الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قدّم من بيده الميزان والمكيال؛ لأنّه الفاعل المأمور بذلك، زيادة على كونه معطياً وآخذاً.

(العاشر: أن لا يمدح أحدهما سلعتَه ولا يذمّ سلعة صاحبه) للخبر المتقدّم وغيره (١) (ولو ذمّ سلعة نفسه بما لا يشتمل على الكذب فلا بأس).

(الحادي عشر: ترك الربح على المؤمنين) قال الصادق عليه السلام: «ربح المؤمن على المؤمن حرام، إلّاأن يشتري بأكثر من مئة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم» (٢) (إلّامع الحاجة فيأخذ منهم نفقة يوم) له ولعياله (موزّعة على المعاملين) في ذلك اليوم مع انضباطهم، وإلّا ترك الربح على المعاملين بعد تحصيل قوت يومه. كلّ ذلك مع شرائهم للقوت، أمّا للتجارة فلا بأس مع الرفق، كما دلّ عليه الخبر.

(الثاني عشر: ترك الربح على الموعود بالإحسان) بأن يقول له: «هلمَّ اُحسن إليك» فيجعل إحسانه الموعود به تركَ الربح عليه، قال الصادق عليه السلام: «إذا قال الرجل للرجل هلمَّ اُحسن بيعك يحرم عليه الربح» (٣) والمراد به الكراهة المؤكّدة.

(الثالث عشر: ترك السبق إلى السوق والتأخّر فيه) بل يبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه؛ لأنّه مأوى الشياطين كما أنّ المسجد مأوى الملائكة (٤) فيكون على العكس. ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره، ولا بين أهل السوق

__________________

(١) الوسائل ١٢:٢٨٥، الباب ٢ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق:٢٩٣، الباب ١٠ من أبواب آداب التجارة، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٢:٢٩٢، الباب ٩ من أبواب آداب التجارة، الحديث الأوّل.

(٤) اُنظر الوسائل ١٢:٣٤٤ ـ ٣٤٥، الباب ٦٠ من أبواب آداب التجارة.

٢٢١

عادةً وغيرهم.

(الرابع عشر: ترك معاملة الأدنين) وهم الذين يحاسبون على الشيء الدون (١) أو من لا يسرّه الإحسان ولا تسوؤه الإساءة، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه (والمحارفين) ـ بفتح الراء ـ وهم الذين لا يبارك لهم في كسبهم، قال الجوهري: رجل محارف ـ بفتح الراء ـ أي محدود محروم، وهو خلاف قولك: مبارَك، وقد حورف كسب فلان: إذا شدّد عليه في معاشه، كأ نّه ميل برزقه عنه (٢) (والمؤوفين) أي ذوي الآفة والنقص في أبدانهم، للنهي عنه في الأخبار، معلّلاً بأ نّهم أظلم شيء (٣) (والأكراد) للحديث عن الصادق عليه السلام، معلّلاً بأ نّهم حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّٰه عنهم الغطاء (٤) ونهي فيه أيضاً عن مخالطتهم (٥) (وأهل الذمّة) للنهي عنه (٦) ولا يتعدّى إلى غيرهم من أصناف الكفّار؛ للأصل، والفارق (وذوي الشبهة (٧) في المال) كالظَلَمة؛ لسريان شبههم إلى ماله.

(الخامس عشر: ترك التعرض للكيل أو * الوزن إذا لم يحسن) حذراً من الزيادة والنقصان المؤدّيين إلى المحرّم. وقيل: يحرم حينئذٍ؛ للنهي عنه في

__________________

(١) في مصححّة (ر) : الأدون.

(٢) الصحاح ٤:١٣٤٢، (حرف).

(٣) اُنظر الوسائل ١٢:٣٠٧، الباب ٢٢ من أبواب آداب التجارة.

(٤) المصدر السابق: الباب ٢٣ من أبواب آداب التجارة.

(٥) اُنظر الوسائل ١٢:٣٠٨، الباب ٢٣ من أبواب آداب التجارة.

(٦) اُنظر الوسائل ١٢:٣٠٨ ـ ٣٠٩، الباب ٢٤ من أبواب آداب التجارة، الحديثين ١ و ٧.

(٧) في (ش) و (ف) : الشُبه.

(*) في (ق) و (س) بدل «أو» : و.

٢٢٢

الأخبار (١) المقتضي للتحريم. وحمل على الكراهة.

(السادس عشر: ترك الزيادة في السِلعة وقت النداء) عليها من الدلّال، بل يصبر حتّى يسكت ثمّ يزيد إن أراد، لقول علي عليه السلام: «إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، وإنّما يحرّم الزيادة النداء ويحلّها السكوت» (٢).

(السابع عشر: ترك السوم) وهو الاشتغال بالتجارة (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله عنه (٣) ولأ نّه وقت دعاءٍ ومسألةٍ للّٰه‌تعالى، لا وقت تجارة، وفي الخبر: «أنّ الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (٤).

