أحكام القرآن - ج ٣

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٨

المسألة الثالثة ـ قال بعض [العلماء] (١) المفسرين : لو كان هذا الشاهد طفلا لكان في كلامه في المهد وشهادته آية ليوسف ، ولم يحتج إلى ثوب ولا إلى غيره. وهذا ضعيف ، فإنه يحتمل أن يكون الصبىّ يتكلم (٢) في المهد منبّها لهم على هذا الدليل الذي كانوا عنه غافلين ، وكانت آية ، كما قال ، تبيّنت بها براءة يوسف من الوجهين : من جهة نطق الصبى ، ومن جهة ذكر الدليل.

المسألة الرابعة ـ قال علماؤنا : في هذا دليل على العمل بالعرف والعادة لما ذكر من أخذ القميص مقبلا ومدبرا ، وما دل عليه الإقبال من دعواها ، والإدبار من صدق يوسف ، وهذا أمر تفرّد به المالكية كما بيناه في كتبنا.

فإن قيل : هذا شرع من قبلنا.

قلنا : عنه جوابان :

أحدهما ـ أن شرع من قبلنا شرع لنا. وقد بيناه في غير موضع.

الثاني ـ أن المصالح والعادات (٣) لا تختلف فيها الشرائع. أما أنه يجوز أن يختلف وجود المصالح فيكون في وقت دون وقت ، فإذا وجدت فلا بدّ من اعتبارها. وقد استدل (٤) يعقوب بالعلامة ، فروى العلماء أن الإخوة لما ادّعوا أكل الذئب [له] (٥) قال : أرونى القميص. فلما رآه سليما قال : لقد كان هذا الذئب حليما. وهكذا فاطردت العادة والعلامة ، وليس هذا بمناقض لقوله [عليه السلام] (٦) البينة على المدّعى واليمين على من أنكر. والبينة إنما هي البيان (٧) ، ودرجات البيان تختلف بعلامة تارة ، وبأمارة أخرى ، وبشاهد أيضا ، وبشاهدين ثم بأربع.

الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٨) : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ).

فيها مسألتان :

__________________

(١) من م.

(٢) في م : تكلم.

(٣) في م : والعبادات.

(٤) في م : استقل.

(٥) من م.

(٦) من م.

(٧) في م : للبيان.

(٨) آية ٣٣.

٤١

المسألة الأولى ـ أكره يوسف على الفاحشة بالسجن ، وأقام فيه سبعة أعوام ، وما رضى بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ، ولو أكره رجل بالسجن على الزنا ما جاز له ذلك إجماعا ، فإن أكره بالضرب فاختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط إثم الزنا وحده.

وقال بعض علمائنا : إن الإكراه لا يسقط الحدّ ، وهو ضعيف ، فإن الله لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين البلاءين ، فإنه من أعظم الحرج في الدّين ، وصبر يوسف على السجن ، واستعاذ من الكيد فقال : وإلّا تصرف عنى كيدهنّ ...... الآيتين.

المسألة الثانية ـ قوله : أحبّ بناء أفعل في التفضيل يكون للمشتركين في الشيء ، ولأحدهما المزيد (١) في المشترك فيه على الآخر ، ولم يكن المدعوّ إليه حبيبا إلى يوسف ، ولكنه كنحو القول : الجنة أحبّ إلىّ من النار ، والعافية أحب إلى [قلبي] (٢) من البلاء وقد بيناه فيما تقدم من كلامنا.

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٣) : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ روى أنّ الفتيين لما صحباه في السجن وكلّماه ، ورأيا فضله وأدبه وفهمه سألاه عن الذي قالا إنهما رأياه من أمر الخمر والخبز ، فأعرض يوسف عنهما ، وأخذ في حديث آخر يتكلّم فيه معهما ، فقال لهما : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله ، وذلك لأن الله كان قد علّمه تأويل الرؤيا ، وذلك بيّن في قوله : ولنعلّمه من تأويل الأحاديث ، يعنى ما يكون سببا لظهور براءته ومنزلته ، وقد كان أطلعه من الغيوب على ما يخبر به عن البواطن ، حتى روى أنه كان الملك إذا أراد إهلاك أحد أرسل إليه طعاما مسموما(٤) ، فلما سألاه عما رأيا في المنام من أمر الطعام أعلمهما أنه يخبرهما بحال كل طعام يأتيهما

__________________

(١) في م : المزية.

(٢) ليس في م.

(٣) آية ٣٩.

(٤) في ا : مغشوشا.

٤٢

في اليقظة والمنام ، وأقبل يبيّن لهما حال الإيمان والتوحيد وما هو (١) عليه من الحق ، وما كان عليه آباؤه من قبله كذلك ، ونصب لهما الأدلّة ، ثم عطف على تأويل ما رأيا ، فلما أخبرهما بالتأويل ندما على ما فعلا ، وقالا : كذبنا ، فقال لهما يوسف : قضى الأمر الذي فيه تستفتيان.

فإن قيل : ومن كذب في رؤيا ففسرها العابر له ، أيلزمه حكمها؟ وهي :

المسألة الثانية ـ قلنا : لا يلزمه ، وإنما كان كذلك (٢) في يوسف لأنه نبىّ. وقد قال : إنه يكون كذا ويقع (٣) كذا ، فأوجد الله ما أخبر كما قال ، تحقيقا لنبوته.

فإن قيل : إنما مخرج كلام يوسف في أنه يكون كذا إن كانا رأياه.

قلنا : ذلك جائز ، ولكن الفتيان أرادا اختباره بذلك (٤) ، فحقق الله قوله [آية] (٥) ، وقابل الهزل بالجد ، كما قال الله [تعالى : «الله] (٦) يستهزئ بهم» ... الآية.

