاقاتهم. فخرجوا من باب (جيرون) وباب (توما) وهم عشرون ألفا ، ومعهم الرايات منشورة ، وألسنتهم بالتهليل والتكبير مشهورة. ولم يزالوا حتى لاقوا القوم ، وأتوا بهم إلى دمشق.

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ١٢١ قال :

وأمر يزيد بمائة وعشرين راية ، وأمرهم أن يستقبلوا رأس الحسين عليه‌السلام فأقبلت الرايات ومن تحتها التكبير والتهليل ، وإذا بهاتف ينشد ويقول :

جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد

متزمّلا بدمائه تزميلا

لا يوم أعظم حسرة من يومه

وأراه رهنا للمنون قتيلا

فكأنما بك يابن بنت محمّد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبّرون بأن قتلت ، وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

٤٠٤

استقبال الرؤوس والسبايا خارج دمشق

٤٨٦ ـ تزيين دمشق الشام :

(حياة الإمام الحسين عليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٣٦٨)

وأمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمحلات العامة والخاصة بإظهار الزينة والفرح ، للنصر الّذي أحرزته في قتل الحسين عليه‌السلام وسبي ذريته.

ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله (١) :

ولما بلغوا (أي السبايا) ما دون دمشق بأربعة فراسخ ، استقبلهم أهل الشام ، وهم ينثرون النّثار (٢) فرحا وسرورا ، حتى بلغوا بهم قريب البلد ، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك ، حتى تتوفر زينة الشام ، وتزويقها بالحلي والحلل والحرير والديباج ، والفضة والذهب وأنواع الجواهر ، على صفة لم ير الراؤون مثلها ، لا قبل ذلك اليوم ولا بعده.

٤٨٧ ـ استقبال أهل الشام للسبايا :

(المصدر السابق)

ثم خرجت الرجال والنساء والأصاغر والأكابر والوزراء والأمراء ، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل إلى التفرّج ، ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير ، وسائر آلات الله وو الطرب. وقد كحلوا العيون وخضبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس وتزينوا أحسن الزينة. ولم ير الراؤون أشدّ احتفالا ولا أكثر اجتماعا منه ، حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق.

٤٨٨ ـ بقاء الرؤوس والسبايا ثلاثة أيام خارج دمشق ريثما تقام مراسم الزينة لمهرجان النصر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن (كامل البهائي) : أوقفوا أهل البيت عليه‌السلام على باب الشام ثلاثة أيام ، حتى يزيّنوا البلد. فزيّنوها بكل حلي وزينة ومرآة كانت فيها ، فصارت بحيث لم تر عين مثلها.

__________________

(١) حجة السعادة في حجة الشهادة.

(٢) النّثار : ما ينثر في حفلات السرور من حلوى أو نقود.

٤٠٥

٤٨٩ ـ كيف استقبلهم أهل الشام : (المصدر السابق ، ص ٨٤)

ثم استقبلهم من أهل الشام زهاء خمسمائة ألف [نصف مليون] من الرجال والنساء مع الدفوف. وخرج أمراء الناس مع الطبول والصنوج والبوقات. وكان فيهم ألوف من الرجال والشبان والنسوان يرقصون ويضربون بالدفّ والصنج والطنبور. وقد تزيّن جميع أهل الشام بأنواع الثياب والكحل والخضاب. وكان خارج البلدة من كثرة الخلائق كعرصة المحشر ، يموج بعضها في بعض.

فلما ارتفع النهار أدخلوا الرؤوس البلد ، ومن ورائها الحرم والأسارى من أهل البيتعليهم‌السلام.

٤٩٠ ـ عجوز على الروشن تضرب رأس الحسين عليه‌السلام بحجر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن أبي مخنف ، قال سهل : ورأيت روشنا عاليا [الرّوشن : هو الرف أو الشرفة] فيه خمس نسوة ومعهن عجوز محدودبة الظهر. فلما صارت بإزاء رأس الحسين عليه‌السلام وثبت العجوز وأخذت حجرا وضربت به ثنايا الحسين عليه‌السلام.