(الثامن عشر: ترك دخول المؤمن في سوم أخيه) المؤمن (بيعاً وشراءً) بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه ويبذل زيادة عنه ليقدّمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق هو والبائع عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله: «لا يسوم الرجل على سوم أخيه» (٥) وهو خبرٌ معناه النهي، ومن ثمّ قيل: بالتحريم (٦) لأنّه الأصل في النهي. وإنّما يكره أو يحرم (بعد التراضي أو قربه) فلو ظهر له

__________________

(١) قال في مفتاح الكرامة (٤:١(٣٧) : ولم نجد القائل بالتحريم ولا النهي، نعم في المرسل [الوسائل ١٢:٢٩٢، الباب ٨ من أبواب آداب التجارة وفيه حديث واحد] هذا لا ينبغي له، وهو مع إرساله غير ظاهر في التحريم، بل يعطي الكراهية كما عليه الجماعة.

(٢) الوسائل ١٢:٣٣٧، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة، الحديث الأوّل.

(٣) المصدر السابق:٢٩٥، الباب ١٢ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ٤:١١١٧، الباب ٢٥ من أبواب الدعاء، الحديث الأوّل.

(٥) الوسائل ١٢:٣٣٨، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٣ وانظر السنن ٥:٣٤٥.

(٦) قاله الشيخ في المبسوط ٢:١٦٠، والراوندي في فقه القرآن ٢:٤٥، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٣٥، وصحّحه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤:٥١.

٢٢٣

ما يدلّ على عدمه فلا كراهة ولا تحريم.

(ولو كان السوم بين اثنين) سواء دخل أحدهما على النهي أم لا، بأن ابتدآ فيه معاً قبل محلّ النهي (لم يجعل نفسه بدلاً من أحدهما) لصدق الدخول في السوم.

(ولا كراهية فيما يكون في الدلالة) لأنّها موضوعة عرفاً لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها، فإذا حصل الاتّفاق بين الدلّال والغريم (١) تعلّقت الكراهة؛ لأ نّه لا يكون حينئذ في الدلالة وإن كان بيد الدلّال.

(وفي كراهية طلب المشتري من بعض الطالبين الترك له نظر) من عدم صدق الدخول في السوم من حيث الطلب منه، ومن مساواته له في المعنى حيث أراد أن يحرمه مطلوبه. والظاهر القطع بعدم التحريم على القول به في السوم، وإنّما الشكّ في الكراهة (ولا كراهية في ترك الملتمس منه) لأنّه قضاء حاجة لأخيه، وربما استحبّت إجابته لو كان مؤمناً، ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه؛ لإعانته له على فعل المكروه. وهذه الفروع من خواصّ الكتاب.

(التاسع عشر: ترك توكّل حاضر لبادٍ) وهو الغريب الجالب للبلد وإن كان قرويّاً، قال النبي صلى الله عليه وآله: «لا يتوكّل حاضر لباد، دعوا الناس يرزق اللّٰه بعضهم من بعض» (٢) وحمل بعضهم النهي على التحريم (٣) وهو حسن لو صحّ الحديث،

__________________

(١) معناه: الدائن، المديون، الخصم. ويصحّ استعماله في المشتري باعتبار كلّ من المعاني.

(٢) الوسائل ١٢:٣٢٨، الباب ٣٧ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٣، وفيه: (لا يبيع حاضر لباد) ولم نعثر على غيره.

(٣) وهو الشيخ في المبسوط ٢:١٦٠، والخلاف ٣:١٧٢، المسألة ٢٨١ من كتاب البيوع، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٣٦، وغيرهما، وقال المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤:٥٢: والأصح التحريم.

٢٢٤

وإلّا فالكراهة أوجه، للتسامح في دليلها.

وشرطه: ابتداء الحضريّ به، فلو التمسه منه الغريب فلا بأس به. وجهل الغريب بسعر البلد، فلو علم به لم يكره، بل كانت مساعدته محض الخير. ولو باع مع النهي انعقد وإن قيل بتحريمه، ولا بأس بشراء البلديّ له؛ للأصل.

(العشرون: ترك التلقّي) للركبان (١) وهو الخروج إلى الركب القاصد إلى بلد للبيع عليهم أو الشراء منهم (وحدّه: أربعة فراسخ) فما دون، فلا يكره ما زاد؛ لأنّه سفر للتجارة. وإنّما يكره (إذا قصد) الخروج لأجله، فلو اتّفق مصادفة الركب في خروجه لغرض لم يكن به بأس. و (مع جهل البائع أو المشتري) القادم (بالسعر) في البلد، فلو علم به لم يُكره، كما يشعر به تعليله صلى الله عليه وآله في قوله: «لا يتلقّ أحدكم تجارة خارجاً من المصر، والمسلمون يرزق اللّٰه بعضهم من بعض» (٢) والاعتبار بعلم من يعامله خاصّة.

(و) كذا ينبغي (ترك شراء ما يتلقّى) ممنّ اشتراه من الركب بالشرائط ومن ترتّبت يده على يده وإن ترامى، لقول الصادق عليه السلام: «لا تلقَّ ولا تشتر ما يتلقّى ولا تأكل منه» (٣) وذهب جماعة إلى التحريم (٤) لظاهر النهي في هذه الأخبار.

__________________

(١) لم يرد (للركبان) في (ش) و (ف).

