أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]
المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣١١
ذلك الوقت ، فحفرت لها حفيرة لتولي أمر نفسها ، وضربت في الأرض أطلب لها ماء فرجعت ولم أصب ماء ، فرأيتها قد ولدت غلاما وقد أجهدها العطش ، فالححت في طلب الماء ، ولم أصب ، فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حيّ ، فكان بقاء الغلام أشدّ عليّ من وفاة امّه ، فصليت ركعتين ، ودعوت الى الله أن يقبضه ، فما فرغت من دعائي حتى مات.
وقال عبد الله بن موسى : أشدّ ما مرّ بي ، إني خرجت من بعض قرى الشام ، فصرت إلى بعض المسالح وقد تزييت بزي الأكرة والفلاحين ، فسخرني بعض الجند ، وحمل على ظهري شيئا ثقيلا ، فكنت إذا أعييت ، وضعت ما على ظهري للاستراحة ، ضربني ضربا موجعا ، وقال لي : لعنك الله ، ولعن من أنت منه ، وقلت أنا من شديد ما نالني : إني صرت إلى ورزنين (١) ، ومعي ابني محمّد فتزوجت لبعض الحاكة هناك ، وتكنيت : بأبي حفص الجصاص ، فكنت أغدو فأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ، ثم اروح الى منزلي كأني قد عملت يومي ، وولدت المرأة بنتا وتزوج ابني محمد الى بعض موالي عبد قيس هناك ، فأظهر مثل ما أظهرت ، فلما صار لابنتي عشر سنين ، طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر فضقت ذرعا بما دفعت إليه ، وخفت من إظهار نسبي ، وألح القوم عليّ في تزويجها ، ففزعت الى الله وتضرعت إليه في أن يخترمها ، ويحسن عليّ الخلف والعوض عنها ، فأصبحت الصبيّة عليلة ، وماتت من يومها.
فخرجت مبادرا إلى ابني محمد ، ابشره فلقيني في الطريق ، وأعلمني : أنّه ولد له ولد فسماه عليا ، وهو اليوم بناحية ورزنين ، لا أعرف له خبرا للاستتار الذي أنا فيه.
__________________
(١) ورزنين من قرى الري.
٥٦ ـ وبهذا الإسناد ، الى السيد أبي طالب هذا ، قال : روى أبو الفرج عليّ بن الحسين المعروف بالأصبهاني ، أخبرنا علي بن العباس البجلي ، حدثنا حسين بن نصر ـ وذكر قصّة آل الحسن وحبسهم ـ ، فقال : حبسهم أبو جعفر الدوانيقي ستين ليلة في محبس لا يدرون به ليلا من نهار ، ولا يعرفون وقت الصلاة إلّا بتسبيح علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن عليهالسلام.
فضجر عبد الله بن الحسن بن الحسن ضجرة ، فقال : يا عليّ! ألا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ ألا تطلب إلى ربك أن يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟ قال : فسكت عنه طويلا ، ثم قال : يا عم! إنّ لنا في الجنّة درجة لم نكن لنبلغها إلّا بهذه البلية ، أو بما هو أعظم منها ، وأنّ لأبي جعفر في النار موضعا لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه البلية أو أعظم منها ، فإن تشأ أن تصبر فأوشك فيما أصابنا أن نموت فنستريح من هذا الغم ، كأن لم يكن شيء وإن نشأ ندعوا ربّنا تعالى أن يخرجك من الغم ، ويقصر بأبي جعفر عن غايته التي له في النار فعلنا. فقال عبد الله : لا ، بل أصبر ، فما مكثوا إلا ثلاثا حتى قبضهم الله تعالى إليه.
٥٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الحسني ، حدثنا علي بن الحسين الهمداني ، حدّثنا الحسن بن علي الأسدي ، حدثنا أحمد بن رشد ، حدّثنا أبو عمر سعيد بن خيثم : أنّ زيد بن علي عليهالسلام كتّب كتائبه ، فلما خفقت راياته رفع يده إلى السماء ، فقال : الحمد لله الذي أكمل لي ديني ، والله ، ما يسرني إني لقيت محمّدا صلىاللهعليهوآله ولم آمر امته بمعروف ، ولم أنههم عن منكر.
