مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

وربيت حتّى صار جلدا شمردلا

إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

وقد كنت أوتيه من الزّاد فى الصّبى

إذا جاء منه صفوة وأطايبه

فلمّا استوى فى عنفوان شبابه

واصبح كالرّمح الرّدينى خاطبه

تهضّمنى مالى كذا وكوى يدى

لوى يده الله الّذي هو غالبه

ثم حف بالله ليقدمنّ إلى بيت الله الحرام فيدعو الله علىّ قال : فصام أسابيع وصلّى ركعات ودعا وخرج متوجّها على عيرانه يقطع بالسّير عرض الفلاة ويطوى الأودية ويعلو الجبال حتّى قدم مكة يوم الحجّ الاكبر فنزل عن راحلته أقبل إلى بيت الله الحرام فسعى وطاف به وتعلّق باستاره وابتهل بدعائه وأنشأ يقول :

يا من إليه أتى الحجاج بالجهد

فوق المهادى من أقصى غاية البعد

انّى أتيتك يا من لا يخيّب من

يدعوه مبتهلا بالواحد الصّمد

هذا منازل لا يرتاع من عققى

فخذ بحقّى يا جبّار من ولدى

حتّى تشلّ بعون منك جانبه

يا من تقدّس لم يولد ولم يلد

قال : فو الّذي سمك السماء وأنبع الماء ما أستتمّ دعاؤه حتى نزل بى ما ترى ، ثم كشف عن يمينه فاذا بجانبه قد شلّ فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو بى فى الموضع الذي دعا به علىّ فلم يجبنى حتّى اذا كان العام أنعم علىّ فخرجت على ناقة عشيراء أحدّ السير حثيثا رجاء العافية حتى اذا كنّا على الأراك وحطمته وادى السجار نفر طائر فى اللّيل فنفرت منها الناقة التي كان عليها فالقته الى قرار الوادى وأرفض بين الحجرين فقبرته هناك وأعظم من ذلك إنى لا أعرف الّا المأخوذ بدعوة أبيه.

فقال له امير المؤمنين عليه‌السلام : أتاك الغوث ألا أعلّمك دعاء علّمنيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه اسم الله الأكبر الأعظم العزيز الأكرم الذي يجيب به من دعاه ويعطى به من سأله ويفرّج به الهمّ ويكشف به الكرب ويذهب به الغمّ ويبرأ به السّقم ويجبر

٢٠١

به الكسير ويغنى به الفقير ويقضى به الدين ويردّ به العين ويغفر به الذّنوب ويستر به العيوب ، ويؤمن به كلّ خائف من شيطان مريد وجبّار عنيد.

لو دعا به طائع لله على جبل لزال من مكانه وعلى ميّت لأحياه الله بعد موته لو دعا به على الماء لمشى عليه بعد ان لا يدخله العجب فاتّق الله أيها الرّجل فقد أدركتنى الرحمة لك وليعلم الله منك صدق النيّة انك لا تدعوا به فى معصيته ولا تفيده الا الثقة فى دينك فان أخلصت النّية استجاب الله لك ورأيت نبيّك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فى منامك ليبشرك بالجنّة والإجابة.

قال الحسين بن على عليهما‌السلام فكان سرورى بفائدة الدعا أشدّ من سرور الرجل بعافيته وما نزل به لأنّنى لم أكن سمعته منه ولا عرفت هذا الدّعا قبل ذلك ثم قال ائتنى بدواة وبياض واكتب ما أمليه عليك ففعلت وهو.

اللهم إنّى أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم يا ذا لجلال والإكرام يا حىّ يا قيّوم يا حىّ لا إله إلّا أنت يا من لا يعلم ما هو ولا أين هو ولا حيث هو ، ولا كيف هو ، إلّا هو يا ذا لملك والملكوت يا ذا العزّة والجبروت ، يا ملك يا قدّوس يا سلام ، يا مؤمن يا مهيمن ، يا عزيز يا جبّار ، يا متكبّر يا خالق يا بارئ ، يا مصوّر يا مفيد يا ودود يا بعيد يا قريب يا مجيب يا رقيب يا حبيب يا بديع يا رفيع ، يا منيع يا سميع يا عليم يا حكيم ، يا كريم يا قديم ، يا علىّ يا عظيم يا حنّان يا منّان يا ديّان يا مستعان.