(٢) أورد صدره في الوسائل ١٢:٣٢٦، الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٥، وذيله في ٣٢٧، الباب ٣٧ من الأبواب، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٢:٣٢٦، الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٢:١٦٠، والخلاف ٣:١٧٢، المسألة ٢٨٢ من كتاب البيوع، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٣٧ ـ ٢٣٨، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤:٣٧ وغيرهم.

٢٢٥

وعلى القولين يصحّ البيع (ولا خيار) للبائع والمشتري (إلّامع الغبن) فيتخيّر المغبون على الفور في الأقوى.

ولا كراهة في الشراء والبيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد بحيث لا يصدق التلقّي وإن كان جاهلاً بسعره؛ للأصل. ولا في بيع نحو المأكول والعلف عليهم وإن تلقّى.

(الحادي والعشرون: ترك الحُكرة) ـ بالضمّ ـ وهو جمع الطعام وحبسه يتربّص به الغلاء. والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه؛ لصحّة الخبر بالنهي عنه عن النبيّ (١) صلى الله عليه وآله وأ نّه «لا يحتكر الطعام إلّاخاطئ» (٢) و «أنّه ملعون» (٣).

وإنّما تثبت الحكرة (في) سبعة أشياء: (الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسَمن والزيت والملح) وإنّما يكره إذا وجد باذل غيره يكتفي به الناس (ولو لم يوجد غيره وجب البيع) مع الحاجة. ولا يتقيّد بثلاثة أيّام في الغلاء وأربعين في الرُخص. وما روي من التحديد بذلك (٤) محمول على حصول الحاجة في ذلك الوقت؛ لأنّه مظنّتها (ويسعّر * عليه) حيث يجب عليه البيع (إن أجحف) في الثمن؛ لما فيه من الإضرار المنفيّ (وإلّا فلا) ولا يجوز التسعير في الرخص مع عدم الحاجة قطعاً. والأقوى أنّه مع الإجحاف

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٢:٣١٥، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة، الحديث ١٣ وغيره في نفس الباب، وكنز العمّال ٤:١٨٢، الحديث ١٠٠٦٩ و ١٠٠٧١.

(٢) الوسائل ١٢:٣١٤، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٨.

(٣) المصدر المتقدّم:٣١٣، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ١٢:٣١٢ ـ ٣١٣، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة، الحديث الأوّل.

(*) في (ق) و (س) : سعّر.

٢٢٦

حيث يؤمر به لا يسعّر عليه أيضاً، بل يؤمر بالنزول عن المجحف وإن كان في معنى التسعير، إلّاأ نّه لا يحصر في قدر خاصّ.

(الثاني والعشرون: ترك الربا في المعدود على الأقوى) للأخبار الصحيحة الدالّة على اختصاصه بالمكيل والموزون (١) وقيل: يحرم فيه أيضاً (٢) استناداً إلى رواية (٣) ظاهرة في الكراهة (وكذا في النسيئة) في الربويّ (مع اختلاف الجنس) كالتمر بالزبيب. وإنّما كره فيه؛ للأخبار الدالّة على النهي عنه (٤) إلّا أنّها في الكراهة أظهر؛ لقوله صلى الله عليه وآله: «إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم» (٥) وقيل: بتحريمه (٦) لظاهر النهي، كالسابق.

(الثالث والعشرون: ترك نسبة الربح والوضيعة إلى رأس المال) بأن يقول: بعتك بمئة وربح المئة عشرة، أو وضيعتها؛ للنهي عنه (٧) ولأ نّه بصورة الربا. وقيل: يحرم (٨) عملاً بظاهر النهي. وترك نسبته كذلك أن يقول: بعتك بكذا وربح كذا، أو وضيعته.

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٢:٤٣٤، الباب ٦ من أبواب الربا.

(٢) قاله المفيد في المقنعة:٦٠٥، والديلمي في المراسم:١٨٠، ونسبه في المختلف ٥:٨٤ إلى الإسكافي.

(٣) الوسائل ١٢:٤٤٩، الباب ١٦ من أبواب الربا، الحديث ٧.

(٤) الوسائل ١٢:٤٤٢ ـ ٤٤٣ الباب ١٣ من أبواب الربا، الحديث ٢، و ٤٥٣ الباب ١٧ الحديث ١٤.

(٥) عوالي اللآلئ ٣:٢٢١ الحديث ٨٦. وفيه: (الجنسان).

(٦) قاله الشيخ في المبسوط ٢:٨٩.

(٧) الوسائل ١٢:٣٨٥ ـ ٣٨٦، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود.

(٨) قاله الشيخ في النهاية:٣٨٩.

٢٢٧

(الرابع والعشرون: ترك بيع ما لم يقبض (١) ممّا يكال أو يوزن) للنهي عنه في أخبار صحيحة (٢) حملت على الكراهة، جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز (٣) والأقوى التحريم، وفاقاً للشيخ رحمه الله في المبسوط مدّعياً للإجماع (٤) والعلّامة رحمه الله في التذكرة والإرشاد (٥) لضعف روايات الجواز المقتضية لحمل النهي في الأخبار الصحيحة على غير ظاهره.

__________________

(١) كذا في نسختي المتن ومصحّحة (ش) من الشرح، وفي سائر نسخه: ما لا يقبض.