وفي رواية اخرى : والله ، إني لاستحي من رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا لقيته ولم آمر امته بالمعروف ، ولم أنههم عن المنكر ، والله ، ما ابالي إذا أقمت
كتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله أن اججت لي نار ، وقذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله عزوجل.
والله ، لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع : محمّد ؛ وعلي ؛ وفاطمة ؛ والحسن ؛ والحسين (صلوات الله عليهم) ، ويحكم ، أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلىاللهعليهوآله ونحن بنوه.
يا معشر الفقهاء! وأهل الحجى! أنا حجّة الله عليكم ، هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود الله ، ونعمل بكتابه ، ونقسم فيكم بالسوية ، فسلوني عن معالم دينكم ، فإن لم انبئكم بكل ما سألتم عنه ، فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني. لقد علمت علم أبي علي بن الحسين ، وعلم جدي الحسين بن علي ، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله وعيبة علمه ، وإني لأعلم أهل بيتي ، والله ، ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ، ولا انتهكت محرما منذ عرفت أن الله تعالى يؤاخذني به ، هلموا فاسألوني.
ثم سار حتى انتهى الى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام كانوا بها ، ثم سار إلى الجبانة ، ويوسف بن عمر مع أصحابه على التل ، فشدّ بالجمع على زيد وأصحابه.
قال أبو معمر : فرايته شدّ عليهم كأنه الليث حتى قتلنا منهم أكثر من ألفي رجل ما بين الحيرة والكوفة ، وتفرقنا فرقتين وكنا من أهل الكوفة أشدّ خوفا. قال أبو معمر : فلما كان يوم الخميس حاصت حيصة منهم ، واتبعتهم فرساننا فقتلنا أكثر من مائتي رجل ، فلما جنّ علينا الليل ليلة الجمعة ، كثر فينا الجراح ، واستبان فينا الفشل ، فجعل زيد يدعو ، ويقول : اللهمّ! إن هؤلاء عدوك وعدوّ رسولك ودينك الذي ارتضيته لعبادك ،
وهؤلاء يقاتلونهم ، اللهمّ! فاجزهم أفضل ما جزيت أحدا من عبادك المؤمنين.
ثم قال : عباد الله! أحيوا هذه الليلة : بقراءة القرآن ؛ والدعاء والتهجد ؛ والتضرع إلى الله تعالى ، فإني ، والله ، لأعلم أنه ما أمسى على وجه الأرض عصابة أنصح لله ورسوله وللإسلام منكم.
قال : ولما قتل وصلب ، قال جرير بن حازم : رأى أبي النبي صلىاللهعليهوآله وهو مسند ظهره إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب ، وهو يقول للنّاس : «أهكذا تفعلون بولدي؟ أهذا جزائي منكم»؟
٥٨ ـ وروي : أنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت ، سئل عن خروج زيد؟ فقال : إن خروجه ، والله ، ليضاهي خروج رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بدر ، فقيل له : فهلا قاتلت معه يا ابن الواسعة؟ (١) فقال : حبستني عنه ودائع الناس عندي ، فخفت أن اقتل مهملا للوديعة.
٥٩ ـ وقيل : بعث أبو حنيفة إلى زيد بن علي جرابا من الورق ، وقال له : استظهر بها على خروجك ، وكان يحضّ الناس على الخروج معه ، حتى أن بعض أهل البيت كان يقول : رحم الله أبا حنيفة! فإنه كان يعين أصحاب زيد على الخروج ويقوي قلوبهم ، وفعل الله بعبد الله بن المبارك وفعل ، فإنه كان يثبط الناس عنه.
٦٠ ـ وقال عبد الله بن الحسن بن الحسن : دخلت على عمر بن عبد العزيز فخلا بي ، وقال : يا أبا محمد! إن رأيت أن ترفع ما فوق الأزار. فقلت : ما تريد إلى هذا رحمك الله؟ قال : فإني أسألك ، فرفعت فجاء ببطنه حتى الزق ببطني ، ثم قال : إني لأرجو أن لا تمس النار بضعة مست
__________________
(١) كذا في النسخة ، ولعل فيها تصحيفا أو تحريفا.
بضعة من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
٦١ ـ وخطب محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن على منبر رسول اللهصلىاللهعليهوآله بعد قتل زيد ، فقال : أما ، والله ، لقد أحي زيد ابن علي ما دثر من سنن المرسلين ؛ وأقام عمود الدين إذ أعوج ولن ننحو إلّا أثره ؛ ولن نقتبس إلّا من نوره ؛ فزيد إمام الأئمة ، وأوّل من دعاء إلى الله بعد الحسين ابن علي.
