الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

حالَ القسمة (شيء) ولو حلّ بعد قسمة البعض شارك في الباقي، وضرب بجميع المال، وضرب باقي الغرماء ببقيّة ديونهم (ويحضر كلّ متاع في سوقه) وجوباً مع رجاء زيادة القيمة وإلّا استحباباً؛ لأنّ بيعه فيه أكثر لطلّابه وأضبط لقيمته.

(ويُحبس لو ادّعى الإعسار حتى يثبته) باعتراف الغريم، أو بالبيّنة المطَّلعة على باطن أمره إن شهدت بالإعسار مطلقاً (١) أو بتلف المال حيث لا يكون منحصراً في أعيان مخصوصة، وإلّا كفى اطّلاعها على تلفها. ويعتبر في الاُولى ـ مع الاطّلاع على باطن أمره بكثرة مخالطته وصبره على ما لا يصبر عليه ذوو اليسار عادةً ـ أن تشهد بإثبات يتضمّن النفي، لا بالنفي الصِرف، بأن يقول: إنّه معسر لا يملك إلّاقوتَ يومه وثيابَ بدنه، ونحو ذلك. وهل يتوقّف ثبوته مع البيّنة مطلقاً (٢) على اليمين؟ قولان (٣).

وإنّما يحبس مع دعوى الإعسار قبل إثباته لو كان أصل الدين مالاً كالقرض، أو عوضاً عن مال كثمن المبيع، فلو انتفى الأمران ـ كالجناية والإتلاف ـ قُبل قوله في الإعسار بيمينه؛ لأصالة عدم المال وإنّما أطلقه المصنّف اتّكالاً على مقام الدين في الكتاب.

__________________

(١) أي من دون ذكر السبب.

(٢) سواء كان بالإعسار أم بالتلف.

(٣) القول باليمين للشيخ في الخلاف ٣:٢٧٦ المسألة ٢٣ من كتاب التفليس، والمحقّق في الشرائع ٢:٩٥، والعلّامة في القواعد ٢:١٥٣، والتحرير ٢:٥٢٧، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٥:٣٠٠ ونسبه إلى الأكثر. والقول بعدم اليمين للعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢:٥٩.

٣٦١

(فإذا ثبت) إعساره (خلِّي سبيله) ولا يجب عليه التكسّب؛ لقوله تعالى (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ) (١).

(وعن عليّ عليه الصلاة والسلام) بطريق السكوني: أنّه كان يحبس في الدين ثم ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول: اصنعوا به ما شئتم (إن شئتم فآجروه، وإن شئتم استعملوه (٢) وهو يدلّ على وجوب التكسّب) في وفاء الدين (واختاره ابن حمزة (٣)) والعلّامة في المختلف (٤) (ومنعه الشيخ (٥) وابن إدريس (٦)) للآية (٧) وأصالة البراءة. (والأوّل أقرب) لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة، والمتكسّب قادر، ولهذا تحرم عليه الزكاة، وحينئذٍ فهو خارج من الآية. وإنّما يجب عليه التكسّب فيما يليق بحاله عادة ولو بمؤاجرة نفسه، وعليه تحمل الرواية.

(وإنّما يحجر على المديون إذا قصرت أمواله عن ديونه) فلو ساوته أو زادت لم يُحجر عليه إجماعاً، وإن ظهرت عليه أمارات الفَلَس. لكن لو طولب بالدين فامتنع تخيّر الحاكم بين حبسه إلى أن يقضي بنفسه، وبين أن يقضي عنه من

__________________

(١) البقرة:٢٨٠.

(٢) الوسائل ١٣:١٤٨، الباب ٧ من كتاب الحجر، الحديث ٣.

(٣) الوسيلة:٢٧٤.

(٤) المختلف ٥:٣٨٦.

(٥) الخلاف ٣:٢٧٢، المسألة ١٥ من كتاب التفليس.

(٦) نقله العلّامة في المختلف ٥:٣٨٥، وانظر السرائر ٢:٣٣ ـ ٣٤.

(٧) المتقدمة آنفاً.

٣٦٢

ماله ولو ببيع ما خالف الحقّ (وطلب الغرماء الحجر) لأنّ الحقّ لهم، فلا يتبرّع الحاكم به عليهم. نعم لو كانت الديون لمن له عليه ولاية كان له الحجر، أو بعضها مع التماس الباقين. ولو كانت لغائب لم يكن للحاكم ولايته؛ لأنّه لا يستوفي له بل يحفظ أعيان أمواله. ولو التمس بعض الغرماء، فإن كان دينهم يفي بماله ويزيد جاز الحجر وعمّ، وإلّا فلا على الأقوى.

