موسوعة كربلاء - ج ٢

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ٢

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

١٧٧ ـ ما فعله الفرس بعد مقتل الحسين عليه‌السلام :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٩٤)

قال عبد الله بن العباس : حدّثني من شهد الواقعة أن فرس الحسين عليه‌السلام

[بعد مقتله] جعل يحمحم ويتخطّى القتلى في المعركة ، قتيلا بعد قتيل ، حتى وقف على جثّة الحسين عليه‌السلام ، فجعل يمرّغ ناصيته بالدم ، ويلطم الأرض بيده ، ويصهل صهيلا حتى ملأ البيداء. فتعجب القوم من فعاله.

فلما نظر عمر بن سعد إلى فرس الحسين قال : يا ويلكم آتوني به ، وكان من جياد خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فركبوا في طلبه ، فلما أحسّ الجواد بالطلب ، جعل يلطم بيده ورجليه ويمانع عن نفسه ، حتى قتل خلقا كثيرا ، ونكّس فرسانا من خيولهم ، ولم يقدروا عليه. فصاح عمر بن سعد : دعوه حتى ننظر ما يصنع؟.

فلما أمن الجواد من الطلب ، أتى إلى جثة الحسين عليه‌السلام وجعل يمرّغ ناصيته بدمه ، ويبكي بكاء الثكلى ، وثار يطلب الخيمة.

فلما سمعت زينب بنت علي عليهما‌السلام صهيله عرفته ، فأقبلت على سكينة وقالت لها : قد جاء أبوك بالماء ، فاستقبليه. فخرجت سكينة فرحة بذكر أبيها ، فرأت الجواد عاريا ، والسرج خاليا من راكبه ، وهو يصهل وينعى صاحبه.

فهتكت خمارها [أي شقّته] ونادت : وا أبتاه! وا حسيناه! وا قتيلاه! وا غربتاه! وا بعد سفراه! وا طول كربتاه!. هذا الحسين بالعرا ، مسلوب العمامة والرّدا ، قد أخذ منه الخاتم والحذا. بأبي من رأسه بأرض وجثته بأخرى ، بأبي من رأسه إلى الشام يهدى ، بأبي من أصبحت حرمه مهتوكة بين الأعداء ، بأبي من عسكره يوم الاثنين مضى. ثم بكت بكاء شديدا.

فلما سمعت بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صهيل الجواد خرجن ، فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل. فرفعن أصواتهن بالبكاء والعويل. ووضعت أم كلثوم يدها على رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جداه ، وا نبياه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه. هذا حسين بالعرا ، صريع بكربلا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا. اليوم مات محمّد المصطفى ، اليوم مات علي المرتضى ، اليوم ماتت فاطمة الزهرا. ثم غشي عليها.

١٨١

١٧٨ ـ ما ذا كان يقول جواد الحسين في صهيله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٣٥)

عن صاحب (المناقب) ومحمد بن أبي طالب : أن الفرس [كان] يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة ، حتى مات.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم صفين : ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا ، وينفر فرسه ويحمحم ، ويقول في حمحمته : الظليمة الظليمة ، من أمة قتلت ابن بنت نبيها ، وهم يقرؤون القرآن الّذي جاء به إليهم.

* * *

١٧٩ ـ دم الحسين عليه‌السلام لا يعادله دم :

(ذيل الروضتين لأبي شامة ، ص ١٨)

في سنة ٥٩٦ ه‍ توفي بمصر الفقيه شهاب الدين محمّد الطوسي الحنبلي.

قال ابو شامة : بلغني أنه سئل : أيما أفضل ، دم الحسين (ع) أم دم الحلّاج؟. فاستعظم ذلك ، وقال : كيف يجوز أن يقال هذا!؟ .. قطرة من دم الحسين عليه‌السلام أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلاج.

فقال السائل : إن دم الحلاج كتب على الأرض (الله) ولا كذلك دم الحسين. فقال الطوسي : المتّهم يحتاج إلى تزكية.

قلت : وهذا جواب في غاية الحسن في هذا الموضع ، على أنه لم يصحّ ما ذكر من دم الحلاج.

١٨٠ ـ لماذا صارت مصيبة يوم عاشوراء أعظم المصائب؟ :

(علل الشرائع للصدوق ، ج ١ ص ٢٢٥ ط نجف)

سأل أحدهم الإمام الصادق عليه‌السلام قال : يابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء ، دون اليوم الّذي قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم الّذي ماتت فيه فاطمة عليها‌السلام واليوم الّذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام واليوم الّذي قتل فيه الحسن عليه‌السلام بالسم؟. فقال : إن يوم الحسين عليه‌السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى ، كانوا خمسة ؛ فلما مضى عنهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة. فلما مضت فاطمة عليها‌السلام كان في

١٨٢

أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى عنهم أمير المؤمنين عليه‌السلام كان للناس في الحسن والحسين عليهما‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى الحسن عليه‌السلام كان للناس في الحسين عليه‌السلام عزاء وسلوة. فلما قتل الحسين عليه‌السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم. فلذلك صار يومه أعظم مصيبة.

