مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

الحسين عليه‌السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : «أمّا بعد فقد عظمت الرزيّة وجلّت المصيبة وحدث فى الاسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين» فكتب إليه يزيد «أمّا بعد يا أحمق فانّنا جئنا الى بيوت منجدة ، وفرش ممهّدة ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها فان يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا وابتزّ واستأثر بالحقّ على أهله (١).

١٦ ـ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا يحيى بن أبى طالب ، حدّثنا شبابة بن سوار ، حدّثنا يحيى بن إسماعيل الأسدي قال سمعت الشعبى يحدث عن ابن عمر انّه كان بماء له فبلغه انّ الحسين بن على توجّه العراق فلحقه فذكر الحديث فى أمره بالرجوع فأبى أن يرجع فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال أستودعك الله من قتيل (٢).

١٧ ـ الترمذى : حدّثنا عقبة بن مكرّم العمىّ ، حدّثنا وهب بن جرير بن حازم ، حدّثنا أبى ، عن محمّد بن أبى يعقوب ، عن عبد الرحمن بن أبى نعم ، أنّ رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب ، فقال ابن عمر : انظروا الى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسمعت رسول الله يقول : إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاى من الدنيا (٣).

١١ ـ زيد بن أرقم والحسين عليه‌السلام

١٨ ـ روى الهيثمى : عن حبيب بن يسار ، قال لما أصيب الحسين بن على

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٥ / ٣٢٨.

(٢) سنن الكبرى : ٧ / ١٠٠.

(٣) صحيح الترمذى : ٥ / ٦٥٧.

٦١

عليه‌السلام قام زيد بن أرقم على باب المسجد فقال : أفعلتموها أشهد لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول اللهمّ انّى أستودعكهما عكهما وصالح المؤمنين فقيل لعبيد الله بن زياد إن زيد بن أرقم قال كذا وكذا قال ذاك شيخ قد ذهب عقله (١).

١٢ ـ عبيد الله بن الحرّ والحسين عليه‌السلام

١٩ ـ قال الدينورى : قالوا : إنّ عبيد الله بن الحرّ ندم على تركه إجابة الحسين حين دعاه بقصر بنى مقاتل الى نصرته ، وقال :

فيا لك حسرة ما دمت حيّا

تردّد بين حلقى والتراقى

حسين حين يطلب بذل نصرى

على أهل العداوة والشقاق

فما أنسى غداة يقول حزنا

أتتركني وتزمع لانطلاق؟

فلو فلق التلهّف قلب حىّ

لهمّ القلب منّى بانفلاق

ثمّ مضى نحو أرض الجبل مغاضبا لابن زياد ، واتّبعه أناس من صعاليك الكوفة (٢).

١٣ ـ مصعب بن الزبير والحسين عليه‌السلام

٢٠ ـ وقد كان المصعب لمّا قدم الكوفة سأل عروة بن المغيرة بن شعبة عن الحسين بن علىّ وقتله ، فجعل يحدّثه عن ذلك. فقال : مصعب متمثّلا ببيت قاله سليمان بن قتّة :

فانّ الالى بالطفّ من آل هاشم

تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا

__________________

(١) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٤.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٦٢.

٦٢

قال عروة : فعرفت أنّ مصعبا لا يفرّ أبدا ، فكان ذلك (١).

١٤ ـ ميثم التّمار والحسين عليه‌السلام

٢١ ـ روى ابن أبى الحديد ، عن كتاب الغارات ، قال : وحجّ ميثم فى السنّة الّتي قتل فيها ، فدخل على أمّ سلمة رضى الله عنها ، فقالت له : من أنت؟ قال : عراقىّ ، فاستنسبته ، فذكر لها أنّه مولى علىّ بن أبى طالب ، فقالت : أنت ميثم ، قال : بلى أنا ميثم ، فقالت : سبحان الله! والله لربّما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوصى بك عليّا فى جوف اللّيل ، فسألها عن الحسين بن علىّ ، فقالت : هو فى حائط له ، قال : أخبريه أنى قد أحببت السّلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين ، إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه ، وأريد الرجوع ، فدعت بطيب فطيّبت لحيته ، فقال لها : أما إنّها ستخضب بدم ، فقالت : من أنبأك هذا؟ قال : أنبأنى سيّدى.

