موسوعة كربلاء - ج ٢

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ٢

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

محمّد بن شهر اشوب ومحمد بن أبي طالب الموسوي : إنه ابن ١٨ سنة. وقال الشيخ المفيد : إن له ١٩ سنة. فعلى هذا يكون هو أصغر من أخيه زين العابدين عليه‌السلام. وقيل إنه ابن ٢٥ سنة ، فيكون هو الأكبر ، وهذا هو الأصح والأشهر.

وقال السيد عبد الرزاق المقرّم في كتابه (علي الأكبر) : ولد علي الأكبر ويكنّى بأبي الحسن في حدود سنة ٣٣ ه‍ ، فله يوم الطف ما يقارب ٢٧ سنة. ويلقّب بالأكبر ، لأنه أكبر من الإمام السجّاد عليه‌السلام الّذي له يوم الطف ٢٣ سنة.

ولعل هذا القول (أي أنه هو الأكبر) هو الأوجه ، ويؤيده ما ورد في (تاريخ اليعقوبي) ، ومعارف ابن قتيبة ، وتاريخ ابن خلّكان : بأنه ليس للحسين عليه‌السلام عقب إلا من علي بن الحسين الأصغر ، وهو زين العابدين عليه‌السلام.

شهادة عبد الله ابن مسلم ابن عقيل عليه‌السلام

١٠٦ ـ مصرع عبد الله بن مسلم بن عقيل عليه‌السلام على يد يزيد بن الرقّاد الجهني ، وقيل عمرو بن صبيح وأسيد بن مالك :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٢ ط نجف)

وبرز عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأمه رقية بنت علي عليهما‌السلام وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ٧٢ : أنه لما برز حسر عن ذراعيه وهو يرتجز ويقول :

نحن بنو هاشم الكرام

نحمي بنات السيد الهمام

سبط رسول الملك العلّام

نسل عليّ الفارس الضرغام

١٢١

فدونكم أضرب بالصمصام

والطعن بالعسّال باهتمام

أرجو بذاك الفوز بالقيام

عند مليك قادر علّام

فقتل ثلاثة رجال (١) فرماه عمرو بن صبيح الصيداوي [وفي رواية : الصدائي] بسهم ، فوضع عبد الله بن مسلم يده على جبهته يتّقيه ، فأصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها فلم يستطع أن يحركّها. ثم طعنه أسيد بن مالك بالرمح في قلبه فقتله. (وقيل) إن قاتل عبد الله بن مسلم هو يزيد بن الرّقّاد الجهني (٢) ، وكان يقول : رميته بسهم وكفّه على جبهته يتقي النبل ، فأثبتّ كفّه في جبهته ، فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته. وقال حين رميته : الله م إنهم استقلّونا واستذلّونا ، فاقتلهم كما قتلونا. ثم رماه بسهم آخر ، وكان يقول : جئته وهو ميّت ، فنزعت سهمي من جوفه ، ولم أزل أنضنض الآخر عن جبهته حتى أخذته وبقي النصل.

ترجمة رقيّة بنت الإمام علي عليه‌السلام

(مقتبس من كتاب : السيدة رقية بنت الحسين عليهما‌السلام للسيد عامر الحلو)

من زوجات الإمام علي عليه‌السلام : الصهباء (أم حبيب) التغلبية بنت عباد بن ربيعة بن يحيى ، من سبي اليمامة أو عين التمر. اشتراها أمير المؤمنين عليه‌السلام فأولدها عمر الأطرف ورقية ، وهما توأمان

(مروج الذهب للمسعودي).

تزوّج رقية هذه مسلم بن عقيل عليه‌السلام فولدت له : عبد الله وعليا

(المعارف لابن قتيبة).

وقد قتل ولدها عبد الله بن مسلم عليه‌السلام يوم كربلاء ، وكانت هي مع نساء الحسين في كربلاء بعد أن قتل زوجها مسلم في الكوفة.

__________________

(١) قال ابن شهر اشوب : إنه قتل ٩٨ رجلا في ثلاث حملات ، ولم يذكر ذلك غيره.

(٢) وهو ما ذكره المقرم في مقتله ، ص ٣٢٧.

١٢٢

١٠٧ ـ شهادة محمّد بن مسلم بن عقيل عليه‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٢)

وخرج محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقاتل حتى قتل. قتله أبو جرهم الأزدي ولقيط بن ياسر الجهني.

حملة آل أبي طالب عليهم‌السلام

١٠٨ ـ شهادة بقية أهل البيت عليهم‌السلام وإخوة الحسين عليه‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٤ ط ٤)

يقول السيد المقرم في مقتله ، ص ٣٢٨ : ولما قتل عبد الله بن مسلم ، حمل آل أبي طالب حملة واحدة. فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي ، والله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.

١٠٩ ـ شهادة بعض أولاد عقيل عليه‌السلام :

فخرج جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام ، فحمل وهو يرتجز ويقول :

أنا الغلام الأبطحيّ الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقا سادة الذوائب

فينا حسين أطيب الأطائب

من عترة البرّ التقيّ الغالب

فقتل خمسة عشر فارسا [على رواية محمّد بن أبي طالب] ، ورجلين [على رواية ابن شهر اشوب]. فقتله عبد الله بن عروة الخثعمي ، وقيل بشر بن سوط الهمداني.

ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل ، فحمل وهو يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيّد الشيب مع الشبّان

فقتل [على رواية محمّد بن أبي طالب وابن شهر اشوب] سبعة عشر فارسا. فحمل عليه عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط الهمداني فقتلاه.

وخرج عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام فما زال يضرب فيهم حتى أثخن بالجراح وسقط إلى الأرض. فجاء عثمان بن خالد التميمي وبشر بن سوط فقتلاه.

١٢٣

وأصابت الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن عليه‌السلام ثماني عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى ، ولم يستشهد.

ثم برز من بعده موسى بن عقيل عليه‌السلام وهو يرتجز ويقول :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٧٤)

يا معشر الكهول والشبّان

أضربكم بالسيف والسنان

أحمي عن الفتية والنسوان

وعن إمام الإنس ثم الجان

أرضي بذاك خالق الإنسان

سبحانه ذو الملك الديّان

ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل سبعين فارسا ، ثم قتل رحمه‌الله.

١١٠ ـ مصرع إبراهيم بن الحسين :

وبرز من بعده إبراهيم بن الحسين ، وهو يقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

ثم أباك الطاهر المؤيّدا

والحسن المسموم ذاك الأسعدا

وذا الجناحين حليف الشهدا

وحمزة الليث الكمي السيّدا

في جنة الفردوس فازوا سعدا

ثم حمل على القوم فقتل خمسين فارسا ، وقتل رحمه‌الله.

١١١ ـ مصرع أحمد بن محمد الهاشمي ، قيل إنه عباسي :

وبرز من بعده أحمد بن محمد الهاشمي ، وهو يرتجز ويقول :

اليوم أبلو حسبي وديني

بصارم تحمله يميني

أحمي به عن سيدي وديني

ابن علي الطاهر الأمين ثم

ثم حمل على القوم ، ولم يزل يقاتل حتى قتل ثمانين فارسا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

١١٢ ـ شهادة محمّد وعون ولدي عبد الله بن جعفر عليهم‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٥ ط ٤)

وحمل الناس على الحسين عليه‌السلام وأهل بيته من كل جانب.

فخرج محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأمه زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقيل الخوصاء من بني تيم اللات ، وهو يقول :

١٢٤

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس ، فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله.

وخرج أخوه عون بن عبد الله بن جعفر عليه‌السلام وأمه زينب الكبرى عليها‌السلام وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

ثم قاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا. فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله.

قال صاحب (نفس المهموم) ص ١٥٥ : اعلم أنه كان لعبد الله بن جعفر ابنان مسميان بعون : (الأكبر) وأمه زينب العقيلة عليها‌السلام ، (والأصغر) وأمه جماعة بنت المسيّب بن نجبة. والظاهر أن المقتول بالطف هو الأول.

١١٣ ـ مرقد عون على طريق المسيّب :

(موجز تاريخ البلدان العراقية ، ص ٥٨)

قال السيد عبد الرزاق الحسني : وعلى بعد ثمانية أميال [١٥ كم] من شرقي كربلاء مرقد الإمام عون بن عبد الله بن جعفر عليه‌السلام ، وأمه زينب بنت علي عليها‌السلام ، وقيل الخوصاء.

تعليق (حول مرقد عون) (مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٤٠)

قال : لا يرتاب اللبيب بأن عون مقبور مع الشهداء في الحائر الحسيني المقدّم. وما ذهبت إليه المزاعم من أن مشهد عون واقع على يسار السابلة في طريق كربلاء ـ المسيّب بمسافة خمسة عشر كيلومترا ، فغير صحيح. إنما هو قبر سيد جليل كان اسمه (عون) يقيم في الحائر الحسيني ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ من كربلاء ، خرج إليها وأدركه الموت فدفن في ضيعته ، وبني على مرقده هذا المزار المشهور ، وعليه قبة عالية ، والناس يقصدونه بالنذور وقضاء الحاجات. ويظن الناس أنه قبر عون بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والبعض يزعم أنه قبر عون ابن عبد

١٢٥

الله بن جعفر عليه‌السلام ، وهو غير صحيح ، إذ أن المدفون فيه اسمه عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن إدريس بن داود بن أحمد المسوّر بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط عليه‌السلام. دفن في ضيعته.

١١٤ ـ شهادة عبد الله الأكبر بن الحسن عليه‌السلام (مقتل المقرم ص ٣٣٠)

وخرج أبو بكر بن الحسن عليه‌السلام وهو عبد الله الأكبر ، وأمه أم ولد يقال لها رملة ، وهي أم القاسم عليه‌السلام ، برز وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدره

ضرغام آجام وليث قسوره

على الأعادي مثل ريح صرصره

أكيلكم بالسيف كيل السندره

[وقد اقتبس ذلك من شعر جده الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام].

فقاتل حتى قتل. وكان عبد الله بن الحسن عليه‌السلام قد تزوج من ابنة عمه سكينة بنت الحسين عليه‌السلام قبيل المعركة ، وقيل إنه قتل قبل البناء بها.