مناد من السماء ينعى الحسين عليه‌السلام

١٨١ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة عند قتل الحسين عليه‌السلام :

(روضة الواعظين للنيسابوري ، ص ١٩٣ ط قم)

قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : لما ضرب الحسين بن علي عليهما‌السلام بالسيف ، ثم ابتدر [شمر] ليقطع رأسه ، نادى مناد (بعض الملائكة) من قبل الله رب العزّة تبارك وتعالى ، من بطنان العرش ، فقال : ألا أيتها الأمة المتحيّرة الظالمة الضالّة بعد نبيّها (القاتلة عترة نبيّها) ، لا وفّقكم الله (لصوم) ولا فطر ولا أضحى.

ثم قال الصادق عليه‌السلام : لا جرم والله ما وفّقوا ولا يوفّقون أبدا ، حتى يقوم ثائر الحسين عليه‌السلام (١) [يقصد الحجة القائم (عج)].

١٨٢ ـ مناد من السماء ينعى الحسين عليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٩)

يقول أبو مخنف : إن (الشمر) لما شال الرأس الشريف في رمح طويل ، وكبّر العسكر ثلاث تكبيرات ؛ زلزلت الأرض ، وأظلمت السموات ، وقطرت السماء دما. ونادى مناد من السماء : قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام. قتل والله الهمام بن الهمام ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فارتفعت في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظنّ القوم أن العذاب قد جاء. فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.

١٨٣ ـ كم تتأخر الرؤيا؟ :

(مختصر صفوة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، ص ٦٢)

قيل لجعفر الصادق عليه‌السلام : كم تتأخر الرؤيا؟. قال : خمسين سنة ، لأن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، ص ١٤٨.

١٨٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى كلبا أبقع ولغ في دمه ، فأوّله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته. فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه‌السلام وكان أبرص ، فتأخرت الرؤيا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسين سنة.

١٨٤ ـ جرائم وحشية لم يشهد لها مثيل : (العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٦)

في (مطالب السّؤول) لمحمد بن طلحة الشافعي قال : ثم احتزّوا رأس سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه الحسين عليه‌السلام بشبا الحداد ، ورفعوه كما ترفع رؤوس ذوي الإلحاد ، على رؤوس الصعاد ، واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد ، واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد ، وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد. هذا مع علمهم بأنها الذرية النبوية ، المسؤول لها بالمودّة ، بصريح القرآن وصحيح الاعتقاد!.

تحقيق من الّذي قتل الحسين عليه‌السلام

١٨٥ ـ من الّذي باشر قتل الحسين عليه‌السلام؟ :

يجب أن نفرّق عند دراسة هذا التحقيق بين أمرين :

الأول : من الّذي ضرب الحسين عليه‌السلام ضربة مميتة حتى صرعه ، أي ألقاه على الأرض.

والثاني : من الّذي ذبح الحسين عليه‌السلام وفصل رأسه عن جسده الشريف ، وهو ما يسمى بالإجهاز عليه (١) أي الإسراع في قتله وتتميمه.

وقد يكون الذبح هو سبب القتل ، وقد يكون تعجيلا للقتل ، كما حدث للحسينعليه‌السلام ، فقد ذبح وبه رمق.

وهذان الأمران مترددان حسب الروايات بين ثلاثة أشخاص هم :

شمر ـ وسنان ـ وخولي

أما ما يذكر من أن عمر بن سعد قتل الحسين عليه‌السلام فهو من قبيل المجاز ، بمعنى أنه هو الآمر لقتله ، باعتباره قائد الجيوش التي تولّت قتله ، فيكون هو القاتل حكما لا فعلا.

__________________

(١) جهز على الجريح وأجهز : أثبت قتله ، وأسرعه ، وتمّم عليه.

١٨٤

والظاهر من الروايات أن خولي ليس هو القاتل الفعلي ، فيكون أمر صرع الحسينعليه‌السلام ثم ذبحه ، دائرا بين شمر وسنان.

والذي أرجّحه أن القاتل هو (شمر) ، مستدلا بأمور ثلاثة :

١ ـ الشهرة التي على ألسن الخطباء ، والتي توارثوها أبا عن جدّ ؛ أن قاتل الحسينعليه‌السلام هو شمر بن ذي الجوشن.

