السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥
شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً » (١).
خلافاً للعماني (٢) ، فجعلها مرتّبة كالظهار ، ووافقه الشيخ (٣) في أحد قوليه ، لكن في الإفطار بالجماع خاصّة ؛ لخبر الأعرابي (٤) المشهور.
وهو مع ضعف سنده ليس نصّاً في الترتيب ، بل ولا ظاهراً ، مع أنّه روي بسند آخر بعبارة أُخرى قد بدئ فيها بالتصدق ، وفي آخره : قال الراوي : فلمّا رجعنا قال أصحابنا : إنّه بدأ بالعتق ، قال : « أعتق ، أو صم ، أو تصدّق » (٥) وهذا أيضاً يدل على التخيير ، هذا.
ولو دلّ على الترتيب لنزّلناه على الاستحباب جمعاً ، ويحتمل التقية ؛ لكونه مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ، كما في الانتصار (٦).
وللصدوق (٧) في الإفطار بالمحرّم ، فجعله من القسم الرابع ؛ للخبر : « متى جامع الرجل حراماً ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان ، فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً ، أو أفطر على حلال ، فعليه كفّارة
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ / ٣١٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.
(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٥.
(٣) الخلاف ٢ : ١٨٦.
(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، معاني الأخبار : ٣٣٦ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.
(٥) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٢.
(٦) الانتصار : ٧٠.
(٧) الفقيه ٢ : ٧٤.
واحدة » (١).
وعليه تحمل الأخبار المعارضة ، الحاكم بعضها بالتخيير ، كما مرّ (٢) ، وآخر بالجمع ، كالموثّق : عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال : « عليه عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وصيام شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له بمثل ذلك اليوم » (٣).
لكن في سند الأوّل جهالة ، وفي الثاني كالأوّل قصور عن المكافأة لما مرّ ، مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة.
وغاية ما قيل في سند الرواية المفصّلة من القوّة والصحّة ، كما عن التحرير (٤) ، بعد تسليمه لا يوجب حصول المكافأة ، بل غايته كونها رواية صحيحة ، وهي لا تكافئ الرواية الضعيفة المعتضدة بالشهرة خاصّة ، فضلاً عن الصحيحة المتعيّنة (٥) الصحة ، المعتضدة بأصالة البراءة ، فإذاً الأشهر أظهر ، فليحمل الرواية كالموثقة على الفضيلة ؛ جمعاً بين الأدلّة ، ولكن الاحتياط فيما دلّت عليه البتّة ، فلا يترك مهما أمكن.
( ومثلها ) في الخصال والتخيير ( كفّارة من أفطر يوماً منذوراً على التعيين ) من غير عذر ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٦) ؛ لعموم ما سيأتي.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٣٨ / ١١٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦ ، عيون الأخبار ١ : ٢٤٤ / ٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.
(٢) في ص ٤١٩.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٢.
(٤) حكاه عنه في نهاية المرام ٢ : ١٩٠.
(٥) في الأصل : المتعيّن ، والظاهر ما أثبتناه.
(٦) الانتصار : ٦٨.
لكن لا يمكن أن يكون مستنداً للماتن هنا ، كيف لا؟! ومعه قد جعل الكفّارة في مطلق النذر غير المقام صغيرة ، بل الظاهر استناده فيه إلى خصوص بعض المعتبرة ، منها المكاتبة الصحيحة : رجل نذر أن يصوم فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟ فكتب : « يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة » (١).
لكنها مع كونها مكاتبة معارضة بمثلها لراويها في الناذر صوم كلّ يوم سبت : « إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كل يوم لسبعة مساكين » الخبر (٢).
ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام الخصال ، وظاهرها تعيّن الرقبة ، فإذاً المستند حقيقةً عموم ما سيأتي من الأدلّة ، وإن كان يمكن الجواب عن المناقشات المزبورة في الرواية :
أمّا عن كونها مكاتبة : فلا بأس بها هنا ؛ لمكان الشهرة ، ولأنّ منشأ القدح بها خوف الفتوى بطريق العامّة ، وهو غير جارٍ في المسألة ؛ لعدم إيجابهم هذه الكفّارة ، كما في الانتصار (٣) ، مع أنّ فتواهم ورواياتهم تفيد أنّها صغيرة.
وأمّا عن المعارضة بالمثل : فبعدم معارضته لها مع شذوذه ؛ لعدم القائل بمضمونه من التصدّق لكلّ يوم لسبعة.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ / ١١٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ أبواب الكفارات ب ٢٣ ب ٢.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ / ١١٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٩ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٤.
(٣) الانتصار : ٦٩.
