رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

واختاره من المتأخّرين جماعة (١) ؛ وعليه تدلّ المستفيضة الأُخر التي كادت تبلغ التواتر ، بل لا يبعد أن تكون متواترة ، وأكثرها معتبرة الأسانيد.

ففي الصحيح : في الرجل يموت وتحته امرأته لم يدخل بها ، قال : « لها نصف المهر » الخبر (٢).

والصحيح : « إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهراً ، فلها نصف ما فرض لها ، ولها الميراث » (٣).

والصحيح : عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها ، أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها ، قال : « أيّهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها » (٤).

وذكرها كملاً لا يناسب هذا المختصر.

فالقول بها لا يخلو عن قوّة ؛ لأنّ المظنّة الحاصلة من هذه الكثرة أقوى من الحاصلة من الشهرة ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء ولو كانت محكيّة ، ومخالفتها التقيّة كما صرّح به جماعة (٥) ، فيُخَصّ بها الأصل ، ويُصَرف النصوص السابقة عن ظواهرها بالحمل على النصف ؛ لأنّه مهرها ولو بَعُدَ في بعضها ، ومنه يظهر وجه رجحان لهذه النصوص ومرجوحيّة‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨٩ ، العلاّمة المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٧.

(٢) الكافي ٦ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١١٨ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٥٠١ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٦.

(٤) الكافي ٦ : ١١٩ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٧.

(٥) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨٩ ، والعلاّمة المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٧.

٤١

لتلك ؛ لصراحة هذه دون الأوّلة.

وأمّا العموم ، فبعد تسليمه فشموله لمثل المقام محلّ نظر ، مع أنّه كالمفهوم نقول بهما ، إلاّ أنّ الخطاب فيهما للأحياء لا مطلقاً.

لكن المسألة بَعدُ محلّ إشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال.

وبموت الزوجة على الأشهر أيضاً ؛ لما عدا المستفيضة من الأدلّة المتقدّمة (١).

وفيها مضافاً إلى ما مرّ استفاضة المعتبرة بالتنصيف هنا من دون معارض أصلاً :

منها : الصحيح المتقدّم (٢) ، والموثّق : عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها ، فقال : « إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها نصف المهر ، وعليها العدّة كاملة ، ولها الميراث » (٣).

ونحوه آخر : في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها زوجها ، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال : « إذا كان قد مهرها صداقها فلها نصف المهر وهو يرثها ، وإن لم يكن فرض لها صداقها فهي ترثه ولا صداق لها » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

__________________

(١) راجع ص ٤٠.

(٢) آنفا في ص ٤١.

(٣) الكافي ٦ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٥٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢٠٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٧ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٧ / ٥١٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٨ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨.

٤٢

والعمل بها متعيّن ؛ لخلوّها عن المعارض ، مع اعتضادها بما مرّ ، وعمل جماعة من الأصحاب بها ، كالطوسي والقاضي والكيدري (١) وجماعة من المتأخّرين (٢).

( ولا يسقط ) شي‌ء من المهر عاجلاً كان أم آجلاً ( معه ) أي الدخول ( لو لم تقبض ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن ظاهر الانتصار (٣) ؛ للأصل ، والعمومات ، وخصوص المعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم ، فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً ، فقال : « يقدّم إليها ما قلّ أو كثر ، إلاّ أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادّي عنه ، فلا بأس » (٤).

والموثّق : عن الرجل يتزوّج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها ، قال : « لا بأس ، إنّما هو دين عليه لها » (٥) ونحوه الموثّق الآخر (٦) ، والمرسل كالصحيح (٧) ، وغيرهما (٨).

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٤٧١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٤ ، وحكاه عن قطب الدين في المختلف : ٥٤٤.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨٣ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٥٣.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٨٦ ، وهو في الانتصار : ١٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠١ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٦ أبواب المهور ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١٤٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٢١ / ٨٠٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٩ أبواب المهور ب ٨ ح ١٠.

(٧) الكافي ٥ : ٤١٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٧ / ١٤٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٠ / ٧٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٩ أبواب المهور ب ٨ ح ٩.

(٨) انظر الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨.

