مقتل الحسين للخوارزمي - ج ٢

أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]

مقتل الحسين للخوارزمي - ج ٢

المؤلف:

أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]


المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣١١
الجزء ١ الجزء ٢

سوافر يندبن الحسين بنوحة

تحلّ بها الأحزان خيط السواكب

معاشر المسلمين من كان فيكم مصاب فليتعزّ بمن كان منه أعز ، ومن كان فيكم مظلوم فليتسلّ ، فقد ظلم من منه كان أجل ، ومن كان فيكم من حالف البلا ، فليتذكر مبتلى كربلا ، المحروم من الماء ، المذبوح من القفا على الظماء ، المجدل في تلك التربة ، المسوقة نساؤه سوق الاماء ، يهون عليه أمر الغربة وعسر الكربة :

إذا ذكرت نفسي مصائب فاطم

بأولادها هانت عليّ مصائبي

ولم أتذكر منعهم عن مشارب

على ظمأ إلا وعفت مشاربي

أسيغ مياهي بعدهم ثمّ أدّعي

بأني في دعوى الهوى غير كاذب

سقوا حسنا سما ذعافا وجدلوا

أخاه حسينا بالقنا والقواضب

فضائلهم ليست تعدّ وتنتهي

وإن عددت يوما قطار السحائب

وإن يزيدا رام أن يتسفلوا

وأن يتردّوا في مهاوي المعاطب

وقد رفع العدل المهيمن حالهم

بمنزلة قعساء فوق الكواكب

لبئس ما كان يزيد وحزبه يحتقبون ، وساء ما يرتكبون ، وسوف ترونهم في جهنم يصطلون ويصطرخون ويضطربون ، فإنهم إلى ربهم راجعون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) الشعراء / ٢٢٧ ، ولي قصيدة طويلة فيهم آخرها :

ففاطمة ومولانا علي

ونجلاه سروري في الكتاب

ومن يك دأبه تشييد بيت

فها أنا مدح أهل البيت دأبي

وإن يك حبّهم هيهات عابا

فها أنا مذ عقلت قريب عاب

١٨١

لقد قتلوا عليا إذ تجلى

لأهل الحقّ فحلا في الضراب

وقد قتلوا الرضا الحسن المرجى

جواد العرب بالسّمّ المذاب

وقد منعوا الحسين الماء ظلما

وجدل بالطعان وبالضراب

وقد صلبوا إمام الحق زيدا

فيا لله ، من ظلم عجاب

٥٦ ـ ومن مقالة لي فيه عليه‌السلام : عباد الله أما تستغربون أحقاد قوم في ذحولهم؟ أما تتعجبون من آراء امة وعقولهم؟ قتال الحسين بن علي ولد رسولهم ، ولم يبالوا بالنص الجلي في حفدة نبيهم ، ثم لبثوا في شمالهم على شرب شمولهم ، وجر فضول ذيولهم ، لعائن الله والملائكة على شبانهم ، وشيوخهم ، وفتيانهم ، وكهولهم ، أفي صلاتهم يصلّون على محمد وآله ، ويمنعونهم من مشرعة الماء وزلاله ، ويجمعون على حرب الحسين وقتاله ، ويذبحون ولا يستحيون من شيبه وجماله؟ أما والله ، إن حقّ رسول الله على اممه أن يعظموا ترابا ألم بلممه ، بل تراب نعل قدمه ، بل تراب نعل قدم خادم من خدمه ، ثم هؤلاء الطغاة قتلوا شبل أسد ساد في أجمه ، ونكتوا بالمخصرة ثنايا فم كانت مراشف فمه ، وتنافسوا في ذبحه وإراقة دمه.