فلما رأى علي بن الحسين عليه‌السلام ذلك دعا عليها ، وقال : الله م عجّل بهلاكها وهلاك من معها. فما استتم دعاءه حتى سقط الروشن ، فسقطن بأجمعهن ، فهلكن وهلك تحته خلق كثير.

(وفي رواية أخرى) أن الملعونة اسمها (أم هجّام) ، فلما رأت رأس الحسين عليه‌السلام وهو على رمح طويل ، وشيبته مخضوبة بالدماء ، قالت : لمن هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس التي خلفه؟. فقالوا لها : هذا رأس الحسين وهذه رؤوس أصحابه. ففرحت فرحا عظيما ، وقالت : ناولوني حجرا لأضرب به رأس الحسين ، فإن أباه قتل أبي وبعلي [أي زوجي]. فناولوها حجرا فضربت به وجه الحسين عليه‌السلام.

وقيل : ضربت ثنايا الحسين عليه‌السلام فأدمته ، وسال الدم على شيبته.

٤٩١ ـ خبر العجوز أم هجّام : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٣١١)

قال الفاضل الدربندي : لما قرب السبايا من دمشق مرّوا بقصر عال ، وكانت عجوز جالسة فيه يقال لها أم هجّام ، ومعها وصائفها وجواريها. فلما رأت رأس

٤٠٦

الإمام المظلوم عليه‌السلام وهو على قناة طويلة وشيبه مخضوب بالدماء ، قالت العجوز : ما هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس المشالة على الرماح؟. فقيل لها : إن هذا رأس الحسينعليه‌السلام ، وهذه رؤوس إخوته وأولاده وعترته. ففرحت فرحا عظيما ، فقالت لواحدة من وصائفها : ناوليني حجرا لأضرب به وجه الحسين. فأتتها فضربت به رأس الحسينعليه‌السلام ، فسال الدم على وجهه وشيبه.

فالتفتت إليه أم كلثوم ، فرأت الدم الجديد سائلا على وجهه ولحيته ، فلطمت وجهها ونادت : وا غوثاه وا مصيبتاه وا محمداه وا علياه وا فاطمتاه وا حسناه وا حسيناه. ثم غشي عليها.

فقالت زينب عليه‌السلام : من فعل هذا بوجه أخي ونور بصري؟. فقيل لها : هذه العجوز الملعونة. فقالت : اللهم أهجم عليها قصرها ، وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

قال : فما استتم كلامها إلا وقد هجم عليها قصرها ، وأضرمت النار فيه ، فماتت واحترقت. وهكذا كلّ من كان معها في القصر.

فقالت زينب عليه‌السلام : الله أكبر من دعوة ما أسرع إجابتها.

٤٩٢ ـ أم كلثوم تطلب من شمر تقديم الرؤوس على السبايا ، ليشتغل الناس بها عن النظر إليهن :

(مثير الأحزان ، ص ٧٧ ؛ واللهوف ، ص ٧٣)

ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر ، فقالت له : لي إليك حاجة!. فقال : ما حاجتك؟. قالت : إذا دخلت بنا البلد ، فاحملنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ، ونحن في هذه الحال. فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم [طريقا] بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق. فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

٤٠٧

ملف : دمشق القديمة والمسجد الجامع

لمحة عن دمشق القديمة

والمسجد الجامع

١ ـ تاريخ مدينة دمشق

كانت دمشق منذ آلاف السنين بحيرة مترامية الأطراف تسمى «بحيرة دمشق الكبرى» ، تبدأ من خانق الربوة غربا ، وتنتهي بالعتيبة شرقا. وهذه البقعة بما حباها الله من تكوين ومعطيات بدت وكأنها قطعة من الجنة. فجبل قاسيون يحرسها من الشمال الغربي ، وسلسلته الممتدة إلى الزبداني خضعت في العصور الجيولوجية الموغلة في القدم لهدم شديد عجيب ، شقّ فيها أخدودا عميقا ، ثم فجّر منها ينابيع أجرت في الأخدود أنهارا ، مما شكّل في وهدتها بحيرة عظيمة عذبة المياه ، تحيط بها المرتفعات من كل جانب ، وتمتد إلى الشرق إلى ما يسمى اليوم بحيرة العتيبة. وحول هذه البحيرة العظيمة تكاثفت الأشجار وغرّدت الأطيار ، فإذا أنت وكأنك تعيش في فردوس من الجنة.