يا جليل يا جميل يا وكيل يا كفيل يا مقيل يا منيل يا نبيل يا دليل ، يا هادى يا بادئ يا أوّل يا آخر ، يا ظاهر يا باطن ، يا حاكم يا قاضى ، يا عادل يا فاضل ، يا واصل يا ظاهر ، يا مطهّر ، يا قادر يا مقتدر يا كبير ، يا متكبّر يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، ولم يكن له صاحبة ولا كان معه وزير ولا اتّخذ معه مشيرا ولا احتاج إلى ظهير ، ولا كان معه إله إلّا أنت فتعاليت عمّا يقول

٢٠٢

الجاحدون علوّا كبيرا.

يا عالم يا شامخ يا باذخ يا فتّاح يا مرتاح يا مفرّج يا ناصر يا منتصر يا مهلك يا منتقم يا باعث يا وارث يا أوّل يا طالب يا غالب يا من لا يفوته هارب يا توّاب يا أوّاب يا وهّاب يا مسبّب الأسباب يا مفتّح الأبواب يا من حيث ما دعي أجاب يا طهور يا شكور يا غفور يا نور النّور ، يا مدبّر الأمور ، يا لطيف يا خبير يا متبحّر يا منير يا بصير يا ظهير يا كبير يا وتر يا فرد ، يا صمد يا سند يا كافى يا محسن يا مجمل يا معافى يا منعم يا متفضّل يا متكرّم يا متفرّد يا من علا فقهر يا من ملك فقدر ، يا من بطن فخبر يا من عبد فشكر.

يا من عصى فغفر وستر ، يا من لا تحويه ، الفكر ولا يدركه بصر ولا يخفى عليه أثر يا رازق البشر ويا مقدّر كلّ قدر ، يا عالى المكان يا شديد الأركان يا مبدّل الزّمان يا قابل القربان يا ذا المنّ والإحسان يا ذا العزّ والسّلطان ، يا رحيم يا رحمن يا عظيم الشأن يا من هو كلّ يوم فى شأن يا من لا يشغله شأن عن شأن يا سامع الأصوات يا مجيب الدّعوات ، يا منجح الطّلبات يا قاضى الحاجات.

يا منزل البركات ، يا راحم العبرات يا مقيل العثرات يا كاشف البركات يا ولىّ الحسنات يا رفيع الدرجات ، يا معطى المسألات يا محيى الأموات ، يا مطلع على النّيّات ، يا رادّ ما قد فات يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تضجره المسألات ولا تغشاه الظّلمات يا نور الأرض والسّماوات ، يا سابغ النّعم يا دافع النّقم ، يا بارئ النّسم يا جامع الأمم يا شافى السّقم يا خالق النّور والظّلم يا ذا الجود والكرم يا من لا يطأ عرشه قدم.

يا أجود الاجودين يا أكرم الأكرمين يا أسمع السّامعين يا أبصر النّاظرين يا جار المستجيرين يا أمان الخائفين يا ظهر اللّاجين يا ولىّ المؤمنين يا غياث المستغيثين يا غاية الطّالبين يا صاحب كلّ غريب يا مونس كلّ وحيد ، يا ملجأ كلّ طريد ، يا

٢٠٣

مأوى كلّ شريد ، يا حافظ كلّ ضالّه.

يا راحم الشيخ الكبير ، يا رازق الطّفل الصّغير ، يا جابر العظم الكسير ، يا فكّاك كلّ أسير يا مغنى البائس الفقير ، يا عصمة الخائف المستجير يا من له التّدبير والتّقدير يا من العسر عليه سهل يسير يا من لا يحتاج الى تفسير يا من هو على كلّ شيء قدير ، يا من هو بكلّ شيء خبير يا من هو بكلّ شيء بصير.

يا مرسل الرّياح يا فالق الإصباح يا باعث الأرواح يا ذا الجود والسّماح يا من بيده كلّ مفتاح يا سامع كلّ صوت يا سابق كلّ فوت يا محيى كلّ نفس بعد الموت ، يا عدّتى فى شدّتى يا حافظى فى غربتى ، يا مونسى فى وحدتى يا وليّي فى نعمتى يا كنفى حين تعيينى المذاهب وتسلمنى الأقارب ويخذلنى كلّ صاحب ، يا عماد من لا عماد له ، يا سند من له سند له يا ذخر من لا ذخر له.

يا كهف من لا كهف له يا ركن من لا ركن له ، يا غياث من لا غياث له يا جار من لا جار له ، يا جارى اللّصيق يا ركنى الوثيق ، يا الهى بالتّحقيق يا ربّ البيت العتيق يا شفيق يا رفيق فكنى من حلق المضيق واصرف عنّى كلّ همّ وغمّ وضيق واكفنى شرّ ما لا أطيق يا رادّ يوسف على يعقوب يا كاشف ضرّ أيّوب يا غافر ذنب داود يا رافع عيسى بن مريم من أيدى اليهود يا مجيب نداء يونس فى الظّلمات.

