أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]
المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣٦٠
الفصل الثانى
في فضائل خديجة بنت خويلد
١ ـ أخبرنا الإمام مجد الدّين أبو الفتوح محمّد بن محمّد الطائي ـ فيما كتبه إليّ من همدان ـ ، أنبأني شيخ القضاة أبو عليّ إسماعيل بن أحمد البيهقي ـ بباب المدينة بمرو ـ ، أخبرنا والدي شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العبّاس أحمد ، أخبرنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني إسماعيل بن أبي الحكم ـ مولى الزبير ـ أنّه حدّث عن خديجة بنت خويلد ، أنّها قالت لرسول الله صلىاللهعليهوآله فيما يثبته ممّا أكرمهالله به من نبوته : يا بن عم! تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال : «نعم» ، قالت : إذا جاءك فأخبرني ، فبينما رسول الله صلىاللهعليهوآله عندها إذ جاء جبرائيل عليهالسلام فرآه رسول الله فقال : «يا خديجة! هذا جبرائيل» ، قالت : أتراه الآن؟ فقال : «نعم» ، قالت : فاجلس الى شقي الأيمن فتحول فجلس فقالت : أتراه الآن؟ قال : «نعم» قالت : فتحول فاجلس في حجري ، فتحول فجلس فقالت : أتراه الآن؟ قال : «نعم» ، فحسرت عن رأسها وألقت خمارها ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله جالس في حجرها ،
فقالت : هل تراه الآن؟ قال : «لا».
قالت : ما هذا بشيطان! إن هذا لملك ، يا بن عم! فاثبت وابشر ، ثمّ آمنت به وشهدت أنّ الذي جاء به الحق.
٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عبد الملك بن عبد الله الثقفي ، عن بعض أهل العلم ـ وساق حديث المبعث بطوله ـ إلى أن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لخديجة: «إنّي أخاف الجنون» ، فقالت له خديجة : اعيذك بالله يا أبا القاسم! من ذلك ، ما كان الله ليفعل بك ذلك مع ما أعلم من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وحسن خلقك ، وصلة رحمك.
وما ذاك يا بن العم؟ لعلّك قد رأيت شيئا أو سمعته. فأخبرها : «أنّه رأى جبرائيل واقفا في الهواء يقول له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)» العلق / ١.
فقالت له : أبشر يا بن عم! واثبت له ، فو الّذي يحلف به ، إنّي لأرجو أن تكون نبيّ هذه الأمّة ، ثمّ قامت فجمعت ثيابها عليها وانطلقت إلى ـ ورقة بن نوفل ـ وهو ابن عمّها ، وكان قد قرأ الكتب وتنصر ، وسمع من ـ التوراة والانجيل ـ ، فأخبرته الخبر وقصّت عليه ما قصّه رسول الله صلىاللهعليهوآله عليها.
فقال ورقة : قدّوس قدّوس. والّذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتني يا خديجة! لهو نبيّ هذه الامّة ، وأنّه ليأتيه الناموس الأكبر الّذي كان يأتي موسى ، فقولي له : فليثبت.
فرجعت إلى رسول الله فأخبرته الخبر فسهل ذلك عليه بعض ما فيه من الهم ، فلمّا قضى رسول الله صلىاللهعليهوآله جواره من «حراء» بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة ـ وهو يطوف بالكعبة ـ ، فقال : يا ابن أخي! خبّرنا بالذي رأيت وسمعت؟ فأخبره بذلك.