ملاحظة :

قال السيد إبراهيم الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٨ :

يظهر أنه كان للإمام الحسن (ع) ابنان مسمّيان بعبد الله : أحدهما إليه الأصغر) ، والآخر (الأكبر) وهو المكنى بأبي بكر ، وكان أخا للقاسم لأبويه ، وقد زوّجه عمه الحسين عليه‌السلام ابنته سكينة.

شهادة القاسم ابن الحسن عليهما‌السلام

١١٥ ـ مصرع القاسم بن الحسن عليه‌السلام [فلقة القمر] وهو غلام لم يبلغ الحلم ، على يد عمرو بن سعد الأزدي (لواعج الأشجان ، ص ١٧٣ و ١٧٤)

وخرج من بعده أخوه لأمه وأبيه القاسم بن الحسن عليه‌السلام ، وأمه أم ولد ، وهو غلام لم يبلغ الحلم. فلما نظر الحسين عليه‌السلام إليه قد برز ، اعتنقه وجعلا يبكيان

١٢٦

حتى غشي عليهما. ثم استأذن عمه في المبارزة فأبى أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه ، حتى أذن له. فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب (١) المزن

فقاتل قتالا شديدا ، حتى قتل على صغر سّنه [على بعض الروايات] خمسة وثلاثين رجلا.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٧٤ ط ٢ :

ثم إن القاسم تقدم إلى عمر بن سعد ، وقال له : يا عمر أما تخاف الله ، أما تراقب الله يا أعمى القلب ، أما تراعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!. فقال عمر : أما كفاكم التجبر ، أما تطيعون يزيد؟. فقال القاسم عليه‌السلام : لا جزاك الله خيرا ، تدّعي الإسلام ، وآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطاشى ظماء ، قد اسودّت الدنيا بأعينهم.

وفي (اللواعج) قال حميد بن مسلم : كنت في عسكر ابن سعد ، حين خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر (٢) ، وفي يده سيف ، وعليه قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شسع إحداهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى [وأنف ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحتفي في الميدان ، فوقف يشدّ شسع نعله (٣)].

وفي ذلك قال الشاعر مجنّسا :

أتراه حين أقام يصلح نعله

بين العدى كيلا يروه بمحتفي (٤)

غلبت عليه شآمة حسنية

أم كان بالأعداء ليس بمحتفي (٥)

فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله لأشدّنّ عليه. فقلت : سبحان الله وما تريد بذلك!. والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، دعه يكفيكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه. فقال : والله لأفعلنّ. فشدّ عليه ، فما ولّى حتى ضرب رأسه

__________________

(١) المزن : السحاب الأبيض. والصّوب : انصباب المطر.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٣١ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ ؛ ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج ؛ وإرشاد المفيد ؛ وإعلام الورى ، ص ١٤٦.

(٣) ذخيرة الدارين ، ص ١٥٢ ؛ وإبصار العين ، ص ١٣٧.

(٤) في عجز البيتين جناس تام ؛ فكلمة (محتفي) الأولى : من الاحتفاء ، وهو المشي بلا نعل.

(٥) وكلمة (محتفي) الثانية : من عدم الاحتفاء ، أي عدم الاهتمام والاكتراث.

١٢٧

بالسيف ففلقه ، ووقع الغلام إلى الأرض لوجهه ، ونادى : يا عماه!. فانقضّ عليه الحسين عليه‌السلام كالصقر ، وتخلل الصفوف ، وشدّ شدة ليث أغضب ، فضرب عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف ، فاتقاها بالساعد فقطعها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر. ثم تنحّى عنه الحسين عليه‌السلام فحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فاستقبلته بصدورها ووطئته بحوافرها ، فمات.

وانجلت الغبرة فإذا بالحسين عليه‌السلام قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه ، والحسين عليه‌السلام يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك. ثم قال عليه‌السلام : عزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك [أو يعينك فلا يغني عنك (١)]. صوت والله كثر واتره ، وقلّ ناصره!.

ثم حمله ووضع صدره على صدره. وكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان الأرض. فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته (٢). ثم رفع طرفه إلى السماء وقال عليه‌السلام : الله م أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا

[ولا تغفر لهم أبدا (٣)].

وصاح الحسين عليه‌السلام في تلك الحال : صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، فو الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.

١١٦ ـ عرس القاسم عليه‌السلام :

ذكر فخر الدين الطريحي في كتابه (المنتخب في المراثي والخطب) ص ٣٧٣ ، وكذلك الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٨ ، قصة زواج القاسم عليه‌السلام.

وملخصها أن الإمام الحسن عليه‌السلام كان قد أوصى بتزويج ابنه القاسم عليه‌السلام من ابنة أخيه الحسين عليه‌السلام المسماة زبيدة. ذلك أن الحسين عليه‌السلام بعد وفاة زوجته شهربانو أم زين العابدين عليه‌السلام تزوج بأختها شاهزنان ، فولدت له زبيدة هذه ، وقبر زبيدة خاتون في الري جنوبي طهران على مسافة ثلاثة ضرائح من قبر الشاه عبد العظيم الحسني (راجع أسرار الشهادة ، ص ٣١٠).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٨.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٣٢ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٧ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٦ ؛ وإرشاد المفيد.

