مقتل الحسين للخوارزمي - ج ٢

أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]

مقتل الحسين للخوارزمي - ج ٢

المؤلف:

أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]


المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣١١
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك الوقت ، فحفرت لها حفيرة لتولي أمر نفسها ، وضربت في الأرض أطلب لها ماء فرجعت ولم أصب ماء ، فرأيتها قد ولدت غلاما وقد أجهدها العطش ، فالححت في طلب الماء ، ولم أصب ، فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حيّ ، فكان بقاء الغلام أشدّ عليّ من وفاة امّه ، فصليت ركعتين ، ودعوت الى الله أن يقبضه ، فما فرغت من دعائي حتى مات.

وقال عبد الله بن موسى : أشدّ ما مرّ بي ، إني خرجت من بعض قرى الشام ، فصرت إلى بعض المسالح وقد تزييت بزي الأكرة والفلاحين ، فسخرني بعض الجند ، وحمل على ظهري شيئا ثقيلا ، فكنت إذا أعييت ، وضعت ما على ظهري للاستراحة ، ضربني ضربا موجعا ، وقال لي : لعنك الله ، ولعن من أنت منه ، وقلت أنا من شديد ما نالني : إني صرت إلى ورزنين (١) ، ومعي ابني محمّد فتزوجت لبعض الحاكة هناك ، وتكنيت : بأبي حفص الجصاص ، فكنت أغدو فأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ، ثم اروح الى منزلي كأني قد عملت يومي ، وولدت المرأة بنتا وتزوج ابني محمد الى بعض موالي عبد قيس هناك ، فأظهر مثل ما أظهرت ، فلما صار لابنتي عشر سنين ، طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر فضقت ذرعا بما دفعت إليه ، وخفت من إظهار نسبي ، وألح القوم عليّ في تزويجها ، ففزعت الى الله وتضرعت إليه في أن يخترمها ، ويحسن عليّ الخلف والعوض عنها ، فأصبحت الصبيّة عليلة ، وماتت من يومها.

فخرجت مبادرا إلى ابني محمد ، ابشره فلقيني في الطريق ، وأعلمني : أنّه ولد له ولد فسماه عليا ، وهو اليوم بناحية ورزنين ، لا أعرف له خبرا للاستتار الذي أنا فيه.

__________________

(١) ورزنين من قرى الري.

١٢١

٥٦ ـ وبهذا الإسناد ، الى السيد أبي طالب هذا ، قال : روى أبو الفرج عليّ بن الحسين المعروف بالأصبهاني ، أخبرنا علي بن العباس البجلي ، حدثنا حسين بن نصر ـ وذكر قصّة آل الحسن وحبسهم ـ ، فقال : حبسهم أبو جعفر الدوانيقي ستين ليلة في محبس لا يدرون به ليلا من نهار ، ولا يعرفون وقت الصلاة إلّا بتسبيح علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن عليه‌السلام.

فضجر عبد الله بن الحسن بن الحسن ضجرة ، فقال : يا عليّ! ألا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ ألا تطلب إلى ربك أن يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟ قال : فسكت عنه طويلا ، ثم قال : يا عم! إنّ لنا في الجنّة درجة لم نكن لنبلغها إلّا بهذه البلية ، أو بما هو أعظم منها ، وأنّ لأبي جعفر في النار موضعا لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه البلية أو أعظم منها ، فإن تشأ أن تصبر فأوشك فيما أصابنا أن نموت فنستريح من هذا الغم ، كأن لم يكن شيء وإن نشأ ندعوا ربّنا تعالى أن يخرجك من الغم ، ويقصر بأبي جعفر عن غايته التي له في النار فعلنا. فقال عبد الله : لا ، بل أصبر ، فما مكثوا إلا ثلاثا حتى قبضهم الله تعالى إليه.

٥٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الحسني ، حدثنا علي بن الحسين الهمداني ، حدّثنا الحسن بن علي الأسدي ، حدثنا أحمد بن رشد ، حدّثنا أبو عمر سعيد بن خيثم : أنّ زيد بن علي عليه‌السلام كتّب كتائبه ، فلما خفقت راياته رفع يده إلى السماء ، فقال : الحمد لله الذي أكمل لي ديني ، والله ، ما يسرني إني لقيت محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم آمر امته بمعروف ، ولم أنههم عن منكر.