فبكت أمّ سلمة ، وقالت له : إنّه ليس بسيّدك وحدك ، وهو سيّدى وسيّد المسلمين ، ثمّ ودّعته. فقدم الكوفة ، فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد. وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند أبى تراب ، قال : ويحكم هذا الأعجمىّ! قال : نعم ، فقال له عبيد الله أين ربّك؟ قال : بالمرصاد ، قال : قد بلغنى اختصاص أبى تراب لك ، قال : قد كان بعض ذلك ، فما تريد؟ قال : وإنّه ليقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك ، قال : نعم ، إنّه أخبرنى ، قال : ما الذي أخبرك أنى صانع بك؟.

قال : أخبرنى أنّك تصلبنى عاشر عشرة وأنا أقصر هم خشبة ، وأقربهم من المطهرة ، قال : لأخالفنّه ، قال : ويحك! كيف تخالفه ، إنمّا أخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و

__________________

(١) الاخبار الموفقيات : ٥٤٥.

٦٣

أخبر رسول الله عن جبرائيل وأخبر جبرائيل عن الله ، فكيف تخالف هؤلاء! اما والله لقد عرفت الموضع الّذي أصلب فيه أين هو من الكوفة؟ وإنّى لأوّل خلق الله ألجم فى الإسلام بلجام ، كما يلجم الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبى عبيدة الثقفى ، فقال ميثم للمختار وهما فى حبس ابن زياد : انّك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه‌السلام ، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن فى سجنه ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه.

فلمّا دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية الى عبيد الله بن زياد ، يأمره بتخلية سبيله ، وذاك أن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر ابن الخطّاب ، فسألت بعلها أن يشفع فيه الى يزيد فشفع ، فأمضى شفاعته ، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد ، فوافى البريد ، وقد أخرج ليضرب عنقه ، فانطلق.

أمّا ميثم فأخرج بعده ليصلب ، وقال عبيد الله : لأمضينّ حكم أبى تراب فيه ، فلقيه رجل ، فقال له : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسّم ، وقال : لها خلقت ، ولى غذيت ، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمر وبن حريث ، فقال عمرو : لقد كان يقول لى : إنّى مجاورك ، فكان يأمر جاريته كلّ عشية أن تكنس تحت خشبته وترشّه ، وتجمّر بالمجمر تحته ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بنى هاشم ، ومخازى بنى اميّة ، وهو مصلوب على الخشبة.

فقيل لابن زياد قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه ، فألجم فكان أوّل خلق الله ألجم فى الإسلام ، فلمّا كان فى اليوم الثانى فاضت منخراه وفمه دما ، فلمّا كان فى اليوم الثالث طعن بحربة فمات. وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه‌السلام العراق بعشرة أيّام (١)

__________________

(١) شرح النهج : ٢ / ٢٩٢.

٦٤

١٥ ـ أبو نصر بن نباتة والحسين عليه‌السلام

٢٣ ـ روى ابن أبى الحديد ، عن ابن نباتة انّه قال فى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فالموت فى حياتكم مقهورين» والحسين الذي رأى الموت فى العزّ حياة والعيش فى الذلّ قتلا وقال التهامى :

ومن فاته نيل العلا بعلومه

وأقلامه فليبغها بحسامه

فموت الفتى فى العزّ مثل حياته

وعيشته فى الذلّ مثل حمامه (١)

١٦ ـ بنى أود والحسين عليه‌السلام

٢٣ ـ قال ابن أبى الحديد : روى ابن الكلبى ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن السائب ، قال : قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانى ، وهو من رجل بنى أود ، حىّ من قحطان ، وكان شريفا فى قومه ، قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها ، وكان من أنصاره وشيعته : والله ما كافأتك بعد! ثمّ أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بنى فزارة : أن زوّج عبد الله بن هانى ، بابنتك ، فقال : لا والله ولا كرامة! فدعا بالسياط ، فلمّا رأى الشرّ قال : نعم أزوجه ، ثمّ بعث إلى سعيد بن قيس الهمدانيّ رئيس اليمانية : زوّج ابنتك من عبد الله بن أود.

فقال : من أود ، لا والله لا أزوجه ولا كرامة! فقال : علىّ بالسيف ، فقال : دعنى حتّى أشاور أهلى ، فشاورهم ، فقالوا : زوجه ولا تعرض نفسك لهذا الفاسق ،

__________________

(١) شرح النهج : ٣ / ٢٤٥.