يا مصطفى موسى بالكلمات يا من غفر لآدم خطيئته ورفع إدريس برحمته يا من نجى نوحا من الغرق يا من أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل انّهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى يا من دمّر على قوم لوط ودمدم على قوم شعيب يا من اتّخذ ابراهيم خليلا يا من اتّخذ موسى كليما واتّخذ محمّدا صلى الله عليهم أجمعين حبيبا يا مؤتى لقمان الحكمة والواهب لسليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده.

يا من نصر ذا القرنين على الملوك الجبابرة يا من أعطى الخضر الحياة وردّ

٢٠٤

ليوشع بن نون الشّمس بعد غروبها يا من ربط على قلب أمّ موسى وأحصن فرج مريم بنت عمران يا من حصّن يحيى بن زكريّا من الذنب وسكّن عن موسى الغضب يا من بشّر زكريّا بيحيى يا من فدا إسماعيل من الذّبح يا من قبل قربان هابيل وجعل اللّعنة على قابيل يا هازم الأحزاب صلّ على محمّد وآل محمّد وعلى جميع المرسلين وملائكتك المقرّبين وأهل طاعتك.

أسألك بكلّ مسئلة سألك بها أحد ممّن رضيت عنه فحتمت له على الإجابة يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم يا رحمن يا رحيم يا رحمن يا رحيم يا ذا لجلال والإكرام ، يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام به به به به به به به أسألك بكلّ اسم سميت به نفسك أو أنزلته فى شيء من كتبك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك وبمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرّحمة من كتابك ، وبما لو أنّ فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّ من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله انّ الله عزيز حكيم.

أسألك بأسمائك الحسنى الّتي بيّنتها فى كتابك فقلت ولله الأسماء فادعوه بها فقلت ادعونى استجب لكم وقلت وإذا سألك عبادى عنّى فانّى قريب أجيب دعوة الدّاع اذا دعان ، وقلت يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وأنا أسألك يا إلهى وأطمع فى اجابتى يا مولاى كما وعدتنى وقد دعوتك كما أمرتنى فافعل بى كذا وكذا.

تسأل الله تعالى ما أحببت وتسمّى حاجتك ولا تدع به إلّا وأنت طاهر ، ثمّ قال للفتى : إذا كانت اللّيلة فادع به عشر مرّة واتنى من غد بالخير ، قال الحسين بن علىّ عليهما‌السلام وأخذ الفتى الكتاب ومضى ، فلما كان من غد ما أصبحنا حتّى أتى الفتى إلينا سليما معافا والكتاب بيده وهو يقول.

هذا والله الاسم الأعظم استجيب لى وربّ الكعبة قال له علىّ صلوات الله عليه حدّثنى قال هدأت العيون بالرّقاد واستجلت جلبات اللّيل رفعت يدى

٢٠٥

بالكتاب ودعوت الله بحقّه مرارا فأجبت فى الثانية حسبك فقد دعوت الله باسمه الأعظم ثمّ اضطجعت فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى منامى وقد مسح يده الشريفة علىّ وهو يقول احتفظ باسم الله الأعظم العظيم فإنك على خير فانتبهت معافا كما ترى فجزاك الله خيرا (١).

٢٣ ـ دعاء للحسين عليه‌السلام

٢٩ ـ رواه ابن طاوس مرسلا اللهمّ إنّى أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل التقوى ومناصحة أهل التّوبة وعزم أهل الصّبر ، وحذر أهل الخشية وطلب أهل العلم وزينة أهل الورع ، وخوف أهل الجزع ، حتّى أخافك اللهمّ مخافة تحجزنى عن معاصيك ، حتّى أعمل بطاعتك عملا أستحقّ به كرامتك وحتّى أناصحك فى التّوبة خوفا لك وحتّى أخلص لك فى النّصيحة حبّا لك ، وحتّى أتوكّل عليك فى الأمور حسن ظنّ بك سبحان خالق النّور سبحان الله العظيم وبحمده (٢).

__________________

(١) مهج الدعوات : ١٥١ ـ ١٥٧.

(٢) مهج الدعوات : ١٥٧.

