الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

(الثالثة) :

(يشترط) في المبيع (أن يكون طلقاً، فلا يصحّ بيع الوقف) العامّ مطلقاً إلّا أن يتلاشى ويضمحلّ بحيث لا يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة مطلقاً، كحصير يبلى ولا يصلح للانتفاع به في محلّ الوقف، وجذع ينكسر كذلك ولا يمكن صرفهما بأعيانهما في الوقود لمصالحه كآجر المسجد، فيجوز بيعه حينئذٍ وصرفه في مصالحه، إن لم يمكن الاعتياض عنه بوقف. ولو لم يكن أصله موقوفاً بل اشتري للمسجد مثلاً من غلّته أو بذله له باذل، صحّ للناظر بيعه مع المصلحة مطلقاً (١).

(ولو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه) في الوقف المحصور (٢) (فالمشهور الجواز) أي جواز بيعه حينئذٍ. وفي الدروس اكتفى في جواز بيعه بخوف خرابه أو خلف أربابه المؤدّي إلى فساد (٣) وقلّ أن يتّفق في هذه المسألة فتوى واحدٍ، بل في كتاب واحدٍ في باب البيع والوقف، فتأمّلها أو طالع شرح المصنّف للإرشاد (٤) تطّلع على ذلك.

والأقوى في المسألة ما دلّت عليه صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلفٌ شديد، وعلّله عليه السلام بأ نّه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس (٥) وظاهره أنّ خوف أدائه إليهما أو إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنّة لذلك. ومن هذا الحديث اختلفت أفهامهم في الشرط

__________________

(١) وإن لم يتلاش ولم يضمحلّ.

(٢) أي الوقف الخاصّ.

(٣) الدروس ٢:٢٧٩.

(٤) اُنظر غاية المراد ٢:٢٣ ـ ٢٩ و ٤٥١.

(٥) الوسائل ١٣:٣٠٥، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث ٦.

٢٠١

المسوّغ للبيع، ففهم المصنّف هنا أنّ المعتبر الخلف المؤدّي إلى الخراب نظراً إلى تعليله بتلف المال، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالمال «الوقف» إذ لا دخل لغيره في ذلك.

ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إلى بيعه أرباب الوقف ولم تكفهم غلّته، أو كان بيعه أعودَ، أو غير ذلك مما قيل (١) لعدم دليل صالح عليه.

وحيث يجوز بيعه يشترى بثمنه ما يكون وقفاً على ذلك الوجه إن أمكن، مراعياً للأقرب إلى صفته فالأقرب، والمتولّي لذلك: الناظر إن كان، وإلّا الموقوف عليهم إن انحصروا، وإلّا فالناظر العام.

(ولا بيع) الأمة (المستولدة) من المولى. ويتحقّق الاستيلاد المانع من البيع بعلوقها في ملكه وإن لم تلجه الروح كما سيأتي، فقوله: (ما دام الولد حيّاً) مبنيّ على الأغلب أو على التجوّز؛ لأنّه قبل ولوج الروح لا يوصف بالحياة إلّا مجازاً، ولو مات صارت كغيرها من إمائه عندنا. أمّا مع حياته فلا يجوز بيعها (إلّافي ثمانية مواضع) وهذا الجمع من خواصّ هذا الكتاب (٢).

(أحدها: في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، سواء كان حيّاً أو ميّتاً) أمّا مع الموت فموضع وفاق، وأمّا مع الحياة فعلى أصحّ القولين (٣) لإطلاق

__________________

(١) راجع غاية المراد ٢:٢٣ وما بعدها من الصفحات، والمقنعة:٦٥٢.

(٢) أي اللمعة.

(٣) القول بالجواز مطلقاً هو المشهور كما في كنز الفوائد ١:٣٩٤، ونسبه الصيمري في غاية المرام ١:٢٩٤ إلى الأكثر. وأمّا القول باشتراط الموت فلم نعثر على قائل به نعم نسبه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤:٢٦٢، إلى السيد المرتضى ولكن لم نعثر عليه في كتبه ولا على ناقل عنه، وتردّد المحقّق في الشرائع ٢:١٧، ومثله العلّامة في التحرير ٢:٢٨٠، والقواعد ٢:٢٣.

٢٠٢

النصّ (١). والمراد بإعساره: أن لا يكون له من المال ما يوفي ثمنها زائداً على المستثنيات في وفاء الدين.

(وثانيها: إذا جنت على غير مولاها) فيدفع ثمنها في الجناية أو رقبتها إن رضي المجنيّ عليه. ولو كانت الجناية على مولاها لم يجز؛ لأنّه لا يثبت له على ماله مال.

(وثالثها: إذا عجز) مولاها (عن نفقتها) ولو أمكن تأدّيها ببيع بعضها وجب الاقتصار عليه، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع الضرورة.

(ورابعها: إذا مات قريبها ولا وارث له سواها) لتعتق وترثه، وهو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق بعد وفاة مولاها.

(وخامسها: إذا كان علوقها بعد الارتهان) فيقدّم حقّ المرتهن لسبقه. وقيل: يقدم حق الاستيلاد (٢) لبناء العتق على التغليب، ولعموم النهي عن بيعها (٣).