نعم ، حقّ الرسول أن يكتحلوا بغبار من شعر جسده وهم ذبحوا الحسين «بكربلاء» أكرم ولده ، وقرّة عينه ، وفلذة كبده ، ذلك الفتى الذي نشأ بين يدي الرسول ؛ وبين علي الضرغام الصؤول ؛ وفاطمة البتول ، فسبحان الله! ثم سبحان الله! من يزيد وعبيد الله عدوا الله وعدوا رسول الله ، الناكتين ثنايا حبيب حبيب الله. بالله ثم بالله ، إنّ هذا البلاء المتناه ، قولوا عباد الله من صميم قلوبكم : آه ثم آه إذ ذبح ولد رسول الله بين الطغاة

١٨٢

البغاه ، والعتاة العماة ، ذوي الشقاه ، مرتكبي مناهي الملاه ، ومانعي شرب المياه ، من الحسين المخبت الأواه.

ليت شعري ، ما أعذار هؤلاء الشطار الفجار ، الدّعار الأشرار ، في قتل هؤلاء الأخيار الأحبار عند رسول الله المختار ، وعند علي الكرار ، غير الفرار ، صاحب ذي الفقار ، وعند فاطمة المستغفرة بالأسحار ، ذات العطاء الجاري على الأجنبي والجار ، المشبعة الجائع المروية الصادي الكاسية العار ، المتصدقة بما طحنت بنفسها على ذوي المسكنة واليتم والإسار ، ثلاثة أيام ولياليها بالافطار ، إذا جاءت بثوب مخضوب بدم الحسين المقتول بأسياف أصحاب الخمر والخمار ، والقمار والمزمار ، واحتوت على ساق عرش الواحد القهار ، ورفعت شكواها إلى الملك الجبار ، ثم جاء النداء : يا زبانية النار! شدوا الطغاة بالسلاسل والأغلال من النّار ، وسوقوهم إلى أسفل دركات النار ، والطموا بيد الرد والاحتقار ، ما يموهون من هذه الأعذار ، فسحقا وتعسا للظلمة ذوي الخسار والصغار والأدبار (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) غافر / ٥٢ ، والصلاة على محمّد وآله الأطهار.

ومن مقالة لي فيه عليه‌السلام : عباد الله إن المصيبة بالحسين عليه‌السلام من أعظم المصائب ، فصبوا فيها شآبيب (١) الدموع السواكب ، بتصعيد الزفرات الغوالب ، واستنزفوا بالبكاء الدماء ، وأعقبوا الكرب والبلاء ، بتذكركم أيام كربلاء ، نعم ، إنّ المصيبة بالمقتول ـ نجل الرّسول ؛ والبتول ؛ وعليّ الليث الصؤول ـ مصيبة لا يجبر كسرها ، ولا يمكن جبرها ، وشعلة في صدور المؤمنين لا ينطفي جمرها ، وعظيمة في العظائم يتجدد على الأيام ذكرها ،

__________________

(١) شآبيب : جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر.

١٨٣

وليلة بلية رزية لا يتنفس فجرها ، وقارعة زلزلت منها الأرض برها وبحرها.

عجبا لمن يتذكر مصارع هؤلاء الأتقياء الشهداء الظماء ، من أهل بيت خير صفوة الله خاتم الأنبياء ، ثمّ يتمتع بعدهم بشربة من الماء ، سبحان الله! أي ظلم جرى على أصحاب الحراب والمحراب ، وأرباب الكتيبة والكتاب ، وفتيان الطعان والضراب ، ورجال العبء والعباب (١) ، قاصمي الأصلاب وقاسمي الأسلاب ، وجازمي الرقاب ، وهازمي الأحزاب ، وفالقي جماجم الأتراب ، رواض الصعاب ، أحلاس (٢) صهوات العراب ، أمراء الخطاب المستطاب ، ملوك يوم الحساب ، سلاطين يوم الثواب والعقاب.

ما عذر كلاب منعوهم عن الطعام والشراب ، والفرات مكرعة للخنازير والكلاب؟ حبسوا سادة الخلق الأطياب ، في صحراء الاكتئاب والاغتراب ، ثمّ ذبحوا تلك النفوس الزكية ، وعرضوها للنسور والذئاب ، وعفروا تلك الوجوه البدرية كالبدور بالتراب. هيهات هيهات ، لا عذر إلّا أن يساقوا في عقاب رب الأرباب ، بأيدي الملائكة الغلاظ الشداد إلى دار العذاب ، الشديدة الالتهاب ، الضيقة المسالك والشعاب.

