مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧١

أنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ونكسا نكسا! لقد خاب السعى ، وتبت الأيدى ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

أتدرون ويلكم اىّ كبد لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فرثتم؟ وأىّ عهد نكثتم؟ وأىّ كريمة لله أبرزتم؟ وأىّ حرمة هتكتم وأىّ دم له سفكتم؟! لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا! لقد جئتم بها شوهاء صلعاء ، عتقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء كطلاع الأرض ، أو ملأ السماء أفعجبتم ان تمطر السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فانه عزوجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثار كلا إنّ ربك لنا ولهم لبالمرصاد ، ثم انشأت تقول عليه‌السلام :

ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم

ما ذا صنعتم وأنتم آخر الامم

بأهل بيتى وأولادى وتكرمتى

منهم اسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان ذاك جزائى إذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى

انى لأخشى عليكم أن يحلّ بكم

مثل العذاب الذي أودى على ارم

ثم ولت عنهم ، قال حذيم : فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم فى أفواههم ، فالتفت الىّ شيخ فى جانبى يبكى وقد اخضلت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة الى السماء وهو يقول : بأبى وامى كهولهم خير كهول ، ونساؤهم خير نساء ، وشبابهم خير شباب ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد :

كهولكم خير الكهول ونسلكم

إذا عدّ نسل لا يبور ولا يخزى

فقال على بن الحسين عليه‌السلام : يا عمة اسكتى ففى الباقى من الماضى اعتبار ، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة ، ان البكاء والحنين لا يردّ ان من قد أباده الدهر ، فسكنت ، ثم نزل عليه‌السلام وضرب فسطاطه ، وأنزل نسائه ودخل

٢٤١

الفسطاط (١).

١٨ ـ قال الطبرى : أقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ، ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمرىّ فأذّن فى الناس بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وعلىّ بن الحسين مريض (٢).

١٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى أبو زهير العبسىّ ، عن قرّة بن قيس التميمىّ ، قال : نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههنّ. قال : فاعترضتهنّ على فرس ، فما رأيت منظرا من نسوة قطّ كان أحسن من منظر رأيته منهنّ ذلك اليوم والله لهنّ أحسن من مهايبرين. قال : فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعا وهى تقول.

يا محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذريتك مقتّلة ، تسفى عليها الصّبا. قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق ، قال : وقطف رءوس الباقين ، فسرح باثنين وسبعين رأسا مع شمر بن ذى الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد (٣).

٢٠ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى سليمان بن أبى راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال: دعانى عمر بن سعد فسرّحنى إلى أهله لأبشرّهم بفتح الله عليه وبعافيته ، فأقبلت حتى أتيت أهله ، فأعلمتهم ذلك ، ثمّ أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس ، وأجد الوفد قد قدموا عليه ، فأدخلهم ، وأذن للناس ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٥.

(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٥.

٢٤٢

ساعة ، فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب.

قال له : اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثم انفضخ الشيخ يبكى ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك! فو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، قال : فنهض فخرج ، فلمّا خرج سمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله ، قال : فقلت : ما قال : قالوا : مرّ بنا وهو يقول : ملّك عبد عبدا ، فأتّخذهم تلدا ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ ، فبعدا لمن رضى بالذل!

قال : فلمّا دخل برأس الحسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد قال : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال ذلك ثلاثا ، كلّ ذلك لا تكلّمه فقال بعض إمائها هذه زينب ابنة فاطمة قال : فقال لها عبيد الله الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فقالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وطهرنا تطهيرا لا كما تقول أنت انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ، قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده قال فغضب ابن زياد واستشاط قال : فقال له عمرو ابن حريث أصلح الله الأمير إنما هى امراة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها إنها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل.

فقال لها ابن زياد قد أشفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك قال فبكت ثم قالت لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فإن يشفك هذا فقد اشتفيت فقال لها عبيد الله هذه سجاعة قد

٢٤٣

لعمرى كان أبوك شاعرا سجاعا قالت ما للمراة والسجاعة انّ لى عن السجاعة لشغلا ولكن نفسى ما اقول (١).

٢١ ـ عنه ، قال أبو مخنف وأما سليمان بن أبى راشد فحدثنى عن حميد بن مسلم ، قال انى لقائم عند ابن زياد ، حين عرض عليه علىّ بن الحسين فقال له ما اسمك قال أنا على بن الحسين قال أو لم يقتل الله علىّ بن الحسين فسكت ، فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم ، قال قد كان لى أخ يقال له أيضا علىّ فقتله الناس ، قال إنّ الله قد قتله قال فسكت على فقال له ما لك لا تكلم قال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قال أنت والله منهم فقال لرجل عنده اقتله.