٢ ـ ما صرّحت به الزيارة القائمية ، من أن الّذي قتل الحسين عليه‌السلام هو الشمر.

٣ ـ أن الثلاثة المذكورين كانوا قساة أجلافا ، ولكن الشمر كان أجرأهم على القتل وسفك الدماء. والذي زاد في حقد الشمر على الحسين عليه‌السلام قول السبط له أنه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه ، فقال له : إن الّذي يتولى قتله رجل أبرص أبقع ، له بوز طويل كبوز الكلب. وهذا ينطبق على الشمر.

يؤيد ما سبق ما قاله المستشرق رينهارت دوزي في كتابه (مسلمي إسبانيا) حيث قال : لم يتردد الشمر لحظة في قتل حفيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع ، وإن كانوا مثله في الكفر.

(راجع كتاب حياة الإمام الحسين عليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٢٩٢)

(أقول) : لذلك عندما أقبل خولي لقتل الحسين عليه‌السلام فضعف وأرعد ، قال له شمر : ثكلتك أمك ، ما أرجعك عن قتله؟!.

وأمامي الآن على الطاولة عشرون رواية ، يمكن أن أستخلص منها النتائج التالية :

١ ـ أن الّذي ضرب الحسين عليه‌السلام بسهم فأوقعه عن ظهر جواده صريعا إلى الأرض ، هو خولي بن يزيد الأصبحي.

٢ ـ والذي ضرب الحسين عليه‌السلام بالسيف على رأسه (أو بالرمح في حلقه) فصرعه ، هو سنان بن أنس النخعي.

٣ ـ أما الّذي أجهز على الحسين عليه‌السلام فذبحه وقطع رأسه ، فهو شمر بن ذي الجوشن الضبابي. وبعد ذبحه دفع الرأس إلى خولي.

فالذين زعموا أن خولي هو الّذي ذبحه ، فلأنهم رأوا الرأس في يده ، فتوهموا أنه هو الّذي ذبحه .. فيكون سنان وشمر قد اشتركا في قتله عليه‌السلام.

١٨٥

والآن نعرض بعض أقوال المؤرخين واجتهادات المحققين.

١٨٦ ـ رأي بعض المحققين فيمن قتل الحسين عليه‌السلام :

(تذكرة الخواص ، ص ٢٦٤ ط ٢ نجف)

١) ـ رأي سبط ابن الجوزي :

قال : وقد اختلفوا في قاتل الحسين عليه‌السلام على أقوال :

أحدها : سنان بن أنس النخعي (قاله هشام بن محمّد).

والثاني : الحصين بن نمير ، رماه بسهم ، ثم نزل فذبحه ، وعلّق رأسه في عنق فرسه ، ليتقرب به إلى ابن زياد.

والثالث : مهاجر بن أوس التميمي.

والرابع : كثير بن عبد الله الشعبي.

والخامس : شمر بن ذي الجوشن.

والأصح أنه سنان بن أنس النخعي ، وشاركه شمر بن ذي الجوشن.

٢) ـ رأي السيد باقر شريف القرشي :

(حياة الإمام الحسين ج ٣ ص ٢٩٢)

قال : اختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الّذي أجهز على ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه بعض الأقوال :

١ ـ سنان بن أنس : احتزّ رأسه الشريف.

٢ ـ شمر بن ذي الجوشن.

٣ ـ عمر بن سعد (ذكر ذلك المقريزي وغيره).

٤ ـ خولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه.

٥ ـ شبل بن يزيد الأصبحي.

٦ ـ الحصين بن نمير (نصّ على ذلك بعض المؤرخين).

٧ ـ المهاجر بن أوس التميمي (ذكره سبط ابن الجوزي).

٨ ـ كثير بن عبد الله الشعبي.

١٨٦

ثم يقول : هذه بعض الأقوال ، والذي نراه أن شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الإمام عليه‌السلام واشترك مع سنان في حزّ رأسه الشريف.

٣) ـ رأي الفاضل الدربندي : (أسرار الشهادة ، ص ٤٢٧)

قال : اختلف فيمن قتل الحسين عليه‌السلام ، ولكن الزيارة القائمية صريحة بأنه الشمر. أما خولي وسنان فلهما مدخلية في القتل. ولذلك قال بعض العلماء : إن القاتل كان ثلاثتهم.

ويؤيد ذلك ما ذكره البعض الآخر من أن سنان بن أنس النخعي ، وخولي ابن يزيد الأصبحي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، أقبلوا ومعهم رأس الحسين عليه‌السلام ، ومضوا به إلى عمر بن سعد وهم يتحدثون ؛ فخولي يقول : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، والشمر يقول : أنا أبنت رأسه عن بدنه.

