مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

دينه عن التفكر فى آلاء الله تعالى وعن التدبّر لكتابه والتفهّم لسنّتى زالت الرواسى ولم يزل ، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال وقلّدهم فيه ذهب به الرجال من يمين إلى شمال وكان من دين الله على أعظم زوال (١).

٢ ـ الخطيب البغدادى : أخبرنا ابن شهريار ، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبرانى حدّثنا أحمد بن يحيى بن أبى العبّاس الخوارزمى ، ببغداد سنة سبع وثمانين ومأتين ـ أخبرنا سليمان بن عبد العزيز بن أبى ثابت المدينى ، حدّثنا أبى ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن حسين ، عن علىّ بن الحسين بن على ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم فريضة على كلّ مسلم (٢).

٣ ـ أبو منصور الطبرسى باسناده ، عن أبى محمّد الحسن بن علىّ العسكرى عليهما‌السلام قال : قال الحسين بن على عليهما‌السلام : من كفل لنا يتيما قطعته عنا محبّتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه ، قال الله عزوجل : أيّها العبد الكريم المواسى لأخيه أنا أولى بالكرم منك ، اجعلوا له يا ملائكتى فى الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر ، وضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النعيم (٣).

٣ ـ باب التوحيد

١ ـ الصدوق ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانى رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن على العدوىّ ، قال : حدّثنا الهيثم بن عبد الله الرّمانى ، قال : حدّثنا علىّ بن موسى الرّضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علىّ ، عن أبيه علىّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن

__________________

(١) تيسير المطالب : ١٤٨.

(٢) تاريخ بغداد : ٥ / ٢٠٤.

(٣) الاحتجاج : ١ / ٨.

٨١

علىّ عليهم‌السلام ، قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام النّاس فى مسجد الكوفة ، فقال :

الحمد لله الّذي لا من شيء كان ، ولا من شيء كوّن ما قد كان ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرّه إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينيّة ، ولا له شبه مثال فيوصف بكيفيّة ولم يغب عن علمه شيء فيعلم بحيثيّة مباين لجميع ما أحدث فى الصفات ، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرّف الحالات ، محرّم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده ، وعلى عوامق ناقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات القطر تصويره.

لا تحويه الأماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلاله ، ولا تقطعه المقاييس لكبريائه ، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه ، وعن الأفهام أن تستغرقه وعن الأذهان أن تمثّله ، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السموّ إلى وصف قدرته لطائف الخصوم واحد لا من عدد ، ودائم لا بأمد ، وقائم لا بعمد ، ليس بجنس فتعادله الأجناس ، ولا بشبح فتضارعه الأشباح ، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات.

قد ضلّت العقول فى أمواج تيّار إدراكه ، وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الأذهان فى لجج أفلاك ملكوته مقتدر بالآلاء وممتنع بالكبرياء ، ومتملّك على الأشياء فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به ، قد خضعت له ثوابت الصعاب فى محلّ تخوم قرارها ، وأذعنت له رواصن الأسباب فى منتهى شواهق أقطارها مستشهد بكلّيّة الأجناس على ربوبيّته وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدسه ، وبزوالها على بقائه ، فلا لها محيص عن إدراكه من قدرته عليها ، كفى باتقان الصنع لها آية ، وبمركّب الطبع عليها دلالة وبحدوث الفطر عليها قدمة وباحكام الصنعة لها عبرة ، فلا إليه حدّ

٨٢

منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولا شيء عنه محجوب ، تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علوّا كبيرا.

أشهد أن لا إله الّا الله إيمانا بربوبيّته ، وخلافا على من أنكره ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المقرّ فى خير مستقرّ ، المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهّرات الأرحام المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتّا ، من أمنع ذروة ، وأعزّ أرومة ، من الشجرة الّتي صاغ الله منها أنبيائه وانتجب منها أمناءه الطيّبة العود ، المعتدلة العمود ، الباسقة الفروع ، الناضرة الغصون ، اليانعة الثمار الكريمة الحشا ، فى كرم غرست ، وفى حرم أنبتت ، وفيه تشعّبت ، وأثمرت ، وعزّت ، وامتنعت ، فسمت به وشمخت حتّى أكرمه الله عزوجل بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين.