(٣) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٨.

١٢٨

لذلك قام الحسين عليه‌السلام في كربلاء بإجراء عقد الزواج بين القاسم وزبيدة في خيمة ، بعد أن ألبسه ثيابا جديدة. لكن القاسم رغم ذلك فضّل الشهادة على الزواج ، وقال لخطيبته : لقد أخّرنا عرسنا إلى الآخرة. فبكت الهاشميات.

يقول المحقق السيد عبد الرزاق المقرّم في كتابه (القاسم بن الحسن) ص ٣٢٠ : كل ما يذكر في عرس القاسم غير صحيح ، لعدم بلوغ القاسم سن الزواج ، ولم يرد به نص صحيح من المؤرخين.

ترجمة الغلام القاسم بن الحسن عليه‌السلام

(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٥٨)

في بعض الكتب : توفي الإمام الحسن عليه‌السلام وللقاسم سنتان ، فربّاه عمه الحسينعليه‌السلام في حجره ، وكفله مع سائر إخوته. وكان يوم عاشوراء غلاما لم يبلغ الحلم (عمره ١٣ سنة). وكان وجهه من جماله كفلقة القمر. أمه وأم عبد الله : رملة. [وفي طبقات ابن سعد] : نفيلة.

١١٧ ـ شهادة بعض إخوة الإمام الحسين عليهم‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٨ ط ٤)

وتقدمت إخوة الحسين عليه‌السلام عازمين على أن يموتوا دونه.

فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي عليه‌السلام واسمه عبد الله ، وأمه ليلى بنت مسعود من بني نهشل ، فتقدم وهو يرتجز ويقول :

شيخي عليّ ذو الفخار الأطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا الحسين ابن النبي المرسل

نذود عنه بالحسام الفيصل

تفديه نفسي من أخ مبجّل

يا ربّ فامنحني ثواب المجزل

فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي.

ثم خرج من بعده أخوه عمر بن علي عليه‌السلام ، أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة التغلبية ، فحمل على زجر قاتل أخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا ، وهو يقول :

١٢٩

خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر

خلّوا عن الليث الهصور المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفرّ

وليس فيها بالجبان المنحجر

فلم يزل يقاتل حتى قتل.

وخرج محمّد الأصغر بن علي عليه‌السلام وأمه أم ولد ، فرماه رجل من تميم من بني أبان بن دارم ، فقتله وجاء برأسه.

وخرج عبد الله بن علي عليه‌السلام وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية ، فقاتل حتى قتل. وهو أخو أبي بكر بن علي (ع) لأمه وأبيه ، وهو غير عبد الله الأصغر بن علي عليه‌السلام شقيق العباس عليه‌السلام ، كما صرح بذلك الشيخ المفيد في (الإرشاد).

١١٨ ـ مصرع إخوة العباس عليه‌السلام وهم عبد الله وجعفر وعثمان عليهم‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٩ ط ٤)

ولما رأى العباس بن علي (ع) كثرة القتلى من أهله قال لإخوته من أمه وأبيه ، وهم عبد الله وجعفر وعثمان عليه‌السلام ، وأمهم أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية : يا بني أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله ، فإنه لا ولد لكم.

وفي (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهاني ، ص ٥٥ : قال أبو مخنف في حديث الضحاك المشرفي : «إن العباس بن علي عليه‌السلام قدّم أخاه جعفرا بين يديه ، لأنه لم يكن له ولد ، ليحوز ولد العباس بن علي ميراثه».

وقال الطبري في تاريخه : «وزعموا أن العباس بن علي عليه‌السلام قال لإخوته من

١٣٠

أمه ، عبد الله وجعفر وعثمان : يا بني أمي تقدموا حتى أرثكم ، فإنه لا ولد لكم ، ففعلوا فقتلوا».

فبرز عبد الله الأصغر بن علي عليه‌السلام وعمره خمس وعشرون سنة وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والافضال

ذاك عليّ الخير ذي الفعال

سيف رسول الله ذو النّكال

في كل يوم ظاهر الأهوال

فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي ضربتين ، فقتله هاني.

ثم برز بعده أخوه جعفر بن علي عليه‌السلام وكان عمره تسع عشرة سنة وهو يقول :

إني أنا جعفر ذو المعالي

نجل عليّ الخير ذو النوال

أحمي حسينا بالقنا العسّال (١)

وبالحسام الواضح الصقال

حسبي بعمّي شرفا وخالي

فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي أيضا فقتله ، وجاء برأسه.

ثم برز بعده أخوه عثمان بن علي عليه‌السلام (٢) فقام مقام إخوته ، وكان عمره إحدى وعشرين سنة وهو يقول :

إني أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر

صنوّ النبي ذي الرشاد السائر

ما بين كل غائب وحاضر

هذا حسين خيرة الأخاير

وسيّد الصغار والأكابر

بعد الرسول والوصي الناصر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وحمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله ، وجاء برأسه.

__________________

(١) العسّال : الرمح يهتزّ لينا.