نعم عن الصدوق روايته له مبدّلاً للسبعة بالعشرة (١) ، لكن على هذا لما عرفت يحتمل الحمل على التقية ، سيّما مع كونه مكاتبة ، مع تأيّد الاولى بمكاتبة أُخرى : رجل نذر أن يصوم يوماً لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة » (٢).
وأمّا عن المناقشة في الدلالة : فبعدم القول بالفرق بين الطائفة ، فإنّ كلّ من أوجب العتق خيّر بينه وبين الخصلتين الباقيتين ، لكن على هذا لا وجه لجعلها دليلاً على كون الكفّارة كبيرة لا صغيرة ، بل يحتمل العكس ؛ لتضمّنها لعتق الرقبة أيضاً ، كما سيأتي إليه الإشارة.
وحينئذٍ فلم يبق مستند للحكم في هذه الصورة سوى ما سيأتي من عموم الأدلّة ، فلا وجه لجزم الماتن به فيها بالمرّة ، إلاّ أن يدّعى عدم جزمه وإرجاع التردّد إليها أيضاً ، لكن مع ذلك إفراده إيّاها عن كفّارة مطلق النذر عداها بالتردّد لا يخلو عن نظر ، وكيف كان الحكم فيها كما مرّ ؛ لما سيأتي.
( و ) مثلها في الأمرين ( كفّارة خلف العهد على التردّد ) الناشئ : من الخبرين ، في أحدهما : « من جعل عليه عهد الله تعالى وميثاقه في أمرٍ لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣) وبدّل في الثاني (٤) ب : « أو يتصدّق » المطلق المحمول على الأوّل.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٣٢ / ١٠٩٥.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٣.
(٣) التهذيب ٨ : ٣١٥ / ١١٧٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ٢.
(٤) التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٨٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ١.
ومن الأصل ، وقصور سند الخبرين بجهالة بعض رواتهما ، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهو كفّارة اليمين.
والأصحّ الأوّل ، وفاقاً للأكثر ، بل في الغنية (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة الجابرة كالشهرة للجهالة ، ويصحّ الخبران من هذه الجهة ، ويكونان كالجهة موجبين للخروج عن الأصالة المتقدّمة ، فالتردّد ضعيف.
وأضعف منه الحكم بالثاني ، كما عن الماتن في الشرائع في كتاب النذر والعهود (٢) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٣) ، ويؤيّدهما أدلّة كفّارة النذر الآتية ؛ لأنّ العهد في معناه ، كالعكس ، كما سيأتي عن الجماعة إليه الإشارة.
و ( أمّا كفّارة خلف النذر ففيه ) أقوال كثيرة ، ولكن ( قولان ) منها مشهوران ، أشهرهما : أنّها ككفّارة الإفطار في شهر رمضان ، بل عليه في الانتصار والغنية (٤) الإجماع ، وهو الأظهر ؛ لأنّ النذر كالعهد في المعنى ، كما ذكره عن الجماعة بعض أصحابنا (٥) ، وكفّارته كذلك ، كما مضى ، فتأتي أدلّته هنا.
مضافاً إلى خصوص الإجماعين ، وبعض الروايات المنجبر قصور سنده بهما ، وبالشهرة العظيمة ، والمخالفة للعامة ، كما سيأتي إليه الإشارة في البين ، مع أنّه صحيح عند جماعة (٦) ، وحسن عند آخرين (٧) ، وفيه : من
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٢) الشرائع ٣ : ١٩٣.
(٣) انظر القواعد ٢ : ١٤٤ ، والإرشاد ٢ : ٩٦.
(٤) الانتصار : ١٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.
(٥) نهاية المرام ٢ : ١٩٣.
(٦) منهم العلاّمة في المختلف : ٦٦٩ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٧٨ ، والسيوري في التنقيح ٣ : ٥٥٥.
(٧) روضة المتقين ٨ : ٣١ ، ملاذ الأخيار ١٤ : ٨٩ ، وانظر المسالك ٢ : ٨٧.
جعل لله أن لا يركب محرّماً فركبه ، قال : ولا أعلم إلاّ قال : « فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستّين مسكيناً » (١).
و ( أشبههما ) عند الماتن هنا والفاضل في التحرير وجماعة (٢) وفاقاً للصدوق (٣) ( أنّها ) كفّارة ( صغيرة ) أي كفّارة يمين ؛ لما مرّ في العهد ؛ وللخبرين ، أحدهما الصحيح : « فإن قلت : لله عليّ فكفارة يمين » (٤) والخبر : « كفّارة النذر كفارة اليمين » (٥).
وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأوّل بما مرّ ، وقصور الخبرين وإن صحّ سند الأوّل عن المقاومة لما مرّ من الإجماعين والخبر المنجبر بعمل الأكثر ، مضافاً إلى اشتمال سند الثاني لعدّة من الضعفاء ، وموافقته صدراً وذيلاً لما روته العامّة العمياء ، كما حكاه خالي العلاّمة المجلسي (٦) طاب ثراه ولأجل ذلك حمله وما في معناه على التقيّة.
وربما حمله جماعة (٧) تبعاً لشيخ الطائفة (٨) على صورة العجز عن
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٣١٤ / ١١٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ / ١٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٤ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٧.
(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٢١٤ ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٣٢.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٠.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ / ١٠٨٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٩٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠٧ / ١١٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٤.
(٦) لم نعثر عليه.
(٧) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٤٢١ ، وصاحب الوسائل ٢٢ : ٣٩٤.
(٨) التهذيب ٨ : ٣٠٦ ، الاستبصار ٤ : ٥٦.
الكبيرة ؛ للصحيح : « كلّ من عجز عن نذره فكفّارته كفّارة يمين » (١).
وليس فيه دلالة ، بل ظاهره شاذّ لا عمل عليه بالمرّة.
نعم ظاهر الانتصار (٢) ، بل صريحه الإجماع عليه ، لكنّه معارض بإطلاق إجماع الغنية (٣) ، وإطلاق سائر الأدلّة المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة ، الموهنة له هنا البتّة ، فالقول به ضعيف.
كالمحكي عن موصليّات السيّد (٤) من الجمع بين الأخبار بحمل ما مرّ على نذر الصوم ، وما هنا على نذر غيره ؛ للمناسبة.
وهي لعدم الشاهد غير قابلة للتقييد والجمع بين الأدلّة ، وإن ارتضاه في الإرشاد (٥) شيخنا العلاّمة.
وأضعف من الجميع جعلها ككفّارة قتل الخطأ ، كما عن المفيد والديلمي (٦) ؛ إذ لا وجه له أصلاً ، وإن كان أحوط جدّاً.
( و ) أمّا ( ما فيه الأمران ) التخيير والترتيب فـ ( كفّارة اليمين ، وهي : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يجد ) شيئاً من ذلك ( صام ثلاثة أيّام متتابعات ) بإجماع علماء الإسلام ، حكاه بعض الأعلام (٧) ؛ لنصّ القرآن الكريم بذلك ، قال عزّ من قائل : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٥.
(٢) الانتصار : ١٦٢.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٤) الموصليات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٤٦.
(٥) الإرشاد ٢ : ٩٧.
(٦) المفيد في المقنعة : ٥٦٩ ، الديلمي في المراسم : ١٨٧.
(٧) الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤١.
عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (١).
والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : في كفّارة اليمين : « يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مدُّ من حنطة ، أو مدّ من دقيق وحَفنة ، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان ، أو عتق رقبة ، وهو في ذلك بالخيار ، أيّ الثلاثة صنع ، فإن لم يقدر على واحد من الثلاثة فالصيام عليه ثلاثة أيّام » (٢).
ومثلها كفّارة خدش المرأة وجهها حتى أدمت ، ونتفها شعر رأسها في المصائب ، على المشهور ، كما يأتي (٣).
( و ) أمّا ( كفّارة الجمع ) بين خصالها الثلاث الآتية فـ ( لقتل المؤمن عمداً عدواناً ، وهي : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ) بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : سئل : المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ، إله توبة؟ فقال : « إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه ، وإن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول ، فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستّين مسكيناً » (٤).
ومثلها كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان ، على قول تقدّم
__________________
(١) المائدة : ٨٩.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١.
(٣) في ص ٤٣٧.
(٤) الكافي ٧ : ٢٧٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٦٩ / ٢٠٨ ، التهذيب ١٠ : ١٦٥ / ٦٥٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٠ أبواب القصاص في النفس ب ٩ ح ١.
ذكره. خلافاً للأكثر ، فالتخيير ، ومرّ أنّه أظهر (١).
ويلحق بالمقام ( مسائل ثلاث )
( الاولى : قيل ) كما عن الشيخين وجماعة من القدماء (٢) : ( من حلف بالبراءة ) من الله تعالى ورسوله والأئمّة الميامين من آله سلام الله عليهم ، على الاجتماع أو الانفراد ( لزمته كفّارة ظهار ) فإن عجز فكفّارة يمين ، إمّا بمجرّده ، كما عن الطوسي والقاضي (٣) ، بل في الغنية الإجماع عليه وعلى أصل الوجوب (٤) ، أو بعد الحنث ، كما عن المفيد والديلمي (٥) ، ووافقهم ابن حمزة (٦) في أصل الكفّارة ، إلاّ أنّه جعلها كفّارة نذر.