سخّر له البراق ، وصافحته الملائكة ، وأرعب به الأباليس ، وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه ، سنته الرّشد ، وسيرته العدل وحكمه الحقّ صدع بما أمره ربّه ، وبلّغ ما حمله ، حتّى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر فى الخلق أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، حتّى خلصت له الوحدانية وصفت له الربوبيّة ، وأظهر الله بالتوحيد حجّته ، وأعلى بالاسلام درجته ، واختار الله عزوجل لنبيّه ما عنده من الرّوح والدرجة والوسيلة ، صلّى الله عليه عدد ما صلّى على أنبيائه المرسلين ، وآله الطاهرين (١).

٢ ـ عنه ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانى رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودى البصرى بالبصرة ، قال : أخبرنا محمّد بن زكريّا الجوهرىّ الغلابى البصرى ، قال : حدّثنا العبّاس بن بكّار الضبىّ ، قال : حدّثنا أبو بكر الهذلىّ ، عن عكرمة ، قال : بينما ابن عبّاس يحدّث الناس

__________________

(١) التوحيد : ٦٩.

٨٣

إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال : يا ابن عبّاس تفتى فى النملة والقملة ، صف لنا إلهك الّذي تعبده ، فأطرق ابن عبّاس إعظاما لله عزوجل ، وكان الحسين بن علىّ عليهما‌السلام جالسا ناحية ، فقال : إلىّ يا ابن الأزرق ، فقال : لست إيّاك أسأل.

فقال ابن العبّاس : يا ابن الأزرق إنّه من أهل بيت النبوّة ، وهم ورثة العلم فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين ، فقال له الحسين : يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدّهر فى الارتماس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا فى الاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، يا ابن الأزرق أصف الهى بما وصف به نفسه وأعرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقصّ ، يوحّد ، ولا يبغّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال (١).

٣ ـ عنه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رحمه‌الله ، قال : حدّثنا علىّ ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن أبى جعفر محمّد بن على الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه ـ الحسين ـ عليهم‌السلام أنّه قال : إنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين بما ذا عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزم ونقض الهمّ.

لمّا هممت فحيل بينى وبين همّى ، وعزمت فخالف القضاء عزمى علمت أنّ المدبّر غيرى ، قال : فيما ذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت الى بلاء قد صرفه عنّى وأبلى به غيرى فعلمت أنّه قد أنعم علىّ فشكرته ، قال : فلما ذا أحببت لقاءه ، قال : لمّا رأيته قد اختار لى دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أنّ الّذي أكرمنى بهذا ليس ينسانى فأحببت لقاءه(٢).

٤ ـ عنه ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمرو بن علىّ البصرى ، قال : حدّثنا أبو

__________________

(١) التوحيد : ٧٩.

(٢) التوحيد : ٢٨٨.

٨٤

الحسن علىّ بن الحسن المثنّى ، قال : حدّثنا أبو الحسن علىّ بن مهرويه القزوينىّ ، قال : حدّثنا أبو أحمد الغازى ، قال : حدّثنا علىّ بن موسى الرضا ، قال : حدّثنا ابى موسى ابن جعفر ، قال : حدّثنى أبى جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا أبى محمّد بن علىّ ، قال : حدّثنا أبى علىّ بن الحسين ، قال : حدّثنا أبى الحسين بن على عليه‌السلام.

قال : سمعت أبى علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام يقول : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصى ، وأمّا الفرائض فبأمر الله عزوجل ، وبرضاء الله وقضاء الله وتقديره ، ومشيّته وعلمه ، وأمّا الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضاء الله وبقضاء الله وبقدر الله وبمشيّته وبعلمه ، وأمّا المعاصى فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيّته وبعلمه ، ثمّ يعاقب عليها (١).

٥ ـ عنه بهذ الاسناد ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم ، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به ، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا ، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له (٢).

٦ ـ عنه ، حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدّب رضى الله عنه ، قال : حدّثنا علىّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علىّ بن معبد عن الحسين بن خالد ، عن علىّ بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه على بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن على ، عن أبيه علىّ ابن أبى طالب عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله عليه‌السلام يقول : قال الله جلّ جلاله : من لم يرض بقضائى ولم يؤمن بقدرى فليلتمس الها غيرى ، وقال رسول الله عليه‌السلام : فى كلّ قضاء الله خيرة للمؤمنين(٣).

٧ ـ عنه حدثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن على بن

__________________

(١) التوحيد : ٣٦٩.

(٢) التوحيد : ٣٧١.

(٣) التوحيد : ٣٧١.