فقال له : إنّك لنبيّ هذه الامّة ، ولتؤذين ، ولتكذبن ، ولتقاتلن
ولتنصرن ، ولئن أدركت ذلك لأنصرنك نصرا يعلمه الله ، ثمّ أدنى إليه رأسه فقبّل يافوخه ، ثمّ انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد زاده قول ورقة ثباتا ، وخفّف عنه بعض ما كان فيه من الهم. وقال ورقة لخديجة (رضي الله عنها) في ذلك :
فإن يك حقّا يا خديجة! فاعلمي |
|
حديثك إيّانا فأحمد مرسل |
يفوز به من فاز فيها بتوبة |
|
ويشقى به العاتي الغوي المضلّل |
فريقان منهم : فرقة في جناته |
|
واخرى برجوان الجحيم تغلل |
وقال ورقة بن نوفل في ذلك أيضا :
يا للرّجال! لصرف الدهر والقدر |
|
وما لشيء قضاه الله من غير |
أتت خديجة تدعوني لاخبرها |
|
وما لها بخفي الغيب من خبر |
جاءت تساءلني عنه لاخبرها |
|
أمرا أراه سيأتي النّاس في آخر |
بأنّ أحمد يأتيه فيخبره |
|
جبريل : انّك مبعوث إلى البشر |
فقلت : عل الّذي ترجين ينجزه |
|
لك الإله فرّجي الخير وانتظري |
وأرسليه إلينا كي نسائله |
|
عن أمره ما يرى في النوم والسّهر |
فقال حين أتانا : منطقا عجبا |
|
يقفّ منه اعالي الجلد والشّعر |
إنّي رأيت أمين الله واجهني |
|
في صورة اكملت من أهيب الصّور |
ثمّ استمر فكاد الخوف يذعرني |
|
ممّا يسلم من حولي من الشّجر |
فقلت : ظنّي وما أدري أيصدقني؟ |
|
إن سوف تبعث تتلو منزل السّور |
وسوف تأتيك إن أعلنت دعوتهم |
|
من الجهاد بلا منّ ولا كدر |
٣ ـ أخبرنا الشيخ زين الأئمة أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن احمد البيهقي ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسن بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا
يعقوب بن سفيان ، حدّثني إبراهيم بن المنذر ، حدّثني عمرو بن ابي بكر ، حدّثني عبد الله بن أبي عبيدة ، عن أبيه ، عن مقسم ، عن عبد الله بن الحرث : أنّ ـ عمّار بن ياسر ـ كان إذا سمع ما يتحدّث به النّاس عن تزوّج رسول الله صلىاللهعليهوآله خديجة ، وما يكثرون منه ، يقول : أنا أعلم النّاس بذلك : كنت له تربا وخذنا ، وإنّي خرجت معه (صلوات الله عليه) ذات يوم حتّى إذا كنا ـ بالحزورة ـ جزنا على اخت خديجة وهي جالسة تبيع أدما لها ، فنادتني فانصرفت إليها فقالت : أما لصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟
قال عمّار : فأخبرته ، فقال : «بلى ، لعمري» فذكرت لها قول رسول الله ، فقالت : اغدوا علينا ، فغدونا عليهم ، فوجدناهم قد ذبحوا بقرة ، وألبسوا أبا خديجة حلّة ، وصفروا لحيته ، وقد سقي خمرا ، وكلّمت أخاها فكلّم أباه ، فذكر له رسول الله ومكانه وسأله أن يزوّجه فزوّجه خديجة ، وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه ، ونام أبو هاشم ثمّ استيقظ صاحيا ، وقال : ما هذه الحلّة وهذه البقرة وهذا الطعام؟ فقالت له ابنته ـ التي كلّمت عمّارا ـ هذه حلّة كساكها محمّد بن عبد الله ختنك ، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة ، فأنكر أن يكون زوّجه ، وخرج يصيح حتّى جاء الحجر ، وخرجت ـ بنو هاشم ـ برسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى جاءوه فكلّموه ، فلمّا نظر إلى ـ ختنه ـ قال : إن كنت زوجته فسبيله ذاك ، وإن كنت لم أفعل فقد زوّجته.
قال أحمد بن الحسين : المجمع عليه أنّ عمرو بن أسد عمّها هو الّذي زوّجها ، وفي غير هذه الرواية : لمّا جحد التزويج ، قالت له خديجة : ما تقول في نسبه؟ قال : هو أعلى منّا نسبا إلّا أنّه في عيال عمّه ، فقالت له : لي
من المال ما يسعه.
