الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

اختصاص النِساجة والحياكة بالمغزول ونحوه، فلا يكره عمل الخوص ونحوه، بل روي أنّه من أعمال الأنبياء والأولياء (١).

(والحجامة) مع شرط الاُجرة، لا بدونها، كما قيّده المصنّف في غيره (٢) وغيره (٣) ودلّ عليه الخبر (٤) وظاهره هنا الإطلاق.

(وضِراب الفحل) بأن يؤجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة. ولا كراهة في ما يدفع إليه على جهة الكرامة لأجله.

(وكسب الصبيان) المجهول أصله؛ لما يدخله من الشبهة الناشئة من اجتراء الصبيّ على ما لا يحلّ؛ لجهله أو علمه بارتفاع القلم عنه، ولو علم اكتسابه من محلّل فلا كراهة وإن أطلق الأكثر (٥) كما أنّه لو علم تحصيله أو بعضه من محرّم وجب اجتنابه أو اجتناب ما علم منه أو اشتبه به. ومحلّ الكراهة تكسّب الوليّ به، أو أخذه منه، أو الصبيّ بعد رفع الحجر عنه.

(و) كذا يكره كسب (من لا يجتنب المحرّم) في كسبه.

[المباح]

(والمباح ما خلا عن وجه رجحان) من الطرفين، بأن لا يكون راجحاً، ولا مرجوحاً لتتحقّق الإباحة (٦).

***

__________________

(١) اُنظر البحار ١٤:١٥، الحديث ٢٥، و ٨٣، الحديث ٢٩.

(٢) قيّده في الدروس ٣:١٨٠.

(٣) اُنظر النهاية:٣٦٦، والسرائر ٢:٢٢٣، والشرائع ٢:١١، والقواعد ٢:٥، وغيرها.

(٤) اُنظر الوسائل ١٢:٧١ ـ ٧٣، الباب ٩ من أبواب ما يكتسب به، الحديثين ١ و ٩.

(٥) مثل المحقّق في الشرائع ٢:١١، والعلّامة في القواعد ٢:٦، وغيره، والشهيد في الدروس ٣:١٨٠، وغيرهم.

(٦) في (ر) زيادة: بالمعنى الأخصّ.

١٨١

(ثم التجارة) وهي نفس التكسّب (تنقسم بأقسام (١) الأحكام الخمسة).

فالواجب منها: ما توقّف تحصيل مؤونته ومؤونة عياله الواجبي النفقة عليه، ومطلق التجارة التي يتمّ بها نظام النوع الإنساني، فإنّ ذلك من الواجبات الكفائيّة وإن زاد على المؤونة.

والمستحبّ ما يحصل به المستحبّ، وهو التوسعة على العيال، ونفع المؤمنين، ومطلق المحاويج غير المضطرّين.

والمباح ما يحصل به الزيادة في المال من غير الجهات الراجحة والمرجوحة.

والمكروه والحرام التكسّب بالأعيان المكروهة والمحرّمة، وقد تقدّمت.

__________________

(١) في سوى (ع) : بانقسام.

١٨٢

(الفصل الثاني)

(في عقد البيع وآدابه)

(وهو) أي عقد البيع (الإيجاب والقبول الدالّان على نقل الملك بعوض معلوم) وهذا كما هو تعريف للعقد يصلح تعريفاً للبيع نفسه؛ لأنّه عند المصنّف (١) وجماعة (٢) عبارة عن العقد المذكور، استناداً إلى أنّ ذلك هو المتبادر من معناه، فيكون حقيقة فيه. ويمكن أن يكون الضمير عائداً إلى البيع نفسه وأن يكون إضافة البيع بيانيّة. ويؤيّده أنّه في الدروس عرّف البيع بذلك مزيداً قيد التراضي.

وجعل جنس التعريف (الإيجاب والقبول) أولى من جعله «اللفظ الدالّ» كما صنع غيره (٣) لأنّهما جنس قريب و «اللفظ» بعيد. وباقي القيود خاصّة مركّبة، يخرج بها من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة والمضاربة والوكالة، وما تضمّن نقل الملك بغير عوض كالهبة والوصيّة بالمال. وشمل ما كان ملكاً للعاقد وغيره،

__________________

(١) الدروس ٣:١٩١.

(٢) منهم المحقّق في المختصر:١١٨، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢:٢٤، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٢:٣٥٥.

(٣) صنعه المحقّق في الشرائع ٢:١٣.

١٨٣

فدخل بيع الوكيل والوليّ. وخرج بالعوض المعلوم (١) الهبة المشروط فيها مطلق الثواب، وبيع المكره حيث يقع صحيحاً؛ إذ لم يعتبر التراضي ـ وهو وارد على تعريفه في الدروس ـ وبيع الأخرس بالإشارة وشراؤه، فإنّه يصدق به (٢) الإيجاب والقبول. ويرد على تعريف أخذ «اللفظ» جنساً كالشرائع.

