أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]
المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣٦٠
غشاؤها السندس والاستبرق ، وفرشت أرضها بالزعفران وفتيق المسك والعنبر ، وجعل في كلّ قبة حوراء ، والقبة لها مائة باب على كلّ باب جاريتان وشجرتان ، وفي كل قبّة مفرش وكتاب مكتوب حول القباب ـ آية الكرسي ـ فقلت : يا جبرائيل! لمن بنى الله هذه الجنّة؟ فقال : هذه جنّة بناها الله لعليّ وفاطمة ابنتك ، سوى جنانهما تحفة لهما أتحفها الله بها يا محمّد».
٥٨ ـ وأخبرني الإمام شهاب الإسلام أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرني الحافظ سليمان بن إبراهيم ـ فيما كتب إليّ من أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ـ ، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، فيما أذن لي قال : حدثت عن جعفر بن محمّد بن مروان ، أخبرنا أبي ، أخبرنا سعيد بن محمد الجرمي ، أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن حبّة ، عن عليّ عليهالسلام قال : «غسلت النبيّ في قميصه فكانت فاطمة تقول : إرثي القميص فإذا شمته غشي عليها ، فلمّا رأيت ذلك غيّبته».
٥٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن الحافظ أبي بكر هذا ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن زياد ، أخبرنا شرقي بن قطامي (١) ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها قالت : لمّا بلغ فاطمة أن أبا بكر أظهر منعها «فدكا» لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشية رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، ثمّ أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم امهلت هنيهة حتى إذا سكنت فورتهم ،
__________________
(١) في السند ، الشرقي بن قطامي طعن فيه ابن حجر في الميزان فالحديث مزيد فيه.
افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه ، ثم قالت : «(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) التوبة / ١٢٨ ، فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة ، صادعا بالنذارة ، مائلا عن مدرجة المشركين ، ضاربا لحدتهم ، يجذ الأصنام ، وينكث الهام ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وتمت كلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، نهزة الطامع ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلة خاسئين ، حتى استنقذكم الله ورسوله ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب ، وفغرت فاغرة ، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي ، حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، وأنتم في رفاهية آمنون ، وادعون حتى اذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، اطلع الشيطان رأسه ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم غضابا فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، إنما زعمتم خوف الفتنة ، (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) التوبة / ٤٩ ، ثمّ لم تلبثوا حيث تسرون حسوا في ارتغاء ونصبر منكم على مثل حز المدى ، وأنتم تزعمون أنّ لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة / ٥٠.
يا معشر المسلمين أأبتز إرث أبي؟ أبى الله أن ترث أباك ، ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ، فدونكها مرحولة مخطومة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم
الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)» الجاثية / ٢٧. ثم انكفأت الى قبر أبيها تقول :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة |
|
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها |
|
واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا |
فلما فرغت من مقالتها ، حمد الله أبو بكر ، وصلّى على نبيه ، ثم قال : يا خير النساء! ويا ابنة خير الأنبياء! والله ، ما تجاوزت رأي أبيك رسول الله ، ولا خالفت أمره ، إن الرائد لا يكذب أهله ، إني أشهد الله وكفى به شهيدا ، إني سمعت رسول الله يقول : «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقارا ، وإنما نورث الكتاب والحكمة والنبوة»؟
قالت : فلما سمعت فاطمة ذلك رضيت وانصرفت ، قالوا : ولما أفضى الأمر إلى عليّ عليهالسلام تكلّم معه أن يرد «فدكا» ، فقال : «معاذ الله ، إني لاستحي أن أردّ شيئا منع منه أبو بكر وأمضاه عمر» ، وأبى أن يردّها.