وفي رواية اخرى : والله ، إني لاستحي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لقيته ولم آمر امته بالمعروف ، ولم أنههم عن المنكر ، والله ، ما ابالي إذا أقمت

١٢٢

كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن اججت لي نار ، وقذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله عزوجل.

والله ، لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع : محمّد ؛ وعلي ؛ وفاطمة ؛ والحسن ؛ والحسين (صلوات الله عليهم) ، ويحكم ، أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن بنوه.

يا معشر الفقهاء! وأهل الحجى! أنا حجّة الله عليكم ، هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود الله ، ونعمل بكتابه ، ونقسم فيكم بالسوية ، فسلوني عن معالم دينكم ، فإن لم انبئكم بكل ما سألتم عنه ، فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني. لقد علمت علم أبي علي بن الحسين ، وعلم جدي الحسين بن علي ، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيبة علمه ، وإني لأعلم أهل بيتي ، والله ، ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ، ولا انتهكت محرما منذ عرفت أن الله تعالى يؤاخذني به ، هلموا فاسألوني.

ثم سار حتى انتهى الى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام كانوا بها ، ثم سار إلى الجبانة ، ويوسف بن عمر مع أصحابه على التل ، فشدّ بالجمع على زيد وأصحابه.

قال أبو معمر : فرايته شدّ عليهم كأنه الليث حتى قتلنا منهم أكثر من ألفي رجل ما بين الحيرة والكوفة ، وتفرقنا فرقتين وكنا من أهل الكوفة أشدّ خوفا. قال أبو معمر : فلما كان يوم الخميس حاصت حيصة منهم ، واتبعتهم فرساننا فقتلنا أكثر من مائتي رجل ، فلما جنّ علينا الليل ليلة الجمعة ، كثر فينا الجراح ، واستبان فينا الفشل ، فجعل زيد يدعو ، ويقول : اللهمّ! إن هؤلاء عدوك وعدوّ رسولك ودينك الذي ارتضيته لعبادك ،

١٢٣

وهؤلاء يقاتلونهم ، اللهمّ! فاجزهم أفضل ما جزيت أحدا من عبادك المؤمنين.

ثم قال : عباد الله! أحيوا هذه الليلة : بقراءة القرآن ؛ والدعاء والتهجد ؛ والتضرع إلى الله تعالى ، فإني ، والله ، لأعلم أنه ما أمسى على وجه الأرض عصابة أنصح لله ورسوله وللإسلام منكم.

قال : ولما قتل وصلب ، قال جرير بن حازم : رأى أبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسند ظهره إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب ، وهو يقول للنّاس : «أهكذا تفعلون بولدي؟ أهذا جزائي منكم»؟

٥٨ ـ وروي : أنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت ، سئل عن خروج زيد؟ فقال : إن خروجه ، والله ، ليضاهي خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ، فقيل له : فهلا قاتلت معه يا ابن الواسعة؟ (١) فقال : حبستني عنه ودائع الناس عندي ، فخفت أن اقتل مهملا للوديعة.

٥٩ ـ وقيل : بعث أبو حنيفة إلى زيد بن علي جرابا من الورق ، وقال له : استظهر بها على خروجك ، وكان يحضّ الناس على الخروج معه ، حتى أن بعض أهل البيت كان يقول : رحم الله أبا حنيفة! فإنه كان يعين أصحاب زيد على الخروج ويقوي قلوبهم ، وفعل الله بعبد الله بن المبارك وفعل ، فإنه كان يثبط الناس عنه.

٦٠ ـ وقال عبد الله بن الحسن بن الحسن : دخلت على عمر بن عبد العزيز فخلا بي ، وقال : يا أبا محمد! إن رأيت أن ترفع ما فوق الأزار. فقلت : ما تريد إلى هذا رحمك الله؟ قال : فإني أسألك ، فرفعت فجاء ببطنه حتى الزق ببطني ، ثم قال : إني لأرجو أن لا تمس النار بضعة مست

__________________

(١) كذا في النسخة ، ولعل فيها تصحيفا أو تحريفا.

