الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
فأقبل على أم كلثوم عليهاالسلام وقال لها : أوصيك يا أخيّة بنفسك خيرا ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم. فأقبلت سكينة وهي صارخة وكان يحبها حبا شديدا ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها بكمه ، وقال :
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي |
|
منك البكاء إذا الحمام دهاني |
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة |
|
ما دام مني الروح في جثماني |
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي |
|
تأتينه يا خيرة النسوان |
١٢٤ ـ نعي الحسين عليهالسلام نفسه ، وطلب نسائه الرجوع إلى حرم جدهمصلىاللهعليهوآلهوسلم (مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)
قال أبو مخنف : ثم نادى عليهالسلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية ، عليكنّ مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع ، وقد قرب منكن الافتجاع. فصاحت أم كلثوم : يا أخي كأنك استسلمت للموت!. فقال لها الحسين عليهالسلام : يا أختاه فكيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين!. فقالت :
يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال لها : يا أختاه هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلا لنام. فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب ، فضمّها الحسين عليهالسلام إلى صدره الشريف وقبّلها ومسح دموعها بكمّه.
١٢٥ ـ الوداع الأخير (أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٤٢٣)
(وفي رواية) فنادى في تلك الحالة : يا زينب يا أم كلثوم ويا سكينة يا رقية يا فاطمة ، عليكنّ مني السلام. فأقبلت زينب عليهاالسلام فقالت : يا أخي ، أيقنت بالقتل؟. فقال عليهالسلام : كيف لا أيقن وليس لي معين ولا نصير؟. فقالت :
يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال عليهالسلام : هيهات ، لو تركت ما ألقيت نفسي في المهلكة ، وكأنكم غير بعيد كالعبيد ، يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العذاب. فلما سمعته زينب عليهاالسلام بكت ، وجرى الدموع من عينيه ، ونادت :
وا وحدتاه ، وا قلة ناصراه ، وا سوء منقلباه ، وا شؤم صباحاه. فشقّت ثوبها ونشرت شعرها ولطمت على وجهها. فقال الحسين عليهالسلام : مهلا لها ، يا بنت المرتضى ، إن البكاء طويل. فأراد أن يخرج من الخيمة ، فلصقت به زينب عليهاالسلام فقالت : مهلا يا أخي ، توقّف حتى أزوّد من نظري ، وأودّعك وداع مفارق لا تلاق
بعده ... فمهلا يا أخي قبل الممات هنيهة ، لتبرد مني لوعة وغليل. فجعلت تقبّل يديه ورجليه. وأحطن به سائر النسوان ...
١٢٦ ـ الحسين عليهالسلام يلبس ثوبا خلقا تحت ثيابه لئلا يجرّد منه :
(المنتخب للطريحي ، ص ٤٥١)
ثم قال عليهالسلام لأخته : آتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد من القوم ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه بعد قتلي.
قال الراوي : فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.
يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣٤١ :
فأتوه بتبّان ، فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة. وأخذ ثوبا خلقا [أي باليا] وخرّقه وجعله تحت ثيابه (١) ، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا يسلب منها.
ويقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ٢٢٣ :
ثم إنه عليهالسلام دعا بسروال يماني محكم النسج ، يلمع فيه البصر ، فخرّقه وفزره ، حتى لا يطمع فيه أحد ، لأنه عليهالسلام يعلم أنه يسلب بعد مقتله. فقيل له : لو لبست تحته تبّانا ـ وهو سروال صغير ـ فقال عليهالسلام : ذلك ثوب مذلة ، لا ينبغي لي أن ألبسه (٢).
١٢٧ ـ مصرع ابن صغير للحسين عليهالسلام عمره ثلاث سنوات :
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ص ٣٠٢)
وبينما الحسين عليهالسلام جالس ، عليه جبّة خز دكناء ، والنبل يقع حوله ، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين. فلبس لامته [أي درعه].
(أقول) : لا يبعد أن يكون هذا هو علي الأصغر عليهالسلام.
١٢٨ ـ محاولة زين العابدين عليهالسلام القتال رغم مرضه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)
ثم التفت الحسين عليهالسلام عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال. فخرج علي
__________________
(١) مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ، ج ٩ ص ١٩٢ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ٢٠٥.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢.
