رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

الدال عليه مطلقاً.

وهل المراد بالأيّام التي يتصدّق عنها بمدٍّ بعد العجز عن الصيام ثمانية عشر هي أو الستّون؟ وجهان ، والأحوط الثاني ، وإن كان الأصل يقتضي الأوّل.

( الرابعة : يشترط في المكفِّر البلوغ ، وكمال العقل ) لارتفاع التكليف عن فاقدهما ، المقتضي لعدم توجّه الخطاب إليه.

( والإيمان ) لأنّ التكفير عبادة ومن شرطها الإيمان إجماعاً في المقدّمتين ، حكاه بعض الأجلّة (١) ، وهو الحجّة فيهما ؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة المتضمّنة لبطلان عبادة المخالف في الأخيرة.

( ونيّة القربة ) في جميع الخصال ، ولو كان إطعاماً أو كسوةً ، بلا خلاف ؛ لأنّها عبادة ، فيشملها عموم الأدلّة على اعتبارها فيها ، ومضى الوجوه المفسَّرة بها القربة في مباحث الوضوء ، ومنها قصد الامتثال وموافقة الأمر.

ومن هنا ينقدح دليل آخر لاعتبار الإسلام في المكفِّر ، بناءً على عدم تأتّي نيّة القربة بالمعنى المزبور من الكافر ، كيف لا؟! وهو لا يعتقد بموجِب الكفّارة ، ولا يكون الخصال مكفّرةً له مأموراً بها لذلك ؛ لكونه إمّا منكراً له سبحانه كالدهريّة ، وبعض عبّاد الأصنام ، أو جاحداً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المبيّن لذلك الأمر به عنه سبحانه ، فإذا صام بعد الظهار مثلاً لا يمكنه قصد الامتثال بذلك ، والعزم على أنّ الصيام كفّارة لما وقع منه ، فإنّه لا يعتقد‌

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٢١٩.

٤٨١

تحقّق الحرمة بالموجِب فضلاً عن كون الصيام مكفِّراً لها ، بل يجعلها حراماً وبدعةً بقصد التشريع في شرعه.

ولعلّ هذا هو السرّ والحكمة في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفّار ؛ لعدم تحقّق قصد القربة بهذا المعنى منهم ، والعجب من شيخنا في المسالك ، حيث اعترضهم في ذلك ، وجوّز صدور نيّة القربة بهذا المعنى عنهم (١) ، فيالله : كيف يقصد الكافر بما يأتي به من هيئة صلاتنا أنّه عبادة مقرّبة إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة وضلالة؟ فإتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء والسخرية ، وما أرى مثل هذه الدعوى عن نحو هذا الفاضل إلاّ غفلة واضحة.

نعم قد تحصل له نيّة القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده وفي شرعه مقرّبة ، ولكن مثل هذه القربة غير كافية ، بل لا بدّ من نيّة القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفّارة ، ولذا أنّ أحدنا لو صام ندباً من دون نيّة التكفير لم يجز عنه إجماعاً ، فتأمّل.

( والتعيين ) للسبب الذي يكفّر عنه ، سواء تعدّدت الكفّارة في ذمّته أم لا ، وسواء تغاير الجنس أم لا ، كما يقتضيه الإطلاق ، وصرّح به في الدروس (٢) ، وأطلق في اللمعة (٣) كالعبارة ، ووجهه أنّ الكفّارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة ، والمأمور به إنّما يتخصّص بمميّزاته عن غيره ممّا يشاركه.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٩٣.

(٢) الدروس ٢ : ١٨٤.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٤.

٤٨٢

قيل : ويشكل بأنّه مع اتحادها في ذمّته لا اشتراك ، فتجزئ نيّته عمّا في ذمّته من الكفّارة ؛ لأنّ غيره ليس مأموراً به ، بل ولا يتصوّر وقوعه منه في تلك الحالة شرعاً ، فلا وجه للاحتراز عنه ، كالقصر والتمام في غير موضع التخيير (١) ، انتهى.

وربما يتأمّل فيه ، وإن كان الحكم المترتّب عليه غير بعيد ؛ للإجماع في الخلاف (٢) على عدم الاعتبار في المتعدّد مع اتحاد جنس السبب ، المستلزم له هنا بطريق أولى ، بل ظاهره في المبسوط (٣) عدم اعتبار التعيين مطلقاً عندنا ، لكنّه مخالف لما اختاره في الأوّل كالأكثر من الاعتبار فيما عدا محلّ الإجماع ، والعدم فيه ، وهو الأقوى.