١٢٤

بضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٦١ ـ وخطب محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قتل زيد ، فقال : أما ، والله ، لقد أحي زيد ابن علي ما دثر من سنن المرسلين ؛ وأقام عمود الدين إذ أعوج ولن ننحو إلّا أثره ؛ ولن نقتبس إلّا من نوره ؛ فزيد إمام الأئمة ، وأوّل من دعاء إلى الله بعد الحسين ابن علي.

٦٢ ـ وقال هذا القول أيضا سفيان الثوري ، وكان سفيان زيديا ، وكان يقول : قام زيد مقام الحسين بن علي ، وكان أعلم خلق الله بكتاب الله ، ما ولدت النساء مثله أبدا. وكان زيد بن علي يقول : من استشعر حب البقاء ، استدبر الذل إلى الفناء.

٦٣ ـ ولما خرج الدّاعي الحسن بن زيد قال :

لا عيب في ديننا ولا أثره

لو لا طغاة قد تابعوا الشجرة

إني لأرجو والله ينصرنا

بالسيف نعلو جماجم الكفرة

ردوا علينا تراث والدنا

خاتمه والقضيب والحبرة

وبيت ذي العرش سلموه لنا

تليه منا عصابة طهرة

فطالما دنست مشاعره

واظهرت فيه فسقها الفجرة

٦٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب ، حدّثنا أحمد بن محمد البغدادي ، حدّثنا أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني ، حدثني عمي الحسن بن محمد ، حدثني محمد بن القاسم ، حدثني محمد بن أبي العتاهية ، حدثني أبي ، قال : لما امتنعت من قول الشعر وتركته ، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم ، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس ، فلمّا دخلته دهشت وذهل عقلي ورأيت منظرا هالني ، فرميت بطرفي أطلب موضعا

١٢٥

آوي إليه ، ورجلا آنس به وبمجالسته فإذا أنا بكهل حسن السمت ، نظيف الثوب ، بين عينيه سيماء الخير ، فقصدته وجلست إليه من غير أن أسلم عليه ، وأسأله عن شيء من أمره ، لما أنا فيه من الجزع والحيرة والدهشة ، فمكثنا كذلك مليا وأنا مطرق ومفكر في حالي فأنشد :

تعودت مسّ الضرّ لما ألفته

وأسلمني حسن العزاء الى الصبر

وصيرني يأسي من الناس واثقا

بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

قال : فاستحسنت البيتين وتبركت بهما ، وثاب إليّ عقلي ، فقلت له : تفضل أعزّك الله بإعادة البيتين ، فقال لي : ويحك ، يا إسماعيل! ـ ولم يكنني ـ ما أسوأ أدبك ، وأقل عقلك ومروءتك! دخلت عليّ ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم ، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى ، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم ، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا إلّا به ، ولم يجعل لك معاشا غيره ، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه ، ولا اعتذرت عما قدّمته وفرطته فيه من الحقّ حتى استنشدتني مبتدئا كأن بيننا انسا قديما ، ومعرفة سابقة ، وصحبة تبسط القبض.

فقلت له : تعذرني متفضلا ، فدون ما أنا فيه ما يدهش ، قال : وفي أي شيء أنت؟ إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم ، وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول ، وأنت لا بدّ من أن تقوله فتطلق ، وأما أنا فيدعى بي الساعة فاطالب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن دللت عليه قتل ، ولقيت الله تعالى بدمه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خصمي فيه ، وإلّا قتلت ، فأنا

١٢٦

أولى بالحيرة منك ، وأنت ترى احتسابي وصبري.

فقلت : يكفيك الله ، وأطرقت خجلا منه ، فقال : يا أبا العتاهية! لا أجمع عليك التوبيخ والمنع ، اسمع البيتين واحفظهما ، وأعادهما عليّ مرارا حتى حفظتهما ، ثم دعي به وبي ، فلما قمنا قلت من أنت أعزّك الله تعالى؟ فقال : أنا «حاضر» صاحب عيسى بن زيد ، فادخلنا على المهدي ، فلما وقفنا بين يديه قال له : هيه! أين عيسى بن زيد؟

فقال : ما يدريني أين عيسى بن زيد؟ طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد ، وأخذتني فحبستني فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟ فقال له المهدي : فأين كان متواريا؟ ومتى كان آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟ فقال : ما لقيته منذ توارى ، ولا أعرف له خبرا.