٨٥

الحسين بن على بن أبى طالب عليهم‌السلام وأحمد بن الحسن القطان ومحمّد بن ابراهيم بن أحمد المعاذى ، قالوا : حدثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمدانيّ مولى بنى هاشم ، قال : حدثنا يحيى بن اسماعيل الجريري قراءة ، قال : حدثنا الحسين بن اسماعيل قال : حدثنا عمرو بن جميع ، عن جعفر بن محمّد ، قال : حدثني أبى ، عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام قال : دخل الحسين بن على عليهما‌السلام على معاوية فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثم دار عشيا فى طرقهم فى ثوبين؟ فقال عليه‌السلام! حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، قال : صدقت ، قال : وقيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام لما أراد قتال الخوارج : لو احترزت يا أمير المؤمنين فقال عليه‌السلام :

أىّ يومىّ من الموت أفرّ

يوم لم يقدر أم يوم قدر

يوم ما قدّر لا أخشى الرّدى

واذا قدر لم يغن الحذر (١)

٨ ـ عنه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد ، الاشنانى الرازى العدل ببلخ ، قال :

حدثنا على بن مهرويه القزوينى قال : حدثنا على بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم‌السلام قال : ان يهوديّا سأل على بن أبى طالب عليه‌السلام فقال : أخبرنى عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله ، فقال عليه‌السلام : أما ما لا يعلمه الله عزوجل فذلك قولكم يا معشر اليهود : ان عزيزا ابن الله والله لا يعلم له ولد او أما قولك ما ليس لله فليس لله شريك ، وقولك : ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد ، فقال اليهودى : أنا أشهد أن لا إله الا الله وأنّ محمّدا رسول الله (٢).

٩ ـ عنه حدثنا على بن أحمد ، بن محمّد بن عمران الدقاق رضى الله عنه ، قال : حدثنا محمّد بن الحسن الطائى ، قال : حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الأدمى الرازى

__________________

(١) التوحيد : ٣٧٤.

(٢) التوحيد : ٣٧٧.

٨٦

عن على بن جعفر الكوفى ، قال : سمعت سيدى على بن محمّد ، يقول : حدثني أبى محمّد بن على ، عن أبيه الرضا على بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن ابيه محمّد بن على ، عن أبيه على بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علىعليهم‌السلام.

وحدثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادى ، قال : حدثني أبو القاسم اسحاق بن جعفر العلوىّ ، قال : حدثني ابى جعفر بن محمّد بن على ، عن سليمان ابن محمّد القرشى ، عن اسماعيل بن أبى زياد السكونى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه ، عن جده ، عن على عليهم‌السلام ـ واللّفظ لعلى بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق ـ قال : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا الى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أجل يا شيخ ، فو الله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ : عند الله احتسب عنائى يا أمير المؤمنين ، فقال : مهلا يا شيخ ، لعلك تظنّ قضاء حتما وقدرا لازما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهى والزجر ، ولسقط معنى الوعيد والوعد.

لم يكن على مسيء لائمة ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).

قال : فنهض الشيخ وهو يقول :

أنت الامام الّذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرّحمن غفرانا

٨٧

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا

فليس معذرة فى فعل فاحشة

قد كنت راكبها فسقا وعصيانا

لالا ولا قائلا ناهيه أوقعه

فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا

ولا أحبّ ولا شاء الفسوق ولا

قتل الولىّ له ظلما وعدوانا

أنّى يحبّ وقد صحّت عزيمته

ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا (١)

١٠ ـ عنه حدثنا أبى رضى الله عنه قال حدثنا أحمد بن ادريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن الحسن بن على بن أبى عثمان ، عن عبد الكريم بن عبيد الله ، عن سلمة ابن عطا ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : خرج الحسين بن على عليهما‌السلام على أصحابه فقال : أيها الناس ان الله جل ذكره ما خلق العباد الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه فاذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ، فقال له رجل يا ابن رسول الله بأبى وأنت وأمى فما معرفة الله قال معرفة أهل كلّ زمان امامهم الذي يجب عليهم طاعته (٢).

١١ ـ روى ابن شعبة مرسلا عن الامام أبى عبد الله الحسين عليه‌السلام انه قال : أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم ، يضاهئون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، استخلص الوحدانية والجبروت وأمضى المشيئة والارادة والقدرة والعلم بما هو كائن. لا منازع له فى شيء من أمره ولا كفو له يعادله ولا ضدّ له ينازعه ، ولا سمى له يشابهه ولا مثل له يشاكله. لا تداوله الأمور ولا تجرى عليه الأحوال ولا تنزل عليه الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته.

لأنه ليس له فى الأشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير

__________________

(١) التوحيد : ١٨٠.