فقال على بن الحسين : من توكّل بهؤلاء والنسوة وتعلقت به زينب عمّته فقالت يا ابن زياد حسبك منّا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا قال فاعتنقته فقالت أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لمّا قتلتنى معه قال وناداه على فقال يا ابن زياد ان كانت بينك وبينهن قرابة فابعث معهنّ رجلا تقبّا بصحبهنّ صحبة الاسلام قال فنظر إليها ساعة ثم نظر الى القوم فقال عجبا للرحم والله إنى لأظنها ودّت لو أنّى قتلته أنّى قتلتها معه دعوا الغلام انطلق مع نسائك (٢).

٢٢ ـ قال محمّد بن إسحاق كان على بن حسين الاصغر مريضا نائما على فراش فقال شمر بن ذى الجوشن الملعون اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه : سبحان الله أتقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل وجاء عمر بن سعد فقال لا تعرضوا لهولاء النسوة ولا لهذا المريض.

قال على بن حسين فغيّبنى رجل منهم وأكرم نزلى واحتضننى وجعل يبكى كلّما خرج ودخل حتى كنت أقول ان يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا إلى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٦.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٦.

٢٤٤

أن نادى منادى ابن زياد ألا من وجد علىّ بن حسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم ، قال فدخل والله علىّ وهو يبكى وجعل يربط يدى الى عنقى وهو يقول : أخاف فاخرجنى والله إليهم مربوطا حتى دفعنى إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وانا أنظر إليه.

فأخذت فأدخلت على ابن زياد فقال ما اسمك فقلت على بن حسين قال أو لم يقتل الله عليّا قال : قلت كان لى أخ يقال له علىّ أكبر منى قتله الناس ، قال بل الله قتله قلت الله يتوفّى الأنفس حين موتها فأمر بقتله فصاحت زينب بنت على بابن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلّا قتلتنى معه فتركه.

قال : ولمّا امر عمر بن سعد بثقل الحسين أن يدخل الكوفة إلى عبيد الله بن زياد ، وبعث إليه برأسه مع خولى بن يزيد الأصبحى ، فلمّا حمل النساء والصبيان فمرّوا بالقتلى صرخت امرأة منهم يا محمداه هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماء وأهله ونساؤه سبايا ، فما بقى صدّيق ولا عدوّ الا اكبّ باكيا ثمّ قدم بهم على عبيد الله بن زياد فقال عبيد الله من هذه.

فقالوا زينب بنت على بن أبى طالب فقال كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم ، قال الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم قالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهّرنا تطهيرا ، فلمّا وضعت الرءوس بين يدى عبيد الله بن زياد جعل يضرب بقضيب معه على فىّ الحسين وهو يقول :

يفلقن هاما من أناس اعزة

علينا وهم كانوا أعقّ وأشأما.

فقال له زيد بن أرقم لو نحيت هذا القضيب فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع فاه على موضع هذا القضيب (١).

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات : ٧٨.

٢٤٥

٢٣ ـ عنه قال أخبرنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن على ابن زيد ، عن أنس بن مالك قال شهدت عبيد الله بن زياد حيث أتى برأس الحسين عليه‌السلام قال فجعل ينكت بقضيب معه على أسنانه ويقول إن كان لحسن الثغر قال فقلت والله لأسوأنك فقلت أما أنى قد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقبل موضع قضيبك من فيه(١).

٣٠ ـ باب شهادة عبد الله بن عفيف

١ ـ قال المفيد : قام عبد الله بن عفيف الأزدى وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال لابن زياد يا عدوّ الله انّ الكذّاب أنت وأبوك والّذي ولّاك وأبوه يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيّين وتقوم على المنبر مقام الصّديقين ، فقال ابن زياد علىّ بن فاخذته الجلاوزة فنادى شعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة فلمّا كان اللّيل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه فى السّبخة رحمة الله عليه (٢).

٢ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى ثم ان ابن زياد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال فى بعض كلامه : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الكذاب بن الكذاب فما زاد على الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدى ، وكان من خيار الشيعة ، وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت فى يوم الجمل والأخرى فى يوم صفين وكان يلازم المسجد الأعظم ، يصلّى فيه الى الليل.