(٢) الوسائل ١٢:٣٨٧ ـ ٣٩٢، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود، الحديث ١ و ٥ و ١١ وغيرها.

(٣) المصدر المتقدم: الحديث ٦ و ١٩.

(٤) المبسوط ٢:١١٩.

(٥) التذكرة ١٠:١٢٢، والإرشاد ١:٣٨٢.

٢٢٨

(الفصل الثالث)

(في بيع الحيوان)

وهو قسمان: أناسيّ (١) وغيره. ولمّا كان البحث عن البيع موقوفاً على الملك وكان تملّك الأوّل موقوفاً على شرائط نبّه عليها أوّلاً ثم عقّبه بأحكام البيع. والثاني وإن كان كذلك، إلّاأنّ لذكر ما يقبل الملك منه محلاًّ آخر بحسب ما اصطلحوا عليه، فقال:

(والأناسيّ تملك بالسبي مع الكفر الأصلي) وكونهم غير ذمّة. واحترز بالأصلي عن الارتداد، فلا يجوز السبي وإن كان المرتدّ بحكم الكافر في جملة من الأحكام (و) حيث يملكون بالسبي (يسري الرقّ) في أعقابهم (وإن أسلموا بعد) الأسر (ما لم يعرض) لهم (سبب محرّر) من عتق أو كتابة أو تنكيل، أو رحم على وجه.

(والملقوط في دار الحرب رقّ إذا لم يكن فيها مسلم) صالح لتولّده منه (بخلاف) لقيط (دار الإسلام) فإنّه حرّ ظاهراً (إلّاأن يبلغ) ويرشد على الأقوى (ويقرّ على نفسه بالرقّ) فيقبل منه على أصحّ القولين (٢) لأنّ «إقرار

__________________

(١) بفتح الهمزة، جمع إنسيّ بكسر الهمزة وفتحها.

(٢) القائل بالقبول هو العلّامة في المختلف ٥:٢٣٧، والقواعد ٢:٢٨، وبعدم القبول هو ابن إدريس في السرائر ٢:٣٥٤.

٢٢٩

العقلاء على أنفسهم جائز» (١) وقيل: لا يقبل؛ لسبق الحكم بحرّيته شرعاً ولا يتعقبّها الرقّ بذلك (٢) وكذا القول في لقيط دار الحرب إذا كان فيها مسلم. وكلّ مقرّ بالرقيّة بعد بلوغه ورشده وجهالة نسبه مسلماً كان أم كافراً، لمسلم أقرّ أم لكافر، وإن بيع على الكافر لو كان المقرّ مسلماً.

(والمسبيّ حال الغيبة يجوز تملّكه، ولا خمس فيه) للإمام عليه السلام ولا لفريقه وإن كان حقّه أن يكون للإمام عليه السلام خاصّة؛ لكونه مغنوماً بغير إذنه، إلّا أنّهم عليهم السلام أذنوا لنا في تملّكه كذلك (٣) (رخصة) منهم لنا. وأمّا غيرنا فتقرّ يده عليه ويحكم له بظاهر الملك؛ للشبهة (٤) كتملّك الخراج والمقاسمة، فلا يؤخذ منه بغير رضاه مطلقاً.

(ولا يستقرّ للرجل ملك الاُصول) وهم الأبوان وآباؤهما وإن علوا (والفروع) وهم الأولاد ذكوراً وإناثاً وإن سفلن (والإناث المحرّمات) كالعمّة والخالة والاُخت (نسباً) إجماعاً (ورضاعاً) على أصحّ القولين (٥) للخبر الصحيح معلّلاً فيه بأ نّه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٦) ولأنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب.

__________________

(١) الوسائل ١٦:١١١، الباب ٣ من كتاب الإقرار، الحديث ٢.

(٢) القائل ابن إدريس وسبق التخريج في الهامش رقم ٢ من الصفحة المتقدّمة.

(٣) راجع الوسائل ٦:٣٧٨ ـ ٣٨٦، الباب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام.

(٤) يعني الشبهة الاعتقاديّة.

(٥) من القائلين بعدم الملك الصدوق في المقنع:٤٦٨، والشيخ في النهاية:٥٤٠، وابن حمزة في الوسيلة:٣٤٠. والقائل بالملك هو المفيد في المقنعة:٥٩٩، والديلمي في المراسم:١٧٨، وابن إدريس في السرائر ٢:٣٤٣، وغيرهم.

(٦) الوسائل ١٦:١٢، الباب ٨ من كتاب العتق، الحديث ٣.

٢٣٠

(ولا) يستقرّ (للمرأة ملك العمودين) الآباء وإن علوا والأولاد وإن سفلوا، ويستقرّ على غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والعمّ والخال وإن استحبّ لها إعتاق المحرم.

وفي إلحاق الخنثى هنا بالرجل أو المرأة نظر، من الشكّ في الذكوريّة التي هي سبب عتق غير العمودين فيوجب الشكّ في عتقهم والتمسّك بأصالة بقاء الملك، ومن إمكانها فيعتقون؛ لبنائه على التغليب. وكذا الإشكال لو كان مملوكاً. وإلحاقه بالاُنثى في الأوّل وبالذكر في الثاني (١) لا يخلو من قوّة، تمسّكاً بالأصل فيهما.