(٢) علل الشرائع : ١ / ٩.

٨٨

بتكفيرهم ، الا بالتحقيق ايقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمد ، ما تصور فى الاوهام فهو خلافه ، ليس برب من طرح تحت البلاغ ومعبود من وجد فى هواء أو غير هواء. هو فى الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ندّ ليس عن الدهر قدمه ولا بالناحية أممه.

احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار. وعمن فى السماء احتجابه كمن فى الأرض ، قربه كرامته وبعده اهانته ، لا يحله فى ، ولا توقّته اذ ، ولا تؤامره ان ، علوّ من غير توقّل ، ومجيئه من غير تنقّل ، يوجد المفقود ويفقد الموجود ولا تجتمع لغيره الصفتان فى وقت. يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان لا وجود صفة ، به توصف الصفات لا بها يوصف ، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف ، فذلك الله لا سمّى له ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (١).

١٢ ـ الصدوق باسناده ، عن الحسين بن على عليهما‌السلام قال : ان يهوديا سئل علىّ ابن أبى طالب عليه‌السلام فقال : أخبرنى عمّا ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله تعالى ، قال : علىّ عليه‌السلام أمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم : يا معشر اليهود عزيز بن الله والله لا يعلم له ابنا وأمّا قولك : ما ليس لله فليس له شريك وأمّا قولك : ما ليس عند الله ، فليس عند الله ظلم للعباد ، فقال اليهودى : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

١٣ ـ عنه ، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن على بن الشاه الفقيه المروروذى ، فى منزله بمروروذ ، قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائى بالبصرة ، قال : حدّثنى أبى ، قال : حدّثنى علىّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال حدّثنى أبى موسى بن جعفر ، قال : حدّثنى أبى جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنى أبى محمّد بن على ، قال :

__________________

(١) تحف العقول : ١٧٥.

(٢) عيون اخبار الرضا : ٢ / ٤٦.

٨٩

حدّثنى أبى علىّ بن الحسين ، قال : حدّثنى أبى الحسين بن على قال : حدّثنى أبى علىّ بن أبى طالب عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله عزوجل : لا إله الّا الله حصنى فمن دخله أمن من عذابى (١).

١٤ ـ روى الديلمى ، عن أبى الصلت عبد السلام بن صالح الهروى قال : كنت مع الرضا عليه‌السلام لما وصل إلى نيسابور ، وهو راكب بغلة شهباء ، وقد خرج علماء نيسابور فى استقباله ، فلمّا صار فى المربعة تعلقوا بلجام بغلته فقالوا : يا ابن رسول الله ، حدّثنا بحقّ آبائك الطاهرين حديثا عن آبائك صلوات الله عليهم أجمعين فأخرج رأسه من الهودج ـ وعليه مطرف خز ـ وقال :

حدّثنى أبى موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن على ، عن أبيه علىّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن على ـ سيّد شباب أهل الجنّة ـ عن أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال أخبرنى جبرئيل الروح الأمين ، عن الله ـ تقدّست أسماؤه وجلّ وجهه ـ انّه يقول : إنّى أنا الله لا إله الّا أنا وحدى ، عبادى فاعبدونى ، وليعلم من لقينى منكم بشهادة أن لا إله إلّا الله ـ مخلصا بها ـ أنّه قد دخل حصنى ، ومن دخل حصنى أمن من عذابى ، قالوا : يا ابن رسول الله ، وما إخلاص الشهادة لله؟ قال : طاعة الله ورسوله ، وولاية أهل بيته عليهم‌السلام (٢).

١٥ ـ ابو الفتح الكراجكى : حدّثنى أبو المرجى محمّد بن على بن طالب البلدى ، قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلى ، عن أبى على محمّد بن همام بن سهل ، عن عبد الله بن جعفر الحميرى ، عن الحسن بن علىّ بن فضّال ، عن محمّد بن أبى عمير ، عن أبى علىّ الخراسانى ، عن عبد الكريم بن عبد الله عن مسلمه بن عطا ، عن أبى عبد الله الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : خرج الحسين بن على صلوات الله عليه ذات يوم على أصحابه فقال بعد الحمد لله جلّ وعزّ والصلاة

__________________

(١) عيون اخبار الرضا : ٢ / ١٣٤.

(٢) اعلام الدين : ٢١٤.