(بشرط حلول الدين *) فلو كان [كلّه] (١) أو بعضه مؤجّلاً لم يُحجَر، لعدم استحقاق المطالبة حينئذٍ. نعم لو كان بعضها حالاًّ جاز مع قصور المال عنه والتماس أربابه.

(ولا تباع داره ولا خادمه ولا ثياب تجمّله) ويعتبر في الأوّل والأخير ما يليق بحاله كمّاً وكيفاً. وفي الوسط ذلك (٢) لشرفٍ أو عجزٍ؛ وكذا دابّة ركوبه. ولو احتاج إلى المتعدّد استثني كالمتّحد. ولو زادت عن ذلك في أحد الوصفين وجب الاستبدال (٣) أو الاقتصار (٤) على ما يليق به.

(وظاهر ابن الجنيد بيعها) في الدين (واستحبّ للغريم تركه (٥) والروايات متضافرة بالأوّل (٦)) وعليه العمل.

__________________

(*) في (ق) و (س) : الديون.

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) أي ما يليق بحاله كمّاً وكيفاً.

(٣) في الكيف.

(٤) في الكمّ.

(٥) اُنظر كلامه المنقول في المختلف ٥:٤٥١.

(٦) اُنظر الوسائل ١٣:٩٤، الباب ١١ من أبواب الدين والقرض.

٣٦٣

وكذا تجرى عليه نفقة (١) يوم القسمة ونفقة واجبي النفقة. ولو مات قبلها قدّم كفنه، ويقتصر منه على الواجب وسطاً ممّا يليق به عادةً، ومؤونة تجهيزه.

وهذه الأحكام استطردها في كتاب الدين لمناسبته ـ وإن جرت العادة باختصاص الفلس بباب ـ ورعايةً لإدراج الأحكام بسبيل الاختصار.

__________________

(١) في (ر) : نفقته.

٣٦٤

(القسم الثاني: دين العبد)

خصّه بناءً على الغالب من تولّيه ذلك، دون الأمة، ولو أبدله بالمملوك كما عبّر غيره (١) عمَّ.

(لا يجوز له التصرّف فيه) أي في الدين بأن يستدين، لا فيما استدانه وإن كان حكمه كذلك؛ لدخوله في قوله: (ولا فيما بيده) من الأموال (إلّا بإذن السيّد) سواء قلنا بملكه أم أحلناه (فلو استدان بإذنه) أو إجازته (فعلى المولى وإن أعتقه) وقيل: يتبع به مع العتق (٢) استناداً إلى رواية (٣) لا تنهض حجّة فيما خالف القواعد الشرعيّة، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل وإنفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى، فيلزمه كما لو لم يُعتق. ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه قولاً واحداً.

(ويقتصر) المملوك (في التجارة على محلّ الإذن) فإن عيّن له نوعاً أو مكاناً أو زماناً تعيّن، وإن أطلق تخيّر (وليس له الاستدانة بالإذن في التجارة) لعدم دلالتها عليها إلّاأن تكون لضرورتها، كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج إليه (فتُلزم ذمّته) لو تعدّى المأذون نطقاً أو شرعاً (لو تلف، يتبع به بعد عتقه) ويساره (على الأقوى) وإلّا ضاع. ولو كانت عينه باقية رجع إلى

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٢:٦٩، والعلّامة في التحرير ٢:٤٥٩.

(٢) قاله الشيخ في النهاية:٣١١، والحلبي في الكافي:٣٣١، والعلّامة في المختلف ٥:٣٨٦.

(٣) اُنظر الوسائل ١٦:٥٧، الباب ٥٤ من أبواب العتق، و ١٣:١١٨ ـ ١١٩، الباب ١٣ من أبواب الدين والقرض، الحديث ٣.

٣٦٥

مالكه، لفساد العقد (وقيل: يسعى فيه) العبد معجّلاً (١) استناداً إلى إطلاق رواية أبي بصير (٢) وحملت على الاستدانة للتجارة (٣) لأنّ الكسب للمولى، فإذا لم يلزمه فعله لا يدفع من ماله.