وقد اختلفت الرواية في سبب تزويج خديجة ، والصحيح اخبار ميسرة غلامها ، أتاها بما رأى عنده من الآيات العجيبة في طريق الشّام ، وما أخبر به الرّاهب بحيرا ، وما رأت خديجة من اظلال الغمام على رسول الله صلىاللهعليهوآله حين تقدّم ليخبرها بقدوم عيرها من الشّام ، (والقصّة طويلة).
خطبة أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
حين تزوّج رسول الله صلىاللهعليهوآله بخديجة ـ رضي الله عنها
الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم خليله ، ومن نسل إسماعيل صفيّه ، وجعل لنا حرما آمنا ، وبيتا محجوجا ، يأتيه النّاس من كلّ فج عميق ، وبلد سحيق ، فرفع به بيضتنا ، وجمع به الفتنا ، فالعزيز من وافقنا ، والذليل من خالفنا.
ألا وإنا قد جئناكم بسيّد من ساداتنا لا يدافع ، وشريف من أشرافنا لا يمانع ، محمّد بن عبد الله ، الذي لا يوزن بأحد من قريش إلّا رجح عليه ، ولا يعدل بأحد إلّا عاد عليه ، وهو يخطب إليكم كريمتكم ـ خديجة بنت خويلد ـ ، ولها فيه رغبة ، وله فيها إربة ، فإن كان في المال قلّة ، فالمال ظل حائل ، ورزق زائل ، فزوّجوه ، ولكم عندي ما سألتموه ، على أنّ لابن أخي هذا شأنا عظيما ، ونبأ عاليا ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ص / ٨٨.
٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبّار العطاردي ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق بن يسار ، قال : كانت أوّل امرأة تزوّجها رسول اللهصلىاللهعليهوآله خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد
العزى بن قصي.
٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الحافظ ، أخبرنا أبو العبّاس القيم بن القاسم السيّاري ـ بمرو ـ ، أخبرنا أبو الوجه ، أخبرنا صدقة ، أخبرنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سمعت عبد الله بن جعفر يقول : سمعت عليا يقول : «سمعت النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ يقول : خيرة نسائها مريم ابنة عمران ؛ وخيرة نسائها خديجة بنت خويلد».
قال : اتّفق الشيخان على صحته ، وسمعت الحديث أيضا في جامع أبي عيسى ـ برواية عليّ عليهالسلام أيضا.
٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، حدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : وجدت في كتاب أبي بخطّ يده ، أخبرنا سعد بن إبراهيم بن سعد ، ويعقوب ابن إبراهيم قالا : حدّثنا أبونا ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن عروة قال : قالت عائشة لفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله : ألا ابشّرك أنّي سمعت رسول الله يقول : «سيدات نساء أهل الجنّة أربع : مريم بنت عمران ؛ وفاطمة بنت محمّد ؛ وخديجة بنت خويلد ؛ وآسية بنت مزاحم».
وسمعت مثل هذا الحديث على عين الأئمة برواية أبيه ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ في حديث طويل ـ : «إنّ الله اختار من الأيام أربعة ، ومن الشّهور أربعة ، ومن النساء أربعا» ، وساق الحديث إلى أن قال : «وأما النساء : فمريم بنت عمران ؛ وخديجة بنت خويلد ـ سابقة نساء العالمين إيمانا بالله ورسوله ـ ؛ وآسية امرأة فرعون ؛ وفاطمة بنت محمّد ـ سيّدة نساء أهل الجنّة».
وسمعت هذا الحديث أيضا في ـ جامع أبي عيسى ـ برواية أنس في غير
هذه الالفاظ ، وهي : «حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ؛ وخديجة بنت خويلد ؛ وفاطمة بنت محمّد ؛ وآسية بنت مزاحم ـ امرأة فرعون».
٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو عمرو محمّد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا أبو يعلى ، أخبرنا أبو بكر بن شيبة ؛ وابن نمير قالا : حدّثنا محمّد بن فضيل ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : أتى جبرائيل النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله! هذه خديجة أتتك بإناء فيه أدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربّها السّلام ، وبشرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وزاد ابن نمير : من ربّها السلام ومنّي ، قال : اتّفق الشيخان على صحته ، وروى هذا الحديث عبد الله بن أبي أوفى وعائشة ، وسمعت هذا الحديث في ـ جامع أبي عيسى ـ برواية عائشة قالت : ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة ، وما تزوجني رسول الله إلّا بعد ما ماتت ، وذلك أنّه بشرها ـ الحديث.
٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ؛ وأبو بكر أحمد بن الحسن قالا : أخبرنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، أخبرنا محمّد بن الحكم الرملي ، أخبرنا عتيق بن يعقوب ، حدّثني عبد الله ومحمّد ـ ابنا المنذر ـ ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن جعفر ، عن عليّ بن ابي طالب عليهالسلام قال : «بشّر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ خديجة بنت خويلد ببيت في الجنّة من قصب ، مفصل بالذّهب ، بعيد من اللهب ، لا يسمع فيه أذى ولا نصب».
٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عمرو
البسطامي ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ، أخبرنا الحسن بن سفيان ؛ وسهل ابن مردويه قالا : حدّثنا سهل بن عثمان ، أخبرنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ إذا ذبح الشّاة يقول : «اذهبوا بذي إلى أصدقاء خديجة» ، قالت : فأغضبته يوما فقلت : خديجة ، فقال : «إنّي رزقت حبّها» ، قال : اتّفق الشيخان على صحته.
١٠ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ ، أخبرني أحمد بن جعفر القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لم يتزوّج النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ على خديجة حتّى ماتت ، قالت : وما رأيت خديجة قطّ ، ولا غرت على امرأة من نسائه أشد من غيرتي على خديجة ، وذلك من كثرة ما كان يذكرها.
أخرجه مسلم في «الصحيح».
وسمعت هذا الحديث في ـ جامع أبي عيسى ـ ، وزاد في آخره : وإن كان ليذبح الشّاة فيتتبع بها صدائق خديجة فيهديها لهن.
١١ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (ره) ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبّار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي ، أخبرنا أبو نجيح عبد الله بن أبي نجيح قال : اهدي لرسول الله صلىاللهعليهوآله جزور ولحم ، فأخذ عظما منها فناوله الرّسول بيده ، فقال له : «اذهب بهذا إلى فلانة» ، فقالت عائشة : لم غمرت يديك؟ فقال عليهالسلام : «إنّ خديجة أوصتني بها» ، فغارت عائشة من كلامه ، وقالت : كأنّما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة.
فقام رسول الله مغضبا ، فلبث ما شاء الله ، ثمّ رجع فإذا ـ أم رومان ـ فقالت : يا رسول الله! ما لك ولعائشة إنّها لحدثة؟ فقال صلىاللهعليهوآله : «أليست القائلة : كأنّما ليس في الأرض امرأة إلّا خديجة ، والله ، لقد آمنت بي إذ كفر قومك ، ورزقت مني الولد وحرّمتيه».
١٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر محمّد ابن أحمد بالويه ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني محمّد بن أحمد بن أيوب ، أخبرنا إبراهيم بن سعيد ، عن محمّد بن إسحاق : أنّ ـ أبا طالب وخديجة ـ هلكا في عام واحد ، وذلك قبل مهاجرة النبيّ صلىاللهعليهوآله بثلاث سنين ، ودفنت خديجة ـ بالحجون ـ ونزل في قبرها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان له يوم تزوّجها ثمان وعشرون سنة.
قال محمّد وكنيت خديجة أمّ هند ، وكان لها ابن وبنت حين تزوجها رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، وأمّ خديجة ـ فاطمة بنت زائدة بن الأصم ـ وامها ـ هالة بنت عبد مناف ـ.