وكانت مياه الأمطار التي تهطل في ذلك الوقت على المنطقة غزيرة جدا ، مما سمح بتشكل تلك البحيرة العظمى.

ثم ما برحت المياه مع الزمن تنقص رويدا رويدا ، لتبدّل مناخ المنطقة وسيره نحو الجفاف ، فبدأت البحيرة الكبرى تصغر شيئا فشيئا ، وتبدو التلال الموجودة فيها. وكان الإنسان يعيش في تلك الفترة في المناطق العالية من جبل قاسيون ، وخاصة في منطقة برزة ، التي كانت منطقة الكهوف. ومع انحسار البحيرة بدأ الإنسان ينزل مقتربا من البحيرة. ولما كانت البحيرة مليئة بأنواع السمك ، فكنت ترى على أحد التلال وسط البحيرة صيادي السمك يدلون بقصباتهم إلى الماء لصيد السمك ، فسمّي هذا التل لذلك : تلّة السمّاكة. وكانت تبدو وسط البحيرة المنحسرة أربع تلات بارزة ، هي : تلة السماكة ، والتلة الواقعة في مكان الخراب (تلة الحمراوي) ، وتلة القصاع (سفل التلة). وأما التلة الثالثة فهي أكبرها ، وهي التي أنشئ عليها فيما بعد المعبد ، الّذي تحوّل إلى المسجد الأموي اليوم ، بينما بني القصر الآرامي على تلة السماكة.

٤٠٨

واستمر انحسار البحيرة الصافية حتى زالت (منذ ٩ آلاف سنة) ، تاركة مكانها سبعة فروع لنهر بردى ، تخترق البقعة من الغرب إلى الشرق ، ثم تجتمع لتصبّ في بحيرة العتيبة ، التي هي البقية الباقية من بحيرة دمشق الكبرى.

ومرت السنون ... ومرّ في تلك الواحة الساحرة (منذ ٧ آلاف سنة) دمشق بن إرم بن سعد بن عاد من أحفاد سام بن نوح عليه‌السلام وقد أتى من اليمن ، فأعجب بتلك الآية الإلهية وخلبت لبّه ، ففكر ببناء مدينة في تلك المنطقة ، فكانت دمشق. وأول ما بدأ بعمله هو بناء المعبد ، وكان له ولدان : أحدهما اسمه (جيرون) والآخر (بريد) ، فبنى لهما قصرين على أعمدة ، أحدهما من الشرق (وهو قصر جيرون) ، والآخر من الغرب (وهو قصر بريد) ، وفتح لكل قصر منهما بابا إلى المعبد ، فسمّي كل واحد من القصرين باسم صاحبه.

دمشق العمورية

(٣٥٠٠ ـ ١٥٠٠ ق. م)

بدأت دمشق تأخذ شكلها كبلدة هامة في عهد العمّوريين الذين غزوها من الشمال ، وكانت تضمّ المعبد (حدد) وأبوابه الخارجية الأربعة : باب جيرون من الشرق ، وباب الفراديس من الشمال ، وباب البريد من الغرب ، والباب الجنوبي الّذي كان يمتد منه طريق مباشر إلى قصر الملك ، الّذي يقع في جنوب المعبد عند الشارع المستقيم (مدحت باشا اليوم) ، وذلك قريبا من تلّة السمّاكة.

(الشكل ١٥)

مخطط دمشق العمورية

٤٠٩

فكانت دمشق في العهد العمّوري عبارة عن مستطيل يحده من الشمال نهر بردى (فرع بانياس) ، ويمتد من الجنوب إلى تلة السماكة ، وكانت دمشق تضم المعبد شمالا والقصر جنوبا ، وبينهما أسواق البيع (ومنها سوق البزورية اليوم).

