رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

استحباب ما هي عليها من الهيئة ، وأنّها على الفضيلة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة ، كالصحيح : « إذا قالت المرأة جملة : لا أُطيع لك أمراً ، مفسّراً أو غير مفسّر حلّ له ما أخذ منها » (١) ونحوه غيره (٢).

وبالجملة : المستفاد من النصوص جملةً هو اعتبار تعديتها في الكلام خاصّة تعديةً يوهم وقوعها في الأُمور المحرّمة لولا البينونة ، وأمّا أنّ ذلك بعبارة مخصوصة فلا البتة ، فاعتبارها كما وجدناه في عبارة بعض من عاصرناه (٣) فاسد بالضرورة.

ويتفرّع على هذا الشرط فساد الخلع مع عدمه مطلقاً ، ولو أتبع بالطلاق جدّاً ، فإنّه حينئذٍ يكون رجعيّاً لا بائناً.

( ولا يجب ) الخلع ( لو قالت : لأُدخلن عليك من تكرهه ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ للأصل السالم عن المعارض.

خلافاً للشيخ وجماعة (٤) ، فيجب لو قالت ذلك ، أو خيف عليها الوقوع في المعصية ؛ لكون ذلك منها منكراً ودفعها واجب ، ولا يتم إلاّ بالخلع.

وفيه منع ، مع عدم انحصاره فيه ، وإمكانه بالفراق المطلق ، فلا يجب‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤١ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٣ ، التهذيب ٨ : ٩٧ / ٣٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣١٦ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٦ / ٣٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣١٦ / ١١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ح ٢.

(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٥٩٨ ، ٥٩٩.

(٤) الشيخ في النهاية : ٥٢٩ ، والخلاف ٤ : ٤٢١ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٣١.

٣٦١

( بل يستحب ) في المشهور ، ومستنده من النصوص غير واضح ؛ لأنّ غايتها الدلالة على الإباحة ، لا الاستحباب والفضيلة.

نعم هو متوجّه من حيث المسامحة في أدلّة الكراهة ، والاكتفاء في الحكم بها بمجرّد الخروج عن الشبهة.

وربما قيل (١) باستحباب مطلق الفرقة ، لا الخلع خاصّة.

وقيل (٢) بنفي الاستحبابين ، والاقتصار على الإباحة ؛ اقتصاراً على النصوص ؛ لعدم تجويزه المسامحة في دليل الكراهة كسائر الأحكام الشرعية.

( ويصحّ خلع الحامل مع ) رؤيتها ( الدم ) و ( لو قيل : إنّها تحيض ) لصحة طلاقها معه إجماعاً ، كما مضى (٣) ، وهو طلاق أيضاً ، كما في المستفيضة المتقدّمة (٤) ، فيصح معه جزماً.

وقيل (٥) بالعدم ؛ لعموم ما تقدّم في اشتراط الوقوع في الطهر (٦).

وفيه منع ؛ لعدم تبادر المقام منه للندرة ، مع ظهور سياقه في اتحادها مع المطلّقة ، ولذا ذكرت معها في الحكم في المسألة ، فقال : « لا طلاق ، ولا خلع ، ولا مباراة ، إلاّ على طهر من غير جماع » (٧) والأوّل هو الأظهر ، ومختار الأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر.

( ويعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين ) إجماعاً ؛ لأنّه كما مضى‌

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٦٦.

(٢) كما في نهاية المرام ٢ : ١٣٧.

(٣) راجع ص ٢٤٩.

(٤) في ص ٣٥٥.

(٥) لم نعثر عليه ولعله مجهول القائل كما أشار إليه في نهاية المرام ٢ : ١٣٧.

(٦ و ٧) راجع ص ٣٥٨.

٣٦٢

طلاق ، ومن حكمه ذلك ، وأمّا على القول بأنّه فسخ فللمعتبرة ، منها الصحيح المتقدّم في اعتبار الطهر (١).

( و ) يعتبر أيضاً ( تجريده عن الشرط ) وما في معناه ، إجماعاً ؛ لاعتباره في الطلاق فليعتبر هنا أيضاً إن قلنا بكونه طلاقاً ، وكذا إن قلنا بالعدم ، لا لذلك ، بل للأصل ، ولزوم الاقتصار على المستفاد من النص ، وليس إلاّ الخلع المنجّز.

( ولا بأس بشرط يقتضيه العقد ، كما لو شرط الرجوع إن رجعت ) ووجهه ظاهر ، مع أنّه لا خلاف فيه.

( وأمّا اللواحق فمسائل ) أربع :

( الاولى : لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصحّ ) الخلع المفيد للبينونة بالضرورة ؛ لفقد شرطه الذي هو كراهة الزوجة بالإجماع والمستفيضة المتقدّمة (٢) ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في خصوص المسألة.

