الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

(الفصل التاسع)

(في الخيار)

(وهو أربعة عشر) قسماً، وجمعه بهذا القدر من خواصّ الكتاب.

(الأوّل * : خيار المجلس)

أضافه إلى موضع الجلوس مع كونه غير معتبر في ثبوته، وإنّما المعتبر عدم التفرّق، إمّا تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة، أو حقيقة عرفيّة.

(وهو مختصّ بالبيع) بأنواعه، ولا يثبت في غيره من عقود المعاوضات وإن قام مقامه، كالصلح.

ويثبت للمتبايعين ما لم يفترقا (ولا يزول بالحائل) بينهما غليظاً كان أم رقيقاً مانعاً من الاجتماع أم غير مانع؛ لصدق عدم التفرّق معه (ولا بمفارقة) كلّ واحد منهما (المجلسَ مصطحبين) وإن طال الزمان ما لم يتباعد ما بينهما عنه حالةَ العقد. وأولى بعدم زواله لو تقاربا عنه.

(ويسقط باشتراط سقوطه في العقد) عنهما أو عن أحدهما بحسب

__________________

(*) في (ق) وبعض نسخ الشرح بدل (الأوّل، والثاني ...) : أ، ب ...

٣٠١

الشرط (وبإسقاطه بعدَه) بأن يقولا: أسقطنا الخيار، أو أوجبنا المنع، أو التزمناه، أو اخترناه، أو ما أدّى ذلك. (وبمفارقة أحدهما صاحبَه) ولو بخطوة اختياراً، فلو اُكرها أو أحدُهما عليه لم يسقط مع منعهما من التخاير، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال. ولو لم يُمنعا من التخاير لزم العقد.

(ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصّة) إذ لا ارتباط لحقّ أحدهما بالآخر (ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قُدِّم الفاسخ) وإن تأخّر عن الإجازة؛ لأنّ إثبات الخيار إنّما قصد به التمكّن من الفسخ دون الإجازة؛ لأصالتها. (وكذا) يقدَّم الفاسخ على المجيز (في كلّ خيار مشترك) لاشتراك الجميع في العلّة التي أشرنا إليها.

(ولو خيّره فسكت فخيارهما باقٍ) أمّا الساكت فظاهر؛ إذ لم يحصل منه ما يدلّ على سقوط الخيار. وأمّا المخيّر فلأنّ تخييره صاحبَه أعمّ من اختياره العقد فلا يدلّ عليه. وقيل: يسقط خياره (١) استناداً إلى رواية (٢) لم تثبت عندنا.

(الثاني: خيار الحيوان)

(وهو ثابت للمشتري خاصّة) على المشهور وقيل: لهما (٣) وبه رواية

__________________

(١) نسب ذلك إلى الشيخ في جامع المقاصد ٤:٢٨٥، والمسالك ٣:١٩٧، ولكن صريح عبارته في المبسوط ٢:٨٢ والخلاف ٣:٢١ خلاف ذلك.

(٢) المستدرك ١٣:٢٩٩، الباب ٢ من أبواب الخيار، الحديث ٣. ورد في هامش بعض نسخ المسالك بخطّ الشهيد الثاني عن هذه الرواية أنّها مجهولة السند. راجع المسالك ٣:١٩٧.

(٣) ذهب إليه السيّد في الانتصار:٤٣٣.

٣٠٢

صحيحة (١) ولو كان حيواناً بحيوان قوي ثبوتُه لهما، كما يقوى ثبوته للبائع وحدَه لو كان الثمن خاصّة ـ وهو ما قرن بالباء ـ حيواناً.

ومدّة هذا الخيار (ثلاثة أيّام مبدؤها من حين العقد) على الأقوى. ولا يقدح اجتماع خيارين فصاعداً. وقيل: من حين التفرّق (٢) بناءً على حصول الملك به.

(ويسقط باشتراط سقوطه) في العقد (أو إسقاطه بعد) العقد كما تقدّم (٣) (أو تصرّفه) أي تصرّف ذي الخيار، سواء كان لازماً كالبيع، أم لم يكن كالهبة قبل القبض، بل مطلق الانتفاع، كركوب الدابّة ـ ولو في طريق الردّ ـ ونعلِها، وحلبِ ما يُحلب [ولبسِ الثوب وقصارته، وسكنى الدار] (٤).

ولو قصد به الاستخبار ولم يتجاوز مقدارَ الحاجة ففي منعه من الردّ وجهان. أمّا مجرّد سوق الدابّة إلى منزله، فإن كان قريباً بحيث لا يُعدّ تصرّفاً عرفاً فلا أثر له، وإن كان بعيداً مفرطاً احتمل قويّاً منعه. وبالجملة فكلّ ما يُعدّ تصرّفاً عرفاً يمنع، وإلّا فلا.

(الثالث: خيار الشرط)

(وهو بحسب الشرط إذا كان الأجل مضبوطاً) متّصلاً بالعقد أم منفصلاً،

__________________

(١) الوسائل ١٢:٣٤٩، الباب ٣ من أبواب الخيار، الحديث ٣.