دمشق الآرامية (١٥٠٠ ـ ٧٠٠ ق. م)

ولما نزح الآراميون من الجزيرة العربية وجاؤوا سورية (بعد ألف عام من العموريين) ، ضاقت بهم دمشق وسورها القديم ، حين اتخذوها عاصمة لهم ، فأنشؤوا سورا جديدا أوسع من الأول ، امتد شرقا إلى جادة باب توما التي تنتهي بالقشلة. ومن الجنوب إلى ساحة الخضرة (نهاية شارع الأمين). ومن الغرب إلى بيمارستان نور الدين في أول الحريقة. أما من الشمال فقد كان توسع السور ضئيلا لوجود النهر ، وقد وصل قريبا من مقام السيدة رقية عليه‌السلام اليوم.

دمشق اليونانية (٣٣٣ ـ ٦٤ ق. م)

استمر حكم الآراميين لدمشق ٨٠٠ عام ، ثم قام الإسكندر المقدوني بهجومه الواسع على الشرق ، فوقعت دمشق تحت الحكم اليوناني. وفي هذه الفترة توسعت دمشق شرقا ، فبنى اليونانيون حي القصاع خارج السور الآرامي ، وسكنوه.

وظهر أثر اليونان في دمشق في طريقة البناء ، وخصوصا في ذلك العنصر الأساسي لكل مدينة ، وهو الساحة العامة المعروفة باسم (آغورarogA) حيث تقام السوق ويجتمع المواطنون ويحتفلون (انظر الشكل ١٦). ويصل بين الساحة والمعبد طريق رئيسي هو شارع النوفرة اليوم ، الذي مرّت منه الرؤوس وسبايا أهل البيت عليهم‌السلام بعد دخولهم من باب توما في طريقهم إلى قصر يزيد.

دمشق الرومانية (٦٤ ق. م ـ ٦٣٥ م)

وفي عام ٦٤ ق. م احتل الرومان دمشق. ونتيجة التوسع المستمر اضطروا لبناء سور جديد هو السور الحالي تقريبا. وفتحوا طريقا رئيسيا يخترق دمشق من الشرق (باب شرقي) إلى الغرب (باب الجابية) سمّوه الشارع المستقيم ، ويسمى اليوم السوق الطويل (أو سوق مدحت باشا) بطول ١٥٠٠ م.

وقد أقام الرومان فوق معبد (حدد) معبدا وثنيا للإله جوبيتر (نجم المشتري). ولا تزال بعض آثاره الضخمة الشاهقة ماثلة حتى اليوم ، كما في باب البريد ، الّذي هو الباب الغربي للمعبد.

٤١٠

(الشكل ١٦) : دمشق اليونانية

ولا بأس أن ننوه أن لكل باب من أبواب المعبد الأربعة بابين : باب ملاصق للمعبد ، وباب يبعد عنه قليلا ، وبينهما ممر مغطى برواق على هيئة دهليز محمول على قناطر. ويظهر هذا جليا في باب جيرون الشرقي ، فالباب الشرقي للجامع الأموي اسمه باب جيرون ، وعلى بعد ٥٠ مترا منه إلى الشرق يقع باب ضخم له بوابة رئيسية وبابين صغيرين على جنبيه ، ويدعى هذا الباب أيضا باب جيرون ، وبين البابين سوق صغير يدعى سويقة جيرون ، تقع فيه النوفرة. ولتمييز هذا الباب عن باب الجامع اعتمدنا على تسميته باب جيرون الداخلي.

دمشق البيزنطية

(٣٩٥ ـ ٦١٤ م)

وما لبث الأمر حتى جاء البيزنطيون ، وهم نصارى اتخذوا القسطنطينية عاصمة لهم ، فهدموا المعبد ، وأقاموا في نصفه الغربي كنيسة سميت باسم (كنيسة يوحنا المعمدان) على اسم النبي يحيى عليه‌السلام.

ثم احتل دمشق الفرس الساسانيون فترة من الزمن ، حتى فتحها المسلمون.