٤٣

خلافاً للحلبي كما حكي ، فأسقط بالدخول ، سواء قبضت منه شيئاً أم لا ، طالت مدّتها أم قصرت ، طالبت به أم لم تطالب (١) ؛ للصحاح المستفيضة (٢) ، وأُوّلت بتأويلات (٣) غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة :

منها : حملها على ما إذا لم يكن قد سمّى مهراً معيّناً ، وساق إليها شيئاً ، ودخل ولم تعترض ، فيكون ذلك مهرها ، كما يأتي.

ومنها : حملها على قبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.

وفي المختلف جعل منشأ الحكم العادة بتقديم المهر كما كانت في السالف ، قال : والعادة الآن بخلاف ذلك ، فإن فرض أن كانت العادة في بعض الأزمان والأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدّم ، وإلاّ كان القول قولها (٤).

قيل : ويخطر بالبال أن يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه ، حملاً للمطلق على المقيّد ؛ يدلّ عليه ما في بعضها : « إذا دخل بها فقد هدم العاجل » (٥) ، فإنّهم كانوا يومئذٍ يجعلون بعضه عاجلاً وبعضه آجلاً ، كما يستفاد من بعض الاخبار (٦) ، وكان معنى العاجل : ما كان دخوله مشروطاً على إعطائه إيّاها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأنّ المرأة أسقطت حقّها العاجل ورضيت بتركه ، ولا سيّما إذا كان قد أخذت بعضه ، وأمّا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٨ ، وراجع الكافي في الفقه : ٢٩٤.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ٢٥٥ أبواب المهور ب ٨.

(٣) انظر التهذيب ٧ : ٣٦٠.

(٤) المختلف : ٥٤٣.

(٥) الكافي ٥ : ٣٨٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٩ / ١٤٦١ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٢ / ٨٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٦ أبواب المهور ب ٨ ح ٤.

(٦) انظر الوسائل ٢١ : ٢٦٤ أبواب المهور ب ١٠.

٤٤

الآجل فلا يسقط إلاّ بالأداء (١).

وفيه نظر ؛ لاشتراط التكافؤ في الحمل ، وليس ؛ لصحّة المطلق ، وقصور المقيّد بحسب السند ؛ مع احتماله التقيّة كما صرّح به جماعة (٢).

ومع ذلك ، الخروج بمثل ذلك عن المستفيضة الأوّلة المعتضدة بالأصل ، والعمومات ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة جرأة عظيمة ، مع كونه إحداث قول ثالث في المسألة البتّة. ومع ذلك ، فلا يقبله بعض المستفيضة المسقطة ، كما يظهر من التدبّر فيه والملاحظة.

وبالجملة : الأخبار المذكورة وإن صحّ أسانيدها شاذّة لا يتأتّى المصير إليها.

( ولا يستقرّ ) المهر بجميعه ( بمجرّد الخلوة ) بالمرأة وإرخاء الستر على وجه ينتفي معه المانع مطلقاً ( على ) الأظهر ( الأشهر ) للأصل ، وقوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (٣) ، فإنّ المراد بالمسّ هنا : الجماع ؛ للإجماع على أنّ مطلق المسّ غير موجب للجميع ، فينتفي إرادته ، وهو منحصر في الأمرين إجماعاً ؛ والنصوص المعتبرة به مستفيضة :

منها : الموثّقات المستفيضة المصرّحة ب : أنّه لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج ، أصرحها الموثّق : عن رجل تزوّج امرأة ، فأغلق باباً‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٨٠.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩٣ ، والمحدّث المجلسي في ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٣٨ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٠٣.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

٤٥

وأرخى ستراً ولمس وقبّل ، ثم طلّقها ، أيوجب عليه الصداق؟ قال : « لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع في الفرج » (١).

ومنها الصحيح : عن رجل تزوّج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها ، أو تزوّج رتقاء ، فأُدخلت عليه ، فطلّقها ساعة أُدخلت عليه ، فقال : « هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء ، فإن كنّ كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها » الخبر (٢).

ويؤيّدها المعتبرة في العنن ، الدالّة على أنّه ينظر سنة ، فإن وقع بها ، وإلاّ فسخت نكاحه ولها نصف المهر (٣) ، مع تحقق الخلوة في السنة وغيرها من المقدّمات.