(٢) ذهب إليه الشيخ في الخلاف ٣:٣٣، المسألة ٤٤، والمبسوط ٢:٨٥، وابن زهرة في الغنية:٢٢٠.

(٣) تقدّم في خيار المجلس.

(٤) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ش) و (ف) ، وكُتب عليه في (ع) : ز، رمز الزيادة.

٣٠٣

فلو كان منفصلاً صار العقد جائزاً بعد لزومه مع تأخّره عن المجلس.

(ويجوز اشتراطه لأحدهما ولكلّ منهما، ولأجنبيّ عنهما أو عن أحدهما) ولأجنبيٍّ مع أحدهما عنه، وعن الآخر، ومعهما. واشتراط الأجبنيّ تحكيم لا توكيل عمّن جُعل عنه، فلا اختيار له معه.

(واشتراط المؤامرة) وهي مفاعَلة من الأمر، بمعنى اشتراطهما أو أحدهما استئمارَ من سمّياه والرجوع إلى أمره مدّة مضبوطة، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقّف على أمره، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخُ.

والظاهر أنّه لا يتعيّن عليه؛ لأنّ الشرط مجرّد استئماره، لا التزام قوله. وإن أمره بالالتزام لم يكن له الفسخ قطعاً وإن كان الفسخ أصلح عملاً بالشرط؛ ولأ نّه لم يجعل لنفسه خياراً.

فالحاصل: أنّ الفسخ يتوقّف على أمره؛ لأنّه خلاف مقتضى العقد، فيرجع إلى الشرط، وأمّا الالتزام بالعقد فلا يتوقّف.

وظاهر معنى «المؤامرة» وكلام الأصحاب: أنّ المستأمَر ـ بفتح الميم ـ ليس له الفسخ ولا الالتزام، وإنّما إليه الأمر والرأي خاصّة، فقول المصنّف رحمه الله: (فإن قال المستأمر: فسخت أو أجزت فذاك، وإن سكت فالأقرب اللزوم، ولا * يلزم) المستأمر (الاختيار) إن قُرئ المستأمر بالفتح ـ مبنيّاً للمجهول ـ اُشكل بما ذكرناه، وإن قُرئ بالكسر ـ مبنيّاً للفاعل ـ بمعنى المشروط له المؤامَرة لغيره، فمعناه: إن قال: «فسخت» بعد أمره له بالفسخ، أو (أجزت) بعد أمره له بالإجازة لزم. وإن سكت ولم [يلتزم] (١) ولم يفسخ ـ سواء فعل ذلك بغير استئمار

__________________

(*) في (ق) و (س) : فلا.

(١) في المخطوطات: لم يلزم.

٣٠٤

أم بعده ولم يفعل مقتضاه ـ لزم؛ لما بيّنّاه من أنّه لا يجب عليه امتثال الأمر، وإنّما يتوقّف فسخه على موافقة الآمر.

وهذا الاحتمال أنسب بالحكم. لكن دلالة ظاهر العبارة على الأوّل أرجح، خصوصاً بقرينة قوله: «ولا يلزم الاختيار» فإنّ اللزوم المنفيّ ليس إلّاعمّن جُعل له المؤامرة، وقوله: (وكذا) كلّ (من جُعل له الخيار) فإنّ المجعول له هنا الخيار هو الأجنبيّ المستشار، لا المشروط له إلّاأنّ للمشروط له حظّاً من الخيار عند أمر الأجنبيّ [له] (١) بالفسخ.

وكيف كان: فالأقوى أنّ المستأمَر ـ بالفتح ـ ليس له الفسخ ولا الإجازة وإنّما إليه الأمر، وحكم امتثاله ما فصّلناه. وعلى هذا فالفرق بين اشتراط المؤامرة لأجنبيّ وجعل الخيار له واضح؛ لأنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره لا جعل الخيار له، بخلاف من جُعل له الخيار.

وعلى الأوّل (٢) يشكل الفرق بين المؤامرة وشرط الخيار.

والمراد بقوله: (وكذا كلّ من جُعل له الخيار) أنّه إن فسخ أو أجاز نفذ، وإن سكت إلى أن انقضت مدّة الخيار لزم البيع، كما أنّ المستأمَر هنا لو سكت عن الأمر أو المستأمِر ـ بالكسر ـ لو سكت عن الاستئمار لزم العقد؛ لأنّ الأصل فيه اللزوم إلّابأمر خارج وهو منتفٍ.

(ويجب اشتراط مدّة المؤامرة *) بوجه منضبط، حذراً من الغرر. خلافاً للشيخ (٣) حيث جوّز الإطلاق.

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) يعني قراءة (المستأمَر) بالفتح.

(*) في (ق) : للمؤامرة.

(٣) المبسوط ٢:٨٦.

