الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-46-X
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٢٢

الإثم والعدوان، إلّاأن يتوقّف عليها تحصيل حقّه، فتحرم على المرتشي خاصّة (فتجب إعادتها) مع وجودها، ومع تلفها المثل أو القيمة.

(وتلقين أحد الخصمين حجّته) أو ما فيه ضرر على خصمه.

وإذا ادّعى المدّعي (فإن وضح الحكم لزم القضاء إذا التمسه المقضيّ له) فيقول: حكمت أو قضيت أو أنفذت أو مضيت أو ألزمت، ولا يكفي «ثبت عندي» أو «أنّ دعواك ثابتة» وفي «أخرج إليه من حقّه» أو أمره بأخذه العين أو التصرّف فيها قول جزم به العلّامة (١) وتوقّف المصنّف (٢).

(ويستحبّ) له قبلَ الحكم (ترغيبهما في الصلح) فإن تعذّر حكم بمقتضى الشرع، فإن اشتبه أرجأ حتى يتبيّن، وعليه الاجتهاد في تحصيله.

(ويكره أن يشفع) إلى المستحقّ (في إسقاط) حقّ (أو) إلى المدّعي في (إبطال) دعوى (أو يتّخذ حاجباً وقتَ القضاء) لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله عنه (٣) (أو يقضي مع اشتغال القلب بنعاسٍ أو همٍّ) أو غمٍّ (أوغضبٍ أو جوعٍ *) أو شبعٍ مفرطين أو مدافعة الأخبثين أو وجع، ولو قضى مع وجود أحدها نفذ.

__________________

(١) القواعد ٣:٤٣٤.

(٢) حيث نسب كفاية هذه الصيغ إلى القيل، راجع الدروس ٢:٧٦.

(٣) عوالي اللآلئ ٢:٣٤٣، الحديث ٦.

(*) في (ق) و (س) : بنعاس أو جوع أو همّ أو غضب.

٨١

(القول في كيفيّة الحكم) (١)

(المدّعي هو الذي يُترك لو تَرك) الخصومة، وهو المعبّر عنه بأ نّه الذي يُخلّى وسكوته. وقيل: هو من يخالف قوله الأصل أو الظاهر (٢) (والمنكر مقابله) في الجميع. ولا يختلف موجبها غالباً، كما إذا طالب زيد عَمراً بدين في ذمّته أو عينٍ في يده فأنكر، فزيد لو سكت تُرِك، ويخالف قوله الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة عمرو من الدين وعدم تعلّق حق زيد بالعين، ويخالف قوله الظاهر من براءة عمرو. وعمرو لا يُترك، ويوافق قوله الأصل والظاهر. فهو مدّعى عليه وزيد مدّعٍ على الجميع.

وقد يختلف، كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول، فقال الزوج: (أسلمنا معاً فالنكاح باقٍ) وقالت: (مرتّباً، فلا نكاح) فهي على الأوّلين مدّعية؛ لأنّها لو تركت الخصومة لتُركت واستمرّ النكاح المعلوم وقوعه. والزوج لا يُترك لو سكت؛ لزعمها انفساخ النكاح، والأصل عدم التعاقب؛ لاستدعائه تقدّم أحد الحادثين على الآخر والأصل عدمه. وعلى الظاهر الزوج مدّعٍ، لبُعد التساوق. فعلى الأوّلين يحلف الزوج ويستمرّ النكاح، وعلى الثالث تحلف المرأة ويبطل. وكذا لو ادّعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما ويساره وأنكرته، فمعه الظاهر، ومعها الأصل.

__________________

(١) وإنّما جعل تعريف المدّعي والمنكر من مباحث كيفيّة الحكم؛ لأنّها متوقّفة عليه؛ لأنّ ترتّب أحكام كلٍّ منهما عليه، من كون الدعوى مضبوطة جازمة ونحوه، وترتّب أحكام المنكر على جوابه ونكوله يتوقّف على معرفتهما، فكان كالمقدّمة لكيفيّة الحكم. (منه رحمه الله).

(٢) القواعد ٣:٤٦٣.

٨٢

وحيث عُرف المدّعي فادّعى دعوىً ملزمة معلومة جازمة قُبلت اتّفاقاً. وإن تخلّف الأوّل ـ كدعوى هبة غير مقبوضة، أو وقف كذلك أو رهن عند مشترطه (١) ـ لم تُسمع. وإن تخلّف الثاني ـ كدعوى شيء وثوب وفرس ـ ففي سماعها قولان:

أحدهما: ـ وهو الذي جزم به المصنّف في الدروس (٢) ـ العدم؛ لعدم فائدتها وهو حكم الحاكم بها لو أجاب المدّعى عليه بنعم، بل لابدّ من ضبط المثلي بصفاته والقيمي بقيمته والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها، وإن كان البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنّه إيجاب في الحال وهو غير مختلف، والدعوى إخبار عن الماضي وهو مختلف.

والثاني: ـ وهو الأقوى ـ السماع؛ لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب الحكم وما ذُكِر (٣) ا يصلح للتقييد؛ لإمكان الحكم بالمجهول، فيُحبَس حتى يُبيّنه كالإقرار؛ ولأنّ المدّعي ربما يعلم حقّه بوجهٍ ما خاصّة، بأن يعلم أنّ له عنده ثوباً أو فرساً، ولا يعلم [شخصهما ولا صفتهما] (٤) فلو لم تُسمع دعواه بطل حقّه، فالمقتضي له موجود، والمانع مفقود. والفرق بين الإقرار والدعوى بأنّ المقرّ لو طولب بالتفصيل ربما رجع والمدّعي لا يرجع لوجود داعي الحاجة فيه دونه، غير كافٍ في ذلك؛ لما ذكرناه.