(٢) قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) ص ٥٥ : وهذا عثمان هو الّذي روي عن علي عليه‌السلام أنه قال : إنما سميته باسم أخي (من الرضاعة) عثمان بن مظعون. وكان ابن مظعون هذا من أجلاء الصحابة ، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر الهجرتين وشهد بدرا ، وكان ممن حرّم الخمرة على نفسه في الجاهلية. توفي سنة ٢ ه‍ وصلى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفن في بقيع الغرقد.

١٣١

شهادة أبي الفضل العباس

قمر بني هاشم

كان العباس بن علي عليه‌السلام رجلا وسيما جميلا ، قويا أيّدا طويلا ، يركب الفرس المطهّم [أي السمين العالي] ورجلاه تخطان في الأرض. ولبطولته المشهودة أعطاه الحسين عليه‌السلام لواءه يوم كربلاء ، وطلب منه الاستسقاء أكثر من مرة ، فاستسقى الماء للنساء ، فسمّي السّقّاء. ولجماله الملحوظ سمّي قمر بني هاشم.

١١٩ ـ استسقاء أبي الفضل العباس عليه‌السلام ومصرعه على يد زيد بن الرقّاد الجهني (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٣٥)

أورد الخوارزمي في مقتله مصرع العباس باختصار كبير ، ج ٢ ص ٢٩ قال :

ثم خرج من بعده العباس بن علي عليه‌السلام وأمه أم البنين ، وهو السّقّاء ، فحمل وهو يقول :

أقسمت بالله الأعزّ الأعظم

وبالحجون صادقا وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرّم

ليخضبنّ اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم

إمام أهل الفضل والتكرّم

فلم يزل يقاتل حتى قتل جماعة من القوم ثم قتل. فقال الحسين عليه‌السلام : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي.

وأما الطبري فمن العجب العجاب أنه لم يذكر شيئا أبدا عن مصرع العباس. واعتبر السيد ابن طاووس في (اللهوف) مقتل العباس عليه‌السلام آخر أهل البيت عليهم‌السلام وذلك باختصار.

١٣٢

أما السيد المقرّم فقد أورد في مقتله مصرع العباس عليه‌السلام بإسهاب ، ص ٣٣٤ ، وهذا نصّه :

قال العباس عليه‌السلام : قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثأري منهم. فأمره الحسين عليه‌السلام أن يطلب الماء للأطفال ، فذهب العباس عليه‌السلام إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبار فلم ينفع ، فنادى بصوت عال : يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله ، قد قتلتم أصحابه وأهل بيته ، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء ، فقد أحرق الظمأ قلوبهم ، وهو مع ذلك يقول : دعوني أذهب إلى الروم أو الهند وأخلّي لكم الحجاز والعراق. فأثّر كلام العباس عليه‌السلام في نفوس القوم حتى بكى بعضهم. ولكن الشمر صاح بأعلى صوته : يابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة ، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.

ثم إنه ركب جواده وأخذ القربة ، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال ، فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده ، ولواء الحمد يرفرف على رأسه ، فلم تثبت له الرجال ، ونزل إلى الفرات مطمئنا غير مبال بذلك الجمع. ولما اغترف من الماء ليشرب تذكّر عطش أخيه الحسين عليه‌السلام ومن معه ، فرمى الماء وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون

وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال ديني (١)

ولا فعال صادق اليقين

ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجّه نحو المخيم فقطع عليه الطريق ، وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقى (٢)

حتى أوارى في المصاليت لقى (٣)

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٣٦ نقلا عن (رياض المصائب) ص ٣١٣ للسيد محمّد مهدي الموسوي. (٢) إذا الموت رقى : أي صعد ، كناية عن الكثرة أو القرب أو الإشراف. (وفي رواية) زقا : أي صاح. (٣) المصاليت : جمع مصلات ، وهو الرجل الشجاع. لقى : مطروحا.

١٣٣

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقى

إني أنا العباس أغدو بالسّقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

فكمن له زيد بن الرقّاد الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه فبراها ، فقال عليه‌السلام :

والله إن قطعتم يميني

إني أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

سبط النبي الطاهر الأمين

فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همه إيصال الماء إلى أطفال الحسين عليه‌السلام وعياله ، ولكن الحكيم بن الطفيل كمن له من وراء نخلة ، فلما مرّ به ضربه على شماله فقطعها (١) فقالعليه‌السلام:

يا نفس لا تخشي من الكفّار

وأبشري برحمة الجبّار

مع النبي السيد المختار

مع جملة السادات والأطهار

قد قطّعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار (٢)

وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره (٣) وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته ، وسقط على الأرض ينادي : عليك مني السلام أبا عبد الله (٤). فأتاه الحسين عليه‌السلام وقد استشهد ، فقال : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي (٥).

وفي (الفاجعة العظمى) للسيد عبد الحسين الموسوي ، ص ١٤٦ :

(وفي بعض الكتب) : أخذ الحسين عليه‌السلام رأسه ووضعه في حجره ، وجعل يمسح الدم عن عينيه ، فرآه وهو يبكي. فقال الحسين عليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا الفضل؟. قال : يا نور عيني ، وكيف لا أبكي ومثلك الآن جئتني وأخذت رأسي ، فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب ، ومن يمسح التراب عن وجهك!.

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢١ ط إيران.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٨.