٣٠٥

(الرابع: خيار التأخير)

أي تأخير إقباض الثمن والمثمن (عن ثلاثة أيّام فيمن باع ولا قبض) الثمن (ولا أقبض *) المبيع (ولا شرط التأخير) أي تأخير الإقباض والقبض، فللبائع الخيار بعد الثلاثة في الفسخ. (وقبضُ البعض كلا قبض) لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن مجتمعاً ومنفرداً. ولو قبض الجميع أو أقبضه فلا خيار وإن عاد إليه بعدَه.

وشرط القبض المانع كونُه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه؛ وكذا لو ظهر الثمن مستحقّاً أو بعضه. ولا يسقط بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كان (١) قرينة الرضا بالعقد.

ولو بذل المشتري الثمن بعدَها قبل الفسخ ففي سقوط الخيار وجهان: ومنشؤهما الاستصحاب، وزوال الضرر.

(وتلفه) أي المبيع (من البائع مطلقاً) في الثلاثة وبعدَها؛ لأنّه غير مقبوض، وكلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. ونبّه بالإطلاق على خلاف بعض الأصحاب (٢) حيث زعم أنّ تلفه في الثلاثة من المشتري؛ لانتقال المبيع إليه وكون التأخير لمصلحته (٣) وهو غير مسموع في مقابلة القاعدة الكلّية

__________________

(*) في (ق) : لا قبّض.

(١) كذا، ولعلّ الأنسب: كانت.

(٢) لم يرد (الأصحاب) في (ع).

(٣) ذهب إليه المفيد في المقنعة:٥٩٢، وتبعه السيّد في الانتصار:٤٣٧ ـ ٤٣٨، المسألة ٢٤٩.

٣٠٦

الثابتة بالنصّ (١) والإجماع.

(الخامس: خيار ما يفسد ليومه)

(وهو ثابت بعد دخول الليل) هذا هو الموافق لمدلول الرواية (٢) ولكن يُشكل بأنّ الخيار لدفع الضرر، وإذا توقّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل في يومه لا يندفع الضرر، وإنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد.

وفَرَضَه المصنّف في الدروس «خيار ما يفسده المبيت» (٣) وهو حسن وإن كان فيه خروج عن النصّ؛ لتلافيه بخبر الضرار (٤) واستقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه ولا يتقيّد بالليل. واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضراوات واللحم والعنب وكثير من الفواكه. واستشكل فيما لو استلزم التأخير فوات السوق. فعلى هذا (٥) لو كان ممّا يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه. هذا كلّه متّجه وإن خرج عن مدلول النصّ الدالّ على هذا الحكم؛ لقصوره عن إفادة الحكم متناً (٦) وسنداً (٧). وخبر

__________________

(١) المستدرك ١٣:٣٠٣، الباب ٩ من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل ١٢:٣٥٨ ـ ٣٥٩، الباب ١١ من أبواب الخيار، الحديث الأوّل.

(٣) الدروس ٣:٢٧٤.

(٤) الوسائل ١٧:٣٤٠ ـ ٣٤١، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

(٥) أي على ما استقربه المصنّف من التعدية.

(٦) ووجه ضعفه دلالةً هو ظهوره في انفساخ البيع لا الخيار (راجع هامش ر).

(٧) لكونه مرسلاً. راجع المسالك ٣:٢١٠.

٣٠٧

(السادس: خيار الرؤية)

(وهو ثابت لمن لم يرَ) إذا باع أو اشترى بالوصف. ولو اشترى برؤية قديمة فكذلك يتخيّر لو ظهر بخلاف ما رآه. وكذا من طرف البائع، إلّاأ نّه ليس من أفراد هذا القسم بقرينة قوله: «ولا بدّ فيه من ذكر الجنس ...» فإنّه مقصور على ما لم يرَ أصلاً؛ إذ لا يشترط (١) وصف ما سبقت رؤيته.

وإنّما يثبت الخيار فيما لم يرَ (إذا زاد في طرف البائع، أو نقص في طرف المشتري) ولو وُصف لهما فزاد ونقص باعتبارين تخيّرا وقُدّم الفاسخ منهما.

وهل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان: أجودهما الأوّل وهو خيرته في الدروس (٢).

(ولا بدّ فيه) أي في بيع ما يترتّب عليه خيار الرؤية وهو العين الشخصيّة الغائبة (من ذكر الجنس والوصف) الرافعين للجهالة (والإشارة إلى معيّن) فلو انتفى الوصف بطل، ولو انتفت الإشارة كان المبيع كلّياً لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع، بل عليه إبداله.

(ولو رأى البعض ووصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة) وليس له الاقتصار على فسخ ما لم يرَ؛ لأنّه مبيع واحد.

__________________

(١) في (ع) : ولا يشرط.

(٢) الدروس ٣:٢٧٦.