صفت الدّنيا للطغاة ذوي العناد ، وتمهدت أسباب التنعم لذوي العيب والفساد ، واتسقت أحوال الوجاهة للأنكاد ذوي الأحقاد ونفذت أوامرهم على رقاب العباد ، وأوسم لهم (٣) مراد المراد ، قد قيدت بين أيديهم جنائب الجياد ، وعطفت عليهم أجياد أنجاد الأغوار والأنجاد ، ولفظت إليهم الخزائن

__________________

(١) العبء : الثقل ، والعباب : البحر ، فلعله أراد حمالي التكاليف برا وبحرا.

(٢) الأحلاس : جمع حلس وهو ما يوضع على ظهر الدابة ويقال فلان حلس بيته أي جليسه الملازم له كالحلس وحلس الصهوات أي ملازم لركوب الخيل.

(٣) يعني خصّ لهم رود المراد ومرعاه.

١٨٤

نفائس الطارف والتلاد.

وآل الرسول مشرّدون في البلاد ، منجحرون في كلّ شعب وواد ، ومنجحرون في كل سرب ومطمورة ومهواة بغير زاد ، مستشعرون الخوف مكتحلون بالسهاد ، قد ضربت عليهم الأرض بالأسداد ، بنات الظلمة في الخدور والقصور ، على سرر السرور ، لابسة حبر الحبور ، مسبلات الستور ، وبنات الرسول في حرّ الشمس والحرور ، ومهب الصبا والدبور ، ضاربات الصدور ، فاتقات للشعور ، على كسوف تلك الشموس والبدور ، وغروبها في مغارب القبور ، ومصيرها إلى بطون السباع وحواصل الطيور.

تمتعت اليزيدية والزيادية تمتعا قليلا ، وسيعذبون بذلك عذابا طويلا ، يورثهم ذلك العذاب رنة وأنة وعويلا إذا نسوا وراءهم يوما ثقيلا يوم لا ينفع فيه خليل خليلا ، ولا يغني عنهم فتيلا (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) الفرقان / ٤٤ ، وصبرت الحسينية أياما قلائل صبرا جميلا ، فنالوا بذلك في الجنّة ثوابا جزيلا ، وظلا ظليلا ، وفواكه ذلّلت قطوفها تذليلا ، ويسقون ـ لما منعوا من ماء الفرات ـ كأسا كان مزاجها زنجبيلا ، عينا فيها تسمى سلسبيلا.

نعم قد وجدوا بشهادتهم إلها رحيما ، برا كريما فأسدى إليهم نعيما مقيما ، وأهبّ عليهم من روائح المسك والكافور والعنبر نسيما ، وأفاض عليهم رواء وسيما ، وسقاهم عسلا مصفا تسنيما ، واولئك وجدوا الرسول عليهم متغيظا وخصما فاسكنوا جحيما ، وذاقوا بطعمهم زقوما ، وسقوا صديدا وحميما : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) الانسان / ٣١.

١٨٥
١٨٦

الفصل الرابع عشر

في زيارة

تربته صلوات الله عليه وفضلها

١٨٧
١٨٨

١ ـ أخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (رحمه‌الله) ، أخبرنا الفقيه أبو الحسن علي بن أبي طالب الفرزادي ـ بالري ـ ، أخبرنا الفقيه أبو بكر طاهر بن الحسين الرازي ، أخبرنا عمي الشيخ الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان الرازي ، حدثني أبو محمد القاسم بن محمد الشروطي ـ إملاء ـ ، حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله ، حدثني أبو رمح ، حدثني عبد الأعلى بن واصل الكوفي ، حدثني عليّ بن عبد الرحمن القطان ، حدثني عبيد بن يحيى بن مهران ، عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : «زارنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن ؛ وزبدا ؛ وصفحة من تمر ، فأكل النبيّ وأكلنا معه ، ثم وضأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام واستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء ، ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر ، فهبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسأله ، فوثب الحسين فقال :