(٣) رياض المصائب ، ص ٣١٥.

(٤) المنتخب للطريحي ، ص ٣١٢ ط نجف سنة ١٣٦٩ ه‍ ؛ ورياض المصائب ص ٣١٥. وفي مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران ، أن حكيم بن الطفيل هو الّذي ضربه بعمود من حديد على رأسه الشريف.

(٥) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ٢٥١ ؛ وتظلم الزهراء ، ص ١٢٠.

١٣٤

وكان الحسين عليه‌السلام جالسا ، إذ شهق العباس شهقة ، وفارقت روحه الطيبة. فصاح الحسين عليه‌السلام : وا أخاه ، وا عباساه ، وا ضيعتاه!.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣١٢ ط ٢ نجف ، قال :

روي أن العباس بن علي عليه‌السلام كان حامل لواء أخيه الحسين عليه‌السلام ، فلما رأى جميع عسكر الحسين عليه‌السلام قتلوا وإخوانه وبنو عمه بكى وأنّ ، وإلى لقاء ربه اشتاق وحنّ. فحمل الراية وجاء نحو أخيه الحسين عليه‌السلام وقال : يا أخي هل رخصة؟. فبكى الحسين عليه‌السلام بكاء شديدا حتى ابتلّت لحيته المباركة بالدموع. ثم قال : يا أخي كنت العلامة من عسكري ، ومجمع عددنا ، فإذا أنت غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب. فقال العباس عليه‌السلام : فداك روح أخيك ، يا سيدي قد ضاق صدري من حياة الدنيا ، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين عليه‌السلام : إذا غدوت إلى الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء.

فلما أجاز الحسين عليه‌السلام أخاه العباس للبراز ، برز كالجبل العظيم ، وقلبه كالطود الجسيم ، لأنه كان فارسا هماما وبطلا ضرغاما ، وكان جسورا على الطعن والضرب ، في ميدان الكفاح والحرب. فلما توسّط الميدان وقف وقال : يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنكم قتلتم أصحابه وإخوته وبني عمه ، وبقي فريدا مع أولاده ، وهم عطاشى قد أحرق الظمأ قلوبهم ، فاسقوه شربة من الماء ، لأن أطفاله وعياله وصلوا إلى الهلاك ، وهو مع ذلك يقول لكم : دعوني أخرج إلى أطراف الروم والهند وأخلّي لكم الحجاز والعراق ، والشرط لكم أن غدا في القيامة لا أخاصمكم عند الله ، حتى يفعل الله بكم

ما يريد!.

فلما أوصل العباس عليه‌السلام إليهم الكلام عن أخيه ، فمنهم من سكت ولم يردّ جوابا ، ومنهم من جلس يبكي. فخرج الشمر وشبث بن ربعي ، فجاء [الشمر] نحو العباس وقال : يابن أبي تراب قل لأخيك : لو كان كل وجه الأرض ماء وهو تحت أيدينا ، ما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.

فتبسم العباس عليه‌السلام ومضى إلى أخيه الحسين عليه‌السلام وعرض عليه ما قالوا ، فطأطأ رأسه إلى الأرض ، وبكى حتى بلّ أزياقه [أي أكمامه]. فسمع الحسين عليه‌السلام الأطفال ينادون : العطش!.

١٣٥

الاستسقاء الأخير

فلما سمع العباس عليه‌السلام ذلك رمق بطرفه إلى السماء ، وقال : إلهي وسيدي ، أريد [أن] أعتدّ بعدّتي ، وأملأ لهؤلاء الأطفال قربة من الماء. فركب فرسه وأخذ رمحه ، والقربة في كتفه.

وكان قد جعل عمر بن سعد أربعة آلاف خارجي موكلين على الماء ، لا يدعون أحدا من أصحاب الحسين عليه‌السلام يشرب منه. فلما رأوا العباس قاصدا إلى الفرات أحاطوا به من كل جانب ومكان. فقال لهم : يا قوم ، أنتم كفرة

أم مسلمون؟. هل يجوز في مذهبكم أو في دينكم أن تمنعوا الحسين عليه‌السلام وعياله شرب الماء ، والكلاب والخنازير يشربون منه ، والحسين مع أطفاله وأهل بيته يموتون من العطش. أما تذكرون عطش القيامة؟!.

فلما سمعوا كلام العباس عليه‌السلام وقف خمسمئة رجل ورموه بالنبل والسهام ، فحمل عليهم فتفرقوا عنه هاربين كما تتفرق الغنم عن الذئب ، وغاص في أوساطهم وقتل منهم ـ على ما نقل ـ قريبا من ثمانين فارسا. فهمز فرسه إلى الماء وأراد أن يشرب ، فذكر عطش الحسين عليه‌السلام وعياله وأطفاله ؛ فرمى الماء من يده ، وقال : والله لا أشربه وأخي الحسين عليه‌السلام وعياله وأطفاله عطاشى ، لا كان ذلك أبدا.