فلو تعدّد ما في ذمّته مع اتحاد نوع سببه ، كإفطار يومين من شهر رمضان ، وخلف نذرين ، كان حكمة كالمتحّد ؛ للإجماع المتقدّم ذكره.

ولو اختلف أسبابه توجّه ذلك ليحصل التمييز وإن اتّفق مقدار الكفّارة (٤).

وفي المسألة أقوال أُخر ، والأصحّ ما قدّمناه.

وعليه لو أطلق برئت ذمّته من واحدة لا بعينها ، فيتعيّن في الباقي الإطلاق ، سواء كان بعتق أم غيره ، من الخصال المخيّرة أو المرتّبة على‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٥٤٩.

(٣) المبسوط ٦ : ٢٠٩.

(٤) خلافاً للعلاّمة في المختلف (٦٦٧) في المتّفق فلم يعتبر التعيين فيه. منه رحمه‌الله.

٤٨٣

تقدير العجز.

ولو شك في نوع ما في ذمّته أجزأه الإطلاق عن الكفّارة على القولين ، كما يجزئه العتق عمّا في ذمته لو شك بين كفّارة ونذر ، ولا يجزئ ذلك في الأوّل ، فإنّه لا بدّ فيه من نيّة التكفير ، كما لا يجزئ العتق مطلقاً بدون قصد ما في الذمّة ؛ لاحتماله التطوّع ، بل وظهوره فيه ، ولا بنيّة الوجوب ؛ لأنّه قد يكون في كفّارة ، فلا بد من نيّة التكفير.

٤٨٤

( كتاب اللعان )

هو لغةً : المباهلة المطلقة ، أو فعال من اللعن ، أو جمع له ، وهو الطرد والإبعاد من الخير ، والاسم اللعنة.

وشرعاً : المباهلة بين الزوجين بكلمة مخصوصة في إزالة حدّ ، أو نفي ولد عند الحاكم.

والأصل فيه بعد الإجماع الكتاب ، والسنّة ، قال الله سبحانه ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ ) (١).

وأمّا السنّة فمستفيضة ، سيأتي إليها الإشارة.

( والنظر ) فيه ( في أُمور أربعة ).

( الأوّل : قذف الزوجة ) المحصنة ، أي : رميها ( بالزناء ) ولو دبراً ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه‌

__________________

(١) النور : ٦ ٩.

٤٨٥

الإجماع في الانتصار والغنية (١) ، وهو الحجّة فيه بعد عموم الآية ، ومع ذلك النصوص به مستفيضة.

خلافاً للصدوق في المقنع (٢) ، فحصر السبب في الثاني ؛ للخبرين ، أحدهما الموثّق : « لا يكون إلاّ في نفي الولد » (٣).

وهو شاذّ ، ومستنده سنداً وعدداً قاصر عن المكافأة لما مرّ جدّاً ، مع تضمّن ذيل أحدهما ما هو صريح في المختار.

وعليه لا يكون إلاّ ( مع دعوى المشاهدة ، وعدم البيّنة ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل في الانتصار على الأوّل الإجماع (٤) ، وفي الغنية على الثاني (٥) ، وهو الحجّة فيهما.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة في الأوّل ، منها الصحيح : « إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول : رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها » (٦) ومثله آخران (٧).

وفي رواية : « إذا قال : إنّه لم يره ، قيل له : أقم البيّنة ، وإلاّ كان بمنزلة‌

__________________

(١) الانتصار : ١٤٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٢) المقنع : ١٢٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٥ / ٦٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٧١ / ١٣٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٩ أبواب اللعان ب ٩ ح ١.

(٤) الانتصار : ١٤٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٧ / ١٣٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٧ أبواب اللعان ب ٤ ح ٤.

(٧) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٥ ، التهذيب ٨ : ١٨٦ / ٦٤٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٢ / ١٣٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٦ أبواب اللعان ب ٤ ح ٢.

والثاني في : الكافي ٦ : ١٦٧ / ٢١ ، التهذيب ٨ : ١٨٦ / ٦٤٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٧ / ١٣٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٦ أبواب اللعان ب ٤ ح ٣.

٤٨٦

غيره » (١) جلد الحدّ.