(أقول) : وفي هذا الاجتهاد ، فصل الخطاب وشفاء الفؤاد.

لكن لي نقد بسيط على الرواية التي أوردها الفاضل الدربندي حيث قال عن سنان : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، ثم قال شمر : أنا أبنت رأسه عن بدنه. فهذه الرواية توحي للسامع بأن القاتل الفعلي هو سنان ، وأن شمر قطع رأس الحسين عليه‌السلام بعد موته. والصحيح أن الحسين عليه‌السلام لما ضعف وهو جالس على الأرض ، طعنه سنان بالرمح في ترقوته وفي صدره ، فسقط صريعا يجود بنفسه. ثم جاء شمر ـ وكان الحسين عليه‌السلام به رمق ـ فتكلم معه ، ثم ذبحه قبل أن يموت. فيكون سنان وشمر مشتركين في قتل الحسين عليه‌السلام ، وشمر هو الّذي ذبحه كما يذبح الكبش ، بعد أن أكبّه على وجهه ، وبدأ يجزّ رأسه من قفاه. فسنان لم يضربه بالسيف على هامته كما ذكر الدربندي ، ولم يكن هو قاتله الفعلي.

٤) ـ رأي المؤرّخ القرماني : (أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٨)

قال : ثم حمل الرجال على الحسين عليه‌السلام من كل جانب ، وهو يجول فيهم يمينا وشمالا ؛ فضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه ، وطعنه سنان بن أنس بالرمح ، فوقع.

فنزل إليه الشمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

(أقول) : في هذه الرواية الوصف الفعلي لما حدث للحسين عليه‌السلام ، حيث

١٨٧

صرّحت بأن الّذي صرعه سنان ، والذي ذبحه شمر ، ثم سلّمه إلى خولي فرفعه. فتوهم بعضهم أن خولي هو الّذي تولى ذبحه.

٥) ـ رأي فخر الدين الطريحي : (المنتخب للطريحي ، ص ٣٧ ط ٢)

قال : طعنه سنان بالسنان فصرعه إلى الأرض ، فابتدر إليه خولي ليحتزّ رأسه ، فارتعد ورجع عن قتله. فقال له الشمر : فتّ الله عضدك ، ما لك ترعد؟. ثم إن الشمر نزل عن فرسه ودنا إلى الحسين عليه‌السلام فذبحه كما يذبح الكبش. ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

وفي الصفحة ٤٩٣ من (المنتخب) قال : طعنه سنان بسنانه ، ورماه خولي بسهم ميشوم ، فوقع في لبّته ، وسقط عن ظهر جواده إلى الأرض يجول في دمه ، فجاءه الشمر فاحتزّ رأسه بحسامه ، ورفعه فوق قناته.

٦) ـ رأي الشيخ عبد الله الشبراوي : (الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٣)

قال : ثم إن سنان بن أنس النخعي حمل على الحسين عليه‌السلام في تلك الحالة وطعنه برمح ، وقال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأرعد وضعف. فنزل عليه شمر وذبحه ، وأخذ رأسه ودفعه إلى خولي.

٧) ـ رأي الطبري وابن الأثير : (تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٠ ط ١ مصر)

قال الطبري : ثم انصرفوا ، وهو عليه‌السلام ينوء ويكبو.

قال الراوي : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي ، فطعنه بالرمح فوقع. ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف وأرعد. فقال له سنان بن أنس : فتّ الله عضديك وأبان يديك. فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ، ثم دفعه إلى خولي بن يزيد.

٨) ـ رأي السيد إبراهيم الميانجي : (العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٥)

قال : وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع ، فنزل إليه شمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

وفي (اللهوف) : إن سنان بن أنس ضربه بالسيف في حلقه الشريف ، ثم احتزّ رأسه المقدس. ثم انتهبوا سلبه.

١٨٨

وعن (تظلم الزهراء) : إن المروي عن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام أن القاتل سنان ؛ ولكن الأشهر أنه شمر ، كما في زيارة الناحية المقدسة.

تحقيق اليوم الّذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام

١٨٧ ـ في أيّ يوم قتل الحسين عليه‌السلام :

اتفق الرواة والمؤرخون على أن شهادة الحسين عليه‌السلام كانت يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ ه‍. ولكن اختلفوا في اليوم ، والأغلب أنه كان يوم الجمعة.

قال ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٣ ص : استشهد عليه‌السلام يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال ، ويقال يوم الجمعة بعد صلاة الظهر. وقيل يوم الاثنين ، بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية. ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

وأما السيد الأمين في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ٢٨٨ فيرجّح ما حققه أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) من أن شهادته عليه‌السلام كانت يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الظهر. وينفي ما ذكره المفيد من أن عمره كان ٥٨ سنة ، بل ٥٧ سنة.

