مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧١

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين وقال أكره أن أبدأهم بقتال.

لما نظر الحسين عليه‌السلام إلى جمعهم كأنّه السيل رفع يديه بالدعاء وقال : اللهم أنت ثقتى فى كلّ كرب ورجائى فى كلّ شدّة ، وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّى إليك ، عمّن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولى كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة.

ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم : أيّها الناس اسمعوا قولى ولا تجعلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم علىّ وحتّى اعتذر إليكم من مقدمى عليكم فان قبلتم عذرى وصدقتم قولى وأعطيتمونى النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علىّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منى العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).

فلمّا سمعن النساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس وابنه على الأكبر ، وقال لهما اسكتاهنّ فلعمرى ليكثر بكاؤهنّ ، ولما سكتن حمد الله واثنى عليه وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء وقال فى ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه فى منطقه ، ثمّ قال :

الحمد لله الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقىّ من فتنته فلا تغرّنكم هذه الدنيا فانّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلّ بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انّكم زحفتم الى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان ،

٤١

فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين ، أيّها الناس انسبونى من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلى وانتهاك حرمتى ، ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه ، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى ، أو ليس جعفر الطيّار عمّى ، أو لم يبلغكم قول رسول الله لى ولاخى: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ، فان صدقتمونى بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه وان كذّبتمونى فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم.

سلوا جابر بن عبد الله الانصارى ، وأبا سعيد الخدرى ، وسهل بن سعد الساعدى وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لى ولأخى ، أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى ، فقال الشمر ، هو يعبد الله على حرف إن كان يدرى ما تقول ، فقال له حبيب بن مظاهر : والله إنّى أراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما يقول قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال الحسين عليه‌السلام : فان كنتم فى شك من هذا القول أفتشكّون إنّى ابن بنت نبيّكم ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى فيكم ولا فى غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ، فأخذوا لا يكلّمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعى ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلىّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضر الجنات ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟

فقالوا : لم نفعل. قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس إذا

٤٢

كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم الى مأمنى من الارض ، فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بنى عمّك؟ فانّهم لن يروك الّا ما تحبّ ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال الحسين عليه‌السلام : أنت أخو أخيك أتريد أن يطلب بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدى اعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد عباد الله (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) ، أعوذ (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) ثمّ أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها.

ثمّ إنّ الحسين عليه‌السلام ركب فرسه وأخذ مصحفا ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم وقال : يا قوم إنّ بينى وبينكم كتاب الله وسنّة جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة ما عليه من سيف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق ، فسألهم عما أقدمهم على قتله قالوا : طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

فقال عليه‌السلام : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا فى أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأى لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثمّ نفضتموها ، فسحقا لكم يا عبيد الأئمّة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم وعصبة الاثم ونفثة الشيطان ومطفى السنن.

ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب ، ألا وإنّ الدعىّ بن الدعىّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف

٤٣

حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّى زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر ، ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادى :

فان نهزم فهزامون قدما

وإن نغلب فغير مغلّبينا

وما أن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس

بكلكله أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس حتّى تدوركم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلىّ أبى عن جدّى رسول الله (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

ثمّ رفع يديه نحو السماء وقال : اللهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنى يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، فانّهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكّلنا وإليك المصير ، والله لا يدع أحدا منهم الّا انتقم لى منه قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، وإنّه لينتصر لى ولأهل بيتى وأشياعى.

استدعى عمر ابن سعد فدعى له وكان كارها لا يحبّ أن يأتيه فقال : أى عمر أتزعم أنّك تقتلنى ويولّيك الدعى بلاد الرى وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع فانّك لا تفرح بعدى بدنيا ولا آخرة ، وكأنّى برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتّخذونه غرضا بينهم فصرف بوجهه عنه مغضبا (١)

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٥٦.

٤٤

٢٤ ـ الحافظ أبو نعيم : حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علىّ بن عبد العزيز ، ثنا الزبير بن بكّار ، حدثني محمّد بن الحسين ، قال : لما نزل القوم بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه ، قام فى أصحابه خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل من الأمر ما ترون ، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها ، وانشمرت ، حتّى لم يبق منها إلّا كصبابة الإناء ، إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله وإنّى لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلّا جرما (١).

٢٥ ـ الهيتمى باسناده : عن محمّد بن الحسن ، قال لما نزل عمر بن سعد بالحسين ، وأيقن أنهم قاتلوه قام فى أصحابه خطيبا فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر ، وأنّ الدنيا تغيرت وتنكّرت وأدبر معروفها وانشمر حتّى لم يبق منها إلّا صبابة الإناء إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله ، فانّى لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما (٢).