٦٢ ـ وقال هذا القول أيضا سفيان الثوري ، وكان سفيان زيديا ، وكان يقول : قام زيد مقام الحسين بن علي ، وكان أعلم خلق الله بكتاب الله ، ما ولدت النساء مثله أبدا. وكان زيد بن علي يقول : من استشعر حب البقاء ، استدبر الذل إلى الفناء.
٦٣ ـ ولما خرج الدّاعي الحسن بن زيد قال :
لا عيب في ديننا ولا أثره |
|
لو لا طغاة قد تابعوا الشجرة |
إني لأرجو والله ينصرنا |
|
بالسيف نعلو جماجم الكفرة |
ردوا علينا تراث والدنا |
|
خاتمه والقضيب والحبرة |
وبيت ذي العرش سلموه لنا |
|
تليه منا عصابة طهرة |
فطالما دنست مشاعره |
|
واظهرت فيه فسقها الفجرة |
٦٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب ، حدّثنا أحمد بن محمد البغدادي ، حدّثنا أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني ، حدثني عمي الحسن بن محمد ، حدثني محمد بن القاسم ، حدثني محمد بن أبي العتاهية ، حدثني أبي ، قال : لما امتنعت من قول الشعر وتركته ، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم ، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس ، فلمّا دخلته دهشت وذهل عقلي ورأيت منظرا هالني ، فرميت بطرفي أطلب موضعا
آوي إليه ، ورجلا آنس به وبمجالسته فإذا أنا بكهل حسن السمت ، نظيف الثوب ، بين عينيه سيماء الخير ، فقصدته وجلست إليه من غير أن أسلم عليه ، وأسأله عن شيء من أمره ، لما أنا فيه من الجزع والحيرة والدهشة ، فمكثنا كذلك مليا وأنا مطرق ومفكر في حالي فأنشد :
تعودت مسّ الضرّ لما ألفته |
|
وأسلمني حسن العزاء الى الصبر |
وصيرني يأسي من الناس واثقا |
|
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري |
قال : فاستحسنت البيتين وتبركت بهما ، وثاب إليّ عقلي ، فقلت له : تفضل أعزّك الله بإعادة البيتين ، فقال لي : ويحك ، يا إسماعيل! ـ ولم يكنني ـ ما أسوأ أدبك ، وأقل عقلك ومروءتك! دخلت عليّ ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم ، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى ، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم ، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا إلّا به ، ولم يجعل لك معاشا غيره ، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه ، ولا اعتذرت عما قدّمته وفرطته فيه من الحقّ حتى استنشدتني مبتدئا كأن بيننا انسا قديما ، ومعرفة سابقة ، وصحبة تبسط القبض.
فقلت له : تعذرني متفضلا ، فدون ما أنا فيه ما يدهش ، قال : وفي أي شيء أنت؟ إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم ، وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول ، وأنت لا بدّ من أن تقوله فتطلق ، وأما أنا فيدعى بي الساعة فاطالب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن دللت عليه قتل ، ولقيت الله تعالى بدمه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله خصمي فيه ، وإلّا قتلت ، فأنا
أولى بالحيرة منك ، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت : يكفيك الله ، وأطرقت خجلا منه ، فقال : يا أبا العتاهية! لا أجمع عليك التوبيخ والمنع ، اسمع البيتين واحفظهما ، وأعادهما عليّ مرارا حتى حفظتهما ، ثم دعي به وبي ، فلما قمنا قلت من أنت أعزّك الله تعالى؟ فقال : أنا «حاضر» صاحب عيسى بن زيد ، فادخلنا على المهدي ، فلما وقفنا بين يديه قال له : هيه! أين عيسى بن زيد؟
فقال : ما يدريني أين عيسى بن زيد؟ طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد ، وأخذتني فحبستني فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟ فقال له المهدي : فأين كان متواريا؟ ومتى كان آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟ فقال : ما لقيته منذ توارى ، ولا أعرف له خبرا.
