أحكام القرآن - ج ٣

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٨

وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ، ولا نسب يخاف تعلّقه ، لم يكن للعان فائدة ، فلم يحكم به ، وكان قذفا مطلقا داخلا تحت قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ، فوجب عليه الحدّ ، وبطل ما قال البتّى لظهور (١) فساده.

المسألة السادسة ـ إذا انتفى من الحمل كما قدمنا ، ووقع ذلك بشروطه (٢) لاعن قبل الوضع ، وبه قال الشافعى.

وقال أبو حنيفة : لا يلاعن إلا بعد أن تضع ، لأنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الأدواء.

ودليلنا النصّ الصريح الصحيح أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لاعن قبل الوضع. وقال : إن جاءت به كذا فهو لأبيه ، وإن جاءت به كذا فهو لفلان ، فجاءت به على النعت المكروه ، فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم : لو كنت راجما أحدا بغير بيّنة لرجمتها.

فإن قيل : علم النبىّ صلى الله عليه وسلم حملها ، فلذلك حكم باللّعان ، والحاكم منا لا يعلم أحمل هو أم ريح؟

قلنا : إذا جرت أحكام النبىّ صلى الله عليه وسلم على القضايا لم تحمل على الاطلاع على الغيب ، فإنّ الأحكام لم تبن عليه ، وإن كان به عليما ، وإنما البناء فيها على الظاهر الذي يشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه القضاة كلّهم. وقد أعرب عن ذلك بقوله : إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلىّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض ، فأقضى له على نحو ما أسمع. فأحال على الظواهر (٣) ، وهذا لا إشكال فيه.

المسألة السابعة ـ إذا قذف بالوطء في الدّبر لزوجه لاعن.

وقال أبو حنيفة : لا يلاعن ، وبناه على أصله في أنّ اللواط لا يوجب الحدّ.

وهذا فاسد ، لأن الرمي به فيه معرّة ، وقد دخل تحت قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ). وقد بينا في المتقدم (٤) من قولنا وفي مسائل الخلاف وجوب الحدّ فيه.

المسألة الثامنة ـ من غريب أمر هذا الرجل أنه قال : إذا قذف زوجته وأمّها بالزنا إنه

__________________

(١) في م : وظهر.

(٢) في م ، والقرطبي : بشرطه.

(٣) في م : على الظاهر.

(٤) تقدم في سورة الأعراف والمؤمنون.

٣٠١

إن حدّ للأم سقط حدّ البنت ، وإن لاعن للبنت لم يسقط حدّ الأم.

وهذا لا وجه له ، وما رأيت لهم فيه شيئا يحكى ، وهذا باطل جدا ، فإنه خصّ عموم الآية في البنت وهي زوجة بحد الأم من غير أثر (١) ولا أصل قاسه عليه.

المسألة التاسعة ـ يلاعن في النكاح الفاسد ، كما يلاعن في النكاح الصحيح ، لأن اللعان حكم من أحكام النكاح يتعلّق بالفاسد منه ، كالنسب والعدّة والمهر ، وهذا الفقه صحيح ، وذلك أنّ اللعان موضوع لنفى النسب وتطهير الفراش ، والزوجة بالنكاح الفاسد قد صارت فراشا ، ويلحق النسب فيه ، فجرى اللعان عليه.

المسألة العاشرة ـ فائدة لعان الزوج درء الحدّ عنه ، ونفى النسب منه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : البينة وإلّا حدّ في ظهرك. فلو جاء بالبينة لدرأت الحدّ عنه ، فقد قام اللعان مقام البينة.

وقال أبو حنيفة : لو لم يلتعن الزوج لم يحدّ ، ولكنه يحبس حتى يلاعن ، وتارة يجعل اللعان شهادة ، وتارة يجعل حدّا. ولو كان حدّا ما حبس على فعله ، لأن الحد يؤخذ قسرا من صاحبه ، فإذا لاعن فقد برىء من الحد ، وتعلّق ذلك بالمرأة ، لأنهما خصمان يتنازعان ، فلو كان اللعان شهادة لكان تحقيقا للزنا عليها ، وإنما هو كما قدمنا لتبرئة نفسه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة وإلا حدّ في ظهرك ، ثم يقال لها : اعترفى فتحدّى أو برّئى نفسك ، وذلك لقوله تعالى (٢) : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، وهي :

المسألة الحادية عشرة ـ وقال أبو حنيفة : العذاب المراد بالآية الحبس ، فيقال له : ولم تحبس ، ولم يجب عليها بقول الزوج شيء عندك؟ ثم قلت : اللعان حدّ ، فكيف وجب عليها بقول الزوج حدّ ، والله تعالى يقول : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) ، وهو الحدّ ، بدليل قوله تعالى (٣) : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الحدّ ، فسماه عذابا هاهنا ، وهو ذاك بعينه ، لاتّحاد المقصد فيها.