٤٣ ـ باب شهادة الحرّ بن يزيد

١ ـ قال الصدوق : فضرب الحرّ بن يزيد فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد لعنه الله إلى عسكر الحسين عليه‌السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهمّ إليك أنبت فتب علىّ فقد ارعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك ، يا ابن رسول الله هل لى من توبة

__________________

(١) حلية الاولياء : ٢ / ٣٩

(٢) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٢.

٤٥

قال نعم تاب الله عليك ، قال يا ابن رسول الله أتأذن لى فأقاتل عنك ، فأذن له فبرز وهو يقول :

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثمّ قتل فاتاه الحسين عليه‌السلام ودمه يشخب ، فقال بخّ بخّ يا حرّ أنت حرّ كما سميت فى الدنيا والآخرة ، ثمّ أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحرّ حرّ بنى رياح

ونعم الحرّ عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ اذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح (١)

٢ ـ قال المفيد : فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليه‌السلام ، قال لعمر بن سعد : أى عمر أمقاتل أنت هذا الرجل قال : أى والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر : اما لو كان الأمر الىّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس فقال له يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم ، قال لا قال : فما تريد أن تسقيه قال قرّة وظننت والله انّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال :

فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وأنا منطلق لأسقيه ، فاعتزل ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أنّه اطّلعنى على الّذي بريد لخرجت معه الى الحسين عليه‌السلام ، فاخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجرين أوس ما تريد يا ابن يزيد تريد أن تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الا فكل وهى الرّعدة فقال له المهاجر انّ أمرك لمريب والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل هذا ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك.

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٧.

٤٦

فقال له الحرّ : انّى والله اخيّر نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا اختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين عليه‌السلام ، فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك فى الطريق وجعجعت بك فى هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت ، فانّى تائب إلى الله ممّا صنعت فترى لى من ذلك توبة.

فقال له الحسين عليه‌السلام نعم يتوب الله عليك فانزل ، قال فأنا لك فارسا خير منّى راجلا اقاتلهم لك على فرسى ساعة وإلى النزول آخر ما يصير أمرى ، فقال له الحسين عليه‌السلام فاصنع يرحمك الله ، ما بدا لك ، فاستقدم أمام الحسين عليه‌السلام ، فقال يا أهل الكوفة لامّكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتّى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه واحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه فى بلاد الله العريضة.

فصار كالأسير فى أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا تدفع عنها ضرّا وجلأتموه ونسائه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجارى يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد ، وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش بئس ما خلّفتم محمّدا فى ذرّيته لا سقاكم الله يوم الظّماء ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فاقبل حتّى وقف أمام الحسين عليه‌السلام (١).

٣ ـ قال ابن شهرآشوب : فحرّك الحرّ دابّته حتّى استامن الى الحسين وقال له : بأبى وأمّى ما ظننت أنّ الامر ينتهى بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فامّا الآن جئتك

__________________

(١) الارشاد : ٢١٨.

٤٧

تائبا ومواسيا لك حتّى أموت بين يديك ، أترى إلى ذلك توبة قال : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. ثمّ برز وهو يرتجز :

إنّى أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

فقتل نيفا وأربعين رجلا (١).

٤ ـ قال ابن طاوس : فمضى الحرّ ووقف موقفا من أصحابه وأخذه مثل الافكل ، فقال له المهاجر بن أوس : والله إنّ أمرك لمريب ، ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك ، فقال والله إنّى أخير نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا أختار على الجنّة شيئا ، ولو قطعت واحرقت ، ثمّ ضرب فرسه قاصدا الى الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه هو يقول : اللهم إليك أنبت ، فتب علىّ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك.

قال للحسين عليه‌السلام جعلت فداك أنا صاحبك الّذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك وما ظننت أنّ القوم يبلغون منك ما أرى وأنا تائب الى الله تعالى ، فهل ترى لى من توبة ، فقال الحسين عليه‌السلام : نعم يتوب الله عليك فنزل فقال أنا لك فارسا خير منّى لك راجلا وإلى النزول يصير آخر أمرى.

ثمّ قال فاذا كنت أوّل من خرج عليك ، فأذن لى أن أكون أوّل قتيل بين يديك لعلّى أكون ممّن يصافح جدّك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله غدا فى القيامة وإنّما أراد أوّل قتيل من الآن ، لأنّ جماعة قتلوا قبله ، كما ورد ، فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثمّ استشهد فحمل الى الحسين عليه‌السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه يقول أنت الحرّ كما سمتك أمك حرّا فى الدنيا والآخرة (٢)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) اللهوف : ٤٤.