٦٠ ـ أخبرني الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني ـ إجازة بهمدان ـ ، أخبرنا الحسن بن أحمد المقري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد ابن الصباح ، حدثنا علي بن هاشم ، عن كثير النواء ، عن عمران بن حصين : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لي : ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فانها تشتكي؟ قلت : بلى ، فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلّم واستأذن ، فقال : أأدخل أنا ومن معي؟ قالت : نعم ، ومن معك يا أبتاه فو الله ، ما عليّ إلّا عباءة ، فقال لها : اصنعي بها كذا ، واصنعي بها كذا ، وعلّمها كيف تسترها؟ فقالت : والله ، ما على رأسي من خمار ، فأخذ خلق ملاءة كانت عليه فقال : اختمري بها ، ثمّ أذنت لنا فدخلنا ، فقال : كيف تجدينك يا بنية؟ قالت : إني وجعة ، وإني
ليزيدني أنه مالي طعام آكله ، قال : يا بنية أما ترضين انّك سيدة نساء العالمين؟ فقالت : يا أبت فأين مريم بنت عمران؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء العالمين ، أم والله لقد زوجتك سيدا في الدّنيا والآخرة.
٦١ ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ (جزاه الله خيرا) ، أنبأنا الحسن بن أحمد المقري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا عبد الجبّار بن العلا ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ما رأيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله إلّا يوما افترت بطرف نابها.
٦٢ ـ وقال : ومكثت بعد رسول الله ستة أشهر.
٦٣ ـ وقال الحسن : ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة عليهاالسلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها.
٦٤ ـ قيل : ولما دفن رسول الله رجعت فاطمة إلى بيتها واجتمع إليها نساؤها فقالت: «إنا لله وإنا إليه راجعون ، انقطع عنا والله خير السماء» ، ثمّ أنشأت تقول :
اغبر آفاق البلاد وكورت |
|
شمس النهار واظلم العصران |
والأرض من بعد النبي حزينة |
|
أسفا عليه كثيرة الرجفان |
فليبكه شرق البلاد وغربها |
|
ولتبكه مضر وكل يمان |
نفسي فداؤك ما لرأسك مائلا |
|
ما وسدوك وسادة الوسنان |
ووقفت على قبره فقالت :
ما ضر من قد شم تربة أحمد |
|
أن لا يشم مدى الزمان غواليا |
صبّت عليّ مصائب لو أنّها |
|
صبّت على الأيام صرن لياليا |
٦٥ ـ أخبرني الشيخ الإمام سيف الدين أبو جعفر محمد بن عمر بن
أبي علي كتابة ، أخبرنا الإمام أبو الحسين النقيب بن زيد بن الحسن البيهقي ، أخبرنا علي بن محمد الحسني ، حدثنا الإمام أبو جعفر محمد بن جعفر بن علي الحسني ، أخبرنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسن الحسيني ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الحسيني ، أخبرنا محمد بن أبي عمار ، حدثنا محمد بن خلف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن أحمد بن نوح ، عن يحيى ابن علي ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه علي عليهمالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وازوجكم إلّا فاطمة فإنه نزل تزويجها من السماء».
٦٦ ـ وأخبرنا العالم الأوحد أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي (ره) ، عن مشايخه الثلاثة : القاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي ؛ وأبي نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي ؛ وأبي بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي ثلاثتهم ، عن أبي محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، عن الحافظ أبي عيسى الترمذي ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ؛ وإسحاق بن منصور قالا : حدثنا محمد ابن يوسف ، عن إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال ، عن زر ، عن حذيفة قال : سألتني أمي قالت : متى عهدك بالنبي؟ فقلت : ما لي عهد به منذ كذا وكذا ، فنالت مني فقلت : دعيني آتي النبي فاصلي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك ، فأتيت النبي فصليت معه المغرب ، فصلّى حتى صلى العشاء ، ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي ، فقال : من هذا أحذيفة؟ قلت : نعم ، قال : ما حاجتك؟ غفر الله لك ولأمك ، ؛ إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني : بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».
٦٧ ـ أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي (ره) قال : أخبرنا شيخ القضاة أبو عليّ إسماعيل بن أحمد البيهقي ، أخبرنا والدي شيخ السنة أحمد بن الحسين البيهقي ، حدثنا أبو الحسين بن بشران ـ ببغداد ـ ، أخبرنا محمد بن عمرو ، حدثنا الحسن بن مكرم ، حدثنا أبو النصر ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن امّه سلمى قالت : اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله شكواها التي قبضت فيها ، فكنت امرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك ، فخرج عليّ لبعض حاجته ، فقالت : يا اماه اسكبي لي غسلا ، فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثم قال : يا اماه اعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها فلبستها ، ثم قالت : يا اماه قدمي فراشي وسط البيت ، ففعلت فاضطجعت واستقبلت القبلة ، وجعلت يديها تحت خدها ، ثم قالت : يا اماه إني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها ، فجاء عليّ فأخبرته ، فقال : والله ، لا يكشفها أحد ، فدفنها بغسلها.