خلافاً للصدوق ، فأوجب بها مطلقاً (٤) ؛ للنصوص المستفيضة وكلّها قاصرة الأسانيد أجودها الموثّق : عن المهر متى يجب؟ قال : « إذا أُرخيت الستور وأُجيف الباب » وقال : « إنّي تزوّجت امرأة في حياة أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، وإنّ نفسي تاقت إليها ، فنهاني أبي فقال : لا تفعل يا بنيّ ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإنّي أبيت إلاّ أن أفعل ، فلمّا دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان عليّ وكرهتها ، وذهبت لأخرج ، فقامت مولاة لها فأرخت الستر وأجافت الباب ، فقلت : مه ، قد وجب الذي تريدين » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢١ أبواب المهور ب ٥٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٤٦٥ / ١٨٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٧ / ٨٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٥ أبواب المهور ب ٥٧ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤١١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٢٩ / ١٧٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٥١ / ٨٩٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٣٣ أبواب العيوب والتدليس ب ١٥ ح ١.

(٤) انظر المقنع : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٦٥ / ١٨٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٨ / ٨٢٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٣ أبواب المهور ب ٥٥ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

٤٦

وهو مع قصور سنده ، ومخالفته لأُصول المذهب معارض بمثله ، الصريح في إيجاب أبيه عليه عليهما‌السلام في تلك القضيّة نصف المهر ، وفيه : « فلمّا رجعت إلى أبي وأخبرته كيف كان ، فقال : إنّه ليس عليك إلاّ النصف » يعني نصف المهر (١).

ومع ذلك فليس كالمتقدّمة عليه تعارض ما مرّ ، سيّما مع احتمال الجميع الحمل على التقيّة ، فروى العامّة عن عمر أنّه قال : من أرخى ستراً أو أغلق باباً فقد وجب عليه المهر (٢) ، وقد ذهب إليه أبو حنيفة (٣) وكثير من العامّة (٤) ؛ لهذه الرواية.

ولجماعة من القدماء ، فأوجبوا بها ظاهراً لا باطناً (٥) ؛ جمعاً بين النصوص ، يعنون : إذا كانا متّهمين ، يعني : يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه ، والمرأة تدفع العدّة عن نفسها ، ولكن إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها فيما بينها وبين الله تعالى إلاّ النصف.

وليس بشي‌ء ؛ لأنّه فرع التكافؤ والشاهِد عليه ، وليسا ؛ مع أنّ الموثّق المتقدّم لا يجري فيه التهمة الموجبة للعمل بالظاهر.

وللإسكافي قول آخر بإلحاق مقدّمات الوطء كإنزال الماء بغير‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٦٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٦٦ / ١٨٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٨ / ٨٢٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٣ أبواب المهور ب ٥٥ ح ٧.

(٢) انظر الموطّأ ٢ : ٥٢٨ / ١٢ بتفاوت.

(٣) حكاه في بدائع الصنائع ٢ : ٢٨٩.

(٤) كابن قدامة في المغني ٨ : ٦٣ ، المحلّى لابن حزم ٩ : ٤٨٥ ، مغني المحتاج ٣ : ٢٢٥.

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧١ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٠٤ ، وحكاه في المختلف عن قطب الدين الكيدري : ٥٤٣.

٤٧

جماع ، ولمس العورة ، والنظر إليها ، والقبلة بشهوة به (١) ؛ وربما يستدلّ له بإطلاق المسّ في الآية (٢).

وليس في محلّه ؛ للإجماع حتى منه على عدم اعتبار مطلقه في الاستقرار ، وعلى تقدير التماميّة فلا يعارض شيئاً من الأدلّة الماضية ، سيّما الموثّقة المتقدّمة (٣) ، النافية لما اعتبره صريحاً.

وبالجملة : فهو شاذّ لا وجه له بالمرّة.

( الثاني : قيل ) كما عن المقنعة والنهاية والمراسم والجامع والغنية والسرائر (٤) ، وحكى عليه الشهرة جماعة (٥) ، وفي الأخيرين الإجماع ـ : إنّه ( إذا ) تزوّجها و ( لم يسمّ لها مهراً ، وقدّم ) إليها ( شيئاً قبل الدخول ، كان ذلك مهرها ، ما لم يشترط ) قبل الدخول أنّ المهر ( غيره ) بكونه بعض المهر أو مبايناً له.

وحجّتهم عليه مع مخالفته الأُصول المقرّرة ، وإطلاق المعتبرة المصرّحة بثبوت مهر المثل للمفوِّضة بعد المواقعة (٦) غير واضحة ، سوى حكاية الإجماع السابقة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، وإطلاق النصوص المتقدّمة بسقوط المهر بعد المواقعة (٧) ، خرج عنها غير المرأة المزبورة‌

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٤٣.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) في ص ٤٥.