وبقي فيه دخول عقد الإجارة؛ إذ الملك يشمل العين والمنفعة، والهبة المشروط فيها عوض معيّن، والصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم، فإنّه ليس بيعاً عند المصنّف (٣) والمتأخّرين (٤).

وحيث كان البيع عبارة عن الإيجاب والقبول المذكورين (فلا يكفي المعاطاة) وهي إعطاء كلّ واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضاً عمّا يأخذه من الآخر باتّفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص، سواء في ذلك الجليل والحقير على المشهور بين أصحابنا، بل كاد يكون إجماعاً.

(نعم يباح) بالمعاطاة (التصرّف) من كلّ منهما فيما صار إليه من العوض؛ لاستلزام دفع مالكه له على هذا الوجه الإذن في التصرّف فيه.

وهل هي إباحة، أم عقد متزلزل؟ ظاهر العبارة الأوّل؛ لأنّ الإباحة ظاهرة فيها. ولا ينافيه قوله: (ويجوز الرجوع) فيها (مع بقاء العين) لأنّ ذلك

__________________

(١) لم يرد (المعلوم) في (ش).

(٢) في (ر) عليه.

(٣) كما صرّح به في الدروس ٣:٣٢٧.

(٤) مثل ابن إدريس في السرائر ٢:٦٤، والمحقّق في الشرائع ٢:١٢١، والعلّامة في القواعد ٢:١٧٢، والتحرير ٣:٧، وغيرهما، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢:١٩٩، وغيرهم.

١٨٤

لا ينافي الإباحة. وربما ظهر من بعض الأصحاب (١) الثاني؛ لتعبيره بجواز فسخها الدالّ على وقوع أمر يوجبه.

وتظهر الفائدة في النماء، فعلى الثاني هو للقابض متى (٢) تحقّق اللزوم بعده. وعلى الأوّل يحتمله وعدمه.

ويفهم من جواز الرجوع مع بقاء العين عدمه مع ذهابها، وهو كذلك. ويصدق بتلف العينين، وإحداهما، وبعض كلّ واحدةمنهما، ونقلها عن ملكه، وبتغيّرها كطحن الحنطة، فإنّ عين المنتقل غير باقية، مع احتمال العدم. أمّا لبس الثوب مع عدم تغيّره فلا أثر له. وفي صبغه وقصره وتفصيله وخياطته ـ ونحو ذلك من التصرّفات المغيّرة للصفة مع بقاء الحقيقة ـ نظر.

وعلى تقدير الرجوع في العين وقد استعملها من انتقلت إليه يأخذها بغير اُجرة؛ لإذنه في التصرّف مجّاناً. ولو نمت وتلف النماء فلا رجوع به كالأصل، وإلّا فالوجهان.

وهل تصير مع ذهاب العين بيعاً، أو معاوضة خاصة؟ وجهان: من حصرهم المعاوضات وليست أحدها، ومن اتّفاقهم على أنّها ليست بيعاً بالألفاظ الدالّة على التراضي، فكيف تصير بيعاً بالتلف؟

ومقتضى المعاطاة أنّها مفاعلةمن الجانبين، فلو وقعت بقبض أحد العوضين خاصّة مع ضبط الآخر على وجه يرفع الجهالة، ففي لحوق أحكامها نظر، من عدم تحقّقها، وحصول التراضي، وهو اختياره في الدروس (٣) على تقدير دفع

__________________

(١) مثل العلّامة في التحرير ٢:٢٧٥.

(٢) في (ر) : مع.

(٣) الدروس ٣:١٩٢.

١٨٥

السِلعة دون الثمن.

(ويشترط وقوعهما) (١) الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي) العربيّ (كبعت) من البائع (واشتريت) من المشتري، وشريت منهما؛ لأنّه مشترك بين البيع والشراء (وملكت) بالتشديد من البائع، والتخفيف من المشتري وتملّكت.

(ويكفي الإشارة) الدالّة على الرضا على الوجه المعيّن (مع العجز) عن النطق لخرس وغيره، ولا تكفي مع القدرة، نعم تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح.

(ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول وإن كان) تقديمه (أحسن) بل قيل: بتعيّنه (٢) ووجه عدم الاشتراط أصالة الصحّة وظهور كونه عقداً فيجب الوفاء به، ولتساويهما في الدلالة على الرضا وتساوي المالكين في نقل ما يملكه إلى الآخر. ووجه التعيّن: الشكّ في ترتّب الحكم مع تأخّره، ومخالفته للأصل، ولدلالة مفهوم القبول على ترتّبه على الإيجاب؛ لأنّه رضى به. ومنه يظهر وجه الحسن.