وإن تخلّف الثالث وهو الجزم ـ بأن صرّح بالظنّ أو الوهم ـ ففي سماعها

__________________

(١) أي عند مشترط القبض.

(٢) الدروس ٢:٨٤.

(٣) وهو قوله: لعدم فائدتها ....

(٤) في المخطوطات: شخصها ولا صفتها.

٨٣

أوجه، أوجهها السماع فيما يعسر الاطّلاع عليه ـ كالقتل والسرقة ـ دون المعاملات، وإن لم يتوجّه على المدّعي هنا الحلف بردٍّ ولا نكولٍ ولا مع شاهد، بل إن حلف المنكر أو أقرّ أو نكل وقضينا به، وإلّا وقفت الدعوى.

إذا تقرّر ذلك فإذا ادّعى دعوى مسموعة طُولب المدّعى عليه بالجواب.

(وجواب المدّعى عليه إمّا إقرار) بالحقّ المدّعى به أجمع. (أو إنكار) له أجمع، أو مركّب منهما، فيلزمه حكمهما (أو سكوت) وجعلُ السكوت جواباً مجازٌ شائع في الاستعمال، فكثيراً ما يقال: ترك الجواب جواب المقال.

(فالإقرار يمضي) على المقرّ (مع الكمال) أي كمال المقرّ على وجه يُسمع إقراره، بالبلوغ والعقل مطلقاً، ورفع الحَجر فيما يمتنع نفوذه به، وسيأتي تفصيله.

فإن التمس المدّعي حينئذٍ الحكمَ حكم عليه فيقول: ألزمتك ذلك، أو قضيت عليك به.

(ولو التمس) المدّعي من الحاكم (كتابة إقراره كتب وأشهد مع معرفته (١) أو شهادة عدلين بمعرفته، أو اقتناعه بحِليته (٢)) لا بمجرّد إقراره وإن صادقه المدّعي، حذراً من تواطئهما على نسب لغيرهما، ليلزما ذا النسب بما لا يستحقّ عليه.

(فإن ادّعى الإعسار) وهو عجزه عن أداء الحقّ، لعدم ملكه لما زاد عن داره وثيابه اللائقة بحاله ودابّته وخادمه كذلك وقوت يومٍ وليلةٍ له ولعياله الواجبي النفقة (وثبت صدقه) فيه (ببيّنةٍ مطّلعةٍ على باطن أمره) مراقبةٍ له في خلواته واجدةٍ، صبّره على ما لا يصبر عليه واجدُ المال عادةً حتى ظهر لها

__________________

(١) معرفة الحاكم للمدّعى عليه.

(٢) حِلية الإنسان: ما يرى من لونه وظاهره وهيئته.

٨٤

قرائن الفقر ومخايل (١) الإضاقة، مع شهادتها على نحو ذلك ممّا (٢) يتضمّن الإثبات، لا على النفي الصِرف (أو بتصديق خصمه) له على الإعسار (أو كان) أصل (الدعوى بغير (٣) مال) بل جناية أوجبت مالاً أو إتلافاً، فإنّه حينئذٍ يُقبل قوله فيه؛ لأصالة عدم المال، بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالاً، فإنّ أصالة بقائه تمنع من قبول قوله، وإنّما يثبت إعساره بأحد الأمرين: البيّنة أو تصديق الغريم، وظاهره أنّه لا يتوقّف مع البيّنة على اليمين وهو أجود القولين (٤) ولو شهدت البيّنة بالإعسار في القسم الثاني (٥) فأولى بعدم اليمين. وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالاً (وحلف) على الإعسار (تُرك) إلى أن يقدر، ولا يُكلَّف التكسّب في المشهور وإن وجب عليه السعي على وفاء الدين.

(وإلّا) يتّفق ذلك بأن لم يُقِم بيّنة ولا صادقه الغريم مطلقاً (٦) ولا حلف حيث لا يكون أصل الدعوى مالاً (حُبس) وبُحث عن باطن أمره (حتى يُعلم حاله) فإن عُلم له مالٌ اُمر بالوفاء، فإن امتنع باشره القاضي ولو ببيع ماله إن كان مخالفاً للحقّ. وإن عُلم عدم المال أو لم يفِ الموجود بوفاء الجميع اُطلق بعد صرف الموجود.

__________________

(١) جمع (مَخيلة) بمعنى المظنّة.

(٢) في (ر) : بما.

(٣) كذا في نسختي المتن أيضاً، وفي (ش) و (ع) : لغير.

(٤) اختاره العلّامة في التذكرة ٢:٥٩ (الحجريّة) وأمّا القول بتوقّفه على اليمين، فقد نسبه المحقّق الكركي إلى الأكثر، اُنظر جامع المقاصد ٥:٣٠١.

(٥) يعني ما إذا كان أصل الدعوى بغير مال.

(٦) سواء كان أصل الدعوى مالاً أو لا. وقال بعض المحشّين: أي لا على الإعسار ولا على تلف المال.