٤٨

٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : عن أبى جناب الكلبى ، عن عدى بن حرملة ، قال : ثمّ انّ الحرّ بن يزيد لما زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فى واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضا؟ قال عمر بن سعد ، أما والله لو كان الأمر إلىّ لفعلت ، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك ، قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس.

فقال : يا قرّة ، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال : إنّما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم اسقه ، وأنا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي ، كان فيه ، قال : فو الله لو أنّه اطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ، قال : فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا.

فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لى : من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك! قال : إنّى والله أخير نفسى بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين عليه‌السلام.

فقال له : جعلنى الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسائرك فى الطريق ، وجعجعت بك فى هذا المكان ، والله الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت فى نفسى : لا أبالى أن أطيع القوم فى بعض أمرهم ، ولا يرون أنى خرجت من طاعتهم ، وأما هم فيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم.

٤٩

والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّى قد جئتك تائبا ممّا كان منى إلى ربّى ، ومواسيا لك بنفسى حتّى أموت بين يديك ، أفترى ذلك لى توبة؟ قال : نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، ما اسمك؟ قال : أنا الحرّ بن يزيد ، قال : أنت الحرّ كما سمّتك أمك ، أنت الحرّ ان شاء الله فى الدنيا والآخرة ، انزل ، قال : أنا لك فارسا خير منّى راجلا ، أقاتلهم على فرسى ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمرى قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :

أيّها القوم ، ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال الّتي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد فكلّمه ، فكلّمه بمثل ما كلمه به قبل ، وبمثل ما كلّم به أصحابه ، قال عمر : قد حرصت ، لو وجدت الى ذلك سبيلا فعلت ، فقال : يا أهل الكوفة ، لامّكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه.

ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، فمنعتموه التوجّه فى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، وأصبح فى أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجارى الذي يشربه اليهودىّ والمجوسىّ والنصرانيّ ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا فى ذرّيته! لا سقاكم الله يوم الظماء إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا فى ساعتكم هذه ، فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (١).

٦ ـ قال الدينورى : وانحاز الحرّ بن يزيد الّذي كان جعجع بالحسين إلى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٧.

٥٠

الحسين ، فقال له : قد كان منّى الّذي كان ، وقد أتيتك مواسيا لك بنفسى ، أفترى ذلك لى توبة ممّا كان منّى؟ قال الحسين : نعم ، إنّها لك توبة ، فابشر ، فأنت الحرّ فى الدنيا ، وأنت الحرّ فى الآخرة ، إن شاء الله (١).

٤٤ ـ باب شهادة أصحاب الحسين عليه‌السلام

١ ـ قال الشيخ أبو عبد الله المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فانّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد صدقت ، الرأى ما رأيت ، فأرسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم.

ثمّ حمل عمرو بن الحجاج وأصحابه على الحسين عليه‌السلام ، من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فمشى إليه الحسين عليه‌السلام ، فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا» ودنى منه حبيب بن مظاهر ، فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ، ابشر بالجنّة فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير ، فقال له حبيب لو لا أنّى أعلم أنّى فى أثرك من ساعتى هذه لا حببت ان توصينى بكلّ ما اهمّك.

ثمّ تراجع القوم إلى الحسين عليه‌السلام فحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٦.

٥١

على أهل الميسرة فثبتوا له وطاعنوه وحمل على الحسين عليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‌السلام قتالا شديدا ، فاخذت خيلهم تحمل ، وإنمّا هى اثنان وثلثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته ، فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل أهل الكوفة ، بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما يلقى خيلى هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، ابعث إليهم الرجال والرماة فبعث إليهم بالرماة فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه ونزل عنه فجعل يقول :

ان تعقرونى فانا ابن الحرّ

اشجع من ذى لبد هزبر

ضربهم بسيفه فتكاثروا عليه فاشترك فى قتله أيّوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة وقاتل أصحاب الحسين عليه‌السلام القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسين عليه‌السلام ، تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة نابل ان يرشقوا أصحاب الحسين عليه‌السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم ، واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال من أصحاب الحسين عليه‌السلام فكشفوهم عن البيوت وعطف عليهم شمر بن ذى الجوشن فقتل من القوم وردّ الباقين إلى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسين عليه‌السلام لقلّة عددهم ، ولا تبيّن فى أصحاب عمر بن سعد ، لكثرتهم واشتدّ القتال والتحم وكثر القتل والجراح فى أصحاب أبى عبد الله الحسين عليه‌السلام ، الى أن زالت الشمس فصلّى الحسين عليه‌السلام بأصحابه صلاة الخوف (١).