والأصل المؤيّد بمفهوم الآية ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ ) (٢) في الثاني.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (٣) في الأوّل ، فلم يعتبر المشاهدة ، بل اكتفى عنها بما إذا حصل له العلم بالقرائن. والأصل والنصوص حجّة عليه.

وللخلاف والمختلف (٤) في الثاني ، فلم يعتبرا العجز عن البينة ؛ للأصل ؛ وضعف مفهوم الوصف ، ولعلّه بني على الغالب ، أو الواقع.

وهو كما ترى ، فإنّ الأصل هنا يقتضي المختار ؛ لكون اللعان وظيفة شرعية ، نظراً إلى إسقاطه الحدّ من الطرفين ، المخالف للأُصول ، فكيف يدّعى الأصل على خلافه ، وهو عدم الاشتراط ، وحينئذٍ فما قدّمناه من الأصل كافٍ في الإثبات ، ولم نحتج إلى المفهوم ، مع أنّه صالح للتأييد إن لم يكن دليلاً.

نعم النصوص مطلقة ، إلاّ أنّ في شمولها لصورة القدرة على البيّنة نظراً ؛ لغلبة عدمها ، كما ادّعاه الخصم في مفهوم الآية ، حيث لم يعتبره ؛ للورود مورد الغلبة ، وهذه الدعوى لا تجامع الاستدلال للعموم بالإطلاقات.

ومن هنا انقدح وجه التعجب عن العلاّمة ، حيث استند للعموم بإطلاق النصوص ، وأجاب عن المفهوم بعدم العموم ؛ للغلبة ، وليت شعري‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٣ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٣٤٨ / ١٦٧٠ ، التهذيب ٨ : ١٩٢ / ٦٧٠ ، المحاسن : ٣٠٢ / ١١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٧ ، ٤١٨ أبواب اللعان ب ٤ ح ٥ ، ٦.

(٢) النور : ٦.

(٣) المسالك ٢ : ١١٠.

(٤) الخلاف ٥ : ٨ ، المختلف : ٦٠٨.

٤٨٧

كيف غفل عن أنّ قدح الغلبة في المفهوم الذي هو لغةً للعموم ملازم للقدح في الإطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى؟!.

وبالجملة : الظاهر ورود إطلاق النصوص مورد الغالب ، وهو عدم القدرة على البيّنة ، ويشير إليه حكمها بالحدّ بمجرّد النكول الغير المجامع للبيّنة ، فيبقى اللعان المخالف للأُصول في محلّ النزاع خالياً عن الدليل ، فالواجب فيه الاقتصار على القدر الثابت منه بالدليل ، هذا.

مع أنّ في التمسك بمثل هذا الإطلاق نظراً ؛ لوروده لبيان حكم آخر ، ومن شرائط رجوعه إلى العموم عدم ذلك ، كما قرر في محلّه.

وأمّا الرواية العامية فغير واضحة الدلالة على العموم ؛ مضافاً إلى قصور سندها ، ومعارضتها بمثلها.

( و ) ممّا قدّمناه من الأصل يظهر الوجه في الحكم بأنّه ( لا يثبت ) اللعان ( لو قذفها في عدّة بائنة ) لاختصاص الأدلّة من الإجماع والكتاب والسنّة بالزوجة ومن بحكمها ، وليست أحدهما بالضرورة ( ويثبت لو قذفها في ) عدّة ( رجعية ) لكونها حينئذ زوجة ؛ للإجماع ، وثبوت أكثر أحكام الزوجة بالفعل لها بالاستقراء ، مضافاً إلى خصوص الإجماع هنا في الغنية (١).

( الثاني : إنكار من وُلد على فراشه ) ممّن يلحق به مطلقاً شرعاً ، لولا لعانه ، كأن يولد ( لستّة أشهر فصاعداً ) من وطئه ( من زوجة موطوءة بالعقد الدائم ، ما لم يتجاوز أقصى الحمل ، وكذا لو أنكره بعد فراقها ما لم تتزوّج ، أو بعد أن تزوّجت وولدت لأقلّ من ستّة أشهر منذ دخل ) الثاني ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

٤٨٨

فإذا ولد بدون الشرائط انتفي بغير لعان ، والنفي المحتاج إليه إنّما هو بالولادة معها ، ولا يجوز له النفي به إلاّ مع العلم بانتفائه عنه ؛ لأنّ الولد للفراش ، ومع عدمه يجب إلحاقه بنفسه ، كما أنّه يجب نفيه عنه مع العلم به ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( الثاني : في الشرائط ) لصحة اللعان‌ ( ويعتبر في الملاعن البلوغ ، والعقل ) فلا عبرة بلعان الصبي ، والمجنون ، إجماعاً ؛ لعدم العبرة بكلامهما ، مع رفع القلم عنهما ، مضافاً إلى الأصل المتقدّم واختصاص الأدلّة سياقاً بالمكلّفين.