٢٠٦

باب الاحتجاجات

احتجاجه عليه‌السلام مع عمر بن الخطاب

١ ـ قال أبو منصور الطبرسى : روى أنّ عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكر فى خطبته أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقال له الحسين عليه‌السلام ـ من ناحية المسجد ـ : انزل أيها الكذاب عن منبر أبى رسول الله لا منبر أبيك فقال له عمر: فمنبر أبيك لعمرى يا حسين لا منبر أبى ، من علّمك هذا أبوك علىّ بن أبى طالب؟ فقال له الحسين عليه‌السلام إن أطع أبى فيما أمرنى فلعمرى انه لهاد وأنا مهتد به وله فى رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله ، نزل بها جبرئيل من عند الله تعالى لا ينكرها إلا جاحد بالكتاب ، قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم وويل للمنكرين حقّنا أهل البيت ، ما ذا يلقاهم به محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من إدامة الغضب وشدة العذاب.

فقال عمر يا حسين من انكر حقّ أبيك فعليه لعنة الله أمّرنا الناس فتأمرنا ولو أمروا أباك لأطعنا فقال له الحسين عليه‌السلام : يا بن الخطاب فأىّ الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمّرك على النّاس ، بلا حجة من نبيّ ولا رضا من آل محمّد فرضا كم كان لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رضا ، أو رضا أهله كان له سخطا أما والله لو أن للسان مقالا يطول تصديقه ، وفعلا يعينه المؤمنون ، لما تخطّأت رقاب آل محمّد ترقى منبرهم وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه ولا تدرى تأويله ، الاسماع الأذان المخطئ والمصيب عندك سواءه فجزاك الله

٢٠٧

جزاك ، وسألك عما أحدثت سؤالا حفّيا.

قال : فنزل عمر مغضبا ، فمشى معه اناس من أصحابه حتّى أتى باب أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستأذن عليه فاذن له ، فدخل فقال : يا أبا الحسن ما لقيت اليوم من ابنك الحسين ، يجهرنا بصوت فى مسجد رسول الله ويحرض علىّ الطغام وأهل المدينة ، فقال له الحسن عليه‌السلام على مثل الحسين بن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يشخب بمن لا حكم له ، أو يقول بالطغام على أهل دينه؟ أما والله ما نلت إلّا بالطغام ، فلعن الله من حرّض الطغام.

فقال له أمير المؤمنين : مهلا يا أبا محمّد فإنك لن تكون قريب الغضب ولا لئيم الحسب ، ولا فيك عروق من السودان اسمع كلامى ولا تجعل بالكلام ، فقال له عمر : يا أبا الحسن أنهما ليهمان فى أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة فقال أمير المؤمنين : هما أقرب نسبا برسول الله من أن يهما ، أما فارضهما يا ابن الخطّاب بحقهما يرض عنك من بعد هما قال : وما رضا هما يا أبا الحسن؟

قال : رضاهما رجعة عن الخطيئة ، والتقية عن المعصية بالتوبة ، فقال له عمر : أدّب يا أبا الحسن ابنك ان لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء فى الأرض ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا أو أدّب أهل المعاصى على معاصيهم ومن أخاف عليه الزلة والهلكة فأما من والده رسول الله ونحله أدبه فانه لا ينتقل إلى أدب خير له منه أما فارضهما يا ابن الخطاب.

قال : فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن : يا أبا حفص ما صنعت فقد طالت بكما الحجة؟ فقال له عمر : وهل حجة مع ابن أبى طالب وشبليه؟ فقال له عثمان : يا ابن الخطاب ، هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف ، فقال له عمر : ما آعد ما صرت إليه فخرا فخرت به بحمقك. فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به وردّه ، ثم قال له : يا ابن الخطاب كأنّك تنكر ما أقول ، فدخل بينهما عبد الرحمن وفرّق بينهما وافترق القوم (١).

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ١٣ ـ ١٥.

٢٠٨

احتجاجه عليه‌السلام مع معاوية

٢ ـ أبو منصور الطبرسى باسناده عن صالح بن كيسان قال : لما قتل معاوية حجر بن عدى وأصحابه حجّ ذلك العامّ فلقى الحسين بن علىّ عليهما‌السلام فقال : يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه ، وأشياعه ، وشيعة أبيك؟ فقال عليه‌السلام وما صنعت بهم قال: قتلناهم ، وكفّناهم وصلّينا عليهم ، فضحك الحسين عليه‌السلام ثم قال : خصمك القوم يا معاوية لكنّا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم ، ولا صلّينا عليهم ولا قبرنا هم ولقد بلغنى وقيعتك فى عليّ وقيامك ببغضنا واعتراضك بنى هاشم بالعيوب.