٤١١

٢ ـ دمشق الإسلامية

(٦٣٥ م ـ حتى الآن)

فتح المسلمون مدينة دمشق عام ٦٣٥ م [١٣ ه‍] ، وعيّن عمر بن الخطاب أميرا عليها معاوية بن أبي سفيان. وكان من شروط الفتح أن يكون نصف المعبد الشرقي للمسلمين ، ونصفه الغربي للمسيحيين ، حيث كانت في هذا النصف كنيستهم المشهورة المسماة كنيسة يوحنا المعمدان. وظل المسلمون إلى عهد عبد الملك بن مروان يصلّون في النصف الشرقي ، حيث عملوا فيه محرابا سمّوه محراب الصحابة ، وهو آخر محراب من محاريبه الأربعة اليوم ، من الجهة الشرقية للمسجد.

قصر الخضراء

حين حوّل الرومان معبد (حدد) إلى معبد جوبيتر ، بنوه على نظام السورين : الكبير هو سور الحرم ، والصغير هو سور المعبد (انظر الشكل ١٧). ولما جاء المسيحيون جعلوا الجزء الغربي من المعبد كنيسة. وعند الفتح الإسلامي جعل المسلمون الجزء الشرقي من المعبد مسجدا.

ولما حكم معاوية دمشق وجد الحاجة ماسة إلى بناء قصر له ، فلم يجد أفضل من الفراغ الجنوبي الشرقي الواقع بين سور المعبد وسور الحرم ، لبناء ذلك القصر ،

٤١٢

لا سيما وأنه قريب من المسجد ، ومن الأماكن القليلة المتروكة بلا بناء في المدينة. فبنى دار الإمارة إلى الجنوب الشرقي من المسجد بدون فاصل ، وسماها الخضراء نسبة إلى القبة الخضراء التي كانت تعلوها.

وتحول القصر بعد معاوية إلى دار للملك ، يقطنها من يتولى الخلافة من بني أمية. ثم تهدم القصر حين أحرقه العباسيون ، وبني مكانه ما يسمى اليوم سوق الصاغة (القديمة).

وكان قبر معاوية في الحديقة الشرقية لقصر الخضراء ، فظل حتى اليوم ضمن المنطقة التي تسمى" زقاق الخضراء". وقد أوهم الأمويون الناس أن قبر معاوية في باب الصغير ، حتى لا ينبشه العباسيون ويحرقوه.

قصر يزيد (جيرون سابقا)

وكان من الطبيعي أن يؤمّن معاوية لأبنائه قصورا ، لا سيما لولده الوحيد المدلل يزيد ، فأعطاه القصر الشرقي (جيرون) الملاصق للمعبد من الجهة الشمالية الشرقية. وحين تولى يزيد السلطة بعد أبيه ، جعل قصر الخضراء لأمور الحكم والقضاء ، بينما خصص قصره الخاص لأهل بيته ولمنامه ، حيث أدخل عليه الرؤوس والسبايا ، وظهرت كرامات الرأس الشريف ، وذلك عندما وضع في إحدى غرف القصر ، التي تعرف اليوم باسم «مشهد رأس الحسين عليه‌السلام» وبجانبها الغرفة التي فيها المحراب الّذي كان يصلي فيه الإمام زين العابدين عليه‌السلام حين قرّبه يزيد وأدخله قصره لغايات سياسية.

وحين جاء الوليد بن عبد الملك ، كانت الحساسية قد اشتدت بين المسلمين والمسيحيين ، نتيجة تداخل أصوات النواقيس والأذان ، وكان في همه توسيع المسجد ، فاشترى الكنيسة ، وأعاد بناء مكان المعبد كله كمسجد فخم ، وحوّل المنارتين الشرقية والغربية إلى مئذنتين ، وبنى مئذنة جديدة على الطراز الإسلامي في منتصف السور الشمالي ، سميت لجمالها : مئذنة العروس.

وكان دخول الناس إلى المعبد في عهد معاوية من الباب الروماني الكبير الواقع في منتصف السور الجنوبي للمعبد ، فيدخل المسلمون من اليمين إلى مسجدهم ، ويدخل المسيحيون من اليسار إلى كنيستهم. ولما أعاد الوليد عمارة المسجد سدّ

٤١٣

هذا الباب لقربه من قصر الخضراء ، وشقّ عوضا عنه بابا جديدا سمّي «باب الزيادة» ، وهو باب الصاغة اليوم.