ابن الحسين عليهماالسلام وهو زين العابدين ـ وهو أصغر من أخيه علي القتيل ـ وكان مريضا بالذّرب [وهو داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه]. ونهض السجّاد عليهالسلام يتوكأ على عصا ويجرّ سيفه ، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه ، وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع. فقال : يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم. فصاح الحسين عليهالسلام بأم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأرجعته إلى فراشه (١).
١٢٩ ـ لماذا أمرض الله زين العابدين عليهالسلام؟ :
(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٥)
حاول الإمام زين العابدين عليهالسلام أن يخرج للجهاد رغم مرضه ، فمنعه سيد الشهداءعليهالسلام. والواقع أن الله تعالى قد أمرض سيد الساجدين ، فطال زمان كونه عليلا ليسقط عنه الجهاد ، حفظا للعالم عن أن ينهدم ويبيد. وقد أثر عن الحسين عليهالسلام قوله : وحاشا الله عزوجل شأنه الكبير المتعال ، أن يبقي الأرض بلا حجة من نسلي.
١٣٠ ـ الحسين عليهالسلام يوصي لابنه زين العابدين عليهالسلام بالإمامة أكثر من مرة : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٦)
قال الفاضل الدربندي : اعلم أن وصية سيد الشهداء عليهالسلام على ولده سيد الساجدين عليهالسلام وتنصيصاته بإمامته ، كما أنها قد وقعت مرات عديدة قبل خروجه عليهالسلام من المدينة ، فكذا إنها قد وقعت مرات في كربلاء. وما استفيد من الأخبار أنها وقعت في كربلاء أربع مرات : مرة في ليلة عاشوراء ، ومرة في طلب زين العابدين عليهالسلام الجهاد ، ومرة قبيل شروع الإمام الحسين عليهالسلام في الجهاد ، ومرة بعد صدور مجاهدات كثيرة وقتل آلاف من الناس في جملة من الحملات منه عليهالسلام.
١٣١ ـ وصية الإمام الحسين عليهالسلام لزين العابدين عليهالسلام :
(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٧٦ ؛ وأسرار الشهادة ، ص ٤٠٣)
عن (إثبات الوصية) قال : ثم أحضر علي بن الحسين عليهالسلام وكان عليلا ،
__________________
(١) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.
فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء. وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أم سلمة رضي الله عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه.
وعنه أيضا : أن الحسين عليهالسلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي عليهماالسلام في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسين عليهماالسلام في زمانه من علم ينسب إلى زينب عليهاالسلام عمته ، سترا على علي بن الحسين عليهماالسلام وتقيّة واتقاء عليه.
وعن العلامة الكليني عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنه قال : إن الحسين عليهالسلام لما حضره الّذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة. وكان علي بن الحسين عليهالسلام مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به. فدفعت فاطمةعليهاالسلام الكتاب إلى علي بن الحسين عليهماالسلام.
(قال الراوي) قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟. قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود ، حتى أن فيه أرش الخدش [أي الغرامة التي يدفعها الشخص إذا خدش شخصا آخر].
١٣٢ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسين عليهالسلام :
اختلف الرواة في عدد أولاد الحسين عليهالسلام الذين حضروا كربلاء ، كما اختلفوا في أسمائهم. وقد حققنا سابقا أن عددهم أربعة هم :
علي الأكبر عليهالسلام ـ علي الأوسط وهو زين العابدين عليهالسلام ـ علي الأصغر ـ عبد الله الرضيع.
فمن الرواة ما اعتبر زين العابدين عليهالسلام هو الأصغر ، ولم يذكر علي الأصغر. ومنهم من سمّى عبد الله الرضيع عليا الأصغر ، واعتبر عددهم ثلاثة.
وقد ذكر القرماني في (أخبار الدول وآثار الأول) شهادة علي الأصغر قبل شهادة علي الأكبر عليهالسلام ، وقال : وطلب الحسين عليهالسلام ماء لولده الصغير علي الأصغر ، فذهب علي الأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع. وأجلس الحسين عليهالسلام ابنه على فخذه وهمّ بسقيه ، فأتاه سهم ...
يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٠٤ : وهذه الرواية كما ترى غير مستقيمة ، وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة.
ثم يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٨ : وأصاب سهم ابنا
للحسين عليهالسلام وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا.
ثم يقول : وأتي بصبي صغير من أولاده عليهالسلام اسمه عبد الله [الظاهر أنه الرضيع] ، فحمله وقبّله ، فرماه رجل من بني أسد [لعله حرملة بن كاهل الأسدي] فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسين عليهالسلام دمه في يده وألقاه نحو السماء ، وقال : يا رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء ، فاجعله لنا خيرا ، وانتقم من الظالمين.
أما ابن أعثم في (كتاب الفتوح) ج ٥ ص ٢٠٩ فيقول : فبقي الحسين عليهالسلام فريدا وحيدا ، ليس معه ثان إلا ابنه علي عليهالسلام وهو يومئذ ابن سبع سنين [أقول : هذا خطأ من الناسخ ، ولعل عمره سبع عشرة سنة ، وهو زين العابدين عليهالسلام]. وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع. فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه ... وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي [اللّبّة : موضع القلادة من الصدر] ، فقتله.
١٣٣ ـ شهادة الطفل الّذي ولد يوم عاشوراء :
(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ بعد ص ٢٤٣)
يقول اليعقوبي : ثم تقدّموا رجلا رجلا ، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه. فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة. فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي ، فذبحه. فنزع الحسين عليهالسلام السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة [أي ناقة صالح التي ذبحها قومه فاستحقوا العذاب لذلك] ، ولمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أكرم على الله من صالح!. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه.
ويقول السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٧٣ :
في (الإبصار) : عبد الله [الرضيع] ابن الحسين عليهالسلام ولد في المدينة ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي ... وكانت الرباب عند الحسين عليهالسلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.
ثم يقول : اشتهر في الألسن هذا الصبي بعلي الأصغر ، وقيل بتخالفهما ، وأن عبد الله الرضيع غيره ، وأن أمه أم إسحق بنت طلحة ، وأنه ولد في كربلاء في يوم عاشوراء ... وأن علي الأصغر قتل في معركة القتال ، رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه ، والعلم عند الله.
وذكر السيد حميد بن أحمد الزيدي صاحب (الحدائق الوردية) قال : ولد للحسين عليهالسلام في الحرب ولد (أمه أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية) زوجة الحسين عليهالسلام. فأتي به وهو قاعد ، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه ، وسماه عبد الله. فبينما هو كذلك إذ رماه عبد الله بن عقبة الغنوي ، وقيل هانئ بن ثبيت الحضرمي ، بسهم فنحره. فأخذ الحسينعليهالسلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء ، فما وقع منه قطرة إلى الأرض. قال الإمام الباقر عليهالسلام : ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب (انظر وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٢٨٠). ولنعم ما قيل :
ومنعطف أهوى لتقبيل طفله |
|
فقبّل منه قبله السهم منحرا |
لقد ولدا في ساعة هو والردى |
|
ومن قبله في نحره السهم كبّرا |
ونذكر الآن شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسين عليهالسلام ، الّذي له من العمر ستة أشهر.
شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسين عليهالسلام
١٣٤ ـ مصرع عبد الله الرضيع ابن الحسين عليهالسلام على يد حرملة بن كاهل الأسدي (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤١)
ثم تقدم عليهالسلام إلى باب الخيمة وقال : ناولوني ولدي الرضيع لأودعه. فأتته زينبعليهاالسلام بابنه عبد الله [وقد سماه ابن شهر اشوب : علي الأصغر] وأمه الرباب بنت امرئ القيس ، فأجلسه في حجره وجعل يقبّله (١) ويقول : بعدا لهؤلاء القوم ، إذا كان خصمهم جدك المصطفى (٢). ثم أتى عليهالسلام بالرضيع نحو القوم يطلب له الماء ، وقال لهم : لقد جفّت محالب أمه ، فهل إلى شربة من ماء سبيل؟. ثم قال لهم : يا قوم ، إذا كنت أقاتلكم وتقاتلونني ، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!. (وفي رواية) أنه قال : إذا لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فمنهم من رقّ قلبه للطفل ، وقال : اسقوه شربة من ماء ، ومنهم من قال : لا تسقوه ولا ترحموه!.