فاذا فعلت ذلك فارجع الى نفسك ثم سلها الحقّ عليها ولها فان لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك ، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غير قوسك ، ولا ترمين غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب فانك والله لقد اطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه ، ولا حدث نفاقه ولا نظّر لك فانظر لنفسك ودع ـ يعنى عمرو بن العاص.

قال عليه‌السلام فى جواب كتاب كتب إليه معاوية على طريق الاحتجاج ـ : اما بعد : فقد بلغنى كتابك انه بلغك عنّى اموران بى عنها غنى ، وزعمت أني راغب فيها وانا بغيرها عنك جدير ، أما ما رقي إليك عنّى ، فانه رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنمائم ، المفرقون بين الجمع كذب الساعون الواشون ما أردت حربك ولا خلافا عليك وأيم الله إنّى لأخاف الله عز ذكره فى ترك ذلك وما أظن الله تبارك وتعالى براض عنّى بتركه ولا عاذرى بدون الاعتذار إليه فيك وفى اولئك القاسطين الملبّين حزب الظالمين بل أولياء الشيطان الرجيم.

٢٠٩

ألست قاتل حجر بن عدىّ أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين ، كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون المنكر والبدع ويؤثرون حكم الكتاب ولا يخافون فى الله لومة لائم فقتلتهم ظالما وعدوانا بعد ما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا باحنة تجدها فى صدرك عليهم.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه ونحلت جسمه بعد أن أمنته وأعطيته من عهود الله عزوجل وميثاقه ما لو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال ، ثم قتلته جرأة على الله عزوجل واستخفافا بذلك العهد؟

أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف فزعمت انه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هدى من الله ثم سلطته على أهل العراق فقطع أيدى المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك؟

أو لست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سمية انهم على دين عليّ ورأيه فكتبت إليه اقتل كلّ من كان على دين عليّ عليه‌السلام ورأيه فقتلهم ومثل بهم ، بأمرك ودين علي والله وابن على الذي كان يضرب عليه أباك وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه ولو لا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك تجسّم الرحلتين اللّتين بنا منّ الله عليكم فوضعهما عنكم؟

قلت فيما تقول انظر نفسك ولدينك ولأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّق شقّ عصا هذه الأمة وأن تردهم فى فتنة فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ولا أعلم نظرا لنفسى وولدي وأمة جدّي أفضل من جهادك فان فعلته فهو قربة إلى الله عزوجل

٢١٠

وان تركته فاستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقى لارشاد أموري وقلت فيما تقول إن أنكرك تنكرنى وان أكدك تكدني وهل رأيك إلّا كيد الصالحين منذ خلقت؟

فكدنى ما بدا لك ، ان شئت فإنّى أرجو أن لا يضرّنى كيدك وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك على أنك تكيد فتوقظ عدوّك ، وتوبق نفسك كفعلك بهؤلاء الّذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والايمان والعهد والميثاق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلّا لذكر هم فضلنا وتعظيم حقنا بما به شرفت وعرفت مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

أبشر يا معاوية بقصاص واستعدّ للحساب واعلم أن لله عزوجل كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنّة وقتلك أولياءه بالتّهمة ونفيك إياهم من دار الهجرة الى الغربة والوحشة وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان ، يشرب الشراب ويلعب بالكعاب لا أعلمك إلّا قد خسرت نفسك وشريت دينك ، وغششت رعيتك وأخزيت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت التقى الورع الحليم.

قال : فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين عليه‌السلام قال : لقد كان فى نفسه غضب علىّ ما كنت أشعر به ، فقال ابنه يزيد وعبد بن أبى عمير بن جعفر : أجبه جوابا شديدا. تصغر إليه نفسه وتذكر أباه بأسوإ فعله وآثاره ، فقال : كلّا أرأيتما لو أني أردت أن أعيب عليا محقّا ما عسيت أن أقول إنّ مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس ومتى عبت رجلا بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره شيئا وما عسيت أن أعيب حسينا وما أرى للعيب فيه موضعا إلّا أنى قد أردت أن أكتب إليه وأتوعّده وأهدّده وأجهله ثم رأيت أن لا أفعل ، قال : فما كتب إليه بشيء يسوؤه ولا قطع عنه شيئا كان يصله به كان يبعث إليه فى كلّ سنة ألف ألف درهم سوى

٢١١

عروض وهدايا من كلّ ضرب (١).