( وفي ) اعتبار الإسلام فيه وفي الملاعنة ، فلا يصحّ ( لعان الكافر ) والكافرة ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما : ( الجواز ) لعموم الأدلّة المعتبرة الآتية المصرّحة بجواز لعان الذمّية والنصرانية ، الدالّة على الحكم في المسألة ؛ لعدم القائل بالفرق بين الملاعن والملاعنة ، فإنّ كلّ من اعتبر الإسلام في الأوّل اعتبر في الثانية أيضاً ، ومن نفاه فيه نفاه فيها جدّاً ، وهي وإن عورضت بأخبار أُخر مانعة عنه في الذمّيين ، لكنّها قاصرة عن المقاومة لتلك ، كما سيأتي إليه الإشارة.

وممّن حكي عنه اعتباره الإسلام فيهما الإسكافي مطلقاً (١) ، والحلّي إذا كان للقذف خاصة (٢) ، ومستندهما إن كان ما تقدّم من الروايات ، كما يظهر من الماتن في الشرائع وغيره (٣) ، ففيه ما تقدّم ، وإن كان ما قيل (٤) من‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٦٠٦.

(٢) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٣) الشرائع ٣ : ٩٦ ؛ وانظر التنقيح ٣ : ٤١٨.

(٤) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ١٨٨.

٤٨٩

أنّه شهادات ، كما يظهر من قوله سبحانه ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) (١) وهما ليسا من أهلها ، فمع عدم إفادته القول الثاني بتمامه بل مناقضتة له ولو في الجملة ، قد منع منه بجواز كونه أيماناً ؛ لافتقاره إلى ذكر اسم الله تعالى ، واليمين يستوي فيه العدل والفاسق ، والحرّ والعبد ، والمسلم والكافر ، والذكر والأُنثى ؛ وللخبر : « مكان كلّ شاهد يمين » (٢).

وفيه : أنّه ملازم لكون الاستثناء في الآية منقطعاً ؛ إذ ليس المراد بالشهداء المستثنى منهم الحلفاء ، بل الشهود بالمعنى المتعارف جدّاً.

مع ما سيأتي في لعان المملوكة من بعض الروايات المانع عنه ، معلِّلاً بقوله تعالى ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) (٣) وفيه إيماء بل ظهور إلى أنّ اللعان شهادة ، فيعارض به ما مرّ من الخبر.

والأجود الجواب عنه بما قدّمناه من المعتبرة ، مع ما ذيلّناها به من الضميمة ، مضافاً إلى معارضة ما ذكر بوقوعه من الفاسق بإجماع الطائفة ، مع أنّ شهادته غير مسموعة.

( وكذا ) الأشبه الأشهر ، بل ادّعى عدم الخلاف فيه جمع ممن تأخّر (٤) ، عدم اشتراط الحرّية في الملاعن ، فيصحّ لعان ( المملوك ) مطلقاً ، ولو كان تحته حرّة ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى خصوص الصحاح ، في أحدها : عن عبد قذف امرأته ، قال : « يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار » (٥).

وفي الثاني : عن الحرّ ، بينه وبين المملوكة لعان؟ فقال : « نعم ، وبين‌

__________________

(١) النور : ٦.

(٢) علل الشرائع : ٥٤٥ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٨ أبواب اللعان ب ٤ ح ٦.

(٣) النور : ٤.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، وسبطه في نهاية المرام ٢ : ٢٢٥.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٣.

٤٩٠

المملوك والحرّة ، وبين العبد والأمة » (١) ونحوهما الثالث (٢).

خلافاً للمفيد والديلمي ، فاشترطاها مطلقاً (٣) ، وللحلّي ، ففصّل بما مضى (٤) وحجتهم مع الجواب كما تقدّم ؛ مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة الخالية هنا عمّا يصلح للمعارضة.

والعجب عن شيخنا في المسالك وسبطه في شرح الكتاب حيث ادّعيا عدم الخلاف هنا (٥) ، مع ما عرفت من خلاف العظماء ، وقد حكاه عنهم جماعة من الأجلاّء ، كالفاضل المقداد في شرح الكتاب (٦) ، والمفلح الصيمري في شرح الشرائع ، وغيرهما (٧).