فقال المهدي : والله العظيم لتدلّن عليه أو لأضربنّ عنقك الساعة ، قال له : فاصنع ما بدا لك؟ فو الله ، أنا لا ادلك على ابن رسول الله لتقتله ، وألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه ، وو الله ، إنه لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه. فقال المهدي : اضربوا عنقه ، فقدم وضرب عنقه ، ثم دعا بي ، وقال : أتقول الشعر أو لألحقنك به؟ فقلت : بل أقول الشعر ، فقال : اطلقوه!

٦٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي ، أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق الكوفي ، حدّثني محمد بن عيسى ، حدّثني محمد بن زكريا المكي ، حدّثني عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، قال : قال محمّد الباقر عليه‌السلام : «إنّ أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحقّ ، فالويل لمن خذله ، والويل لمن حاربه ، والويل لمن يقتله».

١٢٧

قال جابر : فلما أزمع (١) زيد بن علي على الخروج ، قلت له : إني سمعت أخاك يقول : كذا وكذا ، فقال لي : يا جابر! لا يسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله ، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت ، وذلك إني شهدت هشاما ورجل عنده يسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت للساب : ويلك ، يا كافر! أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك ، وعجلتك إلى النار. فقال لي هشام : مه ، عن جليسنا يا زيد! فو الله ، لو لم أكن إلا أنا ؛ ويحيى ابني ، لخرجت عليه وجاهدته حتى افنى.

٦٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني أبي ، حدثني الحسن بن الفضل ـ مولى الهاشميين بالمدينة سنة خمس عشرة ومائتين هجرية ـ ، حدّثني عليّ بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام قال : أرسل أبو جعفر الدوانيقي إلى جعفر بن محمد الصّادق عليه‌السلام ليقتله ، وطرح سيفا ونطعا ، وقال لحاجبه الربيع : يا ربيع! إذا أنا كلمته ثم ضربت بإحدى يديّ على الاخرى فاضرب عنقه.

فلمّا دخل جعفر بن محمد عليه‌السلام فنظر إليه من بعيد ، نزق أبو جعفر على فراشه ـ يعني : تحرك ـ ، وقال : مرحبا وأهلا وسهلا بك ، يا أبا عبد الله! ما أرسلنا إليك إلّا رجاء أن نقضي دينك. ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته ، وقال له : قد قضى الله دينك وأخرج جائزتك ، يا ربيع! لا تمض ثالثة حتى يرجع جعفر بن محمد إلى أهله. فلما خرج هو والربيع ، قال له : يا أبا عبد الله! أرأيت السيف والنطع؟ إنما كانا وضعا لك ، فأي شيء رأيتك تحركت به شفتاك؟ قال : «يا ربيع! لما رأيت الشرّ في وجهه قلت : حسبي

__________________

(١) أزمع : عزم.

١٢٨

الرب من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي الرازق من المرزوقين ، حسبي الله ربّ العالمين ، حسبي من هو حسبي ، حسبي من لم يزل حسبي ، حسبي الله لا إله إلّا هو ، عليه توكلت ، وهو ربّ العرش العظيم.

وفي رواية اخرى : أنّ الربيع قال للدوانيقي : ما بدا لك يا أمير المؤمنين؟ حيث انبسطت الى جعفر بن محمّد بعد ما أضمرت له ما أضمرت؟ قال : والله ، لقد رأيت قدّامه أسدين فاغرين فمويهما ؛ فلو هممت به سوءا لابتلعاني ، فلذلك تضرعت له وفعلت ما فعلت.

٦٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، قال : روى أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني في كتاب «مقاتل الطالبيين» ، أخبرني عمر بن عبد الله العتكي ، حدّثني عمر بن شبّة ، حدّثني محمّد بن حرب ، حدّثني يحيى بن زيد بن حميد ، حدّثني سليمان بن داود بن الحسن ؛ والحسن بن جعفر بن الحسن ، قالا : لما حبسنا ـ يعنيان في حبس أبي جعفر الدوانيقي ـ كان معنا علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، وكانت حلق أقيادنا قد اتّسعت فكنا إذا أردنا صلاة أو نوما خلعناها عنّا ، فإذا خفنا دخول الحرس أعدناها ، وكان عليّ بن الحسن لا يفعل ذلك ، فقال له عمّه عبد الله ابن الحسن بن الحسن : يا بني! ما يمنعك أن تفعل مثل هذا؟ قال : لا ، والله ، لا أخلعه حتى أجتمع أنا وأبو جعفر ، عند الله عزوجل فيسأله : لم قيّدني به؟ ٦٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرني أحمد بن محمّد البغدادي ، أخبرني عبد العزيز بن إسحاق ، حدّثني عمر بن محمد ، حدثني إبراهيم بن محمد ، حدثني محرز بن هشام ، حدثني السري بن عبد الله ، عن هشام ، عن أبي حفص المكي ، قال : لما رحل الحسين بن علي