فقال المهدي : والله العظيم لتدلّن عليه أو لأضربنّ عنقك الساعة ، قال له : فاصنع ما بدا لك؟ فو الله ، أنا لا ادلك على ابن رسول الله لتقتله ، وألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه ، وو الله ، إنه لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه. فقال المهدي : اضربوا عنقه ، فقدم وضرب عنقه ، ثم دعا بي ، وقال : أتقول الشعر أو لألحقنك به؟ فقلت : بل أقول الشعر ، فقال : اطلقوه!
٦٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي ، أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق الكوفي ، حدّثني محمد بن عيسى ، حدّثني محمد بن زكريا المكي ، حدّثني عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، قال : قال محمّد الباقر عليهالسلام : «إنّ أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحقّ ، فالويل لمن خذله ، والويل لمن حاربه ، والويل لمن يقتله».
قال جابر : فلما أزمع (١) زيد بن علي على الخروج ، قلت له : إني سمعت أخاك يقول : كذا وكذا ، فقال لي : يا جابر! لا يسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله ، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت ، وذلك إني شهدت هشاما ورجل عنده يسبّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقلت للساب : ويلك ، يا كافر! أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك ، وعجلتك إلى النار. فقال لي هشام : مه ، عن جليسنا يا زيد! فو الله ، لو لم أكن إلا أنا ؛ ويحيى ابني ، لخرجت عليه وجاهدته حتى افنى.
٦٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني أبي ، حدثني الحسن بن الفضل ـ مولى الهاشميين بالمدينة سنة خمس عشرة ومائتين هجرية ـ ، حدّثني عليّ بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام قال : أرسل أبو جعفر الدوانيقي إلى جعفر بن محمد الصّادق عليهالسلام ليقتله ، وطرح سيفا ونطعا ، وقال لحاجبه الربيع : يا ربيع! إذا أنا كلمته ثم ضربت بإحدى يديّ على الاخرى فاضرب عنقه.
فلمّا دخل جعفر بن محمد عليهالسلام فنظر إليه من بعيد ، نزق أبو جعفر على فراشه ـ يعني : تحرك ـ ، وقال : مرحبا وأهلا وسهلا بك ، يا أبا عبد الله! ما أرسلنا إليك إلّا رجاء أن نقضي دينك. ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته ، وقال له : قد قضى الله دينك وأخرج جائزتك ، يا ربيع! لا تمض ثالثة حتى يرجع جعفر بن محمد إلى أهله. فلما خرج هو والربيع ، قال له : يا أبا عبد الله! أرأيت السيف والنطع؟ إنما كانا وضعا لك ، فأي شيء رأيتك تحركت به شفتاك؟ قال : «يا ربيع! لما رأيت الشرّ في وجهه قلت : حسبي
__________________
(١) أزمع : عزم.
الرب من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي الرازق من المرزوقين ، حسبي الله ربّ العالمين ، حسبي من هو حسبي ، حسبي من لم يزل حسبي ، حسبي الله لا إله إلّا هو ، عليه توكلت ، وهو ربّ العرش العظيم.
وفي رواية اخرى : أنّ الربيع قال للدوانيقي : ما بدا لك يا أمير المؤمنين؟ حيث انبسطت الى جعفر بن محمّد بعد ما أضمرت له ما أضمرت؟ قال : والله ، لقد رأيت قدّامه أسدين فاغرين فمويهما ؛ فلو هممت به سوءا لابتلعاني ، فلذلك تضرعت له وفعلت ما فعلت.
٦٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، قال : روى أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني في كتاب «مقاتل الطالبيين» ، أخبرني عمر بن عبد الله العتكي ، حدّثني عمر بن شبّة ، حدّثني محمّد بن حرب ، حدّثني يحيى بن زيد بن حميد ، حدّثني سليمان بن داود بن الحسن ؛ والحسن بن جعفر بن الحسن ، قالا : لما حبسنا ـ يعنيان في حبس أبي جعفر الدوانيقي ـ كان معنا علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، وكانت حلق أقيادنا قد اتّسعت فكنا إذا أردنا صلاة أو نوما خلعناها عنّا ، فإذا خفنا دخول الحرس أعدناها ، وكان عليّ بن الحسن لا يفعل ذلك ، فقال له عمّه عبد الله ابن الحسن بن الحسن : يا بني! ما يمنعك أن تفعل مثل هذا؟ قال : لا ، والله ، لا أخلعه حتى أجتمع أنا وأبو جعفر ، عند الله عزوجل فيسأله : لم قيّدني به؟ ٦٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرني أحمد بن محمّد البغدادي ، أخبرني عبد العزيز بن إسحاق ، حدّثني عمر بن محمد ، حدثني إبراهيم بن محمد ، حدثني محرز بن هشام ، حدثني السري بن عبد الله ، عن هشام ، عن أبي حفص المكي ، قال : لما رحل الحسين بن علي
من المدينة إلى الكوفة سرت معه ، فنزل ماء من مياه بني سليم فأمر غلامه فاشترى شاة فذبحها ، فجاء صاحبها ، فلما رأى هيئة الحسين عليهالسلام في أصحابه رفع صوته ، وقال : أعوذ بالله وبك ، يا ابن رسول الله! هذا اشترى شاتي فذبحها ، ولم يدفع إليّ الثمن ، فغضب الحسين غضبا شديدا ، ودعا غلامه ، فسأله عن ذلك ، فقال : والله ، يا ابن رسول الله! أعطيته ثمنها ، وهذه البينة (١).