( و ) يعتبر‌ ( في الملاعنة ، البلوغ ، والعقل ) لما مرّ في الملاعن ( والسلامة من الصمم ، والخرس ، ولو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان ) من رميها بالزناء ، مع دعوى المشاهدة ، وعدم البيّنة ( حرمت عليه ) مؤبّداً من دون لعان ، بلا خلاف ولا إشكال في قذفها مع الأمرين ، أو الثاني ، وكذا الأول على الأقوى ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة من أصحابنا (٨) ، والتحقيق في جميع ذلك قد مضى (٩).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٥ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٧ / ٦٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ١.

(٣) المقنعة : ٥٤٢ ، المراسم : ١٦٤.

(٤) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٥) راجع ص ٤٨٨.

(٦) التنقيح ٣ : ٤١٩.

(٧) المختلف : ٦٠٥.

(٨) منهم السيد في الانتصار : ١٤٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥.

(٩) في ص ٥٠٥١ ، ٥٠٥٢.

٤٩١

( وأن يكون عقدها دائماً ) فلا يجوز لعان المتمتع بها مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في نفي الولد ، كما في كلام جماعة (١) ، بل مطلقاً ، كما في الغنية (٢).

خلافاً للمفيد والمرتضى في القذف خاصة (٣) ، وتمام التحقيق مضى في بحث المتعة (٤).

( وفي اعتبار الدخول ) بها في لعانها ولو دبراً ( قولان ، والمرويُّ ) في المستقيضة ( أنّه لا يقع قبله ) مطلقاً ، ففي الموثّق : « لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله » (٥).

والخبر : « لا يلاعن إلاّ بعد الدخول » (٦).

ونحوهما آخر مروي بسندين (٧) في أحدهما جعفر بن بشير وأبان ، الملحقان للسند بالصحيح ، أو ما يقرب منه ، فقد قيل في الأوّل : يروي عن الثقات ، ويروون عنه (٨) ، وفي الثاني : إنّه ممن أجمعت العصابة على‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٣٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٣) المقنعة : ٥٤٢.

(٤) راجع ص ٥١١٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٩٢ / ٦٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٢ أبواب اللعان ب ٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٢ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٣ أبواب اللعان ب ٢ ح ٥.

(٧) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٩٧ / ٦٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٤ أبواب اللعان ب ٢ ح ٨.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦٣ ، التهذيب ٨ : ١٨٥ / ٦٤٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٧١ / ١٣٢٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٣ أبواب اللعان ب ٢ ح ٦.

(٨) انظر رجال النجاشي : ١١٩.

٤٩٢

تصحيح ما يصح عنه (١).

ومع ذلك هما كالأوّلين منجبران بحسب السند بفتوى الأكثر ، بل عليه في الخلاف والغنية الإجماع (٢) ، وهو حجة أخرى ، بعد المعتبرة.

مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره غير مرّة ، الخالي هو كالإجماع والمعتبرة عمّا يصلح للمعارضة ؛ فإنّ عموم الآية والسنّة يحتمل قريباً الانصراف بحسب السياق والغلبة إلى المدخول بها خاصة ، ثم على تقديره وعدم قرب الاحتمال فيه ، فلا أقلّ من جوازه ومساواته لغيره ، فيجب التخصيص فيه بالمستفيضة المعتضدة بالشهرة ، وحكاية الإجماعين المزبورة ، فهذا القول قوي غاية القوة.

خلافاً لشيخنا العلاّمة في القواعد ، فلم يعتبره مطلقاً (٣) ، تبعاً للمحكي عن المفيد.

ومستند مع الجواب يظهر ممّا تقدم ؛ مضافاً إلى الإجماع على انتفاء الولد مع عدم الدخول بمجرد النفي ، من دون احتياج إلى لعان ، بناءً على أنّ القول قول الزوج مع اليمين حينئذ ، فلا يتم القول بإطلاق عدم الاشتراط.

وربما أنكر هذا القول جماعة ، مستبعدين ذلك عن قائله إن وجد (٤) ، وهو كما ترى ؛ لأنّه صريح القواعد ، حيث جعله فيه مقابلاً للقول بالتفصيل ، ومحكي عن المفيد في شرح الشرائع للمفلح الصيمري ، ونقل‌

__________________

(١) راجع اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٧٣.