فإن قيل : فقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ، فقال له : إنى رأيت كأنى أعشبت ، ثم أجدبت ، ثم أعشبت ، ثم أجدبت. فقال له عمر : أنت رجل تؤمن ، ثم تكفر ، ثم تؤمن ، ثم تكفر ، ثم تموت كافرا. فقال له الرجل : ما رأيت شيئا. فقال عمر : قد قضى لك ما قضى لصاحب يوسف.

قلنا : ليست لأحد بعد عمر ، لأنّ عمر كان محدّثا ، وكان إذا ظنّ ظنا كان ، وإذا تكلم به وقع على ما ورد في أخباره ، وهي كثيرة ، منها : أنه دخل عليه رجل فقال له : أظنك كاهنا ، فكان كما ظن ـ خرّجه البخاري.

ومنها : أنه سأل رجلا عن اسمه ، فقال له أسماء فيها النار كلها ، فقال له : أدرك أهلك فقد احترقوا ، فكان كما قال. والله أعلم.

المسألة الثالثة ـ هاهنا نكتة بديعة :

وهي أنّ يوسف وإن كان قال لهما : قضى الأمر الذي فيه تستفتيان ـ فقد قال الله عنه (٧) :

__________________

(١) في م : وما كان عليه.

(٢) في م : ذلك.

(٣) في ا : ويفعل.

(٤) في م : بكذبه.

(٥) ليس في م.

(٦) من م.

(٧) سورة يوسف ، آية ٤٢.

٤٣

(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، فكيف يقول قضى الأمر ثم يجعل نجاته ظنّا.

وأجاب عنه الناس من وجهين :

الأول ـ قالوا : إنما أخبر عنه بالظن ، لأن تفسير (١) الرؤيا ليس بقطع ، وإنما هو ظن ، وهذا باطل ، وإنما يكون ذلك في حقّ الناس ، فأما في حق الأنبياء فلا ، فإن حكمهم حقّ كيفما وقع.

الثاني ـ إنّ ظنّ هاهنا بمعنى أيقن وعلم ، وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر لغة.

الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).

فيها خمس مسائل :

المسألة الأولى ـ اختلف الناس في الضمير من قوله : (فَأَنْساهُ) هل هو عائد على يوسف أم على الفتى؟

فقيل : هو عائد على يوسف ، أنساه الشيطان أن يذكر الله ، وذكر الملك ، فعوقب بطول اللّبث في السجن ، وكانت كلمته كقول لوط (٣) : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ...) الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد.

وقيل : هو عائد على الفتى نسى تذكرة الملك ، فدام طول مكث يوسف في السجن ، يدل عليه قوله (٤) : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما ، وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).

المسألة الثانية ـ [فإن قيل :] (٥) إن كان الضمير عائدا على يوسف فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان ، وليس له على الأنبياء سلطان؟

قلنا : أما النسيان فلا عصمة للأنبياء عنه إلا في [وجه واحد هو] (٦) جهة الخبر عن الإبلاغ ، فإنهم معصومون فيه نسيانا وذكرا ، وإذا وقع منهم النسيان حيث يجوز وقوعه

__________________

(١) في م : لأن تأويل.

(٢) آية ٤٢.

(٣) سورة هود ، آية ٨٠.

(٤) آية ٤٥.

(٥) من م.

(٦) من م.

٤٤

فإنه ينسب إلى الشيطان إطلاقا ، ولكن ذلك إنما يكون فيما يخبر الله به عنهم ، أو يخبرون به عن أنفسهم ، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم.

المسألة الثالثة ـ لما تعلّق يوسف بالمخلوق دام مكثه في السجن بضع سنين ، وسيأتى ذلك في تفسير سورة الروم. قال علماؤنا : البضع من ثلاث إلى عشر ، وعيّنه بعضهم بأنه كان سبع سنين ، وهي مدة بلاء أيوب.

المسألة الرابعة ـ فيها جواز التعلّق بالأسباب ، وإن كان اليقين حاصلا ، لأن الأمور بيد مسبّبها ، ولكنه جعلها سلسلة ، وركّب بعضها على بعض ، فتحريكها سنّة ، والتعويل على المنتهى يقين. والذي يدلّك على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان ، كما جرى لموسى صلى الله عليه وسلم في لقاء الخضر. وهذا بيّن فتأمّلوه.

المسألة الخامسة ـ قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ).

أطلق هاهنا على السيد اسم الربّ ، لأنه من ربّه يربّه إذا دبره بوجوه التغذية ، وحفظ عليه مراتب التنمية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى وليقل فتاي وفتأتي ، ولا يقل ربّى وليقل سيّدى. وقد بيناه في موضعه. ويحتمل أن يكون هذا جائزا في شرع يوسف. والله أعلم.

الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (١) (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ فيها صحة رؤيا الكافر ، ولا سيما إذا تعلّقت بمؤمن ، فكيف إذا كانت آية لنبي ، ومعجزة لرسول ، وتصديقا لمصطفى للتبليغ ، وحجة للواسطة بين الله وبين العباد.

المسألة الثانية ـ قالوا أضغاث أحلام ، يعنى أخلاطا مجموعة ، واحدها ضغث : وهو مجموع من حشيش أو حطب. ومنه قوله تعالى (٢) : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).

__________________

(١) آية ٤٣.

(٢) سورة ص ، آية ٤٤.

٤٥

وقد روى : الرؤيا لأول عابر. وقد قالوا أضغاث أحلام ، ولم يكن من صحيح الكلام ، ولا قطع تفسير الرؤيا إذ لم يأتيها من بابها. ألا ترى أنّ الصديق لما أخطأ في تفسير الرؤيا لم يكن ذلك حكما عليها ، وإنما ذلك إذا احتملت وجوها من التفسير ، فعيّن بتأويله أحدها جاز ، ومن تكلم بجهل لا يكون حكما عليها ، وإن أصاب. والحديث الصحيح (١) : الرؤيا على رجل طائر ما لم تتحدث بها ، فإذا تحدثت بها سقطت ، ولا تحدّث بها إلا حبيبا أو لبيبا. وهذا معنى الرؤيا لأوّل عابر ، فإنّه إذا تحدث بها ففسرت نقذ حكمها إذا كان بحق عن علم ، لا كما قال أصحاب الملك ، وأيضا فإنهم (٢) لم يقصدوا تفسيرا ، وإنما أرادوا أن يمحوها عن صدر الملك حتى لا تشغل له بالا.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ).

يحتمل أن يكون يعلمون بمكانك ، فيظهر عندهم فضلك حتى يكون سبب خلاصك ، فعلى هذا يكون العلم على بابه ، ويحتمل أن يكون معناه لعلهم يعلمون تأويل الرؤيا ، ويسمّى علما ، وإن كان ظنا ، لأنّ الأصل كل ظنّ شرعي يرجع إلى العلم بالدليل القطعي الذي أسند إليه ، وقد بيّنّاه في أصول الفقه.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ).

وهذا عام لم يقع السؤال عنه ، فقيل : إن الله زاده علما على ما سألوه عنه إظهارا لفضله وإعلاما بمكانه من العلم ، ومعرفته. وقيل : أدرك ذلك بدقائق من تأويل الرؤيا لا ترتقى إليها درجتنا. وهذا صحيح محتمل ، والأول أظهر.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ، فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ).

ثبت في الصحيح أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : يرحم (٣) الله لوطا ، لقد كان يأوى إلى ركن شديد. ولو لبثت (٤) في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. وفي رواية الطبري : يرحم الله يوسف ، لو كنت أنا المحبوس ، ثم أرسل إلىّ لخرجت سريعا ، إن كان لحليما ذا أناة.

__________________

(١) ابن ماجة ١٢٨٨.

(٢) في م : فإنه لم يقصد.

(٣) في م : رحم.

(٤) في م : لبث.

٤٦

وقال صلى الله عليه وسلم : لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ، والله يغفر له ، حين سئل عن البقرات ، ولو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى. لقد عجبت منه حين أتاه الرسول ، لو كنت مكانه لبادرتهم الباب.

المسألة السادسة ـ قال علماؤنا : إنما لم يرد يوسف الخروج [من السجن] (١) حتى تظهر براءته ، لئلا ينظر إليه الملك بعين الخائن ، فيسقط في عينه ، أو يعتقد له حقدا (٢) ، ولم يتبين أنّ سجنه كان جورا محضا ، وظلما صريحا ، وانظروا (٣) ـ رحمكم الله ـ إلى عظيم حلمه ، ووفور أدبه ، كيف قال : ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ ، فذكر النساء جملة ، ليدخل فيهن امرأة العزيز (٤) مدخل العموم بالتلويح ، ولا يقع عليها تصريح.

الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (٥) : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ : إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ. قالَ : اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قال الملك ليوسف : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) : أى متمكن مما أردت ، أمين على ما ائتمنت عليه من شيء ، أمّا أمانته فلما ظهر (٦) من براءته ، وأما مكانته فلأنه ثبتت (٧) عفّته ونزاهته.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ).

كيف سأل الإمارة وطلب الولاية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لسمرة : لا تسأل الإمارة ، وإنك (٨) إن سألتها وكلت إليها ، وإن لم تسألها أعنت عليها ، وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : إنا لا نولّى على عملنا من أراده؟

وعن ذلك أربعة أجوبة :

__________________

(١) من م.

(٢) في م : أو يعتقد حقده له ويتبين.

(٣) في م : فانظروا.

(٤) في ا : ليدخل فيها امرأته.

(٥) آية ٥٤ ، ٥٥.

(٦) في ا : ظهرت.

(٧) في م : فلما ثبت من عفته.

(٨) في ا : فإنها ، وانظر صحيح مسلم : ١٤٥٦.

٤٧

الأول ـ أنه لم يقل : إنى حسيب كريم ، وإن كان كما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. ولا قال: إنى مليح جميل ، إنما قال : إنى حفيظ عليم ، سألها بالحفظ والعلم لا بالحسب (١) والجمال.

الثاني ـ سأل ذلك ليوصل إلى الفقراء حظوظهم لا لحظّ نفسه.

الثالث ـ إنما قال ذلك عند من لا يعرفه ، فأراد التعريف (٢) بنفسه ، وصار ذلك مستثنى من قوله (٣) : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ).

الرابع ـ أنه رأى ذلك فرضا متعيّنا عليه ، لأنه لم يكن هنالك غيره.

فإن قيل ـ وهي :

المسألة الثالثة ـ كيف استجاز أن يقبلها (٤) بتولية كافر ، وهو مؤمن نبىّ؟

قلنا : لم يكن سؤال ولاية ، إنما كان سؤال تخلّ وترك ، لينتقل إليه ، فإن الله لو شاء لمكّنه منها بالقتل والموت والغلبة والظهور والسلطان والقهر ، لكن (٥) الله أجرى سنّته على ما ذكر في الأنبياء والأمم ، فبعضهم عاملهم الأنبياء بالقهر [والسلطان] (٦) والاستعلاء ، وبعضهم عاملهم الأنبياء بالسياسة والابتلاء ، يدلّ على ذلك قوله (٧) : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) حسبما تقدم في سورة الأعراف ، وهي الآية الرابعة عشرة.

الآية الخامسة عشرة ـ في قوله تعالى (٨) : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ في أمره لهم بالتفرّق. وفي ذلك أقوال ، أظهرها أنه تقاة العين ، ولا

__________________

(١) في م : لا بالنسب.

(٢) في م : فأراد تعريف نفسه.

(٣) سورة النجم ، آية ٣٢.

(٤) في م : يليها.

(٥) في م : فإن الله سبحانه.

(٦) من م.

(٧) آية ٥٦.

(٨) آية ٦٧.

٤٨

خلاف بين الموحدين أن العين حقّ ، وهو من أفعال الله موجود ، وعند جميع المتشرعين معلوم ، والبارئ تعالى هو الفاعل الخالق ، لا فاعل بالحقيقة ولا خالق إلا هو سبحانه وتعالى(١) : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ). فليس في الوجود شيء من الفلك إلى الذرة ، ولا من دورانه إلى حركة واحدة إلا وهي موجودة بقدرته وعلمه ، ومصرّفة بقضائه وحكمه ، فكلّ ما ترى بعينك أو تتوهّمه بقلبك فهو صنع الله وخلقه ، إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون. ولو شاء لجعل الكلّ (٢) ابتداء من غير شيء ، ولكنه سبّب الأسباب ، وركّب المخلوقات بعضها على بعض ، فالجاهل إذا رأى موجودا بعد موجود ، أو موجودا مرتبطا في العيان بموجود ظنّ أنّ ذلك إلى الرابطة منسوب ، وعليها في الفعل محسوب ، وحاش لله ، بل الكل له (٣) ، والتدبير تدبيره ، والارتباط تقديره ، والأمر كلّه له. ومن أبدع ما خلق النفس ، ركبها في الجسم ، وجعلها معلومة للعبد ضرورة ، مجهولة الكيفية ، إن جاء ينكرها لم يقدر بما (٤) يظهر من تأثيرها على البدن وجودا وعدما ، وإن أراد المعرفة بها (٥) لم يستطع ، فإنه لا يعلم لأى شيء ينسبها ، ولا على أىّ معنى يقيسها ، وضعها الله المدبّر في البدن على هذا الوضع ليميز (٦) الإيمان به ، إذ يعلم بأفعاله ضرورة ، ولا يوصل إلى كيفيته لعدمها فيه ، واستحالتها عليه ، وذلك هو معنى قوله (٧) : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) على أحد التأويلات.

ولها آثار يخلقها الباري في الشيء عند تعلّقها به ، منها العين وهو معنى يحدث بقدرة الله على جرى العادة في المعين ، إذا أعجبت منظرته العائن فيلفظ به ، إما إلى عروّ ألم في المعين ، وإما إلى الفناء ، بحسب ما يقدّره الله تعالى ، ولهذا المعنى نهى العائن عن التلفظ بالإعجاب ، لأنه إن لم يتكلم لم يضرّ اعتقاده عادة ، وكما أنفذ الباري من حكمه أن يخلق في بدن المعين

__________________

(١) سورة الرعد ، آية ١٦.

(٢) في م : الأشياء.

(٣) في م : بل الكل لله.

(٤) في م : لما.

(٥) في م : لها.

(٦) في ا : ليمهد.

(٧) سورة الذاريات ، آية ٢١. (٤ ـ أحكام ـ ٣)

٤٩

ألما أو فناء ، فكذلك سبق من حكمته أنّ العائن إذا برّك أسقط قوله بالبركة قوله بالإعجاب ، فإن لم يفعل سقط حكمه بالاغتسال.

وقد اعترض على ذلك الأطباء ، واعتقدوه من أكاذيب النقلة ، وهم محجوجون بما سطّروا في كتبهم من أنّ الكون والفساد يجرى على حكم الطبائع الأربع ، فإذا شذّ شيء (١) قالوا : هذه خاصّة خرجت من مجرى الطبيعة لا يعرف لها سبب ، وجمعوا من ذلك ما لا يحصى كثرة ، فهذا الذي نقله الرواة عن صاحب الشريعة خواصّ شرعية بحكم إلهية ، يشهد لصدقها وجودها كما وصفت ، فإنا نرى العائن إذا برّك امتنع ضرره ، وإن اغتسل شفى معينه ، وهذا بالغ في فنّه ، فلينظر على التمام في مواضعه من كتب الأصول وشرح الحديث ، وهذه النبذة تكفى في هذه العارضة.

المسألة الثالثة ـ قوله : (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها).

قالوا : هذا يدلّ على أنه حملهم على التفرق مخافة العين ، ثم قال : وهذا لا يردّ القدر ، إنما هو أمر تأنس به النفوس ، وتتعلّق به القلوب ، إذ خلقت ملاحظة للأسباب. ويفترق اعتقاد الخلق ، فمن لحظ الأسباب من حيث إنها أسباب في العادة لا تفعل شيئا ، وإنما هي علامات فهو الموحّد ، ومن نسبه إليها فلا واعتقدها مدبّرة فهو الجاهل أو الملحد.

الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).

الآية فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ إنما جعل السقاية حيلة في الظاهر لأخذ الأخ منهم ، إذ لم يكن ذلك ممكنا له ظاهرا من غير إذن من الله [ولم يمنع الحيلة] (٣) ، والله قادر على الظاهر والباطن ، حكيم في تفصيل الحالين.

فإن قيل ، وهي :

__________________

(١) في ا : شذ شيء عما قننوه.

(٢) آية ٧٠.

(٣) ليس في م.

٥٠

المسألة الثانية ـ كيف رضى يوسف أن ينسب إليهم السرقة ولم يفعلوها؟

قيل : عنه ثلاثة أجوبة :

أحدها ـ أنّ القوم كانوا سرقوه من أبيه وباعوه ، فاستحقوا هذا الاسم بذلك الفعل.

الثاني ـ أنه أراد أيتها العير حالكم حال السرّاق. المعنى إن شيئا لغيركم صار عندكم من غير رضا الملك (١) ولا علمه.

الثالث ـ وهو التحقيق أنّ هذا كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه وفصله عنهم إليه ، وهو ضرر دفعه بأقلّ منه.

فإن قيل ـ وهي :

المسألة الثالثة ـ فكيف استجاز (٢) يوسف الحيلولة بين أخيه وأبيه فيزيده حزنا على حزن وكربا على كرب.

قلنا : إذا استوى الكرب جاء الفرج.

جواب آخر ـ وذلك أنه كان بإذن من الله فلا اعتراض فيه.

جواب ثالث ـ وذلك أنّ الحزن كان قد غلب (٣) على يعقوب غلبة لا يؤثر فيها فقد أخيه كل التأثير ، أو لا تراه لمّا فقد (٤) أخاه قال : يا أسفى على يوسف.

الآية السابعة عشرة ـ قوله تعالى (٥) : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : هذا نصّ في جواز الكفالة (٦). وقد قال القاضي أبو إسحاق : ليس هذا من باب الكفالة ، فإنها ليس فيها كفالة إنسان عن إنسان ، وإنما هو رجل التزم عن نفسه ، وضمن عنها ، وذلك جائز لغة لازم شرعا ، قال الشاعر :

فلست بآمر فيها بسلم

ولكني على نفسي زعيم

__________________

(١) في م : المالك.

(٢) في م : كيف جاز ليوسف.

(٣) في ا : قد غلب يعقوب عليه لا يؤثّر فيه. والمثبت من م.

(٤) في م : فقده.

(٥) آية ٧٢.

(٦) في هامش م : «مسائل الكفالة».

٥١

وقال الآخر :

وإنى زعيم إن رجعت ممّلكا

بسير ترى منه الغرانق أزورا

قال الإمام أبو بكر : هذا الذي قاله القاضي أبو إسحاق صحيح ، بيد (١) أنّ الزعامة فيه نص ، فإذا قال : أنا زعيم فمعناه أنى ملتزم ، وأى فرق بين أن يقول : ألتزمه عن نفسي أو التزمت عن غيرى؟

المسألة الثانية ـ قوله : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) :

إنما يكون في الحقوق التي تجوز النيابة فيها ، وأما كلّ حقّ لا يقوم فيه أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيها. وقد تقدم ذكره ، وتركب على هذا مسألة ، وهي :

المسألة الثالثة ـ إذا قال : أنا زعيم لك بوجه فلان. قال مالك : يلزمه. وقال الشافعى : لا يلزمه ، لأنه غرر ، إذ لا يدرى هل يجده أم لا؟ والدليل على جوازه أنّ المقصود بالزعامة تنزيل الزعيم (٢) مقام الأصل ، والمقصود من حضور الأصل أداء المال ، فكذلك الزعيم. ومسائل الضمان كثيرة ذكرناها في مسائل الخلاف والفروع.

المسألة الرابعة ـ كما أنّ لفظ الآية نص في الزعامة فمعناها نص في الجعالة ، وهي نوع من الإجارة (٣) ، لكن الفرق بين الجعالة والإجارة أنّ الإجارة يتقدر فيها العوض والمعوّض من الجهتين ، والجعالة يتقدر فيها الجعل والعمل غير مقدر.

ودليله أنّ الله سبحانه شرع البيع والابتياع في الأموال لاختلاف الأغراض (٤) وتبدل الأحوال ، فلما دعت الحاجة إلى انتقال الأملاك شرع لها سبيل البيع وبيّن أحكامه ، ولما كانت المنافع كالأموال في حاجة إلى استيفائها ، إذ لا يقدر كلّ أحد أن يتصرف لنفسه في جميع أغراضه نصب الله الإجارة في استيفاء المنافع بالأعواض ، لما في ذلك من حصول الأغراض ، وأنكرها الأصم ، وهو عن الشريعة أصم ، فقد فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم الإجارة ، وفعلها الصحابة ، وقد بيناها في كتب الخلاف.

__________________

(١) في ا : فيه.

(٢) في م : الزعم.

(٣) في هامش م : «مسائل الإجارة والعوض».

(٤) في م : الأعراض.

٥٢

المسألة الخامسة ـ فإذا ثبت هذا فقد يمكن تقدير العمل بالزمان ، كقوله : تخدمنى اليوم. وقد يقول : تخيط لي هذا الثوب ، فيقدّر العمل بالوجهين ، وقد يتعذّر تقدير العمل ، كقوله : من جاءني بضالّتى أو جلب عبدى الآبق فله كذا ، فأحد العوضين لا يصح تقديره ، والعوض الآخر لا بدّ من تقديره ، فإنّ ما يسقط بالضرورة لا يتعدى سقوطه إلى ما لا ضرورة فيه. والأصل فيه الحديث الذي قدمنا من أخذ الأجرة على الرّقية ، وهو عمل لا يتقدر ، وقد كانت الإجارة والجعالة قبل الإسلام فأقرتهما الشريعة ، ونفت عنهما الغرر والجهالة. وقد بينا ذلك في كتب المسائل.

المسألة السادسة ـ في حقيقة القول في الآية :

إنّ المنادى لم يكن مالكا ، إنما كان نائبا عن يوسف ورسولا له ، فشرط حمل البعير على يوسف لمن جاء بالصّواع وتحمّل هو به عن يوسف ، فصارت فيه ثلاث فوائد :

الأولى ـ الجعالة ، وهو عقد يتقدّر فيه الثمن ولا يتقدّر فيه المثمن.

الثانية ـ الكفالة ، وهي هاهنا مضافة إلى سبب موجب على وجه التعليق (١) بالشرط. وقد اختلف الناس في فيها اختلافا متباينا تقريره في المسائل ، وهذا دليل على جوازه ، فإنه فعل نبىّ ، ولا يكون إلا شرعا.

وقد اختلف الناس في الكفالة ، فجوّزها أصحاب أبى حنيفة محالة على سبب وجوب ، كقوله : ما كان لك على فلان فهو علىّ ، أو إذا أهلّ الهلال فلك علىّ عنه كذا ، بخلاف أن تكون معلّقة بشرط محض ، كقوله : إن قدم فلان ، أو إن كلمت زيدا.

وقال الشافعى : لا يجوز بشيء من ذلك. وهذه الآية نص على جوازها ، محالة على سبب الوجوب.

الثالثة ـ جهالة المضمون له :

قال علماؤنا : هي جائزة ، وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أنّ أبا حنيفة والشافعى اتّفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له ، وادّعى أصحاب أبى حنيفة أنّ هذا الخبر منسوخ من الآية خاصة.

__________________

(١) في م : على تعليق.

٥٣

وقال أصحاب الشافعى : هذه الآية دليل على جواز الجعل ، وهي شرع من قبلنا ، وليس لهم فيه تعلق (١) في مذهب.

وقال أصحاب الشافعى : إنّ معرفة المضمون عنه والمضمون له فيه ثلاثة أقوال :

أحدها ـ أنه لا بدّ من معرفتهما ، أمّا معرفة المضمون عنه فليعلم. هل هو أهل للإحسان أم لا؟ وأمّا معرفة المضمون له فليعلم هل يصلح للمعاملة أم لا؟

الثاني ـ أنه افتقر إلى معرفة المضمون خاصة ، لأن المعاملة معه خاصة.

الثالث ـ أنه لا يفتقر إلى معرفة واحد منهما ، وهو الصحيح ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبى قتادة أنه ضمن عن الميت ولم يسأله النبىّ عن المضمون له ولا عن المضمون عنه. والآية نصّ في جهالة المضمون له ، وحمل جهالة المضمون عنه عليه أخفّ. والله أعلم.

الآية الثامنة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ. قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ لما قال إخوة يوسف (٣) : (تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) قال أصحاب يوسف : (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ)؟ فقال (٤) إخوة يوسف : (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ).

قال الطبري : المعنى جزاؤه من وجد في رحله ، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، التقدير جزاؤه استعباد من وجد في رحله ، أو أخذه واسترقاقه ، أو ما أشبه ذلك.

__________________

(١) في م : وليس لهم متعلق.

(٢) آية ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٦.

(٣) آية ٧٣.

(٤) في ا : قال.

٥٤

وقال غيره : التقدير جزاء السارق من وجد في رحله فهو جزاء ، ويكون جزاؤه الأول الابتداء (١) ، والجملة بعده الخبر ، المعنى من وجد في رحله فهو هو ، وكرره تأكيدا للبيان. كما قال الشاعر :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

المسألة الثانية ـ في تحقيق هذا الكلام بالتفسير :

وذلك أنّ دين الملك كان أن يأخذ المجنىّ عليه من السارق مثلي السرقة ، وكان دين يعقوب أن يسترقّ السارق ، فأخذ يوسف إخوته بما في دين يعقوب بإقرارهم بذلك وتسليمهم فيه.

وقد روى عن مجاهد أنّ عمة يوسف بنت إسحاق ، وكانت أكبر من يعقوب ، صارت إليها منطقة إسحاق لسنّها ، لأنهم كانوا يتوارثونها بالسنّ ، وكان من سرقها استملك ، وكانت عمة يوسف قد حضنته وأحبّته حبّا شديدا ، فلما ترعرع قال لها يعقوب : سلّمى يوسف إلىّ ، فلست أقدر أن يغيب عن عيني ساعة. قالت له : دعه عندي أياما أنظر إليه فلعلي أتسلّى عنه. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فخرمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ، ومن أصابها. فالتمست ، ثم قالت : اكشفوا أهل البيت ، فكشفوا فوجدت مع يوسف. فقالت : والله إنه لي سلم (٢) أصنع فيه ما شئت. ثم أتاها يعقوب ، فأخبرته الخبر ، فقال لها : أنت وذاك ، إن كان فعل فهو سلم لك ، فأمسكته حتى ماتت ، فبذلك عيّره إخوته في قولهم : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، معناه أنّ القرابة شجنة والصحابة شجنة (٣).

ومن هاهنا تعلّم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت عمّته به.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ). إذ كان لا يرى استرقاق السارق إلا أن يشاء الله ، فكيف التزام الإخوة لدين يعقوب بالاسترقاق ، فقضى عليهم به ، والكيد والمكر هو الفعل الذي يخالف فيه الباطن الظاهر ،

__________________

(١) في م : ابتداء.

(٢) سلم : أسير.

(٣) شجنة : تشابك وترابط.

٥٥

والقول الذي يحتمل معنيين ، فيتأوّله أحد المتخاطبين على وجه والآخر على وجه آخر.

المسألة الرابعة ـ قد ذكرنا في سورة المائدة أنّ القطع في السرقة ناسخ لما تقدم من الشرائع ، إذ كان في شرع يعقوب استرقاق السارق كما تقدم ، ولا نعلم ما نفذ به الحكم في شرع يعقوب هل كان مخصوصا بعين مسروقة دون عين أم عامّا في كل عين؟ والأول أصح ، لأنه ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن بنى إسرائيل كانوا (١) إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. وهذا نصّ في الغرض ، موضّح للمقصود ، فافهموه.

المسألة الخامسة ـ قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ).

فيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل ، إذا لم تخالف شريعة ولا هدمت أصلا ، خلافا لأبى حنيفة في تجويزه الحيل ، وإن خالفت الأصول وخرمت التحليل ، سمعت أبا بكر محمد ابن الوليد الفهري وغيره يقول : كان شيخنا قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن علىّ الدامغاني صاحب عشرات آلاف من المال ، فإذا جاء رأس الحول دعا بنيه فقال لهم : قد كبرت سنى ، وضعفت قوتي ، وهذا مال لا أحتاجه ، فهو لكم ، ثم يخرجه ، ويحتمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه ، فإذا جاء رأس الحول ، ودعا بنيه لأمر قالوا : يا أبانا إنما أملنا حياتك ، وأما المال فأىّ رغبة لنا فيه ما دمت حيا ، أنت ومالك لنا ، فخذه إليك. ويسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه ، فيرده إلى موضعه ـ يريد بتبديل الملك إسقاط الزكاة على رأى أبى حنيفة في التفريق بين المجتمع ، والجمع بين المفترق ، وهذا خطب عظيم بيّناه في شرح الحديث ، وقد صنّف البخاري عليه في جامعه كتابا مقصودا (٢).

المسألة السادسة ـ قال بعض علماء الشافعية : قوله تعالى (٣) : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) دليل على جواز الحيلة في التوصّل إلى المباح واستخراج الحقوق.

قال القاضي الإمام أبو بكر رضى الله عنه : هذا وهم عظيم.

وقوله : وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض قيل فيه : كما مكنا ليوسف ملك نفسه عن

__________________

(١) في ا : كان.

(٢) في م : مقصورا.

(٣) آية ٥٦.

٥٦

امرأة العزيز مكنّا له ملك الأرض عن العزيز أو مثله مما لا يشبه ما ذكره. قال الشفعوى : ومثله (١) : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).

قال الإمام الفقيه القاضي أبو بكر بن العربي رضى الله عنه : ليس هذا حيلة ، إنما هو حمل لليمين على الألفاظ أو على المقاصد ، وقد بيناه في كتب المسائل. قال الشفعوى : وحديث (٢) أبى سعيد في عامل خيبر ـ [قال الإمام ابن العربي : نص هذا الحديث] (٣) أن عامل خيبر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر جنيب (٤) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلّ تمر خيبر هكذا؟ قال : لا ، يا رسول الله ، ولكنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين من تمر الجمع (٥). فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا ، وكذلك اليسر ـ خرّجه الأئمّة.

ومقصود الشافعية من هذا الحديث أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يبيع جمعا ويبتاع جنيبا من الذي باع منه الجمع أو من غيره.

قال المالكية : معناه من غيره ، لئلا يكون جنيبا بجمع ، والدراهم ربا ، كما قال ابن عباس : جريرة بجريرة والدراهم ربا. قال الشفعوى : ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

قال القاضي : قالت هند للنبي صلى الله عليه وسلم (٦) : إنّ أبا سفيان رجل مسيك (٧) لا يعطيني ما يكفيني وولدي. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

وهذا من باب الفتوى وتسليط المفتي للمستفتى على حكم الدعوى ، فهو أعلم بنفسه ، وربه (٨) أعلم من الكل بكذبه أو صدقه ، ولا حيلة في شيء من هذا.

وعجبا لمن يتصدّى للإمامة ، ويتميّز في الفرق بالزعامة ويأتى بهذا السّفساف من المقال.

قال القاضي : وزاد بعد ذلك من معاريض النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب ما هو خارج

__________________

(١) سورة ص ، آية ٤٤.

(٢) صحيح مسلم : ١٢١٥.

(٣) ليس في م.

(٤) جنيب : نوع من التمر من أعلاه.

(٥) الجمع : الرديء من التمر. أو هو الخليط من التمر.

(٦) صحيح مسلم : ١٣٣٩.

(٧) مسيك : شحيح وبخيل.

(٨) في م : وربك.

٥٧

عن هذا الغرض على خط لا يجتمع مع هذا المقصد في دائرة الأفق ، فكيف في مقدار من التقابل أصغر من تفق.

الآية التاسعة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا ، فلا تسمع إلّا ممن علم ، ولا تقبل إلا منه. ومراتب العلم في طرقه مختلفة ، ولكنه يعود إلى أصل واحد ، وهو تعلّقه بالمعلوم على ما هو به ، فإذا نسى الشهادة فذكّر بها وتذكّرها أدّاها ، وذلك لقول الله سبحانه (٢) : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى). وإذا لم يذكرها لم يؤدّها على أحد التأويلين كما تقدم في سورة البقرة.

المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة قالوا : يؤدّيها ولا يمتنع (٣) أن يؤدّى منها ما علم وهو خطّه ، ويترك ما لم يعلم ، وقد بيناها (٤) في سورة البقرة فلينظر فيها (٥).

المسألة الثالثة ـ إذا ادّعى الرجل شهادة لا يحتملها عمره ولا حاله ردّت ، لأنه ادّعى باطنا ما كذّبه العيان ظاهرا.

المسألة الرابعة ـ شهادة المرور ، وهو أن يقول : مررت بفلان فسمعته ، فإن استوعب القول شهد في أحد قولي مالك ، وفي القول الآخر (٦) لا يشهد حتى يشهداه.

والذي نختاره الشهادة عند الاستيعاب ، وبه قال جماعة من العلماء. وهو الحقّ ، لأنه قد حصل له المطلوب ، وتعيّن عليه أداء العلم ، وكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له ، وشرّ الشهداء إذا كتمها.

المسألة الخامسة ـ وكذلك اختلف علماؤنا إذا جلس رجلان للمحاسبة ، فأبرز الحساب بينهما ذكرا هل يشهد به من حضره ، وقد كلف ذلك وأجلس له؟ والصحيح وجوب الأداء عليه ، لأنه قد حصل له علمه.

__________________

(١) آية ٨١.

(٢) سورة البقرة ، آية ٢٨٢.

(٣) في ا : ولا ينفع.

(٤) في م : وقد بيناه.

(٥) في م : هناك.

(٦) في ا : الأول.

٥٨

المسألة السادسة ـ إذا أجلس رجل شاهدين من وراء حجاب وكلّمه وقرّره فاستوعبا كلامه ، فقال في كتاب محمد : لا يثبت ذلك ، ويحلف أنه ما أقر إلا بأمر كذا يذكره ، فإن نكل لزمه ما يشهد به. والأصل في الباب ما قدمناه من تحصيل العلم. والله أعلم.

الآية الموفية عشرين ـ قوله تعالى (١) : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ حدّث مالك عن حزن يعقوب إنه حزن سبعين ثكلى. قيل (٢) : فما أعطى؟ قال : أجر سبعين شهيدا. قال مالك : قال يوسف لما حضرته الوفاة : ما انتقمت لنفسي من شيء أتى إلىّ ، فذلك زادي اليوم من الدنيا ، وإنّ عملي لا حق بعمل آبائي ، فألحقوا قبري بقبورهم.

قال علماؤنا : يريد مالك بالكلام الثاني قول يوسف لإخوته (٣) : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ، أى لا تبكيت ولا مؤاخذة لكم بما فعلتم ، لأن شفاء الغيظ والجزاء بالذنب في الدنيا من عمل الدنيا لا حظّ له في الآخرة ، وذلك قول يوسف : ما انتقمت لنفسي من شيء أتى إلىّ ، فذلك زادي اليوم من الدنيا ، وإن عملي لا حق بعمل آبائي ، أى في الصفح والإحسان ، وهو (٤) فعل أهل النبوة صلى الله عليهم وسلم.

المسألة الثانية ـ قوله : «ألحقوا قبري بقبور آبائي» شاهدناه سنة سبع وثمانين ، وجاوزنا فيه [أعواما و] (٥) أياما آمنين في نعم فاكهين ، وعلى الدرس والمناظرة متقابلين ، وهو في قرية جيرون التي كانت لإبراهيم الخليل بينها وبين المسجد الأقصى ستة فراسخ في سفح الجبل الذي كان فيه بيت رامة متعبّد إبراهيم [الخليل عليه السلام] (٦) ، المشرف على مدائن لوط ، وفي وسط القرية بنيان مرصوص من حجارة عظام سورا عظيما ، في داخله مسجد ، في الجانب الغربي منه مما يلي القبلة إسحاق ، ويليه في الجانب المذكور إبراهيم الخليل ، ويليه في الطرف

__________________

(١) آية ٨٤.

(٢) في ا : قال.

(٣) آية ٩٢.

(٤) في م. وهذا.

(٥) ليس في م.

(٦) من م.

٥٩

الجوّانى (١) من الجانب الغربي يعقوب على نسبة متماثلة. وفيما يقابلها من الجانب الشرقي قبور أزواجهم على الاعتدال ، على كل قبر حجر عظيم واحد له الطول والعرض والعمق ، حسبما بيناه في كتاب ترتيب الرحلة. وفي الجانب القبلي منه خارج هذا الحرم قبر يوسف منتبذا ، كان له قيّم طرطوشى (٢) زمن ، وله أمّ تنوب عنه ، وهيئة قبر يوسف صلى الله عليه وسلم كهيئة قبورهم. وهذا أصحّ الأقاويل في موضع قبره لأجل ذكر مالك له ، فلم يذكر رضى الله عنه إلا أشبه ما اطلع عليه.

المسألة الثالثة ـ كان يعقوب حزينا في الدرجة التي قد بيناها ، ولكن حزنه كان في قلبه جبلّة ، ولم يكتسب لسانه قولا قلقا يخالف الشريعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه في صحيح الخبر : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلّا ما يرضى ربنا (٣) ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

وقال أيضا في الصحيح صلى الله عليه وسلم : إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ، ولا يحزن القلب ، وإنما يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ، أو يرحم. وهو تفضّل منه ، سبحانه ، حين علم عجز الخلق عن الصبر ، فأذن لهم في الدمع والحزن ، ولم يؤاخذهم به وخطم الفم بالزمام عن سوء الكلام فنهى عما نهى ، وأمر بالتسليم والرضا لنافذ القضاء ، وخاصة عند الصدمة الأولى. وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى ، وذلك قول يعقوب (٤) : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من جميل صنعه وغريب لطفه وعائدته على عباده.

الآية الحادية والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ).

فيها خمس مسائل :

__________________

(١) في م : الجونى.

(٢) في م : سوسى.

(٣) في م : الرب.

(٤) آية ٨٦ من سورة يوسف.

(٥) آية ٨٨.

٦٠