(وسادسها: إذا كان علوقها بعد الإفلاس) أي بعد الحجر على المفلس، فإنّ مجرّد ظهور الإفلاس لا يوجب تعلّق حقّ الديّان بالمال. والخلاف هنا (٤) كالرهن.

(وسابعها: إذا مات مولاها ولم يخلّف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمناً لها) لأنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ولا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تعتق وتصرف في الدين.

(وثامنها: بيعها على من تنعتق عليه، فإنّه في قوّة العتق) فيكون تعجيل

__________________

(١) الوسائل ١٣:٥١، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان، الحديث ٢.

(٢) قاله المحقّق في الشرائع ٢:٨٢، والعلّامة في التحرير ٢:٤٨٨.

(٣) اُنظر الوسائل ١٣:٥١، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأوّل.

(٤) راجع القواعد ٢:١٤٧، وجامع المقاصد ٥:٢٥٦.

٢٠٣

خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث إنّ المنع من البيع لأجل العتق.

(وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر، أقربه الجواز) لما ذكر (١) فإن لم يفِ المشتري بالشرط فسخ البيع وجوباً، وإن لم يفسخه المولى احتمل انفساخه بنفسه، وفسخ الحاكم إن اتّفق (٢) وهذا موضع تاسع. وما عدا الأوّل من هذه المواضع غير منصوص بخصوصه، وللنظر فيه مجال. وقد حكاها في الدروس بلفظ (قيل) وبعضها جعله احتمالاً (٣) من غير ترجيح لشيء منها.

وزاد بعضهم مواضع اُخر: عاشرها: في كفن سيّدها إذا لم يخلّف سواها ولم يمكن بيع بعضها فيه، وإلّا اقتصر عليه (٤) وحادي عشرها: إذا أسلمت قبل مولاها الكافر (٥) وثاني عشرها: إذا كان ولدها غير وارث، لكونه قاتلاً أو كافراً (٦) لأ نّها لا تنعتق بموت مولاها حينئذٍ؛ إذ لا نصيب لولدها. وثالث عشرها: إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها (٧) ورابع عشرها: إذا قتلته خطأ (٨)

__________________

(١) من أنّه تعجيل خير.

(٢) في (ش) : إن أمكن.

(٣) الدروس ٢:٢٢٢.

(٤) لم نعثر على من صرّح بجواز بيعها في كفن سيدها ونسبه في المسالك ٣:١٧٠ إلى الأصحاب، وقال التستري في مقابس الأنوار:١٦٨: والقول بجوازه حينئذ مع استيعاب قيمته لقيمتها مأخوذ من القول به في الصورة السابقة [أي الدين] مع الاستيعاب، فإنّ الكفن مقدّم على الدين.

(٥) جامع المقاصد ٤:٩٨.

(٦) غاية المرام ٢:٢٢.

(٧) و (٨) اُنظر كنز العرفان ٢:١٢٩، وغاية المرام ٢:٢٢، والمهذّب البارع ٤:١٠٦، وجامع المقاصد ٤:٩٨.

٢٠٤

وخامس عشرها: إذا حملت في زمن خيار البائع أو المشترك ثم فسخ البائع بخياره (١) وسادس عشرها: إذا خرج مولاها عن الذمّة وملكت أمواله التي هي منها. وسابع عشرها: إذا لحقت هي بدار الحرب ثم استرقّت. وثامن عشرها: إذا كانت لمكاتب مشروط، ثم فسخ كتابته. وتاسع عشرها: إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد ثم أولدها، فإنّ حقّ المضمون له أسبق من حقّ الاستيلاد، كالرهن والفلس السابقين. والعشرون: إذا أسلم أبوها أو جدّها وهي مجنونة أو صغيرة ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج عن ملكه، وهذه في حكم إسلامها عنده.

وفي كثير من هذه المواضع نظر.

(الرابعة) :

(لو جنى العبد خطأ لم تمنع) جنايته (من بيعه) لأنّه لم يخرج عن ملك مولاه بها، والتخيّر في فكّه للمولى، فإن شاء فكّه بأقلّ الأمرين، من أرش الجناية وقيمته، وإن شاء دفعه إلى المجنيّ عليه أو وليّه ليستوفي من رقبته ذلك. فإذا باعه بعد الجناية كان التزاماً بالفداء على أصحّ القولين (٢) ثم إن فداه، وإلّا جاز للمجنيّ عليه استرقاقه، فيفسخ البيع إن استوعبت قيمته؛ لأنّ حقّه أسبق. ولو كان المشتري جاهلاً بعيبه تخيّر أيضاً.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤:٩٩، ويراجع لساير الموارد كنز العرفان ٢:١٢٩، والمهذّب البارع ٤:١٠٣ ـ ١٠٦، وغاية المرام ٢:٢١ ـ ٢٢، وجامع المقاصد ٤:٩٨ ـ ٩٩.

(٢) اختاره العلّامة في التذكرة ١٠:٤٣، والتحرير ٢:٢٨٠، وغيرهما. وأمّا عدم التزام السيّد بالفداء فقد احتمله في نهاية الإحكام ٢:٤٨٤.