والأقوى أنّ استدانته لضرورة التجارة إنّما يلزم ممّا في يده، فإن قصر استسعى في الباقي، ولا يلزم المولى من غير ما في يده، وعليه تحمل الرواية.

(ولو أخذ المولى ما اقترضه) المملوك بغير إذنه أو ما في حكمه (تخيّر المقرض بين رجوعه على المولى) لترتّب يده على ماله مع فساد القرض (وبين اتباع العبد) بعد العتق واليسار؛ لأنّه كالغاصب أيضاً. ثم إن رجع على المولى قبل أن يُعتق المملوك لم يرجع المولى عليه؛ لأنّه لا يثبت له في ذمّة عبده مال. وإن كان بعده وكان عند أخذه للمال عالماً بأ نّه قرض فلا رجوع له على المملوك أيضاً، لتفريطه، وإن كان قد غرّه بأنّ المال له اتّجه رجوعه عليه؛ لمكان الغرور. وإن رجع المقرض على العبد بعد عتقه ويساره فله الرجوع على المولى، لاستقرار التلف في يده، إلّاأن يكون قد غرّ المولى فلا رجوع له عليه.

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية:٣١١.

(٢) الوسائل ١٣:١١٨، الباب ٣١ من أبواب الدين والقرض، الحديث الأوّل.

(٣) حملها العلّامة في المختلف ٥:٣٨٨.

٣٦٦

كتاب الرهن

٣٦٧
٣٦٨

(كتاب الرهن)

(وهو وثيقة للدين) والوثيقة فعيلة بمعنى المفعول أي موثوق به لأجل الدين، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفيّة إلى الاسميّة، كتاء «الحقيقة» لا للتأنيث، فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. وأتى بالدين معرّفاً من غير نسبة له إلى المرتهن حذراً من الدور باعتبار أخذه في التعريف، وفي بعض النسخ: لدين المرتهن.

ويمكن تخلّصه (١) منه بكشفه (٢) بصاحب الدين أو من له الوثيقة، من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه.

والتخصيص بالدين إمّا مبنيّ على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضموناً كالغصب، لكن فيه: أنّ المصنّف قائل بجواز الرهن عليه (٣) وعلى ما يمكن تطرّق ضمانه كالمبيع وثمنه (٤) لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما ونقصان

__________________

(١) تخلّص التعريف على بعض النسخ.

(٢) يعني بتفسير «المرتهن» بصاحب الدين أو من له الوثيقة.

(٣) أي على الغصب كما قوّاه في الدروس ٣:٤٠١.

(٤) الدروس ٣:٤٠٢.

٣٦٩

قدرهما. أو على أنّ الرهن عليها (١) إنّما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذّر العين.

وفيه (٢) تكلّف، مع أنّه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.

وفيه (٣) على تقدير عدم الإضافة إلى المرتهن إمكان الوثيقة بدون الرهن، بل بالوديعة والعارية ومطلق وضع اليد، فيؤخذ مقاصّة عند جحود المديون الدين، وهو توثّق في الجملة.

ويفتقر الرهن إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود.

(والإيجاب رهنتك، أو وثّقتك) بالتضعيف، أو أرهنتك بالهمزة (أو هذا رهن عندك، أو على مالك) أو وثيقة عندك، أو خذه على مالك أو بمالك، أو أمسكه حتى اُعطيك مالك، بقصد الرهن (وشبهه) ممّا أدّى المعنى (٤). وإنّما لم ينحصر هذا العقد في لفظ ـ كالعقود اللازمة ـ ولا في الماضي؛ لأنّه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه، فغُلِّب فيه جانبُ الجائز مطلقاً (٥) وجوّزه المصنّف في الدروس بغير العربيّة (٦) وفاقاً للتذكرة (٧).

(وتكفي الإشارة في الأخرس) وإن كان عارضاً (أو الكتابة معها) أي مع الإشارة بما يدلّ على قصده، لا بمجرّد الكتابة؛ لإمكان العبث أو إرادة

__________________

(١) أي الغصب والمبيع وثمنه.

(٢) أي في كلّ واحد من الوجهين المذكورين للتخصيص بالدين.

(٣) أي في تعريف المصنّف بأ نّه وثيقة للدين.

(٤) في (ر) : ممّا أدّى هذا المعنى.

(٥) قال بعض المحشّين: أي الجائز من الجانبين، راجع هامش (ر).

(٦) الدروس ٣:٣٨٣.