وأما اليعقوبي في تاريخه ، ج ٢ ص ٢٤٣ فيقول : وكان مقتله عليه‌السلام لعشر ليال خلون من المحرم سنة ٦١ ه‍. واختلفوا في اليوم ، فقالوا : يوم السبت ، وقالوا : يوم الاثنين ، وقالوا : يوم الجمعة. وكان من شهور العجم في تشرين الأول.

١٨٨ ـ الأشهر أن مقتل الحسين عليه‌السلام كان يوم الجمعة :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٣٢٧)

قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) : كان مولده عليه‌السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ، وله ست وخمسون سنة وشهور.

وقيل : قتل يوم السبت ، والذي ذكرناه أولا أصح.

وأما ما نقله العامة من أنه قتل يوم الاثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية. وكان أول المحرم الّذي قتل فيه عليه‌السلام يوم الأربعاء. أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات [أي قوائم الحسابات الفلكية] ، وإذ كان ذلك كذلك ، فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين.

١٨٩

قال أبو الفرج : وهذا دليل صحيح واضح ، تنضاف إليه الرواية.

١٨٩ ـ التحقيق الفلكي ليوم مقتله الشريف :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣)

قال اليعقوبي : وكانت الشمس يومئذ في الميزان ، سبع عشرة درجة وعشرين دقيقة. والقمر في الدلو ، عشرين درجة وعشرين دقيقة. وزحل في السرطان ، تسعا وعشرين درجة وعشرين دقيقة. والمشتري في الجدي ، اثنتي عشرة درجة وأربعين دقيقة. والزهرة في السنبلة ، خمس درجات وخمسين دقيقة. وعطارد في الميزان ، خمس درجات وأربعين دقيقة. والرأس في الجوزاء ، درجة وخمسا وأربعين دقيقة.

١٩٠

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

ويتضمن الأمور التالية :

الفصل ٢٥ ـ آيات كونية :

ـ أهوال يوم العاشر

ـ مشاركة الدنيا في الحزن والبكاء على الحسين عليه‌السلام

ـ حزن أم سلمة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة عليها‌السلام على الحسين عليه‌السلام

الفصل ٢٦ ـ حوادث بعد الشهادة :

ـ ترتيب الحوادث من ١٠ محرم إلى ٢٠ صفر

حوادث بعد ظهر يوم العاشر من المحرم :

ـ سلب الحسين عليه‌السلام

ـ نهب الخيام وحرقها

ـ الناجون من القتل

ـ وطء الخيل لجسد الحسين عليه‌السلام

ـ تراجم وأنساب بعض قتلة الحسين عليه‌السلام

الفصل ٢٧ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا إلى الكوفة :

عشية اليوم العاشر من المحرم :

ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر

ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة

١٩١

اليوم الحادي عشر من المحرم :

ـ تسيير السبايا إلى الكوفة

مساء اليوم الثاني عشر :

ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى ضاحية الكوفة

اليوم الثالث عشر من المحرم :

ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ـ خطب في الكوفة : خطبة زينب الكبرى وفاطمة الصغرى وأم كلثوم وزين العابدينعليه‌السلام

ـ دفن جسد الحسين عليه‌السلام والشهداء رضي الله عنهم

ـ إدخال رأس الحسين عليه‌السلام والعترة الطاهرة على ابن زياد

ـ محاورة زينب وملاسنة زين العابدين عليه‌السلام لابن زياد

اليوم الرابع عشر وما بعده :

ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة

ـ صلب الرأس وكلامه

ـ نعي الحسين عليه‌السلام في المدينة

١٩٢

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

مقدمة الباب التاسع :

ما أن فاضت روح الإمام الحسين عليه‌السلام مسرعة إلى الرفيق الأعلى ، زاهدة بالدنيا الفانية وأهلها ، حتى لبست الدنيا ثوب الحداد على سيد الشهداء عليه‌السلام. فبكت عليه الأرض والسماء والملائكة والجن ، وحدثت آيات كونية تدل على منزلة الحسين عليه‌السلام ومركزيته في هذا الكون.

ولم تكتف طغمة الفجّار والكفار ، بقتل الحسين عليه‌السلام وذبحه ، وقتل أهله وأصحابه ، وسبي نسائه وأطفاله ، حتى قاموا بدافع من الحقد الطاغي بسلب الحسين عليه‌السلام ألبسته ، ونهب خيامه وحرقها. وأشدّها ألما وتأثيرا على النفس رضّ صدر الحسين عليه‌السلام ووطؤه بسنابك الخيل ، حتى تفتّت أجزاء جسده ، وطحنت جناجن صدره. وكان العشرة الذين انتدبوا لهذا العمل كلهم أبناء حرام.