١٢٩

من المدينة إلى الكوفة سرت معه ، فنزل ماء من مياه بني سليم فأمر غلامه فاشترى شاة فذبحها ، فجاء صاحبها ، فلما رأى هيئة الحسين عليه‌السلام في أصحابه رفع صوته ، وقال : أعوذ بالله وبك ، يا ابن رسول الله! هذا اشترى شاتي فذبحها ، ولم يدفع إليّ الثمن ، فغضب الحسين غضبا شديدا ، ودعا غلامه ، فسأله عن ذلك ، فقال : والله ، يا ابن رسول الله! أعطيته ثمنها ، وهذه البينة (١).

فسألهم الحسين فشهدوا أنه أعطاه ثمنها ، وقالت البينة أو بعضها : يا ابن رسول الله! إنه رأى هيئتك فانصاع (٢) إليك لتعوضه ، فأمر له الحسين بمعروف ، فقال علي بن الحسين : ما اسمك يا أعرابي؟ فقال : زيد ، فقال : «ما بالمدينة أكذب من رجل اسمه : زيد» ، وكان بالمدينة رجل اسمه زيد يبيع الخمر ، قال : فضحك الحسين حتى بدت نواجذه ، ثم قال : «مهلا ، يا بني! لا تعيره باسمه ، فإنّ أبي حدّثني : أنه سيكون منا رجل اسمه زيد يخرج فيقتل ، فلا يبقى في السماء ملك مقرب ؛ ولا نبيّ مرسل ، إلّا تلقى روحه ، ليرفعه أهل كل سماء إلى سماء ، حتى يبلغ ، فاذا قامت القيامة يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب النّاس ، ويقال : هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق.

٦٩ ـ قال أبو عوانة : كان سفيان الثوري إذا ذكر زيد بن علي ، يقول : إنه بذل مهجته لربه ، وقام بالحق لخالقه ، ولحق بالشهداء المرزوقين من آبائه.

٧٠ ـ وقال أبو عوانة أيضا : كان زيد بن علي يرى الحياة غراما (٣) ، وكان ضجرا بالحياة.

٧١ ـ وبهذا الإسناد ، إلى عبد العزيز بن إسحاق ، حدّثني علي بن

__________________

(١) يعني الشهود الحاضرين.

(٢) انصاع : جاء.

(٣) الغرام : الشرّ الدائم.

١٣٠

الوليد ، حدثني عباد بن يعقوب ، حدثني عيسى بن عبد الله ، عن رجل من أهل المدينة ، يقال له : البابكي ، قال : خرجت أنا ؛ وزيد بن علي ، إلى العمرة ، فلما فرغنا من عمرتنا أقبلنا ، فلما كنا بالعرج أخذنا طريقنا ، فلما استوينا على رأس الثنية نصف الليل استوت الثريا على رءوسنا ، فقال لي زيد : يا بابكي! ترى الثريا ما أبعدها؟ أترى أنّ أحدا يعرف بعدها؟ قلت : لا ، والله ، قال : فو الله ، لوددت أن يدي ملتصقة بها ، ثم أفلت حتى وقعت حيث وقعت ، وأنّ الله أصلح بي أمر امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولما انصرف عيسى بن زيد من وقعة «باخمرى» ، خرجت عليه لبوءة (١) معها أشبالها ، وتعرضت للطريق ، فجعلت تحمل على الناس ، فنزل عيسى وأخذ سيفه وترسه ، ثم بدر إليها فقتلها ، فقال مولى له : أيتمت أشبالها يا سيدي! فضحك ، وقال : نعم ، أنا مؤتم الأشبال ، فلزمه هذا الاسم ، وكان أصحابه يكون عنه به ، فيخفى أمره.