(٧) التذكرة ١٣:٩٢.

٣٧٠

أمر آخر.

(فيقول المرتهن: قبلت وشبهه) من الألفاظ الدالّة على الرضا بالإيجاب. وفي اعتبار المضيّ والمطابقة بين الإيجاب والقبول وجهان. وأولى بالجواز هنا؛ لوقوعه ممّن هو ليس بلازم من طرفه.

ويشترط دوام الرهن بمعنى عدم توقيته بمدّة. ويجوز تعليق الإذن في التصرّف على انقضاء أجل وإطلاقه، فيتسلّط عليه من حين القبول والقبض إن اعتبرناه.

(فإن ذكر أجلاً) للتصرّف (اشتُرط ضبطه) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، أمّا لو شرطه للرهن بطل العقد.

(ويجوز اشتراط الوكالة) في حفظ الرهن وبيعه وصرفه في الدين (للمرتهن وغيره والوصيّة له ولوارثه) على تقدير موت الراهن قبله.

(وإنّما يتمّ) الرهن (بالقبض على الأقوى) للآية (١) والرواية (٢) ومعنى عدم تماميّته بدونه كونه جزء السبب، للزومه من قبل الراهن، كالقبض في الهبة بالنسبة إلى المتّهب.

وقيل: يتمّ بدونه (٣) للأصل، وضعف سند الحديث ومفهوم الوصف في الآية واشتراطه بالسفر فيها وعدم الكاتب يرشد إلى كونه للإرشاد. ويؤيّده كون استدامته

__________________

(١) البقرة:٢٨٣.

(٢) الوسائل ١٣:١٢٣ ـ ١٢٤، الباب ٣ من أبواب الرهن، الحديث ١. وسندها ضعيف بحسن بن محمّد بن سماعة ومحمّد بن قيس وهو مشترك بين الثقة والضعيف. راجع المسالك ٦:١٢٨ و ١٣:١٢٢.

(٣) قاله الشيخ في الخلاف ٣:٢٢٣، المسألة ٥ من كتاب الرهن، وابن إدريس في السرائر ٢:٤١٧، والعلّامة في المختلف ٥:٣٩٩، وولده في الإيضاح ٢:٢٥.

٣٧١

ليست بشرط، بل قبض المرتهن (١) لجواز توكيله الراهن فيه. وهذا أقوى.

وعلى اشتراطه (فلو جُنَّ) الراهن (أو مات، أو اُغمي عليه، أو رجع) فيه (قبل إقباضه بطل) الرهن، كما هو شأن العقود الجائزة عند عروض هذه الأشياء.

وقيل: لا يبطل؛ للزومه من قِبَل الراهن فكان كاللازم مطلقاً، فيقوم وليّه مقامه، لكن يراعي وليّ المجنون مصلحته، فإن كان الحظّ في إلزامه بأن يكون شرطاً في بيع يتضرّر بفسخه أقبضه وإلّا أبطله (٢).

ويضعَّف بأنّ لزومه على القول به مشروط بالقبض، فقبله جائز مطلقاً، فيبطل كالهبة قبلَه.

ولو عرض ذلك للمرتهن فأولى بعدم البطلان لو قيل به ثمَّ. ولو قيل به في طرف الراهن فالأقوى عدمه هنا. والفرق تعلّق حقّ الورثة والغرماء بعد موت الراهن بماله، بخلاف موت المرتهن، فإن الدين يبقى فتبقى وثيقته؛ لعدم المنافي. وعلى هذا لا يُجبر الراهن على الإقباض؛ لعدم لزومه بعد، إلّاأن يكون مشروطاً في عقد لازم، فيبني على القولين.

(ولا يشترط دوام القبض) للأصل بعد تحقّق الامتثال به (فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس) وهو موضع وفاق.

(ويقبل إقرار الراهن بالإقباض) لعموم «إقرار العقلاء ...» (إلّاأن يعلم كذبه) كما لو قال: رهنته اليوم داري التي بالحجاز ـ وهما بالشام ـ وأقبضته إيّاها، فلا يقبل؛ لأنّه محال عادة، بناءً على اعتبار وصول القابض أو من يقوم

__________________

(١) يعني ليس بشرط.

(٢) اُنظر المبسوط ٢:١٩٨، والتذكرة ١٣:٢٠١ المسألة ١٤٧.