٨٥

(وأمّا الإنكار: فإن كان الحاكم عالماً) بالحقّ (قضى بعلمه) مطلقاً (١) على أصحّ القولين (٢) ولا فرق بين علمه به في حال ولايته ومكانها وغيرهما، وليس له حينئذٍ طلب البيّنة من المدّعي مع فقدها قطعاً، ولا مع وجودها على الأقوى وإن قصد دفع التهمة، إلّامع رضاء المدّعي. والمراد بعلمه هنا العلم الخاصّ وهو الاطّلاع الجازم، لا بمثل وجود خطّه به إذا لم يذكر الواقعة وإن أمن التزوير.

نعم، لو شهد عنده عدلان بحكمه به ولم يتذكّر فالأقوى جواز القضاء، كما لو شهدا بذلك عند غيره. ووجه المنع إمكان رجوعه إلى العلم؛ لأنّه فعله، بخلاف شهادتهما عند الحاكم على حكم غيره، فإنّه يكفي الظنّ، تنزيلاً لكلّ بابٍ على الممكن فيه، ولو شهدا عليه بشهادته به، لا بحكمه فالظاهر أنّه كذلك.

(وإلّا) يعلم الحاكم بالحقّ (طلب البيّنة) من المدّعي إن لم يكن عالماً بأ نّه موضع المطالبة بها، وإلّا جاز للحاكم السكوت (فإن قال: لا بيّنة لي عرّفه أنّ له إحلافه، فإن طلبه) أي طلب إحلافه (حلّفه * الحاكم).

(ولا يتبرّع) الحاكم (بإحلافه) لأنّه حقّ للمدّعي فلا يستوفى بدون مطالبته وإن كان إيقاعه إلى الحاكم، فلو تبرّع المنكر به أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدّعي لغا.

(و) كذا (لا يستقلّ به الغريم من دون إذن الحاكم) لما قلناه: من أنّ إيقاعه موقوف على إذنه وإن كان حقّاً لغيره؛ لأنّه وظيفته.

__________________

(١) سواء كان من حقوق اللّٰه تعالى أم من حقوق الآدميّين، وسواء كان الحاكم معصوماً أم غيره.

(٢) اختاره المحقّق في الشرائع ٤:٧٥ وقال في المسالك ١٣:٣٨٣: وقيل: لا يجوز مطلقاً، وقال ابن إدريس: يجوز في حقوق الناس دون حقوق اللّٰه، وعكس ابن الجنيد في كتابه الأحمدي.

(*) في (ق) و (س) : أحلفه.

٨٦

(فإن حلف) المنكر على الوجه المعتبر (سقطت الدعوى عنه) وإن بقي الحقّ في ذمّته (وحرم مقاصّته) به لو ظفر له المدّعي بمال وإن كان مماثلاً لحقّه، إلّاأن يكذِّب المنكر نفسه بعد ذلك.

(و) كذا (لا تُسمع البيّنة) من المدّعي (بعده) أي بعد حلف المنكر على أصحّ الأقوال (١) لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام «إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قِبَله (٢) وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة، فإنّ اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه» (٣) وغيرها من الأخبار (٤).

وقيل: تُسمع بيّنته مطلقاً (٥) وقيل: مع عدم علمه بالبيّنة وقت تحليفه ولو بنسيانها (٦) والأخبار (٧) حجّة عليهما.

(وإن) لم يحلف المدّعىٰ عليه و (ردَّ اليمين) على المدّعي (حلف المدّعي) إن كانت دعواه قطعيّة، وإلّا لم يتوجّه الردّ عليه كما مرّ (٨) وكذا لو كان

__________________

(١) وهو اختيار الشيخ في الخلاف ٦:٢٩٣، المسألة ٤٠، والعلّامة في المختلف ٨:٣٩٦، وسيأتي قولان آخران من الشيخ رحمه الله.

(٢) قد سقط هنا من النسخ كلمات من الخبر، وهي هذه «... ذهبت اليمين بحقّ المدّعي فلا دعوى له. قلت له: وإن كانت عليه بيّنة عادلة؟ قال: نعم» وإن أقام ....

(٣) الوسائل ١٨:١٧٩، الباب ٩ من أبواب كيفيّة الحكم والدعوى، الحديث الأوّل.

(٤) المصدر السابق، الحديث ٢. والباب ١٠ من أبواب كيفيّة الحكم والدعوى.

(٥) قاله الشيخ في موضع من المبسوط ٨:١٥٨.

(٦) قوّاه الشيخ في موضع آخر من المبسوط ٨:٢١٠.

(٧) المشار إليها آنفاً.

(٨) مرّ في الصفحة ٨٤، قوله: وإن لم يتوجّه على المدّعي هنا الحلف بردٍّ ولا نكول.

٨٧

المدّعي وليّاً أو وصيّاً، فإنّه لا يمين عليه وإن علم بالحال، بل يُلزم المنكِر بالحلف، فإن أبى حُبِس إلى أن يحلف، أو يُقضى بنكوله.

(فإن امتنع) المدّعي من الحلف حيث يتوجّه عليه (سقطت دعواه) في هذا المجلس قطعاً، وفي غيره على قولٍ مشهور، إلّاأن يأتي ببيّنة. ولو استمهل اُمهل، بخلاف المنكر.

ولو طلب [المدّعي] (١) إحضار المال قبل حلفه، ففي إجابته قولان: أجودهما العدم (٢) (٣) ومتى حلف المدّعي ثبت حقّه، لكن هل يكون حلفه كإقرار

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) حكم به العلّامة في المختلف ٨:٤٠٢، وفي مقابله قول أبي الصلاح بلزوم الإجابة، راجع الكافي في الفقه:٤٤٧.