١٣ ـ وأخبرنا الشيخ الإمام سعيد بن محمّد بن أبي بكر الفقيمي ـ إذنا ـ أخبرنا القاضي الإمام الأجل جمال الدّين أبو بكر محمّد بن أحمد بن عبد الرّحمن الريغدموني ، أخبرنا الشيخ الفقيه جدّي أبو أحمد عبد الرّحمن بن إسحاق بن أحمد ، أخبرنا الشيخ أبو يعقوب صالح بن محمّد السنجاري ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر الزّاهد ، أخبرنا أبو سهل ؛ وأبي قالا : أخبرنا أبو عبد الله بن أبي حفص ، أخبرنا يحيى بن اسحاق ، أخبرنا عبد الله ابن المبارك ، أخبرنا مجالد بن سعيد ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله إذا ذكر ـ خديجة ـ أحسن عليها الثناء ، فذكرها يوما فغرت وقلت له : لم تذكرها ـ حمراء الشدق ـ وقد أبدلك الله خيرا منها؟
فغضب وقال : «ما أبدلني الله خيرا منها ، وقد آمنت بي إذ كفر بي النّاس ، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس ، وواست بمالها إذ حرّمني النّاس ، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء».
١٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن الشيخ الفقيه أبي أحمد عبد الرّحمن بن إسحاق بن أحمد هذا ، أخبرنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن العبّاس ، أخبرنا الشيخ أبو سهل الأنماطي ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف الرزماناخي ، أخبرنا الحسين بن موسى بن أحمد القمي ، أخبرنا أبو يحيى معاذ بن سليمان الهروي ، أخبرنا محمّد بن يزيد بن عبد الله السلمي ، أخبرنا عبد المنعم بن ادريس ، عن أبان ، عن شعافة الخزاعي : أنّ أبا امامة الباهلي قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على خديجة بنت خويلد امرأته وهي بالموت ، فشكت إليه شدّة كرب الموت ، فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآله ودعا لها ، ثمّ قال لها : «أقدمي خير مقدم يا خديجة! أنت خير امّهات المؤمنين وأفضلهن ، وسيّدة نساء العالمين ، إلّا مريم بنت عمران ؛ وآسية امرأة فرعون ، أسلمتك يا خديجة! على كره منّي ، قد جعل الله للمؤمنين بالكره خيرا كثيرا ، الحقي يا خديجة! بامّك ـ حواء ـ في الجنة ؛ وباختك ـ سارة ـ أمّ إسحاق آمنت بالله جلّ جلاله.
بعث إبراهيم عليهالسلام إلى مهاجرة الأرض المقدّسة وهي أرض الأنبياء وإليها يحشر العباد ، فتزوّجها إبراهيم فولدت له إسحاق ، فما ولدت النساء ولا تلد مولودا يسمى «إسحاق» مثله إلى يوم القيامة ، وهو أبو الموالي ، فما يمنع الموالي أن يفاخروا بأبيهم إسحاق ؛ وجدّهم إبراهيم ؛ وامهم سارة عليهمالسلام ألا ولا فخر إلّا بالإسلام.
وكانت أمّ إسماعيل عجميّة قبطيّة اتّخذها إبراهيم سرية ، فولدت له
إسماعيل قبل تولد إسحاق بسبع سنين ـ فما ولدت النساء ولا تلد غلاما اسمه «اسماعيل» مثله إلى يوم القيامة ، وهو أبو العرب ، فما بال العرب يفاخرون الموالي؟ وهما زوجتا ابراهيم في الجنّة مع أزواج كثير ، أنشأهنّ الله تعالى من نهر سائح في وسط الجنّة ينفجر من تحت العرش وإلى العرش يعود ، يرجع أوّله إلى آخره ، ويكر آخره على أوّله.
أقدمي يا خديجة! على اختك أمّ موسى وهارون عليهماالسلام التي ربط الله على قلبها بالصبر لتكون من المؤمنين ، وأوحى الله إليها كما أوحى إلى الأنبياء والمرسلين ، واسمها ـ صافية بنت الأكلب ـ ، واقدمي على اختك كلثم بنت عمران اخت موسى وهارون الّتي قالت لها صافية : (قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص / ١١.