__________________

(١) في ا : أمر.

(٢) سورة النور ، آية ٨.

(٣) من الآية الثانية من السورة ، وقد تقدمت.

٣٠٢

فإن قيل : اللعان يمين أو شهادة من الزّوج؟ وأيما كان فلا يوجب حدّا على المرأة.

قلنا : أقيم مقام الشهادة بدليل أنه يخلص به الزّوج من الحدّ.

المسألة الثانية عشرة ـ البداءة في اللعان بما بدأ الله به ، وهو الزوج ، ولو بدأ بالمرأة قبله لم يجزه ، لأنه عكس ما رتّبه الله.

وقال أبو حنيفة : يجزيه ، وهذا باطل ، لأنه خلاف القرآن ، وليس له أصل يردّه إليه ، ولا معنى يقوى به ، بل المعنى لنا ، لأن المرأة إذا بدأت باليمين فتنفى ما لم يثبت ، وهذا لا وجه له.

المسألة الثالثة عشرة ـ إذا صدقته المرأة في قذفه ، وهناك ولد لم يلاعن عند أبى حنيفة ، لأنه لا لعان عنده على نفى الولد ، وقد بيناه.

المسألة الرابعة عشرة ـ إذا قذفها برجل سمّاه كشريك بن سحماء أسقط اللعان عنه حدّ القذف لزوجته وحدّ لشريك ، وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعى : لا يحدّ له إذا لاعن زوجه.

وظاهر القرآن لنا ، لأنّ الله وضع الحد في قذف الأجنبى والزوجة مطلقين ، ثم خصّ الزوجة بالخلاص باللعان ، وبقي الأجنبىّ على مطلق الآية.

واحتج الشافعىّ بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد هلالا لشريك بن سحماء.

قلنا : لأنه لم يطلبه ، وحدّ القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعا.

ومن العجب أن قالت أحبار الشافعية : إنه يحتاج إلى ذكر الزاني بزوجه ليعرّه كما عرّة ، وأى معرّة فيه ، وخبره عنه (١) لا يقبل ، وحكمه فيه لا ينفذ ، إنما المعرة كلّها بالزوج ، فلا وجه لذكره ، فإن قذفه تعلّق به حكمه لعموم القرآن.

الآية السادسة ـ قوله تعالى (٢) : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ).

__________________

(١) في م : فيه.

(٢) آية ١١.

٣٠٣

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (١) :

روى ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرّأها الله مما قالوا ، وكلّ حدّثنى بطائفة (٢) من الحديث ، وبعض حديثهم يصدّق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض.

فالذي (٣) حدثني عروة عن عائشة أنّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه.

قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي ، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل (٤) الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل ، ودنونا من المدينة قافلين ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش.

فلما قضيت شأنى أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع ظفار (٥) قد انقطع ، فالتمست (٦) عقدي ، وحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرّهط الذين كانوا يرحلون (٧) بي ، فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت (٨) ، وهم يحسبون أنى فيه.

وكان النساء إذ ذاك خفافا ، لم يثقلهن اللحم (٩) ، إنما يأكلن العلقة (١٠) من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل ،

__________________

(١) أسباب النزول : ١٨٢.

(٢) في م ، ومسلم : طائفة من حديثها.

(٣) في م : والذي.

(٤) في مسلم : بعد ما أنزل الحجاب.

(٥) الجزع : حرز يماني. وظفار باليمن.

(٦) في مسلم : فرجعت فالتمست.

(٧) في مسلم : يرحلون لي. ويرحلون : يجمعون الرحل على البعير.

(٨) في م ، ومسلم : الذي كنت أركب.

(٩) في مسلم : لم يهبلن ولم يغشهن اللحم.

(١٠) العلقة : القليل.

٣٠٤

وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب.

فأممت (١) منزلي الذي كنت به ، وظننت أنهم سيفقدونني ، فيرجعون إلىّ.

فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت.

وكان صفوان بن المعطّل السّلمى ثم الذّكوانى من وراء الجيش ، فادّلج (٢) ، فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب (٣) ، فاستيقظت باسترجاعه ، حين عرفني ، فخمّرت وجهى (٤) بجلبابي ، وو الله ما كلمني كلمة ، وما سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يديها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك (٥).

وكان الذي تولّى الإفك عبد الله بن أبىّ بن سلول. فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني (٦) في وجعي أنّى لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنما كان يدخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو (٧) يقول : كيف تيكم (٨)؟ ثم ينصرف ، فذلك الذي يريبني منه ، ولا أشعر بالشرّ ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع (٩) ، وهو متبرّزنا ، وكنا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل (١٠) ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، فكنا نتأذّى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا.

فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي ابنة أبى رهم بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر ، خالة أبى بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة ، فأقبلت أنا وأمّ مسطح قبل بيتي ،

__________________

(١) في مسلم : فيممت منزلي.

(٢) ادلج : سار آخر الليل.

(٣) في م : فاسترجع فاستيقظت باسترجاعه.

(٤) خمرت وجهى : غطيته.

(٥) في مسلم : فهلك من هلك في شأنى.

(٦) في م ، ومسلم : وهو يريبني.

(٧) في م : فيقول. وفي صحيح مسلم : ثم يقول.

(٨) إشارة إلى المؤنثة.

(٩) المناصع : مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.

(١٠) في ا : الليل.

(٢٠ ـ أحكام ـ ٣)

٣٠٥

وقد فرغنا من شأننا ، فعثرت أمّ مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح! فقلت لها : بئس ما قلت! أتسبّين رجلا شهد بدرا! قالت : أى هنتاه (١)! ألم تسمعي ما قال! قالت : قلت لها : وما قال؟ قالت : فأخبرتنى بقول أهل الإفك.

قالت : فازددت مرضا على مرضى. قالت : فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلّم] (٢) ، ثم قال : كيف تيكم! فقلت : أتأذن لي أن آتى أبوىّ؟ قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما.

قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوىّ ، فقلت لأمى : يا أمّتاه ، ما يتحدّث الناس؟ قالت : يا بنيّة ، هوّنى عليك ، فو الله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبّها ، ولها ضرائر ، إلا أكثرن عليها. قالت : فقلت : سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا!

فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، حتى أصبحت أبكى ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب ، وأسامة بن زيد ، حين استلبث (٣) الوحى ، يستأمرهما (٤) في فراق أهله.

فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله. وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ ، فقال : يا رسول الله ، أهلك ، ولا نعلم إلّا خيرا.

وأما علىّ بن أبى طالب فقال : يا رسول الله ، لم يضيّق الله عليك والنساء ، سواها ، كثير. واسأل الجارية تصدقك.

قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : يا بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه (٥) أكثر من أنها جارية حديثة السنّ ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتى الداجن (٦) فتأكله.

__________________

(١) تريد : يا هذه.

(٢) من مسلم.

(٣) استلبث الوحى : أبطأ ولم ينزل.

(٤) في مسلم : يستشيرهما.

(٥) أغمصه : أعيبه.

(٦) الداجن : الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم ، وقد يقع على غير الشاء من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها ، وجمعه دواجن (النهاية).

٣٠٦

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر (١) يومئذ من عبد الله بن أبىّ بن سلول.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت من (٢) أهلى إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهل إلّا معى.

فقام سعد بن معاذ الأنصارى ، فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت (٣) عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك.

فقام سعد بن عبادة ـ وهو سيّد الخزرج ـ وكان [فينا] (٤) قبل ذلك صالحا ، ولكن احتملته (٥) الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ، والله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله.

فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عمّ لسعد بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت والله لنقتلنّه ، فإنك منافق ، تجادل عن المنافقين.

فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا ، [وسكت] (٦).

قالت : فمكثت (٧) يومى ذلك ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم. فأصبح أبواى عندي ، وقد مكثت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع ، يظنان أنّ البكاء فالق كبدي.

قالت : فبينما هما جالسان عندي ، وأنا أبكى ، فاستأذنت علىّ امرأة من الأنصار ، فاستأذنت لها ، فجلست تبكى معى.

قالت : فبينما هما نحن كذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ، ثم جلس. قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها.

__________________

(١) استعذر : معناه أنه قال : من يعذرني فيمن آذاني في أهلى ، ومعنى من يعذرني : من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعاله ولا يلومني. وقيل معناه من ينصرني. والعذير : الناصر.

(٢) في م ، ومسلم : على أهلى.

(٣) في مسلم : ضربنا عنقه.

(٤) ليس في م ، ومسلم.

(٥) في مسلم : اجتهلته الحمية ، واجتهلته : استخفته وأغضبته وحملته على الجهل.

(٦) من م ، ومسلم.

(٧) في مسلم : وبكيت.

٣٠٧

وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأنى.

قالت : فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس. ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.

قالت : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبى: أجب رسول الله فيما قال. قال : فو الله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت : فقلت لأمّي : أجيبى رسول الله. قالت : والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت ـ وأنا جارية حديثة السنّ ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : إنى والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به. فلئن قلت لكم : إنى بريئة ، والله يعلم أنى بريئة لا تصدّقونى ، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أنى منه بريئة ، لتصدّقوننى. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا قول أبى يوسف : فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون.