(٣) منشأ الخلاف من أنّه صادرٌ عن المدّعي، فكان كالبيّنة، ومن أنّ سببه النكول وهو من المنكر، فكان كالإقرار. وتظهر فائدة الخلاف في مواضع، منها: ما لو أقام المنكر بيّنة بالأداء أو الإبراء بعد حلف المدّعي، فإن قلنا: إنّ اليمين كالبيّنة سمعت بيّنة المنكر، وإن قلنا كالإقرار لم تسمع؛ لأنّ بيّنته مكذّبة لإقراره. ومنها: أنّه هل يحتاج مع اليمين إلى حكم الحاكم؟ فإن قلنا: إنّها كالبيّنة توقّف عليه، أو كالإقرار فلا. ومنها: ما لو أنكر المفلّس فحلف غريمه، فإن قلنا: إنّها كالبيّنة شاركه، أو كالإقرار ففيه ما سيأتي من الخلاف. ومنها: ما لو أنكر الوكيل في البيع العيب فحلف المشتري عليه بعد نكوله عن اليمين، فإن قلنا: إنّه كالبيّنة فللوكيل ردّه على الموكّل، وإن قلنا: كالإقرار فلا. ومنها: لو ادّعى البائع توليةً كثرة الثمن وأقام بيّنة فإنّها لا تسمع؛ لأنّه مكذّب لها بقوله الأوّل، ولكن له إحلاف المشتري على عدم العلم بذلك، وهل للمشتري ردّ اليمين عليه أم لا يبنى على القولين، إن قلنا كإقرار المنكر فله الردّ؛ لأنّ المشتري لو أقرّ نفعه، وإن قلنا إنّه كبيّنة المدّعي فلا؛ لأنّ بيّنته غير مسموعة. (منه رحمه الله).

٨٨

الغريم أو كالبيّنة؟ قولان: أجودهما الأوّل (١).

وتظهر الفائدة في مواضع كثيرة مفرَّقة (٢) في أبواب الفقه.

(وإن نكل) المنكر عن اليمين وعن ردّها على المدّعي بأن قال: «أنا ناكل» أو قال: (لا أحلف) عقيبَ قول الحاكم له: «احلف» أو «لا أردّ» «ردّت اليمين أيضاً» على المدّعي بعد أن يقول الحاكم للمنكر: «إن حلفت، وإلّا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين» مرّة، ويستحبّ ثلاثاً، فإن حلف المدّعي ثبت حقّه، وإن نكل فكما مرّ (٣).

(وقيل) والقائل به الشيخان (٤) والصدوقان (٥) وجماعة (٦) : (يُقضى) على المنكر بالحقّ (بنكوله) لصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنّه حكى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنّه ألزم أخرس بدينٍ ادّعي عليه فأنكر ونكل عن اليمين، فألزمه بالدين بامتناعه عن اليمين (٧).

(والأوّل أقرب) لأنّ النكول أعمّ من ثبوت الحقّ؛ لجواز تركه إجلالاً،

__________________

(١) ذهب إلى ذلك العلّامة في التحرير ٥:١٨١، وفي مقابله قول المحقّق الكركي: إنّها بالنسبة إلى المدّعى عليه كالبيّنة. جامع المقاصد ٦:٥٣.

(٢) في (ر) : متفرّقة.

(٣) يعني سقطت دعواه.

(٤) المقنعة:٧٢٤، والنهاية:٣٤٠.

(٥) المقنع:٣٩٦. وحكاه العلّامة في المختلف ٨:٣٨٠ عن الصدوق ووالده.

(٦) منهم سلّار في المراسم:٢٣٢، وابن زهرة في الغنية:٤٤٥، والكيدري في إصباح الشيعة:٥٣٣. ولا يخفى أن هؤلاء الأعلام والصدوقين والشيخين قدّس سرّهم بعد الحكم بذلك قالوا بتوجّه اليمين على المدّعي إذا التمس المنكر من الحاكم أن يُحلف الخصم.

(٧) الوسائل ١٨:٢٢٢، الباب ٣٣ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث الأوّل.

٨٩

ولا دلالة للعامّ على الخاصّ، ولما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه ردّ اليمين على طالب الحقّ (١) وللأخبار الدالّة على ردّ اليمين على المدّعي من غير تفصيل (٢) ولأنّ الحكم مبنيّ على الاحتياط التامّ، ولا يحصل إلّاباليمين، وفي هذه الأدلّة نظر بيّن.

(وإن قال) المدّعي مع إنكار غريمه: (لي بيّنة، عرّفه) الحاكم (أنّ له إحضارها، وليقل: أحضرها إن شئت) إن لم يعلم ذلك (فإن ذكر غيبتها خيّره بين إحلاف الغريم والصبر) وكذا يتخيّر بين إحلافه وإقامة البيّنة وإن كانت حاضرة. وليس له طلب إحلافه ثم إقامة البيّنة، فإن طلب إحلافه ففيه ما مرّ (٣) وإن طلب إحضارها أمهله إلى أن يُحضر (وليس له إلزامه بكفيل) للغريم (ولا ملازمته) لأنّه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها. وقيل: له ذلك (٤).

(وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة) فيها (حكم) بشهادتها بعد التماس المدّعي سؤالها والحكم. ثم لا يقول لهما: «اشهدا» بل «من كان عنده كلام أو شهادة ذكر ما عنده إن شاء» فإن أجابا بما لا يثبت به حقّ طرح قولَهما، وإن قطعا بالحقّ وطابق الدعوى وعرف العدالة حكم كما ذكرنا.

(وإن عرف الفسق ترك) ولا يطلب التزكية؛ لأنّ الجارح مقدّم (وإن جهل) حالها (استزكى) أي طلب من المدّعي تزكيتها، فإن زكّاها بشاهدين على كلٍّ من الشاهدين يعرفان العدالة ومزيلها أثبتها (ثم سأل الخصم عن

__________________

(١) اُنظر السنن الكبرى للبيهقي ١٠:١٨٤.

(٢) راجع الوسائل ١٨:١٧٠، الباب ٣ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

(٣) من سقوط دعوى المدّعي بعد حلف المنكر.

(٤) قاله الشيخ في النهاية:٣٣٩.

٩٠

الجرح) فإن اعترف بعدمه حكم كما مرّ (وإن * استنظر أمهله ثلاثة أيّام) (١) فإن أحضر الجارح نظر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل وإجمال وغيرهما فإن قبله قدّمه على التزكية؛ لعدم المنافاة (فإن لم يأت بالجارح) مطلقاً أو بعد المدّة (حكم عليه بعد الالتماس) أي التماس المدّعي الحكم.

(وإن ارتاب الحاكم بالشهود) مطلقاً (فرّقهم) استحباباً (وسألهم عن) مشخّصات (القضيّة) زماناً ومكاناً وغيرهما من المميّزات (فإن اختلفت أقوالهم سقطت) شهادتهم. ويستحبّ له عند الريبة وعظهم وأمرهم بالتثبّت والأخذ بالجزم (ويكره) له (أن يعنّت الشهود) أي يدخل عليهم العنت وهو المشقّة (إذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق) وغيره من التحزيز (٢).

(ويحرم) عليه (أن يتعتع) الشاهد، أصل التعتعة في الكلام: التردّد فيه (وهو) هنا (أن يداخله في الشهادة) فيدخل معه كلماتٍ توقعه في التردّد أو الغلط، بأن يقول الشاهد: (إنّه اشترى كذا) فيقول الحاكم: (بمئة) أو (في المكان الفلاني) أو يريد أن يتلفّظ بشيء ينفعه فيداخله بغيره ليمنعه من إتمامه، ونحو ذلك (أو يتعقّبه) بكلام ليجعله تمام ما يشهد به، بحيث لولاه لتردّد أو أتى بغيره، بل يكفّ عنه حتى ينتهي (٣) ما عنده وإن لم يفد أو تردّد،

__________________

(*) في (ق) و (س) : فإن.

(١) هكذا أطلق الأصحاب من غير فرقٍ بين من قال: إنّ شهودي على الجرح في مسافةٍ لا يصلون إلّابعد ثلاثة، وغيره. وينبغي لو عيّن مكاناً بعيداً أن يمهل بقدره إذا لم يؤدِّ إلى البُعد المفرط الموجب لتأخير الحقّ. (منه رحمه الله).

(٢) بالمعجمتين، التعسّف في الكلام، وفي (ش) و (ف) : التحرير.

(٣) في (ش) و (ف) : ينهي.

٩١

ثم يرتّب عليه ما يلزمه (أو يرغّبه في الإقامة) إذا وجده متردّداً (أو يُزهّده لو توقّف. ولا يقف (١) عزم الغريم عن الإقرار إلّافي حقّه تعالى) فيستحبّ أن يعرِّض المقرّ بحدٍّ للّٰه‌تعالى بالكفّ عنه والتأويل (لقضيّة ماعز بن مالك عند النبيّ صلّى اللّٰه عليه وآله) حين أقرّ عنده بالزنا في أربعة مواضع، والنبيّ صلى الله عليه وآله يردّده ويوقف عزمه تعريضاً لرجوعه، ويقول له: «لعلّك قبّلت، أو غمزت، أو نظرت» قال: لا، قال: «أفنِكتها لا تُكني؟» قال: نعم، قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟» قال: نعم، قال: «كما يغيب المِروَد (٢) في المُكحُلة والرِشا (٣) في البئر« قال: نعم، قال: »هل تدري ما الزنا؟» قال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، فعند ذلك أمر برجمه (٤).

وكما يستحبّ تعريضه للإنكار، يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثّه على الإقرار؛ لإنّ هزّالاً قال لماعز: بادر إلى رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله قبل أن ينزل فيك قرآن، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا علم به: «ألا (٥) سترته بثوبك كان خيراً لك» (٦).

واعلم أنّ المصنّف رحمه الله ذكر أوّلاً: أنّ جواب المدّعى عليه إمّا إقرار، أو إنكار، أو سكوت (٧) ولم يذكر القسم الثالث، ولعلّه أدرجه في قسم الإنكار على

__________________

(١) يُستعمل لازماً ومتعدّياً.

(٢) الميل يُكتحل به.

(٣) الحبل عموماً، أو خصوص حبل الدلو.

(٤) راجع عوالي اللآلئ ٣:٥٥١، الحديث ٢٤، والسنن الكبرى للبيهقي ٨:٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٥) قال بعض المحشّين: بكسر الهمزة وتشديد اللام على أن تكون مركّبة من (إن) الشرطيّة و (لا) الزائدة.

(٦) السنن الكبرى للبيهقي ٨:٣٣١، وفيها: (لو كنت سترته بثوبك كان خيراً لك).