والمراد بعدم استقرار ملك من ذكر: أنّه يملك ابتداءً بوجود سبب الملك آناً قليلاً لا يقبل غير العتق ثم يعتقون؛ إذ لولا الملك لما حصل العتق. ومن عبّر من الأصحاب بأ نّهما لا يملكان ذلك (٢) تجوّز في إطلاقه على المستقرّ. ولا فرق في ذلك كلّه بين الملك القهريّ والاختياريّ، ولا بين الكلّ والبعض، فيقوّم عليه باقيه إن كان مختاراً على الأقوى.

وقرابة الشبهة (٣) بحكم الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى؛ لأنّ الحكم الشرعي يتبع الشرع، لا اللغة.

ويفهم من إطلاقه ـ كغيره ـ الرجل والمرأة أنّ الصبيّ والصبيّة لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه إلى أن يبلغوا، والأخبار (٤) مطلقة في الرجل والمرأة كذلك. ويعضده أصالة البراءة وإن كان خطاب الوضع غير مقصور على المكلّف.

__________________

(١) المراد بالأوّل كون الخنثى مالكاً، وبالثاني كونه مملوكاً.

(٢) كالصدوق في المقنع:٤٦٨، والمحقّق في الشرايع ٢:٥٦.

(٣) أي الحاصلة بالوطء بالشبهة.

(٤) الوسائل ١٣:٢٩، الباب ٤ من أبواب بيع الحيوان.

٢٣١

(ولا تمنع الزوجيّة من الشراء فتبطل) الزوجيّة ويقع الملك، فإن كان المشتري الزوج استباحها بالملك، وإن كانت الزوجة حرم عليها وطء مملوكها مطلقاً (١) وهو موضع وفاق. وعلّل ذلك بأنّ التفصيل في حلّ الوطء (٢) يقطع الاشتراك بين الأسباب، وباستلزامه اجتماع علّتين على معلول واحد. ويضعّف بأنّ علل الشرع معرّفات.

وملك البعض كالكلّ؛ لأنّ البضع لا يتبعّض.

(والحمل يدخل) في بيع الحامل (مع الشرط) أي شرط دخوله، لا بدونه في أصحّ القولين (٣) للمغايرة، كالثمرة. والقائل بدخوله مطلقاً ينظر إلى أنّه كالجزء من الاُمّ، وفرّع عليه عدم جواز استثنائه، كما لا يجوز استثناء الجزء المعيّن من الحيوان. وعلى المختار لا تمنع جهالته من دخوله مع الشرط؛ لأنّه تابع، سواء قال: «بعتكها وحملها» أم «وشرطت لك حملها» ولو لم يكن معلوماً واُريد إدخاله فالعبارة الثانية ونحوها، لا غير. ولو لم يشرطه واحتمل وجوده عند العقد وعدمه فهو للمشتري؛ لأصالة عدم تقدّمه. فلو اختلفا في وقت العقد قدّم قول البائع مع اليمين وعدم البيّنة؛ للأصل.

والبيض تابع مطلقاً، لا كالحمل، كسائر الأجزاء وما يحتويه البطن.

__________________

(١) تزويجاً وملكاً.

(٢) يعني التفصيل في قوله تعالى: (إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون:٦.

(٣) القول بدخول الحمل في البيع مع الشرط للمفيد في المقنعة:٦٠٠، والشيخ في النهاية:٤٠٨، وسلّار في المراسم:١٧٨. والقول بأنّ الحمل تابع للحامل مع الإطلاق للشيخ في المبسوط ٢:١٥٦، وأتباعه كالقاضي في جواهر الفقه:٦٠، المسالة ٢٢١، وابن حمزة في الوسيلة:٢٤٨.

٢٣٢

(ولو شرط فسقط قبل القبض رجع) المشتري من الثمن (بنسبته) لفوات بعض المبيع (بأن يقوّم حاملاً ومجهضاً) أي مسقطاً، لا حائلاً؛ للاختلاف ومطابقة الأوّل للواقع. ويرجع بنسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن.

(ويجوز ابتياع جزءٍ مشاع من الحيوان) كالنصف والثلث (لا معيّن) كالرأس والجلد، ولا يكون شريكاً بنسبة قيمته على الأصحّ؛ لضعف مستند الحكم بالشركة (١) وتحقّق الجهالة، وعدم القصد إلى الإشاعة، فيبطل البيع بذلك، إلّاأن يكون مذبوحاً، أو يراد ذبحه، فيقوى صحّة الشرط.

(ويجوز النظر إلى وجه المملوكة إذا أراد شراءها، وإلى محاسنها) وهي مواضع الزينة ـ كالكفّين والرجلين والشعر ـ وإن لم يأذن المولى. ولا تجوز الزيادة عن ذلك إلّابإذنه، ومعه يكون تحليلاً يتبع ما دلّ عليه لفظه حتّى العورة. ويجوز مسّ ما اُبيح له نظره مع الحاجة. وقيل: يباح له النظر إلى ما عدا العورة بدون الإذن (٢) وهو بعيد.