قالت : ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت : وأنا حينئذ أعلم أنى بريئة ، وأنّ الله سيبرئنى ببراءتي. ولكن ، والله ما كنت أظنّ أنه ينزل فىّ قرآن يتلى ، ولشأنى في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله فىّ بآية (١) تتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في النوم يبرّئنى الله بها.

قالت : فو الله ما رام رسول الله مكانه (٢) ، وما خرج أحد من أهل البيت ، حتى أنزل الله عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (٣) ، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان (٤) من العرق ، وهو في يوم شات من ثقل القول (٥) عليه.

__________________

(١) في م ، ومسلم : بأمر.

(٢) في مسلم : مجلسه ، ولا خرج.

(٣) البرحاء : الشدة. وفي مسلم : ما يأخذه من البرحاء عند الوحى.

(٤) الجمان : الدر.

(٥) في مسلم : من ثقل القول الذي أنزل عليه.

٣٠٨

فلما سرّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّى عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها : [أبشرى] (١) يا عائشة أمّا الله فقد برّأك.

قالت أمى : قومي إليه. فقلت ، والله (٢) لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله ، وأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ...) العشر الآيات كلّها.

فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق ـ وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل (٣) : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

قال أبو بكر : بلى والله ، إنى أحبّ أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا.

قالت عائشة ـ وكان رسول الله يسأل (٤) زينب بنت جحش عن أمرى ، قال : يا زينب ، ماذا علمت؟ وماذا رأيت؟ فقالت : يا رسول الله ، أحمى سمعي وبصرى (٥) ، ما علمت إلا خيرا. قالت : وهي التي كانت تسامينى من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.

المسألة الثانية ـ قوله : (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

قد بينا في كتب الأصول حقيقة الخير ، وأنه ما زاد نفعه على ضره. وحقيقة الشر ما زاد ضره على نفعه ، وأن خيرا لا شر فيه هو الجنة ، وشرّا لا خير فيه هو جهنم ، ولهذا صار البلاء النازل على الأولياء خيرا ، لأن ضرره من الألم قليل في الدنيا ، وخيره ـ وهو الثواب ـ كثير في الآخرة ، فنبّه الله تعالى عائشة ومن ماثلها ممن ناله (٦) همّ من هذا الحديث أنه ما أصابهم منه

__________________

(١) من مسلم.

(٢) في ا : قالت فو الله.

(٣) آية ٢٢ من سورة النور.

(٤) في مسلم : سأل.

(٥) أى أصون سمعي وبصرى من أن أقول سمعت ولم أسمع ، وأبصرت ولم أبصر.

(٦) في م : ممن آلمه.

٣٠٩

شرّ ، بل هو خير على ما وضع الله الشر والخير عليه في الدنيا من المقابلة بين الضر والنفع ، ورجحان النفع في جانب الخير ، ورجحان الضر في جانب الشر.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ).

هذا حكم الله في كلّ ذنب أنه لا تحمل كلّ نفس إلا ما اكتسبت من الإثم ، ولا يكون لها إلا ما اكتسبت ، إلا أنّ الذي تولّى كبره ـ وكان يرميه (١) ويشيعه ويستوشيه ويجمعه ـ له عذاب عظيم.

في صحيح حديث الإفك : إنّ الذي كان يتكلّم فيه مسطح وحسان [بن ثابت] (٢) ، والمنافق عبد الله بن أبىّ بن سلول ، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه ، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (عَذابٌ عَظِيمٌ).

فيه ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنه العمى. الثاني ـ أنه عذاب جهنم (٣).

الثالث ـ الحد.

فأما العمى فهو الذي أصاب حسّان ، وأما عذاب جهنم فلمن كتبه الله له ، وأما عذاب الحدّ فقد روى محمد بن إسحاق وغيره أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حدّ في الإفك رجلين وامرأة : مسطحا ، وحسّان ، وحمنة.

الآية السابعة ـ قوله تعالى (٤) : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ، وَقالُوا : هذا إِفْكٌ مُبِينٌ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ المعنى ظنّ الناس بعضهم ببعض خيرا ، وجعل الغير (٥) مقام النفس ، لذمام الإيمان ، كما بينا في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أى لا يقتل بعضكم بعضا.

__________________

(١) في م : يدسه.

(٢) من م.

(٣) في م : عذاب عظيم.

(٤) آية ١٢.

(٥) في م : العين.

٣١٠

المسألة الثانية ـ هذا أصل في أنّ درجة الإيمان التي حازها الإنسان ، ومنزلة الصلاح التي حلها (١) المرء ، ولبسة العفاف التي تستّر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل ، وإن شاع ، إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا.

المسألة الثالثة ـ (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) ، أى كذب ظاهر ، لأنه خبر عن أمر باطن ممن لم يشاهده ، وذلك أكذب الأخبار وشرّ الأقوال حيث استطيل به على العرض الذي هو أشرف المحرمات ، ومقرون في تأكيد التحريم بالمهجات.

الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٢) : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ هذا ردّ إلى الحكم الأول ، وإحالة على الآية السابقة ، فإنّ الله حكم في رمى المحصنات بالكذب ، إلا أن يقيم قائل ذلك أربعة من الشهداء على ما زعم من الافتراء ، حتى يخرجه إلى الظاهر من حدّ الباطن ، وإلا لزمه حكم المفترى في الإثم وحاله في الحد.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).

وهذه آية مشكلة ، فإنه قد يكون من القذف الظاهر ما هو عند الله في الباطن صدق ، ولكنه يؤخذ في الظاهر بحكم الكاذب ، ويجلد الحدّ.

وهذا الفقه صحيح ، وهو أن معنى قوله : (عِنْدَ اللهِ) يريد في حكمه ، لا في علمه ، وهو إنما رتّب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا ، لا مقتضى علمه الذي تعلق بالأشياء على ما هي عليه ، وإنما يبنى على ذلك حكم الآخرة.

الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٣) : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

فيها مسألة ـ قوله تعالى : (لِمِثْلِهِ) ، يعنى في عائشة ، لأنّ مثله لا يكون إلا نظير القول

__________________

(١) في م : جعلها.

(٢) آية ١٣.

(٣) آية ١٧.

٣١١

في المقول عنه بعينه ، أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لما في ذلك من إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله ، وذلك كفر من فاعله.

قال هشام بن عمار : سمعت مالكا يقول : من سبّ أبا بكر وعمر أدّب ، ومن سبّ عائشة قتل ، لأن الله يقول (١) : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، فمن سبّ عائشة فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قتل.

قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : قال أصحاب الشافعى : من سبّ عائشة أدب ، كما في سائر المؤمنين ، وليس قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في عائشة ، لأنّ ذلك كفر ، وإنما هو كما قال : لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه. ولو كان سلب الإيمان في سبّ عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله صلى الله عليه وسلم : «لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن» حقيقة.

قلنا : ليس كما زعمتم ، إنّ أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة ، فبرّأها الله ، فكلّ من سبّها بما برأها الله منه فهو مكذّب لله ، ومن كذّب الله فهو كافر. فهذا طريق قول مالك. وهي سبيل لائحة (٢) لأهل البصائر ، ولو أنّ رجلا سبّ عائشة بغير ما برّأها الله منه لكان جزاؤه الأدب.

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٣) : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ).

يعنى يريد ذلك ويتفعّله له ، لأن المحبة فعل القلب ، ومن أحبّ شيئا أظهره ، فإن لم يظهره كانت نيته فاسدة يعاقب عليها في الآخرة ، كما بينا في شرح الحديث ، وليس له عقوبة في الحدود.

المسألة الثانية ـ إذا أشاعها فقد بينا ماله من العذاب في الدنيا.

وقد روى مسروق ، عن عائشة ، قال : جاء حسان بن ثابت يستأذن عليها فدخل فشبّب ، وقال (٤) :

__________________

(١) آية ١٧.

(٢) لائحة : ظاهرة.

(٣) آية ١٩.

(٤) ديوانه : ٣٢٤.

٣١٢

حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (١)

قالت له : لكنك لست كذلك. قلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك ، وقد أنزل الله(٢) : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ). قالت : وأىّ عذاب أشدّ من العمى. وقد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينت له أنّ العمى من العذاب الدنيوي الذي قورض به ، وذكر ذمامه في منافحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنها رعت له ذلك ، وإن كان قال فيها.

الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ قد بيّنا أنّ ذلك نزل في أبى بكر ، قالت عائشة في حديثها : فحلف أبو بكر ألّا ينفع مسطحا بنافعة أبدا ، فأنزل الله الآية : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ) ـ يعنى أبا بكر ، أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ـ يعنى مسطحا إلى قوله : غفور رحيم.

قال أبو بكر : بلى والله يا ربنا ، إنا لنحبّ أن يغفر لنا ، وعاد لما كان يصنع له ، وفيه دليل على أن القذف وإن كان كبيرة لا يحبط الأعمال ، لأن الله وصف مسطحا بعد قوله بالهجرة والإيمان.

المسألة الثانية ـ قال ابن العربي : عجبت لقوم يتكلفون فيتكلمون بما لا يعلمون ، هذا أبو بكر حلف ألّا ينفق على مسطح ، ثم رجع إليه نفقته ، فمن للمتكلف لنا تكلّف بأنّ أبا بكر لم يكفّر حتى يتكلّم بهذا الهزء ، وقد بينا ذلك في شرح الحديث.

المسألة الثالثة ـ قد بينا أنّ اليمين لا تحرم ، أو لا تحرم في سورة المائدة ، وتحقيقه في سورة التحريم.