باب الساعات

وأنشئت فيما بعد عند هذا الباب ساعة ميكانيكية ، فسمي باب الساعات. وظل الأمر كذلك حتى احترق قصر الخضراء ، فانتقل مدخل القصر من الجهة الجنوبية للمسجد إلى الجهة الشرقية حيث سويقة جيرون (النوفرة) ، وأقيمت عند باب المسجد (جيرون) ساعة عظيمة عوضا عن السابقة. وقد وصف ابن جبير هذه الساعة في رحلته. وهذان البابان لا علاقة لهما بباب الساعات الّذي ورد ذكره في النصوص القديمة ، وهو أحد الأبواب التي أوقف رأس الحسين عليه‌السلام عندها قبل إدخاله إلى يزيد في قصره.

وستجد تحقيقا ولأول مرة عن هذا الباب فيما بعد.

٣ ـ أبواب دمشق العشرة

كانت أبواب دمشق في عهد معاوية ويزيد هي الأبواب الرومانية. ويمكن النظر إلى دمشق القديمة على أنها نصف دائرة قطرها الشمالي يشكل نهر بردى. ومن هذه الجهة الشمالية يقع باب توما وباب الفراديس. ويحدها من الشرق باب شرقي ، ومن الغرب باب الجابية ، وبينهما الشارع المستقيم الوحيد في دمشق ، وهو الشارع الّذي بناه الرومان ، ويسمى اليوم السوق الطويل ، أو سوق مدحت باشا. ويحدها من الجنوب باب كيسان ، وباب الصغير (انظر الشكل ١٨). وقد أنشأ المسلمون فيما

(الشكل ١٨)

أبواب دمشق القديمة

٤١٤

بعد عدة أبواب ، مثل باب الجنيق وباب السلامة وباب الفرج وباب النصر. فصار مجموع الأبواب عشرة.

استمرارية الأبواب

تعرضت دمشق القديمة إلى التوسع عبر آلاف السنين ، مما شكّل لها عدة أسوار : السور العمّوري ، والسور الآرامي ، والسور الروماني ، وهو نفسه الإسلامي. والذي يلفت نظرنا في هذا الموضوع هو التوسع من جهة الشمال ، أعني من جهة باب الفراديس. فليس غريبا أن نرى اليوم ثلاثة أسوار متقاربة من هذه الجهة ، توافقها ثلاثة أبواب كلها تدعى باب الفراديس ؛ الأول العموري (وهو القريب من المسجد) ، والأوسط الآرامي ، والثالث الروماني (وهو البعيد). والأخير هو الّذي ظل حتى اليوم ، بينما أهمل البابان الآخران وزالا.

وفي حين نجد بعدا واضحا بين هذه الأسوار الثلاثة من الجهات الأخرى ، فإننا نرى اقتراب هذه الأسوار من بعضها من الناحية الشمالية ، وذلك لعدم إمكانية التوسع من هذه الجهة لوجود نهر بردى (فرع بانياس) الذي يجري ملاصقا للسور الشمالي.

وسوف نتكلم عن هذه الأبواب الشمالية بالتفصيل فيما بعد ، عند كلامنا عن استمرارية الأبواب.

أبواب دمشق الداخلية

يظهر في (الشكل ١٧) كيف أن لكل باب من أبواب المسجد الجامع دهليزا مغطى يمتدّ إلى مسافة عشرات الأمتار ، يدخل من خلاله إلى المسجد. وفي نهاية كل دهليز باب كبير يسمى بنفس الاسم. ولتمييز هذا الباب عن باب المسجد نضيف إليه كلمة (داخلي). فباب جيرون وهو الباب الشرقي للمسجد له دهليز طويل يدعى سويقة جيرون ، وينتهي الدهليز من الشرق بباب ضخم يدعى باب جيرون الداخلي ، ولهذا الباب الرئيسي بابان صغيران عن يمينه وعن شماله. وقد تهدم أعلى القوس بينما ظل البابان الجانبيان ، اللذان طمر قسمهما الأكبر تحت الأرض نتيجة علو سطح الأرض عدة أمتار عن السابق نتيجة الزلازل والحروب. ولباب البريد وهو الباب الغربي للمسجد دهليز مشابه للسابق ، وهو ما كان يسمى بالمسكية ، ينتهي من

٤١٥

الغرب بباب ضخم هو باب البريد الداخلي ، الّذي بقيت بعض آثاره وتهدّم البعض الآخر ، ولا يزال جزء عال منه ماثلا للعيان ، وهو من العهد الروماني.