١٨٩

يا أبتي! رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله! فقال : يا بني! إني سررت بكم اليوم سرورا لم اسر بكم مثله ، وأن حبيبي جبرئيل عليه‌السلام أتاني ، فأخبرني : أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى فدعوت الله لكم وأحزنني ذلك ، فقال الحسين : يا رسول الله! فمن يزورنا على تشتتنا ، ويتعاهد قبورنا؟ قال : طائفة من امتي يريدون بري وصلتي ، فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها فأنجيتها ـ والله ـ ، من أهواله وشدائده».

٢ ـ أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو جعفر محمد بن عمر بن أبي علي ـ كتابة ـ ، أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي ، أخبرنا السيد الإمام النقيب عليّ بن محمد بن جعفر الحسني ، حدثنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو أحمد إسحاق بن أحمد المقري ـ بالكوفة ـ ، حدثنا عبد الله بن محمد الأيادي ، حدثنا عمر بن مدرك ، حدثنا محمد بن زياد المكي ، أخبرنا جرير ابن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي ، قال : خرجت مع جابر ابن عبد الله الأنصاري زائرا قبر الحسين بن علي فلما وردنا كربلاء ، دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ، ثم اتزر بإزار وارتدى بآخر ، ثم فتح صرّة فيها سعد فنثره على بدنه ، ثم إنّه لم يخط خطوة إلّا ذكر فيها الله تعالى ، حتى إذا دنا من القبر قال : المسنية يا عطيّة! فألمسته ، فخر على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء ، فلما أفاق قال : يا حسين يا حسين ـ ثلاثا ـ ثمّ قال : حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك على أثباجك ، وفرق بين رأسك وبدنك؟ فأشهد أنّك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد الوصيين ، وحليف التقى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيد النقباء ، وابن فاطمة سيدة النساء ، ومالك لا تكون هكذا ، وقد

١٩٠

غذتك كفّ محمّد سيد المرسلين ، وربيت في حجور المتقين ، وأرضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت حيا ، وطبت عيشا ، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، فأشهد أنك مضيت على ما مضى يحيى بن زكريا.

قال عطية : ثمّ جال ببصره حول القبر ، فقال : السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي بفناء الحسين أناخت برحله؟ أشهد أنكم قد أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، فو الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة : فقلت لجابر بن عبد الله : فكيف ولم نهبط واديا ، ولم نعل جبلا ، ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فرق بين رءوسهم وأبدانهم ، فاوتمت الأولاد ، وارملت الأزواج؟ فقال لي : يا عطية! سمعت جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «من أحبّ قوما حشر معهم ، ومن أحبّ عمل قوم اشرك في عملهم».

أحدر بي نحو أبيات كوفان ، فلما صرنا في الطريق ، قال : يا عطية! هل اوصيك ، وما أظنني بعد هذه السفرة الاقيك؟ أحب محبّ آل محمّد ما أحبهم ، وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم ، وإن كانوا صوّاما قوّاما.

٣ ـ وأخبرنا الشيخ الفقيه العدل الحافظ أبو بكر عبيد الله بن نصر الزاغوني ـ بمدينة السّلام منصرفي من السفرة الحجازية ـ ، أخبرنا الشيخ الجليل أبو الحسن محمد بن إسحاق بن الباقرحي ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن علي بن بندار ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر

١٩١

ابن سليمان ببغداد في باب المحوّل ، حدّثني أبي أحمد بن عامر بن سليمان الطائي ، حدثني أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا ، حدثني أبي موسى بن جعفر ، حدثني أبي جعفر بن محمد ، حدثني أبي محمد بن علي الباقر ، حدّثني أبي علي بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن عليّ ، حدثني أبي عليّ ابن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كأني بالقصور قد شيدت حول قبر الحسين ، ولا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الآفاق ، وذلك عند انقطاع ملك بني مروان».