__________________

(١) غرثى : جائعة. ما تزن : ما تتهم. الغوافل : جمع غافلة ، أى لا ترتع في أعراض الناس.

(٢) من الآية ١١.

(٣) آية ٢٢.

٣١٣

المسألة الرابعة ـ وهي حسنة أن في ذلك دليلا على أنّ الحنث إذا رآه خيرا أولى من البر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه. وقد قدمناه.

الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

فيها تسع مسائل :

المسألة الأولى ـ اعلموا وفّقكم الله ـ أنّ الله سبحانه وتعالى خصص الناس بالمنازل ، وسترهم فيها عن الأبصار ، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد ، وحجر على الخلق أن يطّلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها بغير إذن أربابها ، لئلا يهتكوا أستارهم ، ويبلوا في أخبارهم.

وتحقيق ذلك ما روى في الصحاح ، عن سهل بن سعد ، قال : أطّلع رجل من حجرة في حجر النبىّ صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي مدرى (٢) يحكّ بها رأسه ، فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. ومن حديث أنس فيها : فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه بمشقص (٣) ، فكأنى أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه.

المسألة الثانية ـ نزلت هذه الآية عامة في كل بيت ، ونزل قوله تعالى (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) صلى الله عليه وسلم خاصة في أبياته صلى الله عليه وسلم. وسيأتى بيانها في سورة الأحزاب إن شاء الله.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا).

مدّ الله التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس (٥).

واختلف فيه على ثلاثة أقوال :

الأول ـ أن معناه حتى تستأذنوا ، وكذلك كان يقرؤها عبد الله بن عباس ، ويقول :

أخطأ الكاتب.

__________________

(١) آية ٢٧.

(٢) المدرى : المشط. وانظر الحديث في صحيح مسلم : ١٦٩٨.

(٣) المشقص ـ كمنبر : نصل عريض أوسهم فيه ذلك. والنصل الطويل ، أوسهم فيه ذلك يرمى به الوحش. وانظر الحديث في صحيح مسلم : ١٦٩٩.

(٤) سورة الأحزاب ، آية ٥٣.

(٥) في القرطبي : إلى الاستئناس ، وهو الاستئذان.

٣١٤

الثاني ـ حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ، فيعلموا بالدخول عليهم ، قاله ابن مسعود ومجاهد وغيره.

الثالث ـ حتى تعلموا أفيها من تستأذنون عليه أم لا ، قاله ابن قتيبة.

قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : أما قوله أن تستأنسوا بمعنى تستأذنوا فلا مانع في أن يعبّر عن الاستئذان بالاستئناس ، وليس فيه خطأ من كاتب ، ولا يجوز أن ينسب الخطأ إلى كتاب تولى الله حفظه ، وأجمعت الأمة على صحته ، فلا يلتفت إلى راوي ذلك عن ابن عباس.

ووجه التعبير عن الاستئذان بالاستئناس أنه مثله في معنى الاستعلام.

وأما من قال : إنه التنحنح فهي زيادة لا يحتاج إليها. وأشبه ما فيه قول ابن قتيبة ، فإنه عبّر عن اللفظين بمعنيين متغايرين مقيدين. وهذا هو حكم اللغة في جعل معنى لكل لفظ.

المسألة الرابعة ـ في كيفية الاستئذان ، وهو بالسلام ، وصفته ما روى عن أبى سعيد الخدري ، قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور ، قال(١): استأذنت على عمر ثلاثا ، فلم يأذن لي ، فرجعت. قال : ما منعك؟ قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع. فقال : والله لتقيمنّ عليه بينة. أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أبىّ ابن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغرنا. فكنت أصغرهم. فقمت معه ، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

وهذا حديث صحيح لا غبار عليه. وحكمة التعداد في الاستئذان أنّ الأولى استعلام ، والثانية تأكيد ، والثالثة إعذار.

وقد روى ابن وهب ، وابن القاسم ، عن مالك ـ أن الاستئناس هو الاستئذان على التأويل الأول ، ويكون قوله : (وَتُسَلِّمُوا) تفسيرا للاستئذان. وقد اخترنا قول ابن قتيبة. والله أعلم.

__________________

(١) صحيح مسلم : ١٦٩٤.

٣١٥

المسألة الخامسة ـ قال جماعة : الاستئذان فرض ، والسلام مستحبّ. وبيانه أن التسليم كيفية في الإذن ، روى مطرف ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم أنه استأذن على ابن عمر ، فقال : أألج؟ فأذن له ابن عمر. قال زيد : فلما قضيت حاجتي أقبل علىّ ابن عمر ، فقال : مالك واستئذان العرب! إذا استأذنت فقل : السلام عليكم ، فإذا ردّ عليك السلام فقل : أأدخل ، فإن أذن لك فادخل. فعلّمه سنّة السلام.