٢٠٥

(ولو جنى عمداً فالأقرب أنّه) أي البيع (موقوف على رضا المجنيّ عليه، أو وليّه) لأنّ التخيّر في جناية العمد إليه وإن لم يخرج عن ملك سيّده، فبالثاني يصحّ البيع، وبالأوّل يثبت التخيّر، فيضعّف قول الشيخ ببطلان البيع فيه (١) نظراً إلى تعلّق حقّ المجنيّ عليه قبله ورجوع الأمر إليه، فإنّ ذلك لا يقتضي البطلان، ولا يقصر عن بيع الفضولي. ثم إن أجازالبيع ورضي بفدائه بالمال وفكّه المولى لزم البيع، وإن قتله أو استرقّه بطل. ويتخيّر المشتري قبل استقرار حاله مع جهله للعيب المعرّض للفوات. ولو كانت الجناية في غير النفس واستوفى فباقيه مبيع، وللمشتري الخيار مع جهله؛ للتبعيض، مضافاً إلى العيب سابقاً.

(الخامسة) :

(يشترط علم الثمن قدراً وجنساً ووصفاً) (٢) قبل إيقاع عقد البيع (فلا يصحّ البيع بحكم أحد المتعاقدين أو أجنبيّ) اتّفاقاً، وإن ورد في رواية شاذّة جواز تحكيم المشتري (٣) فيلزمه الحكم بالقيمة فما زاد (ولا بثمن مجهول القدر وإن شوهد) لبقاء الجهالة وثبوت الغرر المنفيّ (٤) معها. خلافاً للشيخ في

__________________

(١) المبسوط ٢:١٣٥، والخلاف ٣:١١٧، المسألة ١٩٨ من كتاب البيوع.

(٢) أي من المشتري والبائع، وكذا المثمن ولو بإخبار البائع كما يدلّ عليه بعض الأخبار، أو الاكتفاء بالوصف ولو في المثمن، فكان المراد بالعلم ما يشمل مثل ذلك، واللّٰه أعلم. (منه رحمه الله).

(٣) وهي رواية رفاعة النخّاس، اُنظر الوسائل ١٢:٢٧١، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه، وفيه حديث واحد.

(٤) اُنظر الوسائل ١٢:٣٣٠، الباب ٤٠ من أبواب آداب التجاره، الحديث ٣.

٢٠٦

الموزون (١) وللمرتضى في مال السَلَم (٢) ولابن الجنيد في المجهول مطلقاً إذا كان المبيع صبرة مع اختلافهما جنساً (٣) (ولا مجهول الصفة) كمئة درهم وإن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدد النقد الموجود (ولا مجهول الجنس وإن علم قدره) لتحقّق الجهالة في الجميع.

فلو باع كذلك كان فاسداً وإن اتّصل به القبض. ولا يكون كالمعاطاة؛ لأنّ شرطها اجتماع شرائط صحّة البيع سوى العقد الخاصّ (فإن قبض المشتري المبيع والحال هذه كان مضموناً عليه) لأنّ (كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) وبالعكس فيرجع به وبزوائده متّصلة ومنفصلة، وبمنافعه المستوفاة وغيرها على الأقوى، ويضمنه (إن تلف) بقيمته يوم التلف على الأقوى. وقيل: يوم القبض (٤) وقيل: الأعلى منه إليه (٥) وهو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة، أمّا باختلاف السوق فالأوّل أحسن. ولو كان مثليّاً ضمنه بمثله، فإن تعذّر فقيمته يوم الإعواز على الأقوى.

(السادسة) :

(إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون أو المعدود، فلابدّ من اعتبارهما بالمعتاد) من الكيل والوزن والعدد، فلا يكفي المكيال المجهول،

__________________

(١) المبسوط ٣:٢٢٣.

(٢) الناصريّات:٣٦٩، المسألة ١٧٥.

(٣) حكاه بعينه في الدروس ٣:١٩٥، وانظر المختلف ٥:٢٤٥ و ٢٤٧.

(٤) قاله المحقّق في الشرائع ٢:١٧.

(٥) قاله ابن إدريس في السرائر ٢:٢٨٥، والصيمري في غاية المرام ٢:٢٤.

٢٠٧

كقصعة حاضرة وإن تراضيا به. ولا الوزن المجهول، كالاعتماد على صخرة معيّنة وإن عرفا قدرها تخميناً. ولا العدّ المجهول بأن عوّلا على ملء اليد أو آلة يجهل ما تشتمل عليه ثم اعتبرا العدّ به؛ للغرر المنهيّ عنه (١) في ذلك كلّه.

(ولو باع المعدود وزناً صحّ) لارتفاع الجهالة به وربما كان أضبط. (ولو باع الموزون كيلاً أو بالعكس أمكن الصحّة فيهما) للانضباط، ورواية وهب عن الصادق عليه السلام (٢) ورجّحه في سلم الدروس (٣) (ويحتمل صحّة العكس) وهو بيع المكيل وزناً (لا الطرد؛ لأنّ الوزن أصل للكيل *) وأضبط منه، وإنّما عدل إلى الكيل تسهيلاً.