ولم أقف لهم على نص في ثبوتها رأساً ، فضلاً عمّا يدل على أنّها مرتّبة أو مخيّرة ، ومع ذلك لا دليل عليه من الأُصول ، ولا الإجماع المقطوع به ؛ لشدّة الاختلاف ، ولا المحكي سوى ما تقدّم ، وهو مع وهنه بالاختلاف الشديد ، ومصير أكثر المتأخّرين (٧) إلى العدم معارَض بمثله من الشيخ في الخلاف (٨) ، فإنّه ادّعى إجماع الإمامية وأخبارهم على العدم ـ
__________________
(١) راجع ص ٤٢١.
(٢) المقنعة : ٥٥٨ ، النهاية : ٥٧٠ ؛ وانظر المهذّب ٢ : ٤٢١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.
(٣) النهاية : ٥٧٠ ، المهذب ٢ : ٤٢١.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.
(٥) المقنعة : ٥٥٨ ، المراسم : ١٨٥.
(٦) الوسيلة : ٣٥٣.
(٧) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ١٨١ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.
(٨) الخلاف ٦ : ١١٢.
ومنه يظهر رجوع الشيخ في الكتاب ، بل وادّعى الحلّي رجوعه في المبسوط أيضاً (١).
ومع تعارضهما لا بدّ من المصير إلى حكم الأصل ، وهو النفي مطلقاً ، مع تأيّده بخلوّ الأخبار عنها بل ودلالة المستفيضة منها على عدم انعقاد اليمين بغير الله تعالى ، ولعلّها المراد من الأخبار التي ادّعاها الشيخ رحمهالله وإلاّ فلم نقف على ما سواها ممّا يدل على النفي صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، إلاّ أنّها تدفع القول الثاني ، وهو ترتّبها على الحنث ، لا مطلقاً فالمصير إلى العدم مطلقا أقوى ، وفاقاً للحلّي وأكثر متأخّري أصحابنا.
وهنا قولان آخران : أحدهما للصدوق (٢) ، فأوجب الكفّارة ، لكن غير ما مرّ ، بل الصيام ثلاثة أيّام ، والتصدق على عشرة مساكين. ولم نقف على مستنده.
وثانيهما لشيخنا في التحرير والمختلف (٣) ، وتبعه من المتأخّرين بعض الأجلّة (٤) ، وهو : التكفير بإطعام عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله تعالى ؛ للصحيح (٥).
لكنّه مكاتبة ، ومع ذلك فهو شاذّ ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٦) ، ولكنّه أحوط ، وأحوط منه المصير إلى الأوّل ، هذا.
__________________
(١) السرائر ٣ : ٣٩ ، وهو في المبسوط ٦ : ١٩٤.
(٢) المقنع : ١٣٦.
(٣) التحرير ٢ : ١٠٩ ، المختلف : ٦٤٩.
(٤) وهو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٩٥.
(٥) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٧ ، الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٩ / ١١٠٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٠ أبواب الكفارات ب ٢٠ ح ١.
(٦) نكت النهاية ٣ : ٦٥.
ولا خلاف في تحريمه ، بل ويحتمل الكفر في بعض صوره وادّعي على ذلك الإجماع (١) ، ويدلُّ عليه بعض المعتبرة ، كالمرسل كالصحيح على الصحيح : سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلاً يقول : أنا بريء من دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ويلك إذا برئت من دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فعلى دين من تكون »؟ قال : فما كلّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات (٢). فتأمّل.
وأصرح منه آخر : « لا تحلف بالبراءة منّا ، فإنّه من حلف بالبراءة صادقاً أو كاذباً فقد بريء منّا » (٣).
( ومن وطئ ) المرأة ( في الحيض عامداً لزمه دينار في أوّله ، ونصف في وسطه ، وربع في آخره ) على قول مشهور بين متقدّمي الأصحاب ، مستفيض نقل الإجماع عليه في كلام جماعة (٤) ، ولهم صريح بعض المعتبرة (٥) ، بل ظواهر كثير منها بعد حمل مطلقها على مقيّدها ، وهو أحوط لو لم يكن أقوى.
خلافاً لكثير من متأخّري أصحابنا (٦) ، فالاستحباب ، والبحث هنا في
__________________
(١) الإيضاح ٤ : ٨١.
(٢) الكافي ٧ : ٤٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٧ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٢ أبواب الأيمان ب ٧ ح ١.