٣٠٨

(السابع: خيار الغبن)

بسكون الباء. وأصله الخديعة، والمراد هنا البيع أو الشراء بغير القيمة (وهو ثابت) في المشهور لكلّ من البائع والمشتري (مع الجهالة) بالقيمة (إذا كان) الغبن وهو الشراء بزيادة عن القيمة أو البيع بنقصان عنها (بما لا يُتغابن) أي يُتسامح (به غالباً) والمرجع فيه إلى العادة؛ لعدم تقديره شرعاً. وتعتبر القيمة وقتَ العقد، ويرجع فيها إلى البيّنة عند الاختلاف، وفي الجهالة إليها للمطّلع على حاله. والأقوى قبول قوله فيها بيمينه مع إمكانها في حقّه.

ولا يسقط الخيار ببذل الغابن التفاوتَ وإن انتفى موجبه، استصحاباً لما ثبت قبلَه. نعم لو اتّفقا على إسقاطه بالعوض صحّ كغيره من الخيار.

(و) كذا (لا يسقط بالتصرّف) سواء كان المتصرّفُ الغابنَ أم المغبون، وسواء خرج به عن الملك كالبيع أم منع مانعٌ من ردّه كالاستيلاد، أم لا (إلّاأن يكون المغبون المشتري وقد أخرجه عن ملكه) فيسقط خياره؛ إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن. ومثله ما لو عرض له (١) ما يمنع من الردّ شرعاً كالاستيلاد وإن لم يخرج عن الملك. هذا هو المشهور وعليه عمل المصنّف رحمه الله في غير الكتاب (٢).

(وفيه نظر؛ للضرر) على المشتري مع تصرّفه فيه على وجه يمنع من ردّه لو قلنا بسقوط خياره به (مع الجهل) بالغبن أو بالخيار والضرر منفيّ

__________________

(١) لم يرد (له) في (ع).

(٢) الدروس ٣:٢٧٥، وغاية المراد ٢:٩٩.

٣٠٩

بالخبر (١) بل هو مستند خيار الغبن؛ إذ لا نصّ فيه بخصوصه، وحينئذٍ (فيمكن الفسخ) مع تصرّفه كذلك (وإلزامه بالقيمة) إن كان قيميّاً (أو المثل) إن كان مثليّاً جمعاً بين الحقّين. (وكذا لو تلفت) العين (أو استولد الأمة).

كما يثبت ذلك لو كان المتصرّفُ المشتري والمغبونُ البائعَ، فإنّه إذا فسخ فلم يجد العين يرجع إلى المثل أو القيمة. وهذا الاحتمال متوجّه، لكن لم أقف على قائل به. نعم لو عاد إلى ملكه بفسخ أو إقالة أو غيرهما أو موت الولد جاز له الفسخ إن لم ينافِ الفوريّة.

واعلم أنّ التصرّف مع ثبوت الغبن إمّا أن يكون في المبيع المغبون فيه، أو في ثمنه، أو فيهما. ثمّ إمّا أن يخرج عن الملك، أو يمنع من الردّ كالاستيلاد، أو يرد على المنفعة خاصّة كالإجارة، أو يوجب تغيّر العين بالزيادة العينيّة كغرس الأرض، أو الحكميّة كقصارة الثوب، أو المشوبة كصبغه، أو النقصان بعيب ونحوه، أو بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي أو الأجود أو الأردأ، أو بغيرها أو بهما على وجه الاضمحلال كالزيت يعمل صابوناً، أو لا يوجب شيئاً من ذلك.

ثمّ إمّا أن يزول المانع من الردّ قبل الحكم ببطلان الخيار، أو بعده، أو لا يزول، والمغبون إمّا البائع، أو المشتري، أو هما.

فهذه جملة أقسام المسألة، ومضروبها يزيد عن مئتي مسألة، وهي ممّا تعمّ بها البلوى، وحكمها غير مستوفى في كلامهم.

وجملة الكلام فيه: أنّ المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره بتصرّف المشتري مطلقاً. فإن فسخ ووجد العين باقية على ملكه لم تتغيّر تغيّراً يوجب

__________________

(١) الوسائل ١٧:٣٤٠ ـ ٣٤٢، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

٣١٠

زيادة القيمة ولا يمنع من ردّها، أخذها. وإن وجدها متغيّرة بصفة محضة ـ كالطحن والقصارة ـ فللمشتري اُجرةُ عمله. ولو زادت قيمة العين بها شاركه في الزيادة بنسبة القيمة. وإن كان صفةً من وجه وعيناً من آخر ـ كالصبغ ـ صار شريكاً بنسبته كما مرّ، وأولى هنا. ولو كانت الزيادة عيناً محضة ـ كالغرس ـ أخذ المبيع وتخيّر بين قلع الغرس بالأرش وإبقائه بالاُجرة؛ لأنّه وَضع بحقّ. ولو رضي ببقائه بها واختار المشتري قلعه فالظاهر أنّه لا أرش له، وعليه تسوية الحُفَر حينئذٍ. ولو كان زرعاً وجب إبقاؤُه إلى أوان بلوغه بالاُجرة.

وإن وجدها ناقصة أخذها مجّاناً كذلك إن شاء.

وإن وجدها ممتزجة بغيرها فإن كان بمساوٍ أو أردأ صار شريكاً إن شاء، وإن كان بأجود ففي سقوط خياره أو كونه شريكاً بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح، أوجه. ولو مزجها بغير الجنس بحيث لا يتميّز فكالمعدومة.