٤ ـ وبهذا الإسناد ، قال جعفر بن محمّد ـ وسئل عن زيارة قبر الحسين عليه‌السلام ـ : «أخبرني أبي قال : من زار قبر الحسين عارفا بحقه ، كتبه الله عزوجل في عليين».

٥ ـ وبهذا الإسناد ، قال : «إنّ حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى أن تقوم السّاعة».

٦ ـ وأخبرني الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الدّيلمي ـ في ما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرني الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن زنجويه الزنجاني ـ بقراءتي عليه بزنجان سنة خمسمائة ـ ، أخبرني الحسين بن محمد الفلاكي ، أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، أخبرني أبي أحمد بن حنبل ، عن عبد الله بن محمد التيمي ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس ابن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ موسى بن عمران سأل ربّه عزوجل زيارة قبر الحسين بن عليّ ، فزاره في سبعين ألف من الملائكة».

وروي مثل ذلك ، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

٧ ـ وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي في «فتوحه» بإسناده إلى كعب

١٩٢

الأحبار : أنّه لما أسلم زمن عمر بن الخطاب ، وقدم المدينة ، وجعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، فكان يخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ، ويقول : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابكم ، فقال: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الروم / ٤١ ، وإنما فتح بقتل قابيل هابيل ، ويختم بقتل الحسين بن علي عليه‌السلام.

ثم قال كعب : لعلكم تهونون قتل الحسين ، أو لا تعلمون أنّه تفتح يوم قتله أبواب السماوات كلّها؟ ويؤذن للسماء بالبكاء فتبكي دما عبيطا؟ فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها ـ شرقيا وغربيا ـ فاعلموا أنها تبكي حسينا.

فقيل له : يا أبا إسحاق! كيف لم تفعل ذلك بالأنبياء وأولاد الأنبياء من قبل ، وبمن كان خيرا من الحسين؟ فقال كعب : ويحكم ، إنّ قتل الحسين لأمر عظيم ، لأنه ابن بنت خير الأنبياء ، وأنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مزاج مائه ، وبضعة من لحمه ، فيذبح بعرصة «كربلاء» في كرب وبلاء ، والذي نفس كعب بيده ؛ لتبكيه زمرة من الملائكة في السّماوات ، لا يقطعون بكاءهم عليه آخر الدهر ، وأن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع بعد بيت مكة والمدينة وبيت المقدس ، وما من نبي إلّا زارها ، وقد بكى عليها ، ولها في كل يوم زيارة من الملائكة بالتسليم ، فإذا كانت ليله جمعة أو يوم جمعة نزل إليها سبعون ألف يزورونه ويبكون عليه ويذكرون فضله ومنزلته عندهم ، وأنّه ليسمى في السماوات : الحسين المذبوح ، وفي الأرض : أبا عبد الله المقتول وفي البحار : الفرخ الأزهر المظلوم.

١٩٣

وأنه يوم يقتل تنكسف في النهار الشمس وفي الليل القمر ، وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتدكدك الجبال وتغطمط البحار (١) ، ولو لا بقية من ذريته وذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومحبي محمّد ومحبي أبيه وأمه ، يطلبون بدمه ، ويأخذون بثاره ، لصبّ الله عليهم من السماء نيرانا.