٦٥

فزوجه. فقال الحجاج لعبد الله ، قد زوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان ، وعظيم كهلان وما أود هناك ،! فقال : لا تقل أصلح الله الأمير ذاك! فان لنا مناقب ليست لأحد من العرب ، قال : وما هى؟ قال : ما سبّ أمير المؤمنين عبد الملك فى نادينا قط ، قال : منقبة والله ، قال : وشهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا ، ما شهد منا مع أبى تراب إلّا رجل واحد ، وكان والله ما علمته إمرا سوء.

قال منقبة والله ، قال : ومنا نسوة نذرن : ان قتل الحسين بن على أن تنحر كل واحدة عشر قلائص ، ففعلن ، قال : منقبة والله ، قال : وما منّا رجل عرض عليه شتم أبى تراب ولعنه إلا فعل وزاد ابنيه حسنا وحسينا وأمهما فاطمة ، قال : منقبة والله؟! قال : وما أحد من العرب له من الصباحة والملاحة مالنا ، فضحك الحجاج ، وقال : أما هذه يا أبا هانى فدعها ، وكان عبد الله دميما شديد الادمة مجدورا فى رأسه عجر ، مائل الشدق ، أحول قبيح الوجه ، شديد الحول (١).

١٧ ـ أحمر مولى بنى أميّة والحسين عليه‌السلام

٢٤ ـ قال ابن ابى الحديد : قال نصر : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، قال : قد مر على عليه‌السلام يومئذ (يوم صفين) ومعه بنوه نحو الميسرة ، ومعه ربيعة وحدها ، وإنى لأرى النبل يمر بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه الا من يقيه بنفسه ، فيكره على عليه‌السلام ذلك ، فيتقدم عليه ، ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذه بيده اذا فعل ذلك ، فيلقيه من ورائه ، ويبصر به أحمر مولى بنى أميه ، وكان

__________________

(١) شرح النهج : ٤ / ٦١.

٦٦

شجاعا.

قال على عليه‌السلام : وربّ الكعبة : قتلنى الله إن لم أقتلك! فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان مولى على عليه‌السلام ، فاختلفا ضربتين ، فقتله أحمر ، وخالط عليا ليضربه بالسيف ، وينتهره على ، فتقع يده فى جيب درعه ، فجذبه عن فرسه ، فحمله على عاتقه ، فو الله لكانى أنظر الى رجلى أحمر تختلفان على عنق علىّ ، ثم ضرب به الأرض ، فكسر منكبه وعضديه ، ووشد ابنا على حسين ومحمّد فضرباه بأسيافهما حتى برد ، فكأنى أنظر الى على قائما ، وشبلاه يضربان الرجل حتى اذا أتيا عليه ، أقبلا على أبيهما ، والحسن قائم معه ، فقال له على : يا بنىّ ، ما منعك أن تفعل كما فعل ، أخواك؟ فقال : كفيانى يا أمير المؤمنين (١).

١٨ ـ قيس بن عباد والحسين عليه‌السلام

٢٥ ـ قال ابن قتيبة : حدثني أبو حاتم عن الأصعمى قال حدثنا أبو هلال عن قتادة قال قال عبيد الله بن زياد لقيس بن عباد : ما تقول فىّ وفى الحسين؟ فقال : أعفنى أعفاك الله! فقال : لتقولنّ ، قال : يجئ أبوه يوم القيامة فيشفع له ، ويجىء أبوك فيشفع لك ، قال: قد علمت غشك وخبثك ، لئن فارقتنى يوما لأضعنّ بالأرض أكثرك شعرا (٢).

__________________

(١) شرح النهج : ٥ / ١٩٨.

(٢) عيون الاخبار : ٢ / ١٩٧.

٦٧

١٩ ـ احنف بن قيس والحسين عليه‌السلام

٢٦ ـ قال ابن قتيبة : حدثني القاسم بن الحسن ، عن على بن محمّد ، عن مسلمة ابن محارب ، عن السكن قال : كتب الحسين بن على عليه‌السلام الى الأحنف يدعوه الى نفسه فلم يردّ الجواب وقال : قد جرّبنا آل أبى الحسن فلم نجد عندهم إيالة للملك ولا جمعا للمال ولا مكيدة فى الحرب وقال الشعبى : ما لقينا من آل أبى طالب؟ ان أحببنا هم قتلونا ، وان أبغضنا هم أدخلونا النار (١).