ومحلّ الخلاف ما لو وقع القبول بلفظ (اشتريت) كما ذكره أو (ابتعت) أو «تملّكت» ... لا ب‍ «قبلت» وشبهه وإن أضاف إليه باقي الأركان؛ لأنّه صريح في البناء على أمر لم يقع.

__________________

(١) في (ر) زيادة: أي

(٢) قاله الطوسي في الوسيلة:٢٣٧، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٤٣، والعلّامة في المختلف ٥:٥٢، والتذكرة ١٠:٨، وغيرهم.

١٨٦

(ويشترط في المتعاقدين) :

(الكمال) برفع الحجر الجامع للبلوغ والعقل والرشد.

(والاختيار، إلّاأن يرضى المكره بعد زوال إكراهه *) لأنّه بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله، وإنّما منع عدم الرضا، فإذا زال المانع أثّر العقد، كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه مع تحقّق القصد إلى اللفظ في الجملة، فلمّا لحقته إجازة المالك أثّرت. ولا تعتبر مقارنته للعقد؛ للأصل. بخلاف العقد المسلوب بالأصل كعبارة الصبيّ، فلا تجبره إجازة الوليّ، ولا رضاه بعد بلوغه.

(والقصد، فلو أوقعه الغافل أو النائم أو الهازل لغى) وإن لحقته الإجازة؛ لعدم القصد إلى اللفظ أصلاً، بخلاف المكره.

وربما أشكل الفرق في الهازل من ظهور قصده إلى اللفظ من حيث كونه عاقلاً مختاراً، وإنّما تخلّف قصد مدلوله. وألحق المصنّف بذلك المكره على وجه يرتفع قصده أصلاً، فلا يؤثّر فيه الرضا المتعقّب كالغافل والسكران (١) وهو حسن مع تحقّق الإكراه بهذا المعنى، فإنّ الظاهر من معناه: حمل المكرِه للمكرَه على الفعل خوفاً على نفسه أو ما في حكمها مع حضور عقله وتميزه.

واعلم أنّ بيع المكرَه إنّما يقع موقوفاً مع وقوعه بغير حقّ، ومن ثمّ جاز بيعه في مواضع كثيرة: كمن أجبره الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه ونفقة واجب النفقة، وتقويم العبد على معتق نصيبه منه وفكّه من الرقّ ليرث، وإذا أسلم عبد الكافر أو اشتراه وسوّغناه أو اشترى المصحف، وبيعِ الحيوان إذا امتنع مالكه من القيام بحقّ نفقته، والطعام عند المخمصة يشتريه خائف التلف، والمحتكر مع عدم وجود غيره

__________________

(*) في (س) : الإكراه. وفي (ر) من نسخ الشرح: الكراهة.

(١) الدروس ٣:١٩٢.

١٨٧

واحتياج الناس إليه، ونحو ذلك.

(ويشترط في اللزوم الملك) لكلّ من البائع والمشتري لما ينقله من العوض (أو إجازة المالك) فبدونه يقع العقد موقوفاً على إجازة المالك، لا باطلاً من أصله على أشهر القولين (١) (وهي) أي الإجازة اللاحقة من المالك (كاشفة عن صحّة العقد) من حين وقوعه، لا ناقلة له من حينها؛ لأنّ السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط (٢) وكلّها كانت حاصلة إلّارضاء المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التامّ عمله، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (٣) فلو توقّف العقد على أمر آخر لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة، بل هو مع الأمر (٤) ووجه الثاني (٥) توقّف التأثير عليه، فكان كجزء السبب.

وتظهر الفائدة في النماء، فإن جعلناها كاشفة (فالنماء) المنفصل (المتخلّل) بين العقد والإجازة الحاصل من المبيع (للمشتري، ونماء الثمن المعيّن للبائع) ولو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز.

ثمّ إن اتّحد العقد فالحكم كما ذكر، وإن ترتّبت العقود على الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجميع صحّ أيضاً. وإن أجاز أحدها، فإن كان المثمن صحّ في

__________________

(١) ذهب إليه المفيد في المقنعة:٦٠٦، والطوسيان في النهاية:٣٨٥، والوسيلة:٢٤٩، والمحقّق في الشرائع ٢:١٤، والعلّامة في المختلف ٥:٥٣، وغيرهم. والقول بالبطلان للشيخ في الخلاف ٣:١٦٨، المسألة ٢٧٥، وابن زهرة في الغنية:٢٠٧ ـ ٢٠٨، وابن إدريس في السرائر ٢:٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٢) في (ف) و (ر) : بشرائطه.

(٣) الوارد في سورة المائدة الآية الاُولى.

(٤) في (ف) و (ر) : الآخر.

(٥) يعني كون الإجازة ناقلة.