(٤) المقنعة : ٥٠٩ ، النهاية : ٤٧٠ ، المراسم : ١٥٢ ، الجامع : ٤٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، السرائر ٢ : ٥٨١.

(٥) منهم ابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٤٠٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٩٤ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١.

(٦) الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢.

(٧) راجع ص ٤٤.

٤٨

بالأدلّة ، وبقيت هي فيها مندرجة ، فيُخَصّ بذلك ما تقدّم من الأدلّة ؛ مع إمكان التأمّل في شمول إطلاق المعتبرة السابقة لمثل هذه الصورة.

وتوقّف فيه جماعة ، مختلفين في حكمها :

فبين من جمد على الأُصول وأثبت مهر المثل ، كما في المعتبرة (١).

وبين من فصّل بالعادة ، وحكم بالسقوط بدفع الشي‌ء قبل الدخول إن استقرّت على تقديم المهر عليه على ما في سابق الزمان ، وعدمه إن استقرّت على العدم كما استقرّت عليه الآن (٢).

كلّ ذا إذا لم يتّفقا على فرضه (٣) مهراً ، وإلاّ فلا شي‌ء لها قولاً واحداً جدّاً.

( الثالث : إذا طلّق ) الزوجة ( قبل الدخول ) وكان قد سمّى لها مهراً ، برئ ذمّته من نصف المسمّى إن كان ديناً ، و ( رجع بالنصف ) واستقرّ ملكه عليه ، قلنا بتملّكها الجميع بالعقد أم النصف خاصّة ، إجماعاً ونصّاً كما مضى ( إن كان ) عيناً ( دفعه ) إليها ( وطالبت ) مطلقاً ( بالنصف إن لم يكن أقبضها ).

( ولا يستعيد ) منها ( الزوج ما تجدّد من النماء بين العقد والطلاق ، متّصلاً كان كالسمن ) (٤) على الأصحّ الأشهر.

خلافاً للمبسوط ، فيستعيده هنا (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٤٦ ، نهاية المرام ١ : ٣٩٥ ، الكفاية : ١٨١.

(٢) المختلف : ٥٤٣ ، انظر كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٣) أي المدفوع إليها. منه رحمه‌الله.

(٤) في المختصر المطبوع : كاللبن.

(٥) المبسوط ٤ : ٢٧٨.

٤٩

ويدفعه مضافاً إلى ظاهر الآية ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١) بناءً على مغايرة العين الزائدة للمفروضة خصوص بعض المعتبرة : في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف ، فكبر عندها ، ويريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : « عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها ، لا ينظر إلى زيادة أو نقصان » (٢).

وقصور السند لو كان منجبر بالشهرة بين الأعيان.

( أو منفصلاً ، كالولد ).

كلّ ذا بناءً على ما مرّ من تملّكها الجميع بنفس العقد ، وبخصوصه الموثق المتقدّم ثمّة (٣) ، ولا يعارضه الصحيح المتقدّم (٤) أيضاً ؛ لما عرفت.

وفي الخبر السابق تأييد لما ذكرنا ، فتأمّل جدّاً.

فتوقّف بعض من تأخّر (٥) ليس في محلّه قطعاً.

ثم إنّ ذا إذا وجده باقياً.

وإن وجده تالفاً ، أو منتقلاً عن ملكها ، فله نصف مثله إن كان مثليّا ؛ أو قيمته على الأظهر ، أو نصف قيمة المهر على الأشهر إن كان قيميّاً.

ثم إن اتّفقت القيمة ، وإلاّ فله الأقلّ من حين العقد إلى حين التسليم ؛ لحدوث الزيادة في ملكها ، فلا سبيل له عليها لو اختصّ النقص بحين‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٨ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ٢.

(٣) في ص ٣٧.

(٤) في ص ٣٨.

(٥) هو المحقّق السبزواري في الكفاية : ١٨٢.

٥٠

العقد ؛ ولضمانه الناقص منه قبل القبض ، فلا يضمّنها ما هو من ضمانة لو انعكس (١).

وإن وجده معيباً ، رجع في نصف العين مع الأرش على الأظهر.