احتجاجه صلوات الله عليه على معاوية وغيره

٣ ـ عنه باسناده عن موسى بن عقبة أنه قال : لقد قيل لمعاوية أن الناس قد رموا أبصارهم الى الحسين عليه‌السلام فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب فان فيه حصرا أو فى لسانه كلالة ، فقال لهم معاوية : قد ظننا ذلك بالحس فلم يزل حتّى عظم فى أعين النّاس وفضحنا فلم يزالوا به حتى قال للحسين يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت فصعد الحسين عليه‌السلام المنبر ، فحمد الله واثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع رجلا يقول : من هذ الذي يخطب؟

فقال الحسين عليه‌السلام : نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأقربون وأهل بيته الطيّبون وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله ثانى كتاب الله تبارك وتعالى الذي فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعوّل علينا فى تفسيره لا يبطينا تأويله ، بل نتّبع حقائقه فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة إن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة.

قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) وأحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فانّه لكم عدوّ مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) فتلقون للسيوف

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ١٩ ـ ٢٢.

٢١٢

ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسهام غرضا ، ثمّ لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى ايمانها خيرا ، قال معاوية : حسبك يا أبا عبد الله قد بلغت (١).

٤ ـ عنه عن محمّد بن السائب انه قال : قال مروان بن الحكم يوما للحسين ابن على عليهما‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا؟ فوثب الحسين عليه‌السلام وكان شديد القبضة ـ فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثمّ تركه وأقبل الحسين عليه‌السلام على جماعة من قريش فقال : انشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت أتعلمون : ان فى الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منّى ومن أخي؟ او على ظهر الارض ابن بنت نبىّ غيري وغير أخي؟ قالوا : اللهم لا

قال : وإني لا أعلم أنّ فى الأرض ملعون بن ملعون غير هذا وأبيه طريدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والله ما بين جابرس وجابلق أحد هما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك ، اذا كان وعلامة قولي فيك انك : اذا غضبت سقط رداءك عن منكبك ، قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب فانتقض وسقط رداؤه عن عاتقه (٢).

احتجاجه عليه‌السلام على اهل الكوفة بكربلاء

٥ ـ عنه باسناده عن مصعب بن عبد الله ، لما استكف الناس بالحسين عليه‌السلام ركب فرسه واستنصت الناس ، حمد الله واثنى عليه ، ثم قال : تبّا لكم ايّتها الجماعة و

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٢.

(٢) الاحتجاج : ٢ / ٢٣.

٢١٣

ترحا وبؤسا لكم حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفا كان فى أيدينا وحششتم علينا نارا اضرمناها على عدوكم وعدوّنا فاصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منّا إليكم.

فهلّا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستحصف ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثمّ نقضتموها سفها وضلة ، فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن ، عضين وعصاة الإمام وملحقي العهرة بالنسب ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون.

أفهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون!! أجل والله خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم ، واتّذرت عليه عروقكم ، فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر وأكلة للغاصب الا لعنة الله على الظالمين الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا.

ألا وأنّ الدعىّ بن الدعي قد تركنى بين السلة والذلة وهيهات له ذلك منّى! هيهات منّا الذلة!! أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طهرت وجدود طابت أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّى زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر ثم تمثل فقال شعرا :

فان نهزم فهزّامون قدما

وان نهزم فغير مهزّمينا

وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا

ولو بقي الكرام اذا بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

٢١٤

٦ ـ عنه قيل انه لما قتل أصحاب الحسين عليه‌السلام وأقاربه وبقى فريدا ليس معه الا ابنه علىّ زين العابدين عليه‌السلام وابن آخر فى الرضاع اسمه عبد الله فتقدم الحسين الى باب الخيمة فقال : ناولونى ذلك الطفل حتى أودعه فناولوه الصبىّ ، جعل يقبله وهو يقول : يا بنىّ ويل لهؤلاء القوم اذا كان خصمهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قيل : فاذا بسهم قد اقبل حتى وقع فى لبّة فقتله ، فنزل الحسين عن فرسه وحفر الصبيّ بجفن سيفه ورمله بدمه ودفنه ثمّ وثب قائما وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير كريم الطرفين

حنقا منهم وقالوا أجمعوا

نفتك الآن جميعا بالحسين

يا لقوم من أناس رذل

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم صاروا وتواصوا كلّهم

باختيار لرضاء الملحدين

لم يخافوا الله فى سفك دمي

لعبيد الله نسل الكافرين

وابن سعد قدر ما فى عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيئ كان من بعد النبيّ