١٨٨

المجاز وما بعده من العقود، أو الثمن صحّ وما قبله.

والفرق: أنّ إجازة المبيع توجب انتقاله عن ملك المالك المجيز إلى المشتري فتصحّ العقود المتأخّرة عنه وتبطل السابقة؛ لعدم الإجازة. وإجازة الثمن توجب انتقاله إلى ملك المجيز فتبطل التصرّفات المتأخّرة عنه حيث لم يجزها وتصحّ السابقة؛ لأنّ ملك الثمن المتوسّط يتوقّف على صحّة العقود السابقة، وإلّا لم يمكن تملّك ذلك الثمن.

هذا إذا بيعت الأثمان في جميع العقود، أمّا لو تعلّقت العقود بالثمن الأوّل مراراً كان كالمثمن في صحّة ما اُجيز وما بعده. وهذا القيد وارد على ما أطلقه الجميع (١) في هذه المسألة كما فصّلناه أوّلاً. مثاله: لو باع مال المالك بثوب، ثم باع الثوب بمئة، ثم باعه المشتري بمئتين، ثم باعه مشتريه بثلاثمئة، فأجاز المالك العقد الأخير، فإنّه لا يقتضي إجازة ما سبق، بل لا يصحّ سواه، ولو أجاز الوسط صحّ وما بعده كالمثمن. نعم لو كان قد باع الثوب بكتاب، ثم باع الكتاب بسيف، ثم باع السيف بفرس، فإجازة بيع السيف بالفرس تقتضي إجازة ما سبقه من العقود؛ لأنّه إنّما يملك السيف إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو الكتاب، ولا يملك الكتاب إلّاإذا ملك العوض الذي اشترى به وهو الثوب، فهنا يصحّ ما ذكروه.

(ولا يكفي في الإجازة السكوت عند العقد) مع علمه به (أو عند عرضها) أي‌الإجازة (عليه) لأنّ السكوت أعمّ من الرضا فلا يدلّ عليه، بل لابدّ من لفظ صريح فيها كالعقد (ويكفي أجزت) العقد أو البيع (أو أنفذت، أو أمضيت، أو رضيت، وشبهه) كأقررته، وأبقيته، والتزمت به.

__________________

(١) مثل عبارة الإيضاح ١:٤١٨، والدروس ٣:١٩٣.

١٨٩

(فإن لم يجز انتزعه من المشتري) لأنّه عين ماله (ولو تصرّف) المشتري (فيه بما لَه اُجرة) كسكنى الدار وركوب الدابّة (رجع بها عليه) بل له الرجوع بعوض المنافع وإن لم يستوفها مع وضع يده عليها؛ لأنّه حينئذٍ كالغاصب وإن كان جاهلاً. (ولو نما كان) النماء (لمالكه) متّصلاً كان أم منفصلاً، باقياً كان أم هالكاً، فيرجع عليه بعوضه وإن كان جاهلاً، وكذا يرجع بعوض المبيع نفسه لو هلك في يده أو بعضه مع تلف بعضه بتفريط وغيره.

والمعتبر في القيمي قيمته يوم التلف إن كان التفاوت بسبب السوق، وبالأعلى إن كان بسبب زيادة عينيّة.

(ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان باقياً، عالماً كان أو جاهلاً) لأنّه ماله ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه، فإنّه إنّما دفعه عوضاً عن شيء لم يسلّم له.

(وإن تلف، قيل) والقائل به الأكثر (١) ـ بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع (٢) ـ : (لا رجوع) به (مع العلم) بكونه غير مالك ولا وكيل؛ لأنّه سلطّه على إتلافه مع علمه بعدم استحقاقه له، فيكون بمنزلة الإباحة، بل ظاهر كلامهم عدم الرجوع به مطلقاً؛ لما ذكرناه من الوجه (وهو) مع بقاء العين في غاية البعد، ومع تلفه (بعيد مع توقّع الإجازة) لأنّه حينئذٍ لم يبحه له مطلقاً بل دفعه متوقّعاً لكونه عوضاً عن المبيع فيكون مضموناً له، ولتصرّف البائع فيه تصرّفاً ممنوعاً منه فيكون مضموناً عليه. وأمّا مع بقائه فهو عين مال المشتري، ومع

__________________

(١) منهم العلّامة في القواعد ٢:١٩، وولده في الإيضاح ١:٤٢١، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤:٧٧.

(٢) التذكرة ١٠:١٨.

١٩٠

تسليم الإباحة لم يحصل ما يوجب الملك، فيكون القول بجواز الرجوع به مطلقاً قويّاً وإن كان نادراً، إن لم يثبت الإجماع على خلافه، والواقع خلافه، فقد ذهب المحقّق إلى الرجوع به مطلقاً (١) وكيف يجتمع تحريم تصرّف البائع فيه مع عدم رجوع المشتري به في حال؟ فإنّه حينئذٍ لا محالة غاصب، آكل للمال بالباطل. ولا فرق في هذا الحكم بين الغاصب محضاً والبائع فضوليّاً مع عدم إجازة المالك.