٩٠

على محمّد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيّها الناس انّ الله ـ والله ـ ما خلق العباد إلا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه ، فاذا عبدوه استغنوا بعبادته من سواه. فقال له رجل : بأبى أنت وأمّى يا ابن رسول الله ، ما معرفة الله. قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته (١).

١٦ ـ الحافظ ابن عساكر أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنبأنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد ، وأبو الحسن سهل بن عبد الله الغازى وأحمد بن عبد الرّحمن الذكوانى ومحمّد بن أحمد بن زرا وعبد الرزّاق بن عبد الكريم ، والقاسم بن الفضل الثقفى. وأخبرنا أبو محمّد ابن طاوس ، أنبأنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد وسهل قالوا : أنبأنا محمّد بن إبراهيم الجرجانى ، أنبأنا أبو على الحسين بن على ، أنبأنا محمّد ابن زكريّا ، أنبأنا العبّاس بن بكار ، أنبأنا أبو بكر الهذلى : عن عكرمة ، عن ابن عبّاس أنّه بينما كان يحدث الناس اذ قام إليه نافع بن الأزرق فقال له :

يا ابن عبّاس تفتى الناس فى النملة والقملة؟ صف لى إلهك الّذي تعبده فأطرق ابن عبّاس اعظاما لقوله ، وكان الحسين بن على جالسا ناحية فقال : إلىّ يا ابن الأزرق. قال ابن الأزرق : لست إيّاك أسأل! قال ابن عبّاس : يا ابن الأزرق إنّه من أهل بيت النبوّة وهم ورثة العلم! فأقبل نافع نحو الحسين فقال له الحسين : يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر فى الالتباس مائلا ناكبا عن المنهاج ظاعنا بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل.

يا ابن الازرق أصف الهى بما وصف به نفسه وأعرّفه بما عرّف به نفسه : لا يدرك بالحواسّ ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير منتقص يوحّد ولا يبعض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله الّا هو الكبير المتعال ، فبكى ابن الأزرق وقال : يا حسين ما أحسن كلامك؟ فقال له الحسين :

__________________

(١) كنز الفوائد : ٢ / ٣٢٨.

٩١

بلغنى أنّك تشهد على أبى وعلى أخى بالكفر وعلىّ؟ قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الاسلام ونجوم الأحكام.

فقال له الحسين عليه‌السلام إنّى سائلك عن مسألة! قال : اسأل. فسأله عن هذه الآية : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) يا ابن الأزرق من حفظ فى الغلامين؟ قال ابن الأزرق : أبو هما؟ قال الحسين : فأبوهما خير أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال ابن الأزرق : قد أنبأنا الله تعالى أنكم قوم خصمون (١).

٤ ـ باب أوصاف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١ ـ روى الصدوق فى حديث طويل فى صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الحسين عليه‌السلام : سألت أبى عليه‌السلام عن مدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له فى ذلك فاذا أوى الى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء لله ، وجزء لأهله ، وجزء لنفسه ، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين النّاس فيرد ذلك بالخاصّة على العامّة ولا يدّخر عنهم منه شيئا وكان من سيرته فى جزء الأمّة إيثار أهل الفضل باذنه وقسمه على قدر فضلهم فى الدين.

فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فى ما أصلحهم والامّة من مسألته عنهم ، وبأخبارهم بالّذى ينبغى ، ويقول : ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغونى حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته فانّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على! بلاغها ثبّت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلّا ذلك ولا يقيد من أحد عشرة ، يدخلون روّادا ، ولا يفترقون الّا عن ذواق ، و

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٥٧.

٩٢

يخرجون أدلّة.

قال : فسألته عن مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف كان يصنع فيه؟ فقال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخزن لسانه إلّا عمّا يعنيه ، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم ، ويكرم كريم كلّ قوم ويولّيه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقّد أصحابه ، ويسأل الناس عمّا فى النّاس ، ويحسّن الحسن ويقوّيه ، ويقبّح القبيح ويهوّنه ، معتدل الأمر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملّوا ، ولا يقصر عن الحقّ ولا يجوزه الّذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة للمسلمين وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة.

فسألته عن مجلسه فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى الى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ، ويعطى كلّ جلسائه نصيبه ، ولا يحسب من جلسائه أنّ أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه صابره حتّى يكون هو المنصرف عنه ، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها أو بميسور من القول ، قد وسع النّاس منه خلقه وصار لهم أبا وصاروا عنده فى الخلق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته ، متعادلين ، متواصلين فيه بالتقوى ، متواضعين ، يوقّرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب.