وأما من الجهة الشمالية ، فلباب الفراديس (الناطفيين) دهليز أيضا ، لكن بابه الداخلي غير موجود اليوم.

وأما باب الزيادة ، فكان له دهليز مغطى ، ولا تزال بقايا الأعمدة التي كانت تحمل الأقواس على الصفين ، ولا نعلم إن كان له باب داخلي أم لا.

٤ ـ المسجد الجامع

يسمى أكبر مسجد في دمشق بجامع دمشق ، أو المسجد الجامع. وهو الذي يعرف اليوم بجامع بني أمية.

لقد كان موقع هذا المسجد مكانا مخصصا للعبادة منذ القديم ، فكان معبد (حدد) في عهد الآراميين ، ثم معبد (جوبيتر) في عهد الرومان ، ثم كنيسة يوحنا المعمدان في عهد البيزنطيين ، إلى أن تمّ تحويله إلى مسجد إسلامي في عهد الوليد بن عبد الملك.

مخطط المسجد الجامع

يتألف الجامع من قسم شمالي مكشوف هو الصحن ، تحيط به أروقة مسقوفة ، ومن قسم جنوبي مغطى هو حرم المسجد المعدّ للصلاة.

المنارات والمآذن

كان في الزوايا الأربع للمعبد أربع صوامع (أبراج) قبل أن يصير جامعا ، فتهدمت الصومعتان الشماليتان من القديم ، ولم تجددا.

ولما بنى الوليد المسجد رفع فوق الصومعتين الجنوبيتين ، المئذنتين الشرقية والغربية ، وبنى مئذنة العروس في وسط الجدار الشمالي. وتسمى المئذنة الشرقية مئذنة عيسى عليه‌السلام لأنه يقال إن عيسى عليه‌السلام سوف ينزل منها في آخر الزمان. بينما تسمى المئذنة الغربية مئذنة قايتباي ، لأنه أعاد بناءها السلطان المملوكي قايتباي عام ٨٩٣ ه‍ بعد أن احترقت.

٤١٦

(الشكل ١٩) : مخطط المسجد الجامع

٤١٧

القباب في الصحن

هناك ثلاث قباب في الصحن :

الأولى : القبة الغربية ، وتسمى قبة المال أو قبة الخزنة ، وهي أكبرها ، وكان فيها مصاحف بالخط الكوفي ، ثم نقلت إلى اسطنبول. وقيل إنها كانت مخزنا لمال الجامع وهداياه الثمينة.

الثانية : القبة الشرقية ، وتعرف بقبة زين العابدين عليه‌السلام ، ويقال إنها بنيت في زمن المستنصر العبيدي سنة ٤٥٠ ه‍ ، وكتب عليها اسمه وأسماء الأئمة الاثني عشر عليه‌السلام. ثم سميت قبة الساعات ، إذ كانت فيها ساعات المسجد.

الثالثة : القبة المضروبة على بركة الماء وسط الصحن ، وهي قبة صغيرة مثمنة في وسطها أنبوبة نحاس تمجّ الماء ، بنيت لوضوء المصلّين سنة ٣٦٩ ه‍. وقد أزيلت من فترة ، ثم أعيد إنشاؤها كالسابق.

قاعات المسجد ومشاهده

توجد في الجهات الأربع من الجامع أربع قاعات كبيرة مستطيلة ، موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي ، سمّيت بالمشاهد ، ونسبت إلى الخلفاء الراشدين الأربعة. الأولى إلى يسار الداخل من باب البريد ، وتدعى مشهد عثمان ، وهي قاعة الاستقبال اليوم. والثانية إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد عمر. والثالثة إلى يسار الداخل من باب جيرون ، وتدعى مشهد أبي بكر. والرابعة إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد الإمام علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، ويتصل بها مشهد الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، ومشهد رأس الحسين عليه‌السلام. والمشهدان الأخيران هما جزء من قصر يزيد.