(ويرجع) المشتري على البائع (بما اغترم) للمالك حتى بزيادة القيمة عن الثمن لو تلفت العين فرجع بها عليه على الأقوى؛ لدخوله على أن تكون له مجّاناً. أمّا ما قابل الثمن من القيمة فلا يرجع به؛ لرجوع عوضه إليه، فلا يجمع بين العوض والمعوّض.

وقيل: لا يرجع بالقيمة مطلقاً (٢) لدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه، كما هو شأن البيع الصحيح والفاسد، كما لو تلفت العين.

وفيه: أنّ ضمانه للمثل أو القيمة أمر زائد على فوات العين الذي قدم على ضمانه وهو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن، فالزائد بمنزلة ما رجع عليه به، وقد حصل له في مقابلته نفع، بل أولى.

هذا إذا كانت الزيادة على الثمن موجودة حال البيع. أمّا لو تجدّدت بعده

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه ونسبه في جامع المقاصد ٤:٧٧ إلى رسالة منه، وفي المسالك ٣:١٦١ قال: وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله في بعض تحقيقاته، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤:١٩٤: كذا نقل عنه المحقّق الثاني فكان كلامه ليس بتلك المكانة من الظهور أو الصراحة، وأمّا العبارة المستظهر منها فالظاهر هي المسألة الرابعة من المسائل الطبرية المطبوعة ضمن الرسائل التسع للمحقق:٣٠٦.

(٢) قاله المحقّق في الشرائع ٣:٢٤٥.

١٩١

فحكمها حكم الثمرة، فيرجع بها أيضاً كغيرها ممّا حصل له في مقابلته نفع على الأقوى، لغروره ودخوله على أن يكون ذلك له بغير عوض.

أمّا ما أنفقه عليه ونحوه ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع فيرجع به قطعاً (إن كان جاهلاً) بكونه مالكاً أو مأذوناً، بأن ادّعى البائع ملكه أو الإذن فيه، أو سكت ولم يكن المشتري عالماً بالحال.

(ولو باع غير المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صحّ) البيع (في ملكه) ووقف في ما لا يملك على إجازة مالكه، فإن أجاز صحّ البيع ولا خيار. (و) إن ردّ (تخيّر المشتري مع جهله) بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع، لتبعضّ الصفقة أو الشركة. (فإن) فسخ رجع كلّ مال إلى مالكه، وإن (رضي صحّ) البيع (في المملوك) للبائع (بحصّته من الثمن). ويعلم مقدار الحصّة (بعد تقويمهما جميعاً ثم تقويم أحدهما) منفرداً ثم نسبة قيمته إلى قيمة المجموع، فيخصّه من الثمن مثل تلك النسبة، فإذا قوّما جميعاً بعشرين وأحدهما بعشرة صحّ في المملوك بنصف الثمن كائناً ما كان، وإنما أخذ بنسبة القيمة ولم يخصّه من الثمن قدر ما قوّم به لاحتمال زيادتها عنه ونقصانها، فربما جمع في بعض الفروض بين الثمن والمثمن على ذلك التقدير كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة.

وإنّما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل فى زيادة قيمة كلّ واحد كثوبين، أمّا لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوّما مجتمعين؛ إذ لا يستحقّ مالك كلّ واحد ما له إلّامنفرداً، وحينئذٍ فيقوّم كلّ منهما منفرداً، وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة. نعم لو كانا لمالك واحد فأجاز في أحدهما دون الآخر أمكن فيه ما أطلقوه، مع احتمال ما قيّدناه.

١٩٢

(وكذا لو باع ما يُملك) مبنيّاً للمجهول (وما لا يُملك، كالعبد مع الحرّ والخنزير مع الشاة) فإنّه يصحّ في المملوك بنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين من الثمن (ويقوّم الحرّ لو كان عبداً) على ما هو عليه من الأوصاف والكيفيّات (والخنزير عند مستحلّيه) إمّا بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب ويحصل بقولهم العلم أو الظنّ المتاخِم له، أو بإخبار عدلين مسلمين يطّلعان على حاله عندهم، لا منهم مطلقاً؛ لاشتراط عدالة المقوّم.

هذا مع جهل المشتري بالحال ليتمّ قصده إلى شرائهما ويعتبر العلم بثمن المجموع لا الأفراد، فيوزّع حيث لا يتمّ له.