٦٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو حازم العبدري الحافظ ، أخبرنا أبو أحمد الحافظ ، أخبرنا أحمد بن عمير الدمشقي ، حدثنا عبد الله بن حمزة الزبيري ، حدثنا عبد الله بن نافع ، عن محمد بن موسى ، عن عون بن محمد الهاشمي ، عن أمه ، عن أسماء بنت عميس : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله أوصت أن يغسلها زوجها عليّ ، فغسلها هو وأسماء بنت عميس.
قال أحمد بن الحسين : وهذا أشبه ، لأنّ غسل الميت في مذاهب أهل العلم إنما يجب بالوفاة ، فلا يقوم الغسل قبلها مقامه.
٦٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثنا جدي يحيى بن الحسن ، حدثنا بكر بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن عمر الواقدي ، حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، عن ابن عباس قال : كانت فاطمة مرضت مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس : ألا ترين إلى ما بلغت أحمل على السرير ظاهرا؟ فقالت : أسماء : لا ، لعمري ، ولكن أصنع لك نعشا كما رأيته يصنع ـ بأرض الحبشة ـ ، قالت : فأرنيه ، فأرسلت أسماء الى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق ، وجعل على السرير نعشا ، وهو أوّل نعش كان ، فتبسمت فاطمة وما رأيتها متبسمة بعد أبيها (صلوات الله عليه) إلّا يومئذ ، ثم حملناها فدفناها ليلا.
٧٠ ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أنبأنا الحسن بن أحمد المقري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا أبو العباس السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا محمد بن موسى المخزومي ، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهالسلام عن أمه أم جعفر [ح] وعن عبادة بن المهاجر ، عن أم جعفر : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله قالت : يا أسماء! إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء ، أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ألا اريك شيئا رأيته ـ بالحبشة ـ؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ، ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله؟ لا تعرف به المرأة من الرجل ، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعليّ ، ولا يدخل عليّ أحد ، فلما توفيت غسلها عليّ وأسماء.
٧١ ـ أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد البيهقي ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب ، عن الزهري ، حدثني عروة : أنّ عائشة أخبرته قالت : عاشت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله بعده ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها علي بن أبي طالب عليهالسلام ليلا ، ولم يؤذن بها أبو بكر ، وصلّى عليها عليّ. واختلفت الروايات في وقت وفاتها ، ففي رواية : أنها بقيت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله شهرين ، وفي رواية : ثلاثة أشهر ، وفي رواية : مائة يوم ، وفي رواية : ثمانية أشهر.
٧٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا الحسن بن الجهمي ، حدثنا الحسين ابن الفرج ، حدثنا محمد بن عمر قال : توفيت فاطمة بنت محمد (صلوات الله عليهما) لثلاث ليال خلون من شهر رمضان ، وهي بنت تسع وعشرين أو نحوها.
٧٣ ـ وذكر أبو عبد الله بن مندة الأصبهاني في كتاب المعرفة : أنّ عليا تزوج فاطمة ـ بالمدينة ـ بعد سنة من الهجرة ، وابتنى بها بعد ذلك بنحو من سنة ، وولدت لعليّ : الحسن ؛ والحسين ؛ والمحسن ؛ وأمّ كلثوم الكبرى ؛ وزينب الكبرى.
٧٤ ـ قال محمد بن إسحاق : توفيت ولها من العمر ثمان وعشرون سنة ، وقيل : سبع وعشرون سنة ، وفي رواية : أنها ولدت على رأس سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلىاللهعليهوآله ، فيكون سنها على هذا ثلاثا وعشرين
سنة ، والأكثر على أنها كانت بنت تسع وعشرين سنة أو ثلاثين سنة.