فقلت : فكيف كان سيرته فى جلسائه؟ فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظّ ، ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عيّاب ولا مدّاح ، يتغافل عمّا لا يشتهى ، فلا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه مؤمّليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يغنيه ، وترك النّاس من ثلاث : كان لا يذمّ أحدا ، ولا يعيّره ، ولا يطلب عثراته ولا عورته. ولا يتكلّم إلّا فى ما رجا ثوابه.

٩٣

إذا تكلّم أطرق جلساءه كأنّما على رءوسهم الطّير ، فاذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوّلهم ، يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة فى مسألته ومنطقه حتّى أن كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارقدوه ، ولا يقبل الثّناء إلّا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد كلامه حتّى يجوز فيقطعه بنهى أو قيام.

قال : فسألته عن سكوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كان سكوته على أربع : على الحلم والحذر ، والتقدير ، والتفكّر ، فأمّا التقدير ففى تسوية النظر والاستماع بين النّاس ، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى ، وجمع له الحلم فى الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه جمع له الحذر فى أربع ، أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه واجتهاده الرأى فى صلاح امّته ، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة (١).

٥ ـ باب الامامة

١ ـ الصفّار : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن صباح المزنى ، عن الحارث بن حصيرة ، عن الحكم بن عتيبة ، قال لقى رجل الحسين بن علىّ عليهما‌السلام بالثعلبيّة وهو يريد كربلا فدخل عليه فسلّم عليه ، فقال له الحسين عليه‌السلام من أىّ البلدان أنت فقال من أهل الكوفة ، قال يا أهل الكوفة أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّى بالوحى ، يا أخا أهل الكوفة

__________________

(١) معانى الاخبار : ٨١ ـ ٨٣.

٩٤

مستقى العلم من عندنا أفعلموا وجهلنا هذا ما لا يكون؟! (١).

٢ ـ قال سليم بن قيس : فلمّا مات الحسن بن على عليهما‌السلام ، لم تزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدّان فلم يبق ولىّ لله إلّا خائفا على دمه (وفى رواية اخرى إلّا خائفا على دمه أنّه مقتول) وإلّا طريدا وإلّا شريدا ولم يبق عدوّ لله إلّا مظهرا حجّته غير مستتر ببدعته وضلالته ، فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن على صلوات الله عليه وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر معه فجمع الحسين عليه‌السلام بنى هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن الأنصار ممّن يعرفه الحسين عليه‌السلام وأهل بيته.

ثمّ أرسل رسلا لا تدعوا أحدا ممّن حج العام من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك الّا أجمعهم فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم فى سرادقه ، عامتهم من التابعين ونحو من مائتى رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

أمّا بعد فان هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، وانّى أريد أن أسألكم عن شيء ، فان صدّقت فصدّقونى وإن كذبت فكذبونى وأسألكم بحقّ الله عليكم وحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتى من بينكم لما سيرتم مقامى هذا ووصفتم مقالتى ودعوتم أجمعين فى أمصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس وفى رواية اخرى بعد قوله : فكذبونى اسمعوا مقالتى واكتبوا قولى ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن آمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقّنا.

فانّى أتخوّف أن يدرس هدا الأمر ويذهب الحقّ ويغلب ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون وما ترك شيئا ممّا أنزل الله فيهم من القرآن إلّا تلاه وفسره ولا شيئا

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١١ والكافى : ١ / ٣٩٨.

٩٥

ممّا قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى أبيه وأخيه وامّه وفى نفسه وأهل بيته الّا رواه وكلّ ذلك يقول أصحابه : اللهمّ نعم وقد سمعنا وشهدنا ويقول التابعى : اللهمّ قد حدثني به من أصدقه وآتمنه من الصحابة ، فقال : أنشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه.

قال سليم : فكان فيما ناشدهم الحسين عليه‌السلام وذكّرهم أن قال : أنشدكم الله أتعلمون أنّ علىّ بن أبى طالب كان أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه وقال أنت أخى وأنا أخوك فى الدنيا والآخرة ، قالوا اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ، ثمّ ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل عاشرها فى وسطها لأبى ، ثمّ سدّ كلّ باب شارع الى المسجد غير بابه فتكلّم فى ذلك من تكلّم فقال ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرنى بسدّ أبوابكم وفتح بابه.