أمّا مع علمه بفساد البيع فيشكل صحّته؛ لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع؛ لأنّه في قوّة «بعتك العبد بما يخصّه من الألف» إذا وزّعت عليه وعلى شيء آخر لا يعلم مقداره الآن. أمّا مع جهله فقصده إلى شراء المجموع ومعرفة مقدار ثمنه كافٍ وإن لم يعلم مقدار ما يخصّ كلّ جزءٍ.

ويمكن جريان الإشكال في البائع مع علمه بذلك. ولا بعد في بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر. هذا إذا لم يكن المشتري قد دفع الثمن أو كانت عينه باقية أو كان جاهلاً، وإلّا جاء فيه مع علمه بالفساد ما تقدّم في الفضولي بالنسبة إلى الرجوع بالثمن (١).

(وكما يصحّ العقد من المالك يصحّ من القائم مقامه، وهم) أي القائم ـ جمعه باعتبار معنى الموصول، ويجوز توحيده نظراً إلى لفظه ـ (ستّة: الأب والجدّ) له وإن علا (والوصيّ) من أحدهما على الطفل والمجنون الأصلي ومن طرأ جنونه قبل البلوغ (والوكيل) عن المالك أو من له الولاية حيث يجوز

__________________

(١) راجع الصفحة ١٩٠.

١٩٣

له التوكيل (والحاكم) الشرعي حيث تفقد الأربعة (وأمينه) وهو منصوبه لذلك أو ما هو أعمّ منه.

(وبحكم الحاكمِ المقاصّ) وهو من يكون له على غيره مال فيجحده أو لا يدفعه إليه مع وجوبه، فله الاستقلال بأخذه من ماله قهراً من جنس حقّه إن وجده، وإلّا فمن غيره بالقيمة، مخيّراً بين بيعه من غيره ومن نفسه. ولا يشترط إذن الحاكم وإن أمكن لوجوده ووجود البيّنة المقبولة عنده في الأشهر (١) ولو تعذّر الأخذ إلّابزيادة جاز، فتكون في يده أمانة في قول (٢) إلى أن يتمكّن من ردّها، فيجب على الفور.

ولو توقّف أخذ الحقّ على نقب جدار أم كسر قفل جاز، ولا ضمان على الظاهر. ويعتبر في المأخوذ كونه زائداً على المستثنى في قضاء الدين. ولو تلف من المأخوذ شيء قبل تملّكه ففي ضمانه قولان (٣) ويكفي في التملّك النيّة، سواء كان بالقيمة أم بالمثل.

وفي جواز المقاصّة من الوديعة قولان (٤) والمروّي العدم (٥) وحمل على

__________________

(١) ذهب إليه المحقّق في الشرائع ٤:١٠٩، والعلّامة في القواعد ٣:٤٤٨، وغيرهما. والقول الآخر للمحقق في المختصر:٢٨٤، وفخر المحققين في الإيضاح ٤:٣٤٦.

(٢) قاله العلّامة في التحرير ٥:١٥٤، والقواعد ٣:٤٨٤.

(٣) القول بعدم الضمان للشيخ في المبسوط ٨:٣١١. والقول بالضمان للمحقق في الشرائع ٤:١٠٩، وقرّبه العلّامة في القواعد ٣:٤٤٨.

(٤) القول بالجواز للشيخ في الاستبصار ٣:٥٣ ذيل الحديث ١٧٢، والمحقّق في الشرائع ٤:١٠٩، والعلّامة في التحرير ٥:١٥٤، والقواعد ٣:٤٤٨، وغيرهم. والقول بالعدم للشيخ في النهاية:٣٠٧، والحلبي في الكافي:٣٣١، وابن زهرة في الغنية:٢٤٠، وغيرهم.

(٥) اُنظر الوسائل ١٢:٢٠٢ ـ ٢٠٤، الباب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به، الحديثين ٣ و ٧.

١٩٤

الكراهة. وفي جواز مقاصّة الغائب من غير مطالبته وجهان، أجودهما العدم إلّا مع طولها بحيث يؤدّي إلى الضرر. ولو أمكن الرجوع هنا إلى الحاكم فالأقوى توقّفه عليه.

(ويجوز للجميع) أي جميع من له الولاية ممّن تقدّم (تولّي طرفي العقد) بأن يبيع من نفسه وممّن له الولاية عليه (إلّاالوكيل والمقاصّ) فلا يجوز تولّيهما طرفيه، بل يبيعان من الغير. والأقوى كونهما كغيرهما، وهو اختياره في الدروس (١) لعموم الأدلّة (٢) وعدم وجود ما يصلح للتخصيص (ولو استأذن الوكيل جاز) لانتفاء المانع حينئذٍ.