٧٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أحمد بن عبيد الأسدي ـ بهمدان ـ ، حدثني إبراهيم بن الحسين ، حدثني إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني موسى بن جعفر بن محمد ابن علي ، عن أبيه ، عن جده محمّد بن علي ، عن أبيه ، عن عليّ عليهالسلام : «أن فاطمة لما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله كانت تقول : وا أبتاه! من ربه ما أدناه ، وا أبتاه جنان الخلد مثواه ، وا أبتاه! يكرمه ربّه إذا أتاه ، وا أبتاه! الربّ والرسل يسلمون عليه إذا يلقاه». ولما ماتت فاطمة عليهاالسلام قال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يرثيها :
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة |
|
وكلّ الذي دون الفراق قليل |
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد |
|
دليل على أن لا يدوم خليل |
وذكر الحاكم : أنّ فاطمة عليهاالسلام لما ماتت أنشأ علي عليهالسلام يقول :
نفسي على زفراتها محبوسة |
|
يا ليتها خرجت مع الزفرات |
لا خير بعدك في الحياة وإنما |
|
أبكي مخافة أن تطول حياتي |
٧٦ ـ أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أنبأني الرئيس أبو الفتح عبدوس بن عبد الله السبائي بهمدان إذنا ، حدثنا أبو الحسن عليّ بن الحسن ، حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني ، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، حدثنا الزبير بن بكار ، عن محمد بن الحسن ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن صالح ـ مولى التوأمة ـ : أنّ عبد الله ابن الحسن بن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي ، فقال هشام لعبد الله بن الحسن : يا أبا محمد! كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله من السن؟ فقال : بلغت ثلاثين ، فقال للكلبي : ما تقول؟ فقال : بلغت خمسا
وثلاثين ، فقال هشام لعبد الله : ألا تسمع ما يقول الكلبي وقد عني بهذا الأمر؟ فقال عبد الله بن الحسن : يا أمير المؤمنين! سلني عن أمي فأنا أعلم بها ، وسل الكلبي عن امّه فهو أعلم بها.
٧٧ ـ وذكر وهب بن منبّه ، عن ابن عباس فصلا طويلا في وفاة فاطمة عليهاالسلام ، كتبنا منه ما هو المقصود من ذلك.
ذكر أنّ أعرابيا جاء من الشام وابن عباس كان في المسجد الحرام يفتي الناس ، فسأله عن أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآله وبناته ، فأخبره أنّ أبناءه كانوا خمسة : القاسم ؛ والطاهر ؛ والمطهر ؛ والطيب ؛ وهم من خديجة (رضي الله عنها) وابراهيم من مارية ؛ وبناته كن أربعا : زينب ؛ ورقية ؛ وأمّ كلثوم ؛ وفاطمة ؛ وكن أيضا من خديجة ، وكلّهم مات في حياته (صلوات الله عليه) إلّا فاطمة فإنها بقيت أربعين يوما من بعده.
قال : ولما جاء فاطمة الأجل لم تحتم ولم تصدع ، ولكن أخذت بيدي الحسن والحسين فذهبت بهما الى قبر النبي صلىاللهعليهوآله فأجلستهما عنده ، ثم وقفت فصلت بين المنبر والقبر ركعتين ، ثم ضمتهما إلى صدرها والتزمتهما ، وقالت : يا ولدي اجلسا عند أبيكما ساعة ، وعليّ عليهالسلام يصلي في المسجد ، ثم رجعت نحو المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي صلىاللهعليهوآله فاغتسلت به ولبست فضل كفنه ، ثم نادت : يا أسماء! وهي امرأة جعفر الطيار ، فقالت لها : لبيك ، يا بنت رسول الله ، فقالت : تعاهديني فإني أدخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة ، فإذا مضت ساعة ولم أخرج فناديني ثلاثا فإن أجبتك وإلّا فاعلمي أني لحقت برسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم قامت مقام رسول الله في بيتها فصلّت ركعتين ، ثم جللت وجهها بطرف ردائها وقضت نحبها.
وقيل : بل ماتت في سجدتها ، فلما مضت ساعة أقبلت أسماء ،
فنادت : يا فاطمة الزهراء! يا أمّ الحسن والحسين! يا بنت رسول الله يا سيدة نساء العالمين! فلم تجب ، فدخلت فإذا هي ميتة.