(٢) الخلاف ٥ : ٤٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥.

(٣) القواعد ٢ : ٩٢.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤٢٠.

٤٩٣

حكايته قولاً عن الحلّي (١) ، وأمّا الاستبعاد فهو في محلّه لما عرفت.

( وقال ثالث ) وهو الحلّي (٢) ( بثبوته ) أي اللعان بدون الدخول ( بالقذف ، دون نفي الولد ) وتبعه كثير من المتأخرين (٣) ؛ للعمومات ، وقصور سند الروايات ، أو عدم حجّيتها ؛ لكونها أخبار آحاد.

والكلّ ممنوع ، مع عدم انحصار الحجّة فيها ؛ لوجود الإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين كادا أن يكفياننا الاشتغال بالاستدلال بالروايات في البين.

والعجب من الحلّي ؛ حيث جعل قوله جامعاً بين القولين الأوّلين ، والأدلّة من الطرفين ، مع تصريح جماعة منهم بالإطلاق (٤) ، كبعض الروايات ، وهو الخبر الأخير ، فإنّ فيه : « لا يكون ملاعناً حتى يدخل [ بها ] يضرب حدّا ، وهي امرأته ، ويكون قاذفاً » (٥).

وصرّح بما ذكرناه جماعة (٦) ، بل قال شيخنا الشهيد في النكت بعد حكاية الجمع عنه : ولنعم ما قال ، وفيه نظر ؛ لأنّ انتفاء اللعان هنا أي في نفي الولد مع عدم الدخول مقطوع به ؛ لإجماعهم على انتفاء الولد عند عدم شرائط اللحوق ، فالخلاف في الحقيقة ، إنّما هو في الرمي بالزناء (٧).

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٢٢٧.

(٢) السرائر ٢ : ٦٩٨.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٦٠٧ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٨.

(٤) منهم الشيخ في النهاية : ٥٢٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٠٩.

(٥) المتقدم في ص ٤٩٠.

(٦) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٢٠.

(٧) غاية المراد ٣ : ٣٠٤.

٤٩٤

لكن فيه ما قدّمناه ، من وجود القول بعدم الاشتراط في نفي الولد أيضاً.

( ويثبت ) اللعان ( بين الحرّ و ) زوجته ( المملوكة ) والكافرة ، على الأشهر بين الطائفة ، وهو الأظهر ؛ لعموم الكتاب والسنّة ، مضافاً إلى الصّحاح المتقدّمة (١) المصرِّحة بعدم اعتبار الحرّية في الملاعن بالجارية في المسألة ؛ لعدم القائل بالفرق في اعتبارها بينه وبين الملاعنة ؛ إذ كلّ من لم يعتبرها فيه لم يعتبرها فيها.

ومع ذلك الصحاح به مستفيضة منها : عن الحرّ بينه وبين المملوكة لعان؟ قال : « نعم » (٢).

ومنها : « بين الحرّ والأمة والمسلم والذمّية لعان » (٣).

ومنها : عن الحرّ تكون تحته المملوكة يقذفها زوجها؟ قال : « يلاعنها » (٤). والمملوكة في بعض هذه الأخبار وإن كانت تشمل الموطوءة بالملك ، إلاّ أنّها خارجة بالإجماع ، ومفهوم الصحيح : عن الحرّ ، يلاعن المملوكة؟ قال : « نعم ، إذا كان مولاها الذي زوّجها إياه » (٥) فتأمّل.

( وفيه رواية بالمنع ) بل فيهما روايات ، منها الصحيح : « لا يلاعن‌

__________________

(١) راجع ص ٤٨٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٤١٩ أبواب اللعان ب ٥ ح ٢.

(٣) التهذيب : ١٨٩ / ٦٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ح ١٠.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٦ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٥.

٤٩٥

الحرّ الأمة ، ولا الذمّية ، ولا التي يتمتع بها » (١).

والخبران ، في أحدهما : عن رجل مسلم تحته يهودية ، أو نصرانية ، أو أمة ، فأولدها وقذفها ، هل عليه لعان؟ قال : « لا » (٢).

وفي الثاني : « ليس بين خمسة نساء وبين أزواجهنّ ملاعنة : اليهوديّة تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية ، والأمة تكون تحت الحرّ فيقذفها ، والحرّة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية » (٣).