٧١ ـ وقيل لجعفر بن محمّد الصّادق عليهما‌السلام : ما الذي تقول في زيد بن علي ، وخروجه على هشام؟ فقال : «لقد قام زيد مقام صاحب الطف» ـ يعني : الحسين بن علي عليهما‌السلام ـ.

٧٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الحسني ، أخبرنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن علي بن هشام ، حدثنا أحمد بن رشد ، عن سعيد بن خيثم ، عن أخيه معمر ، قال : قال لي زيد بن علي عليه‌السلام : كنت اماري ـ هشام بن عبد الملك ـ واكايده في الكلام ، فدخلت عليه يوما فذكرت بني اميّة ، فقال : والله ، هم أشدّ قريش أركانا ، وأشيد قريش مكانا ، وأسدّ قريش سلطانا ، وأكثر قريش أعوانا ، كانوا

__________________

(١) اللبوة : زوج السبع.

١٣١

رءوس قريش في جاهليتها ، وملوكهم في إسلامها.

فقلت له : على من تفتخر؟ أعلى بني هاشم أوّل من أطعم الطعام ، وضرب الهام ، وخضعت لها قريش بإرغام؟

أم على بني عبد المطلب سيد مضر جميعا؟ وإن قلت : معد كلّها ، صدقت ، إذا ركب مشوا ، وإذا انتعل احتفوا ، وإذا تكلم سكتوا ، وكان يطعم الوحوش في رءوس الجبال ، والطير والسباع والإنس في السهل ، حافر زمزم ، وساقي الحجيج ، أم على بنيه أشرف الرجال.

أم على نبيّ الله ورسوله ، حمله الله على البراق ، وجعل الجنّة عن يمينه ، والنار عن شماله ، فمن تبعه دخل الجنّة ، ومن تأخر عنه دخل النار؟

أم على أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ، أخي رسول الله ، وابن عمه المفرج الكرب عنه ، وأوّل من قال : لا إله إلّا الله ، بعد رسول الله ، لم يبارزه فارس قط إلّا قتله ، وقال فيه رسول الله ما لم يقله في أحد من أصحابه ، ولا لأحد من أهل بيته؟ قال: فاحمرّ وجهه.

٧٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أبو العباس الحسني ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرني أبي ، أخبرني الحسن بن عبد الواحد ، حدثني حمدويه بن عمران ، حدّثني بشر بن حمزة ، قال : مررنا مع زيد بن علي وأنا غلام وعليّ قباء ، فأشرف عليه رجل من سطح فرماه ، فدعا زيد عليه ، وقال : اللهمّ! أفقره ولا ترزقه على ذلك الصبر.

قال : فرأيته بعد ذلك أعمى يسأل ، فإذا سئل ، قال : دعا عليّ العبد الصالح.

٧٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدثنا أبو الفرج الأصبهاني ، حدثني علي بن العباس ، حدثني أحمد بن يحيى ، حدّثني

١٣٢

عبد الله بن مروان ، قال : سمعت محمّد بن جعفر بن محمد في «دار الامارة» ، وهو يقول : رحم الله أبا حنيفة! لقد تحققت مودّته لنا في نصرته زيد بن علي ، وفعل الله بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ، ودعا عليه بضرره.

٧٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرني أبي أبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى ، حدثني جدي يحيى بن الحسن ، حدّثني عمار ابن أبان ، حدثني كليب الحربي : أن زيد بن علي دخل على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع له هشام الشاميين ، فسلّم عليه ، ثم قال : إنه ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله ، وأنا اوصيكم بتقوى الله.

فقال له هشام : أنت زيد المؤمل للخلافة ، والراجي لها؟ وما أنت والخلافة ، وأنت ابن أمة؟ فقال له زيد : إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عبد الله من الأنبياء ، وقد بعث الله تعالى نبيا هو ابن أمة ، فلو كان ذلك تقصيرا عن حتم الغاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ، والنبوّة أعظم منزلة عند الله من الخلافة ، فكانت أمّ إسماعيل مع أم إسحاق ، كامي مع امك ، ثم لم يمنع ذلك أن جعله الله عزوجل أبا العرب ، وأبا خير النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما تقصير رجل ، جدّه رسول الله ؛ وأبوه علي بن أبي طالب؟

فقام هشام من مجلسه ، وتفرّق الشاميون ، فدعا هشام قهرمانه ، وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري! فخرج أبو الحسين زيد بن علي ، وهو يقول : لم يكره قوم قط حرّ السيوف إلّا ذلّوا.