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٢) الارشاد : ٢٢٩.

٢٤٦

فقال يا ابن زياد إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدوّ الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين ، قال الراوى فغضب ابن زياد وقال من هذا المتكلّم فقال : أنا المتكلم يا عدوّ الله أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس وتزعم انك على دين الاسلام وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقمون من طاغتيك اللعين بن اللعين على لسان رسول رب العالمين.

قال الراوى : فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجه وقال علىّ به فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية لياخذوه فقامت الأشراف من الازد من بنى عمه فخلّصوه من أيدى الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله ، فقال ابن زياد اذهبوا الى هذا الأعمى أعمى الازد أعمى الله قلبه ، كما أعمى عينه فاتونى به قال فانطلقوا إليه فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، قال بلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمّهم الى محمّد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم.

قال الراوى فاقتتلوا قتالا شديدا حتّى قتل بينهم جماعة من العرب قال ووصل اصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت ابنته اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناولينى سيفى قال فناولته اياه فجعل يذبّ عن نفسه ويقول:

انا ابن ذى الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخى وابن أمّ عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغاور

قال وجعلت ابنته تقول يا أبت ليتنى كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلى العترة البررة قال وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد وكلما جاءه من جهة قالت يا أبت جاءوك من

٢٤٧

جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به فقالت بنته واذلّاه يحاط بأبى وليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيفه ويقول :

اقسم لو يفسح لى عن بصرى

ضاق عليك موردى ومصدرى

قال الراوى فما زالوا به حتى أخذوه ثم حمل فادخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله الذي أخزاك فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدوّ الله وبما ذا أخزانى الله :

والله لو فرج لى عن بصرى

ضاق عليكم موردى ومصدرى

فقال ابن زياد يا عدوّ الله ما تقول فى عثمان بن عفان فقال يا عبد بنى علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما أنت وعثمان بن عفان أساء وأحسن واصلح أم فسدوا لله تبارك وتعالى ولىّ خلقه يقضى بينهم وبين عثمان بالعدل والحقّ ولكن سلنى عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه فقال ابن زياد لأسألنك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة.

فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين أما أنى قد كنت أسأل الله ربى أن يرزقنى الشهادة من قبل أن تلدك أمك وسألت الله ان يجعل ذلك على يدى ألعن خلقه وأبغضهم إليه فلما كف بصرى يئست عن الشهادة والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها وعرفنى الإجابة منه فى قديم دعائى فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب فى السبخة (١).

٣ ـ قال سبط ابن الجوزى : قال ابن أبى الدنيا : ثم جمع ابن زياد الناس فى المسجد ، ثم خطب وقال : الحمد لله الذي قتل الكذاب ابن الكذاب حسين وشيعته ، فقام إليه عبد الله بن عفيف الازدى وكان منقطعا فى المسجد ذهبت عينه اليمنى مع علىّ عليه‌السلام يوم صفين فقال يا ابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي

__________________

(١) اللهوف : ٧١.

٢٤٨

ولاك يا ابن مرجانة أتقتلون أولاد النبيين ، وتتكلمون بكلام الفاسقين ، فقال ابن زياد دونكم واياه ، فصاح عفيف بشعار الازد فثار إليه منهم سبعمائة رجل فحملوه الى داره (١).

٤ ـ قال الطبرى : قال حميد بن مسلم : لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس ، نودى : الصلاة جامعة! فاجتمع الناس فى المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب ، الحسين بن على وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدىّ ثم الغامدىّ ، ثم أحد بنى والبة ـ وكان من شيعة علىّ عليه‌السلام ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علىّ ، فلما كان يوم صفّين ضرب على رأسه ضربة ، وأخرى على حاجبه ، فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف.

قال : فلمّا سمع مقالة ابن زياد ، قال : يا ابن مرجانة إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولّاك وأبوه ، يا ابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيّين ، وتكلّمون بكلام الصدّيقين! فقال ابن زياد : علىّ به ، قال : فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه ، قال : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور ـ قال وعبد الرحمن بن مخنف الأزدىّ جالس ـ فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك ، وأهلكت قومك ، قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل ، قال : فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله ، فأرسل إليه من أتاه به ، فقتله ، وأمر بصلبه فى السّبخة ، فصلب هنا لك (٢)

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٥٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٨.

٢٤٩

٤ ـ باب ما جرى لاهل بيته عليه‌السلام فى دمشق

١ ـ قال الصدوق : أمر ابن زياد بالسبايا ورأس الحسين فحملوا الى الشام فلقد حدث جماعة كانوا خرجوا فى تلك الصحبة انهم كانوا يسمعون بالليالى نوح الجنّ على الحسين عليه‌السلام الى الصباح وقالوا فلمّا دخلنا دمشق ادخل بالنساء والسبايا بالنهار مكتشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة ابنة الحسين نحن سبايا آل محمّد فاقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا وفيهم على بن الحسين عليهما‌السلام وهو يومئذ فتى شابّ فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم : الحمد لله الذي قتلكم وأهلكم وقطع قرن الفتنة فلم يألوا عن شتمهم.

فلما انقضى كلامه قال له على بن الحسين عليه‌السلام : أما قرأت كتاب الله عزوجل قال نعم قال : أما قرأت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال بلى قال : فنحن أولئك ثم قال أما قرأت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال بلى قال فنحن هم ، فهل قرأت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال بلى قال فنحن هم فرفع الشامى يده الى السماء ثم قال : اللهم انّى أتوب إليك ثلاث مرات ، اللهم انى أبرأ إليك من عدوّ آل محمد ومن قتلة أهل بيت محمّد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

ثم ادخل نساء الحسين عليه‌السلام على يزيد بن معاوية فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله ولو لن وأقمن الماتم ووضع رأس الحسين بين يديه فقالت سكينة والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ولا

٢٥٠

أجفأ منه وأقبل يقول وينظر الى الرأس :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

ثم امر برأس الحسين فنصب على باب مسجد دمشق فروى عن فاطمة بنت علىّ عليه‌السلام ، انها قالت لما اجلسنا بين يدى يزيد بن معاوية رقّ لنا أوّل شيء وألطفنا ثم انّ رجلا من أهل الشام أحمر ، قام إليه فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية تعيننى ، وكنت جارية وضيئة فارعبت وفزعت وظننت انه يفعل ذلك فاخذت بثياب اختى وهى اكبر منى ، وأعقل فقالت كذبت والله ولعنت ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد فقال بل كذبت والله لو شئت لفعلته قالت لا والله ما جعل الله ذلك لك الا ان تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا.

فغضب يزيد ثم قال اياى تستقبلين بهذا انما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت بدين الله ودين أبى واخى وجدّى اهتديت أنت وجدّك وأبوك قال كذبت يا عدوّة الله قالت أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه قالت فكانه لعنه الله استحيا فسكت فأعاد الشامى فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية فقال له اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا (١).

٢ ـ حدثني محمّد بن على ماجيلويه رحمه‌الله عن عمه محمّد بن أبى القاسم ، عن محمّد بن على الكوفى ، عن نصر بن مزاحم ، عن لوط بن يحيى ، عن الحرث بن كعب ، عن فاطمة بنت علىّ صلوات الله عليهما ان يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه‌السلام فحبس مع علىّ بن الحسين عليه‌السلام فى محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشرت وجوههم ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض الا وجد تحته دم عبيط وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنه الملاحف المعصفرة الى ان خرج على بن الحسين عليه‌السلام بالنسوة وردّ رأس الحسين الى كربلاء (٢)

__________________

(١) أمالى الصدوق : ١٠٠.

(٢) أمالي الصدوق : ١٠٠.

٢٥١

٣ ـ قال المفيد : لمّا اصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه‌السلام فدير به فى سكك الكوفة كلّها وقبايلها فروى عن زيد بن أرقم انّه قال مرّ به علىّ وهو على رمح وأنا فى غرفة لى ، فلمّا حاذانى سمعته يقرأ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فقفّ والله شعرى ، وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ولمّا فرغ القوم من الطواف به فى الكوفة ردّوه الى باب القصر ، فدفعه ، ابن زياد الى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه وسرّحه الى يزيد بن معاوية وأنفذ معه ابا بردة بن عوف الأزدى وطارق بن أبى ظبيان فى جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها على يزيد بن معاوية بدمشق(١)

٤ ـ عنه روى عبد الله بن ربيعة الحميرى قال انّى لعند يزيد بن معاوية بدمشق اذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما ورائك وما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علىّ عليهما‌السلام فى ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستّين من شيعته فسرنا إليهم ، فسألناهم ان يتسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختار والقتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشّمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية حتّى اذا أخذت السّيوف مأخذها من هام القوم وجعلوا يهربون الى غير وزر ويلوذون منّا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من صقر.

فو الله يا أمير المؤمنين ما كانوا الّا جزر جزور أو نومة قائل حتّى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجرّدة وثيابهم مرملة وخدودهم معفّرة تصهرهم الشّموس وتسفى عليهم الرّياح زوّارهم العقبان والرّخم ، فأطرق يزيد هنيئة ثمّ رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه‌السلام ، أما لو أنّى صاحبه لعفوت عنه (٢)

__________________

(١) الارشاد : ٢٢٩.

(٢) الارشاد : ٢٢٩.

٢٥٢

٥ ـ عنه ثمّ انّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين عليه‌السلام أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعلىّ بن الحسين عليهما‌السلام فغلّ الى عنقه ثمّ سرّح بهم فى أثر الرّءوس مع محفّر بن ثعلبة العائذى وشمر بن ذى الجوشن فانطلقوا بهم حتّى لحقوا بالقوم الّذين معهم الرّأس ولم يكن علىّ بن الحسين يكلّم أحدا من القوم الّذين معهم الرّاس فى الطّريق كلمة حتّى بلغوا فلمّا انتهوا الى باب يزيد رفع محفّر بن ثعلبة صوته ، فقال هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللّئام الفجرة فأجابه علىّ بن الحسين عليهما‌السلام ما ولدت أمّ محفّر أشرّ وألأم ، قال ولمّا وضعت الرّءوس بين يدى يزيد وفيها رأس الحسين عليه‌السلام قال يزيد :

ففلق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :

لهام بأدنى الطّف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

أميّة امسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى بن الحكم يده وقال اسكت ثمّ قال لعلىّ بن الحسين عليهما‌السلام يا ابن حسين أبوك قطع رحمى وجهل حقّى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما قدر رأيت فقال علىّ بن الحسين عليهما‌السلام : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يردّ عليه فقال له يزيد قل (ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).

ثمّ دعى بالنّساء والصّبيان فاجلسوا بين يديه فراى هيئة قبيحة فقال قبّح الله ابن مرجانة لو كانت بينه وبينكم قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم على هذه الحالة فقالت فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، فلمّا جلسنا بين يدى يزيد رقّ لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشّام أحمر ، فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية

٢٥٣

يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعدت وظننت انّ ذلك جائز لهم ، فاخذت بثياب عمّتى زينب وكانت تعلم انّ ذلك لا يكون ، فقالت عمّتى للشّامى كذبت والله ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد وقال كذبت انّ ذلك لى ولو شئت أن أفعل لفعلت قالت كلّا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا ان تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال ايّاى تستقبلين بهذا إنمّا خرج من الدّين أبوك وأخوك قالت : بدين الله ودين أبى ودين أخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك ، ان كنت مسلما قال كذبت يا عدوّة الله قالت له أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكانّه استحيا وسكت ، فعاد الشّامى فقال هب لى هذه الجارية فقال له يزيد أعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ، ثمّ أمر بالنّسوة ان ينزلن فى دار على حدة معهنّ أخوهنّ علىّ بن الحسين عليهما‌السلام فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أيّاما (١)

٦ ـ قال الطبرسى : فلما فرغ القوم من الطواف به ردّوه إلى باب القصر ، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه ، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فقال يزيد : قد كنت أقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أما لو أنّى كنت صاحبه لعفوت عنه.

ثم إنّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعلىّ بن الحسين أن يغلّ فى عنقه ثمّ سرّح به إلى أثر الرأس مع محفر بن ثعلبة العائذىّ وشمر بن ذى الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الّذين معهم الرأس ، ولم يكن علىّ بن الحسين عليهما‌السلام يكلّم أحدا من القوم فى الطريق كلمة حتّى بلغوا باب يزيد بن معاوية فرفع محفر بن ثعلبة صوته فقال : أتى محفر بن ثعلبة

__________________

(١) الارشاد : ٢٣٠.

٢٥٤

أمير المؤمنين باللّئام الفجرة ، فأجابه علىّ بن الحسين عليه‌السلام : ما ولدت أمّ محفر أشرّ والأم ، ولمّا وضعت الرءوس بين يدى يزيد وفيها رأس الحسين عليه‌السلام قال يزيد :

ففلّق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :

لهام بأدنى الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

أميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى بن الحكم وقال : اسكت ، ثم قال لعلىّ بن الحسين عليه‌السلام : أبوك قطع رحمى وجهل حقّى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علىّ بن الحسين : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه فقال له يزيد : قل (ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يدى فرأى هيئة قبيحة.