__________________
(١) عن الله وف ، ص ٦٥.
(٢) عن البحار ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.
فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسين عليهالسلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.
قال الإمام الباقر عليهالسلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.
ثم قال عليهالسلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى (١). الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين (٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل (٣). الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤). فسمععليهالسلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة (٥).
ثم نزل عليهالسلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه (٦). ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته (٧).
(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسين عليهالسلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه
__________________
(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.
(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.
(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.
(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.
(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.
(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.
(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.
شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن. وقيل : إن السهم رماه قديمة العامري. فجعل الحسين عليهالسلام يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول : الله م إني أشهدك على هؤلاء القوم ، فإنهم نذروا ألا يتركوا أحدا من ذرية نبيك. ثم رجع بالطفل مذبوحا ، ودمه يجري على صدره ، فألقاه إلى أم كلثوم ، فوضعه في الخيمة وبكى عليه.
١٣٥ ـ منزلة عبد الله الرضيع عليهالسلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٠)
يقول الفاضل الدربندي : إن عبد الله الرضيع الّذي كان في القماط ، قد طلب بلسان الحال الفوز بدرجة الشهادة ، حين سمع أباه يستغيث فلا يغاث ، فقطّع قماطه وألقى نفسه إلى الأرض.
وبعد استشهاده صلّى عليه الحسين عليهالسلام ودفنه .. إن صلاة الإمام عليهالسلام عليه في ضيق ذلك الوقت ، مما يشير إلى علوّ درجة هذا الطفل الرضيع من حيث الشهادة ، فإن درجة شهادته عند الله بمنزلة درجة شهادة سادات الشبان والكهول والشيوخ من الشهداء ، بل لا يصل إلى درجته إلا درجة طائفة من سادات الشهداء. فصلاة الإمام عليهالسلام عليه كصلاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الحمزة يوم أحد في هذا المقام أيضا.
ـ ماذا بعد استشهاد الطفل الرضيع عليهالسلام؟ :
(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، ص ١٣١)
وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حول الحسين عليهالسلام وتنبعث من حناجر النساء والأطفال.
١٣٦ ـ رثاء الحسين عليهالسلام أصحابه الذين استشهدوا :
(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)
قال أبو مخنف : ثم توجّه عليهالسلام نحو القوم وقال : : يا ويلكم علام تقاتلوني ؛ على حقّ تركته ، أم على سنّة غيّرتها ، أم على شريعة بدّلتها؟!. فقالوا : بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه. فنادى : يا مسلم بن عقيل ويا هانئ بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا
زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان ويا فلان .. يا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجا ، مالي أناديكم فلا تجيبون ، وأدعوكم فلا تسمعون!. أنتم نيام ، أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصروه!. هذه نساء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا عن نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام. ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون ، ولا عن دعوتي تحتجبون. فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
١٣٧ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة بعد استئذان الحسين عليهالسلام (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٥٤)
قال أبو مخنف : حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت أصحاب الحسين عليهالسلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ من الانصراف!. فقلت لي :
نعم!. فقال عليهالسلام : صدقت ، وكيف لك بالنجاة؟. إن قدرت على ذلك فأنت في حل!.
فأقبلت إلى فرسي ، وقد كنت ـ حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ـ أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا من البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين عليهالسلام رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسين عليهالسلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم .. فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ثم ضربتها ، حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلا ، حتى انتهيت إلى (شفية) قرية قريبة من شاطئ الفرات. فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم
كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.
قال : فلما تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال : فنجّاني الله.
وقد وردت قصة التحاق الضحّاك بن عبد الله المشرقي بالحسين عليهالسلام في الجزء الأول من الموسوعة ـ الفقرة ٧٩٧ ، فراجع.
(جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالب عليهمالسلام
مع ذكر أمهاتهم وقاتليهم)
اسم الشهيد |
اسم والدته |
اسم قاتله |
علي الأكبر بن الحسين عليهالسلام |
ليلى بنت أبي مرة |
مرة بن منقذ العبدي |
عبد الله الرضيع ابن الحسين عليهالسلام |
الرباب |
حرملة بن كاهل الأسدي |
أبو بكر (عبد الله الأكبر) بن الحسن |
أم ولد : رملة |
عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل : حرملة بن كاهل |
القاسم بن الحسن (شقة القمر) |
أم ولد : رملة |
عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي |
(الغلام) عبد الله بن الحسن عليهالسلام |
أم ولد |
حرملة بن كاهل الأسدي |
العباس بن علي عليهالسلام |
أم البنين |
زيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي |
عبد الله الأصغر بن علي عليهالسلام |
فاطمة |
هانئ بن ثبيت الحضرمي |
جعفر بن علي عليهالسلام |
بنت حزام |
هانئ بن ثبيت الحضرمي |
عثمان بن علي عليهالسلام |
الكلابية |
رجل من بني أبان بن دارم |
محمّد الأوسط بن علي عليهالسلام |
أمامة بنت أبي العاص |
رجل من بني أبان بن دارم |
أبو بكر (عبد الله) بن علي عليهالسلام |
ليلى بنت مسعود |
زحر بن بدر النخعي |
عمر الأصغر بن علي عليهالسلام |
الصهباء التغلبية |
لم يعرف قاتله |
محمّد الأصغر بن علي عليهالسلام |
أم ولد |
رجل من بني أبان بن دارم |
اسم الشهيد |
اسم والدته |
اسم قاتله |
عون بن عبد الله بن جعفر عليهالسلام |
زينب العقيلة عليهاالسلام |
عبد الله بن قطبة الطائي |
محمّد بن عبد الله بن جعفر عليهالسلام |
الخوصاء بنت حفصة |
عامر بن نهشل التميمي |
عبد الله بن مسلم بن عقيل |
رقية بنت علي عليهاالسلام |
يزيد بن الرقاد الجهني وقيل عمرو بن صبيح الصدائي |
محمّد بن مسلم بن عقيل |
أم ولد |
أبو جرهم الأزدي ولقيط الجهني |
جعفر بن عقيل |
أم الثغر بنت عامر |
عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط الهمداني |
عبد الرحمن بن عقيل |
أم ولد |
عثمان بن خالد وبشر بن سوط |
عبد الله الأكبر بن عقيل |
أم ولد |
عثمان بن خالد وبشر بن سوط |
محمّد بن أبي سعيد بن عقيل |
أم ولد |
لقيط بن ناشر الجهني وقيل هانئ بن ثبيت |
الفصل الرابع والعشرون
شهادة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام
ويتضمن هذا الفصل :
ـ مقدمة الفصل
١ ـ الأشعار التي قالها الحسين عليهالسلام وهو عازم على الشهادة
٢ ـ عطش الحسين عليهالسلام
٣ ـ استسقاء الماء [أصابه عليهالسلام سهم في فمه]
٤ ـ معركة في طريق الفرات [أصابه سهم في حنكه]
٥ ـ لما حال القوم بين الحسين عليهالسلام وبين رحله
٦ ـ وصول الحسين عليهالسلام إلى المشرعة ـ حيلة الاعتداء على نسائه
٧ ـ رجوع الحسين عليهالسلام : الوداع الأخير
٨ ـ لما أصابه سهم في جبهته الشريفة
٩ ـ توزّع الأعداء على الحسين عليهالسلام ثلاث فرق.
مصرع الحسين عليهالسلام :
١ ـ شجاعة الحسين عليهالسلام وإقدامه
٢ ـ قول ابن يغوث : ما رأيت مكثورا قط ...
٣ ـ إصابة الحسين عليهالسلام بحجر في جبهته ، وبسهم ذي ثلاث شعب وقع في قلبه
٤ ـ سقوط الحسين عليهالسلام عن فرسه بعد أن صار جسمه كالقنفذ ، وخولي يضربه بسهم في لبّنه
٥ ـ الحسين عليهالسلام يقاتل راجلا
٦ ـ شهادة الطفلين : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وعبد الله الأصغر ابن الحسنعليهالسلام
٧ ـ خطاب زينب عليهاالسلام لعمر بن سعد
٨ ـ قول شمر : ما تنتظرون بالرجل ...