فقال الأعرابي : كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس؟ قال : أعلمها أبوها ، ثم شقت أسماء جيبها ، وقالت : كيف اجترئ فاخبر ابني رسول الله بوفاتك ، ثم خرجت فتلقاها الحسن والحسين ، فقالا : أين امنا؟ فسكتت فدخلا البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة ، فقال : يا أخاه آجرك الله في أمّنا ، وخرجا يناديان : يا محمداه! اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت امنا ثم أخبر عليا وهو في المسجد فغشي عليه حتى رشّ عليه الماء ، ثمّ أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة الزهراء فرآها وعند رأسها أسماء تبكي ، وتقول : وا يتامى محمداه! كنا نتعزى بفاطمة عليهاالسلام بعد موت جدكما ، فبمن نتعزى بعدها؟ ثم كشف عليّ عليهالسلام عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها فنظر فيها ، فإذا فيها : «بسم الله الرّحمن الرّحيم ـ هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد ، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنّة حق وأن النار حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، يا علي! أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، فأنت أولى بي من غيرك ، فحنطني وكفني وغسلني بالليل ، وصلّ عليّ وادفني بالليل ولا تعلم أحدا ، وأستودعك الله واقرأ على ولدي السلام الى يوم القيام».
فلما جن الليل غسلها عليّ ووضعها على السرير وقال للحسن : ادع لي أبا ذر ، فدعاه فحملاها إلى المصلّى ، فصلّى عليها ، ثم صلّى ركعتين ورفع يديه الى السماء ، ونادى : هذه بنت نبيك فاطمة أخرجها من الظلمات إلى النور ، فأضاءت الأرض ميلا في ميل ، فلما أراد أن يدفنها نودي من
بقعة من البقيع : إليّ إليّ فقد رفع تربتها ، فنظر فإذا بقبر محفور ، فحمل السرير إليه فدفنها.
فلما رجع علي ؛ والحسن ؛ والحسين ، جلس عليّ وقال : يا ارض! استودعك وديعتي هذه بنت رسول الله فنودي منها : يا علي أنا أرفق بها منك فارجع ولاتهم ، فرجع وانسد القبر واستوى في الأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة؟
٧٨ ـ وذكر الثقة وهو الذي جاء في المشاهير : أنها دفنت بين العشاء والمغرب ، وشهدها أبو بكر ؛ وعمر ؛ والزبير ؛ وابن عوف ؛ وناس من الصحابة ، فقال عليّ لأبي بكر : تقدم فصلّ عليها ، فقال أبو بكر : ما كنت لأصلي على فاطمة وعليّ حاضر ، فقال علي : والله ، لا يصلي عليها غيرك؟ فتقدم أبو بكر وصلّى عليها (١) ودفنوها ليلا.
__________________
(١) هذه الرواية موضوعة إذ المعروف أنها لم يصل عليها غير أمير المؤمنين عليهالسلام كما تقدم.
الفصل السادس
في فضائل الحسن والحسين عليهمالسلام
١ ـ أخبرنا الإمام الزّاهد الحافظ أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي ، أخبرنا أبو عليّ إسماعيل بن أحمد البيهقي ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السلمي ، أخبرنا أبو عبد الله العكبري ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ، حدّثني عمّي ، حدّثنا الزبير بن بكار قال : ولد الحسن بن علي للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
وفي ـ رواية ـ قتادة : ولدت فاطمة حسنا بعد «احد» بسنتين ، وكان بين وقعة «احد» وقدوم النبيّ صلىاللهعليهوآله سنتان وستة أشهر ونصف ، فولدت الحسن لأربع سنين وستة أشهر ونصف من مقدمه.
وهذه الرواية تخالف أكثر الروايات في التواريخ ، فإنّهم اتفقوا على أن الحسن ولد سنة ثلاث من الهجرة.
٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسر ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الحفيد ، حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ ، حدّثني أبي ،
حدّثني علي بن موسى ، حدّثني أبي موسى بن جعفر ، حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، حدّثني أبي محمّد بن عليّ ، حدّثني أبي علي بن الحسين عليهمالسلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس ، قالت : قبّلت جدّتك فاطمة بالحسن والحسين ، فلمّا ولد الحسن جاءني النبيّصلىاللهعليهوآله ، فقال : يا أسماء! هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها النبيّ ، وقال : يا أسماء! ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا لي الولد بخرقة صفراء ، فلففته في خرقة بيضاء ، ودفعته إلى النبي فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ قال لعليّ : أي شيء سمّيت ابني؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله! كنت احبّ أن اسميه ـ حربا ـ ، فقال النبيّ عليهالسلام : ولا أنا أيضا أسبق باسمه ربي عزوجل فهبط جبرئيل عليهالسلام ، فقال : السلام عليك يا محمد! العليّ الأعلى يقرئك السّلام ، ويقول : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبيّ بعدك ، سم ابنك هذا باسم ـ ابن هارون ـ ، قال : وما اسم ابن هارون؟ قال : شبر ، قال : لساني عربي ، قال : سمه الحسن ، قالت أسماء : فسمّاه الحسن ، فلمّا كان يوم سابعه عقّ عنه النبيّ بكبشين أملحين ، فأعطى القابلة فخذا ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ورقا ، وطلى رأسه بالخلوق ، ثمّ قال : يا أسماء! الدم من فعل الجاهلية.
قالت أسماء : فلمّا كان بعد حول من مولد الحسن ولدت الحسين فجاءني النبيّصلىاللهعليهوآله ، فقال : يا أسماء! هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثم وضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : فقلت : فداك أبي وامّي! ممّ بكاؤك؟ قال : على ابني هذا ، قلت : إنّه ولد الساعة ، قال : يا أسماء! تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي ، ثمّ قال : يا أسماء! لا تخبري فاطمة بهذا فإنّها قريبة عهد بولادته ، ثمّ قال
لعليّ : أي شيء سمّيت ابني؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله! وقد كنت احبّ أن اسميه ـ حربا ـ ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : ولا أنا أسبق باسمه ربّي عزوجل ، فهبط جبرئيل عليهالسلام وقال : يا محمّد! العليّ الأعلى يقرئك السّلام ويقول : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبيّ بعدك ، سم ابنك باسم ـ ابن هارون ـ ، قال : ما اسم ابن هارون؟ قال : شبير ، قال : لساني عربي يا جبرئيل! قال : سمّه حسينا ، قالت أسماء فسمّاه الحسين ، فلمّا كان يوم سابعه عقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله عنه بكبشين أملحين ، وأعطى القابلة فخذا ، وحلق رأسه ؛ وتصدّق بوزن الشعر ورقا ، وطلى رأسه بالخلوق وقال : يا أسماء الدم فعل الجاهلية.
٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن عليّ بن الحسين عليهالسلام أنّه سمي حسنا يوم سابعه ، واشتق من اسم حسن الحسين ، وذكر أنّه لم يكن بينهما إلا الحمل.
٤ ـ وبذلك الإسناد ، عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمّد الخراساني ، حدّثنا أبو بكر بن أبي العوّام ، حدّثنا أبي ، حدّثنا جرير بن عبد الحميد ، عن شبيب بن نعيم ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة الكبرى قالت : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كلّ بني أمّ ينتمون إلى عصبة إلّا ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم».
وتقدّم في ـ الباب ـ ، عن جابر بن عبد الله مثله.
٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا محمّد بن إبراهيم المزكى ، حدّثنا الحسين بن محمّد بن زياد ، حدّثنا عمر بن عليّ عليهالسلام قال : يكنى الحسن بن عليّ أبا محمّد ، ويكنى الحسين بن عليّ أبا عبد الله.
٦ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ـ ببغداد ـ ، أخبرنا أبو عمرو بن
السمال ، حدّثنا حنبل بن إسحاق ، حدّثنا داود بن عمرو ، حدّثنا صالح بن موسى ، حدّثنا عاصم ـ هو ابن بهدلة ـ ، عن يحيى بن يعمر العامري قال : بعث إليّ الحجاج فقال: يا يحيى! أنت الذي تزعم أنّ ولد عليّ من فاطمة ولد رسول الله؟ فقلت له : إن أمنتني تكلّمت! قال : فأنت آمن ، فقلت له : نعم ، أقرأ عليك كتاب الله ، إنّ الله يقول : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) إلى أن قال : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) الانعام / ٨٤ ـ ٨٥ ، وعيسى كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيم ، قال : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟ فقلت : ما استوجب الله على أهل العلم في علمهم ليبيننّه للنّاس ولا يكتمونه.
قال : صدقت ، فلا تعد إلى ذكر هذا ولا نشره.