وإن وجدها منتقلة عن ملكه بعقد لازم ـ كالبيع والعتق ـ رجع إلى المثل أو القيمة؛ وكذا لو وجدها على ملكه مع عدم إمكان ردّها كالمستولدة.

ثمّ إن استمرّ المانع استمرّ السقوط. وإن زال قبل الحكم بالعوض ـ بأن رجعت إلى ملكه أو مات الولد ـ أخذ العين. مع احتمال العدم؛ لبطلان حقّه بالخروج فلا يعود. ولو كان العود بعد الحكم بالعوض، ففي رجوعه إلى العين وجهان: من بطلان حقّه من العين، وكون العوض للحيلولة وقد زالت.

ولو كان الناقل ممّا يمكن إبطاله ـ كالبيع بخيار ـ اُلزم بالفسخ، فإن امتنع فسخه الحاكم، فإن تعذّر فسخه المغبون.

وإن وجدها منقولة المنافع جاز له الفسخ وانتظار انقضاء المدّة، وتصير ملكه من حينه. وليس له فسخ الإجارة. ولو كان النقل جائزاً ـ كالسكنى المطلقة ـ

٣١١

فله الفسخ.

هذا كلّه إذا لم يكن تصرّف في الثمن تصرّفاً يمنع من ردّه، وإلّا سقط خياره، كما لو تصرّف المشتري في العين. والاحتمال السابق (١) قائم فيهما، فإن قلنا به دفع مثله أو قيمته.

وإن كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرّف البائع في الثمن مطلقاً، فيرجع إلى عين الثمن أو مثله أو قيمته. وأمّا تصرّفه فيما غُبن فيه فإن لم يكن ناقلاً عن الملك على وجه لازم ولا مانعاً من الردّ ولا منقّصاً (٢) للعين فله ردّها. وفي الناقل والمانع ما تقدّم (٣).

ولو كان قد زادها فأولى بجوازه (٤) أو نَقّصها أو مَزَجها أو آجرها فوجهان، وظاهر كلامهم أنّه غير مانع. لكن إن كان النقص من قِبَله ردّها مع الأرش، وإن كان من قبل اللّٰه تعالى فالظاهر أنّه كذلك كما لو تلفت.

ولو كانت الأرض مغروسة فعليه قلعه من غير أرش إن لم يرضَ البائع بالاُجرة.

وفي خلطه بالأردأ الأرش. وبالأجود إن بذل له بنسبته فقد أنصفه، وإلّا فإشكال.

__________________

(١) وهو إمكان الفسخ وإلزامه بالقيمة أو المثل، الاحتمال الذي ذكره المصنّف بقوله: فيمكن الفسخ وإلزامه بالقيمة أو المثل، راجع الصفحة ٣١٠.

(٢) في (ع) : منتقصاً.

(٣) من قول المشهور بعدم جواز الردّ، والاحتمال الذي ذكره المصنّف بقوله: فيمكن الفسخ وإلزامه بالقيمة أو المثل.

(٤) أي جواز الردّ.

٣١٢

(الثامن: خيار العيب)

(وهو كلّ ما زاد عن الخلقة الأصليّة) وهي خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتاً وصفةً (أو نقص) عنها (عيناً كان) الزائد والناقص (كالإصبع) زائدةً على الخمس أو ناقصةً منها (أو صفة كالحُمّى ولو يوماً) بأن يشتريه فيجده محموماً أو يَحُمّ قبلَ القبض وإن برئ ليومه. فإن وجد ذلك في المبيع سواءٌ أنقص قيمته أم زادها فضلاً عن المساواة (فللمشتري الخيارُ مع الجهل) بالعيب عند الشراء (بين الردّ والأرش، وهو) جزء من الثمن، نسبته إليه (مثل نسبة التفاوت بين القيمتين) فيؤخذ ذلك (من الثمن) بأن يُقوَّم المبيع صحيحاً ومعيباً ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة، لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح؛ لأنّه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه، فيلزم أخذه العوض والمعوَّض، كما إذا اشتراه بخمسين وقُوِّم معيباً بها وصحيحاً بمئة أو أزيد، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة وعشرين وعلى هذا القياس.

(ولو تعدّدت القِيم) إمّا لاختلاف المقوّمين، أو لاختلاف قيمة أفراد ذلك النوع المساوية للمبيع، فإنّ ذلك قد يتّفق نادراً، والأكثر ـ ومنهم المصنّف رحمه الله في الدروس (١) ـ عبّروا عن ذلك باختلاف المقوّمين: (اُخذت قيمة واحدة متساوية النسبة إلى الجميع) أي منتزعة منه نسبتها إليه بالسويّة (فمن القيمتين) يؤخذ (نصفهما) ومن الثلاث ثُلثها (ومن الخَمس خُمسها) وهكذا ...

__________________

(١) الدروس ٣:٢٨٧.