(٣) الكافي ٧ : ٤٣٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٦ / ١١١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٣ أبواب الأيمان ب ٧ ح ٢.
(٤) منهم السيّد المرتضى في الانتصار : ٣٣ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، وانظر الخلاف ١ : ٢٢٥.
(٥) الوسائل ٢٢ : ٣٩١ أبواب الكفارات ب ٢٢.
(٦) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢٣٢ ، والعلاّمة في المختلف : ٣٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٥.
بحث أحكام الحيض قد مضى مستقصى.
( ومن تزوّج امرأة في عدّتها فارقها ، وكفّر بخمسة أصواع ) (١) وجوباً ، وفاقاً لظاهر الشيخين ، وصريح ابن حمزة والعلاّمة في المختلف والقواعد ، وولده في شرحه ، وهو ظاهره في التحرير ، وظاهر الشهيد في الدروس (٢) ، وغيرهم (٣) ؛ للمعتبرة ، منها المرسل كالصحيح على الصحيح : في الرجل يتزوّج المرأة ولها زوج فقال : « إذا لم ترفع إلى الإمام فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً » (٤).
ومنها الخبر : عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً؟ قال : « عليه الحدّ ، وعليها الرجم ؛ لأنّه قد تقدّم بعلم ، وتقدّمت هي بعلم ، وكفّارته إن لم يقدّم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً » (٥).
وليس في سنده كالأوّل اشتراك كما ظنّ (٦) ، نعم في بعض رواته جهالة ، إلاّ أنّ فيه قوّة ، كما قرّر في محلّه ، وصرّح به بعض (٧) وفاقاً لجماعة ، ومع ذلك منجبرة هي كالإرسال في الأوّل ، والاشتراك فيهما لو كان بفتوى الجماعة.
__________________
(١) في « ح » والمطبوع زيادة : من دقيق.
(٢) المقنعة : ٥٧٢ ، النهاية : ٥٧٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٤ ، المختلف : ٦٦٥ ، القواعد ٢ : ١٤٤ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٨٣ ، التحرير ٢ : ١٠٩ ، الدروس ٢ : ١٧٨.
(٣) انظر المهذّب ٢ : ٤٢٣.
(٤) الفقيه ٣ : ٣٠١ / ١٤٤٠ ، التهذيب ٧ : ٤٨١ / ١٩٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٤ أبواب الكفارات ب ٣٦ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ١٩٣ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢١ / ٦٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٩ / ٧٨١ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٧ أبواب حد الزنا ب ٢٧ ح ٥ ، بتفاوت.
(٦) المسالك ٢ : ٨٨.
(٧) روضة المتقين ١٠ : ١٥.
وليس فيهما قصور بحسب الدلالة ؛ للفظة « على » الظاهرة في الوجوب ، بل الصريحة فيه في الأوّل ، وظاهر الجملة الخبرية الراجعة إلى الإنشاء المفيد له في الثاني.
وعمومهما من حيث ترك الاستفصال يشمل ذات البعل والمعتدّة بالعدّة الرجعيّة ، والتعدية إلى المعتدّة بالعدّة البائنة ناشئة من عدم القائل بالفرق بين الطائفة ، وقد صرّح به بعض الأجلّة (١).
ومن جميع ذلك يظهر الوجه في عدم الفرق بين الجاهل والعالم ، ولا ينافيه التعليل في الرواية الثانية المشعر باختصاص الحكم فيها بالثاني ، ونحوه لفظ التكفير فيها ، فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
فاندفع بما مرّ وجوه القدح في الروايتين ولزوم الرجوع إلى حكم الأصل ، فإنّه يجب الخروج عنه بعدهما ، وإن ذهب إليه الحلّي (٢) ، وتبعه كثير من متأخّري أصحابنا (٣).
نعم ربما يتطرّق إليهما القدح بدلالتهما على اختصاص التكفير بصورة عدم الرفع إلى الإمام ، وعدمه معه ، ولا قائل به ، ودفع ذلك بصرف الشرط عن ظاهره بمعونة الإجماع وإن أمكن ، إلاّ أنّه ليس بأولى من صرف ما ظاهره الوجوب فيهما إلى الاستحباب ، لكن لا بدّ من الأوّل هنا أيضاً ، ففيه مجازان ، دون الأوّل ففيه مجاز واحد ، وهو أولى من ارتكابهما قطعاً.
لكن الأصل ، والشهرة المتأخّرة المقطوع بها ، وخلوّ أخبار التزويج
__________________
(١) الإيضاح ٤ : ٨٣ ، المهذّب ٣ : ٥٦٣.
(٢) السرائر ٣ : ٧٧.