وستجد وصفا مفصلا للمشاهد الثلاثة الأخيرة فيما بعد.

٤١٨

حوادث أول يوم من صفر

(يوم الجمعة أول صفر سنة ٦١ ه‍)

دخول الرؤوس والسبايا دمشق

٤٩٣ ـ يوم دخول الرؤوس والسبايا إلى دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

في (نفس المهموم) : قال الكفعمي وشيخنا البهائي والمحدّث الكاشاني :

في أول يوم من صفر أدخل رأس الحسين عليه‌السلام إلى دمشق الشام (١) وهو عيد عند بني أمية ، وهو يوم تتجدد فيه الأحزان عندنا.

٤٩٤ ـ عيد بعاصمة الخلافة الأموية : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦)

قال سهل بن سعد الشهرزوري :

خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار ، قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقلت في نفسي : لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن!. فرأيت قوما يتحدثون ، فقلت : يا هؤلاء ، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟. قالوا : يا شيخ نراك غريبا. فقلت : أنا سهل ابن سعد ، قد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت حديثه. فقالوا : يا سهل ما أعجبك [أن] السماء لا تمطر دما ، والأرض لا تخسف بأهلها؟!. قلت : ولم ذاك؟. فقالوا : هذا رأس الحسين ثمرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهدى من أرض العراق إلى الشام ؛ وسيأتي الآن!. قلت : وا عجباه أيهدى رأس الحسين عليه‌السلام والناس يفرحون!. فمن أي باب يدخل؟.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٢٨٩ :

__________________

(١) يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في حاشية ص ٤٤٧ من مقتله : نصّ عليه (كامل البهائي) و (الآثار الباقية) للبيروني و (المصباح) للكفعمي ، ص ٢٦٩ و (تقويم الحسنين) للفيض ، ص ١٥.

وبناء على ما في (تاريخ الطبري) من حبسهم في السجن إلى أن يأتي البريد من الشام بخبرهم ، يبعد وصولهم إلى الشام في أول صفر ، فإن المسافة بعيدة تستدعي زمنا طويلا ، اللهم إلا أن يكون البريد من طريق (الطير الزاجل).

٤١٩

فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب. فوقفت هناك ، وكلما تقدموا بالرأس كان أشدّ لفرحهم وارتفعت أصواتهم. وإذا برأس الحسين عليه‌السلام والنور يسطع من فيه كنور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فلطمت على وجهي وقطعت أطماري وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه للأبدان السليبة النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان. وا حزناه على الخدّ التريب ، والشيب الخضيب. يا رسول الله ليت عينك ترى رأس الحسين عليه‌السلام في دمشق يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق ، مشقّقات الذيول والأزياق (١) ، ينظر إليهم شرار الفسّاق!. أين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يراكم على هذا الحال ...

من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟

٤٩٥ ـ من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟ :

نستعرض أولا الروايات ، ثم نحاول التوفيق بينها ، ثم نخلص إلى النتيجة.

يورد الخوارزمي في مقتله روايتين :

الأولى : قال سهل بن سعد : فمن أي باب يدخل؟. فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات ، فسرت نحو الباب. فبينما أنا هناك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا.

الثانية : إن السبايا لما وردوا مدينة دمشق ، أدخلوا من باب يقال له باب توما. ثم أتي بهم حتى أقيموا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

المنتخب للطريحي : (ج ٢ ص ٤٨٣)

قال : ثم دخلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعلي بن الحسين عليه‌السلام معهم على جمل بغير وطاء ... ثم أتوا إلى باب الساعات ، فوقفوا هناك ثلاث ساعات يطلبون الإذن من يزيد.

مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، روايتان : (ص ١٢١ و ١٢٤)

الأولى : قال سهل : ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم ، وإذا قد أقبل ثمانية عشر رأسا ، وإذا السبايا على المطايا بغير وطاء ، ورأس الحسين عليه‌السلام بيد شمر.

__________________

(١) الأزياق : جمع زيق ، وهو ما يكفّ به جيب القميص.

٤٢٠