خلافاً للأشهر ، فيتخيّر الزوج بين الرجوع بنصف القيمة ، وبين أخذ نصف العين من غير أرش.

وفيه قول آخر (٢) مشارك له في الضعف ، بل وأمرّ.

ولو نقصت القيمة للسوق ، فله نصف العين خاصّة ، كصورة الزيادة وهي باقية.

ولو زادت زيادة متّصلة عيناً كانت أو صفة تخيّرت بين دفع نصف العين الزائدة ، ونصف قيمتها مجرّدة عن الزيادة ، على أظهر الأقوال وأشهرها في المسألة.

ولو اختارت الأول ، وجب على الزوج القبول في أظهر الوجهين.

وكذا لو تغيّرت في يدها بما أوجب زيادة القيمة ، كصياغة الفضّة وخياطة الثوب ، ويجبر على العين لو بذلتها في الأول ؛ لقبول الفضّة ما يريده منها ، دون الثوب ، إلاّ أن يكون مفصّلاً على ذلك الوجه قبل دفعه إليها ، من دون تصرّفها فيه بما لا يتأتّى معه حصول مقصودة.

( ولو كان النماء موجوداً حال العقد ، رجع بنصفه ) أيضاً ( كالحمل ) مع دخوله في المهر بالشرط أو التبع مطلقاً ، حصل الوضع بعد‌

__________________

(١) أي اختصّ النقص بحين التسليم. منه رحمه‌الله.

(٢) انظر المسالك ١ : ٥٤٧.

٥١

الطلاق أم قبله ، على الأصح ؛ لإطلاق الموثّق برجوعه (١) إلى نصف الأولاد بعد حمل الأُمّهات بها عنده (٢).

خلافاً لبعضهم ، فخصّه بالأول على الثاني خاصّة دون الأول (٣).

ولآخر ، فخصّه به عليهما (٤).

وجعله بعضهم احتمالاً (٥).

ولهم على ذلك وجوه اعتباريّة لا تنهض حجّة في مقابلة الرواية.

( ولو كان ) المهر ( تعليم صنعة ، أو علم ) مثلاً ( و ) طلّقها قبل الدخول بعد أن ( علّمها ) إيّاهما كملاً ( رجع ) عليها ( بنصف أُجرته ) المثليّة ؛ لتعذّر الرجوع بعين ما فرض ، فيكون كالتالف في يدها.

ولو كان قبل التعليم ، رجعت هي عليه في نصف الأُجرة في تعليم الصنعة قطعاً ؛ لعدم إمكان تعليمها نصفها ؛ لعدم وقوفه على حدّ ، وهو الواجب لها بالطلاق خاصّة قطعاً.

وكذا في تعليم السورة أيضاً إن استلزم المحرّم شرعاً ، وإلاّ فعليه تعليم نصفها ؛ لإمكان استيفاء عين الحقّ ، مع عدم المانع منه حينئذٍ أصلاً.

( ولو أبرأته من ) جميع ( الصداق ) المسمّى لها ( رجع ) عليها ( بنصفه ) لو طلّقها قبل الدخول ، وكذا لو وهبته إيّاه مطلقاً ، قبضته أم لا ، إجماعاً في الأخير كما عن المبسوط والخلاف (٦).

__________________

(١) في الأصل : برجوعها ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٦ / ٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ١.

(٣ و ٤) راجع المسالك ١ : ٥٤٨.

(٥) انظر القواعد ٢ : ٤٢.

(٦) المبسوط ٤ : ٣٠٨ ، الخلاف ٤ : ٣٩١.

٥٢

وعلى الأظهر الأشهر فيهما ، بل كاد أن يكون إجماعاً ؛ لأنّها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً ، وما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد ، ولهذا كان نماؤه لها ، فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه ، كما لو صادفها قد أتلفته ، فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف ، فيرجع بنصفه.

خلافاً للمبسوط والجواهر والقواعد ، فاحتملوا العدم (١) في صورة الإبراء ؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً ؛ ولا نقلت إليه الصداق ، لأنّ الإبراء إسقاطٌ لا تمليك ؛ ولا أتلفت عليه ، كما لو رجع الشاهدان بدين شهدا عليه في ذمّة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء ، وكان قد أبرأ المشهود عليه ، فإنّه لا يرجع على الشاهدين بشي‌ء. ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له (٢).