ثمّ نهى الناس أن يناموا فى المسجد غيره ، وكان يجنب فى المسجد ومنزله فى منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وله فيه أولاد قالوا : اللهمّ نعم قال : أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص على كوة قدر عينه يدعها فى منزله الى المسجد فأبى عليه ثمّ خطب فقال إنّ الله أمرنى أن أبنى مسجدا طاهرا لا يسكنه غيرى وغير أخى وبنيه ، قالوا اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبه يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية وقال ليبلغ الشاهد الغائب ، قالوا اللهمّ نعم.

قال : أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : له فى غزوة تبوك أنت منّى بمنزلة هارون من موسى ، وأنت ولىّ كلّ مؤمن بعدى ، قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله أتعلمون انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى من أهل نجران الى المباهلة لم يأت الّا به وبصاحبته وابنته ، قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله أتعلمون انّه دفع إليه اللّواء يوم خيبر ثمّ قال : لأدفعه الى رجل يحبّه الله ورسوله و

٩٦

يحبّ الله ورسوله كرّار غير فرّار ، يفتحها الله على يديه قالوا : اللهمّ نعم.

قال : أتعلمون أنّ رسول الله بعثه ببراءة وقال لا يبلغ عنى إلا أنا أو رجل منّى قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أتعلمون انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شدّة قطّ الا قدّمه لها ثقة به ، وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلّا يقول يا أخى وادعوا لى أخى قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال : يا علىّ أنت منّى وأنا منك وأنت ولىّ كلّ مؤمن بعدى قالوا : اللهمّ نعم ، قال أتعلمون انّه كانت له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم خلوة وكلّ ليلة دخلة اذا سأله أعطاه واذا سكت أبداه قالوا اللهمّ نعم.

قال : أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها‌السلام : زوجتك خير أهل بيتى أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما قالوا : اللهمّ نعم ، قال أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أنا سيّد ولد بنى آدم وأخى على سيّد العرب وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة والحسن والحسين ابناى سيّدا شباب أهل الجنّة قالوا : اللّمّ نعم ، قال : أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بغسله وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه قالوا : اللهمّ نعم.

قال أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فى آخر خطبة خطبها : إنّى تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتى فتمسّكوا بهما لن تضلّوا قالوا : اللهمّ نعم ، فلم يدع شيئا أنزله الله فى علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام خاصة وفى أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ناشدهم فيه فيقول الصحابة : اللهمّ نعم قد سمعنا ، ويقول التابع : اللهمّ قد حدثنيه من أثق به فلان وفلان.

ثمّ ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول من زعم أنّه يحبّنى ويبغض عليّا فقد كذّب ليس يحبّنى ويبغض عليا ، فقال له قائل يا رسول الله وكيف ذلك قال لانّه منّى وأنا منه ، من أحبّه فقد أحبّنى ومن أحبّنى فقد أحبّ الله ومن أبغضه فقد أبغضنى ومن

٩٧

أبغضبنى فقد أبغض الله فقالوا : اللهمّ نعم ، قد سمعنا وتفرّقوا على ذلك (١).

٣ ـ الصدوق : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن اسحاق الطالقانى رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن همام أبو على ، عن عبد الله بن جعفر الحميرى ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن أبى المثنى النخعي ، عن زيد بن على بن الحسين ، عن أبيه علىّ ابن الحسين ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف تهلك أمة أنا ، وعلىّ وأحد عشر من ولدى أولو الألباب أوّلها ، والمسيح بن مريم آخرها ، ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس منّى (٢).

٤ ـ عنه ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا أبى ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبى أحمد محمّد بن زياد الأزدى ، عن أبان بن عثمان ، عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين علىّ بن الحسين ، عن سيّد الشهداء الحسين بن علىّ ، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليهم‌السلام ، قال : قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة من بعدى اثنا عشر ، أولهم أنت يا علىّ وآخرهم القائم الذي يفتح الله تبارك وتعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها (٣).

٥ ـ عنه باسناده ، عن الحسين بن على عليهما‌السلام ، قال : قال لى بريدة أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسلّم على أبيك بإمرة المؤمنين (٤)

٦ ـ أبو عبد الله المفيد حدّثنا ، أبو جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين ، قال : حدّثنى أبى ، قال حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطّاب ، عن محمّد ابن سنان ، عن المفضّل بن عمر الجعفى ، عن جابر بن يزيد ، عن أبى جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىّ بن أبى طالب عليه‌السلام يا على أنا وأنت وابناك الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين

__________________

(١) اصل سليم : ٢٠٦ ـ ٢٠٩.

(٢) عيون اخبار الرضا : ١ / ٦٥.