فسألهم الحسين فشهدوا أنه أعطاه ثمنها ، وقالت البينة أو بعضها : يا ابن رسول الله! إنه رأى هيئتك فانصاع (٢) إليك لتعوضه ، فأمر له الحسين بمعروف ، فقال علي بن الحسين : ما اسمك يا أعرابي؟ فقال : زيد ، فقال : «ما بالمدينة أكذب من رجل اسمه : زيد» ، وكان بالمدينة رجل اسمه زيد يبيع الخمر ، قال : فضحك الحسين حتى بدت نواجذه ، ثم قال : «مهلا ، يا بني! لا تعيره باسمه ، فإنّ أبي حدّثني : أنه سيكون منا رجل اسمه زيد يخرج فيقتل ، فلا يبقى في السماء ملك مقرب ؛ ولا نبيّ مرسل ، إلّا تلقى روحه ، ليرفعه أهل كل سماء إلى سماء ، حتى يبلغ ، فاذا قامت القيامة يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب النّاس ، ويقال : هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق.
٦٩ ـ قال أبو عوانة : كان سفيان الثوري إذا ذكر زيد بن علي ، يقول : إنه بذل مهجته لربه ، وقام بالحق لخالقه ، ولحق بالشهداء المرزوقين من آبائه.
٧٠ ـ وقال أبو عوانة أيضا : كان زيد بن علي يرى الحياة غراما (٣) ، وكان ضجرا بالحياة.
٧١ ـ وبهذا الإسناد ، إلى عبد العزيز بن إسحاق ، حدّثني علي بن
__________________
(١) يعني الشهود الحاضرين.
(٢) انصاع : جاء.
(٣) الغرام : الشرّ الدائم.
الوليد ، حدثني عباد بن يعقوب ، حدثني عيسى بن عبد الله ، عن رجل من أهل المدينة ، يقال له : البابكي ، قال : خرجت أنا ؛ وزيد بن علي ، إلى العمرة ، فلما فرغنا من عمرتنا أقبلنا ، فلما كنا بالعرج أخذنا طريقنا ، فلما استوينا على رأس الثنية نصف الليل استوت الثريا على رءوسنا ، فقال لي زيد : يا بابكي! ترى الثريا ما أبعدها؟ أترى أنّ أحدا يعرف بعدها؟ قلت : لا ، والله ، قال : فو الله ، لوددت أن يدي ملتصقة بها ، ثم أفلت حتى وقعت حيث وقعت ، وأنّ الله أصلح بي أمر امة محمد صلىاللهعليهوآله.
ولما انصرف عيسى بن زيد من وقعة «باخمرى» ، خرجت عليه لبوءة (١) معها أشبالها ، وتعرضت للطريق ، فجعلت تحمل على الناس ، فنزل عيسى وأخذ سيفه وترسه ، ثم بدر إليها فقتلها ، فقال مولى له : أيتمت أشبالها يا سيدي! فضحك ، وقال : نعم ، أنا مؤتم الأشبال ، فلزمه هذا الاسم ، وكان أصحابه يكون عنه به ، فيخفى أمره.
٧١ ـ وقيل لجعفر بن محمّد الصّادق عليهماالسلام : ما الذي تقول في زيد بن علي ، وخروجه على هشام؟ فقال : «لقد قام زيد مقام صاحب الطف» ـ يعني : الحسين بن علي عليهماالسلام ـ.