واختارها المفيد والديلمي (٤). وهو ضعيف ؛ لاحتمال الصحيح منها ، كالخبر الأوّل ؛ لإطلاقهما الحملَ على الموطوءة بالملك ، وإن بعد ؛ للصحيح المفصِّل ، وقد تقدّم.

مضافاً إلى قصور الثاني كالثالث بجهالة الراوي ، مع عدم جابر في السند ولا غيره.

مضافاً إلى تطرق الوهن إليهما وإلى الصحيح باحتمال التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة (٥) ، ويشير إليه في الجملة بعض المعتبرة ، كالمرسل : قلت له : مملوك كانت تحته حرّة ، فقذفها ، فقال : « ما يقول فيها أهل الكوفة؟ » قلت : يقولون يجلد ، قال « لا ، ولكن يلاعنها كما يلاعن الحرّة » (٦)

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٤٧ / ١٦٦٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ / ٦٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٣ / ١٣٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٠ أبواب اللعان ب ٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ب ١١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٩٧ / ٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٣٨ ، الخصال : ٣٠٤ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٢ أبواب اللعان ب ٥ ح ١٢.

(٤) المقنعة : ٥٤٢ ، المراسم : ١٦٤.

(٥) التهذيب ٨ : ١٨٩.

(٦) التهذيب ٨ : ١٨٩ / ٦٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٤ / ١٣٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢١ أبواب اللعان ب ٥ ح ٩.

٤٩٦

فتأمّل. لكنّه بعيد في الصحيحة. ومع ذلك جميعها قاصرة عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة ، فهذا القول ضعيف غايته.

وأضعف منه التفصيل بين لعن القذف فالثاني ، ونفي الولد فالأوّل كما عن الحلّي (١) ، وإليه أشار بقوله : ( وقول ثالث بالفرق ) وهو عكس ما تقدّم منه من الفرق.

ولا مستند له سوى الأصل ، واختصاص أدلّة الكتاب والسنّة بصورة ما إذا حصل بالقذف حدّ يسقطه اللعان ، ولا حدّ على قاذف المملوكة الذمّية ، بل التعزير ، ولم تفد الأدلة إسقاط اللعان له ، فيجب فيه المصير إلى الأصل.

وهو حسن لولا ما قدّمناه من صريح المستفيضة ، فتكون هي المثبتة لإسقاط اللعان في المسألة.

ثمّ لا يمكن الجمع بهذا القول بين الأخبار المختلفة كما عن فخر المحقّقين (٢) ، بحمل الأوّلة على صورة اللعان لنفي الولد ، والثانية على الصورة الأُخرى ؛ لفقد الشاهد عليه مع إباء بعض الأخبار الأوّلة عنه ؛ للتصريح فيه باللعان في صورة القذف.

والعجب من شيخنا العلاّمة في المختلف (٣) ، حيث طعن على الحلّي بالأخذ بهذه الرواية سنداً للتفصيل ، مع أنّه ليس فيها عليه دلالة ؛ مضافاً إلى أنّها من الآحاد ، وأيّ آحاد؟! حيث إنّه من الضعاف منها.

بل الظاهر اعتماده على ما قدّمناه من الأُصول المعتمدة كما حكى عنه‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٩٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٤٥.

(٣) المختلف : ٦٠٦.

٤٩٧

الجماعة (١) ، وهو في غاية القوة على أصله ، بل وعلى أصلنا أيضاً لولا تلك المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة.

( ويصّح لعان الحامل ) في القذف مطلقاً ، وفي نفي الولد بشرط تحقق الحمل على الأشهر الأقوى ( لكن لا يقام عليها الحدّ ) اللازم بالنكول ، أو الإقرار ( حتى تضع ).

للعمومات ، وخصوص الصحيح المرويّ مستفيضاً : عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها ، فلمّا ولدت ادّعاه وأقرّ به وزعم أنّه منه ، قال : « يردّ عليه ولده ، ويرثه ، ولا يجلد ؛ لأنّ اللعان قد مضى » (٢).

خلافاً للمفيد والديلمي والحلبي (٣) فلا تلاعن حتى تضع ؛ للخبر : « يلاعن على كل حال ، إلاّ أن تكون حاملاً » (٤).

ولضعف سنده وقصوره عن المقاومة لما مرّ يطرح ، أو يؤوّل بعدم إقامة الحدّ ، ولا خلاف فيه ؛ للموثّق : « إذا كانت المرأة حبلى لم ترجم » (٥).