(٧) راجع الصفحة ٨٤.

٩٢

تقدير النكول؛ لأنّ مرجع حكم السكوت على المختار إلى تحليف المدّعي بعد إعلام الساكت بالحال.

وفي بعض نسخ الكتاب (١) نقل أنّ المصنّف ألحق بخطّه قوله: (وأمّا السكوت فإن كان لآفة) من طَرَشٍ أو خَرَسٍ (توصّل) الحاكم (إلى) معرفة (الجواب) بالإشارة المفيدة لليقين ولو بمترجمين عدلين (وإن كان) السكوت (عناداً حبِس حتى يجيب) على قول الشيخ في النهاية (٢) لأنّ الجواب حقّ واجب عليه، فإذا امتنع منه حبس حتى يؤدّيه (أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه) بأن يقول له: إن أجبت وإلّا جعلتك ناكلاً، فإن أصرّ حكم بنكوله على قول من يقضي بمجرّد النكول (٣) ولو اشترطنا معه إحلاف المدّعي اُحلف بعده. ويظهر من المصنّف التخيير بين الأمرين والأولى جعلهما إشارة إلى القولين. وفي الدروس اقتصر على حكايتهما قولين (٤) ولم يرجّح شيئاً. والأوّل أقوى.

__________________

(١) الملحق الآتي موجود في النسختين الخطّيّتين من المتن، المتوفّرتين لدينا.

(٢) النهاية:٣٤٢.

(٣) تقدّم ذلك عن الشيخين والصدوقين وجماعة.

(٤) الدروس ٢:٨٧.

٩٣

(القول في اليمين)

(لا تنعقد اليمين الموجبة للحقّ) من المدّعي (أو المسقطة للدعوى) من المنكر (إلّاباللّٰه تعالى) وأسمائه الخاصّة (مسلماً كان الحالف أو كافراً) ولا يجوز بغير ذلك كالكتب المنزلة والأنبياء والأئمّة؛ لقول الصادق عليه السلام: «لا يحلف بغير اللّٰه ـ وقال ـ : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلّفوهم إلّا باللّٰه» (١) وفي تحريمه بغير اللّٰه‌في غير الدعوى نظر، من ظاهر النهي في الخبر، وإمكان حمله على الكراهة. أمّا بالطلاق والعتاق والكفر والبراءة فحرام قطعاً (ولو أضاف مع الجلالة «خالق كلّ شيء» في المجوسي كان حسناً) إماطةً لتأويله. ويظهر من الدروس (٢) تعيّن إضافة نحو ذلك فيه؛ لذلك، ومثله «خالق النور والظلمة».

(ولو رأى الحاكم ردع الذميّ بيمينهم فعل، إلّاأن يشتمل على محرّم) كما لو اشتمل على الحلف بالأب أو الابن ونحو ذلك، وعليه حُمِل ما روي أنّ عليّاً عليه السلام استحلف يهوديّاً بالتوراة (٣) وربما يشكل (٤) تحليف بعض الكفّار باللّٰه تعالى؛ لإنكارهم له، فلا يرون له حرمة، كالمجوس، فإنّهم لا يعتقدون وجود إلهٍ خلق (٥) النور والظلمة، فليس في حلفهم به عليهم كلفة، إلّاأنّ النصّ

__________________

(١) الوسائل ١٦:١٦٤، الباب ٣٢ من أبواب الأيمان، الحديث ٢.

(٢) الدروس ٢:٩٦.

(٣) الوسائل ١٦:١٦٥، الباب ٣٢ من أبواب الأيمان، الحديث ٤.

(٤) في غير (ع) : أشكل.

(٥) في (ش) و (ر) : خالق.

٩٤

ورد بذلك (١).

(وينبغي التغليظ بالقول) مثل: واللّٰه الذي لا إله إلّاهو الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضارّ النافع، المدرك المهلك، الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية (والزمان) كالجمعة والعيد (٢) وبعد الزوال، و (٣) العصر (والمكان) كالكعبة والحطيم والمقام والمسجد الحرام والحرم، والأقصى تحت الصخرة، والمساجد في المحراب. واستحباب التغليظ ثابت (في الحقوق كلّها، إلّاأن ينقص المال عن نصاب القطع) وهو ربع دينار. ولا يجب على الحالف الإجابة إلى التغليظ، ويكفيه قوله: واللّٰه ما لَه عندي حقّ.

(ويستحبّ للحاكم وعظ الحالف قبله) وترغيبه في ترك اليمين، إجلالاً للّٰه تعالى، أو خوفاً من عقابه على تقدير الكذب، ويتلو عليه ما ورد في ذلك من الأخبار والآثار، مثل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله «مَن أجلّ اللّٰه أن يحلف به أعطاه اللّٰه خيراً ممّا ذهب منه» (٤) وقول الصادق عليه السلام: «من حلف باللّٰه كاذباً كفر، ومن حلف باللّٰه صادقاً أثم، إنّ اللّٰه عزّ وجلّ يقول: (وَلاٰ تَجْعَلُوا اَللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ)» (٦) وعنه (٦) عليه السلام قال: «حدّثني أبي أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج فقضى لأبي أنّه طلّقها، فادّعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له

__________________

(١) تقدّم في أوّل البحث.

(٢) في (ش) و (ر) : العيدين.

(٣) في (ر) : أو.