وفي رواية اخرى : أن هشاما قال لأهل بيته بعد ما خرج زيد : أتزعمون أنّ أهل هذا البيت قد بادوا؟ كلا ، لعمري ، ما انقرض قوم هذا

١٣٣

خلفهم.

٧٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، حدّثني أبو العباس الحسن ، حدّثني أبو زيد العلوي ، حدثني أحمد بن سهل ، حدّثني القاسم بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : عوتب الحسين بن علي صاحب «فخ» فيما كان يعطي ، فإنه كان من أسخى العرب والعجم ، فقال : والله ، ما أظن أن لي فيما اعطي أجرا؟ فقيل له : وكيف ذاك؟ فقال : إنّ الله تعالى ، يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران / ٩٢ ، وو الله ، ما هو عندي وهذه الحصاة إلّا بمنزلة ـ يعني : المال ـ.

٧٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن السيد أبي طالب هذا ، أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي المعروف بالآبنوسي ، أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق ، حدثني أحمد بن حمدان ، حدثني محمد بن الأزهر الطائي ، حدثني الحسين ابن علوان ، عن أبي صامت الضبي ، عن ابن أبي عمير ، عن زاذان ، عن علي (صلوات الله عليه) ، أنه قال : «الشهيد من ولدي ، والقائم بالحق من ولدي ، المصلوب بكناسة كوفان ، إمام المجاهدين ، وقائد الغر المحجلين ، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة ، ينادونهم : ادخلوا الجنّة ، لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون».

٧٨ ـ وروي : أنه لما ولد زيد بن علي سنة خمس وسبعين بشر أبوه علي ابن الحسين زين العابدين عليه‌السلام به ، فأخذ المصحف وفتحه ، فنظر فيه فخرج أوّل السطر : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) التوبة / ١١١ ، فأطبقه ، ثم فتحه فخرج : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء / ٩٥ ، ثم أطبقه وفتحه فخرج : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران / ١٦٩ ، فأطبقه ،

١٣٤

وقال : «عزيت عن هذا المولود ، وإنه من الشهداء».

٧٩ ـ وروي ، عن خالد بن صفوان ، أنه قال : انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم إلى زيد بن علي ، رأيته عند هشام ابن عبد الملك وقد تضايق مجلسه.

٨٠ ـ وروي عن الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال للحسينعليه‌السلام : «يخرج من صلبك رجل ، يقال له : زيد ، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة ، غرا محجلين يدخلون الجنّة».

٨١ ـ وروى أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : «يقتل من ولدي رجل ، يقال له : زيد بموضع يعرف بالكناسة ، يدعو إلى الحق ، ويتبعه كلّ مؤمن».

٨٢ ـ وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، أنه قال : «رحم الله عمي زيدا ، خرج على ما خرج عليه آباؤه ، وودت أني استطعت أن أصنع كما صنع ، فأكون مثل عمي ، ومن قتل مع زيد بن علي كمن قتل مع الحسين ابن علي عليهما‌السلام».

٨٣ ـ وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب «مقاتل الطالبيين» : أنّ عبد الله بن الحسن بن الحسن انتهى إليه الحسن والجمال ، وهو أوّل من اجتمعت فيه ولادة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، لأنّ أباه الحسن لما خطب إلى عمه الحسين ، قال له : يا بني! اختر أحبهما إليك ، فاستحى الحسن ، فقال له الحسين : اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثرهما شبها بامي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوجها فولد لهما عبد الله بن الحسن ، وولد في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو اليوم في المسجد ، حبسه أبو جعفر الدوانيقي ثلاث سنين ، ثم قتله في الحبس ، وهو ابن خمس وسبعين سنة.

١٣٥

ومن اولئك : علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، يقال له : «علي الخير» ، و «علي الأغر» ، و «علي العابد» ، وهو والد الحسين الفخي ، توفي في الحبس ، وهو ساجد.

ومنهم : محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وكان يدعى : «الديباج الأصفر» ، لحسنه وجماله ، قال له أبو جعفر الدوانيقي : أنت الديباج الأصفر؟ والله ، لأقتلنّك قتلة ما قتلها أحد من أهل بيتك ، فبنى عليه اسطوانة وهو حي.