٢٠ ـ ابو جعفر المنصور والحسين عليه‌السلام

٢٧ ـ قال ابن قتيبة : لما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال لأبى عون ومن معه من أهل خراسان : إن لى فى بقية آل مروان تدبيرا أفتأهّبوا يوم كذا وكذا فى أكمل عدة ، ثم بعث الى آل مروان فى ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنّه يفرض لهم فى العطاء فحضر منهم ثمانون رجلا فصاروا الى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولّدهم ثم أذن لهم فدخلوا ، فقال الآذن للكلبى : ممن أنت؟ قال : من كلب وقد ولّدتهم. قال : فانصرف ودع القوم ـ فأبى أن يفعل وقال : انى خالهم ومنهم

فلما استقرّ بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته : أين حمزة بن عبد المطّلب ، ليدخل ، فأيقن القوم بالهلكة ، ثمّ خرج الثانية فنادى اين الحسين بن

__________________

(١) عيون الاخبار : ١ / ٢١١.

٦٨

على؟ ليدخل ، ثم خرج الثالثة فنادى : أين زيد بن على بن الحسين؟ ثم خرج الرابعة فقال: أين يحيى بن زيد؟ ثم قيل : ائذنوا لهم. فدخلوا وفيهم الغمر بن يزيد وكان له صديقا فأومأ إليه : أن ارتفع فأجلسه معه على طنفسة وقال للباقين : اجلسوا وأهل خراسان قيام بأيديهم العمد فقال : أين العبدى الشاعر؟ فقام وأخذ فى قصيدته التي يقول فيها :

أما الدعاة الى الجنان فهاشم

وبنو أميّة من دعاة النّار

فلما أنشد أبياتا منها قال الغمر : يا ابن الزانية. فانقطع العبدى وأطرق عبد الله ساعة ثم قال : امض فى نشيدك. فلما فرغ رمى إليه بصرّة فيها ثلاثمائة دينار ، ثمّ تمثل بقول القائل

ولقد ساءنى وساء سواى

قربهم من منابر وكراسى

أنزلوها بحيث أنزلها الله

بدار الهوان والإتعاس

لا تقيلنّ عبد شمس عثارا

واقطعوا كلّ نخلة وغراس

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلا بجانب المهراس

ثم قال لأهل خراسان : «دهيد» فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم وقام الكلبى فقال : أيها الامير : أنا رجل من كلب لست منهم. فقال :

ومدخل رأسه لم يدنه أحد

بين القرينين حتّى لزّه القرن

ثم قال : دهيد. فشدخ الكلبى معهم ثمّ التفت الى الغمر فقال : لا خير لك فى الحياة بعدهم. قال : أجل ، فقتل ثم دعا ببراذع فألقاها عليهم وبسط عليها الأنطاع ودعا بغدائه فأكل فوقهم وانّ أنين بعضهم لم يهدأ ، حتى فرغ ثم قال : ما تهنأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين الا يومى هذا ، وقام فأمر بهم فجرّوا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثم صلبوا فى بستانه ، وكان يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق

٦٩

الى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ الأنوف ، فقيل له : لو أمرت أيها الأمير بردّ هذا الباب! فقال : والله لرائحتها أحبّ إلى وأطيب من رائحة المسك ، ثم قال :

حسبت أمية أن سترضى هاشم

عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلّا وربّ محمّد وإلهه

حتّى تباح سهولها وحزونها

وتذلّ ذلّ حليلة لحليلها

بالمشرفىّ وتستردّ ديونها (١)

٢١ ـ أبو رجاء العطاردى والحسين عليه‌السلام

٢٨ ـ روى ابن شهرآشوب عن ابانة ابن بطة وجامع الدّارقطني وفضائل أحمد روى قرة بن أعين عن خاله قال كنت عند ابى رجاء العطاردى فقال لا تذكروا أهل البيت الا بخير فدخل عليه رجل من حاضرى كربلا وكان يسبّ الحسين عليه‌السلام وأهوى الله عليه نجمين فعميت عيناه (٢).

٢٩ ـ روى الهيتمى باسناده عن أبى رجاء العطاردى قال لا تسبّوا عليا ولا أحدا من أهل البيت فانّ جارا لنا من بلهجيم قال : ألم تروا الى هذا الفاسق الحسين ابن على قتله الله ، فرماه الله بكوكبين فى عينيه فطمس الله بصره (٣)

__________________

(١) عيون الاخبار : ١ / ٢٠٦

(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ٢ / ١٨٦.

(٣) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٦.