٣١٣

وضابطه: أخذ قيمة منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم، وذلك لانتفاء الترجيح.

وطريقه: أن تُجمع القِيَم الصحيحة على حدة والمعيبة كذلك، وتُنسب إحداهما إلى الاُخرى ويؤخذ بتلك النسبة.

ولا فرق بين اختلاف المقوّمين في قيمته صحيحاً ومعيباً، وفي إحداهما. وقيل: يُنسب معيب كلّ قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة ويؤخذ من المجتمع بنسبتها. وهذا الطريق منسوب إلى المصنّف (١) وعبارته هنا وفي الدروس (٢) لا تدلّ عليه (٣).

وفي الأكثر يتّحد الطريقان. وقد يختلفان في يسير، كما لو قالت إحدى

__________________

(١) لم نظفر به في كتبه التي بأيدينا.

(٢) الدروس ٣:٢٨٧.

(٣) إنّما كانت العبارة لا تدلّ عليه، مع أنّ ظاهر الطريق الأوّل لا يقتضي أخذ النصف من القيمتين، ولا الثلث من الثلث. بل أخذ نسبة المجموع إلى المجموع؛ لأنّ مآلهما واحد، فإنّ لك في الطريق المطابق للعبارة على الأوّل أن تجمع القيم الصحيحة جملةً وتأخذ نصفها أو ثلثها كما مرّ وتجمع المعيبة كذلك وتأخذ منها كذلك، ثمّ تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الاُخرى وتأخذ من الثمن بتلك النسبة فتأخذ في المثال الأوّل نصف الصحيحتين عشرةً ونصف المعيبتين سبعةً ونصفاً وتنسبها إلى العشرة وذلك ربعٌ، كما أنّ نسبة الخمسة عشر إلى العشرين ربعٌ. وفي مثال الثلاثة تأخذ ثلث القيم الصحيحة وهي ثلاثون فثلثها عشرة، وثلث القيم المعيبة جملةً وهي أربعة وعشرون، فثلثها ثمانية وتأخذ من الثمن بنسبة ما بين الثمانية والعشرة وهو الخمس، كما أنّك بالطريق الذي ذكرناه تأخذ بنسبة الأربعة والعشرين إلى الثلاثين وهو الخمس كذلك، وبهذا يظهر أنّ عبارة المصنّف يحتمل كلّ واحد من الطريقين فلم تدلّ على الثاني بخصوصه (منه رحمه الله).

٣١٤

البيّنتين: إنّ قيمته اثنا عشر صحيحاً وعشرة معيباً، والاُخرى: ثمانيةٌ صحيحاً وخمسةٌ معيباً، فالتفاوت بين القيمتين الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع، فيرجع بربع الثمن، وهو ثلاثة من اثني عشر لو كان كذلك. وعلى الثاني يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين على قول الاُولى (١) وهو السدس، وعلى قول الثانية ثلاثة أثمان، ومجموع ذلك من الاثني عشر ستّة ونصف، يؤخذ نصفها: ثلاثة وربع، فظهر التفاوت.

ولو كانت ثلاثاً، فقالت إحداها كالاُولى، والثانية: عشرة صحيحاً وثمانية معيباً، والثالثة: ثمانية صحيحاً وستّة معيباً. فالصحيحة ثلاثون، والمعيبة أربعة وعشرون، والتفاوت ستّة هي الخُمس. وعلى الثاني يجمع سدس الثمن وخمسه وربعه ويؤخذ ثلث المجموع، وهو يزيد عن الأوّل بثُلث خمس.

ولو اتّفقت على الصحيحة كاثني عشر، دون المعيبة، فقالت إحداهما: عشرة. والاُخرى: ستّة، فطريقه: تنصيف المعيبتين ونسبة النصف إلى الصحيحة، أو تجمع المعيبتين مع تضعيف الصحيحة وأخذ مثل نسبة المجموع إليه، وهو الثُلث. وعلى الثاني يؤخذ من الاُولى السدس ومن الثانية النصف ويؤخذ نصفه، وهو الثلث أيضاً.

ولو انعكس بأن اتّفقتا على الستّة معيباً، وقالت إحداهما: ثمانية صحيحاً واُخرى: عشرة، فإن شئت جمعتهما وأخذت التفاوت وهو الثلث، أو أخذت نصف الصحيحتين ونسبتَه إلى المعيبة وهو الثلث أيضاً. وعلى الثاني يكون التفاوت ربعاً وخُمسَين فنصفه ـ وهو ثمن وخمس ـ ينقص عن الثلث بنصف خمس. وعلى هذا القياس.

__________________

(١) أي البيّنة الاُولى.

٣١٥

(ويسقط الردّ بالتصرّف) في المبيع، سواء كان قبل علمه بالعيب أم بعده، وسواء كان التصرّف ناقلاً للملك أم لا، مغيّراً للعين أم لا، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا. وما تقدّم في تصرّف الحيوان (١) آتٍ هنا.