(ويشترط كون المشتري مسلماً إذا ابتاع مصحفاً أو مسلماً) لما في ملكه للأوّل من الإهانة، وللثاني من الإذلال وإثبات السبيل له عليه وَلَنْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٣) وقيل: يصحّ ويؤمر بإزالة ملكه (٤) وفي حكم المسلم ولده الصغير والمجنون ومسبيّه المنفرد به ـ إن ألحقناه به فيه (٥) ـ ولقيط يحكم بإسلامه ظاهراً (إلّافي من ينعتق عليه) فلا منع، لانتفاء السبيل بالعتق (٦) وفي حكمه مشروط العتق عليه في البيع، ومن أقرّ بحرّيته وهو في يد غيره. وضابطه: جواز شرائه حيث يتعقّبه العتق قهراً.

__________________

(١) اُنظر الدروس ٢:٨٥ و ٣:١٩٤.

(٢) يعني أدلّة جواز بيع من له الولاية مال المولّى عليه.

(٣) النساء:١٤١.

(٤) لم نعثر على القائل بعينه.

(٥) يعني إن ألحقنا المسبيّ بالسابي في الإسلام.

(٦) في (ر) زيادة: عليه.

١٩٥

وفي حكم البيع تملّكه له اختياراً كالهبة، لا بغيره كالإرث وإسلام عبده، بل يجبر على بيعه من مسلم على الفور مع الإمكان، وإلّا حيل بينهما بوضعه على يد مسلم إلى أن يوجد راغب. وفي حكم بيعه منه إجارته له الواقعة على عينه لا على ذمّته، كما لو استدان منه.

وفي حكم المصحف أبعاضه. وفي إلحاق ما يوجد منه في كتاب غيره شاهداً ونحوه نظر: من الجزئيّة، وعدم صدق الاسم. وفي إلحاق كتب الحديث النبويّة به وجه.

١٩٦

(وهنا مسائل)

(الاُولى) :

(يشترط كون المبيع ممّا يملك) أي يقبل الملك شرعاً (فلا يصحّ بيع الحرّ، ومالا نفع فيه غالباً كالحشرات) ـ بفتح الشين ـ كالحيّات والعقارب والفئران (١) والخنافس (٢) والنمل ونحوها؛ إذ لا نفع فيها يقابل بالمال، وإن ذكر لها منافع في الخواصّ (٣) وهو الخارج بقوله: (غالباً) (وفضلات الإنسان) وإن كانت طاهرة (إلّالبن المرأة) فيصحّ بيعه والمعاوضة عليه مقدّراً بالمقدار المعلوم أو المدّة، لعظم الانتفاع به (و) لا (المباحات قبل الحيازة) لانتفاء الملك عنها حينئذٍ، والمتبايعان فيها سيّان، وكذا بعد الحيازة قبل نيّة التملّك إن اعتبرناها فيه، كما هو الأجود (ولا الأرض المفتوحة عنوة) بفتح العين أي قهراً، كأرض العراق والشام؛ لأنّها للمسلمين قاطبة لا تملك على الخصوص (إلّاتبعاً لآثار المتصّرف) من بناءٍ وشجر [فيه] (٤) فيصحّ في (٥) الأقوى، وتبقى تابعة له ما دامت الآثار، فإذا زالت رجعت إلى أصلها. والمراد منها المحياة وقت الفتح، أمّا الموات فيملكها المحيي ويصحّ بيعها كغيرها من الأملاك.

__________________

(١) جمع فأرة.

(٢) جمع: خُنفَساء، دويبة سوداء أصغر من الجُعَل كريهة الرائحة.

(٣) أي في الكتب التي يذكر فيها منافع الحيوانات وخواصّها.

(٤) لم يرد في المخطوطات.

(٥) في (ر) : على.

١٩٧

(والأقرب عدم جواز بيع رباع مكّة) (١) أي دورها (زادها اللّٰه شرفاً، لنقل الشيخ في الخلاف الإجماع) على عدم جوازه (٢) (إن قلنا إنّها فتحت عنوة) لاستواء الناس فيها حينئذٍ، ولو قلنا: إنّها فتحت صلحاً جاز. وفي تقييد المنع بالقول بفتحها عنوة مع تعليله بنقل الإجماع المنقول بخبر الواحد تنافر؛ لأنّ الإجماع إن ثبت لم يتوقّف على أمر آخر، وإن لم يثبت افتقر إلى التعليل بالفتح عنوة وغيره. ويبقى فيه: أنّه على ما اختاره سابقاً من ملكه تبعاً للآثار ينبغي الجواز، للقطع بتجدّد الآثار في جميع دورها عمّا كانت عليه عام الفتح. وربما علّل المنع بالرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله بالنهي عنه (٣) وبكونها في حكم المسجد، لآية الإسراء (٤) مع أنّه كان من بيت اُمّ هانئ (٥) لكن الخبر لم يثبت، وحقيقة المسجديّة منتفية، ومجاز المجاورة والشرف والحرمة ممكن والإجماع غير متحقّق، فالجواز متّجه.