٧٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الحسني ، أخبرنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن علي بن هشام ، حدثنا أحمد بن رشد ، عن سعيد بن خيثم ، عن أخيه معمر ، قال : قال لي زيد بن علي عليهالسلام : كنت اماري ـ هشام بن عبد الملك ـ واكايده في الكلام ، فدخلت عليه يوما فذكرت بني اميّة ، فقال : والله ، هم أشدّ قريش أركانا ، وأشيد قريش مكانا ، وأسدّ قريش سلطانا ، وأكثر قريش أعوانا ، كانوا
__________________
(١) اللبوة : زوج السبع.
رءوس قريش في جاهليتها ، وملوكهم في إسلامها.
فقلت له : على من تفتخر؟ أعلى بني هاشم أوّل من أطعم الطعام ، وضرب الهام ، وخضعت لها قريش بإرغام؟
أم على بني عبد المطلب سيد مضر جميعا؟ وإن قلت : معد كلّها ، صدقت ، إذا ركب مشوا ، وإذا انتعل احتفوا ، وإذا تكلم سكتوا ، وكان يطعم الوحوش في رءوس الجبال ، والطير والسباع والإنس في السهل ، حافر زمزم ، وساقي الحجيج ، أم على بنيه أشرف الرجال.
أم على نبيّ الله ورسوله ، حمله الله على البراق ، وجعل الجنّة عن يمينه ، والنار عن شماله ، فمن تبعه دخل الجنّة ، ومن تأخر عنه دخل النار؟
أم على أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ، أخي رسول الله ، وابن عمه المفرج الكرب عنه ، وأوّل من قال : لا إله إلّا الله ، بعد رسول الله ، لم يبارزه فارس قط إلّا قتله ، وقال فيه رسول الله ما لم يقله في أحد من أصحابه ، ولا لأحد من أهل بيته؟ قال: فاحمرّ وجهه.
٧٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أبو العباس الحسني ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرني أبي ، أخبرني الحسن بن عبد الواحد ، حدثني حمدويه بن عمران ، حدّثني بشر بن حمزة ، قال : مررنا مع زيد بن علي وأنا غلام وعليّ قباء ، فأشرف عليه رجل من سطح فرماه ، فدعا زيد عليه ، وقال : اللهمّ! أفقره ولا ترزقه على ذلك الصبر.
قال : فرأيته بعد ذلك أعمى يسأل ، فإذا سئل ، قال : دعا عليّ العبد الصالح.
٧٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدثنا أبو الفرج الأصبهاني ، حدثني علي بن العباس ، حدثني أحمد بن يحيى ، حدّثني
عبد الله بن مروان ، قال : سمعت محمّد بن جعفر بن محمد في «دار الامارة» ، وهو يقول : رحم الله أبا حنيفة! لقد تحققت مودّته لنا في نصرته زيد بن علي ، وفعل الله بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ، ودعا عليه بضرره.
٧٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرني أبي أبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى ، حدثني جدي يحيى بن الحسن ، حدّثني عمار ابن أبان ، حدثني كليب الحربي : أن زيد بن علي دخل على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع له هشام الشاميين ، فسلّم عليه ، ثم قال : إنه ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وأنا اوصيكم بتقوى الله.
فقال له هشام : أنت زيد المؤمل للخلافة ، والراجي لها؟ وما أنت والخلافة ، وأنت ابن أمة؟ فقال له زيد : إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عبد الله من الأنبياء ، وقد بعث الله تعالى نبيا هو ابن أمة ، فلو كان ذلك تقصيرا عن حتم الغاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ، والنبوّة أعظم منزلة عند الله من الخلافة ، فكانت أمّ إسماعيل مع أم إسحاق ، كامي مع امك ، ثم لم يمنع ذلك أن جعله الله عزوجل أبا العرب ، وأبا خير النبيين محمدصلىاللهعليهوآله ، وما تقصير رجل ، جدّه رسول الله ؛ وأبوه علي بن أبي طالب؟
فقام هشام من مجلسه ، وتفرّق الشاميون ، فدعا هشام قهرمانه ، وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري! فخرج أبو الحسين زيد بن علي ، وهو يقول : لم يكره قوم قط حرّ السيوف إلّا ذلّوا.