وبات السبايا والأطفال عليه‌السلام بحماية زينب العقيلة عليها‌السلام ليلة الحادي عشر من المحرم في خيمة منفردة في كربلاء ، ومعهم الإمام زين العابدين عليه‌السلام يعالج سكرات المرض. واستطاعت العقيلة عليها‌السلام أن تتحمل كل هذه المآسي وتواجه كل هذه الكوارث ، بقلب ثابت وجنان ثاقب ، حتى سمّيت «بطلة كربلاء».

وبينما كان القمر ينير صفحة السماء والأرض ، كان جنود عمر بن سعد يعدّون رؤوس الشهداء عليه‌السلام ويعيّنون قاتليهم حتى ينالوا الجوائز. وتحت جناح الليل ساروا بالرؤوس ـ وعددها يتجاوز السبعين ـ حتى أوصلوهم إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.

وفي اليوم الحادي عشر من المحرم ، سيّروا السبايا إلى الكوفة بعد أن مرّوا بهم على أجساد الشهداء عليهم‌السلام. وعندما دخل السبايا إلى الكوفة خطبت زينب عليها‌السلام بالجمع المحتشد من أهل الكوفة ، ثم تابعتها فاطمة الصغرى بنت الإمام

١٩٣

الحسين عليهما‌السلام وأم كلثوم بنت علي عليها‌السلام ، ثم خطب بهم الإمام زين العابدين عليه‌السلام وهو متحامل على مرضه.

ولما عرضت السبايا على ابن زياد ، أمر بهم فوضعوا في السجن. ومن هناك خرج الإمام زين العابدين عليه‌السلام بقدرة إلهية متوجها إلى كربلاء ليقوم بمهمة دفن جسد أبيه الحسينعليه‌السلام وبقية الشهداء من أهل البيت عليهم‌السلام والأصحاب.

ثم قام ابن زياد بتطويف رأس الحسين وأنصاره عليه‌السلام في طرق الكوفة ، مفتخرا بنصره وإنجازه. وأثناء ذلك مرّ الرأس الشريف وهو محمول على الرمح (بزيد بن أرقم) فخاطبه زيد ، فردّ عليه الرأس بآية من القرآن.

ثم أمر بالرأس الشريف فصلب شامخا بالعلاء ، حزينا على بني الإنسان ، الذين أضاعوا الإيمان والوفاء والصدق والاحسان.

وفي الأثناء كانت القارورة التي قد أودعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أم سلمة ، وهي مليئة بتراب من كربلاء ، كانت تفور دما قانيا ، فعلمت منه أم سلمة أن ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استشهد. فأبلغت أهل المدينة بالنبأ قبل وصوله ، فبدأت بيوت المسلمين فيها بإقامة العزاء على فقيدها الغالي.

وإذا حزنت أم سلمة رضي الله عنها وأهل المدينة على مقتل الحسين عليه‌السلام ، فكيف لا يحزن عليه جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه علي عليه‌السلام وأمه الزهراء عليها‌السلام ، وهم في عالم الخلود يرزقون!. وإذا كنا مسلمين حقا ، فمن منا لا يحزن لحزن النبي وأهل البيت عليهم‌السلام ، ومن لا يبكي على مصابهم؟!.

١٩٤

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونية

ويتضمن هذا الفصل :

١ ـ كرامات صدرت عن سيد الشهداء عليه‌السلام

٢ ـ أهوال اليوم العاشر

٣ ـ حوادث كونية غير عادية :

ـ بكاء السماء دما

ـ بكاء السماء والأرض

ـ بكاء الملائكة والجن

ـ بكاء كل شيء لمقتل الحسين عليه‌السلام

ـ بكاء الحيوانات : قصة الغراب الملطّخ بالدم

ـ بكاء النبات والشجر : قصة العوسجة المباركة

٤ ـ الذين رأوا الحسين عليه‌السلام في المنام بعد مقتله :

ـ حزن أم سلمة رضي الله عنها

ـ رؤيا أم سلمة وابن عباس رضي الله عنهما وحزن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـ حزن فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

١٩٥
١٩٦

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونيّة

١٩٠ ـ ما حصل من الآيات الباهرة بعد استشهاد الحسين عليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٢٩)

قال الفاضل الدربندي : إن ما حصل من حين شهادة سيد الشهداء عليه‌السلام من الأمور العظيمة والآثار العجيبة ، وخوارق العادات الباهرة والآيات الظاهرة الساطعة ، والكرامات والمعجزات الجليلة القاهرة ؛ بل من حين سقوطه عليه‌السلام عن جواده ، إلى أن رجع أهل البيت عليهم‌السلام من الشام إلى المدينة ـ مما هو خارج من حدّ العدّ والإحصاء.