ورُدّ بوضوح الفرق ، فإنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً ، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق ، بخلاف مسألة الشاهد ، فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك ، فلم يصادف البراءة حقّا يسقط بالإبراء (٣).

وفيه مع ذلك ـ : أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر.

ففي الموثّق : عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ، ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : « نعم ، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه ، وإن خلاّها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق » (٤).

__________________

(١) أي عدم الرجوع. منه رحمه‌الله.

(٢) استظهره من المبسوط والجواهر في كشف اللثام ٢ : ٩١ ؛ وهو في المبسوط ٤ : ٣٠٨ ، وجواهر الفقه : ١٧٧ ، والقواعد ٢ : ٤٣.

(٣) المسالك ١ : ٥٤٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ٢.

٥٣

وفي الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة على ألف درهم ، فبعث بها إليها ، فردّتها عليه وقالت : أنا فيك أرغب منّي في هذه الألف ، هي لك ، فقبلها منها ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : « لا شي‌ء لها ، وتردّ عليه خمسمائة درهم » (١).

ونحوه الموثّق (٢) والخبر (٣) ، بزيادة قوله : « الباقية ؛ لأنّها إنّما كانت لها خمسمائة فوهبتها له ، وهِبتها إيّاها له ولغيره سواء ». وفيهما الدلالة على الحكم في صورة الهبة ؛ وربما استدلّ بهما له في صورة الإبراء (٤) ، ويحتاج إلى النظر ؛ لأنّهما في الأُولى أظهر.

ولو وهبته النصف مشاعاً ، ثم طلّقها قبل الدخول ، فله الباقي ؛ صرفاً للهبة إلى حقّها منه ، كما لو وهبته لغيره فإنّهما سواء ، كما في الصحيح المتقدّم.

وفيه قول بالرجوع بنصفه وقيمة الربع (٥) ؛ بناءً على شيوع نصفيهما في تمام العين ، وشيوع النصف الموهوب أيضاً ، فتتعلّق الهبة بنصفي النصيبين ، فالنصف الباقي بمنزلة التالف نصفه ، وبقي نصفه.

وعن المبسوط : احتمال الرجوع بنصف الباقي خاصّة (٦) ؛ لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلّقت بنصفي النصيبين ، فإنّما ملك من نصيبها النصف وهو الربع واستعجل نصف نصيب نفسه ، وإنّما بقي له‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١١ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٤ أبواب المهور ب ٣٥ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٤ أبواب المهور ب ٣٥ ح ١.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٣٩٩.

(٥) حكاه في التنقيح الرائع ٣ : ٢٣٩ ، والمسالك ١ : ٥٥١.

(٦) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٩١ ، وانظر المبسوط ٤ : ٣٠٨.

٥٤

النصف الآخر من نصيبه ، وهو الربع.

( الرابع : لو أمهرها ) أمة ( مدبّرة ) أو عبداً كذلك ، واقتصر عليها تبعاً للرواية ( ثمّ طلّق ) قبل الدخول ( صارت بينهما نصفين ) فيتناوبان في خدمتها ، فيوم له ويوم لها ، بلا خلاف في ذلك.

ولكن في بطلان التدبير ، فتملك الزوجة رقبتها ولو بعد موت السيّد ؛ أو العدم ، فحرّة بعد السبب (١) ، وإنّما ينصرف الإمهار إلى الخدمة خاصّة ؛ قولان.

فعن النهاية والمهذّب : الثاني (٢) لتوقّف البطلان على صريح الرجوع.

وفيه نظر.

وللخبر : عن رجل تزوّج امرأة على جارية له مدبّرة قد عرفتها المرأة وتقدّمت على ذلك ، وطلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال : فقال : « للمرأة نصف خدمة المدبّرة ، يكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيّدها الذي دبّرها يوم في الخدمة » قيل له : إن ماتت المدبّرة قبل المرأة والسيّد ، لمن يكون الميراث؟ قال : « يكون نصف ما تركته للمرأة ، والنصف الآخر لسيّدها الذي دبّرها » (٣).

وليس مع قصور السند نصّاً ، ولا خلاف فيما تضمّنه من الأحكام.

نعم ، ربما أشعر بعض عباراته ك‍ : تقدّمت على ذلك ، وماتت المدبّرة به.

__________________

(١) وهو موت السيد. منه رحمه‌الله.

(٢) النهاية : ٤٧٣ ، المهذب ٢ : ٢٠٩.