(ويستحّب تغيير اسم المملوك عند شرائه) أي بعده، وقوّى في الدروس اطّراده في الملك الحادث مطلقاً (٣) (والصدقة عنه بأربعة دراهم) شرعيّة (وإطعامه) شيئاً (حلواً).

(ويكره وطء) الأمة (المولودة من الزنا بالملك أو بالعقد) للنهي عنه

__________________

(١) مستنده رواية السكوني، راجع الوسائل ١٣:٤٩، الباب ٢٢ من أبواب بيع الحيوان، الحديث ٢.

(٢) قد يستفاد هذا القول من كلام العلّامة في التذكرة ١٠:٣٣٨، كما نسبه إليه في المسالك ٣:٣٨١.

(٣) الدروس ٣:٢٢٤.

٢٣٣

في الخبر، معلّلاً بأنّ ولد الزنا لا يفلح وبالعار (١) وقيل: يحرم بناءً على كفره (٢) وهو ممنوع.

(والعبد لا يملك) شيئاً مطلقاً على الأقوى، عملاً بظاهر الآية (٣) والأكثر على أنّه يملك في الجملة، فقيل: فاضل الضريبة (٤) وهو مروّي (٥) وقيل: أرش الجناية (٦) وقيل: ما ملّكه مولاه معهما (٧) وقيل: مطلقاً (٨) لكنّه محجور عليه بالرقّ، استناداً إلى أخبار (٩) يمكن حملها على إباحة تصرّفه في ذلك بالإذن، جمعاً.

وعلى الأوّل (فلو اشتراه ومعه مال فللبايع) لأنّ الجميع مال المولى، فلا يدخل في بيع نفسه؛ لعدم دلالته عليه (إلّابالشرط، فيراعى فيه شروط

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٧:٤٣٣، الباب ٢٥ من أبواب كتاب الشهادات، الحديث ٥، والوسائل ١٤:٣٣٨، الباب ١٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث ٨.

(٢) قاله ابن إدريس في السرائر ٢:٣٥٣.

(٣) النحل:٧٥.

(٤) ذهب إليه المحقّق في المختصر النافع:١٣٢.

(٥) الوسائل ١٣:٣٤، الباب ٩ من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأوّل.

(٦) نسب ذلك الفاضل الآبي والصيمري إلى الشيخ، اُنظر النهاية:٥٤٣، وكشف الرموز ١:٥١٢، وغاية المرام ٢:١٠٤.

(٧) يعني مع فاضل الضريبة وأرش الجناية، قاله الشيخ في النهاية:٥٤٣ كما نسبه إليه الشهيد في غاية المراد ٢:١٣٠، والصيمري في غاية المرام ٢:١٠٤، إلّاأ نّه قال: يملك التصرّف لا رقبة المال.

(٨) قاله المحقّق في الشرايع ٢:٥٨.

(٩) اُنظر الوسائل ١٦:٢٨ ـ ٢٩، الباب ٢٤ من كتاب العتق، و ٥٥، الباب ٥١.

٢٣٤

المبيع) من كونه معلوماً لهما أو ما في حكمه (١) وسلامته من الربا ـ بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربويّ، أو زائداً عليه ـ وقبض مقابل الربويّ في المجلس، وغيرها.

(ولو جعل العبد) لغيره (جُعلاً على شرائه لم يلزم) لعدم صحّة تصرّفه بالحَجر وعدم الملك. وقيل: يلزم إن كان له مال بناءً على القول بملكه (٢) وهو ضعيف.

(ويجب) على البائع (استبراء الأمة قبل بيعها) إن كان قد وطئها وإن عزل (بحيضة أو مضيّ خمسة وأربعين يوماً في من لا تحيض وهي في سنّ من تحيض *. ويجب على المشتري أيضاً استبراؤها).

(إلّاأن يخبره الثقة بالاستبراء) والمراد بالثقة: العدل، وإنّما عبّر به تبعاً للرواية (٣) مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس إلى خبره. وفي حكم إخباره له بالاستبراء إخباره بعدم وطئها. (أو تكون لامرأة) وإن أمكن تحليلها لرجل؛ لإطلاق النصّ (٤) ولا يلحق بها العنّين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقّه الوطء وإن شارك فيما ظنّ كونه علّة؛ لبطلان القياس. وقد يجعل بيعها من امرأة ثم شراؤُها منها وسيلة إلى إسقاط الاستبراء، نظراً إلى إطلاق النص، من غير التفات إلى التعليل بالأمن من وطئها؛ لأنّها ليست منصوصة، ومنع العلّة المستنبطة وإن

__________________

(١) مثل أن يكون تابعاً، أو ممّا تكفي فيه المشاهدة.

(٢) النهاية:٤١٢.

(*) في (ق) و (س) : وهي في سنّ المحيض.

(٣) الوسائل ١٤:٥٠٣، الباب ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الأحاديث ١ و ٣ و ٤.

(٤) المصدر المتقدم:٥٠٤، الباب ٧، الحديث الأوّل.

٢٣٥

كانت مناسبة (أو تكون يائسة) أو صغيرة، أو حائضاً، إلّازمان حيضها وإن بقي منه لحظة.