فمنها ما يتعلق بالرأس الشريف ، ومنها ما يتعلق بواحد من هذه الأمور المذكورة. ومنها ما وقع في عالم الغيب ، أي عالم البرزخ والجنان والميزان ، ومنها ما يتعلق بهذا العالم. والأخيرة منها إما سماوية أو أرضية. وهذه إما وقعت وانقضت بعد مدة ، أو من الأمور الباقية إلى يوم القيامة. ومن هذا القسم الأخير ، الحمرة التي ترى في الشفق في السماء.

وإن شئت أن تعبّر بعبارة أخرى ، فقل : إن شهادة سيد الشهداء عليه‌السلام قد أعقبت في عوالم الإمكان أمورا عظيمة ، مبتدئة من العرش والكرسي وأهل الملكوت والملأ الأعلى ، منتهية إلى ما تحت الثرى.

١٩١ ـ معجزات صدرت عن سيد الشهداء عليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ١٧٦)

وقال الفاضل الدربندي : إن معجزات الحسين عليه‌السلام هي كمناقبه وفضائله مما لا يحصى. منها ما كان في حياة جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه الإمام علي عليه‌السلام ، ومنها بعدهما. ومنها قبل مسيره إلى كربلاء ، وبعضها أثناء خروجه حتى وصوله كربلاء وإلى أن قتل فيها. فقد صدر منه فيها أزيد من مئة معجزة. وفي يوم عاشوراء إلى غروب الشمس صدر منه أزيد من ألف معجزة.

١٩٧

وبعد استشهاده عليه‌السلام حدثت معجزات جمّة ؛ منها صيحة جبرئيل ومشيه في الميدان باكيا نائحا ، وكسوف الشمس ، وغلبة الظلمة ، وطيران النجوم ، وإرعاد السماء ، وإمطارها دما عبيطا [أي طريا لا يجمد) ، ووجود الدماء العبيطة تحت كل حجر ومدر في جميع أصقاع الأرض ، وكون جدران بيوت جملة من البلدان كالملاحف المعصفرة ، وزلزلة الأرض ، وبكاء جميع الموجودات ، مما يرى ومما لا يرى ، وتلاطم البحار ، وخروج الحيتان منها إلى الأرض ، وسقوط الطيور من الهواء إلى الأرض ، وظهور العلامات العجيبة في كل ناحية من الأرض ... إلى غير ذلك مما لا يعدّ ولا يحصى.

ثم إن ما صدر من جسده الشريف المطروح في أرض كربلاء ، حين نزول أرواح أصحاب الكساء وغيرهم من الأنبياء والصدّيقين والصدّيقات ، وكذا الملائكة المقربين لزيارته ، وفي غير تلك الأوقات ، مما في غاية الكثرة.

ثم إن ما صدر من رأسه الشريف من حين إبانته من الجسد الشريف ، إلى أن يدفن ، أكثر من أن يحصى أو يستقصى. وهكذا المعجزات الصادرة عن الدماء السائلة من رأسه الشريف في كل موضع نزل به.

ثم لا يخفى ما حصل لكل ناقة وجمل وكل شيء نهب في كربلاء من أموال آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من آيات ساطعة وبيّنات قاطعة. ومنه صيرورة الزعفران الّذي سرقوه نارا ، ومن وضع منه على جسمه صار أبرصا. ولما ذبحوا البعير صار نارا ، ولما طبخوه كان طعم لحمه علقما.

١٩٢ ـ أهوال يوم العاشر من المحرم :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ص ١٣٨)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيم رحمه‌الله :

يوم العاشر من المحرم ، يوم لم يجر في العالم مثله ، ولم يمرّ على نبي أو وصيّ نبي نظيره ، فلقد لاقى الحسين عليه‌السلام في نفسه وأهله وأصحابه النجوم الزواهر ، ما لم يلاقه أحد ، وقاسى ما لم يقاسه بشر ، ولم يخرج في كل أحواله عن طاعة الله ، ولا مال عن مرضاته طرفة عين. والأفعال التي ارتكبها فيه أعداؤه ، والهمجية التي أبدوها ، والظلم الّذي تعمّدوه ، والغشم الّذي تقصّدوه ،

لم يكن ولا وقع ولا أظن أنه يقع نظيره من أحد أبدا. فحقيق بأن يظهر الله تعالى

١٩٨

عنده من المخاوف والقوارع والزلازل والأهوال ، ما فيه عظة للخلق وعبرة للعالمين.