(٣) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٧ / ١٤٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٢ أبواب المهور ب ٢٣ ح ١.

٥٥

وفي الاستناد إلى مثله نظر ، سيّما في مقابلة ما دلّ على أنّ التدبير وصيّة يبطل بنحو هذا التصرّف ، كما هو الأشهر.

( و ) لذا ( قيل ) كما عن الحلّي (١) ، وتبعه الأكثر ، بل عليه كافّة المتأخّرين ـ : إنّه ( يبطل التدبير بجعلها مهراً ، وهو أشبه ) لما مرّ.

نعم ، يتّجه الأول على القول بعدم تملّكها بالعقد جميع المهر ، وإنّما لها منه النصف. مع احتمال الثاني حينئذٍ أيضاً ؛ بناءً على وجود العقد الدالّ على الرجوع ، كما لو وهب الموصى به قبل الإقباض ، فتأمّل.

( الخامس : لو أعطاها عوض المهر ) المسمّى ( متاعاً أو عبداً آبقاً وشيئاً ، ثم طلّق ) قبل الدخول ( رجع بنصف ) مثل ( المسمّى ) أو قيمته ( دون ) نصف نفس المسمّى و ( العوض ).

أمّا الأول : فلانتقاله إليه بالمعارضة الجديدة ، فيكون بها كالعين التالفة أو الموهوبة له أو لغيره بمعاوضة أو غير معاوضة.

وأمّا الثاني : فلأنّ المستحقّ بالطلاق نصف المفروض ، والعوض غيره ، فليس له الرجوع في نصفه ، أو إجباره عليه.

وللصحيح : عن رجل تزوّج امرأة بألف درهم ، فأعطاها عبداً له آبقاً وبرداً حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : « إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد » قلت : فإن طلّقها قبل‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٨٨.

٥٦

أن يدخل بها؟ قال : « لا مهر لها ، وتردّ عليه خمسمائة درهم ، ويكون العبد لها » (١).

( السادس : إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع ) ولا يخلّ بمقصود النكاح وإن كان عرضاً مقصوداً في الجملة ( فسد الشرط ) اتّفاقاً ، حكاه جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة فيه كالحسنة : « من اشترط شرطاً سوى كتاب الله تعالى فلا يجوز ذلك له ولا عليه » (٣) ، مضافاً إلى النصوص الآتية.

لا ما قيل من مخالفته المشروع ، واستلزام وجوب الوفاء به حرمة ما أباحه الشرع أو ندب إليه مثلاً (٤).

لمنعها ، بعد دلالة الشريعة بلزوم الوفاء بمطلق الشروط (٥) ، فتكون المخالفة أيضاً شرعيّة ، فلا بأس بها بعد قيام الدلالة عليها.

( دون العقد والمهر ) فيصحّان بلا خلاف يوجد هنا ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (٦) ، ويظهر من المبسوط أيضاً (٧) ؛ لنسبته صحّة المهر المستلزمة لصحّة العقد بطريق أولى إلينا ، ولا ينافيه تصريحه في الكتاب المذكور بفساد العقد بشرطٍ ينافي المقصود منه (٨) ؛ لمغايرة مفروض كلامه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٢ أبواب المهور ب ٢٤ ح ١.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٨١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٧ أبواب المهور ب ٣٨ ح ٢.

(٤) قال به الشهيد في الروضة ٥ : ٣٦٢.

(٥) عوالي اللئلئ ١ : ٢١٨ / ٨٤.

(٦) انظر المسالك ١ : ٥٤٩ ، كشف اللثام ٢ : ٨١.

(٧) المبسوط ٤ : ٣٠٣.

(٨) المبسوط ٤ : ٣٠٣ ٣٠٤.

٥٧

ما فرضناه هنا وادّعى هو الوفاق فيه جدّاً ، وإلاّ لكان التناقض منه ظاهراً كما لا يخفى ، فتوهّم الخلاف في المقام فاسد كما ترى ، فالإجماع المحكيّ بل القطعي هو الحجّة في صحّتهما.

( كما لو شرطت أن لا يتزوّج أو لا يتسرّى ، وكذا لو شرطت تسليم المهر في أجل فإن تأخّر عنه فلا عقد ).