(٣) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ٦٨ ، والشهيد في الروضة ٣ : ١٨ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٩٦.
في العدّة عنها ، مع كون راوي بعضها بعينه المعتبرة ربما يؤيّد المصير إلى الثاني ، فالإنصاف عدم خلوّ الوجوب عن الإشكال ، ولذا توقّف فيه في اللمعة (١) ، وهو في محلّه ، إلاّ أنّ المصير إليه أحوط.
والدقيق في ظاهر النصّ والفتوى مطلق ، وربما خصّ بنوع يجوز إخراجه كفّارةً ، وهو دقيق الشعير والحنطة ، ولا دليل عليه سوى التبادر ، والغلبة ، ولزوم تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به البتّة ، ولا بأس به.
وفي جواز القيمة أم لا قولان ، وعن المرتضى التكفير بخمسة دراهم ، وادّعى عليه في الانتصار الإجماع (٢) ، وحمل على القيمة ، ولا دليل عليها من أصلها فضلاً أن يكون دراهم خمسة ، فالأجود الاقتصار على الدقيق ، وإن كان الأحوط المصير إلى القيمة مع الضرورة.
( ومن نام عن ) صلاة ( عشاء الآخرة حتى جاوز ) وقتها ، وهو ( نصف الليل ) قضاها و ( أصبح صائماً ) كما في المرسل كالموثق (٣) ، بل الصحيح عند جماعة (٤) ؛ لعدم ثبوت الوقف في رواية ، مع تصريح جماعة كالخلاصة والنجاشي (٥) بتوثيقه على الإطلاق ، فتأمّل ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، كما صرّح به الكشي (٦) ، فلا يضرّ الإرسال بعده ، ولذا عدّ كالموثق ، بل ومع ذلك معتضد بصريح فتوى
__________________
(١) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٧.
(٢) الانتصار : ١٦٦.
(٣) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١١ ، الوسائل ٤ : ٢١٦ أبواب المواقيت ب ٢٩ ح ٨.
(٤) منهم صاحب الحدائق ٦ : ١٨٧.
(٥) رجال العلاّمة : ١٠٩ ، النجاشي : ٢١٥.
(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.
جماعة من القدماء (١) ، وظاهر باقيهم ؛ لأمرهم به الظاهر في الوجوب ، بل عدّه في الانتصار (٢) ممّا انفردت به الإمامية ، ونحوه ابن زهرة (٣) ، وهو حجة أُخرى مستقلّة ، ويجب الخروج بها وبالرواية عن أصالة البراءة ، فلا إشكال في المسألة.
خلافاً لأكثر المتأخّرين (٤) تبعاً للحلّي (٥) ، فالاستحباب ؛ تمسكاً بالأصالة المزبورة ، وطعناً في الإجماع بعدم المعلوميّة ، فإنّ غاية الأصحاب الأمر به ، وليس نصّاً في الوجوب ، وفي الرواية بأنّها مقطوعة.
والأجوبة عن جميع ذلك بملاحظة ما مرّ واضحة ، فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوّة.
( و ) منه مع ما مرّ في المسائل السابقة يظهر ضعف القول بـ ( الاستحباب في الكلّ ) وإن كان في البعض ( أشبه ) لما مرّ.
ثم لا فرق بين النائم كذلك عمداً أو سهواً ؛ لإطلاق النصّ والفتوى.
ولا يلحق ناسي غير العشاء بناسيها قطعاً. وفي إلحاق السكران بالنائم قول ضعيف ، وكذا المتعمّد لتركها والناسي لها من غير نوم ؛ للأصل ، واختصاص النصّ بغيرهما ، وإن أمكن إلحاق الأوّل به للفحوى ، لكنّه هنا بملاحظة نظائره ضعيف جدّاً.
__________________
(١) كالشيخ في النهاية : ٥٧٢ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٢٣ ، والديلمي في المراسم : ١٨٧.
(٢) الانتصار : ١٦٥.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٤) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٥٦٤ ، والشهيد في الروضة ٣ : ١٩.
(٥) السرائر ٣ : ٧٦.
ولو أفطر ذلك اليوم ففي وجوب الكفّارة من حيث تعيّنه على القول بوجوبه ، أولا بناءً على الأصل ، وأنّه كفّارة ولا كفّارة في تركها ، وجهان ، أجودهما : الثاني.
ولو سافر فيه لضرورة أو غيرها مطلقاً أفطره ولا قضاء ؛ للأصل ، وقيل بوجوبه (١). ولا أعرف مستنده.
نعم يجب ترك السفر في غير الضرورة ؛ تحصيلاً للواجب ، ولكن مخالفته غير ملازم لوجوب القضاء جدّاً.