لقد أهلك الله (ثمود) عندما عقروا الناقة ، وأنزل (بعاد) العذاب لما تمرّدوا على نبيهم هود عليه‌السلام ، وأغرق قوم نوح عليه‌السلام بالطوفان ، ودمّر قوم لوط عليه‌السلام ، ومسخ من بني إسرائيل قردة وخنازير ، وأهلك فرعون وجنوده في اليم. ولقد أنبأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يجري على هذه الأمة ما جرى في بني إسرائيل ، حذو القذّة بالقذّة (١) والنعل بالنعل ، فكيف يستبعد فعل الله وتنكيله ونزول المخاوف والأهوال بقوم قتلوا ابن بنت نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة ، وجزّروا آله وأصحابه مصابيح أهل الأرض ، كما تجزّر الأضاحي؟!.

١٩٣ ـ حديث كعب الأحبار عن فداحة خطب الحسين عليه‌السلام وعلائم مصرعه :

(مثير الأحزان للجواهري ، ج ١ ص ٢٩)

وفي (البحار) عن كعب الأحبار ، حين سأله الناس عن الفتن التي ستصدر ، إلى أن قال : وأعظمها فتنة وأشدها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين ، مصيبة الحسين ، وهي الفساد الّذي ذكره الله تعالى في كتابه حيث قال : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم : ٤١]. أو لا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السموات ويؤذن للسماء بالبكاء ، فتبكي دما!. فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت ، فاعلموا أن السماء تبكي حسينا. فقيل : يا كعب ، لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الأنبياء؟!. فقال : ويحكم إن قتل الحسين عليه‌السلام أمر عظيم ، وإنه ابن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصية جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مزاج مائه وبضعة لحمه ، يذبح بعرصة كربلاء. فو الذي نفس كعب بيده لتبكيه زمرة من الملائكة في السموات السبع ، لا يقطعون بكاءهم إلى آخر الدهر. وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع. وما من نبيّ إلا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه ... وإنه يوم قتله تنكسف الشمس وينخسف القمر وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال

__________________

(١) حذا حذوه : امتثل به ، وحذا النعل بالنعل : قدّرها بها. والقذّة : ريشة السهم. والمعنى : إنه سيجري على هذه الأمة كما جرى على بني إسرائيل ، تطابق النعل بالنعل والسهم بالسهم.

١٩٩

وتغطمط (١) البحار ، ولو لا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره ، لصب الله عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها.

١٩٤ ـ سلمان الفارسي رضي الله عنه يؤكد حديث كعب الأحبار :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧١)

قال هبيرة بن يريم : حدثني أبي قال : لقيت سلمان الفارسي فحدّثته بهذا الحديث ، فقال سلمان : لقد صدقك كعب ... والذي نفس سلمان بيده ، لو أني أدركت أيامه [أي الحسين عليه‌السلام] لضربت بين يديه بالسيف أو أقطّع بين يديه عضوا عضوا ، فأسقط بين يديه صريعا ، فإن القتيل معه يعطى أجر سبعين شهيدا ، كلهم كشهداء بدر وأحد وحنين وخيبر.

ثم قال سلمان : يا يريم ، ليت أم سلمان أسقطت سلمان ، أو كان حيضة ، ولم يسمع بقتل الحسين بن فاطمة عليهما‌السلام. ويحك يا يريم ، أتدري من حسين؟. حسين سيد شباب أهل الجنة على لسان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسين لا يهدأ دمه حتى يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وحسين من تفزع لقتله الملائكة. ويحك يا يريم ، أتعلم كم من ملك ينزل يوم يقتل الحسين عليه‌السلام ويضمه إلى صدره ، وتقول الملائكة بأجمعها : إلهنا وسيدنا ، هذا فرخ رسولك ومزاج مائه وابن بنته. يا يريم إن أنت أدركت أيام مقتله ، واستطعت أن تقتل معه ، فكن أول قتيل ممن يقتل بين يديه ، فإن كل دم يوم القيامة يطالب به ، بعد دم الحسين ودماء أصحابه الذين قتلوا بين يديه. وانظر يا يريم إن أنت نجوت ولم تقتل معه فزر قبره ، فإنه لا يخلو من الملائكة أبدا. ومن صلّى عند قبره ركعتين حفظه الله من بغضهم وعداوتهم حتى يموت.

قال هبيرة : فأما سلمان فمات بالمدائن في خلافة عمر بن الخطاب ، وأما (يريم) فإنه لم يلحق لذلك.

حوادث كونية غير عادية

١٩٥ ـ تغيّر مظاهر الكون لمقتل الحسين عليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٧١ إليها

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : ولأجل بقاء الحسين عليه‌السلام عار على وجه

__________________

(١) تغطمط البحر : عظمت أمواجه.

٢٠٠