مضافاً إلى المعتبرة في المثالين :

منها الصحيح : في رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة ، أو هجرها ، أو اتّخذ عليها سريّة ، فهي طالق ، فقضى في ذلك أنّ : « شرط الله تعالى قبل شرطكم ، فإن شاء وفى بما شرط ، وإن شاء أمسك واتّخذها عليها ونكح » (١) ونحوه غيره من المعتبرة (٢).

ومنها الصحيح : « في رجل تزوّج المرأة إلى أجل مسمّى ، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته ، وإن لم يجي‌ء بالصداق فليس له عليها سبيل ، شرطوا بينهم حيث أنكحوا ، فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته ، وأحبط شرطهم » (٣).

وبهما مع الإجماع المركّب يُخَصّ القاعدة الحاكمة بفساد المشروط بفساد شرطه في المفروض (٤) إن تمّت.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٠ / ١٥٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٣١ / ٨٣٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٦ أبواب المهور ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٧ أبواب المهور ب ٣٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٢ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٧٠ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٥ أبواب المهور ب ١٠ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٤) وهو فساد الشرط الغير المنافي لمقتضى العقد. منه رحمه‌الله.

٥٨

مضافاً إلى النصوص الأُخر الموافقة لما مرّ في نحو مورده ، كالصحيح : « قضى عليّ عليه‌السلام في رجل تزوّج امرأة وأصدقها واشترطت أنّ بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنّة ، وولّت الحقّ مَن ليس بأهله » قال : « فقضى أنّ على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق ، وذلك هو السنّة » (١).

وبإزاء هذه الأخبار أخبارٌ أُخر شاذّة قاصرة الأسانيد ، ومع ذلك فهي مختلفة ما بين مصرّح بفساد النكاح ، كالخبر : في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : « ولّى الأمر من ليس بأهله ، خالف السنّة ، ولم يجز النكاح » (٢).

ومصحّح للشرط وملزم للوفاء به ، كالموثّق : فيمن تزوّج امرأة ، ثم طلّقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل لله عليه أن لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك ، كيف يصنع؟ قال : « بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له : فليف للمرأة بشرطها ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المؤمنون عند شروطهم » (٣).

وحمل الأخيرة في الكتابين تارةً على الندب ، وأُخرى على النذر وينافيهما الاستشهاد بما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط من حيث إنّه شرط وثالثةً على التقيّة ؛ لكونه مذهب العامّة (٤) ، وهو المعيّن ، كما يستفاد من‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٩ أبواب المهور ب ٢٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٨٨ / ٣٠١ ، الإستبصار ٣ : ٣١٣ / ١١١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٩٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٤١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢.

٥٩

المعتبرة.

وفي المسألة وجهٌ بفساد المهر خاصّة ؛ لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق ، فهو في حكم المال ، والرجوع إلى قيمته متعذّر ؛ للجهالة ، فيجهل الصداق ، فيرجع إلى مهر المثل ، إلاّ أن يزيد المسمّى والشرط لها ، أو ينقص والشرط عليها ، فيجب المسمّى.

( أمّا لو شرطت أن لا يقتضّها ) أو لا يطأها ( صحّ ) كلّ من العقد والشرط مطلقاً ، وفاقاً للنهاية والإرشاد والمسالك (١) ؛ تمسّكاً بعمومي ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد والشرط ، والتفاتاً إلى خصوص المعتبرة الناصّة في المتعة ، والمطلقة فيها وفي الدائمة.

فالأول : الصحيح : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها متعة ، فقالت : أُزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر والتماس ، وتنال منّي ما ينال الرجل من أهله ، إلاّ أنّك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذّذ بما شئت ، فإنّي أخاف الفضيحة ، قال : « لا بأس ، ليس له إلاّ ما اشترط » (٢).

والثاني : الموثّق : رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : « إذا أذنت له فلا بأس » (٣).

ونحوه خبر آخر (٤) ، في سنده ابن فضّال ، المجمع على تصحيح‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٤ ، الإرشاد ٢ : ١٧ ، المسالك ١ : ٥٥٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٧٠ / ١١٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٧٢ أبواب المتعة ب ٣٦ ح ١ ؛ وليس في الجميع لفظة : « متعة ».

(٣) الفقيه ٣ : ٢٩٧ / ١٤١٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٩ / ١٤٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٥ أبواب المهور ب ٣٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٨ أبواب المهور ب ٣٩ ح ٢.

٦٠