(٤) الوسائل ١٦:١١٥، الباب الأوّل من أبواب الأيمان، الحديث ٣.

(٥) الوسائل ١٦:١١٦، الباب الأوّل من أبواب الأيمان، الحديث ٦. والآية ٢٢٤ من سورة البقرة.

(٦) ظاهر السياق رجوع الضمير إلى الصادق عليه السلام والخبر مرويّ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.

٩٥

أمير المدينة: يا عليّ إمّا أن تحلف أو تعطيها، فقال لي يا بُنيّ: قم فأعطها أربعمئة دينار، فقلت: يا أبه جعلت فداك! ألست محقّاً؟ قال: بلى ولكنّي أجللت اللّٰه عزّ وجلّ أن أحلف به يمين صبر» (١).

(ويكفي) الحلف على (نفي الاستحقاق وإن أجاب) في إنكاره (بالأخصّ) كما إذا ادّعى عليه قرضاً فأجاب بأنّي ما اقترضت؛ لأنّ نفي الاستحقاق يشمل المتنازع وزيادة؛ ولأنّ المدّعي قد يكون صادقاً فعرض ما يُسقط الدعوى، ولو اعترف به وادّعى المُسقط طولب بالبيّنة وقد يعجز عنها، فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق.

وقيل: يلزمه الحلف على وفق ما أجاب به (٢) لأنّه بزعمه قادر على الحلف عليه حيث نفاه بخصوصه إن طلبه منه المدّعي. ويضعَّف بما ذكرناه، وبإمكان التسامح في الجواب بما لا يتسامح في اليمين.

(و) الحالف (يحلف) أبداً (على القطع في فعل نفسه وتركه وفعل غيره) لأنّ ذلك يتضمّن الاطّلاع على الحال الممكن معه القطع (وعلى نفي العلم في نفي فعل غيره) كما لو ادّعى على مورِّثه مالاً، [فكفاه] (٣) الحلف على أنّه لا يعلم به؛ لأنّه يعسر الوقوف عليه، بخلاف إثباته، فإنّ الوقوف عليه لا يعسر.

__________________

(١) الوسائل ١٦:١١٧، الباب ٢ من أبواب الأيمان، الحديث الأوّل.

(٢) نسبه في المسالك ١٣:٤٨٩ إلى الشيخ رحمه الله، والموجود في المبسوط ٨:٢٠٧ نسبة هذا القول إلى قوم، من دون اختياره.

(٣) في المخطوطات: فيكفاه. وفي (ع) منها المقابلة على الأصل: كذا بخطّه.

٩٦

(القول في الشاهد واليمين)

(كلّ ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين، وهو كلّ ما كان مالاً، أو) كان (المقصود منه المال كالدين والقرض) تخصيص بعد التعميم (والغصب، وعقود المعاوضات كالبيع والصلح) والإجارة، والهبة المشروطة بالعوض (والجناية الموجبة للدية كالخطأ، وعمد الخطأ، وقتل الوالد ولده، وقتل الحرّ * العبد) والمسلم الكافر (وكسر العظام) وإن كان عمداً (و) كذا (الجايفة والمأمومة) والمنقّلة (١) لما في إيجابها القصاص على تقدير العمد من التغرير.

(ولا يثبت) بالشاهد واليمين (عيوب النساء) (٢) وكذا عيوب الرجال؛ لاشتراكهما في عدم تضمّنهما المال (ولا الخُلع) لأنّه إزالة قيد النكاح بفدية وهي شرط فيه، لا داخلة في حقيقته، ومن ثمّ أطلق المصنّف والأكثر. وهذا يتمّ مع كون المدّعي هو المرأة، أمّا لو كان الرجل فدعواه تتضمّن المال وإن انضمّ إليه أمر آخر، فينبغي القطع بثبوت المال، كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره (٤) كالسرقة، فإنّهم قطعوا بثبوت المال، وهذا قويّ وبه جزم في

__________________

(*) لم يرد في (ق) و (س) : قتل الحرّ.

(١) يأتي توضيح هذه الثلاث في كتاب الديات.

(٢) أكثرهم عبّروا بعيوب النساء ومنهم المصنّف هنا. وفي الدروس [٢:٩٧] ذكر عيوب الرجل والمرأة، وهو أولى؛ لاشتراكهما في العلّة. (منه رحمه الله).

(٣) يعني غير الخلع.

٩٧

الدروس (١) (والطلاق) المجرّد عن المال، وهو واضح (والرجعة) لأنّ مضمون الدعوى إثبات الزوجيّة (٢) وليست مالاً وإن لزمها النفقة؛ لخروجها عن حقيقتها (والعتق على قولٍ) مشهورٍ؛ لتضمّنه إثبات الحريّة، وهي ليست مالاً. وقيل: يثبت بهما (٣) لتضمّنه المال، من حيث إنّ العبد مال للمولى فهو يدّعي زوال الماليّة (والكتابة والتدبير والاستيلاد *) وظاهره عدم الخلاف فيها، مع أنّ البحث آتٍ فيها. وفي الدروس ما يدلّ على أنّها (٤) بحكمه (٥) لكن لم يصرّحوا بالخلاف، فلذا أفردها (والنسب) وإن ترتّب عليه وجوب الإنفاق، إلّاأ نّه خارج عن حقيقته كما مرّ (والوكالة) لأنّها ولاية على التصرّف وإن كان في مالٍ (والوصّية إليه (٦)) كالوكالة (بالشاهد واليمين) متعلّق بالفعل السابق، أي لا تثبت هذه المذكورات بهما.