وقد روى ابن سيرين أنّ رجلا استأذن على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال : أدخل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عنده : قم فعلّم هذا كيف يستأذن ، فإنه لم يحسن : فسمعها الرجل فسلّم فاستأذن.

المسألة السادسة ـ روى الزّهرى ، عن عبيد الله بن أبى ثور ، عن ابن عباس ، قال :

سألت عمر بن الخطاب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان تظاهرتا عليه ، اللتان قال الله فيهما (١) : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)؟ فقال : حفصة وعائشة. قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، وذكر اعتزال النبىّ في المشربة ـ قال : فأتيت غلاما أسود فقلت : استأذن لعمر. فدخل الغلام ثم خرج إلىّ. فقال : قد ذكرتك له ، فصمت. فرجعت فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد ، فرجعت إلى الغلام ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل ، ثم خرج ، فقال : قد ذكرتك له فصمت. قال : فولّيت مدبرا فإذا الغلام يدعوني ، فقال : ادخل ، فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو متّكئ على رمال حصير ، قد أثّر في جنبه ، فقلت : يا رسول الله ، أطلّقت نساءك؟ فرفع إلىّ رأسه ، وقال : لا. فقلت : الله أكبر ، لو رأيتنا يا رسول الله وكنّا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم ، فغضبت يوما علىّ امرأتى فطفقت تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني فقالت : ما تنكر! فو الله إنّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن يومها حتى الليل. فقلت : قد خاب من فعل ذلك منهن ، وخسر ، أتأمن إحداهن

__________________

(١) سورة التحريم ، آية ٤

٣١٦

ان يغضب الله عليها لغضب رسوله ، فإذا هي قد هلكت. فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت علىّ حفصة ، فقلت : لا يغررك أن كانت جاريتك هي أوسم وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك. فتبسم أخرى. فقلت : أستأنس يا رسول الله. قال : نعم ، فجلست فرفعت رأسى في البيت ، فو الله ما رأيت شيئا يردّ البصر إلا أهبة ثلاث ، وذكر الحديث.

قال الفقيه القاضي أبو بكر رضى الله عنه : ففي هذا الحديث أنّ عمر رجع من مرتين ، ولم ينتظر الثالثة ، فهذا يدلّك على أنّ كمال التعداد حقّ الذي يستأذن إن أراد استقصاءه وإلّا تركه ، وفيه قوله بعد الدخول : أستأنس يا رسول الله ، وهذا من الأنس والتبسط ، لا من الإعلام الذي تقدّم في الآية.

المسألة السابعة ـ قال علماؤنا : إن وقعت العين على العين فالسلام قد تعيّن ، ولا تعدّ رؤيتك له إذنا لك في دخولك عليه ، فإذا قضيت حقّ السلام لأنك الوارد حينئذ تقول: أدخل؟ فإن أذن لك فادخل وإلّا رجعت.

المسألة الثامنة ـ هذا كلّه في بيت ليس لك ، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها ، وإن كانت فيه معك أمك أو أختك فقالوا تنحنح واضرب برجليك حتى تنتبه (١) لدخولك ، لأنّ الأهل لا حشمة بينك وبينها.

وأما الأمّ والأخت فقد تكون (٢) على حالة لا [تحبّ أن] (٣) تراها فيها.

قال ابن القاسم : قال مالك : ويستأذن الرجل على أمّه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما.

وقد روى عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي : أستأذن على أمى؟ قال : نعم. قال: إنى أخدمها. قال : استأذن عليها. قال : فعاوده ثلاثا ، قال : أتحبّ أن تراها عريانة؟ قال: لا. قال : فاستأذن عليها.

وعن ابن مسعود وابن عباس ، واللفظ له ، أنه قيل له : أستأذن على أخواتى وهنّ في حجرتي معى في بيت واحد؟ قال : نعم ، فرددت عليه ليرخّص لي فأبى. قال : أتحبّ أن تراها عريانة؟ قلت : لا. قال : فاستأذن عليها ، فراجعته ، فقال : أتحبّ أن تطيع الله؟ قلت : نعم. قال : فاستأذن عليها.

__________________

(١) في القرطبي : ينتبها لدخولك.

(٢) في القرطبي : فقد يكونان.

(٣) من القرطبي.

٣١٧

وقال طاوس : ما من امرأة أكره إلىّ أن أرى عورتها من ذات محرم ، ذكر ذلك كله الطبري.

المسألة التاسعة ـ هذا الإذن في دخوله بيتا غير بيته ، فإن دخل بيت نفسه فقال علماؤنا : ليقل السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات لله ، السلام عليكم. رواه ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنده ضعيف.

والصحيح ترك السلام والاستئذان ، والله أعلم.

الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ هذا تبيان من الله لإشكال يلوح في الخاطر ، وهو أن يأتى الرجل إلى منزل لا يجد فيه أحدا ، فيقول في نفسه : إذا كانت المنازل خالية فلا إذن ، لأنه ليس هنالك محتجب ، فيقال له : إن الإذن يفيد معنيين : أحدهما ـ الدخول على أهل البيت. والثاني ـ كشف البيت واطلاعه ، فإن لم يكن هنالك أحد محتجب فالبيت محجوب لما فيه ، وبما فيه ، إلا بإذن من ربّه (٢).

المسألة الثانية ـ قوله : (حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ).

يعنى حتى يأتى صاحب المنزل فيأذن ، أو يتقدم له بالإذن.

المسألة الثالثة ـ قوله : (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا).

هذا مرتبط بالآية قبلها ، التقدير : «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، فإن أذن لكم فادخلوا ، وإلا فارجعوا» ، كما فعل عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو موسى مع عمر حسبما تقدم (٣) تسطيره وإيراده.

فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوا حتى تجدوا إذنا.

__________________

(١) آية ٢٨.

(٢) ربه : صاحبه.

(٣) صفحة ١٣٤٨.

٣١٨

المسألة الرابعة ـ وسواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا ، لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربّه ، بل يجب عليه أن يأتى الباب ، ويحاول الإذن على صفة لا يطلع (١) منه على البيت لا في إقباله ولا في انقلابه.

فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال : من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق. وقد تقدم (٢) قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الاستئذان من أجل البصر.

المسألة الخامسة ـ إذا استأذن أحد فينبغي للمستأذن عليه أن يقول : ادخل أو ما في معناه من الألفاظ ، لا يزيد على ذلك ولا يستحقر فيه.

روى أنّ عبد الله بن عمر جاء دارا لها بابان قال : أدخل؟ قال له إنسان : ادخل بسلام. قال له : وما يدريك أنى أدخل بسلام ، ثم انصرف كراهية ما زاد ، لأنّ الذي قال :

ادخلوها بسلام عالم بذلك قادر عليه ، وهو الذي زاد في الإذن بسلام زاد ما لم يسمع ، وقال ما لم يعلم ، وضمن ما لم يقدر عليه.

المسألة السادسة ـ إذا ثبت أنّ الإذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير. وإن كان قول الصغير لغوا في الأحكام بإجماع أهل الإسلام ، ولكن الإذن في المنازل مرخّص فيه للضرورة الداعية إليه ، وقد كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمل على قوله ، وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم.

الآية الرابعة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في المراد بهذه البيوت أربعة أقوال :

الأول : أنها الخانات والخانكات.

الثاني ـ أنها دكاكين التجار ، قاله الشعبي.

__________________

(١) في ا : لا أتطلع.

(٢) صفحة ١٣٤٦.

(٣) آية ٢٩.

٣١٩

الثالث ـ قال مجاهد : هي منازل الأسفار ومناجاة الرجال.

الرابع ـ أنها الخرابات العاطلة ، قاله قتادة.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ).

فيها ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنها أموال التجار.

الثاني ـ أنها المنافع كلها.

الثالث ـ أنها الخلاء لحاجة الإنسان.

المسألة الثالثة ـ قال الفقيه القاضي أبو بكر رضى الله عنه :

أما من قال إنها الخانات وهي الفنادق والخانكات وهي المدارس للطلبة فإنها مشتركة بين السكّان فيها والعاملين بها فلا يصحّ المنع ، فلا يتصوّر الإذن. وكذلك دكاكين التجار ، قال الشعبي : لا إذن فيها ، لأنّ أصحابها جاءوا ببيوعهم ، وجعلوها فيها ، وقالوا للناس : هلم. فالمعنى في ذلك كله ألا يدخل في كل موضع بغير إذن إلا من كان من أهله ومن خرج عنهم فلا دخول فيه لهم.

المسألة الرابعة ـ وأما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل ، وجاء بالفيصل ، وبيّن أنّ دخول (١) الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع ، فالطالب يدخل في الخانكات للعلم ، والساكن يدخل في الخان للمنزل فيه ، أو لطلب من نزل لحاجته إليه ، والزبون يدخل لدكان الابتياع (٢) ، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة ، وكلّ يؤتى على وجهه من بابه ، فإن دخل في موضع من هذه باسمها الظاهر ولمنفعتها البادية ونيته غير ذلك فالله عليم بما أبدى ، وبما كتم ، يجازيه عليه وبما يظهره منه.

الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ).

فيها أربع مسائل :

__________________

(١) في القرطبي : أن الداخل فيها.

(٢) في القرطبي : يدخل الدكان للابتياع.

(٣) آية ٣٠

٣٢٠