(ولو شقّ العدّ) في المعدود لكثرته أو لضرورة (اعتبر مكيال ونسب الباقي إليه) واغتفر التفاوت الحاصل بسببه، وكذا القول في المكيل والموزون حيث يشقّ وزنهما وكيلهما. وعبّر كثير من الأصحاب في ذلك بتعذّر العدّ (٤) والاكتفاء بالمشقّة والعسر ـ كما فعل المصنّف ـ أولى، بل لو قيل بجوازه مطلقاً؛ لزوال الغرر وحصول العلم واغتفار التفاوت كان حسناً، وفي بعض الأخبار (٥) دلالة عليه.

__________________

(١) الوسائل ١٢:٣٣٠، الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ١٣:٦٣، الباب ٧ من أبواب السلف، الحديث الأوّل.

(٣) الدروس ٣:٢٥٣.

(*) في (س) : أصل الكيل.

(٤) مثل الشيخ في النهاية:٤٠٠، وابن إدريس في السرائر ٢:٣٢١، والمحقق في الشرائع ٢:١٨، والعلّامة في القواعد ٢:٢٢، وغيرهم.

(٥) الوسائل ١٢:٢٥٥، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الأوّل.

٢٠٨

(السابعة) :

(يجوز ابتياع جزء معلوم النسبة) كالنصف والثلث (مشاعاً تساوت أجزاؤه) كالحبوب والأدهان (أو اختلفت) كالجواهر والحيوان (إذا كان الأصل) الذي بيع جزؤه (معلوماً) بما يعتبر فيه من كيل أو وزن أو عدّ أو مشاهدة (فيصحّ بيع نصف الصبرة المعلومة) المقدار والوصف (و) نصف (الشاة * المعلومة) بالمشاهدة أو الوصف.

(ولو باع شاة غير معلومة من قطيع بطل) وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها؛ لجهالة عين المبيع.

(ولو باع قفيزاً من صبرة صحّ، وإن لم يعلم كميّة الصبرة) لأنّ المبيع مضبوط المقدار وظاهره الصحّة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة على القدر المبيع (فإن نقصت تخيّر المشتري بين الأخذ) للموجود منها (بالحصّة) أي بحصّته من الثمن (وبين الفسخ) لتبعّض الصفقة.

واعتبر بعضهم العلم (١) باشتمالها على المبيع أو إخبار البائع به (٢) وإلّا لم يصح. وهو حسن. نعم، لو قيل بالاكتفاء بالظنّ الغالب باشتمالها عليه كان متّجهاً، وتفرّع عليه ما ذكره أيضاً.

واعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة ذكر المصنّف بعضها منطوقاً وبعضها مفهوماً.

__________________

(*) في (ق) : الشياه.

(١) اعتبره العلّامة في القواعد ٢:٢٤، ونقله فخر المحقّقين في الإيضاح ١:٤٣٠ عن الشيخ، ولكن لم نعثر عليه في ما بأيدينا من كتبه.

(٢) لم نعثر على من اعتبر إخبار البائع.

٢٠٩

وجملتها: أنّها إمّا أن تكون معلومة المقدار، أو مجهولته. فإن كانت معلومة صحّ بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدار ـ كقفيز ـ تشتمل عليه، وبيعها كلّ قفيز بكذا، لا بيع كلّ قفيز منها بكذا. والمجهولة يبطل بيعها في جميع الأقسام الخمسة إلّاالثالث (١).

وهل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين على الإشاعة، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة؟ وجهان، أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

(الثامنة) :

(يكفي المشاهدة عن الوصف ولو غاب وقت الابتياع) بشرط أن لا يكون ممّا لا (٢) يتغيّر عادة، كالأرض والأواني والحديد والنحاس، أو لا تمضي مدّة يتغيّر فيها عادة ويختلف باختلافه زيادة ونقصاناً، كالفاكهة والطعام والحيوان، فلو مضت المدّة كذلك لم يصحّ؛ لتحقّق الجهالة المترتّبة على تغيّره عن تلك الحالة. نعم لو احتمل الأمرين صحّ، عملاً بأصالة البقاء.

(فإن ظهر المخالفة) بزيادته أو نقصانه، فإن كان يسيراً يتسامح بمثله عادة فلا خيار، وإلّا (تخيّر المغبون) منهما، وهو البائع إن ظهر زائداً، والمشتري إن ظهر ناقصاً (ولو اختلفا في التغيّر قدّم قول المشتري مع يمينه *)

__________________

(١) وهو بيع مقدار تشتمل عليه.

(٢) كذا في نسخة (ع) أيضاً التي قوبلت بنسخة المؤلّف بذكر (لا) في الموضعين. ولا يخفى أنّ إحداهما زائدة، قال بعض المحشّين: «والحقّ في العبارة حذف (لا) الاُولى كما في نسخة عندي» راجع هامش (ر).

(*) في (ق) و (س) : بيمينه. وهكذا في (ف) من الشرح.