ثم قال كعب : لعلكم تتعجبون مما حدثتكم من أمر الحسين ، أو لا تعلمون أنّ الله تبارك وتعالى لم ينزل شيئا كان أو يكون في آخر الدّنيا وأوائلها الّا وقد فسره لموسى ، وما من نسمة خلقت ومضت من ذكر أو انثى إلّا وقد رفعت الى آدم وعرضت عليه؟ ولقد عرضت على آدم هذه الامة خاصة ، فنظر إليها وإلى اختلافها وتكالبها على هذه الدنيا فقال : «يا ربّ! ما لهذه الامة وتكالبها على الدنيا ، وهم خير امة وأفضلها»؟ فأوحى الله تعالى إليه : أن يا آدم! هذا أمري في خلقي ، وقضائي في عبادي ، يا آدم! إنهم اختلفوا فاختلفت قلوبهم ، وسيظهرون في الأرض الفساد كفساد قابيل حين قتل هابيل وسيقتلون فرخ حبيبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومثل لآدم مقتل الحسين ، وثوب أمّة جدّه عليه ، فنظر آدم إليهم مسودة وجوههم ، فقال : «يا رب! أبسط عليهم الانتقام كما قتلوا فرخ هذا النبي المكرم عليك».

قال هبيرة بن يريم : حدّثني أبي ، قال : لقيت سلمان الفارسي فحدثته بهذا الحديث ، فقال سلمان : لقد صدقك كعب ، وأنا ازيدك في ذلك : أنّ كل شيء في الأرض يبكي على الحسين إذا قتل ، حتى النجم ونبات الأرض ، ولا يبقى شيء من الروحانيين إلّا ويسجد ذلك اليوم ، ويقول : إلهنا وسيدنا! أنت الحكيم العليم ، ثمّ لا يرفعون رءوسهم حتى ينادي ملك

__________________

(١) الغطمطة : اضطراب موج البحر.

١٩٤

السماء والأرض : أن يا معشر الخليقة! ارفعوا رءوسكم ، فقد وفيتم لربّ العزّة.

قال : ثمّ أقبل عليّ سلمان فقال : يا يريم! إنك لو تعلم يومئذ كم من عين تعود سخينة كئيبة حزينة ، قد ذهب نورها ، وعشي بصرها ببكائها على الحسين بن علي ، ولقد صدقك كعب فيما حدثك ، عن كربلا أنها أرض كرب وبلاء.

والذي نفس سلمان بيده ، لو أني أدركت أيامه ، لضربت بين يديه بالسيف ، أو اقطع بين يديه عضوا عضوا ، فأسقط بين يديه صريعا ، فإن القتيل معه يعطى أجر سبعين شهيدا كلّهم كشهداء «بدر» و «احد» و «حنين» و «خيبر».

ثم قال سلمان : يا يريم! ليت أم سلمان اسقطت سلمان ، أو كان حيضة ولم يسمع بقتل الحسين بن فاطمة ، ويحك ، يا يريم! أتدري من حسين؟ حسين سيد شباب أهل الجنّة على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحسين لا يهدأ دمه حتى يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وحسين من تفزع لقتله الملائكة.

ويحك ، يا يريم أتعلم كم من ملك ينزل يوم يقتل الحسين؟ ويضمه إلى صدره ، وتقول الملائكة بأجمعها : إلهنا وسيدنا هذا فرخ رسولك ، ومزاج مائه ، وابن بنته.

يا يريم! إن أنت أدركت أيام مقتله ، واستطعت أن تقتل معه ، فكن أوّل قتيل ممن يقتل بين يديه ، فإنّ كلّ دم يوم القيامة يطالب به بعد دم الحسين ودماء أصحابه ، الذين قتلوا بين يديه.

وانظر يا يريم! إن أنت نجوت ولم تقتل معه ، فزر قبره ، فإنه لا يخلو من الملائكة أبدا ، ومن صلّى عند قبره ركعتين ، حفظه الله من بغضهم

١٩٥

وعداوتهم حتى يموت.

قال هبيرة : فأما سلمان فمات بالمدائن في خلافة عمر بن الخطاب ، وأما يريم فإنه لم يلحق لذلك.

٨ ـ قيل : إن على قبر الحسين عليه‌السلام مكتوبا : «من عظم أمر الله أجاب المولى سؤاله ، ومن حرّم نهيه قبل المولى عذره ، ومن مات من مخافته غفر المولى ذنبه ، ومن ذكر اسمه عزوجل رفع المولى في الدارين قدره».