وفي رواية اخرى : أن هشاما قال لأهل بيته بعد ما خرج زيد : أتزعمون أنّ أهل هذا البيت قد بادوا؟ كلا ، لعمري ، ما انقرض قوم هذا
خلفهم.
٧٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدّثني أبو العباس الحسن ، حدّثني أبو زيد العلوي ، حدثني أحمد بن سهل ، حدّثني القاسم بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : عوتب الحسين بن علي صاحب «فخ» فيما كان يعطي ، فإنه كان من أسخى العرب والعجم ، فقال : والله ، ما أظن أن لي فيما اعطي أجرا؟ فقيل له : وكيف ذاك؟ فقال : إنّ الله تعالى ، يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران / ٩٢ ، وو الله ، ما هو عندي وهذه الحصاة إلّا بمنزلة ـ يعني : المال ـ.
٧٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي المعروف بالآبنوسي ، أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق ، حدثني أحمد بن حمدان ، حدثني محمد بن الأزهر الطائي ، حدثني الحسين ابن علوان ، عن أبي صامت الضبي ، عن ابن أبي عمير ، عن زاذان ، عن علي (صلوات الله عليه) ، أنه قال : «الشهيد من ولدي ، والقائم بالحق من ولدي ، المصلوب بكناسة كوفان ، إمام المجاهدين ، وقائد الغر المحجلين ، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة ، ينادونهم : ادخلوا الجنّة ، لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون».
٧٨ ـ وروي : أنه لما ولد زيد بن علي سنة خمس وسبعين بشر أبوه علي ابن الحسين زين العابدين عليهالسلام به ، فأخذ المصحف وفتحه ، فنظر فيه فخرج أوّل السطر : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) التوبة / ١١١ ، فأطبقه ، ثم فتحه فخرج : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء / ٩٥ ، ثم أطبقه وفتحه فخرج : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران / ١٦٩ ، فأطبقه ،
وقال : «عزيت عن هذا المولود ، وإنه من الشهداء».
٧٩ ـ وروي ، عن خالد بن صفوان ، أنه قال : انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم إلى زيد بن علي ، رأيته عند هشام ابن عبد الملك وقد تضايق مجلسه.
٨٠ ـ وروي عن الباقر عليهالسلام ، عن آبائه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال للحسينعليهالسلام : «يخرج من صلبك رجل ، يقال له : زيد ، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة ، غرا محجلين يدخلون الجنّة».
٨١ ـ وروى أنس بن مالك ، عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنه قال : «يقتل من ولدي رجل ، يقال له : زيد بموضع يعرف بالكناسة ، يدعو إلى الحق ، ويتبعه كلّ مؤمن».
٨٢ ـ وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام ، أنه قال : «رحم الله عمي زيدا ، خرج على ما خرج عليه آباؤه ، وودت أني استطعت أن أصنع كما صنع ، فأكون مثل عمي ، ومن قتل مع زيد بن علي كمن قتل مع الحسين ابن علي عليهماالسلام».
٨٣ ـ وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب «مقاتل الطالبيين» : أنّ عبد الله بن الحسن بن الحسن انتهى إليه الحسن والجمال ، وهو أوّل من اجتمعت فيه ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام ، لأنّ أباه الحسن لما خطب إلى عمه الحسين ، قال له : يا بني! اختر أحبهما إليك ، فاستحى الحسن ، فقال له الحسين : اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثرهما شبها بامي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وزوجها فولد لهما عبد الله بن الحسن ، وولد في بيت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو اليوم في المسجد ، حبسه أبو جعفر الدوانيقي ثلاث سنين ، ثم قتله في الحبس ، وهو ابن خمس وسبعين سنة.
ومن اولئك : علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، يقال له : «علي الخير» ، و «علي الأغر» ، و «علي العابد» ، وهو والد الحسين الفخي ، توفي في الحبس ، وهو ساجد.
ومنهم : محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وكان يدعى : «الديباج الأصفر» ، لحسنه وجماله ، قال له أبو جعفر الدوانيقي : أنت الديباج الأصفر؟ والله ، لأقتلنّك قتلة ما قتلها أحد من أهل بيتك ، فبنى عليه اسطوانة وهو حي.
ومنهم : إسماعيل طباطبا بن ابراهيم الديباج الأكبر ، قتل في الحبس ، قتله أبو جعفر الدوانيقي.