(وفي النكاح قولان) : أحدهما ـ وهو المشهور ـ عدم الثبوت مطلقاً (٧) لأنّ المقصود الذاتي منه الإحصان وإقامة السنّة وكفُّ النفس عن الحرام والنسل، وأمّا المهر والنفقة فإنّهما تابعان. والثاني القبول مطلقاً نظراً إلى تضمّنه المال ولا نعلم قائله. وفي ثالث قبوله من المرأة دون الرجل؛ لأنّها تثبت النفقة والمهر،

__________________

(١) الدروس ٢:٩٧.

(٢) في (ف) : حقّ الزوجيّة.

(٣) قاله العلّامة في القواعد ٣:٢٠٨، والتحرير ٤:٢٠٠.

(*) الظاهر أنّ (الاستيلاد) من الماتن، لكنّها لا توجد في (ق) و (س).

(٤) أي الثلاثه بحكم العتق في كونه خلافيّاً.

(٥) الدروس ٢:٩٧.

(٦) يعني الوصيّة إلى شخص بكونه وصيّاً.

(٧) قاله الشيخ في المبسوط ٨:١٨٩، وهو ظاهر أبي الصلاح في الكافي:٤٣٨.

٩٨

ذهب إليه العلّامة (١) والأقوى المشهور.

(ولو كان المدّعون جماعة) وأقاموا شاهداً واحداً (فعلى كلّ واحد يمين) لأنّ كلّ واحد يثبت حقّاً لنفسه، ولا يثبت مالٌ لأحدٍ بيمين غيره.

(ويشترط شهادة الشاهد أوّلاً وتعديله) والحلف بعدهما (ثم الحكم يتمّ بهما لا بأحدهما، فلو * رجع الشاهد غرّم النصف) لأنّه أحد جزئي سبب فوات المال على المدّعى عليه (والمدّعي لو رجع غرِّم الجميع) لاعترافه بلزوم المال له مع كونه قد قبضه. ولو فرض تسلّم الشاهد المال ثم رجع أمكن ضمانه الجميع إن شاء المالك؛ لاعترافه بترتّب يده على المغصوب، فيتخيّر المالك في التضمين.

[القضاء علي الغائب عن مجلس القضاء]

(ويقضى على الغائب عن مجلس القضاء **) سواء بعد أم قرب وإن كان في البلد ولم يتعذّر عليه حضور مجلس الحكم على الأقوى؛ لعموم الأدلّة (٢) ولو كان في المجلس لم يقض عليه إلّابعد علمه.

ثم الغائب على حجّته لو حضر، فإن ادّعى بعده قضاءً أو إبراءً أقام به البيّنة، وإلّا اُحلفَ المدّعي (٣).

ومحلّه حقوق الناس، لا حقوق اللّٰه تعالى؛ لأنّ القضاء على الغائب

__________________

(١) القواعد ٣:٤٤٩.

(*) في (ق) : ولو.

(**) في (ق) : مجلس الحكم.

(٢) الوسائل ١٨:٢١٦، الباب ٢٦ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث ١ و ٢ و ٣.

(٣) في مصحّحة (ع) : المدّعى عليه.

٩٩

احتياط، وحقوق اللّٰه تعالى مبنيّة على التخفيف، لغَنائه. ولو اشتمل على الحقّين ـ كالسرقة ـ قُضي بالمال دون القطع.

(وتجب اليمين مع البيّنة على بقاء الحقّ) إن كانت الدعوى لنفسه، ولو كانت لموكِّله، أو للمولّى عليه فلا يمين عليه، ويسلّم المال بكفيل إلى أن يحضر المالك، أو يكمل ويحلف ما دام المدّعى عليه غائباً.

(وكذا تجب) اليمين مع البيّنة (في الشهادة على الميّت والطفل أو المجنون) أمّا على الميّت فموضع وفاق، وأمّا على الغائب والطفل والمجنون فلمشاركتهم له في العلّة المؤمى إليها في النصّ (١) وهو أنّه لا لسان له للجواب فيستظهر الحاكم بها؛ إذ يحتمل لو حضر كاملاً أن يجيب بالإيفاء أو الإبراء، فيتوجّه اليمين، وهو من باب اتّحاد طريق المسألتين، لا من باب القياس.

وفيه نظر، للفرق ـ مع فقد النصّ ـ وهو أنّ الميّت لا لسان له مطلقاً في الدنيا، بخلاف المتنازع، فيمكن مراجعته إذا حضر أو كمل (٢) وترتيب (٣) حكم على جواب، بخلاف الميّت، فكان أقوى في إيجاب اليمين، فلا يتّحد الطريق.

وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين دعوى العين والدين. وقيل بالفرق وثبوت اليمين في الدين خاصّة (٤) لاحتمال الإبراء منه وغيره من غير علم الشهود، بخلاف العين فإنّ ملكها إذا ثبت استُصحب. ويضعّف بأنّ احتمال تجدّد نقل الملك ممكن في الحالتين، والاستظهار وعدم اللسان آتٍ فيهما.

__________________

(١) أي النصّ الوارد في الميّت، راجع الوسائل ١٨:١٧٣، الباب ٤ من أبواب كيفيّة الحكم.

(٢) حضر الغائب أو كمل الناقص.

(٣) في (ش) و (ر) : ترتّب.

(٤) قاله العلّامة في القواعد ٣:٤٤١.

١٠٠