وكذا لو مرض ، أو حاضت المرأة ، أو وافق العيد أو أيّام التشريق ، بل احتمال سقوطه هنا أظهر وأولى.
ولو صادف يوماً متعيّناً تداخلا ، وإن كان من أصله خلاف الأصل ؛ لموافقته له هنا ، فاحتمال القضاء ضعيف جدّاً.
( الثانية : في جزّ المرأة شعر رأسها في المصاب كفّارة شهر رمضان ) مخيّرة ، وفاقاً للشيخ وجماعة (٢) ؛ للخبر : « إذا خدشت المرأة وجهها ، أو جزّت شعرها ، أو نتفته ، ففي جزّ الشعر عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣) وفي سندها ضعف.
( وقيل ) كما عن الديلمي والحلّي (٤) : إنّها ( كفّارة ) ظهار ( مرتّبة ) بل ادّعى الثاني كالمرتضى في الانتصار (٥) الإجماع عليه ، لكن
__________________
(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٩.
(٢) الشيخ في النهاية : ٥٧٣ ؛ والمرتضى في الانتصار : ١٦٦ ، والديلمي في المراسم : ١٨٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٢٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٣.
(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٥ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١ ح ١.
(٤) المراسم : ١٨٧ ، السرائر ٣ : ٧٨.
(٥) الانتصار : ١٦٦.
عبارة الأخير ذيلها ظاهرة في التخيير وإن حكم في صدرها بأنّها كفّارة ظهار ، ونحوه كلام الشيخ ، كما حكاه في التحرير (١) ، لكن الصدر أصرح ، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل لا كونها مخيّرة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٢).
فتكون الرواية حينئذٍ حجّة في المسألة ؛ لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماعين المتقدّمة.
مع أنّها بنفسها حجة مستقلّة ، مؤيّدة بظاهر العبارة كغيرها ، المشعرة بل الدالّة على عدم الخلاف في أصل وجوب هذه الكفّارة ، بل لم نقف على منكره ، ولا على من نسب القول به إلى أحدٍ ، عدا الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد (٣) ، وقد اعترف جماعة كالشهيد في النكت (٤) بعدم الظفر بقائله.
وهو ضعيف وإن صار إليه من المتأخّرين جماعة (٥) ؛ للأصل ، وقصور سند الرواية. لضعف الأصل بما مرّ ، واعتبار السند بعمل الأكثر ، بل الكلّ ، كما مرّ ، مع عدم انحصار الحجّة فيها ؛ لما مرّ من الإجماعين اللذين هما كما عرفت حجّة مستقلّة برأسها ، مع عدم ما يوجب وهنهما هنا أصلاً ، مع تأيّدهما بدعوى ابن زهرة في الغنية (٦) الإجماع على وجوب الصوم هنا ،
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٠٩ ، وهو في النهاية : ٥٧٣.
(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٩٩.
(٣) الشرائع ٣ : ٦٨ ، الإرشاد ٢ : ٩٧ ، القواعد ٢ : ١٤٤.
(٤) غاية المراد ٣ : ٤٦٤.
(٥) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٨٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
فتحاشي هؤلاء عن العمل بهما مع اعترافهم بحجيّة الإجماع المنقول غريب ، سيّما مع اعتضاده بعدم الخلاف أو شذوذه ، وتأيّده بالرواية ولو في الجملة ، بل مطلقاً ، كما مرّت إليه الإشارة ، فالقول بالوجوب في غاية القوّة.
وليس في الرواية ككلام المرتضى التقييد بالمصاب ، وإن كان ظاهر السياق في الأوّل ، والغلبة التي توجب صرف المطلقات المخالفة للأصل عن الأفراد النادرة فيهما ، يوجب المصير إلى التقييد.
وإن كان العموم نظراً إلى إطلاق عبارة المرتضى البعيد حمله على التقييد أحوط ، مع احتمال الأولوية ، وإن كانت هنا ضعيفة ؛ لأنّ في جزّ الشعر في المصيبة إشعاراً بعدم الرضا بقضاء الله سبحانه.
ولا فرق في المصاب إن اشترطناه بين القريب والبعيد ؛ للإطلاق.
وهل يفرق بين كلّ الشعر وبعضه؟ ظاهر إطلاق الرواية العدم ، واستقر به في الدروس (١) ، قال : لصدق جزّ الشعر وشعرها عرفاً بالبعض.
وهو أحوط ، بل لعلّه أقرب ؛ لكون جزّ الكل نادراً ، فيبعد أن يحمل النص عليه.