٧ ـ وجاء هذا ـ الحديث ـ مرسلا ، اطول من هذا ، عن عامر الشعبي أنّه قال : بعث إليّ الحجاج ذات ليلة فخشيت فقمت فتوضأت وأوصيت ، ثمّ دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف مسلول ، فسلمت عليه فردّ عليّ السّلام وقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة وغدا إلى الظهر ، ثمّ أجلسني وأشار فأتي برجل مقيد بالكبول والأغلال فوضعوه بين يديه ، فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فليأتني بحجة من القرآن أو لأضربن عنقه ، فقلت : يجب أن يحلّ قيده فإنّه إن احتج فلا محالة يذهب ، وإن لم يحتج فالسيف لا يقطع هذا الحديد ، فحلّوا قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير فحزنت له ، وقلت : كيف يجد على ذلك حجّة من القرآن ، فقال له الحجاج : آتني بحجّة من القرآن على ما دعيت وإلّا ضربت عنقك ، فقال : انتظر ، فسكت ساعة وقال له : مثل ذلك ، فقال : انتظر ، فسكت ساعة ، وقال له : مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله
من الشيطان الرّجيم ، بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ثمّ قرأ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) إلى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وسكت ثمّ قال للحجاج : اقرأ ما بعده ، فقرأ : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ) الانعام / ٨٤ ـ ٨٥ ، ثمّ قال سعيد : كيف يليق عيسى هاهنا؟ فقال : إنّه كان من ذرّيته ، فقال : إن كان عيسى من ذرية إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن بنت فنسب إليه على بعده ، فالحسن والحسين أولى أن ينسبا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله لقربهما منه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره وأذن له في الرجوع.
قال الشعبي : فلمّا أصبحت ، قلت في نفسي : قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلم منه معاني القرآن لأني كنت أظن أني أعرفها فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرقها عشرة عشرة ويتصدق بها ، ويقول : هذا كلّه ببركة الحسن والحسين عليهماالسلام لئن كنّا أغممنا واحدا فقد أفرحنا ألفا وأرضينا الله تعالى ورسوله.
٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو بكر محمّد ابن الحسن بن فورك ، أخبرنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ، عن يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدّثني قيس ، حدّثنا أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ عليهالسلام قال : «كان الحسن أشبه الناس بالنبي من وجهه إلى سرّته ، وكان الحسين أشبه النّاس بالنبيّ من سرّته إلى قدمه».
وسمعت ـ هذا الحديث ـ أيضا في ـ جامع أبي عيسى ـ بهذا السياق.
٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدّثنا حجاج بن منهال ؛ وأبو عمرو الخوصي ، حدّثنا مهدي بن ميمون ،
أخبرني محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن أبي نعيم قال : كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض ، فقال : ممّن أنت؟ قال : من أهل العراق ، فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد سمعت رسول الله يقول : «هما ريحانتاي من الدنيا».
وأخرجه البخاري في «الصحيح» ، وقال : «هما ريحاني» ، وفي رواية ـ شعبة ـ : كنت عند ابن عمر فسئل عن المحرم يقتل الذباب؟ فقال : يا أهل العراق! تسألوني عن المحرم يقتل الذباب ، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد قال رسول الله : «هما ريحاناي من الدّنيا».
وسمعت ـ هذا الحديث ـ في ـ جامع أبي عيسى ـ على هذا السياق.
١٠ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرني أبو الحسين بن بشران ـ ببغداد ـ أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصفار ، حدّثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن أبي سويد ، عن عمر بن عبد العزيز قال : زعمت المرأة الصالحة ـ خولة بنت حكيم ـ امرأة ـ عثمان بن مظعون ـ : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله خرج وهو محتضن أحد ابني بنته ، وهو يقول : والله ، إنّكم لتجهلون وتجبنون وتبخلون ، وإنكم لمن ريحان الله».
قال الفراء : الريحان في كلام العرب ـ الرزق.
١١ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن الحسين هذا ، حدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثني بن نمير ، حدّثني حجاج بن دينار الواسطي ، عن جعفر بن اياس ، عن عبد الرّحمن ، عن ابن مسعود ، عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعه الحسن والحسين ، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة ، حتى انتهى إلينا ، فقال له رجل: