أحكام القرآن - ج ٤

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٤

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٧

مثلا. المعنى هذا غنىّ عن الزوجة وأنا مفتقر إليها ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما ـ أن العدول عن الظاهر بغير دليل لا معنى له ، ولا دليل يدل على أنّ شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في شرعنا.

الثاني ـ أنه روى البخاري وغيره أنّ سليمان قال : لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله. ونسى أن يقول إن شاء الله. وهذا نص قدمنا تحقيقه قبل.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (أَكْفِلْنِيها).

فيه ثلاثة أقوال :

الأول ـ من كفلها أى ضمّها ، أى أجعلها تحت كفالتى.

الثاني ـ أعطنيها. ويرجع إلى الأول ، لأنه أعمّ منه معنى.

الثالث ـ تحوّل لي عنها ، قاله ابن عباس. ويرجع إلى العطاء والكفالة إلا أنه أعم من الكفالة وأخصّ من العطاء.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ). يعنى غلبني ، من قولهم : من عزّ بزّ.

واختلف في سبب الغلبة ، فقيل معناه : غلبني ببيانه. وقيل : غلبني بسلطانه ، لأنه لما سأله لم يستطع خلافه.

كان ببلدنا أمير يقال له سير بن أبى بكر ، فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أنّ طلب السلطان الحاجة غصب لها. فقلت : أما (١) إذا كان عدلا فلا. فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثّل به ، وفطنته ، كما عجب من جوابي له واستغربه.

المسألة السادسة ـ في الآية الخامسة ـ قوله (٢) : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ).

الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وقد يكون محرما وقد يكون مكروها شرعا ، وقد يكون مكروها عادة ، فإن كان غلبه [عادة] (٣) على أهله فهو ظلم محرّم ، وإن كان سأله إياها فهو ظلم مكروه شرعا وعادة ، ولكن لا إثم عليه فيه.

المسألة السابعة ـ في تقييد ما ذكره المفسرون في هذه القصة ، وهو مروىّ عنهم بألفاظ

__________________

(١) في ش : فقلت له.

(٢) آية ٢٤.

(٣) من م.

٤١

مختلفة ، وأحوال متفاوتة ، أمثلها أنّ داود حدّثته نفسه إذ ابتلى أن يعتصم ، فقيل له : إنك ستبتلى وتعلم الذي تبتلى فيه ، فخذ حذرك. فأخذ الزّبور ودخل المحراب ، ومنع من الدخول عليه ، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون ، وجعل يدرج بين يديه ، فهمّ أن يتناوله بيده ، فاستدرج حتى وقع في كوّة المحراب ، فدنا منه ليأخذه ، فطار فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل ، فلما رأته غطّت جسدها بشعرها ، فوقعت في قلبه ، وكان زوجها غازيا (١) في سبيل الله ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، إما أن يفتح الله عليهم ، وإما أن يقتلوا. فقدمه فيهم ، فقتل. فلما انقضت عدّتها خطبها داود ، فاشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده ، وكتبت عليه بذلك كتابا ، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بنى إسرائيل ، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان ، وشبّ وتسوّر الملكان وكان من قصّها (٢) ما قصّ الله تعالى في كتابه. قالوا : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض.

المسألة الثامنة ـ في التنقيح :

قد قدمنا لكم فيما سلف ، وأوضحنا في غير موضع أنّ الأنبياء معصومون عن الكبائر إجماعا ، وفي الصغائر اختلاف ، وأنا أقول : إنهم معصومون عن الصغائر والكبائر لوجوه بينّاها في كتاب النبوات من أصول الدين ، وقد قال جماعة : لا صغيرة في الذنوب وهو صحيح ، كما قالت طائفة : إنّ من الذنوب كبائر وصغائر ، وهو صحيح.

وتحقيقه أنّ الكفر معصية ليس فوقها معصية ، كما أن النظرة (٣) معصية ليس دونها معصية ، وبينهما ذنوب إن قرّنها بالكفر والقتل والزنا وعقوق الوالدين والقذف والغصب كانت صغائر ، وإن أضفتها إلى ما يليها في القسم الثاني الذي بعده من جهة النظر كانت كبائر ، والذي أوقع الناس في ذلك رواية المفسرين وأهل التقصير من المسلمين في قصص الأنبياء مصائب لا قدر عند الله لمن اعتقدها روايات ومذاهب ، ولقد كان من حسن الأدب مع الأنبياء صلوات الله عليهم ألّا تبثّ عثراتهم لو (٤) عثروا ، ولا تبث فلتاتهم لو استفلتوا ، فإن إسبال الستر على

__________________

(١) في ش : غائبا.

(٢) في ش : قصتهما.

(٣) في ش : النظر.

(٤) في ش : وإن.

٤٢

الجار والولد والأخ والفضيلة أكرم فضيلة ، فكيف سترت على جارك حتى لم تقص نبأه في أخبارك ؛ وعكفت على أنبيائك وأحبارك تقول عنهم ما لم يفعلوا ، وتنسب إليهم ما لم يتلبّسوا به ، ولا تلوّثوا به ، نعوذ بالله من هذا التعدّى والجهل بحقيقة الدّين في الأنبياء والمسلمين والعلماء والصالحين.

فإن قيل : فقد ذكر الله أخبارهم.

قلنا : عن ذلك جوابان :

أحدهما ـ للمولى أن يذكر ما شاء من أخبار عبيده ، ويستر ويفضح ، ويعفو ويأخذ ، وليس ينبغي للعبد أن ينبزّ (١) في مولاه بما يوجب عليه اللّوم ، فكيف بما عليه فيه الأدب والحدّ ، وإن الله تعالى قد قال في كتابه لعباده في برّ الوالدين (٢) : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) ، فكيف بما زاد عليه؟ فما ظنك بالأنبياء ، وحقّهم أعظم ، وحرمتهم آكد ، وأنتم تغمسون ألسنتكم في أعراضهم ، ولو قرّرتم في أنفسكم حرمتهم لما ذكرتم قصّتهم.

الثاني ـ أن الحكمة في أن الله ذكر قصص الأنبياء فيما أتوا من ذلك علمه بأنّ العباد سيخوضون فيها بقدر ، ويتكلّمون فيها بحكمة ، ولا يسأل عن معنى ذلك ولا عن غيره ، فقد ذكر الله أمرهم كما وقع ، ووصف حالهم بالصدق كما جرى ، كما قال تعالى (٣) : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ، يعنى أصدقه. وقال (٤) : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ). وقد وصيناكم إذا كنتم لا بدّ آخذين في شأنهم ذاكرين قصصهم ألّا تعدوا ما أخبر الله عنهم ، وتقولوا ذلك بصفة التعظيم لهم والتنزيه عن غير ما نسب الله إليهم ، ولا يقولنّ أحدكم : قد عصى الأنبياء فكيف نحن ، فإن ذكر ذلك كفر.

المسألة التاسعة ـ في ذكر قصة داود عليه السلام على الخصوص بالجائز منها دون الممتنع : أما قولهم : إنّ داود حدّث نفسه أن يعتصم إذا ابتلى ففيه ثلاثة أوجه :

الأول ـ أن حديث النفس لا حرج في شرعنا آخرا ، وقد كنا قبل ذلك قيل لنا إنا نؤاخذ به ، ثم رفع الله ذلك عنّا بفضله ، فاحتمل أن يكون ذلك مؤاخذا به في شرع من

__________________

(١) فلان ينبز بالصبيان : يلقبهم.

(٢) سورة الإسراء : آية ٢٣.

(٣) سورة يوسف ، آية ٣.

(٤) سورة هود ، آية ١٢٠.

٤٣

قبلنا ، وهو أمر لا يمكن الاحتراز منه ، فليس في وقوعه ممن يقع منه نقص ؛ وإنما الذي يمكن دفعه هو الإصرار بالتمادى على حديث النفس وعقد العزم عليه.

الثاني ـ أنه يحتمل أن يكون داود عليه السلام نظر من حاله وفي عبادته وخشوعه وإنابته وإخباته ، فظنّ أن ذلك يعطيه عادة التجافي عن أسباب الذنوب ، فضلا عن التوغل فيها ، فوثق بالعبادة ، فأراد الله تعالى أن يريه أن ذلك حكمه في العبادة واطرادها.

الثالث ـ أنّ هذا النقل لم يثبت ؛ فلا يعوّل عليه. وأما قولهم : إن الطائر درج عنده فهمّ بأخذه ، فدرج فاتبعه ، فهذا لا يناقض العبادة ، لأنّ هذا مباح فعله لا سيما وهو حلال ، وطلب الحلال فريضة ، وإنما اتبع الطائر لذاته لا لجماله ، فإنه لا منفعة له فيه ، وإنما ذكرهم لحسن الطائر حذق في الجهالة ، أما أنه قد روى أنه كان طائرا من ذهب فاتّبعه ليأخذه لأنه من فضل الله سبحانه ، كما روى في الصحيح أن أيوب كان يغتسل عريانا ، فخرّ عليه رجل من جراد من ذهب ، فجعل يحثى منه ، ويجعل في ثوبه ، فقال له الله : يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى! قال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى لي عن بركتك. وأما قولهم (١) : إنه وقع بصره على امرأة تغتسل عريانة فلما رأته أرسلت شعرها فسترت جسدها ، فهذا لا حرج عليه فيه بإجماع الأمة ، لأن النظرة الأولى لكشف (٢) المنظور إليه ، ولا يأثم الناظر بها.

وأما قولهم : أنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله ، فهذا باطل قطعا ، لأنّ داود عليه السلام لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه ، وإنما كان من الأمر أنّ داود قال لبعض أصحابه : أنزل لي عن أهلك ، وعزم عليه في ذلك ، كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة برغبة صادقة كانت في الأهل أو المال ، وقد قال سعيد (٣) بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف حين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينهما : ولى زوجتان ، أنزل لك عن إحداهما ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك. وما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبه ، وليس في القرآن أنّ ذلك كان ، ولا أنه تزوّجها بعد زوال عصمة الرجل عنها ، ولا ولادتها لسليمان ، فعن من يروى هذا ويسند (٤)؟ وعلى من في نقله يعتمد ، وليس يؤثره عن الثقات الأثبات أحد؟ أما إنّ في

__________________

(١) في ش : قوله.

(٢) في ش : تكشف.

(٣) في ش : سعد.

(٤) في م : ويسنه.

٤٤

سورة الأحزاب نكتة تدلّ على أنّ داود قد صارت له المرأة زوجة ، وذلك قوله (١) : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) ، يعنى في أحد الأقوال [كان] (٢) تزويج المرأة التي نظر إليها ، كما زوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده بزينب بنت جحش ، إلا أن تزويج زينب كان من غير سؤال للزوج في فراق ، بل أمره بالتمسك بزوجيتها ، وكان تزويج داود المرأة بسؤال زوجها فراقها ، فكانت هذه المنقبة لمحمد صلّى الله عليه وسلم على داود مضافة إلى مناقبه العلية ، ولكن قد قيل : إن معنى قوله تعالى: (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) تزويج الأنبياء بغير صداق من وهبت نفسها من النساء بغير صداق.

وقيل : أراد بقوله تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أنّ الأنبياء فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره ، وهذا أصحّ الأقوال.

وقد روى المفسرون أنّ داود نكح مائة امرأة ، وهذا نصّ القرآن.

وروى أن سليمان كانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية ، وربّك أعلم ، وبعد هذا قفوا حيث وقف بكم البيان بالبرهان دون ما تتناقله الألسنة من غير تثقيف للنقل. والله أعلم.

المسألة العاشرة ـ قوله تعالى : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ).

فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من أحد الخصمين ، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر القول ، وذلك ممّا لا يجوز عند أحد ولا في ملّة من الملل ، ولا يمكن ذلك للبشر ، وإنما تقدير الكلام أنّ أحد الخصمين ادّعى ، والآخر سلّم في الدعوى ، فوقعت بعد ذلك الفتوى.

وقد قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم [لعلىّ رضى الله عنه] (٣) : إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر.

وقيل : إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك. وقيل : تقديره لقد ظلمك إن كان كذلك. والله أعلم بتعيين ما يمكن من هذه الوجوه.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية ٣٨.

(٢) من ش.

(٣) ليس في م ، ش.

٤٥

المسألة الحادية عشرة ـ قال علماؤنا : [قوله تعالى] (١) : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) دليل على أنّ القضاء كان في المسجد ، ولو كان ذلك لا يجوز ، كما قال الشافعى ، لما قرّرهم داود على ذلك ، ولقال : انصرفا إلى موضع القضاء.

وقد قال مالك : إن القضاء في المسجد من الأمر القديم ، يعنى في أكثر الأمر ، ولا بأس أن يجلس في رحبته ليصل إليه الضعيف والمشرك والحائض.

وقد قال أشهب : يقضى في منزله وأين أحبّ. والذي عندي أنه يقسّم أوقاته وأحواله ليبلغ كلّ أحد إليه ويستريح هو مما يرد من ذلك عليه.

المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ).

يعنى أيقن. والظنّ ينطلق على العلم والظن ؛ لأنه جاره ، وقد ورد ذلك كثيرا في قوله تعالى (٢) : (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ).

المسألة الثالثة عشرة ـ قوله تعالى : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ).

اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه على أربعة أقوال :

الأول ـ قيل : إنه نظر إلى المرأة حتى شبع منها.

الثاني ـ أنه أغزى زوجها في حملة التابوت.

الثالث ـ أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها.

الرابع ـ أنه حكم لأحد الخصمين من قبل أن يسمع من الآخر.

قال القاضي : قد بينّا أن الأنبياء معصومون على الصفة المتقدمة من الذنوب المحدودة على وجه بيّن ، فأما من قال : إنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر فلا يجوز ذلك على الأنبياء ، وكذلك تعريض زوجها للقتل كما قدّمنا تصوير للحق على روح الباطل ، والأعمال بالنيات.

وأما من قال : إنه نظر إليها حتى شبع فلا يجوز ذلك عندي بحال ؛ لأن طموح البصر

__________________

(١) من ش.

(٢) سورة التوبة ، آية ١١٩.

٤٦

لا يليق بالأولياء المتجردين للعبادة ، فكيف بالأنبياء الذين هم الوسائط المكاشفون بالغيب ، وقد بيناه في موضعه.

وروى أشهب عن مالك ، قال : بلغني أنّ تلك الحمامة أتت فوقفت قريبا من داود ، وهي من ذهب ، فلما رآها أعجبته ، فقام ليأخذها ، ففرّت من يده ، ثم صنع مثل ذلك مرتين ، ثم طارت فأتبعها بصره ، فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغتسل ، ولها شعر طويل ، فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموع عينيه ، فأما النظرة الثانية فلا أصل لها.

وقد روى عن علىّ أنه قال : لا يبلغني عن أحد أنه يقول : إن داود عليه السلام ارتكب من تلك المرأة محرّما إلا جلدته مائة وستين سوطا ، فإنه يضاعف له الحدّ حرمة للنبي صلّى الله عليه وسلم ، وهذا مما لا يصح عنه.

فإن قيل : فما حكمه عندكم؟

قلنا : أما من قال إن نبيّا زنى فإنه يقتل. وأما من نسب إليه دون ذلك من النظرة والملامسة فقد اختلف نقل الناس في ذلك ، فإن صمم أحد على ذلك فيه ونسبه إليه فإنه يناقض التعزير المأمور به.

وأما قولهم : إنه نوى إن مات زوجها أن يتزوّجها فلا شيء فيه ، إذ لم يعرضه للموت ، وبعد هذا فإنّ الذنب الذي أخبر الله عنه هو سؤاله زوجة وعدم القناعة بما كان من عدد النساء عنده ، والشهوة لا آخر لها ، والأمل لا غاية له ، فإنّ متاع الدنيا لا يكفى الإنسان وحده في ظنه ، ويكفيه الأقلّ منه ، والذي عتب الله فيه على داود تعلّق باله إلى زوج غيره ، ومدّعينه إلى متاع سواه حسبما نصّ الله عنه.

وقد قال بعضهم : إنه خطب على خطبة أوريا فمال إليها ، ولم يكن بذلك عارفا ، وهذا باطل يردّه القرآن والآثار التفسيرية كلّها.

المسألة الرابعة عشرة ـ قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ).

لا خلاف بين العلماء أنّ الركوع هاهنا السجود ، لأنه أخوه ، إذ كلّ ركوع سجود ، وكلّ سجود ركوع ، فإنّ السجود هو الميل ، والركوع هو الانحناء ، وأحدهما يدلّ على

٤٧

الآخر ، ولكنه قد يختصّ كلّ واحد منهما بهيئة ، ثم جاء على تسمية أحدهما بالآخر ، فسمّي السجود ركوعا.

واختلف العلماء هل هي من عزائم السجود أم لا؟ حسبما بيناه من قبل.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ على المنبر : ص والقرآن ذي الذكر ... فلما بلغ السجدة نزل فسجد ، وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها فتهيّأ الناس للسجود ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : أنها توبة نبىّ ، ولكنني رأيتكم تيسّرتم للسجود ، ونزل فسجد. وهذا لفظ أبى داود ، وفي البخاري وغيره عن ابن عباس أنه قال : ص ليست من عزائم القرآن. وقد رأيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم يسجد فيها. وقد روى من طريق عن ابن مسعود أنه قال : إنها توبة نبي ، لا يسجد فيها.

وعن ابن عباس أنه قال : إنها توبة نبي ، ونبيّكم ممن أمر أن يقتدى به.

والذي عندي أنها ليست موضع سجود ، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلم سجد فيها فسجدنا للاقتداء به.

ومعنى السجود أنّ داود عليه السلام سجد خاضعا لربه ، معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته ، فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية ، فلعل الله أن يغفر له بحرمة داود الذي اتّبعه ، وسواء قلنا إنّ شرع من قبلنا شرع لنا أم لا فإن هذا أمر مشروع في كلّ ملّة لكل أحد ، والله أعلم.

وقد روى الترمذي وغيره ـ واللفظ للغير ـ أن رجلا من الأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّى من الليل يستتر بشجرة ، وهو يعرض القرآن ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدت الشجرة معه ، فسمعها وهي تقول : اللهم أعظم لي بهذه السجدة أجرا وارزقني بها شكرا. (١)

الآية السادسة ـ قوله تعالى (٢) : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ، وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).

__________________

(١) آية ٢٦.

٤٨

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ هذا كلام مرتبط بما قبله وصّى الله فيه داود ، فيدلّ ذلك على أنّ الذي عوتب عليه طلب المرأة من زوجها ، وليس ذلك بعدل ، ألا ترى أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم لم يطلب امرأة زيد ، وإنما تكلم في أمرها بعد فراق زوجها وإتمام عدّتها. وقد بينّا أنّ هذا جائز في الجملة ، ويبعد من منصب النبوة ، فلهذا ذكر وعليه عوتب وبه وعظ.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (خَلِيفَةً).

قد بيّنا الخلافة ومعناها لغة ، وهو قيام الشيء مقام الشيء ، والحكم لله ، وقد جعله الله للخلق على العموم بقوله عليه السلام : إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، وعلى الخصوص في قوله تعالى (١) : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وقوله تعالى (٢) : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ). والخلفاء على أقسام :

أولهم ـ الإمام الأعظم ، وآخرهم العبد في مال سيّده ، قال النبي صلّى الله عليه وسلم : كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته ، والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته. بيد أنّ الإمام الأعظم لا يمكنه تولّى كلّ الأمور بنفسه ، فلا بدّ من الاستنابة ، وهي على أقسام كثيرة :

أوّلها ـ الاختلاف على البلاد ، وهو على قسمين : أحدهما أن يقدمه على العموم ، أو يقدمه على الخصوص ، فإن قدّمه وعيّنه في منشوره وقف نظره حيث خصّ به ، وإن قدمه على العموم فكلّ ما في المصر يتقدّم عليه ، وذلك في ثلاثة أحكام :

الأول ـ القضاء بين الناس ، فله أن يقضى ، وله أن يقدم من يقضى ، فإذا قدم للقضاء بين الناس والحكم بين الخلق كان له النظر فيما فيه التنازع ، بين الخلق ، وذلك حيث تزدحم أهواؤهم ، وهي على ثلاثة أشياء : النفس ، والعرض ، والمال ، يفصل فيما تنازعهم ، ويذبّ عنهم من يؤذيهم ، ويحفظ من الضياع أموالهم بالجباية إن كانت مفرّقة ، وبتفريقها على

__________________

(١) سورة البقرة ، آية ٣٠.

(٢) سورة ص ٢٦. (٤ ـ أحكام ـ ٤).

٤٩

من يستحقها إذا اجتمعت ، ويكفّ الظالم عن المظلوم. ويدخل فيه قود الجيوش ، وتدبير المصالح العامة ، وهو الثالث.

وقد رام بعض الشافعية أن يحصر ولايات الشرع فجمعها في عشرين ولاية ، وهي : الخلافة العامة ، والوزارة ، والإمارة في الجهاد ، وولاية حدود المصالح ، وولاية القضاء ، وولاية المظالم ، وولاية النقابة على أهل الشرف ، والصلاة والحج ، والصدقات ، وقسم الفيء ، والغنيمة ، وفرض الجزية ، والخراج ، والموات وأحكامه ، والحمى ، والإقطاع ، والديوان ، والحسبة.

فأما ولاية الخلافة فهي صحيحة. وأما الوزارة فهي ولاية شرعية ، وهي عبارة عن رجل موثوق به في دينه وعقله يشاوره الخليفة فيما يعنّ له من الأمور ، قال الله تعالى ـ مخبرا عن موسى (١) : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي). فلو سكت. هاهنا كانت وزارة مشورة ، ولكنه تأدّب مع أخيه لسنّة وفضله وحلمه وصبره ، فقال : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، فسأل وزارة مشاركة في أصل النبوة.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلم في الحديث الحسن : وزيراى من أهل السماء جبريل وميكائيل ، ووزيراى من أهل الأرض أبو بكر وعمر.

وأما الولاية على الجهاد فقد أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم على الجيوش والسرايا كثيرا من أصحابه في كل غزوة لم يشهدها ، وقسّموا الغنيمة فيها ، فدخلت إحدى الولايتين في الأخرى ، وللوالي أن يفردهما.

وأما حدود المصالح فهي ثلاثة : الرّدة ، وقطع السبيل ، والبغي ، فأما الردّة والقطع للسبيل فكانا في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم ، فإنّ نفرا من عرينة قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة ، فجعلهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم في الإبل حتى صحوا ، فقتلوا (٢) الراعي ، واستاقوا الذّود مرتدين ، فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم في آثارهم ، فجيء بهم فقتلهم على ذلك ، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمل (٣) أعينهم كما فعلوا ، وقد بيّنا ذلك في سورة المائدة

__________________

(١) سورة طه ، آية ٢٩ وما بعدها.

(٢) في ش : فغلوا.

(٣) سمل عينه : فقأها.

٥٠

وشرح الحديث. واستوفى الله بيان حرب الردة بأبى بكر الصديق على يديه ، وذلك مستوفى في كتب الحديث والفقه.

وأما قتال أهل البغي فقد نصّه الله في كتابه حيث يقول (١) : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) ، ثم بيّن الله تعالى ذلك لعلىّ بن أبى طالب على ما شرحناه في موضعه من الحديث والمسائل.

وأما ولاية القضاء فقدّم النبىّ صلّى الله عليه وسلم لها في حياته علىّ بن أبى طالب حين بعثه إلى اليمن. وقال : لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر. وشروطها مذكورة في الفقه. وقدّم النبي صلّى الله عليه وسلم غيره من ولاته.

وأما ولاية المظالم فهي ولاية غريبة أحدثها من تأخّر من الولاة ، لفساد الولاية وفساد الناس ، وهي عبارة عن كل حكم يعجز عنه القاضي فينظر فيه من هو أقوى منه يدا ، وذلك أنّ التنازع (٢) إذا كان بين ضعيفين قوّى أحدهما القاضي ، وإذا كان بين قوى وضعيف أو قويين ـ والقوة في أحدهما بالولاية كظلم الأمراء والعمال ـ فهذا مما نصب له الخلفاء أنفسهم ، وأول من جلس إليه عبد الملك بن مروان فردّه إلى قاضيه ابن إدريس ، ثم جلس له عمر بن عبد العزيز فردّ مظالم بنى أمية على المظلومين ، إذ كانت في أيدى الولاة والعتاة الذين (٣) تعجز عنهم القضاة ، ثم صارت سنة ، فصار بنو العباس يجلسون لها ، وفي قصة دارسة على أنها في أصل وضعها داخلة في القضاء ، ولكن الولاة أضعفوا الخطة القضوية ليتمكنوا من ضعف الرعيّة ، ليحتاج الناس إليهم ، فيقعدوا عنهم ، فتبقى المظالم بحالها.

وأما ولاية النقابة فهي محدثة أيضا ، لأنه لما كثرت الدعاوى في الأنساب الهاشمية ، لاستيلائها على الدولة ، نصب الولاة قوما يحفظون الأنساب لئلا يدخل فيها من ليس منها ، ثم زادت الحال فسادا ، فجعلوا إليهم من يحكم بينهم ، فردّوهم لقاض منهم لئلا تمتهنهم القضاة من سائر القبائل ، وهم أشرف منهم ، وهي بدعيّة تنافى الشرعية.

__________________

(١) سورة الحجرات ، آية ٩.

(٢) في ا : الشارع.

(٣) في ا : والذين.

٥١

وأما ولاية الصلاة فهي أصل في نفسها وفرع للإمارة ، فإن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا كانت الصلاة إليه ، ولما فسد الأمر ولم يكن فيهم من ترضى حاله للإمامة بقيت الولاية في يده بحكم الغلبة ، وقدم للصلاة من يرضى حاله ، سياسة منهم للناس ، وإبقاء على أنفسهم ، فقد كان بنو أمية ، حين كانوا يصلّون بأنفسهم ، يتحرج (١) أهل الفضل من الصلاة خلفهم ، ويخرجون على الأبواب ، فيأخذونهم بسياط الحرس ، فيضربون لها حتى يفرّوا بأنفسهم عن المسجد. وهذا لا يلزم ، بل يصلّى معهم ، وفي إعادة الصلاة خلاف بين العلماء بيانه في كتب الفقه.

وأما ولاية الحج فهي مخصوصة ببلاد الحجّ. وأوّل أمير بعثه عليه السلام أبو بكر الصديق ، بعثه صلّى الله عليه وسلم سنة تسع قبل حجّة الوداع ، وأرسله بسورة براءة ، ثم أردفه عليّا ، كما تقدم بيانه في السورة المذكورة.

وأما ولاية الصدقة فقد استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الصدقات كثيرا.

أما وضع الجزية والخراج فقد صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكيدر دومة وأهل البحرين ، فأمّر عليهم العلاء بن الحضرمي بعد تقريره ، ولو لم يتفق التقرير (٢) لخليفة لجاز أن يبعث من يقرره ، كما فعل عمر حين بعث إلى العراق عمّاله ، وأمرهم بمساحة الأرض ، ووضع الخراج عليها.

وأما ما تختلف أحكامه باختلاف البلدان فليس بولاية فيدخل في جملة الولايات ، وإنما هو النظر في مكة وحرمها ودورها ، وفي المدينة وحرمها ، وفيما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيها ، وأحوال البلاد فيما فتح منها عنوة وصلحا وهذه الشريعة (٣) فيما اختلفت الأسباب في تملّكه من الأموال ، وليس بولاية مخصوصة ، حتى يذكر في جملة الولايات ، وكذلك إحياء الموات حكم من الأحكام ، وليس من الولايات ، وبيانه في كتب الفقه.

وأما ولاية الحمى والإقطاع فهي مشهورة. وأوّل من ولى فيها أبو بكر الصديق مولاه أبا أسامة على حمى الرّبذة ، وولى عمر على حمى السرف (٤) مولاه يرفأ ، وقال : اضمم جناحك

__________________

(١) في ش : تحرج.

(٢) في ش : التقدير.

(٣) في ش : أحكام الشريعة.

(٤) في معجم البلدان ، وفي موطأ مالك ، وفي ش : الشرف ـ بالشين المعجمة وفتح الراء.

٥٢

عن الناس ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنها مجابة ، وأدخل ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة (١) ، وإيّاى وغنم ابن عوف وابن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ، وإنّ رب الصّريمة والغنيمة يأتينى بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أنا؟ لا أبالك! فالماء والكلأ أهون (٢) علىّ من الدينار والدرهم ، والذي نفسي بيده لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا.

وأما الإقطاع فهو باب من الأحكام ، فقد أقطع النبىّ صلّى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث المزنىّ معادن القبليّة من ناحية الفرع ، وبيانها في كتب الفقه.

وأما ولاية الديوان فهي الكتابة ، وقد كان للنبىّ صلّى الله عليه وسلم كتّاب وللخلفاء بعده ، وهي ضبط الجيوش بمعرفة أرزاقهم والأموال لتحصيل فوائدها لمن يستحقها.

وأما ولاية الحدود فهي على قسمين : تناول إيجابها ، وذلك للقضاة ، وتناول استيفائها ، وقد جعله النبىّ صلّى الله عليه وسلم لقوم منهم علىّ بن أبى طالب ومحمد بن مسلمة ، وهي أشرف الولايات ، لأنها على أشرف الأشياء ، وهي الأبدان ، فلنقيصة الناس ودحضهم بالذنوب ألزمهم الله بالذلة بأن جعلها في أيدى الأدنياء والأوضاع بين الخلق.

وأما ولاية الحسبة فهي محدثة ، وأصلها أكبر الولايات ، وهي الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولكثرة ذلك رأى الأمراء أن يجعلوها إلى رجل يتفقدها في الأحيان من الساعات ، والله يتولّى التوفيق للجميع ، ويرشد إلى سواء الطريق ، ويمنّ بتوبة تعيد الأمر إلى أهله ، وتوسعنا ما نؤمله من رحمته وفضله.

الآية السابعة ـ قوله تعالى (٣) : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :

__________________

(١) أدخل رب الصريمة والغنيمة ، يعنى في الحمى والمرعى ، يريد صاحب الإبل القليلة والغنم القليلة (النهاية).

(٢) في ا : أمن.

(٣) آية ٢٨.

٥٣

قيل : نزلت في بنى هاشم وبنى المطلب منهم : علىّ وحمزة ، وجعفر بن أبى طالب ، وعبيدة بن الحارث ، والطّفيل بن الحارث ابني (١) المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأم أيمن وغيرهم ، يقول : أم نجعل هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض بالمعاصي من بنى عبد شمس ، كعتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وحنظلة بن أبى سفيان ، والعاصي ابن (٢) أمية.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ، يعنى الذين تقدم ذكرهم من بنى هاشم وبنى المطلب في الآخرة كالفجّار ـ يعنى من تقدم من بنى عبد شمس.

المسألة الثالثة ـ هذه أقوال المفسرين ، ولا شكّ في صحتها ، فإن الله قد نفى المساواة بين المؤمنين والكفار وبين المتقين والفجّار ، رءوسا برءوس وأذنابا بأذناب ، ولا مساواة بينهم في الآخرة ، كما قال المفسرون ، لأنّ المؤمنين المتقين في الجنة والمفسدين الفجّار في النار ، ولا مساواة أيضا بينهم في الدنيا ، لأنّ المؤمنين المتقين معصومون دما وعرضا ، والمفسدين في الأرض والفجّار في النار مباحو الدّم والعرض والمال ، فلا وجه لتخصيص المفسدين بذلك في الآخرة دون الدنيا.

المسألة الرابعة ـ ووقعت في الفقه نوازل منها قتل المسلم بالكافر ، ومنها إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ، ثم انقضت المدة فإن لصاحب الأرض إخراجه عن البنيان ، وهل يعطيه قيمته قائما أو منقوضا؟

ومنها إذا بنى المشترى في الشّقص (٣) الذي اشترى فأراد الشّفيع أخذه بالشفعة فإنه يزن الثمن ، وهل يعطيه قيمة بنائه قائما أو منقوضا؟ اختلف العلماء في ذلك ، فمنهم من قال : إذا بنى في الأرض (٤) رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه فإنه يعطيه قيمة بنائه قائما ، ولذلك (٥) قال أبو حنيفة : يعطى الشفيع للمشتري قيمة بنائه في الشّقص منقوضا مساويا له بالغاصب.

__________________

(١) في ا : ابن.

(٢) في ا : ابى.

(٣) الشقص : النصيب.

(٤) في ش : أرض.

(٥) في ش : وكذلك.

٥٤

وقاله (١) ابن القاسم وسائر علمائنا والشافعية إلا القليل. يعطيه قيمة بنائه قائما ، لأنه بناء بحق وتقوى وصلاح ، بخلاف الغاصب ، ولذلك لا يقتل المسلم إذا قتل الذمىّ ، وإن كان يقتل بمسلم مثله ، وتعلّقوا في ذلك بقوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). وهذا ينبنى على القول بالعموم ، وهو قول عام يقتضى المساواة بينهم في كل حال وزمان ، أما أنه يبقى النظر في أعيان هذه الفروع فتفصيل قد بيناه في مسائل الفقه ، لا نطيل بذكره هاهنا فلينظر هنالك.

الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٢) : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ).

فيها خمس مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله : (بِالْعَشِيِ). وقد تقدّم بيانه ، وأنه من زوال الشمس إلى الغروب ، كما أنّ الغداة من طلوع

الشمس إلى الزوال.

المسألة الثانية ـ قوله : (الصَّافِناتُ الْجِيادُ) ، يعنى التي وقفت من الدواب على ثلاث قوائم ، وذلك لعتقها ، فإذا ثنى الفرس إحدى رجليه فذلك علامة على كرمه ، كما أنه إذا شرب ولم يثن سنبكه (٣) دلّ أيضا على كرمه ، ومن الغريب في غريب الحديث : من سرّه أن يقوم له الرجال صفونا ـ يعنى يديمون له القيام ـ فليتبوأ مقعده من النار. وهذا حديث موضوع.

ومن الحديث المشهور : من سرّه أن تتمثّل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار. وقد بيناه في سورة الحج ، وقد يقال صفن (٤) لمجرّد الوقوف ، والمصدر صفوفنا ، قال الشاعر:

ألف الصّفون فما يزال كأنه

مما يقوم على الثّلاث كسيرا

__________________

(١) وردت هذه الفقرة في ش كما يأتى : وقاله ابن القاسم وغيره. وقال كثير من العلماء : يعطيه قيمة بنائه قائما لأنه عمل صالحا وبنى بتقوى الله فلا يجعل كالفاجر الظالم الغاصب الذي بنى في أرض مغصوبة ، فإنه يعطى قيمته منقوضا ، وكذلك قال أبو حنيفة : يعطى الشفيع للمشتري قيمة بنائه في الشقص منقوضا.

(٢) آية : ٣١.

(٣) السنبك : طرف الحافر (القاموس).

(٤) في اللسان : صفن يصفن ـ بكسر الفاء في المضارع : صف قدميه. وخيل صفون كقاعد وقعود وأنشد ابن الأعرابى في صفة فرس ، وذكر البيت الآتي (مادة صفن).

٥٥

المسألة الثانية ـ الجياد هي الخيل ، وكلّ شيء ليس برديء يقال له جيّد ، ودابة جيدة وجياد مثل سوط وسياط ، عرضت الخيل على سليمان عليه السلام فشغلته عن صلاة العشى بظاهر القولين ، قال المفسرون : هي العصر. وقد روى المفسرون حديثا أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الوسطى صلاة العصر ، وهي التي فاتت سليمان ، وهو حديث موضوع.

وقيل : كانت ألف فرس ورثها من داود عليه السلام كان أصابها من العمالقة ، وكان له ميدان مستدير يسابق بينها فيه ، فنظر فيها حتى غابت الشمس خلف الحجاب ، وهو ما كان يحجب بينه وبينها لا غير مما يدّعيه المفسرون ، وقيل أراد ـ وهي :

المسألة الرابعة ـ حتى توارث بالحجاب ، وغابت عن عينيه في السابقة ، لأنّ الشمس لم يجر لها ذكر ، وهذا فاسد بل قد تقدم عليها دليل ، وهو قوله : (بِالْعَشِيِ) ، كما تقول : سرت بعد العصر حتى غابت ـ يعنى الشمس ، وتركها لدلالة السامع لها عليها بما ذكر ممّا يرتبط بها ، وتعلّق بذكرها ، والغداة والعشىّ أمر مرتبط بمسير الشمس ، فذكره ذكر لها ، وقد بين ذلك لبيد بقوله (١).

حتى إذا ألقت يدا في كافر

وأجنّ عورات الثغور ظلامها.

المسألة الخامسة ـ فلما فاتته الصلاة قال (٢) : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) ، يعنى الخيل ، وسمّاها خيرا لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك ، وقد قدمنا بيانه في سورة البقرة ، ولذلك قرأها ابن مسعود : إنى أحببت حبّ الخيل ـ بالتصريح بالتفسير ، قال (٣) : (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً) بسوقها وأعناقها ، فيه قولان:

أحدهما ـ مسحها بيده إكراما لها ، كما ورد في الحديث انّ النبي صلّى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح عن فرسه عرقه بردائه ، وقال : إنى عوتبت الليلة في الخيل.

والثاني ـ أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف عرقبة ، وهي رواية ابن وهب عن مالك ، وكان فعله هذا بها حين كانت سببا لاشتغاله بها عن الصلاة.

فإن قيل : كيف قتلها ، وهي خيل الجهاد؟

__________________

(١) ديوانه : ٣١٦ ، واللسان ـ مادة كفر. وألقت يدا : بدأت في المغيب. وعنى بالكافر الليل ، لأنه يستر بظلمته. وأجن : ستر. وكل مكان يتخوف منه فهو ثغر.

(٢) آية : ٣٢.

(٣) آية ٣٣.

٥٦

قلنا : رأى أن يذبحها للأكل.

وفي الصحيح ـ عن جابر أنه قال : أكلنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرسا. فكان ذلك لئلا تشغله مرّة أخرى.

وقد روى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : من ترك شيئا لله عوّضه الله أمثاله ، ألا ترى إلى سليمان كيف أتلف الخيل في مرضاة الله فعوّضه الله منها الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوّها شهر ورواحها شهر.

ومن المفسرين من وهم فقال : وسمها بالكيّ ، وسبّلها (١) في سبيل الله ، وليست السوق محلّا للوسم بحال.

الآية التاسعة ـ قوله عز وجل (٢) : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ كيف سأل سليمان الملك ، وهو من ناحية الدنيا؟

قال علماؤنا : إنما سأله ليقيم فيه الحق ، ويستعين به على طاعة الله ، كما قال يوسف (٣) : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). كما تقدمت الإشارة إليه.

المسألة الثانية ـ كيف منع من أن يناله غيره؟

قال علماؤنا : فيه أجوبة سبعة :

الأول ـ إنما سأل أن يكون معجزة له في قومه وآية في الدلالة على نبوّته.

الثاني ـ أنّ معناه لا تسلبه عنى.

الثالث ـ لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسأل الملك ، بل يكل أمره إلى الله.

الرابع ـ لا ينبغي لأحد من بعدي من الملوك ، ولم يرد من الأنبياء.

الخامس ـ أنه أراد القناعة.

السادس ـ أنه أراد ملكه لنفسه.

__________________

(١) سبلها : جعلها في سبيل الله.

(٢) آية ٣٥.

(٣) سورة يوسف ، آية ٥٥.

٥٧

السابع ـ علم أنّ محمدا عبده ولم يسأله إياه ليفضل به.

المسألة الثالثة ـ في التنقيح لمناط الأقوال :

أما قول من قال : إنه سأل ذلك معجزة فليس في ذلك تخصيص بفائدة ، لأنّ من شأن المعجزة أن تكون هكذا.

وأما من قال : معناه لا تسلبه عنى ، فإنما أراد ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يدّعيه باطلا ، إذ كان الشيطان قد أخذ خاتمة وجلس مجلسه ، وحكم في الخلق على لسانه ، حسبما روى في كتب المفسرين. وهو قول باطل قطعا ، لأن الشيطان لا يتصوّر بصورة الأنبياء ، ولا يحكمون في الخلق بصورة الحق ، مكشوفا إلى الناس ، بمرأى منهم ، حتى يظنّ الناس أنهم مع نبيهم في حقّ ، وهم مع الشيطان في باطل ، ولو شاء ربك لوهب من المعرفة والدين لمن قال هذا القول ما يزعه عن ذكره ، ويمنعه من أن يخلده في ديوان من بعده ، حتى يضلّ به غيره.

وأما من قال : إن معناه لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسأل الملك فإن ذلك إنما كان يصحّ لو جاء بقوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) في سبعة الاستئناف للقول والابتداء بالكلام.

وأما وقد جاء مجيء الجملة الحالة محل الصفة لما سبق قبلها من القول فلا يجوز تفسير بهذه لتناقض المعنى فيه وخروج ذلك عن القانون العربي.

وأما من قال : إن معناه لا ينبغي لأحد من بعدي من الملوك دون الأنبياء فهذا قول قليل الفائدة جدا ، إذ قد علم قطعا ويقينا ـ هو والخلق كلهم معه ـ أن الملوك لا سبيل لهم إلى ذلك ، لا بالسؤال ، ولا مع ابتداء العطاء ، وهو مع ما بعده أمثل من غيره مما يستحيل وقوعه.

وأما من قال : إنه علم أن عيسى عليه السلام على درجة من الزهد ، وأنّ محمدا عبد لا ملك ، فأراد أنّ سليمان علم أنّ أحدا من الأنبياء بعده لا يؤتى ذلك ، وأن محمدا مع فضله لا يسأله ، لأنه نبي عبد ، وليس بنبي ملك ، فحينئذ أقدم على السؤال ، وهو قول متماثل ،

٥٨

ويشبه أن يكون الله تعالى أذن (١) له في ذلك ، وأنه يعطيه بسؤاله ، كما غفر لمحمد صلى الله عليه وسلم بشرط استغفاره. والله أعلم.

وفي الصحيح (٢) عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال : إن عفريتا تفلّت (٣) علىّ البارحة ليقطع علىّ صلاتي ، فأمكننى الله منه ، وأردت أن أربطه إلى [جنب] (٤) سارية من سوارى المسجد ، ثم ذكرت قول أخى سليمان : ربّ [اغفر لي و] (٥) هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي. فأرسلته ، فلولا ذلك لأصبح يلعب به ولدان المدينة.

وهذا يدل على مراعاة النبي صلّى الله عليه وسلم لدعائه ، وأنّ معناه لا يكون لأحد في حياته ولا بعد مماته ، وذلك بإذن من الله تعالى مشروع ، إذ لا يجوز على النبي صلّى الله عليه وسلم غيره.

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٦) : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ في سبب حلف أيوب عليه السلام :

روى عن ابن عباس قال : اتخذ إبليس تابوتا ، فوقف على الطريق يداوى الناس ، فأتته امرأة أيوب ، فقالت : يا عبد الله ، إن هاهنا إنسانا مبتلى من أمره كذا وكذا ، فهل لك أن تداويه؟ قال لها : نعم ، على أنى إن شفيته يقول كلمة واحدة : أنت شفيتني ، لا أريد منه غيرها.

فأخبرت بذلك أيوب ، فقال : ويحك! ذلك الشيطان ، لله علىّ إن شفاني الله لأجلدنّك مائدة جلدة. فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضربها به ، فأخذ شماريخ قدر مائة ، فضربها ضربة واحدة.

وروى عن ابن عباس أن ذلك من قوله : إنما كان حين باعت ذوائبها في طعامه ، وقد كانت عدمت الطعام ، وكرهت أن تتركه جائعا ، فباعت ذوائبها وجاءته بطعام طيّب ـ مرارا ، فأنكر ذلك عليها ، فعرفته به ، فقال ما قال.

__________________

(١) في ا : آذنه.

(٢) صحيح مسلم : ٣٨٤.

(٣) هكذا في الأصول ، وفي صحيح مسلم : يفتك. والفتك هو الأخذ في غفلة وخديعة.

(٤) من مسلم.

(٥) آية ٤٤.

٥٩

المسألة الثانية ـ في عموم هذه القصة وخصوصها :

روى عن مجاهد أنها للناس عامة. وروى عن عطاء أنها لأيوب خاصة ، وكذلك روى ابن زيد عن ابن القاسم عن مالك : من حلف ليضربنّ عبده مائة ، فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرّ.

قال بعض علمائنا : يريد مالك قوله تعالى (١) : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً).

قال القاضي : شرع من قبلنا شرع لنا ، وقد بيناه في غير موضع ، وإنما انفرد مالك في هذه المسألة عن قصة أيوب هذه لا عن شريعته لتأويل بديع ، وهو أنّ مجرى الإيمان عند مالك في سبيل النية والقصد أولى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات. والنية أصل الشريعة ، وعماد الأعمال ، وعيار التكليف ، وهي مسألة خلاف كبيرة بيننا وبين فقهاء الأمصار قد أوضحناها في كتب الخلاف.

وقصة أيوب هذه لم يصحّ كيفية يمين أيوب فيها ، فإنه روى أنه قال : إن شفاني الله جلدتك. وروى أنه قال : والله لأجلدنّك ، وهذه الروايات عن كتب الترمذي لا ينبنى عليها حكم ، فلا فائدة في النصب فيها ولا في إشكالها بسبيل التأويل ، ولا في طلب الجمع بينها وبين غيرها بجميع الدليل.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) يدلّ على أحد وجهين : إما لأنه لم يكن في شرعه كفّارة ، وإنما كان البرّ أو الحنث.

والثاني ـ أن يكون ما صدر منه نذر إلا يمينا ، وإذا كان النذر معينا فلا كفارة فيه عند مالك وأبى حنيفة.

وقال الشافعى : في كل نذر كفارة ، وهل مخرجها على التفصيل أو الإجمال؟

الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

فيها ثلاث مسائل :

__________________

(١) سورة المائدة ١١.

(٢) آية ٦٩.

٦٠