٢١٠

إن كان هو المدّعي للتغيّر الموجب للخيار والبائع ينكره؛ لأنّ البائع يدّعي علمه بهذه الصفة وهو ينكره، ولأنّ الأصل عدم وصول حقّه إليه، فيكون في معنى المنكر، ولأصالة بقاء يده على الثمن. وربما قيل بتقديم قول البائع (١) لتحقّق الاطّلاع المجوّز للبيع، وأصالة عدم التغيّر.

ولو انعكس الفرض بأن ادّعى البائع تغيّره في جانب الزيادة وأنكر المشتري، احتمل تقديم قول المشتري أيضاً، كما يقتضيه إطلاق العبارة؛ لأصالة عدم التغيّر ولزوم البيع. والظاهر تقديم قول البائع؛ لعين ما ذكر في المشتري.

وفي تقديم قول المشتري فيهما جمع بين متنافيين مدّعىً ودليلاً. والمشهور في كلامهم هو القسم الأوّل (٢) فلذا أطلق المصنّف هنا (٣) لكن نافره تعميمه الخيار للمغبون منهما قبله (٤) وعطفه عليه مطلقاً.

ولو اتّفقا على تغيّره لكن اختلفا في تقدّمه على البيع وتأخّره فإن شهدت القرائن بأحدهما حكم به، وإن احتمل الأمران فالوجهان، وكذا لو وجداه تالفاً وكان ممّايكفي في قبضه التخلية واختلفا في تقدّم التلف عن البيع وتأخّره أو لم يختلفا، فإنّه يتعارض أصلاً عدم تقدّم كلّ منهما فيتساوقان ويتساقطان، ويتّجه تقديم حقّ المشتري، لأصالة بقاء يده وملكه للثمن والعقد الناقل قد شكّ في تأثيره؛ لتعارض الأصلين.

__________________

(١) قاله العلّامة في المختلف ٥:٢٩٧.

(٢) وهو ما إذا كان المشتري مدّعياً للتغيّر.

(٣) حيث قال: «قدّم قول المشتري مع يمينه» ولم يقيّده بما إذا كان هو المدّعي للتغيّر.

(٤) يعني قبل قوله: «قدّم قول المشتري» حيث قال: فإن ظهر المخالفة تخيّر المغبون.

٢١١

(التاسعة) :

(يعتبر (١) ما يراد طعمه) كالدبس (وريحه) كالمسك، أو يوصف، على الأولى (٢) (ولو اشتراه) من غير اختبار ولا وصف (بناءً على الأصل) وهو الصحّة (جاز) مع العلم به من غير هذه الجهة، كالقوام واللون وغيرهما ممّا يختلف قيمته باختلافه.

وقيل: لا يصحّ بيعه إلّابالاعتبار أو الوصف كغيره؛ للغرر (٣).

والأظهر جواز البناء على الأصل إحالة على مقتضى الطبع، فإنّه أمر مضبوط عرفاً لا يتغيّر غالباً إلّالعيب فيجوز الاعتماد عليه؛ لارتفاع الغرر به، كالاكتفاء برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً، كظاهر الصبرة واُنموذج المتماثل. وينجبر النقص بالخيار.

(فإن خرج معيباً تخيّر المشتري بين الردّ والأرش) إن لم يتصرّف فيه تصرّفاً زائداً على اختباره (ويتعيّن الأرش لو تصرّف فيه) كما في غيره من أنواع المبيع (وإن كان) المشتري المتصرّف (أعمى) لتناول الأدلّة له. خلافاً لسلّار حيث خيّر الأعمى بين الردّ والأرش (٤) وإن تصرّف.

(وأبلغ في الجواز) من غير اعتباره (ما يفسد باختباره، كالبطّيخ

__________________

(١) يعني: يختبر.

(٢) يعني الاعتبار والتوصيف على وجه الأولويّة، لا الاشتراط.

(٣) قاله المفيد في المقنعة:٦٠٩، والشيخ في النهاية:٤٠٤، ومثله في الكافي:٣٥٤، والمراسم:١٨٠، والوسيلة:٢٤٦، ولكن لم يتعرضوا هؤلاء للوصف. نعم، نسب ذلك في التنقيح الرائع ٢:٢٨ إلى التقي والقاضي وسلّار.

(٤) المراسم:١٨١.

٢١٢

والجوز والبيض) لمكان الضرورة والحرج (فإن) اشتراه فظهر صحيحاً فذاك، وإن (ظهر فاسداً) بعد كسره (رجع بأرشه) ـ وليس له الردّ، للتصرّف ـ إن كان له قيمة (ولو لم يكن لمكسوره قيمة) كالبيض الفاسد (رجع بالثمن) أجمع، لبطلان البيع حيث لا يقابل الثمن مال.

(وهل يكون العقد مفسوخاً من أصله) نظراً إلى عدم الماليّة من حين العقد فيقع باطلاً ابتداءً (أو يطرأ عليه الفسخ) بعد الكسر وظهور الفساد التفاتاً إلى حصول شرط الصحّة حين العقد وإنّما تبيّن الفساد بالكسر فيكون هو المفسد؟ (نظر) ورجحان الأوّل واضح؛ لأنّ ظهور الفساد كشف عن عدم الماليّة في نفس الأمر حين البيع، لا أحدث عدمها حينه، والصحّة مبنيّة على الظاهر. وفي الدروس جزم بالثاني وجعل الأوّل احتمالاً وظاهر كلام الجماعة (١).