٣٧٢

مقامه إلى الرهن في تحقّقه (فلو ادّعى) بعد الإقرار بالقبض (المواطأة) على الإقرار والإشهاد عليه إقامة لرسم الوثيقة حذراً من تعذّر ذلك إذا تأخّر إلى أن يتحقّق القبض سُمعت دعواه، لجريان العادة بذلك (فله إحلاف المرتهن) على عدمها وأ نّه وقع موقعه.

هذا إذا شهد الشاهدان على إقراره. أمّا لو شهدا على نفس الإقباض لم تُسمع دعواه ولم يتوجّه اليمين؛ وكذا لو شهدا على إقراره به فأنكر الإقرار؛ لأنّه تكذيب للشهود. ولو ادّعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلاً ممكناً فله إحلاف المرتهن أيضاً، وإلّا فلا على الأقوى.

(ولو كان) الرهن (بيد المرتهن فهو قبض) لصدق كونه رهناً مقبوضاً، ولا دليل على اعتباره مبتدأً بعد العقد. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين المقبوض بإذن وغيره كالمغصوب، وبه صرّح في الدروس (١) والوجه واحد، وإن كان منهيّاً عن القبض هنا؛ لأنّه في غير العبادة غير مفسد.

وقيل: لا يكفي ذلك (٢) لأنّه على تقدير اعتباره في اللزوم ركن فلا يعتدّ بالمنهيّ عنه منه، وإنّما لا يقتضي الفساد حيث تكمّل الأركان، ولهذا لا يعتدّ به لو ابتدأه بغير إذن الراهن.

(و) على الاكتفاء به (لا يفتقر إلى إذن) جديد (في القبض، ولا إلى مضيّ زمان) يمكن فيه تجديده؛ لتحقّق القبض قبله، فاعتبار أمر آخر تحصيل للحاصل، وللأصل.

__________________

(١) الدروس ٣:٣٨٥.

(٢) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب أصحابنا الإماميّة، ونسبه العلّامة في التذكرة ١٣:١٩٣ إلى أحد قولي الشافعي، وانظر المغني ٤:٣٧٠.

٣٧٣

وقيل: يشترطان (١) في مطلق القبض السابق وقيل: في غير الصحيح (٢) ؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع بعد الرهن وهو لا يتمّ إلّابإذن كالمبتدأ، والإذن فيه يستدعي تحصيله، ومن ضروراته مضيّ زمان، فهو دالّ عليه بالمطابقة وعلى الزمان بالالتزام، لكن مدلوله المطابقي منتف، لإفضائه إلى تحصيل الحاصل واجتماع الأمثال، فيبقى الالتزامي.

ويُضعَّف بمنع اعتبار المقيّد بالبعديّة، بل الأعمّ، وهو حاصل، والزمان المدلول عليه التزاماً من توابعه ومقدّماته، فيلزم من عدم اعتباره انتفاؤه. نعم لو كان قبضه بغير إذن توجّه اعتبارهما؛ لما تقدّم (٣) وعلى تقديره (٤) فالضمان باقٍ إلى أن يتحقّق ما يزيله من قبل المالك على الأقوى.

(ولو كان) الرهن (مشاعاً فلابدّ من إذن الشريك في القبض، أو رضاه بعده) سواء كان ممّا ينقل أم لا؛ لاستلزامه التصرّف في مال الشريك، وهو منهيّ عنه بدون إذنه، فلا يعتدّ به شرعاً.

ويشكل فيما يكفي فيه مجرّد التخلية، فإنّها لا تستدعي تصرّفاً، بل رفع

__________________

(١) في (ع) : يشرطان.

(٢) لم نعثر على القولين، نعم نسب في الدروس ٣:٣٨٤ إلى الشيخ الافتقار إلى إذن جديد في القبض، وانظر المبسوط ٢:٢٠٢، وفي التذكرة ١٣:١٩٣ نسب الشرطين في غير الصحيح إلى أحد قولي الشافعي.

(٣) وهو كون القبض ركناً في لزوم الرهن، راجع الصفحة ٣٧١.

(٤) الظاهر معناه: على تقدير اعتبار الإذن الجديد فالضمان باقٍ. لكن في نسخة (ف) : (على تقدير عدمه) فعلى فرض صحّتها معناه: على تقدير عدم حصول القبض.

٣٧٤

يد الراهن عنه وتميكنه منه.