(أو حدوث عيب بعد القبض) مضمونٍ على المشتري، سواء كان حدوثه من جهته أم لا. واحترزنا بالمضمون عليه عمّا لو كان حيواناً وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، فإنّه حينئذٍ لا يمنع من الردّ ولا الأرش؛ لأنّه مضمون على البائع. ولو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرش أو غير مجبور جاز.

وفي حكمه ما لو اشترى صفقةً متعدّداً وظهر فيه عيب وتلف أحدها، أو اشترى اثنان صفقةً فامتنع أحدهما من الردّ، فإنّ الآخر يُمنع منه وله الأرش وإن أسقطه الآخر، سواءٌ اتّحدت العين أم تعدّدت، اقتسماها أم لا.

وأولى بالمنع من التفرّق الورّاثُ عن واحد؛ لأنّ التعدّد هنا طارئٌ على العقد، سواء في ذلك خيار العيب وغيره.

وكذا الحكم لو اشترى شيئين فصاعداً فظهر في أحدهما عيب، فليس له ردّه، بل ردّهما أو إمساكهما وأرش المعيب.

وكذا يسقط الردّ دون الأرش إذا اشترى من ينعتق عليه؛ لانعتاقه بنفس الملك. ويمكن ردّه إلى التصرّف. وكذا يسقط الردّ بإسقاطه مع اختياره الأرش أو لا معه.

(و) حيث يسقط الردّ (يبقى الأرش).

__________________

(١) من أنّه لو قصد به الاستخبار ولم يتجاوز مقدار الحاجة ففي منعه من الردّ وجهان، راجع الصفحة ٣٠٣.

٣١٦

(ويسقطان) أي الردّ والأرش معاً (بالعلم به) أي بالعيب (قبلَ العقد) فإنّ قدومه عليه عالماً به رضا بالمعيب (وبالرضا به بعدَه) غير مقيّد بالأرش، وأولى منه إسقاط الخيار (وبالبراءة) أي براءة البائع (من العيوب ولو إجمالاً) كقوله: (برئت من جميع العيوب) على أصحّ القولين (١) ولا فرق بين علم البائع والمشتري بالعيوب وجهلهما والتفريق، ولا بين الحيوان وغيره، ولا بين العيوب الباطنة وغيرها، ولا بين الموجودة حالةَ العقد والمتجدّدة حيث تكون مضمونة على البائع؛ لأنّ الخيار بها ثابت بأصل العقد وإن كان السبب حينئذٍ غير مضمون.

(والإباق) عند البائع (وعدم الحيض) ممّن شأنها الحيض بحسب سنّها (عيب) ويظهر من العبارة الاكتفاء بوقوع الإباق مرّةً قبلَ العقد، وبه صرّح بعضهم (٢) والأقوى اعتبار اعتياده، وأقلّ ما يتحقّق بمرّتين. ولا يشترط إباقه عند المشتري، بل متى تحقّق ذلك عند البائع جاز الردّ. ولو تجدّد عند المشتري في الثلاثة من غير تصرّف فهو كما لو وقع عند البائع.

ولا يعتبر في ثبوت عيب الحيض مضيّ ستّة أشهر كما ذكره جماعة (٣) بل يثبت بمضيّ مدّة تحيض فيها أسنانها في تلك البلاد (وكذا الثُفل) بضمّ المثلّثة وهو ما استقرّ تحت المائع من كُدرة (في الزيت) وشبهه (غير المعتاد) أمّا

__________________

(١) ذهب إليه المفيد في المقنعة:٥٩٨، والشيخ في النهاية:٣٩٢، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٩٦. ومقابل الأصحّ هو قول ابن الجنيد على ما حكاه عنه في المختلف ٥:١٧٠، والقاضي في المهذّب ١:٣٩٢.

(٢) مثل العلّامة في التذكرة ١١:١٩١.

(٣) كالشيخ في النهاية:٣٩٥، وابن حمزة في الوسيلة:٢٥٦، والمحقّق في الشرائع ٢:٣٧.

٣١٧

المعتاد منه فليس بعيب؛ لاقتضاء طبيعة الزيت وشبهه كون ذلك فيه غالباً. ولا يشكل صحّة البيع مع زيادته عن المعتاد بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه؛ لأنّ مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة، كما تقدّم في نظائره (١).

(التاسع: خيار التدليس)

وهو تفعيل من الدَلَس محرّكاً، وهو الظلمة، كأنّ المُدلِّس يُظلم الأمر ويُبهمه حتّى يوهم غير الواقع.