أخبرني جبرائيل أنّ ـ كلثمة ـ من أستر نساء العالمين ، وأشدهنّ حياء ، ماتت عذراء لحيائها وعبادتها ، وأقدمي على اختيك يا خديجة ـ آسية ومريم ـ لا مثل لهما من نساء العالمين ، جعلهما الله عزوجل مثلا للّذين آمنوا من الرجال والنساء يقتدي بهما كلّ مؤمن ومؤمنة ، لم يحلفا بالله تعالى يمينا قطّ وجلا من الله وتعظيما له ، كانتا لا تحيضان طهّرهما الله وفضلهما به على نساء العالمين ، وإنّ ربي زوجنيهما ليلة أسرى بي عند ـ سدرة المنتهى ـ فهما ضرتاك يا خديجة! مع عائشة في الجنّة (١) ، وأخواتهن من امهات المؤمنين».
ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآله تزوّج ـ عائشة ـ ولا غيرها ولا تحته يومئذ غير خديجة وحدها ، فضحكت خديجة وهي ثقيلة بالموت ثمّ قالت له : هنيئا ، يا رسول الله! بارك الله لهما فيك ، وبارك لك فيهما ، الحمد لله الّذي أقرّ
__________________
(١) هذا الخبر لا تذكره الشيعة لأنهم لم يعرفوا شعافة خصوصا وقد صرح بتثنية ضمير آسية ومريم ولم يجمع للثلاث.
عينك بهما ، ما هما ضرتاي يا رسول الله! لانّه لا غيرة بيننا ، ولكنّهما اختاي.
فقال النبيّ عليهالسلام : «هذا ، والله ، الحقّ المبين ، وتمام اليقين ، والفضل في الدّين» ، فقيل : يا رسول الله! أفمن أمّهات المؤمنين هما؟ قال : «أمّا في الدّنيا فلا ، لأنّهما مضتا لسبيلهما قبل أن ابعث في أمّتي وسبقني موتهما».
١٥ ـ وأخبرني الحافظ سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الدّيلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرني الرئيس العالم محيي السنّة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني ـ كتابة ـ ، أخبرني أبو طالب ، أخبرني ابن مردويه ، أخبرني محمّد بن عبد الرّحمن ، أخبرني الفضل بن محمّد ، اخبرني عبد الرّحمن بن محمّد ، أخبرني عبد الرزاق ، أخبرني أبو معشر المدني ، عن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «كنت ـ بأجياد الصغير ـ أرعى الغنم قبل أن يوحى إليّ ، فأتاني جبرائيل فبشّرني بالنبوّة ، ثمّ ركض برجله الأرض ركضة فإذا بعين قد نبعت ، فتوضّأ جبرائيل وعلّمني الوضوء وصلّى وعلّمني الصلاة ، ثمّ انصرفت إلى منزلي فلم أمر بحجر ولا شجر إلّا قال : السّلام عليك يا رسول الله! حتّى أتيت خديجة فأريتها كما أراني جبرائيل ، وعلّمتها كما علّمني.
فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ونحن كذلك فقال : ما هذا الدّين يا ابن عم؟ فقلت : دين الله يا ابن عم! أدعوك إليه ، فقال لي : اشاور أبا طالب ، فقلت : يا بن عم! إما أن تتبعنا وإمّا أن تكتم علينا ، قال : فخرج ثمّ رجع ، فقال : بل أتبعك».
قال : وكانت خديجة تقول : أنا أوّل من أسلم ثمّ عليّ ، قال : وفي ـ رواية ابن مسعود ـ قال العباس بن عبد المطلب : ما أحد على وجه الأرض
يعبد الله إلا هؤلاء الثلاثة : رسول الله ؛ وخديجة ؛ وعليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم).
١٦ ـ وأخبرنا سيّد الحفاظ أبو منصور ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرني أبو علي الحدّاد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ في كتاب «معرفة الصحابة» ، قال : تزوّج رسول اللهصلىاللهعليهوآله خديجة قبل نزول الوحي عليه وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وقيل : إحدى وعشرون سنة ، وقيل : أربعون سنة ، ولها أربعون سنة.
فمكثت عنده إلى أن مضى من النبوّة سبع سنين ، فتوفيت قبل أن تفرض الصّلاة ، وقبل الهجرة بثلاث سنين بعد أبي طالب بثلاثة أيّام ، ولم ينكح رسول اللهصلىاللهعليهوآله غيرها ولا عليها حتّى توفيت ، ونزل رسول الله في قبرها ، ولها يوم ماتت خمس وستون سنة. فكان مكثها عند رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسا وعشرين سنة.
١٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي نعيم هذا ، أخبرني محمّد بن أحمد ، أخبرني محمّد بن نصر ، أخبرني سعيد بن سليمان ، أخبرني مبارك بن فضالة ، عن ثابت بن أنس ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا اتي بشيء قال : «اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة ـ رضي الله عنها ـ ، اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت تحبّ خديجة».
قال أبو نعيم : وكانت خديجة تدعى في الجاهلية «الطاهرة».
قال (جزاه الله خيرا) : وأخبرني أبو علي الحدّاد ـ مناقلة ـ ، أخبرني أبو نعيم الحافظ «ح» ، وأخبرنا محمود بن إسماعيل ، أخبرني أحمد بن فادشاه قالا : أخبرنا الطبراني ، عن عمرو بن طاهر ، عن أبي صالح الحرّاني ، عن ابن لهيعة ، عن عمرو بن الحرث ، عن أبي يزيد الحميري ، عن
عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «فضلت خديجة على نساء امتي كما فضلت مريم على نساء العالمين».
الفصل الثالث
في فضائل فاطمه بنت أسد
١ ـ أخبرنا الحافظ صدر الحفّاظ أبو العلا الحسن بن أحمد بن الحسن العطّار الهمداني ، أخبرنا محمّد بن الحسين بن محمّد القاضي ؛ ويحيى بن الحسن بن أحمد البغدادي ، قالا : أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد المعدّل ، أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن الدهني ، أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي ، أخبرنا الزبير بن بكار ، قال : ولد أبو طالب بن عبد المطلب : طالبا لا عقب له ؛ وعقيلا ؛ وجعفرا ؛ وعليّا ، كلّ واحد منهم أسن من صاحبه بعشر سنين على الولاء ، وأمّ هاني واسمها «فاختة» وأمّهم كلّهم ـ فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ـ وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي ، وقد أسلمت وهاجرت إلى الله تعالى ورسوله عليهالسلام بالمدينة ، وماتت بها. وشهدها رسول الله ؛ وعليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهما).
٢ ـ وأخبرنا الحافظ سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الدّيلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرنا الحافظ محيي السنّة عبدوس بن عبد الله الهمداني ـ كتابة ـ في كتابه المعروف ب «الفوز بالمطالب في فضائل علي
ابن أبي طالب عليهالسلام» قال : كان الحسن والحسين يسمّيان ـ ابني الفواطم ـ لأنّ امّهما فاطمة ، وجدّتهما فاطمة بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب ، وأم خديجة جدّتهما فاطمة بنت زائدة بن الأصم ، وجدّة جدّهما النبي اسمها فاطمة بنت عبد الله بن عمرو ـ من بني مخزوم ـ وهي أم أبي النبيّ (صلوات الله عليه وسلامه).
٣ ـ وأخبرنا الشيخ الإمام الزّاهد الحافظ زين الأئمّة أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي ، أخبرنا والدي شيخ السّنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا الكديمي ، أخبرنا الحسن بن بشر ، أخبرنا سعدان بن الوليد ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لما ماتت فاطمة أمّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بعث إليها رسول الله صلىاللهعليهوآله قميصه واضطجع في قبرها ، فقيل له : يا رسول الله! لقد فعلت بهذه شيئا لم تفعله بأحد؟ فقال : «إنّي كنت يتيما في حجرها فاحسنت إليّ ، وكانت من أحسن النّاس إليّ صنعا بعد أبي طالب».
٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، أخبرنا أحمد بن حمّاد بن رغبة المصري ، أخبرنا روح بن صلاح ، أخبرنا الثوري ، عن عاصم الأحول ، عن أنس بن مالك قال : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ بن أبي طالب دخل عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله فجلس عند رأسها فقال : «رحمك الله يا أمي! كنت امّي بعد أمي : تجوعين وتشبعيني ، وتعرين وتكسيني ، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني ، تريدين بذلك وجه الله عزوجل والدار الآخرة».