فقال : قبّح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا ، قالت فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بين يديه رقّ لنا فقام رجل من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمّتى زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون فقالت عمّتى للشامى : كذبت ولؤمت ما ذلك لك ولا له فغضب يزيد وقال : كذبت إنّ ذلك لى ولو شئت لفعلت ، قالت : كلّا والله ما جعل الله ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضبا وقال : إيّاى تستقبلين بهذا إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب بدين الله وبدين أبى وأخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوّة الله ، قالت : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر

٢٥٥

بسلطانك ، فإنّه استحيا وسكت ، فعاد الشامى فقال : هب لى هذه الجارية فقال له يزيد : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ، ثم أمر بالنسوة أن ينزلن فى دار على حدة ، معهنّ علىّ بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام فأنزلوهم دارا تتصل بدار يزيد فأقاموا أيّاما (١).

٧ ـ قال الفتال ثم أمر ابن زياد بالسّبايا ورأس الحسين فحملوا الى الشّام ، ولقد حدّث جماعة كانوا خرجوا فى تلك الصّحبة انّهم كانوا يسمعون باللّيالى نوح الجنّ على الحسين عليه‌السلام الى الصّباح وقالوا : لمّا دخلنا دمشق ادخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة ، ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة بنت الحسين عليه‌السلام نحن سبايا آل محمّد فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السّبايا وفيهم على بن الحسين عليه‌السلام ، وهو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشّام فقال لهم : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة فلم يأل عن شتمهم.

فلمّا انقضى كلامه فقال له علىّ بن الحسين عليهما‌السلام أما قرأت كتاب الله عزوجل قال نعم قال أما قرأت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال بلى قال فنحن اولئك ثمّ قال أما قرأت (آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال بلى قال فنحن هم ثمّ قال فهل قرأت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال بلى قال فنحن هم فرفع الشّامى يده الى السّماء ثمّ قال.

اللهمّ انّى أتوب إليك ثلث مرّات ، اللهم انّى أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد ومن قتل أهل بيت محمّد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم ، ثمّ ادخل نساء الحسين عليه‌السلام على يزيد بن معاوية لعنهما الله وأخزاهما فصحن نساء أهل يزيد وبنات معاوية وأهله وو لو لن وأقمن الماتم ووضع رأس الحسين عليه‌السلام بين يديه لعنه

__________________

(١) اعلام الورى : ٣٤٨.

٢٥٦

الله فقالت سكينة والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا ولا مشركا أشرّ منه ولا أجفا منه ووضع الرأس بين يديه وأقبل يزيد ويقول وينظر إلى الرّاس :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لاستهلّوا واستطاروا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

ما أبالى بعد فعلى بهم

نزل الويل عليهم أم رحل

لست من خندف إن لم انتقم

من بنى أحمد ما كان فعل

قد قتلنا الشيب من أبنائهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

فبذاك الشيخ أوصانى به

فاتبعت الشيخ فى قصد سبل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحى نزل

ثمّ امر برأس الحسين عليه‌السلام فنصب على باب مسجد دمشق فروى عن فاطمة بنت على عليه‌السلام انّها قالت لما أجلسنا بين يدى يزيد لعنه الله رقّ لنا اوّل شيء والطفنا ، ثمّ إنّ رجلا من أهل الشام أحمر ، قام إليه فقال له يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية ، يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعبت وفزعت وظننت أنّه يفعل ذلك فاخذت بثياب أختى وهى اكبر منّى وأعقل فقالت كذبت والله ولعنت ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد لعنه الله وقال بل كذبت والله لو شئت لفعلته.

قالت والله ما جعل الله ذلك لك الّا ان تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا ، فغضب يزيد لعنه الله قال إيّاى تستقبلين بهذا إنمّا خرج من الدّين أبوك وأخوك فقالت بدين الله ودين جدّى وأبى واخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك قال كذبت يا عدوة الله قالت أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه قالت فكانّه لعنه الله استحيا فسكت فعاد الشّامى لعنه الله فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية فقال اعزب وهبك الله حتفا قاضيا ثمّ انّ يزيد لعنه الله امر بنساء الحسين عليه‌السلام فحبسن مع علىّ بن

٢٥٧

الحسين عليهما‌السلام فى مجلس لا يكنّهم من حرّ ولا برد حين تقشّرت وجوههن (١).