ثم ملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وهمز فرسه وأراد أن يوصل الماء إلى الخيمة ، فاجتمع عليه القوم ، فحمل عليهم فتفرقوا عنه ، وصار نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق ، فحاربهم محاربة عظيمة. فصادفه نوفل الأزرق وضربه على يده اليمنى فبراها ، فحمل العباس القربة على كتفه الأيسر. فضربه نوفل أيضا فبرى كفه الأيسر من الزند ، فحمل القربة بأسنانه ، فجاء سهم فأصاب القربة ، فانفرت وأريق ماؤها. ثم جاء سهم آخر في صدره ، فانقلب عن فرسه إلى الأرض. وصاح إلى أخيه الحسين عليه‌السلام : أدركني. فساق الريح الكلام إلى الخيمة.

فلما سمع الحسين عليه‌السلام كلامه ، أتاه فرآه طريحا ، فصاح : وا أخاه ، وا عباساه ، وا قرة عيناه ، وا قلة ناصراه!. ثم بكى بكاء شديدا. وحمل العباس إلى الخيمة ، فجددوا الأحزان وأقاموا العزاء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].

(أقول) : وهذا مناقض للواقع والمشهور ، من أن العباس عليه‌السلام دفن في المكان الّذي استشهد فيه ، منحازا عن باقي الشهداء عليهم‌السلام.

١٣٦

أما أبو مخنف فقد ذكر في مقتله ، ص ٥٧ مصرع العباس عليه‌السلام مبكّرا قبل بدء القتال (وهو قول ضعيف واهن كما أسلفنا) ، وذلك حين طلب منه الحسين عليه‌السلام الاستسقاء للأطفال ، قال :

واشتدّ العطش بالحسين وأصحابه ، فقال الحسين لأخيه العباس عليه‌السلام : يا أخي اجمع أهل بيتك واحفروا بئرا ففعلوا ذلك فلم يجدوا فيها ماء ، فقال الحسين للعباس عليه‌السلام : امض إلى الفرات وائتنا بشربة من الماء. فقال له العباس : سمعا وطاعة. (قال) : فضمّ إليه رجالا ، فسار العباس والرجال من يمينه وعن شماله ، حتى أشرفوا على الفرات ، فرآهم أصحاب ابن زياد ، وقالوا : من أنتم؟. فقالوا : نحن أصحاب الحسين عليه‌السلام. فقالوا : وما تريدون؟. قالوا : كظّنا العطش ، وأشدّ الأشياء علينا عطش الحسين عليه‌السلام. فلما سمعوا كلامهم حملوا عليهم حملة رجل واحد ، فقاتلهم العباس وأصحابه ، فقتل منهم رجالا ، وهو يقول :

أقاتل القوم بقلب مهتد

أذبّ عن سبط النبيّ أحمد

أضربكم بالصارم المهنّد

حتى تحيدوا عن قتال سيدي

إني أنا العباس ذو التودّد

نجل علي المرتضى المؤيّد

وحمل عليهم ففرقهم يمينا وشمالا ، وقتل رجالا حتى كشفهم عن المشرعة ، ونزل ومعه القربة فملأها ، ومدّ يده ليشرب ، فذكر عطش أخيه الحسين ، فقال : والله لا ذقت الماء وسيدي الحسين عطشان. ثم رمى الماء من يده وخرج والقربة على ظهره. ثم صعد من المشرعة فأخذه النبل من كل مكان حتى صارت درعه كالقنفذ. فحمل عليه أبرص بن شيبان ، فضربه على يمينه فطارت مع السيف ، فأخذ السيف بشماله. وحمل على القوم وقتل منهم رجالا ونكّس أبطالا والقربة على ظهره. فلما نظر ابن سعد قال : ويلكم ارشقوا القربة بالنبل ، فو الله إن شرب الحسين الماء أفناكم عن آخركم. (قال) فحملوا على العباس حملة منكرة ، فقتل منهم مائة وثمانين فارسا ، فضربه عبد الله بن يزيد الشيباني على شماله فقطعها ، فأخذ السيف بفيه. ثم حمل على القوم ويداه تنضحان دما ، فحملوا عليه جميعا ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فضربه رجل منهم بعمود من حديد ففلق هامته ، وخرّ صريعا إلى الأرض يخور بدمه وهو ينادي : يا أبا عبد الله عليك مني السلام. فلما سمع الحسين عليه‌السلام صوته نادى : وا أخاه ، وا عباساه ، وا مهجة قلباه ... ثم حمل على القوم فكشفهم عنه ، ونزل إليه وحمله على ظهر جواده ، وأقبل به إلى الخيمة وطرحه وبكى عليه بكاء

١٣٧

شديدا ، حتى بكى جميع من كان حاضرا. وقال صلوات الله عليه : جزاك الله من أخ خيرا ، لقد جاهدت في الله حقّ جهاده.

(أقول) : وهذا الكلام مخالف أيضا للرواية الصحيحة ، وهي أن الحسين عليه‌السلام ترك أخاه العباس في مكان استشهاده على المشرعة ، فكان مدفنه في موضعه المعروف منحازا عن الشهداء.