ومنهم : يعقوب وإسحاق وإبراهيم ومحمد بنو الحسن قتلوا في حبس الدوانيقي ، بضروب من القتل ، فإبراهيم بن الحسن دفن حيا ، وطرح على الآخرين بيت.
ومنهم : محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخو عبد الله بن الحسن لامه ، وأمه فاطمة بنت الحسين عليهالسلام ، قتله أبو جعفر الدوانيقي ، وكان عبد الله يحبه حبا شديدا ، فكان أبو جعفر الدوانيقي يأمر بضربه بين يدي عبد الله ليغيظه بذلك ، ثم أمر بقتله.
وقتل بعد ذلك : محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ؛ وابنه عبد الله الأشتر ؛ وابراهيم بن عبد الله بن الحسن ، فهؤلاء الذين قتلوا في حبس الدوانيقي ، سوى من مات منهم حتف أنفه في السجن.
وقال الحسين بن زيد : لما اخرج بنو الحسن من المدينة ، وعليهم القيود والأغلال ، بأمر الدوانيقي ، نظر إليهم جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ، فهملت عيناه ، حتى جرت دموعه على لحيته ، وقال : «والله ، لا تحفظ حرمة
الله بعد هذا أبدا ، والله ، ما وفت الأنصار ، ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلىاللهعليهوآله بما أعطوه من البيعة على العقبة ، على أن يمنعوه وذريته بما يمنعون منه أنفسهم وذريتهم».
وكان محمد وإبراهيم قد هربا من الدوانيقي ، فكانا يأتيان أباهما عبد الله بن الحسن في هيئة الأعراب ، فيقول لهما : إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين ، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.
وكان لمحمد بن عبد الله «النفس الزكية» ابن صغير من أمّ ولده ، وكانت على جبل معه ، فهجم الطلب عليهم فهربوا ، فسقط الصبي من الجبل فتقطع ومات ، فقال محمّد بن عبد الله «النفس الزكية» هذه الأبيات :
منخرق الخفين يشكو الوجا |
|
تنكبه أطراف مرو (١) حداد |
شرّده الخوف فأزرى به |
|
كذاك من يكره حر الجلاد |
قد كان في الموت له راحة |
|
والموت حتم في رقاب العباد |
٨٤ ـ وروى يعقوب بن داود بن الحسن ، قال : دخلت مع المهدي في طريق «خراسان» بعض الخانات ، فإذا على الحائط مكتوب هذه الأبيات :
والله ما أطعم طعم الرقاد |
|
خوفا إذا نامت عيون العباد |
شرّدني الخوف اعتداء وما |
|
اذنبت ذنبا غير ذكرى المعاد |
آمنت بالله ولم يؤمنوا |
|
فكان زادي عندهم شرّ زاد |
أقول قولا وله خائف |
|
مضطرب القلب كثير السهاد |
منخرق الخفين يشكو الوجا |
|
تنكبه أطراف مرو حداد |
شرّده الخوف وأزرى به |
|
كذاك من يكره حرّ الجلاد |
قد كان في الموت له راحة |
|
والموت حتم في رقاب العباد |
__________________
(١) المرو : الحجر الصلب.
قال : فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت : لك الأمان من الله ومني ومتى شئت فاظهر؟ ودموعه تجري على خديه ، فقلت : من قائل هذه الأبيات يا أمير المؤمنين؟ قال : أتتجاهل عليّ؟ قائلها عيسى بن زيد.
٨٥ ـ وكان ممن خرج يحيى بن عمر من أولاد زيد بن علي ، خرج بالكوفة أيام المستعين ، وكان فاضلا ورعا حلف بالله أنه ما خرج إلّا غضبا لله تعالى.
قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري : قلت لابن طاهر الأمير : جئتك مهنيا بما لو كان رسول الله صلىاللهعليهوآله حيا لعزي به ، وخرج عنه ، فقال :
يا بني طاهر كلوه وبيا |
|
انّ لحم النبي غير هني |
إن من خصمه النبي ليؤتى |
|
فيه يوم المعاد خصم النبيّ |
قيل : ولما أفضت الخلافة إلى بني العباس ، نبشوا هشام بن عبد الملك واستخرجوه من قبره بعد ست سنين أو سبع ، فكان كما دفن فيقال : طلوه بما لا يبلى ، فأحرقوه بالنّار.
الفصل الثالث عشر
في ذكر
بعض ما قيل فيه من المراثي