غير فخرى بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبيّ

والنبيّ القرشى الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي

ثم أمي فانا ابن الخيرتين

فضة قد خلقت من ذهب

فانا الفضة وابن الذهبين

من له جدّ كجدي فى الورى

او كشيخى فانا بن القمرين

فاطم الزهراء أمي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنين

عروة الدين علىّ المرتضى

هادم الجيش مصلّى القبلتين

وله فى يوم أحد وقعة

شفت الغل بقبض العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

٢١٥

فى سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

عترة البرّ النقي المصطفى

وعلى القوم يؤمّ الجحفلين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

وقلى الاوثان لم يسجد لها

مع قريش لا ولا طرفة عين

طعن الابطال لما برزوا

يوم بدر وتبوك وحنين

ثم تقدم الحسين عليه‌السلام حتّى وقف قبالة القوم وسيفه مصلت فى يده آيسا عن نفسه عارفا على الموت وهو يقول :

انا ابن على الطهر من آل هاشم

كفانى بهذا مفخرا حين أفخر

وجدّى رسول الله أكرم من مشى

ونحن سراج الله فى الخلق نزهر

وفاطم أمى من سلالة أحمد

وعمّى يدعى ذو الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحى بالخير تذكر

ونحن أمان الله للنّاس كلّهم

نطول بهذا فى الأنام ونجهر

ونحن حماة الحوض تسقى ولاتنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا فى الحشر أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر (١).

٧ ـ روى الاربلى عن الجنابذى مرفوعا الى يحيى بن أبى بكر عن بعض مشيخته قال: قال الحسين بن على عليهما‌السلام حين أتاه الناس ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيّها النّاس أنسبونى وأنظرونى من أنا ثم ارجعوا أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم سفك دمى وانتهاك حرمتى؟ ألست ابن بنت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمّه ، وابن أولى المؤمنين بالله؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّى؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله مستفيضا فيكم لى ولأخي انا سيدا شباب اهل الجنة؟

أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى ، وانتهاك حرمتى ، قالوا : ما نعرف

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٤.

٢١٦

شيئا مما تقول فقال : انّ فيكم من سألتمونى لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فىّ وفى أخى الحسن ، سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنّه سمع ذلك من رسول الله فيّ وفي أخى فان كنتم تشكّون في هذا فتشكّون أنى ابن بنت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فو الله ما تعمّدت كذبا منذ عرفت ان الله تعالى يمقت على الكذب أهله ويضرّ به من اختلقه ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبى غيرى منكم ولا من غيركم ثم أنا ابن بنت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة دون غيره ، خبّرونى هل تطلبونى بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة؟ فسكتوا (١).

٨ ـ ابو طالب الآملى أخبرنا أبى رحمه‌الله تعالى قال أخبرنا حمزة بن القاسم العلوى العباسى قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال حدثنا تميم ابن بهلول الضبىّ ابو محمّد قال حدثنا أبو عبد الله عن عبد الله بن الحسين بن تميم قال : حدثني محمّد بن زكريا قال حدثني محمّد بن عبد الرحمن بن القاسم التيمى ، قال حدّثنى عبد الله بن محمّد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جدّه عن عبد الله بن الحسن عليهم‌السلام قال لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن على عليهما‌السلام ورتّبهم مراتبهم وأقام الرايات فى مواضعها وعبّا أصحاب الميمنة والميسرة وقال ثبتوا وأحيطو بالحسين عليه‌السلام من كلّ جانب حتى جعلوه فى مثل الحلقة.

فخرج عليه‌السلام حتّى أتى الناس فاستنصتهم فأبو أن ينصتوا حتّى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إليّ فاستمعوا قولى فانّى إنما ادعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعنى كان من المهتدين ومن عصانى كان من المهلكين وكلكم عاص لأمرى غير مستمع قولى فقد انخزلت عطاياكم من الحرام وملئت بطونكم من الحرام فطبع على قلوبكم ويلكم ألا تنصتون ، ألا تستمعون ، فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم

__________________

(١) كشف الغمة : ٢ / ١٣.

٢١٧

وقالوا انصنتوا له فانصتوا.

فقام الحسين عليه‌السلام فيهم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال تبّا لكم أيتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا ولهين متحيرين فأجبناكم موجفين مستعدّين سللتم علينا سيفا فى رقابنا حششتم علينا نار الفتن جناها عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبا على أولياءكم ويدا عليهم لأعدائكم ، طمعتم فيه من غير حدث كان منّا ولا رأى ثقيل فهلا لكم الويلات تجهمتمونا والسيف لم يشهر والجأش طامن والرأى لم يستخف ولكن أسرعتم إلىّ كطيرة الدبى.

تداعيتم كتداعى الفراش فقبحا لكم ، فإنما أنتم طواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ومطفئ السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومشرّدى عترة الاوصياء وملحق العهار بالنسب ومؤذى المؤمنين وصراخ ائمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين.