٧٠

٢٢ ـ عبد الملك بن الحجاج والحسين عليه‌السلام

٣٠ ـ قال ابن قتيبة : قال عبد الملك بن الحجاج التغلبى لعبد الملك بن مروان : هربت إليك من العراق. قال : كذبت ، ليس إلينا هربت ، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا (١).

٢٣ ـ الشعبى والحسين عليه‌السلام

٣١ ـ روى ابن شهرآشوب عن الشعبى أنه قال : رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم اغفر لي ولا أراك تغفر لي ، فسألته من ذنبه فقال كنت من الوكلاء على رأس الحسين عليه‌السلام وكان معى خمسون رجلا فرأيت غمامة بيضاء من نور قد نزلت من السماء الى الخيمة وجمعا كثيرا أحاطوا بها ، فاذا فيهم آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ثمّ نزل اخرى وفيها النبيّ عليه الصلاة والسلم وجبرائيل وميكائيل وملك الموت.

فبكى النبيّ عليه الصلاة والسلم وبكوا معه جميعا فدنا ملك الموت وقبض تسعا وأربعين فوثب على رجلىّ فوثبت على رجلى وقلت يا رسول الله الأمان الأمان ، فو الله ما شايعت فى قتله ولا رضيت فقال : ويحك وأنت تنظر الى ما يكون ، فقلت : نعم فقال يا ملك الموت خلّ عن قبض روحه فانّه لا بدّ أن يموت يوما فتركنى وخرجت الى هذا الموضع تائبا على ما كان منى (٢).

__________________

(١) عيون الاخبار : ١ / ١٠٣.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ٢ / ١٨٦.

٧١

٢٢ ـ يحيى بن يعمر والحسين عليه‌السلام

٣٢ ـ روى ابن عبد ربه ، عن الأصمعي قال بعث الحجاج الى يحيى بن يعمر ، فقال له : أنت الّذي تقول إنّ الحسين بن على ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن رسول الله لتأتينّي بالمخرج ممّا قلت أو لأضربنّ عنقك ، فقال له ابن يعمر : وإن جئت بالمخرج فأنا آمن؟ قال: نعم ، قال : اقرأ : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) إلى قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى) إلى قوله (وَعِيسى). فمن أقرب : عيسى من إبراهيم ، وما هو ابن بنته ، أو الحسين من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال له الحجّاج والله لكأنّى ما قرأت هذه الآية قطّ ، وولّاه قضاء بلده ، فلم يزل بها قاضيا حتّى مات (١).

٢٥ ـ الزهرى والحسين عليه‌السلام

٣٣ ـ روى ابن عبد ربه ، عن الزهرى انّه قال : خرجت مع قتيبة أريد المصيصة ، فقد منا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، وإذا هو قاعد فى ايوان له ، وإذا سماطان من الناس على باب الإيوان ، فاذا أراد حاجة قالها للذى يليه ، حتّى تبلغ المسألة باب الإيوان ، ولا يمشى أحد بين السماطين. قال الزّهرى : فجئنا فقمنا على باب الإيوان ، فقال عبد الملك للذى عن يمينه هل بلغكم أىّ شيء أصبح فى بيت المقدّس ليلة قتل الحسين بن علىّ؟ قال : فسأل كلّ واحد منهما صاحبه ، حتّى بلغت

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ١٧٥.

٧٢

المسألة الباب ، فلم يردّ أحد فيها شيئا.

قال الزهرى : فقلت : عندى فى هذا علم. قال : فرجعت المسألة رجلا عن رجل حتّى انتهت الى عبد الملك. قال : فدعيت ، فمشيت بين السماطين ، فلمّا انتهيت الى عبد الملك ، سلّمت عليه. فقال لى : من أنت؟ قلت : أنا محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرى ، قال : فعرّفنى بالنسب ، وكان عبد الملك طلّابة للحديث فعرّفته فقال : ما أصبح ببيت المقدّس يوم قتل الحسين بن علىّ بن أبى طالب؟ ـ وفى رواية عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الملك عن أبى معشر ، عن أبى محمّد بن عبد الله ابن سعيد بن العاص ، عن الزهرى ، أنّه قال : اللّيلة الّتي قتل فى صبيحتها الحسين بن علىّ –

قال الزهرى : نعم ، حدّثنى فلان ـ ولم يسمّه لنا ـ أنّه لم يرفع تلك اللّيلة ، الّتي صبيحتها قتل الحسين بن علىّ بن أبى طالب ، حجر فى بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط قال عبد الملك : صدقت ، حدّثنى الّذي حدّثك ، وإنّى وإيّاك فى هذا الحديث لغريبان. ثمّ قال لى : ما جاء بك؟ قلت جئت مرابطا. قال الزم الباب ، فأقمت عنده ، فأعطانى مالا كثيرا (١).