وعلى تقدير اعتباره، فلو قبضه بدون إذن الشريك وفعل محرّماً فهل يتمّ القبض؟ قولان (١) ، منشؤهما النهي المانع، كما لو وقع بدون إذن الراهن، وهو اختيار المصنّف وأنّ النهي إنّما هو لحقّ الشريك فقط، للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً. وهو أجود. ولو اتّفقا على قبض الشريك، جاز فيعتبر سماعه الإذن فيه.

(والكلام إمّا في الشروط، أو اللواحق) :

(الأوّل)

[(شرط الرهن) :

(أن يكون عيناً مملوكة يمكن قبضها ويصحّ بيعها) هذه الشرائط منها ما هو شرط الصحّة وهو الأكثر. ومنها ما هو شرط في اللزوم كالمملوكيّة، باعتبار رهن ملك الغير، ولا يضرّ ذلك؛ لأنّها شروط في الجملة، ولأنّ المملوكيّة تشتمل على شرط الصحّة في بعض محترزاتها (٢) (فلا يصحّ رهن المنفعة) كسكنى الدار وخدمة العبد، لعدم إمكان قبضها؛ إذ لا يمكن إلّابإتلافها، ولتعذّر تحصيل المطلوب في الرهن منها وهو استيفاء الدين منه، وهي إنّما تستوفى شيئاً فشيئاً، وكلمّا حصل منها شيء عدم ما قبله. كذا قيل (٣)

__________________

(١) وهو اختيار المصنّف في الدروس ٣:٣٨٤. وأمّا القول بالتمام فهو للعلّامة في القواعد ٢:١١٧ ـ ١١٨، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٥:١٠٧.

(٢) فإنّ ممّا يحترز بقيد المملوكيّة عنها: الحرّ مطلقاً، والخمر والخنزير للمسلم، فالمملوكيّة بهذا المعنى من شروط الصحّة.

(٣) قاله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٥:٤٨.

٣٧٥

وفيه نظر (١) (ولا الدين) بناءً على ما اختاره من اشتراط القبض؛ لأنّ الدين أمر كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه، وما يقبض بعد ذلك ليس نفسه وإن وجد في ضمنه. ويحتمل جوازه على هذا القول، ويكتفى بقبض ما يعيّنه المديون، لصدق قبض الدين عليه عرفاً، كهبة ما في الذمّة.

وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحّة رهنه، وقد صرّح العلّامة في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه، فقال: لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنّه لا يمكن قبضه (٢) لكنّه في القواعد جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض، وعدم جواز رهن الدين (٣) فتعجّب منه المصنّف في الدروس (٤) وتعجبّه في موضعه. والاعتذار له عن ذلك بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه واعتبار كونه ممّا يقبض مثلُه ـ مع تصريحه بالبناء المذكور ـ غير مسموع.

(ورهن المدبّر إبطال لتدبيره على الأقوى) لأنّه من الصيغ الجائزة، فإذا تعقّبه ما ينافيه أبطله؛ لكونه رجوعاً؛ إذ لا يتمّ المقصود من عقد الرهن (٥)

__________________

(١) وجه النظر: أنّ استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرطٍ، بل منه أو من عوضه ولو ببيعه قبل الاستيفاء، كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله، والمنفعة يمكن فيها ذلك بأن يؤجر العين ويجعل الاُجرة رهناً. وقريبٌ منه القول في القبض؛ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ويكون عوضها رهناً. إلّاأن يقال: إنّ ذلك خروجٌ عن المتنازع؛ لأنّ رهن الاُجرة جائزٌ، إنّما الكلام في المنفعة نفسها. والفرق بينها وبين ما يتسارع إليه الفساد إمكان رهنه، والمانع عارض بخلاف المنفعة فتأمّل. (منه رحمه الله).

(٢) التذكرة ١٣:١٢٧، المسألة ١١١.

(٣) اُنظر القواعد ٢:١٠٩ و ١١٦.

(٤) الدروس ٣:٣٨٧.

(٥) وهو استيفاء الدين منه.

٣٧٦

إلّا بالرجوع. وقيل: لا يبطل به؛ لأنّ الرهن لا يقتضي نقله عن ملك الراهن، ويجوز فكّه، فلا يتحقّق التنافي بمجرّده، بل بالتصرّف. وحينئذٍ فيكون التدبير مراعى بفكّه فيستقرّ، أو يأخذه في الدين فيبطل (١) واستحسنه في الدروس (٢).