ترجمة أبي الفضل العباس عليه‌السلام

أبو الفضل العباس عليه‌السلام هو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أمه فاطمة بنت حزام الكلابية ، اختارها له أخوه عقيل لتلد له غلاما فارسا ، وقد اشتهرت عشيرتها بالشجاعة والبأس ، وكان آباؤها وأخوالها فرسان العرب في الجاهلية. وقد ولدت للإمام عليه‌السلام أربعة أولاد ،

فسميت لذلك (أم البنين) وهم : العباس وجعفر وعثمان وعبد الله ، وقد استشهدوا جميعا في كربلاء .. وكانت أم البنين من أفضل النساء ، عارفة بحق أهل البيت عليهم‌السلام ومخلصة في ولائهم. كان أكبر أولادها العباس عليه‌السلام ، ولد في ٤ شعبان سنة ٢٦ ه‍.

وقد اجتمعت في العباس كل صفات العظمة ، من بأس وشجاعة وإباء ونجدة من جهة ، وجمال وبهجة ووضاءة وطلاقة من جهة أخرى ، ولما تطابق فيه الجمالان الخلقي والخلقي ، قيل فيه (قمر بني هاشم). وقد عاش عليه‌السلام مع أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام أربع عشرة سنة ، وحضر معه حروبه ، ولكنه لم يأذن له أبوه بالنزال فيها. وقتل مع أخيه الحسين عليه‌السلام بكربلاء وعمره ٣٤ سنة ، وكان صاحب رايته.

من ألقاب العباس عليه‌السلام : (السّقّاء) لأنه استسقى الماء لأهل البيت عليهم‌السلام يوم الطف. و (أبو الفضل) لأنه كان له ولد اسمه الفضل.

و (باب الحوائج) لكثرة ما صدر عنه من الكرامات يوم كربلاء وبعده. ومنها (قمر بني هاشم) لما ذكرنا من جمال هيئته ووسامته. وكان يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض.

١٣٨

تابع : ترجمة العباس عليه‌السلام

ولقد شهدت الأمة بطولة العباس عليه‌السلام ومواقفه مع أخيه الحسين عليه‌السلام يوم الطف ، واستماتته في الدفاع من أجله ، حتى أن الحسين عليه‌السلام خاطبه قائلا : «بنفسي أنت" ، فأقامه مقام نفسه الزكية ، وهذا شرف لم يبلغه أحد من الناس.

وعن منزلة العباس عليه‌السلام ذكر السيد عبد الحسين الموسوي في (الفاجعة العظمى) ص ١٤٧ : روى الشيخ أبو نصر البخاري عن المفضّل بن عمر أنه قال : قال الإمام الصادق عليه‌السلام : كان عمّنا العباس ابن علي عليه‌السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد الله عليه‌السلام وأبلى بلاء حسنا ، ومضى شهيدا.

وعن (الأمالي) بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام قال : رحم الله عمي العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عزوجل جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه‌السلام. وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.

ويقع مرقد العباس عليه‌السلام في كربلاء المقدسة على مسافة بسيطة من قبر الحسين عليه‌السلام ، ويلاحظ أن مرقده الشريف منفرد عن مرقد الحسين والشهداء عليهم‌السلام ، ويبعد عن مرقد الحسين عليه‌السلام نحو ٣٥٠ مترا ، وقد أقيمت فوقه قبة من الذهب شبيهة بقبة الحسين عليه‌السلام.

١٢٠ ـ ثواب من يسقي الماء للعطاشى (الفاجعة العظمى ، ص ١٠٤)

بما أن أبا الفضل العباس عليه‌السلام كان ساقي عطاشى كربلاء ، نذكر هذين الحديثين :

قال الإمام زين العابدين عليه‌السلام : من سقى مؤمنا من ظمأ ، سقاه الله من الرحيق المختوم.

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء ، كان

١٣٩

كمن أعتق رقبة. ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء ، كان كمن أحيا نفسا ، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.

١٢١ ـ شهادة أولاد العباس بن علي عليه‌السلام :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٢٧٨)

ذكر السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه (العباس قمر بني هاشم) ص ١٩٥ : أنه كان للعباس عليه‌السلام خمسة أولاد : الفضل وعبيد الله والحسن والقاسم وبنت واحدة.

وعدّ ابن شهر اشوب في مناقبه من الشهداء يوم الطف من ولد العباس عليه‌السلام : محمّد بن العباس عليه‌السلام أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. وليس للعباس عليه‌السلام نسل إلا من ولده عبيد الله.

١٢٢ ـ استغاثة الحسين عليه‌السلام : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)

ولما قتل العباس عليه‌السلام التفت الحسين عليه‌السلام فلم ير أحدا ينصره. ونظر إلى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي ، وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال ، صاح بأعلى صوته : هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟. هل من موحّد يخاف الله فينا؟. هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا.؟. هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا (١)؟. فارتفعت أصوات النساء بالبكاء (٢).

الحسين عليه‌السلام يودّع عياله

ثم إن الحسين عليه‌السلام أمر عياله بالسكوت وودّعهم. وكان عليه جبّة خز دكناء ، وعمامة مورّدة ، أرخى لها ذؤابتين.

١٢٣ ـ الحسين عليه‌السلام يودّع النساء الهاشميات

(المنتخب للطريحي ص ٤٥٠)

في (المنتخب) : فدعا عليه‌السلام ببردة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتحف بها ، وأفرغ عليه درعه الفاضل ، وتقلّد سيفه ، واستوى على متن جواده وهو غائص في الحديد.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦٥.

١٤٠