(٣) العيون : ١ / ٦٥.

(٤) العيون : ١ / ٦٥.

٩٨

أركان الدين ودعائم الاسلام ، من تبعنا نجا ومن تخلّف عنا فى النار (١).

٧ ـ الخزاز القمى : أخبرنا المعافا بن زكريّا ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعد ، قال : حدّثنى أحمد بن الحسين بن سعيد ، قال : حدّثنى أبى ، قال : حدّثنى جعد ابن الزبير المخزومى ، قال : حدّثنى عمران بن يعقوب الجعدى ، عن أبيه يعقوب بن عبد الله ، عن أبى يحيى بن جعدة بن هبيرة ، عن الحسين بن على صلوات الله عليهما وسأله رجل عن الأئمّة فقال : عدد نقباء بنى اسرائيل ، تسعة من ولدى ، آخرهم القائم.

لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ابشروا ثمّ ابشروا ثمّ ابشروا ـ ثلاث مرات ـ إنّما مثل أهل بيتى كمثل حديقة أطعم منها فوج عاما ثمّ أطعم منها فوج عاما فى آخرها فوجا يكون أعرضها بحرا وأعمقها طولا وفرعا وأحسنها حنا ، وكيف تهلك أمّة أنا أوّلها ، والاثنا عشر من بعدى من السعداء أولى الألباب والمسيح بن مريم آخرها ، ولكن يهلك فيما بين ذلك نتج الهرج ليسوا منّى ولست منهم (٢).

٨ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن على رضى الله عنه ، قال : حدّثنا زياد بن جعفر الهمدانيّ ، قال أخبرنا علىّ بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروى ، قال أخبرنا وكيع ، عن الربيع ابن سعد ، عن عبد الرحمن بن سابط ، قال : قال الحسين بن علىّ عليهما‌السلام : منّا اثنا عشر مهديا أوّلهم أمير المؤمنين علىّ عليه‌السلام وآخرهم التاسع من ولدى ، وهو القائم بالحقّ ، يحيى الله به الارض بعد موتها ويظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون ، له غيبة يرتدّ فيها قوم ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال لهم : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، أما إنّ الصابرين فى غيبته على الأذى والتكذيب بمنزله المجاهدين بالسيف بين يدى

__________________

(١) أمالي المفيد : ١٣٥.

(٢) كفاية الاثر : ٢٣٠.

٩٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٩ ـ عنه ، حدّثنا علىّ بن الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الكوفى ، قال : حدّثنا محمّد بن محمود ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله الذاهل ، قال : حدّثنا أبو حفص الأعشى ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن يحيى ابن عقيل ، عن يحيى بن يعمن ، قال : كنت عند الحسين عليه‌السلام اذ دخل عليه رجل من العرب متلثما أسمر شديد السمرة ، فسلّم وردّ الحسين عليه‌السلام ، فقال : يا ابن رسول الله مسألة. قال : هات. قال : كم بين الإيمان واليقين؟

قال : أربع أصابع. قال : كيف؟ قال : الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه وبين السمع والبصر أربع أصابع ، قال : فكم بين السماء والأرض؟ قال : دعوة مستجابة. قال: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال : مسيرة يوم للشمس. قال : فما عز المرء؟ قال : استغناؤه عن الناس ، قال : فما أقبح شيء؟ قال : الفسق فى قبيح ، والحدة فى السلطان قبيحة ، والكذب فى ذى الحسب قبيح ، والبخل فى ذى الغنا والحرص فى العالم. قال : صدقت يا ابن رسول الله ، فأخبرنى عن عدد الأئمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : اثنا عشر عدد نقباء بنى إسرائيل ، قال : فسمّهم لى قال : فأطرق الحسين عليه‌السلام مليا ثمّ رفع رأسه فقال : نعم أخبرك يا أخا العرب ، ان الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين على عليه‌السلام ، والحسن وأنا وتسعة من ولدى منهم على ابنى وبعده محمّد ابنه وبعده جعفر ابنه وبعده موسى ابنه وبعده على ابنه وبعده محمّد ابنه وبعده على ابنه وبعد الحسن ابنه وبعده الخلف المهدى هو التاسع من ولدى ، يقوم بالدين فى آخر الزمان. قال : فقام الأعرابى وهو يقول :

مسح النبيّ جبينه

فله بريق فى الخدود

أبواه من أعلى قريش

وجدّه خير الجدود (٢)

__________________

(١) كفاية الاثر : ٢٣١.

(٢) كفاية الاثر : ٢٣٢.

١٠٠