٢٦ ـ عبد الملك بن مروان والحسين عليه‌السلام

٣٤ ـ قال ابن عبد ربه : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف : لا تعرّض لمحمّد ولا لأحد من أصحابه ، وكان فى كتابه : جنّبنى دماء بنى عبد المطّلب ، فليس فيها شفاء من الحرب ، وانّى رأيت بنى حرب سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين ابن علىّ عليهما‌السلام ، فلم يتعرّض الحجّاج لأحد من الطالبيّين فى أيّامه (٢)

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٣٨٦.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٤٠٠.

٧٣

٢٧ ـ جعدة بن هبيرة والحسين عليه‌السلام

٣٥ ـ قال الدينورى : بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن ، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا الى الحسين عليه‌السلام يعزونه ، وكتب إليه جعدة بن هبيرة بن أبى وهب ، وكان أمحضهم حبّا ومودّة : أمّا بعد فان من قبلنا من شيعتك متطلّعة أنفسهم إليك ، لا يعدلون بك أحدا ، وقد كانوا عرفوا رأى الحسن أخيك فى دفع الحرب ، وعرفوك باللّين لأوليائك ، والغلظة على أعدائك ، والشدّة فى أمر الله فان كنت تحبّ أن تطلب هذا الأمر فاقدم علينا فقد وطّنا أنفسنا على الموت معك.

فكتب إليهم : أما أخى فأرجو أن يكون الله قد وفّقه ، وسدّده فيما يأتى ، وأما أنا فليس رأيى اليوم ذلك ، فالصقوا رحمكم الله بالأرض ، واكمنوا فى البيوت ، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّا ، فان يحدث الله به حدثا وأنا حىّ ، كتبت إليكم برأيى والسلام (١).

٢٨ ـ الاعمش والحسين عليه‌السلام

٣٦ ـ قال المجلسى : روى مؤلف المزار الكبير باسناده إلى الأعمش قال : كنت نازلا بالكوفة وكان لى جار ، كثيرا ما كنت أقعد إليه وكان ليلة الجمعة فقلت له : ما تقول فى زيارة الحسين عليه‌السلام؟ فقال لى : بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة فى النّار ، فقمت من بين يديه وأنا ممتلئ غضبا وقلت : إذا كان السحر أتيته وحدّثته

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٢١.

٧٤

من فضائل أمير المؤمنين ما يسخّن الله به عينيه.

قال : فأتيته وقرعت عليه الباب فاذا أنا بصوت من وراء الباب : إنّه قد قصد الزيارة فى أوّل اللّيل فخرجت مسرعا فأتيت الحير فاذا أنا بالشيخ ساجد لا يملّ من السجود والركوع فقلت له : بالأمس تقول لى : بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة فى النار واليوم تزوره ، فقال لى : يا سليمان لا تلمنى فانّى ما كنت أثبت لأهل هذا البيت إمامة حتّى كانت ليلتى هذه فرأيت رؤيا أرعبتنى.

فقلت : ما رأيت أيّها الشيخ؟ قال : رأيت رجلا لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق ، لا أحسن أصفه من حسنه وبهائه معه أقوام يحفّون به حفيفا ويزفّونه زفّا بين يديه فارس ، على فرس له ذنوب على رأسه تاج للتاج أربعة أركان فى كلّ ركن جوهرة تضىء مسيرة ثلاثة أيّام ، فقلت من هذا؟ فقالوا : محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب عليه‌السلام ، فقلت : والآخر؟ فقالوا : وصيّه علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام.

ثمّ مددت عينى فاذا أنا بناقة من نور عليها هودج من نور تطير بين السّماء والأرض. فقلت : لمن الناقة؟ قالوا : لخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ، قلت : والغلام؟ قالوا: الحسن بن علىّ ، قلت فأين يريدون؟ قال : يمضون بأجمعهم الى زيارة المقتول ظلما الشهيد بكربلاء الحسين بن على ، ثمّ قصدت الهودج وإذا أنا برقاع تساقط من السماء أمانا من الله جلّ ذكره لزوّار الحسين بن على ليلة الجمعة ثمّ هتف بنا هاتف ألا إنّا وشيعتنا فى الدرجة العليا من الجنّة ، والله يا سليمان لا أفارق هذا المكان حتّى تفارق روحى جسدى(١).