٨ ـ قال ابن شهرآشوب : قال الطّبرى والبلاذرى والكوفى لمّا وضعت الرّءوس بين يدى يزيد جعل يضرب بقضيبه على ثنيته ثمّ قال يوم بيوم بدر وجعل يقول :

تفلّق هاما من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال يحيى بن الحكم أخو مروان :

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

سميّئة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله أمست بلا نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى وقال اسكت لا أمّ لك ، فقال ابو برزة ادفع قضيبك يا فاسق فو الله رايت شفتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان قضيبك يقبله فرفع وهو يتدمّر مغضبا على الرّجل وزاد غيرهم فى الرّواية انّه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم احد :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستطاروا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا السّبط من أسباطهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لست من خندف ان لم أنتقم

من بنى أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالدّين فلا

خبر جاء ولا وحى نزل (٢)

٩ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى وكتب عبيد الله بن زياد الى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين عليه‌السلام وخبر أهل بيته وكتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك أمّا عمرو فحيث وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك فعظمت واعية بنى هاشم وأقاموا المصائب والماتم وكانت

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٦٤.

(٢) المناقب : ٢ / ٢٢٥.

٢٥٨

زينب بنت عقيل بن ابى طالب عليه‌السلام تندب الحسين عليه‌السلام وتقول :

ما ذا تقولون ان قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الامم

بعترتى وباهلى بعد مفتقدى

منهم اسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائى اذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى

فلما جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفا ينادى :

أيها القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبىّ وما لك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الانجيل

أما يزيد بن معاوية فانه لما وصله كتاب عبيد الله بن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه‌السلام ورءوس من قتل معه وبحمل أثقاله ونسائه وعياله فاستدعى ابن زياد بمحفر بن ثعلبة العائذى فسلّم إليه الرءوس والأسرى والنساء فصار بهم محفر الى الشام كما ياسر بسبايا الكفار يتصفح وجوههنّ أهل الاقطار (١).

١٠ ـ عنه ، روى ابن لهيعة وغيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال كنت أطوف بالبيت فاذا برجل يقول اللهم اغفر لى وما أريك فاعلا فقلت له يا عبد الله اتّق الله ولا تقل مثل ذلك فان ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك فانه غفور رحيم ، قال فقال لى تعال حتى أخبرك بقصتى ، فأتيته فقال اعلم أنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين عليه‌السلام الى الشام فكنا اذا أمسينا وضعنا الرأس فى تابوت وشربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابى ليلة حتّى سكروا ولم أشرب معهم.

فلما جنّ الليل سمعت رعدا ورأيت برقا فاذا أبواب السماء قد فتحت ونزل

__________________

(١) اللهوف : ٧٤.

٢٥٩

آدم عليه‌السلام ونوح وابراهيم واسماعيل واسحاق ونبينا محمّد عليه‌السلام أجمعين ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت وأخرج الرأس وضمّه الى نفسه وقبله ثم كذلك فعل الأنبياء كلّهم وبكى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأس الحسين عليه‌السلام وعزاه الأنبياء وقال له جبرئيل عليه‌السلام يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى أمرنى أن اطيعك فى امتك فان أمرتنى زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يا جبرئيل فان لهم معى موقفا بين يدى الله يوم القيامة ، ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا فقلت الأمان يا رسول الله فقال اذهب فلا غفر الله لك (١).

١١ ـ عنه رأيت فى تذييل محمّد بن النجار شيخ المحدثين ببغداد فى ترجمة على ابن نصر الشبوكى باسناده زيادة فى هذا الحديث ما هذا لفظه قال لما قتل الحسين بن على وحملوا برأسه جلسوا يشربون ويجئ بعضهم بعضا بالرأس فخرجت يد وكتبت بقلم الحديد على الحائط :

أترجو امة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

قال فلما سمعوا بذلك تركوا الرأس وهزموا (٢)

١٢ ـ عنه قال الراوى وسار القوم برأس الحسين ونسائه والأسرى من رجاله فلما قربوا من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر وكان من جملتهم فقالت له لى إليك حاجة فقال ما حاجتك قالت اذا دخلت بنا البلد فاحملنا فى درب قليل النظارة وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرءوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن فى هذه الحال فأمر فى جواب سؤالها أن يجعل الرءوس على الرماح فى المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك

__________________

(١) اللهوف : ٧٤.

(٢) اللهوف : ٧٥.

٢٦٠