٢ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين

__________________

(١) الارشاد ٢٢١.

٥٢

من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـ رحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فسعى إليه الحسين عليه‌السلام ، فاذا به رمق فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم (مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). وحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة على أهل الميسرة وحمل على الحسين عليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب.

قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هى اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل الكوفة بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما تلقى خيلى منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، فابعث عليهم الرجال من الرماة ، فبعث عليهم بالرماة ، فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه فنزل عنه وهو يقول :

ان تعقرونى فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذى لبد هزير

فجعل يضربهم بسيفه وتكاثروا عليه حتّى قتلوه ، وقاتل الأصحاب القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النّهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسين عليه‌السلام تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة فأمر أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرّجال حتّى أرحلوهم واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال وكشفوهم عن البيوت وعطف عليه شمر فقتل من القوم وردّ الباقين الى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسين عليه‌السلام ، لقلّة عددهم ولا يبين فى أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم ، واشتدّ القتال وكثر القتل فى أصحاب أبى عبد الله عليه‌السلام الى أن زالت الشمس فصلّى الحسين

٥٣

بأصحابه صلاة الخوف (١).

٣ ـ قال عبد الرزّاق المقرّم : تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى يسهم وقال : اشهدوا لى عند الأمير أنّى أوّل من رمى ثمّ رمى الناس ، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد الا أصابه ، من سهامهم ، فقال عليه‌السلام لأصحابه : قوموا رحمكم الله إلى الموت الّذي لا بدّ منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعا (٢).

٤ ـ عنه خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فطلبا البراز فوثب حبيب وبرير ، فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد الله بن عمير الكلبى من «بنى عليم» وكنيته أبو وهب وكان طويلا شديد الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين شريفا فى قومه شجاعا مجرّبا فأذن له وقال : أحسبه للاقران ، قتالا فقالا له من أنت؟ فانتسب لهما فقالا : لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير وكان يسار قريبا منه.

فقال له : يا ابن الزانية أو بك رغبة عن مبارزتى ، ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه ، وبينا هو مشتغل به اذ شدّ عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه ومال عليه عبد الله فقتله وأقبل الى الحسين يرتجز وقد قتلهما.

أخذت زوجته أمّ وهب بنت عبد الله من النمر بن قاسط عمودا وأقبلت نحوه تقول له : فداك أبى وامى قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول : لن أدعك دون أن أموت معك ، فناداها الحسين جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا ارجعى الى

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٤١.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٧.

٥٤

الخيمة فانه ليس على النساء قتال فرجعت (١).

٥ ـ عنه لما نظر من بقى من أصحاب الحسين الى كثرة من قتل منهم ، أخذت الرجلان والثلاثة والاربعة يستأذنون الحسين فى الذب عنه والدفع عن حرمه ، وكل يحمى الآخر من كيد عدوه ، فخرج الجابريان وهما : سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم وأخوان لأمّ وهما يبكيان قال ما يبكيكما انى لارجو أن تكونا بعد ساعة قريرى العين قالا : جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكى ولكن نبكى عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك فجزاهما الحسين خيرا.

فقاتلا قريبا منه حتى قتلا وجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا : قد حازنا الناس إليك ، فجعلا يقاتلان بين يديه حتى قتلا ، وخرج عمرو بن خالد الصيداوى وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلمانى ومجمع بن عبد الله العائذى وشدوا جميعا على أهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم فندب إليهم الحسين أخاه العباس فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم ، وفى أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوا فى مكان واحد (٢).

٦ ـ عنه لما نظر الحسين كثرة من قتل من أصحابه قبض على شيبته المقدسة وقال : اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمى ، ثم صاح أما من مغيث يغيثنا أما

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٦٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٩.

٥٥

من ذابّ يذب عن حرم رسول الله فبكت النساء وكثر صراخهنّ. وسمع الانصاريان سعد بن الحارث وأخوه ابو الحتوف استنصار الحسين ، واستغاثته وبكاء عياله وكانا مع ابن سعد فما لا بسيفهما على أعداء الحسين وقاتلا حتى قتلا (١).

٧ ـ عنه ، أخذ أصحاب الحسين بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل ، فأكثروا القتل فى أهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه : أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم الا قتلوه على قلتهم ، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت أرسل فى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحدانا لآتوا عليكم.

ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين ، فثبتوا له وجثوا على الركب ، وأشرعوا الرماح ، فلم تقدم الخيل ، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل ، فصرعوا رجالا وجرحوا آخرين ، وكان عمرو بن الحجاج يقول لاصحابه : قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة ، فصاح الحسين : ويحك يا حجاج أعليّ تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون اذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار (٢)

٨ ـ عنه ، التفت أبو ثمامة الصائدى الى الشمس قد زالت فقال للحسين : نفسى لك الفداء انى أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة الّتي دنا وقتها ، فرفع الحسين رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين ، الذاكرين نعم هذا أوّل وقتها

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٠.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧١.

٥٦

سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّى فقال الحصين : إنّها لا تقبل (١).

٩ ـ عنه قال حبيب بن مظاهر : زعمت أنّها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه ، وقاتلهم حبيب قتالا شديدا فقتل على كبره اثنتين وستين رجلا ، وحمل عليه بديل بن صريم ، فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه إلى الأرض فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسيف ، على رأسه فسقط لوجهه ونزل إليه التميمى واحتزّ رأسه فهد مقتله الحسين ، فقال عند الله أحتسب نفسى وحماة أصحابى واسترجع كثيرا (٢).

١٠ ـ قام الحسين الى الصلاة ، فقيل إنّه صلّى بمن بقى من أصحابه صلاة الخوف ، وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفى ، فى نصف من أصحابه ويقال إنّه صلّى وأصحابه فرادى بالايماء (٣).

١ ـ شهادة نافع بن هلال

١١ ـ قال المفيد : وبرز نافع بن هلال وهو يقول :

أنا ابن هلال البجلى

أنا على دين على

فبرز إليه مزاحم بن حريث ، فقال له أنا على دين عثمان ، فقال له نافع أنت على دين الشيطان وحمل عليه فقتله (٤).

١٢ ـ قال ابن شهرآشوب : ثمّ برز نافع بن هلال البجلى ، قائلا.

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٦.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧٧.

(٣) مقتل الحسين : ٢٧٩.

(٤) الارشاد : ٢٢١.

٥٧

أنا الغلام اليمنيّ البجلى

دينى على دين حسين بن على

أضربكم ضرب غلام بطل

ويختم الله بخير عملى

فقتل اثنى عشر رجلا وروى سبعين رجلا (١).

١٣ ـ قال المقرم : ورمى نافع بن هلال الجملى المذحجى ، بنبال مسوّمة ، كتب اسمه عليه وهو يقول :

أرمى بها معلمة أفواقها

مسمومة تجرى بها أخفاتها

ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثنى عشر رجلا سوى من جرح ، ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه ، فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت ، فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟

فقال : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسى على الجهد ولو بقيت لى عضد ما أسرتمونى وجرّد الشمر سيفه فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ثمّ قدمه الشمر وضرب عنقه (٢).

١٤ ـ قال الطبرى : قال هشام بن محمّد ، عن أبى مخنف ، قال حدّثنى يحيى بن هانئ بن عروة ، أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». قال : فخرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث ، فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان ، ثمّ حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو ابن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١١٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٨٣.

٥٨

الحجّاج بالناس : يا حمقى ، أتدرون من تقاتلون! فرسان المصر ، قوما مستميتين لا يبرزنّ لهم منكم أحد ، فانّهم قليل ، وقلّما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم : فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت ، وأرسل إلى الناس يعزم عليهم ألّا يبارز رجل منكم رجلا منهم (١).

١٥ ـ عنه عن أبى مخنف : كان نافع بن هلال الجملى قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمى بها مسوّمة وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح ، قال : فضرب حتّى كسرت عضداه وأخذ أسيرا ، قال : فأخذه شمر بن ذى الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا ، حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت.

قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسى على الجهد ، ولو بقيت لى عضد وساعد ما أسرتمونى ، فقال له شمر : اقتله أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله ، قال : فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله أن لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ، فقتله.

قال : ثمّ أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن شمر

يضربهم بسيفه ولا يفرّ

وهو لكم صاب وسمّ ومقر(٢)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٤١.

٥٩

٢ ـ شهادة مسلم بن عوسجة

١٦ ـ قال المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون ، تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فإنّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد ، صدقت ، الراى ما رأيت ، فارسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج وأصحابه على الحسين عليه‌السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة.

فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة ، فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسين عليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم (مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ودنى منه حبيب بن مظاهر فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ابشر بالجنّة ، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب لو لا انّى فى أثر من ساعتى هذه لأحببت ان توصينى بكلّ ما أهمّك ثمّ تراجع القوم الى الحسين عليه‌السلام. (١).

١٧ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـ رحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فسعى إليه الحسين عليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى

__________________

(١) الارشاد : ٢٢١.

٦٠