(ولا رهن الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلماً، أو المرتهن) وإن وضعهما على يد ذمّي؛ لأنّ يد الودعي كيد المستودع. خلافاً للشيخ حيث أجازه كذلك، محتجّاً بأنّ حقّ الوفاء إلى الذمّي فيصحّ، كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما (٣) والفرق واضح.

(ولا رهن الحرّ مطلقاً) من مسلم وكافر، عند مسلم وكافر؛ إذ لا شبهة في عدم ملكه.

(ولو رهن ما لا يملك) الراهنُ وهو مملوك لغيره (وقف على الإجازة) من مالكه فإن أجازه صحّ على أشهر الأقوال من كون عقد الفضولي موقوفاً مطلقاً (٤) وإن ردّه بطل.

__________________

(١) قوّاه الشيخ في المبسوط ٢:٢١٣، والخلاف ٣:٢٣٨، ذيل المسألة ٣١ من كتاب الرهن.

(٢) الدروس ٣:٣٩١.

(٣) الخلاف ٣:٢٤٨، المسألة ٥٢ من كتاب الرهن.

(٤) اختار هذا القول: الحسن والمفيد والمرتضى والشيخ في النهاية وسلّار والقاضي والتقي والمحقّق والعلّامة، راجع المختلف ٧:١٠٢، والمقنعة:٦٠٦، والناصريّات:٣٣٠ المسألة ١٥٤، والنهاية:٣٨٥ و ٤٦٥، والمراسم:١٥٠، والمهذّب ١:٣٥٠ و ٢:١٩٧، والكافي في الفقه:٢٩٢ و ٣٥٢، والشرائع ٢:١٤ و ٢٧٨، والقواعد ٢:١٩ و ٣:١٥. وقيل ببطلانه مطلقاً وهو قول الشيخ في المبسوط ٢:١٥٨ و ٤:١٦٣. وقيل ببطلانه في البيع وصحّته في النكاح وهو قول ابن إدريس في السرائر ٢:٢٧٤ و ٥٦٤. وقيل ببطلانه في نكاح غير البكر الرشيدة مع حضور الوليّ عقد الأبوين على الصغير والجدّ مع عدم الأب وعقد الأخ والاُمّ على الصبيّة ... وهو قول ابن حمزة في الوسيلة:٣٠٠.

٣٧٧

(ولو استعار للرهن صحّ) ثم إن سوّغ له المالك الرهن كيف شاء جاز مطلقاً، وإن أطلق ففي جوازه فيتخيّر ـ كما لو عمّم ـ أو المنع للغرر، قولان اختار أوّلهما في الدروس (١) وعلى الثاني فلابدّ من ذكر قدر الدين وجنسه ووصفه وحلوله أو تأجيله وقدر الأجل، فإن تخطّى حينئذٍ كان فضوليّاً، إلّاأن يرهن على الأقلّ فيجوز بطريق أولى.

ويجوز الرجوع في العارية ما لم تُرهَن، عملاً بالأصل (وتلزم بعقد الرهن) فليس للمعير الرجوع فيها بحيث يفسخ الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفكّ عند الحلول. ثمّ إن فكّه وردّه تامّاً برئ (ويضمن الراهن لو تلف) وإن كان بغير تفريط (أو بيع) بمثله إن كان مثليّاً، وقيمته يوم التلف إن كان قيميّاً.

هذا إذا كان التلف بعد الرهن، أمّا قبله فالأقوى أنّه كغيره من الأعيان المعارة. وعلى تقدير بيعه فاللازم لمالكه ثمنه إن بيع بثمن المثل، ولو بيع بأزيد فله المطالبة بما بيع به.

(ويصحّ رهن الأرض الخراجيّة) كالمفتوحة عنوةً، والتي صالح الإمام أهلها على أن تكون ملكاً للمسلمين، وضرب عليهم الخراج، كما يصحّ بيعها (تبعاً للأبنية والشجر) لا منفردة.

(ولا رهن الطير في الهواء) لعدم إمكان قبضه، ولو لم يشترطه أمكن الجواز؛ لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه (إلّاإذا اعتيد عوده) كالحمام الأهلي فيصحّ؛ لإمكان قبضه عادة.

__________________

(١) الدروس ٣:٣٨٨، والثاني للعلّامة في التذكرة ١٣:١٢٢، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٥:٦٤.

٣٧٨

(ولا السمك في الماء إلّاإذا كان محصوراً مشاهداً) بحيث لا يتعذّر قبضه عادة ويمكن العلم به.