(و) تظهر (الفائدة في مؤونة نقله عن الموضع) الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره، فعلى الأوّل على البائع، وعلى الثاني على المشتري؛ لوقوعه في ملكه. ويشكل بأ نّه وإن كان ملكاً للبائع حينئذٍ لكن نقله بغير أمره، فلا يتجّه الرجوع عليه بالمؤونة. وكون المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع ـ حيث يرجع بما غرم ـ إنّما يتّجه مع الغرور، وهو منفيّ هنا؛ لاشتراكهما في الجهل.

ولو اُريد بها مؤونة نقله من موضع الكسر ـ لو كان مملوكاً وطلب مالكه نقله أو ما في حكمه ـ انعكس الحكم واتّجه كونه على البائع مطلقاً؛ لبطلان البيع على التقديرين. واحتمال كونه على المشتري؛ لكونه من فعله وزوال الماليّة عنهما مشترك أيضاً بين الوجهين، وكيف كان فبناء حكمها على الوجهين ليس بواضح.

وربما قيل بظهور الفائدة أيضاً في ما لو تبرّأ البائع من عيبه، فيتّجه كون

__________________

(١) الدروس ٣:١٩٨.

٢١٣

تلفه من المشتري على الثاني (١) دون الأوّل (٢) ويشكل صحّة الشرط (٣) على تقدير فساد الجميع؛ لمنافاته لمقتضى العقد؛ إذ لا شيء في مقابلة الثمن فيكون أكل مال بالباطل.

وفي ما لو رضي به المشتري بعد الكسر (٤) وفيه أيضاً نظر؛ لأنّ الرضا بعد الحكم بالبطلان لا أثر له.

(العاشرة) :

(يجوز بيع المسك في فأره) بالهمز، جمع فأرة، به أيضاً، كالفأرة في غيره (٥) وهي الجلدة المشتملة على المسك (وإن لم تفتق) بناءً على أصل السلامة، فإن ظهر بعد فتقه معيباً تخيّر (وفتقه ـ بأن يدخل فيه خيط) بإبرة ثم يخرج (ويشمّ ـ أحوط) لترتفع الجهالة رأساً.

(الحادية عشرة) :

(لا يجوز بيع سمك الآجام، مع ضميمة القصب، أو غيره) للجهالة ولو في بعض المبيع (ولا اللبن في الضرع) بفتح الضاد، وهو الثدي لكلّ

__________________

(١) يعني على القول بطروء الفسخ بعد الكسر وظهور الفساد.

(٢) لم نعثر عليه. نعم، قال الشيخ في النهاية:٣٩٢ بأنّ مع تبرّؤ البائع من العيوب جميعاً لم يكن للمبتاع الرجوع، ولكن لم يفصّل. ومثله قاله أتباعه كما نقله الشهيد في الدروس ٣:١٩٨.

(٣) يعني تبرّي البائع من عيبه.

(٤) لم نظفر به.

(٥) يعني في غير هذا المعنى، وهو الحيوان المعروف.

٢١٤

ذات خفّ أو ظلف (كذلك) أي وإن ضمّ إليه شيئاً ولو لبناً محلوباً؛ لأنّ ضميمة المعلوم إلى المجهول تصيّر المعلوم مجهولاً. أمّا عدم الجواز بدون الضميمة فموضع وفاق، وأمّا معها فالمشهور أنّه كذلك.

وقيل: يصحّ (١) استناداً إلى رواية ضعيفة (٢) وبالغ الشيخ فجوّز ضميمة ما في الضرع إلى ما يتجدّد مدّة معلومة (٣) والوجه المنع. نعم لو وقع ذلك بلفظ الصلح اتّجه الجواز.

وفصّل آخرون (٤) فحكموا بالصحّة مع كون المقصود بالذات المعلوم وكون المجهول تابعاً، والبطلان مع العكس وتساويهما في القصد الذاتي. وهو حسن، وكذا القول في كلّ مجهول ضمّ إلى معلوم.

(ولا الجلود والأصواف والأشعار على الأنعام) وإن ضمّ إليه غيره أيضاً؛ لجهالة مقدراه، مع كون غير الجلود موزوناً فلا يباع جزافاً (إلّاأن يكون الصوف) وشبهه (مستجزّاً أو شرط * جزّه فالأقرب الصحّة) لأنّ المبيع حينئذ مشاهد، والوزن غير معتبر مع كونه على ظهرها وإن استجزّت، كالثمرة على الشجرة وإن استجذّت.

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية:٤٠٠ ـ ٤٠١، والطوسي في الوسيلة:٢٤٦، وغيرهما كما نقله العلّامة في المختلف ٥:٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٢) الوسائل ١٢:٢٥٩، الباب ٨ من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث ٢. ولعلّ الضعف مستند إلى سماعة، اُنظر المسالك ٢:٤٨٠، و ١٤:٢٠٧.