(واستبراء الحامل بوضع الحمل) مطلقاً؛ لإطلاق النهي عن وطئها في بعض الأخبار حتى تضع ولدها (١) واستثنى في الدروس ما لو كان الحمل عن زنا فلا حرمة له (٢) والأقوى الاكتفاء بمضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام لحملها وكراهة وطئها بعدها، إلّاأن يكون من زنا فيجوز مطلقاً على كراهية، جمعاً بين الأخبار الدالّ بعضها على المنع مطلقاً كالسابق، وبعض على التحديد بهذه الغاية (٣) بحمل الزائد على الكراهة.

(ولا يحرم في مدّة الاستبراء غير الوطء) قبلا ودبراً من الاستمتاع على الأقوى، للخبر الصحيح (٤) وقيل: يحرم الجميع (٥) ولو وطئ في زمن الاستبراء أثم وعزّر مع العلم بالتحريم، ولحق بها الولد؛ لأنّه فراش كوطئها حائضاً. وفي سقوط الاستبراء حينئذ وجه؛ لانتفاء فائدته حيث قد اختلط الماءان. والأقوى وجوب الاجتناب بقيّة المدّة؛ لإطلاق النهي فيها. ولو وطئ الحامل بعد مدّة الاستبراء عزل، فإن لم يفعل كره بيع الولد، واستحبّ له عزل قسط من ماله يعيش به؛ للخبر معلّلاً بتغذيته بنطفته وأ نّه شارك في إتمامه (٦) وليس في الأخبار تقدير القسط.

__________________

(١) الوسائل ١٤:٥٠٥، الباب ٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأوّل.

(٢) الدروس ٣:٢٢٨.

(٣) الوسائل ١٤:٥٠٥، الباب ٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث ٣.

(٤) المصدر السابق:٥٠٤، الباب ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث ٥.

(٥) قاله الشيخ في المبسوط ٢:١٤٠.

(٦) الوسائل ١٤:٥٠٧، الباب ٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث ٢.

٢٣٦

وفي بعضها: أنّه يعتقه ويجعل له شيئاً يعيش به؛ لأنّه غذّاه بنطفته (١).

وكما يجب الاستبراء في البيع يجب في كلّ ملك زائل وحادث بغيره من العقود وبالسبي والإرث، وقصره على البيع ضعيف. ولو باعها من غير استبراء أثم وصحّ البيع وغيره. ويتعيّن حينئذ تسليمها إلى المشتري ومن في حكمه إذا طلبها؛ لصيرورتها ملكاً له. ولو أمكن إبقاؤُها برضاه مدّة الاستبراء ـ ولو بالوضع في يد عدل ـ وجب، ولا يجب على المشتري الإجابة.

(ويكره التفرقة بين الطفل والاُمّ قبل سبع سنين) في الذكر والاُنثى. وقيل: يكفي في الذكر حولان (٢) وهو أجود؛ لثبوت ذلك في حضانة الحرّة، ففي الأمة أولى؛ لفقد النصّ هنا. وقيل: يحرم التفريق في المدّة (٣) لتضافر الأخبار بالنهي عنه (٤) وقد قال صلى الله عليه وآله: (من فرّق بين والدة وولدها فرّق اللّٰه بينه وبين أحبّته) (٥) (والتحريم أحوط) بل أقوى.

وهل يزول التحريم أو (٦) الكراهة برضاهما أو رضى الاُمّ؟ وجهان، أجودهما ذلك. ولا فرق بين البيع وغيره على الأقوى. وهل يتعدّى الحكم إلى غير الاُمّ من الأرحام المشاركة لها في الاستئناس

__________________

(١) الوسائل ١٤:٥٠٧، الباب ٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث ١ و ٣.

(٢) ذهب إليه الشيخ في النهاية:٥٠٣ ـ ٥٠٤، وابن إدريس في السرائر ٢:٦٥١ وغيرهما.

(٣) قاله المفيد في المقنعة:٦٠١، والشيخ في النهاية:٤١٠، وسلّار في المراسم:١٧٨، وغيرهم.

(٤) الوسائل ١٣:٤١، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان.

(٥) مستدرك الوسائل ١٣:٣٧٥، الباب ١٠ من أبواب بيع الحيوان، الحديث ٤، وفيه: (وبين أحبّائه في الجنة).

(٦) في (ع) بدل (أو) : و.

٢٣٧

والشفقة، كالاُخت والعمّة والخالة؟ قولان (١) أجودهما ذلك؛ لدلالة بعض الأخبار (٢) عليه. ولا يتعدّى الحكم إلى البهيمة؛ للأصل، فيجوز التفرقة بينهما بعد استغنائه عن اللبن مطلقاً، وقبله إن كان ممّا يقع عليه الذكاة، أو كان له ما يمونه من غير لبن اُمّه. وموضع الخلاف بعد سقي الاُمّ اللِبأ (٣) أمّا قبله فلا يجوز مطلقاً؛ لما فيه من التسبّب إلى هلاك الولد، فإنّه لا يعيش بدونه، على ما صرّح به جماعة (٤).