__________________

(١) بحار الانوار : ١٠١ / ٥٨.

٧٥

٢٩ ـ بنو هاشم وشهادة الحسين عليه‌السلام

٣٨ ـ روى ابن عبد ربه ، عن الهيثم بن عدىّ انّه ، قال : حدّثنى ابن عياش ، قال : حدّثنى بكير أبو هاشم ، مولى مسلمة قال : لم يزل لبنى هاشم بيعة سرّ ودعوة باطنة منذ قتل الحسين بن علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام ولم نزل نسمع بخروج الرايات السّود من خراسان وزوال ملك بنى أميّة حتّى صار ذلك (١).

٣٠ ـ الحسين عليه‌السلام وغزو خراسان

٣٩ ـ قال الطبرى : حدّثنى عمر بن شبّه ، قال : حدّثنى علىّ بن محمّد ، عن علىّ ابن مجاهد ، عن حنش بن مالك ، قال : غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ، ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله عليه‌السلام ، ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمرو عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان ، فسبق سعيدا ونزل أبر شهر ، وبلغ نزوله أبر شهر سعيدا.

فنزل سعيد قومس ، وهى صلح ، صالحهم حذيفة بعد نهاوند ، فأتى جرجان فصالحوه على مائتى ألف ، ثمّ أتى طميسة ، وهى كلّها من طبرستان وجرجان ، وهى مدينة على ساحل البحر ، وهى فى تخوم جرجان ، فقاتله أهلها حتّى صلّى صلاة الخوف ، فقال لحذيفة : كيف صلّى رسول الله عليه‌السلام؟ فأخبره ، فصلّى بها سعيد صلاة الخوف (٢).

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٤٧٥.

(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٩٦.

٧٦

٣١ ـ شاعر مدح الحسين عليه‌السلام

٤٠ ـ قال أبو اسحاق القيروانى : إن شاعرا مدح الحسين عليه‌السلام فأجزل ثوابه ، فليم على ذلك ، فقال : اترانى خفت أن يقول : لست ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليه‌السلام ولا ابن علىّ بن أبى طالب! ولكنّى خفت أن يقول : لست كرسول الله عليه‌السلام ولا كعلي عليه‌السلام فيصدّق ، ويحمل عنه ويبقى مخلدا فى الكتب ، محفوظا على ألسنة الرّواة. فقال الشاعر: أنت والله يا ابن رسول الله أعرف بالمدح والذّم منى (١).

__________________

(١) زهر الآداب : ١ / ٩٨.

٧٧
٧٨

الاحاديث المروية

عن الامام أبى عبد الله الحسين عليه‌السلام

٧٩

١ ـ باب العقل

١ ـ قال الديلمى : تذاكروا العقل عند معاوية ، فقال الحسين عليه‌السلام : لا يكمل العقل إلّا باتّباع الحق فقال معاوية : ما فى صدوركم إلّا شيء واحد (١).

٢ ـ الحافظ أبو نعيم : حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن حفص ، حدّثنا علىّ بن حفص العبسىّ ، حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علىّ بن الحسين ، عن الحسين بن علىّ بن أبى طالب عليهم‌السلام. قال: قال رسول الله عليه‌السلام : رأس العقل بعد الايمان بالله التودّد إلى الناس (٢).

٢ ـ باب العلم

١ ـ قال أبو طالب الآملى : حدّثنا أبو أحمد محمّد بن علىّ العبدلى ، قال : حدّثنا علىّ بن يحيى الآملى ، ومحمّد بن موسى الرصاصى ، قالا حدّثنا محمّد بن شدّاد المسمعى ، قال : حدّثنا عباد بن صهيب ، وأبو بكر الهذلى ، قالا : سمعنا جعفر بن محمّد ، يقول : سمعت أبى محمّد بن على يقول سمعت أبى علىّ بن الحسين ، يقول سمعت الحسين ابن على يقول : سمعت أبى عليّا عليه‌السلام يقول : سمعت رسول الله عليه‌السلام يقول : من أخذ

__________________

(١) اعلام الدين : ٢٩٨.

(٢) حلية الاولياء : ٣ / ٢٠٣

٨٠