(٣) اُنظر النهاية:٤٠٠.

(٤) وهم: العلّامة في المختلف ٥:٢٤٨ و ٢٥٤، وأبو العباس في المقتصر:١٦٧، والصيمري في غاية المرام ٢:٢٦.

(*) في (ق) : يشترط.

٢١٥

وينبغي على هذا عدم اعتبار اشتراط جزّه؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحّة، بل غايته مع تأخيره أن يمتزج بمال البائع، وهو لا يقتضي بطلان البيع، كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها، فيرجع إلى الصلح.

ولو شرط تأخيره مدّة معلومة وتبعيّة المتجدّد بني على القاعدة السالفة، فإن كان المقصود بالذات هو الموجود صحّ، وإلّا فلا.

(الثانية عشرة) :

(يجوز بيع دود القزّ) لأنّه حيوان طاهر ينتفع به منفعة مقصودة محلّلة (ونفس القزّ وإن كان الدود فيه؛ لأنّه كالنوى في التمر) فلا يمنع من بيعه.

وربما احتمل المنع؛ لأنّه إن كان حيّاً عرّضه (١) للفساد، وإن كان ميّتاً دخل في عموم النهي عن بيع الميتة (٢).

وهو ضعيف؛ لأنّ عرضة الفساد لا يقتضي المنع، والدود لا يقصد بالبيع حتى تمنع ميتته (٣) وإلى جوابه أشار المصنّف بقوله: «لأنّه كالنوى». وقد يقال: إنّ في النوى منفعة مقصودة كعلَف الدوابّ، بخلاف الدود الميّت. وكيف كان لا تمنع من صحّة البيع.

__________________

(١) كذا في (ع) التي قوبلت بنسخة المؤلّف قدس سره، وهكذا في (ش) و (ف). وفي (ر) عرضة، وكتب عليه بعض المحشّين: الأولى أنّه مرفوع خبر لمبتداء محذوف، والتقدير: فهو عرضة، والجملة جزاء الشرط.

(٢) مثل ما ورد في المروي عن تحف العقول اُنظر الوسائل ١٢:٥٤، الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به والنبوي المشهور: «إنّ اللّٰه إذا حرم شيئاً حرّم ثمنه». اُنظر عوالي اللآلئ ٢:١١٠، الحديث ٣٠١، والمروي في دعائم الإسلام ٢:١٨، الحديث ٢٣ وغيرها.

(٣) في (ر) ميّته.

٢١٦

(الثالثة عشرة) :

(إذا كان المبيع في ظرف) جاز بيعه مع وزنه معه و (اُسقط ما جرت العادة به للظرف) سواء كان ما جرت به زائداً عن وزن الظرف قطعاً أم ناقصاً. ولو لم تطرّد العادة لم يجز إسقاط ما يزيد إلّامع التراضي. ولا فرق بين إسقاطه بغير ثمن أصلاً وبثمن مغاير للمظروف.

(ولو باعه مع الظرف) من غير وضع جاعلاً مجموع الظرف والمظروف مبيعاً واحداً بوزن واحد (فالأقرب الجواز) لحصول معرفة الجملة الرافعة للجهالة. ولا يقدح الجهل بمقدار كلّ منهما منفرداً؛ لأنّ المبيع هو الجملة، لا كلّ فرد بخصوصه.

وقيل: لا يصحّ حتى يعلم مقدار كلّ منهما (١) لأنّهما في قوّة مبيعين (٢) وهو ضعيف.

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب فقهائنا كما اعترف السيد العاملي أيضاً في مفتاح الكرامة ٤:٢٩٦، نعم نسبه في التذكرة ١٠:٩٠ إلى بعض الشافعية والحنابلة اُنظر المغني ٤:١٤٨، والمجموع ٩:٣٨٨.

(٢) راجع الوسائل ١٢:٢٨٢، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة.

٢١٧

(القول في الآداب)

(وهي أربعة وعشرون) :

(الأوّل * : التفقّه فيما يتولّاه) من التكسّب، ليعرف صحيح العقد من فاسده، ويسلم من الربا (و) لا يشترط معرفة الأحكام بالاستدلال كما يقتضيه ظاهر الأمر بالتفقّه (١) بل (يكفي التقليد) لأنّ المراد به هنا معرفتها على وجه يصحّ. وقد قال عليّ عليه السلام: «من اتّجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ثم ارتطم» (٢).

(الثاني: التسوية بين المعاملين في الإنصاف) فلا يفرّق بين المماكس وغيره، ولا بين الشريف والحقير. نعم لو فاوت بينهم بسبب فضيلة ودين (٣) فلا بأس. لكن يكره للآخذ قبول ذلك، ولقد كان السلف يوكّلون في الشراء ممّن لا يُعرف، هرباً من ذلك.

(الثالث: إقالة النادم) فقد قال الصادق عليه السلام: «أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيع أقال اللّٰه عثرته يوم القيامة» (٤) وهو مطلق في النادم وغيره، إلّاأنّ ترتّب الغاية مشعر به.