(وهنا مسائل)

(الاُولى) :

(لو حدث في الحيوان عيب قبل القبض فللمشتري الردّ والأرش) أمّا الردّ فموضع وفاق، وأمّا الأرش فهو أصحّ القولين (٥) لأنّه عوض عن جزء فائت، وإذا كانت الجملة مضمونة على البائع قبل القبض فكذا أجزاؤُها. (وكذا) لو حدث (في زمن الخيار) المختصّ بالمشتري أو المشترك بينه وبين البائع أو غيره؛ لأنّ الجملة فيه مضمونة على البائع أيضاً. أمّا لو كان الخيار مختصّاً بالبائع

__________________

(١) قول بالتحريم أو الكراهة، كما في المبسوط ٢:٢١، والتذكرة ١٠:٣٣٦، وجامع المقاصد ٤:١٥٨ ـ ١٥٩. وقول بالجواز وعدم التحريم والكراهة، كما في التحرير ٢:٤٠٩.

(٢) اُنظر الوسائل ١٣:٤١، الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأوّل.

(٣) اللِبَأ ـ كعنب ـ أوّل اللبن عند الولادة.

(٤) منهم العلّامة في التذكرة ١٠:٣٣٥، والكركي في جامع المقاصد ٤:١٥٨.

(٥) القول بجواز أخذ الأرش للشيخ في النهاية:٣٩٥، والمحقّق في الشرايع ٢:٣٦، والعلّامة في التذكرة ١١:٨٣. وأمّا القول بعدم الأرش فهو للشيخ في الخلاف ٣:١٠٩، المسألة ١٧٨، وابن إدريس في السرائر ٢:٣٠٥، واختاره المحقّق في نكت النهاية ٢:١٦٢.

٢٣٨

أو مشتركاً بينه وبين أجنبيّ، فلا خيار للمشتري.

هذا إذا كان التعيّب من قِبل اللّٰه تعالى أو من البائع. ولو كان من أجنبيّ فللمشتري عليه الأرش خاصّة ولو كان بتفريط المشتري فلا شيء (وكذا) الحكم في (غير الحيوان).

بل في تلف المبيع أجمع، إلّاأنّ الرجوع فيه بمجموع القيمة. فإن كان التلف من قِبل اللّٰه تعالى والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره فالتلف من البائع، وإلّا فمن المشتري. وإن كان التلف من البائع أو من أجنبيّ وللمشتري خيار واختار الفسخ والرجوع بالثمن، وإلّا رجع على المتلف بالمثل أو القيمة. ولو كان الخيار للبائع والمتلف أجنبيّ أو المشتري تخيّر ورجع على المتلف.

(الثانية) :

(لو حدث) في الحيوان (عيب من غير جهة المشتري في زمن الخيار فله الردّ بأصل الخيار) لأنّ العيب الحادث غير مانع منه هنا؛ لأنّه مضمون على البائع فلا يكون مؤثّراً في رفع الخيار. (والأقرب جواز الردّ بالعيب أيضاً) لكونه مضموناً.

(وتظهر الفائدة لو أسقط الخيار الأصلي والمشترط) فله الردّ بالعيب. وتظهر الفائدة أيضاً في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة وعدمه، فعلى اعتبار خيار الحيوان خاصّة يسقط الخيار، وعلى ما اختاره المصنّف رحمه الله يبقى؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة وإن اشترط حصوله في الثلاثة فما قبلها، وغايته ثبوته فيها بسببين، وهو غير قادح، فإنّها معرّفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد، كما في خيار المجلس والحيوان والشرط والغبن إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرّق.

٢٣٩

(وقال الفاضل نجم الدين أبو القاسم) جعفر بن سعيد رحمه الله (في الدرس) على ما نقل عنه (١) : (لا يردّ إلّابالخيار، وهو ينافي حكمه في الشرائع بأنّ الحدث) الموجب لنقص الحيوان (في الثلاثة من مال البائع) وكذا التلف (٢) (مع حكمه) فيها بعد ذلك بلا فصل (بعدم الأرش فيه) فإنّه إذا كان مضموناً على البائع كالجملة لزمه الحكم بالأرش ـ إذ لا معنى لكون الجزء مضموناً إلّا ثبوت أرشه؛ لأنّ الأرش عوض الجزء الفائت ـ أو التخيير بينه وبين الردّ، كما أنّ ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها وهو الثمن.

والأقوى التخيّر (٣) بين الردّ والأرش كالمتقدّم (٤) لاشتراكهما في ضمان البائع وعدم المانعيّة من الردّ، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين بن نما رحمه الله (٥).

ولو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق، لكونه غير مضمون على البائع مع تغيّر المبيع، فإنّ ردّه مشروط ببقائه على ما كان فيثبت في السابق الأرش خاصّة.

(الثالثة) :

(لو ظهرت الأمة مستحقّة فاُغرم) المشتري (الواطئ العشر) إن كانت بكراً (أو نصفه) إن كانت ثيّباً؛ لما تقدّم من جواز رجوع المالك على

__________________

(١) لم نظفر بمن نقل ذلك عن المحقّق في من تقدّم على الشهيد الأوّل.

(٢) الشرائع ٢:٥٧.

(٣) في (ف) و (ر) : التخيير.

(٤) يعني كالعيب المتقدّم على البيع أو القبض إذا ظهر بعد القبض، فإنّه يوجب التخيير.

(٥) نقله عنه في الدروس ٣:٢٨٩.

٢٤٠