٩ ـ وقيل : كان مكتوبا على سيف الحسين عليه‌السلام : «البخيل مذموم ، والحريص محروم ، والحسود مغموم». انتهى.

١٩٦

الفصل الخامس عشر

في ذكر انتقام المختار

بن أبي عبيد الثقفي من قاتلي الحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٩٧
١٩٨

ذكر

نسب المختار بن أبي عبيد الثقفي

١ ـ ذكر أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب القتيبي الدينوري ، في كتاب «المعارف» : أنّ المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي من الأحلاف ، وأنّ مسعودا جده هو عظيم القريتين ، فولد مسعود سعدا وأبا عبيد ، فكان سعد عامل علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المدائن ؛ وله عقب بالكوفة ، وأما أبو عبيد فولاه عمر بن الخطاب جيشا فيهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقي الخرذد الحاجب ب ـ «قس الناطف» من الكوفة وهو على فيل ، فضرب أبو عبيد الفيل فوقع عليه الفيل فمات ، فولد أبو عبيد المختار ؛ وصفية ؛ وجبرا ؛ وأسيدا ، فأمّا جبر فقتل مع أبيه «يوم الفيل» ولا عقب له ، وأما صفية فكانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأما المختار فغلب على الكوفة زمن مصعب بن الزبير ، وكان يزعم أنّ جبرئيل يأتيه ، وتتبع قتلة الحسين بن علي عليه‌السلام.

١٩٩

فقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وابنه حفص بن عمر ، وقتل شمر ابن ذي الجوشن الضبابي ، ووجه إبراهيم بن مالك الأشتر فقتل عبيد الله بن زياد وغيره ، وخرج نفر من أهل الكوفة فقدموا البصرة يستغيثون بهم ويستنصرونهم على المختار ، فخرج أهل البصرة مع مصعب فقاتلوه بالكوفة.

فقتل المختار عبيد الله بن علي بن أبي طالب ـ وهو في عسكر مصعب لا يعرف ـ ، ومحمد بن الأشعث بن قيس ، ثم ظفر بالمختار فقتل ، قتله صراف بن يزيد الحنفي ، وكانت ابنة سمرة بن جندب تحته وله ابنان : إسحاق ومحمد ، ومن غيرها بنون وعقبه بالكوفة كثير ، قيل : وكان المختار أوّل من لبس الدراعة.

٢ ـ وذكر الإمام عبد الكريم بن محمد بن حمدان في «تاريخه» : إن أبا عبيد بن مسعود ـ أبا المختار ـ كان من الفرسان المذكورين ؛ والشجعان المعدودين ، فلمّا رجع المثنى بن حارثة من القادسية حين بلغه وفاة أبي بكر إلى عمر ، واشتدت شوكة الفرس ، وجمع يزد جرد قواده المذكورين لحرب المسلمين ، قام عمر بن الخطاب خطيبا فقال : أيها الناس! قد وعدكم الله تعالى على لسان نبيه محمد كنوز كسرى وقيصر ، فمن ينتدب منكم لقتال الفرس؟ فسكت الناس لما ذكر الفرس ، وفيهم المهاجرون والأنصار بأجمعهم ، فقام أبو عبيد بن مسعود الثقفي ـ أبو المختار ـ ، فقال : أنا يا أمير المؤمنين! أوّل من أجاب إلى ما دعوتنا إليه. فأثنى عليه عمر بن الخطاب ، ثم انتدب بعده ناسا كثيرين من المهاجرين والأنصار ، فلما أجمعوا على المسير ، قيل لعمر : يا أمير المؤمنين! أمر على الناس رجلا من المهاجرين أو الأنصار ، فقال : لا والله ، لا أومر إلا من سبق الى الإجابة.

فأمر على الجيش أبا عبيد بن مسعود الثقفي ، ثم ارتحل من المدينة

٢٠٠