وإنّما يفتقر إلى الإقالة (إذا تفرّقا من المجلس أو شرطا عدم الخيار)

__________________

(*) وردت الأعداد في (ق) بحروف أ، ب، ج، د ....

(١) الوسائل ١٢:٢٨٢ ـ ٢٨٣، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة، الحديث ١ و ٤.

(٢) الوسائل ١٢:٢٨٣، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

(٣) في (ش) : أو دين.

(٤) الوسائل ١٢:٢٨٦، الباب ٣ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

٢١٨

فلو كان للمشتري خيارٌ فسخ به ولم يكن محتاجاً إليها.

(وهل تشرع الإقالة في زمن الخيار؟ الأقرب: نعم) لشمول الأدلّة له، خصوصاً الحديث السابق، فإنّه لم يتقيّد بتوقّف المطلوب عليها (ولا يكاد تتحقّق الفائدة) في الإقالة حينئذٍ (إلّاإذا قلنا هي بيع) فيترتّب عليها أحكام البيع من الشفعة وغيرها، بخلاف الفسخ (أو قلنا بأنّ الإقالة من ذي الخيار إسقاط للخيار) لدلالتها على الالتزام بالبيع. وإسقاط الخيار لا يختصّ بلفظ، بل يحصل بكلّ ما دلّ عليه من قول وفعل، وتظهر الفائدة حينئذ فيما لو تبيّن بطلان الإقالة فليس له الفسخ بالخيار.

(ويحتمل سقوط خياره بنفس طلبها مع علمه بالحكم) لما ذكرناه من الوجه، ومن ثمّ قيل بسقوط الخيار لمن قال لصاحبه: اختر (١) وهو مرويّ (٢) أيضاً.

والأقوى عدم السقوط في الحالين (٣) لعدم دلالته على الالتزام حتى بالالتزام. ويجوز أن يكون مطلوبه من الإقالة تحصيل الثواب بها فلا ينافي إمكان فسخه بسبب آخر، وهو من أتمّ الفوائد.

(الرابع: عدم تزيين المتاع) ليرغب فيه الجاهل مع عدم غاية اُخرى للزينة. أمّا تزيينه لغاية اُخرى كما لو كانت الزينة مطلوبة عادة فلا بأس.

(الخامس: ذكر العيب) الموجود في متاعه (إن كان) فيه عيب

__________________

(١) لم نعثر عليه ونسبه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤:٢٨٥، والشارح في المسالك ٣:١٩٧ إلى الشيخ، ولكن لم نظفر به في كتب الشيخ، كما استغرب السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤:٥٤٤ هذه النسبة وأنّ الشيخ صرّح بخلافها في المبسوط والخلاف.

(٢) اُنظر السنن ٥:٢٦٩، وكنز العمال ٤:٩٢، الحديث ٩٦٩٠.

(٣) الإقالة وطلب الإقالة.

٢١٩

ظاهراً كان أم خفيّاً؛ للخبر (١) ولأنّ ذلك من تمام الإيمان والنصيحة.

(السادس: ترك الحلف على البيع والشراء) قال صلى الله عليه وآله: «ويل للتاجر من لا واللّٰه وبلى واللّٰه» (٢) وقال صلى الله عليه وآله: «من باع واشترى فليحفظ خمس خصال، وإلّا فلا يشتر ولا يبيع: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والمدح إذاباع، والذمّ إذا اشترى» (٣) وقال الكاظم عليه السلام: «ثلاثة لا ينظر اللّٰه إليهم: أحدهم رجل اتّخذ اللّٰه عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلّابيمين ولا يبيع إلّابيمين» (٤) وموضع الأدب الحلف صادقاً، أمّا الكاذب فعليه لعنة اللّٰه.

(السابع: المسامحة فيهما وخصوصاً في شراء آلات الطاعات) فإنّ ذلك موجبٌ للبركة والزيادة، وكذا يستحبّ في القضاء والاقتضاء (٥) للخبر (٦).

(الثامن: تكبير المشتري) ثلاثاً (وتشهدّه الشهادتين بعد الشراء) وليقل بعدهما: «اللّهمّ إنّي اشتريته التمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقاً فاجعل لي فيه رزقاً» (٧).

(التاسع: أن يقبض ناقصاً ويدفع راجحاً، نقصاناً ورجحاناً لا يؤدّي إلى الجهالة) بأن يزيد كثيراً بحيث يجهل مقداره تقريباً.

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٢:٢٨٤ ـ ٢٨٥، الباب ٢ من أبواب آداب التجارة الحديثين ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ١٢:٣١٠، الباب ٢٥ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٥.

(٣) الوسائل ١٢:٢٨٤، الباب ٢ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١٢:٣٠٩ ـ ٣١٠، الباب ٢٥ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٢.

(٥) القضاء هنا بمعنى أداء الدين، والاقتضاء: أخذ الحقّ.

(٦) اُنظر الوسائل ١٢:٣٣٢، الباب ٤٢ من أبواب آداب التجارة.

(٧) كما في الخبرين المرويين في الوسائل ١٢:٣٠٤، الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة الحديثين ١ و ٢.

٢٢٠