ومنه اشتراط صفة فتفوت، سواء كان من البائع أم المشتري (فلو شرط صفة كمال كالبَكارة أو توهّمها) المشتري كمالاً ذاتيّاً (كتحمير الوجه ووصلِ الشعر فظهر الخلاف تخيّر) بين الفسخ والإمضاء بالثمن (ولا أرش) لاختصاصه بالعيب والواقع ليس بعيب، بل فوات أمر زائد. ويشكل ذلك في البكارة من حيث إنّها بمقتضى الطبيعة وفواتها نقص يحدث على الأمة ويؤثّر في نقصان القيمة تأثيراً بيّناً فيتخيّر بين الردّ والأرش. بل يحتمل ثبوتهما وإن لم يشترط؛ لما ذكرناه، خصوصاً في الصغيرة التي ليست محلَّ الوطء، فإنّ أصل الخلقة والغالب متطابقان في مثلها على البَكارة فيكون فواتها عيباً. وهو في الصغيرة قويّ وفي غيرها متّجه، إلّاأنّ الغالب لمّا كان على خلافه في الإماء كانت الثيوبة فيهنّ بمنزلة الخلقة الأصليّة وإن كانت عارضة.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٩٧.

٣١٨

وإنّما يثبت الحكم مع العلم بسبق الثيوبة على البيع بالبيّنة، أو إقرار البائع، أو قرب زمان الاختبار إلى زمان البيع بحيث لا يمكن تجدّد الثيوبة فيه عادة، وإلّا فلا خيار؛ لأنّها قد تذهب بالعلّة والنزوة (١) وغيرهما. نعم لو تجدّدت في زمن خيار الحيوان أو خيار الشرط ترتّب الحكم.

ولو انعكس الفرض ـ بأن يشترط الثيوبة فظهرت بكراً ـ فالأقوى تخيّره أيضاً بين الردّ والإمساك بغير أرش؛ لجواز تعلّق غرضه بذلك، فلا يقدح فيه كون البكر أتمّ غالباً.

(وكذا التصرية) وهو جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضرعها بتركها بغير حلب ولا رضاع، فيظنّ الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه فيرغب في شرائها بزيادة، وهو تدليس محرَّم، وحكمه ثابت (للشاة) إجماعاً (والبقرة والناقة) على المشهور، بل قيل: إنّه إجماع (٢) فإن ثبت فهو الحجّة، وإلّا فالمنصوص الشاة (٣) وإلحاق غيرها بها قياس، إلّاأن يُعلّل بالتدليس العامّ فيلحقان بها، وهو متّجه. وطرّد بعضُ الأصحاب الحكمَ في سائر الحيوانات حتّى الآدمي (٤) وفي الدروس: أنّه ليس بذلك البعيد؛ للتدليس (٥).

وتثبت التصرية إن لم يعترف بها البائع ولم تقم بها بيّنة (بعد اختبارها ثلاثة

__________________

(١) الوثبة.

(٢) ادّعاه الشيخ في الخلاف ٣:١٠٥، المسألة ١٧٠.

(٣) سنن أبي داود ٣:٢٧٠، الحديث ٣٤٤٤ ـ ٣٤٤٥، لكنّ الصدوق روى حديثاً جاء فيه ذكر الإبل أيضاً، راجع معاني الأخبار:٢٨٢.

(٤) وهو الإسكافي على ما حكاه العلّامة عنه في المختلف ٥:١٧٧.

(٥) الدروس ٣:٢٧٧.

٣١٩

أيّام) فإن اتّفقت فيها الحلبات عادةً أو زادت اللاحقة فليست مصرّاةً. وإن اختلفت في الثلاثة فكان بعضها ناقصاً عن الاُولى نقصاناً خارجاً عن العادة وإن زاد بعدها في الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور. ولو ثبتت بالإقرار أو البيّنة جاز الفسخ من حين الثبوت مدّة الثلاثة ما لم يتصرّف بغير الاختبار بشرط النقصان. فلوتساوت أو زادت هبةً من اللّٰه تعالى فالأقوى زواله، ومثله ما لو لم يعلم بالعيب حتّى زال.

(ويردّ معها) إن اختار ردّها (اللبن) الذي حلبه منها (حتّى المتجدّد) منه بعد العقد (أو مثلَه لو تلف). أمّا ردّ الموجود فظاهر؛ لأنّه جزء من المبيع، وأمّا المتجدّد فلإطلاق النصّ بالردّ (١) الشامل له.

ويشكل بأ نّه نماء المبيع الذي هو ملكه والعقد إنّما ينفسخ من حينه، والأقوى عدم ردّه. واستشكل في الدروس (٢).

ولو لم يتلف اللبن لكن تغيّر في ذاته أو صفته بأن عمل جُبُناً أو مخيضاً ونحوهما، ففي ردّه بالأرش إن نقص، أو مجّاناً، أو الانتقال إلى بدله أوجه: أجودها الأوّل.

واعلم أنّ الظاهر من قوله: «بعد اختبارها ثلاثة» ثبوت الخيار المستند إلى الاختبار بعد الثلاثة كما ذكرناه سابقاً، وبهذا يظهر الفرق بين مدّة التصرية وخيار الحيوان، فإنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها وفي ثلاثة التصرية بعدها.

ولو ثبت التصرية بعد البيع بالإقرار أو البيّنة فالخيار ثلاثة، ولا فور فيه

__________________

(١) الوسائل ١٢:٣٦٠، الباب ١٣ من أبواب الخيار.

(٢) الدروس ٣:٢٧٧.

٣٢٠