ومنهم : إسماعيل طباطبا بن ابراهيم الديباج الأكبر ، قتل في الحبس ، قتله أبو جعفر الدوانيقي.

ومنهم : يعقوب وإسحاق وإبراهيم ومحمد بنو الحسن قتلوا في حبس الدوانيقي ، بضروب من القتل ، فإبراهيم بن الحسن دفن حيا ، وطرح على الآخرين بيت.

ومنهم : محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخو عبد الله بن الحسن لامه ، وأمه فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، قتله أبو جعفر الدوانيقي ، وكان عبد الله يحبه حبا شديدا ، فكان أبو جعفر الدوانيقي يأمر بضربه بين يدي عبد الله ليغيظه بذلك ، ثم أمر بقتله.

وقتل بعد ذلك : محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ؛ وابنه عبد الله الأشتر ؛ وابراهيم بن عبد الله بن الحسن ، فهؤلاء الذين قتلوا في حبس الدوانيقي ، سوى من مات منهم حتف أنفه في السجن.

وقال الحسين بن زيد : لما اخرج بنو الحسن من المدينة ، وعليهم القيود والأغلال ، بأمر الدوانيقي ، نظر إليهم جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، فهملت عيناه ، حتى جرت دموعه على لحيته ، وقال : «والله ، لا تحفظ حرمة

١٣٦

الله بعد هذا أبدا ، والله ، ما وفت الأنصار ، ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أعطوه من البيعة على العقبة ، على أن يمنعوه وذريته بما يمنعون منه أنفسهم وذريتهم».

وكان محمد وإبراهيم قد هربا من الدوانيقي ، فكانا يأتيان أباهما عبد الله بن الحسن في هيئة الأعراب ، فيقول لهما : إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين ، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.

وكان لمحمد بن عبد الله «النفس الزكية» ابن صغير من أمّ ولده ، وكانت على جبل معه ، فهجم الطلب عليهم فهربوا ، فسقط الصبي من الجبل فتقطع ومات ، فقال محمّد بن عبد الله «النفس الزكية» هذه الأبيات :

منخرق الخفين يشكو الوجا

تنكبه أطراف مرو (١) حداد

شرّده الخوف فأزرى به

كذاك من يكره حر الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

٨٤ ـ وروى يعقوب بن داود بن الحسن ، قال : دخلت مع المهدي في طريق «خراسان» بعض الخانات ، فإذا على الحائط مكتوب هذه الأبيات :

والله ما أطعم طعم الرقاد

خوفا إذا نامت عيون العباد

شرّدني الخوف اعتداء وما

اذنبت ذنبا غير ذكرى المعاد

آمنت بالله ولم يؤمنوا

فكان زادي عندهم شرّ زاد

أقول قولا وله خائف

مضطرب القلب كثير السهاد

منخرق الخفين يشكو الوجا

تنكبه أطراف مرو حداد

شرّده الخوف وأزرى به

كذاك من يكره حرّ الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

__________________

(١) المرو : الحجر الصلب.

١٣٧

قال : فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت : لك الأمان من الله ومني ومتى شئت فاظهر؟ ودموعه تجري على خديه ، فقلت : من قائل هذه الأبيات يا أمير المؤمنين؟ قال : أتتجاهل عليّ؟ قائلها عيسى بن زيد.

٨٥ ـ وكان ممن خرج يحيى بن عمر من أولاد زيد بن علي ، خرج بالكوفة أيام المستعين ، وكان فاضلا ورعا حلف بالله أنه ما خرج إلّا غضبا لله تعالى.

قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري : قلت لابن طاهر الأمير : جئتك مهنيا بما لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيا لعزي به ، وخرج عنه ، فقال :

يا بني طاهر كلوه وبيا

انّ لحم النبي غير هني

إن من خصمه النبي ليؤتى

فيه يوم المعاد خصم النبيّ

قيل : ولما أفضت الخلافة إلى بني العباس ، نبشوا هشام بن عبد الملك واستخرجوه من قبره بعد ست سنين أو سبع ، فكان كما دفن فيقال : طلوه بما لا يبلى ، فأحرقوه بالنّار.

١٣٨

الفصل الثالث عشر

في ذكر

بعض ما قيل فيه من المراثي

١٣٩
١٤٠