٩ ـ سنان يضرب الحسين عليهالسلام برمح في صدره فيخرّ على الأرض
١٠ ـ وصف هلال بن نافع للحسين عليهالسلام وهو يجود بنفسه
١١ ـ الحسين عليهالسلام يطلب في تلك الحال ماء
١٢ ـ دعاء الحسين عليهالسلام قبيل استشهاده
١٣ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسين عليهالسلام وارتعادهم منه
١٤ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يذبح الحسين عليهالسلام
١٥ ـ ما صنع فرس الحسين
١٦ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة ، وينعى الحسين عليهالسلام
١٧ ـ تحقيق حول من الّذي باشر قتل الحسين عليهالسلام
١٨ ـ تحقيق حول اليوم الّذي قتل فيه الحسين عليهالسلام.
قال الحاج هاشم الكعبي :
آل الرسول ونعم أكفاء العلى آل الرسول |
|
خير الفروع فروعهم |
وأصولهم خير الاصول |
سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسين عليهالسلام ولد عليهالسلام في ٣ شعبان سنة ٤ ه واستشهد في ١٠ محرم سنة ٦١ ه وعمره الشريف ٥٧ سنة
يا ابن الذين توارثوا |
|
العليا قبيلا عن قبيل |
والسابقين بمجدهم |
|
في كل جيل كل جيل |
إن تمس منكسر اللوى |
|
ملقى على وجه الرمول |
فلقد قتلت مهذبا |
|
من كل عيب في القتيل |
الفصل الرابع والعشرون :
شهادة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام سيد شباب أهل الجنّة
مدخل الفصل :
بعد أن استشهد العباس عليهالسلام انهدّ ركن الحسين عليهالسلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليهالسلام.
فركب الحسين عليهالسلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زال عليهالسلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.
وخاف شمر من بسالة الحسين عليهالسلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسين عليهالسلام ، ففعل. وظل الحسين عليهالسلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينب عليهاالسلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.
ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه. فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.
ثم غشي عليه عليهالسلام وظل ثلاث ساعات من النهار ملقى على الأرض يخور بدمه ، وكلما مرّ به رجل تحامى عن قتله. ثم حاول شبث بن ربعي أن يذبحه ، ثم حاول سنان ، ثم خولي ، فارتعدت أيديهم وذهلوا حين نظروا إلى وجهه الشريف ، إلى أن جاء اللعين شمر وسفّههم قائلا لسنان : فتّ الله في عضدك وأبان يدك!.
ثم نزل الشمر إلى الحسين عليهالسلام وجلس على صدره الشريف يريد أن يذبحه ، فلما نظر في وجهه ورآه يبتسم أرعد من منظره ، فقلبه ليذبحه من قفاه ، وشرع يضرب بسيفه مذبح الحسين ، والحسين عليهالسلام يذكر الله ويكبّر ، حتى احتز رأسه الشريف.
الحسين عليهالسلام يرتجز من أشعاره
١٣٨ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام من الشعر لما عزم على الشهادة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢)
ثم قام عليهالسلام وركب فرسه ، ووقف قبالة القوم مصلتا سيفه بيده ، آيسا من نفسه عازما على الموت ، وهو يقول :
أنا ابن عليّ الخير من آل هاشم |
|
كفاني بهذا مفخرا حين أفخر |
وجدي رسول الله أكرم من مضى |
|
ونحن سراج الله في الخلق يزهر |
وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد |
|
وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر |
وفينا كتاب الله أنزل صادقا |
|
وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر |
ونحن أمان الله في الخلق كلهم |
|
نسرّ بهذا في الأنام ونجهر |
ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا |
|
بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر |
فيسعد فينا في القيام محبّنا |
|
ومبغضنا يوم القيامة يخسر |
١٣٩ ـ قصيدة (خيرة الله من الخلق أبي):
(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٨٦)
ثم وثب عليهالسلام قائما ، وهو يقول :
كفر القوم وقدما رغبوا |
|
عن ثواب الله ربّ الثقلين |
قتلوا قدما عليا وابنه |
|
حسن الخير وجاؤوا للحسين |
(حسدا منهم وقالوا إننا |
|
نقبل الآن جميعا للحسين |
يا لقومي من أناس قد بغوا |
|
جمعوا الجمع لأهل الحرمين |
ثم ساروا وتواصوا كلهم |
|
باجتياحي لرضاء الملحدين |
لم يخافوا الله في سفك دمي |
|
لعبيد الله نسل الفاجرين |
وابن سعد قد رماني عنوة |
|
بجنود كوكوف الهاطلين |
لا لشيء كان مني سابقا |
|
غير فخري بضياء الفرقدين |
بعليّ الخير من بعد النبي |
|
والنبيّ القرشيّ الوالدين) |
* * *
خيرة الله من الخلق أبي |
|
بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين |
والدي شمس وأمّي قمر |
|
فأنا الكوكب وابن القمرين |
فضّة قد صفّيت من ذهب |
|
فأنا الفضة وابن الذهبين |
ذهب في ذهب في ذهب |
|
ولجين من لجين في لجين |
من له جدّ كجدي المصطفى؟ |
|
أحمد المختار صبح الظلمتين |
من له عمّ كعمّي جعفر؟ |
|
ذي الجناحين كريم النسبتين |
من له أمّ كأمي في الورى؟ |
|
بضعة المختار قرّة كل عين |
أمّي الزهراء حقا وأبي |
|
وارث العلم ومولى الثّقلين |
جدي المرسل مصباح الدجى |
|
وأبي الموفي له بالبيعتين |
خصّه الله بفضل وتقى |
|
فأنا الزاهر وابن الزاهرين |
ذاك والله علي المرتضى |
|
ساد بالفضل جميع الحرمين |
عبد الله غلاما يافعا |
|
وقريش يعبدون الوثنين |
يعبدون اللات والعزّى معا |
|
وعليّ قام نحو القبلتين |
مع رسول الله سبعا كاملا |
|
ما على الأرض مصلّ غير ذين |
أظهر الإسلام رغما للعدى |
|
بحسام قاطع ذي شفرتين |
قاتل الأبطال لما برزوا |
|
يوم بدر ثم أحد وحنين |
(وله في يوم أحد وقعة |
|
شفت الغلّ بفضّ العسكرين |
ثم بالأحزاب والفتح معا |
|
كان فيها حتف أهل القبلتين |
في سبيل الله ما ذا صنعت |
|
أمة السوء معا بالعترتين |
عترة البرّ النبي المصطفى (١) |
|
وعليّ الورد بين الجحفلين) |
* * *
نحن أصحاب العبا خمستنا |
|
قد ملكنا شرقها والمغربين |
ثم جبريل لنا سادسنا |
|
ولنا البيت غدا والمشعرين |
وكذا المجد بنا مفتخر |
|
شامخا نعلو به في الحسبين |
عروة الدين علي المرتضى |
|
صاحب الحوض معزّ المؤمنين |
يفرق الصفّان من هيبته |
|
وكذا أفعاله في الخافقين |
شيعة المختار طيبوا أنفسا |
|
فغدا تسقون من حوض اللجين |
فعليه الله صلّى ربّنا |
|
وحباه تحفة بالحسنين |
وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي الحنفي ، ج ٢ ص ١٧٢ ينهي القصيدة بقوله :
شيعة المختار قرّوا أعينا |
|
فغدا تسقون من كفّ الحسين |
ثم حمل عليهالسلام على الميمنة ، وهو يقول :
الموت أولى من ركوب العار |
|
والعار أولى من دخول النار |
والله من هذا وهذا جاري (٢) |
وحمل على الميسرة ، وهو يقول :
أنا الحسين بن علي |
|
آليت ألا أنثني |
أحمي عيالات أبي |
|
أمضي على دين النبي (٣) |
عطش الحسين عليهالسلام
١٤٠ ـ الحصين بن نمير يصيب الحسين عليهالسلام بسهم في فمه الشريف ، فلم يستطع شرب الماء :
يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٧ :
__________________
(١) الأبيات التي بين قوسين هي من (كتاب الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١١٦ طبع دار الأضواء بيروت. وقد وردت في (كشف الغمة) ج ٢ ص ٢٣٧ باختلاف يسير.
(٢) البيان والتبيين للجاحظ ، ج ٣ ص ١٧١ ط ٢ يضيف الشطرة الأخيرة.
(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٤٥ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٥٩ ط إيران.