وربما حمل عليه عبارة المخالف ، أو على تخصيصها بنفي الولد مع‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٢١.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٥ أبواب اللعان ب ٦ ح ٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٤٢ ، الديلمي في المراسم : ١٦٤ ، الحلبي في الكافي : ٣١٠.

(٤) التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٥ / ١٣٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٤ أبواب اللعان ب ١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٨ : ١٩٠ / ٦٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٧٦ / ١٣٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٣ أبواب اللعان ب ١٣ ح ٢.

٤٩٨

الاشتباه في الحمل. ولا بأس به.

( الثالث ) في ( الكيفية ) والكلام الذي يتحقق به اللعان.

( وهو أن يشهد الرجل ) أوّلاً ( أربعاً بالله إنّه لمن الصادقين فيما رماها به ) متلفظاً بما رمى به ، فيقول : أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناء ، وإن نفى الولد زاد : وإنّ هذا الولد من زناء وليس منّي ، كذا عبّر في التحرير (١) ، وزاد : أنّه لو اقتصر على أحدهما لم يجز.

ويشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف ، فإنّه لا يلزم استناده إلى الزناء ؛ لجواز الشبهة ، فينبغي حينئذ أن يكتفي بقوله : إنّه لمن الصادقين في نفي الولد المعيّن.

( ثمّ يقول ) بعد شهادته أربعاً كذلك : ( إنّ لعنة الله عليه ) مبدلاً لضمير الغائب بياء المتكلم ، ( إن كان من الكاذبين ) فيما رماها به من الزناء أو نفي الولد ، كما ذكر في الشهادات.

( ثمّ تشهد المرأة ) بعد فراغه من الشهادة واللعنة ( أربعاً إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به ) من الزناء.

( ثمّ تقول : إنّ غضب الله عليها ، إن كان من الصادقين ) فيه ، مقتصراً على ذلك في كلّ من القذف ونفي الولد ، ولا يحتاج إلى انضمام أمر آخر ، كما في الزوج إن نفى الولد.

والأصل في ذلك بعد الإجماع وصريح الكتاب السنّة وفيها الصحيح (٢).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٦٧.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٤٠٧ أبواب اللعان ب ١.

٤٩٩

( و ) حيث إنّ اللعان وظيفة شرعية كالعبادة لا مجال للعقل فيه بالمرّة كان‌ ( الواجب فيه ) الاقتصار على ما ورد به الكتاب والسنّة ، وهو ( النطق بالشهادة ) على الوجه المذكور فيهما ، فلو أبدلها بمعناها ، كأحلف ، أو أُقسم ، أو شهدت ، أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه سبحانه ، أو أبدل اللعن والغضب والصدق والكذب بمرادفها ، أو حذف لام التأكيد ، أو علّقه على غير مِن ، كقوله : إنّي لصادق ، ونحو ذلك من التعبيرات لم يصحّ.

( وأن يبدأ الرجل بالتلفظ ) ثمّ المرأة على الترتيب المذكور ، فلو تقدّمت المرأة لم يصحّ ؛ لما مر ، مضافاً إلى أنّ لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان زوجها.

وأن يعيّنها ويميّزها عن غيرها تمييزاً يمنع المشاركة ، إمّا بالذكر لاسمها ، أو برفع نسبها بما يميّزها ، أو يصفها بما يميّزها عن غيرها ، أو بالإشارة إليها إن كانت حاضرة.

وأن يكون الإيراد لجميع ما ذكر ( باللفظ العربي ) الصحيح ( مع القدرة ) وإلاّ فيجتزأ بمقدورهما منه ، فإن تعذّر تلفّظهما أصلاً أجزأ غيرها من اللغات من غير ترجيح ، وظاهرهم الاتّفاق على إجزاء الأمرين مع العجز ، ولعلّه الحجّة ، وإلاّ فالأصل يقتضي المصير حينئذ إلى انتفاء اللعان ، ولزوم الحدّ.

وتجب البدأة من الرجل بالشهادة ، ثمّ الختم باللعن كما ذكر ، وكذا المرأة ، إلاّ أنّها تبدل اللعن بالغضب.

كما يجب الترتيب المذكور ، تجب الموالاة بين كلماتها ، فلو تراخي بما يعدّ فصلاً ، أو تكلّم في خلاله بطل.

وأن يكون كلّ منهما قائماً عند إيراد الشهادة واللعن ، على الأظهر‌

٥٠٠