[الثانية يشترط ان يكون مقدورا علي تسليمه]

(الثانية) :

(يشترط) في المبيع (أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلو باع الحمام الطائر) أو غيره من الطيور المملوكة (لم يصحّ، إلّاأن تقضي العادة بعوده) فيصح؛ لأنّه حينئذٍ كالعبد المنفَذ في الحوائج والدابّة المرسلة (ولو باع)

__________________

(١) وفي الدروس [٣:٢٠٠] نقل الخلاف من غير فتوى. (منه رحمه الله).

(٢) الخلاف ٣:١٨٨ ـ ١٩٠، المسألة ٣١٦ من كتاب البيوع.

(٣) اُنظر السنن الكبرى ٦:٣٥، وكنز العمال ١٢:٢٠٦ ـ ٢٠٧، الحديثين ٣٤٦٨٣ و ٣٤٦٨٥.

(٤) الإسراء:١.

(٥) كما نسبه في مجمع البيان ٣:٣٩٦، إلى أكثر المفسرين.

١٩٨

المملوك (الآبق) المتعذّر تسليمه (صحّ مع الضميمة) إلى ما يصحّ بيعه منفرداً (فإن وجده) المشتري وقدر على إثبات يده عليه (وإلّا كان الثمن بإزاء الضميمة) ونزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفّارة وبيعه لغيره مع الضميمة. (ولا خيار للمشتري مع العلم بإباقه) لقدومه على النقص، أمّا لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً.

ويشترط في بيعه ما يشترط في غيره: من كونه معلوماً موجوداً عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه، فلو ظهر تلفه حين البيع أو استحقاقه لغير البائع أو مخالفاً للوصف بطل البيع فيما يقابله في الأوّلين وتخيّر المشتري في الأخير على الظاهر.

(ولو قدر المشتري على تحصيله) دون البائع (فالأقرب عدم اشتراط الضميمة) في صحّة البيع؛ لحصول الشرط وهو القدرة على تسلّمه. ووجه الاشتراط: صدق (الإباق) معه الموجب للضميمة بالنصّ (١) وكون الشرط التسليم، وهو أمر آخر غير التسلّم. ويضعّف بأنّ الغاية المقصودة من التسليم حصوله بيد المشتري بغير مانع وهي موجودة، والموجبة للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة (وعدم لحوق أحكامها لو ضمّ) فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض، ولا يتخيّر لو لم يعلم بإباقه.

ولا يشترط في الضميمة صحّة إفرادها بالبيع؛ لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض، وغير ذلك من الأحكام. ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه، كالبعير الشارد والفرس [العائر] (٢) على الأقوى، بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق،

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٢:٢٦٢، الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) في المخطوطات: الغاير. وعار الفرس إذا ذهب على وجهه وتباعد عن صاحبه.

١٩٩

اقتصاراً فيما خالف الأصل (١) على المنصوص.

(أما الضالّ والمجحود) من غير إباق (فيصحّ البيع، ويراعى بإمكان التسليم) فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم لزم (وإن * تعذّر فسخ المشتري إن شاء) وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه. ويحتمل قويّاً بطلان البيع، لفقد شرط الصحّة، وهو إمكان التسليم. وكما يجوز جعل الآبق مثمناً يجوز جعله ثمناً، سواء كان في مقابله (٢) آبق آخر أم غيره؛ لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن.

(وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمناً إلى الضميمة احتمال) لصدق (الإباق) المقتضي لها (ولعلّه الأقرب) لاشتراكهما في العلّة المقتضية لها (وحينئذٍ يجوز أن يكون أحدهما ثمناً والآخر مثمناً مع الضميمتين).

(ولا يكفي) في الضميمة في الثمن والمثمن (ضمّ آبق آخر إليه) لأنّ الغرض من الضميمة أن تكون ثمناً إذا تعذّر تحصيله، فتكون جامعة لشرائطه التي من جملتها إمكان التسليم، والآبق الآخر ليس كذلك.

(ولو تعدّدت العبيد) في الثمن والمثمن (كفت ضميمة واحدة) لصدق (الضميمة مع الآبق) ولا يعتبر فيها كونها متموّلة إذا وزّعت على كلّ واحد؛ لأنّ ذلك يصير بمنزلة ضمائم، مع أنّ الواحدة كافية.

وهذه الفروع من خواصّ هذا الكتاب (٣) ومثلها في تضاعيفه كثير ننبّه عليه إن شاء اللّٰه تعالى في مواضعه.

__________________

(١) وهو اشتراط القدرة على التسليم.

(*) في (ق) و (س) : فإن.

(٢) في (ع) و (ش) : مقابلته، وفي (ر) مقابلة.

(٣) أي اللمعة.

٢٠٠