أنتم على ابن حرب وأشياعه نعتمدون وإيانا تخاذلون ، أجل والله خذل فيكم معروف وشجت عليكم عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم وثبت عليكم قلوبكم وغشيت صدوركم وكنتم أخبث شيء شجىّ للناصب وأكلة للغاصب ألا لعنة الله على الناكثين ، الّذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وأنتم والله هم.

ألا وإن الدعىّ بن الدعى قد ركز بين الاثنين بين السلّة والذلة وهيهات منا الذّلة أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وانوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر مصالح اللئام غير مصارع الكرام ألا قد أعذرت وأنذرت ألا إنّى زاحف بهذه الأسرة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب ثم أنشا يقول :

فإن نهزم فهزّامون قدما

وان نهزم فغير مهزّمينا

ألا ثم لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتّى تدرككم الرحا عهدا

٢١٨

عهده إلىّ أبى فاجمعوا أمركم وشركائكم ثم كيدوني جميعا ثم لا تنظرون إنّى توكلت على الله ربّى وربّكم ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها إنّ ربّى على صراط مستقيم ، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقهم كاسا مرّة ولا يدع منهم أحدا الّا قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائى وأهل بيتي وأشياعى منهم.

فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

ثم قال أين عمر بن سعد ادعوا لي عمر فدعى له وكان كارها لا يحبّ أن يأتيه ، فقال يا عمر يا بن عمّ أتقتلني وتزعم أن يوليك الدعىّ بن الدعىّ بلاد الري وجرجان والله لا تتهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا فاصنع ما أنت صانع ، فانك لا تفرح بعدى بدنيا ولا آخرة ولكأنى برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة تتراماه الصبيان ، ويتخذونه غرضا بينهم فاغتاظ عمر بن سعد من كلامه ، ثم صرفه بوجهه ونادى أصحابه :

ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم إنّما هى أكلة واحدة ، ثم إنّ الحسين عليه‌السلام دعا بفرس رسول الله المر تجز فركبه وعبّأ أصحابه فزحف إليه عمر بن سعد لعنه الله تعالى ونادى غلامه دريدا وقال : أقدم رايتك ، ثم وضع سهمه فى كبد قوسه ثمّ رمى وقال : اشهدوا لي عند الأمير يعني عبيد الله بن زياد لعنه الله تعالى واياه : إنى أوّل من رماه!؟ فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم في أثره رشقة واحدة فما بقى واحد عن أصحاب الحسين عليه‌السلام : إلا أصاب من رميهم بسهم (١)

__________________

(١) تيسير المطالب : ٩٥ ـ ٩٧.

٢١٩

باب الطهارة

١ ـ ابو جعفر الطوسى باسناده عن محمّد بن على بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبى عمير ، عن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان الحسين بن على عليهما‌السلام يتسمح من الغائط بالكرسف ولا يغتسل (١).

٢ ـ أبو خالد الواسطى حدثني زيد بن على عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : إنا ولد فاطمة عليهما‌السلام لا نمسح على الخفين ولا عمامة ولا كمة ولا خمار ولاجهاز (٢).

٣ ـ قال ابو حنيفة المغربى : قد رويتا عن الحسين بن علىّ عليه‌السلام أنه سئل عن المسح على الخفين فسكت حتى مرّ بموضع فيه ماء والسائل معه فنزل فتوضأ ومسح على خفيه وعلى عمامته وقال : هذا وضوء من لم يحدث (٣).

٤ ـ عبد الرزاق عن الثورى عن الرّكين بن الربيع بن عميلة الفزازي عن عمّة له يقال لها صفية بنت عميلة عن حسين بن علي أن امرأة سألت عن السنّور يلغ فى شرابى فقال : الهر؟ فقالت : نعم ، قال فلا تهرقي شرابك ولا طهورك فإنه لا يتنجّس شيئا (٤).

٥ ـ ابن أبى شيبة حدثنا حاتم بن اسماعيل عن جعفر عن أبيه عن على بن حسين أو حسين بن على عليه‌السلام عن زينب بنت أمّ سلمه قالت أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكتف شاة فأكل منه فصلّى ولم يمسّ ماء (٥)

__________________

(١) التهذيب : ١ / ٣٥٤.

(٢) مسند زيد : ٨٠.

(٣) دعائم الاسلام : ١ / ١١٠.

(٤) المصنف : ١ / ١٢.

(٥) المصنف : ١ / ٤٨.

٢٢٠