وفي إلحاق الحلق والإحراق بالجزّ إشكال ، والأصل يقتضي العدم ، لكن الإلحاق غير بعيدٍ ، وفاقاً للدروس (٢) ؛ للأولوية ، فتأمّل.
( وفي نتفه ) وهو قلعه ، بخلاف الجزّ فإنّه قرضه ( في المصاب كفّارة يمين ، وكذا في خدش ) ها ( وجهها ).
( وكذا في شقّ الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته ) على الأظهر الأشهر ، بل لم ينقل الخلاف فيه أحد ممّن تقدّم وتأخّر ، بل صرّح شيخنا
__________________
(١) الدروس ٢ : ١٧٨.
(٢) الدروس ٢ : ١٧٨.
في الروضة وغيره (١) بعدم الخلاف في المسألة.
نعم بعض من ندر ممّن تأخّر (٢) نسب القول بالاستحباب إلى الحلّي.
وهو ضعيف ؛ فإنّه وإن صرّح به في أوّل كلامه منزّلاً للرواية الآتية عليه بعد تسليمها ، إلاّ أنّه استدرك ذلك فقال : إلاّ أنّ أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاويهم ، فصار الإجماع هو الحجة بها ، وبهذا افتي (٣) ، انتهى.
وهو كما ترى صريح في الموافقة للأصحاب في القول بالإيجاب مدّعياً عليه الإجماع ، كالمرتضى في الانتصار (٤) ، وهو الحجة في المضمار.
مضافاً إلى بعض المعتبرة بالانجبار ، وفيه : « إذا شقّ زوج على امرأته ، أو والد على ولده فكفّارته كفّارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفّرا ، أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجههاً ، أو جزّت شعرها ، أو نتفت ففي جزّ الشعر » إلى أن قال : « وفي الخدش إذا دميت ، وفي النتف كفّارة حنث يمين ، ولا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة » (٥).
فلا إشكال في المسألة ، وإن استشكلها ، بل ربما مال إلى الاستحباب بعض متأخّري متأخّري الطائفة (٦) ؛ للأصل ، وقصور سند الرواية. وضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.
والرواية كعبارة الانتصار (٧) هنا في الخدش مطلقة غير مقيّدة
__________________
(١) الروضة ٣ : ١٦ ؛ وانظر التنقيح ٣ : ٥٦٦.
(٢) الدروس ٢ : ١٧٨.
(٣) السرائر ٣ : ٧٨.
(٤) الانتصار : ١٦٦.
(٥) التهذيب ٨ : ٣٢٥ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١ ح ١.
(٦) انظر نهاية المرام ٢ : ١٩٨.
(٧) الانتصار : ١٦٦.
بالمصاب ، فالأمر فيه كما مضى.
وفيهما تقييد الخدش بالإدماء ، خلافاً لإطلاق العبارة وغيرها ، وهو أحوط ، وإن كان الأوّل أقوى ، وفاقاً لجماعة من أصحابنا (١).
والمعتبر منه مسمّاه ، فلا يشترط استيعاب الوجه ، ولا شقّ جميع الجلد ، ولا يلحق به خدش غير الوجه وإن ادمي ، ولا لطمه مجرّداً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص والفتوى ، نعم في الأخير الاستغفار ، كما في ذيل الرواية المتقدّمة.
ويعتبر في الثوب مسمّاه عرفاً ، قيل : ولا فرق فيه بين الملبوس وغيره ، ولا بين شقّه ملبوساً ومنزوعاً ، ولا بين استيعابه بالشقّ وعدمه (٢) ؛ للإطلاق.
ولعلّ في شموله للآخرين من الشقّين الأوّلين نوع تأمّل ، وإن كان الأحوط بل الأولى التعميم.
ولا فرق بين الولد للصلب وولد الولد وإن نزل ، ذكراً وأُنثى لذكر.
وفي ولد الأُنثى قولان ، أجودهما : عدم اللحوق ؛ للأصل ، وعدم صدق الولد عليه حقيقة ، أو كونه غير متبادر منه عند الإطلاق ، وهو وإن جرى في ولد الذكر أيضاً ، إلاّ أنّ التعميم بالإضافة إليه لعلّه مستفاد من الاستقراء ، فتأمّل جدّاً.
ولا ريب أنّ الأحوط التعميم مطلقاً ، بل لا يبعد الحكم به للفحوى.
ثمّ المتبادر من الزوجة في النصّ والفتوى هو الزوجة الدائمة قطعاً ، فيرجع في المتمتّع بها إلى الأصل جدّاً.
__________________
(١) منهم الشهيد في الروضة ٣ : ١٧ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٦٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٢.
(٢) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٧.