(ولا رهن المصحف عند الكافر أو العبد المسلم) لاقتضائه الاستيلاء عليهما والسبيل على بعض الوجوه ببيع ونحوه (إلّاأن يوضعا على يد مسلم) لانتفاء السبيل بذلك وإن لم يشرط (١) بيعه للمسلم؛ لأنّه حينئذٍ لا يستحقّ الاستيفاء من قيمته إلّاببيع المالك أو من يأمره أو الحاكم مع تعذّره، ومثله لا يعدّ سبيلاً؛ لتحقّقه وإن لم يكن هناك رهن.

(ولا رهن الوقف) لتعذّر استيفاء الحقّ منه بالبيع، وعلى تقدير جواز بيعه بوجهٍ يجب أن يُشترى بثمنه ملكاً يكون وقفاً، فلا يتّجه الاستيفاء منه مطلقاً، نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه.

(ويصحّ الرهن في زمن الخيار) لثبوت الثمن في الذمّة وإن لم يكن مستقرّاً (وإن كان) الخيار (للبائع؛ لانتقال المبيع) إلى ملك المشتري (بالعقد على الأقوى) لأنّ صحّة البيع تقتضي ترتّب أثره؛ ولأنّ سبب الملك هو العقد، فلا يتخلّف عنه المسبّب. وعلى قول الشيخ بعدم انتقاله إلى ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع أولهما (٢) لا يصحّ الرهن على الثمن قبل انقضائه.

(ويصحّ رهن العبد المرتدّ ولو عن فطرة) لأنّه لم يخرج بها عن الملك وإن وجب قتله؛ لأنّه حينئذٍ كرهن المريض المأيوس من برئه، ولو كان امرأةً أو ملّيّاً فالأمر أوضح؛ لعدم قتلها مطلقاً، وقبول توبته.

__________________

(١) في (ش) و (ر) : لم يشترط.

(٢) اُنظر قول الشيخ في الخلاف ٣:٢٢، المسألة ٢٩ من كتاب البيوع.

٣٧٩

(والجاني مطلقاً) عمداً وخطأً؛ لبقاء الماليّة وإن استحقّ العامد القتل، ولجواز العفو. ثمّ إن قُتل بطل الرهن، وإن فداه مولاه أو عفى الوليّ بقي رهناً ولو استُرقّ بعضه بطل الرهن فيه خاصّة. وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاماً بالفداء وجهان كالبيع (فإن عجز المولى عن فكّه قدّمت الجناية) لسبقها، ولتعلّق حقّ المجنيّ عليه بالرقبة؛ ومن ثمّ لو مات الجاني لم يُلزم السيّد، بخلاف المرتهن، فإنّ حقّه لا ينحصر فيها بل تشركها ذمّة الراهن.

(ولو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبل الأجل) بحيث لا يمكن إصلاحه كتجفيف العنب والرُطب (فليشترط بيعه ورهن ثمنه) فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه رهناً، فإن امتنع منه رفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليبيعه، أو يأمر به، فإن تعذّر جاز له البيع، دفعاً للضرر والحرج.

(ولو أطلق) الرهن ولم يشترط بيعه ولا عدمه (حمل عليه) جمعاً بين الحقّين مع كونه حالة الرهن صالحاً له. وقيل: يبطل (١) لعدم اقتضاء الإطلاق البيع، وعدم صلاحيّته لكونه رهناً على الدوام، فهو في قوّة الهالك. وهو ضعيف؛ لكونه عند العقد مالاً تامّاً وحكم الشارع ببيعه على تقدير امتناعه منه صيانةً للمال جائز، لفساده. واحترز بقوله: «قبل الأجل» عمّا لو كان لا يفسد إلّابعد حلوله بحيث يمكن بيعه قبله فإنّه لا يُمنع؛ وكذا لو كان الدين حالّاً؛ لإمكان حصول المقصود منه. ويجب على المرتهن السعي على بيعه بأحد الوجوه، فإن ترك مع إمكانه ضمن، إلّاأن ينهاه المالك فينتفي الضمان. ولو أمكن إصلاحه بدون البيع لم يجز بيعه بدون إذنه. ومؤونة إصلاحه على الراهن، كنفقة الحيوان.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٢:٢١٦، والخلاف ٣:٢٤١، المسألة ٣٨ من كتاب الرهن.

٣٨٠