( و ) يتفرع عليه أنّه ( لم يملك الفدية ) لاشتراطه بصحة الخلع المتوقفة على كراهة المرأة التي هي كما عرفت منتفية ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه ، مع إطلاق الآية (٣) والمستفيضة (٤) بعدم حلّ أخذها منها إلاّ بعد الكراهة.

وفي وقوع الطلاق رجعيا حينئذٍ لو اتبع الخلع ، أو اكتفي به عن‌

__________________

(١) راجع ص ٣٥٨.

(٢) راجع ص ٣٥٨.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٢٧٩ ، ٢٨٢ أبواب الخلع والمباراة ب ١ ، ٢.

٣٦٣

الخلع أم لا ، وجهان ، ظاهر الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد وجماعة (١) : نعم.

وهو حسن إن عرف المطلّق فساد البذل وعدم لزومه بطلاقه ، وإلاّ فهو مشكل ؛ لانتفاء النص ، مع اقتضاء الأصل والقاعدة ذلك ، من حيث عدم تحقق القصد إلى الطلاق المجرّد عن البذل ، وإنّما المقصود الطلاق المعلّق عليه المشروط به المستلزم فساده لفساده ، بخلاف الصورة المستحسنة ، من حيث انتفاء هذه الشبهة فيه من حيث المعرفة ، فإنّه بها قاصد إلى الطلاق المنجّز البتّة ؛ لعلمه بعدم حلّ الفدية بالمرّة.

إلاّ أن يقال في الصورة الأُولى : بكون البذل الفاسد سبباً لوقوع الطلاق المجرّد وداعياً إليه ، وهو غير ملازم لكونه شرطاً فيه يفسد بفساده.

وهذا أقوى.

ثمّ من النظر في المسألة ينقدح كون الطلاق بالعوض من أقسام الخلع ، وأنّه يشترط فيه كراهة الزوجة ليحصل به حلّ الفدية والبينونة كالمختلعة.

فما في المسالك والروضة (٢) من عدم الاشتراط بها فيه ، وصحة البذل وحصول البينونة بدونها غير جيّد ؛ لما فيه من المنافاة لما دلّ على اشتراط حلّ البذل بالكراهة من الكتاب والإجماع والسنّة.

ومع ذلك فإفادته البينونة مخالفة للأُصول الممهّدة ، فإنّ الأصل في الطلاق بنفسه عدمها ، بل الرجعة ، والخروج عنها يحتاج إلى دلالة ، وهي مع كراهة الزوجة ثابتة ؛ لما عرفت من إجماع الطائفة ، لا النصوص ؛

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٥٥ ، القواعد ٢ : ٧٧ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٤٧٦ ، والروضة ٦ : ١٠٠.

(٢) المسالك ٢ : ٦٧ ، انظر الروضة ٦ : ١٠٠.

٣٦٤

لاختصاصها بالمخالعة دون الطلاق بفدية ، وأمّا مع عدمها فلا ؛ لعدم الإجماع والنص هنا بطريق أولى ؛ لظهور فتاوي أصحابنا والنصوص في خلافه جدّاً ، بحيث يظنّ إجماعهم عليه ظاهراً ، مع أنّه صرّح بعض الأجلّة (١) بعدم الموافقة له أصلاً.

( الثانية : ) إذا صحّ العقد مع الفدية كان بائناً إجماعاً ، فـ ( لا رجعة للخالع ) مطلقاً ، طلاقاً كان الخلع أو فسخاً ، بلا خلاف ؛ للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعضها (٢) ، وسيأتي بعض آخر أيضاً (٣).

( نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : « إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت » (٤).

والموثق : « المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعنّ في بضعك » (٥).

وظاهره جواز رجوعها مطلقاً ، كما هو الأشهر الأقوى.

خلافاً لابن حمزة (٦) ، فاشترط في جوازه الاشتراط أو الرضاء ؛ لأنّه عقد معاوضة فيعتبر في فسخه رضاهما ، ونفى عنه البأس في المختلف (٧).

وهو اجتهاد في مقابلة النص.

نعم المعتبر إمكان رجوعه في صحة رجوعها ، وإن لم يعتبر رضاه ؛

__________________

(١) وهو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٣٩.

(٢) في ص ٣٥٢.

(٣) في ص ٣٦٥.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.

(٥) التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٣ أبواب الخلع والمباراة ب ٧ ح ٣.

(٦) الوسيلة : ٣٣٢.

(٧) المختلف : ٥٩٥.

٣٦٥

لأنّ ظاهر الرواية تلازم الحكمين ، ولا دليل على رجوعها مطلقاً ، مع مخالفته الأصل جدّاً ، مع أنّه في الجملة إجماع ظاهراً ، ولذا قال : ( ويشترط رجوعها في العدّة ، ثم لا رجوع ).

لكن إطلاق العبارة يقتضي جواز الرجوع في العدّة البائنة ، وهو مشكل ؛ لما عرفت من الدلالة على اعتبار إمكان الرجوع مطلقاً ، مع أنّه المشهور بين الطائفة ، كما في الروضة (١).

وعلى هذا فلو كانت المطلّقة بائنة أو رجعيّة وكانت عدّتها منقضية لم يجز لها الرجوع البتّة ؛ لعدم إمكان رجوعه في البضع.

ولو رجعت مع الإمكان إلاّ أنّها ما أعلمت الزوج حتى انقضت العدة فالأقرب وفاقاً لجماعة (٢) عدم الصحة ؛ قصراً للرجعة المخالفة للأصل على مورد النص ، وليس محل الفرض.

ثم إنّه حيث ترجع المرأة في البذل تصير العدّة رجعيّة ، سواء رجع أم لا ، لكن في ترتّب أحكام العدّة الرجعية عليها مطلقاً ، كوجوب النفقة والإسكان وغير ذلك وجهان.

والعدّة بائنة قبل رجوعها إجماعاً ، فيصح له التزويج بأخت المختلعة والرابعة.

مضافاً إلى الأصل ، وصريح الصحيح في الأوّل خاصّة : عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال : « نعم ، قد برئت عصمتها ، وليس له عليها رجعة » (٣)

__________________

(١) الروضة ٦ : ١٠٦.

(٢) منهم المحقق السبزواري في الكفاية : ٢١٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٣٢ ، على ما فهم من عبارته الشهيد في غاية المراد ٣ : ٢٦٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ / ٤٧٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٠ أبواب الخلع والمباراة ب ١٢ ح ١.

٣٦٦

والتعليل ظاهر في انسحاب الحكم في البائنة مع عدم القول بالفرق.

ومتى تزوّج بها امتنع رجوعها ؛ لاشتراط إمكان رجوعه كما عرفت ، وليس بممكن هنا إجماعاً ، إلاّ إذا طلّقها بائناً في العدّة ، فيجوز له الرجوع حينئذٍ ؛ لزوال المانع.

( الثالثة : لو أراد مراجعتها ولم ترجع ) هي ( في البذل افتقر ) تزويجها ( إلى عقد جديد في العدّة ) كان ( أو بعدها ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : « كانت بائناً بذلك ، وكان خاطباً من الخطّاب » (١).

( الرابعة : لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدّة ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وعدم المقتضي له ( لانقطاع العصمة بينهما ) الموجبة لذلك.

مضافاً إلى صريح الخبر ، وفيه : « وأمّا الخلع والمباراة فإنّه يلزمها » إلى أن قال : « ولا ميراث بينهما في العدّة » (٢).

ونحوه الموثق في المبارأة : « المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ، ولا ميراث بينهما ؛ لأنّ العصمة بينهما قد بانت من ساعة كان ذلك منها ومن الزوج » (٣) ونحوه الحسن الآتي (٤) ، والتعليل موجب للتعدية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٩٥ / ٣٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٣١٥ / ١١٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٩ / ٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ١٠٢ / ٣٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣١٩ / ١١٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٩ ح ٣ ، وفي الجميع : لأن العصمة فيما ..

(٤) في ص ٣٦٨.

٣٦٧

( المباراة )

وأصلها المفارقة ، قال الجوهري : تقول : بارئت شريكي إذا فارقته ، وبارأ الرجل امرأته (١).

وهي طلاق بعوض مترتّب على كراهة كلّ من الزوجين صاحبه ، كما يأتي.

والكلام في صيغتها كما في الخلع من الافتقار إلى استدعاء المرأة مع الكراهة ، أو القبول كذلك ، واللفظ الدال عليه من قبل الزوج ، و ( هو أن يقول : بارأتك ) بالهمزة ( على كذا ) فأنتِ طالق.

ولو قال بدلاً من بارأتك : فاسختكِ ، أو أبنتكِ ، أو غيره من الألفاظ متبعاً لها بالطلاق صحّ ؛ إذ المقتضي للفرقة التلفّظ به لا بها ، بل لو تجرّد عنها وقال : أنتِ طالق على كذا صحّ ، وكان مباراة ؛ إذ هي كما عرفت عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين ، وليس الطلاق بالعوض إيقاعاً خارجاً عن الخلع والمباراة ، بل هو إمّا خلع أو مبارأة ، فإن قصد به الخلع وجمع شروطه وقع خلعاً ، كوقوعه مباراة لو قصدها مع اجتماع شرائطها ، ويجوز انصرافه إلى أحدهما مع اجتماع شرائطهما ، ولو جمع شروط أحدهما انصرف إليه ، ولو انتفت شروط كل منهما وقع باطلاً أو رجعيا ؛ لما مضى (٢) من انحصار الطلاق البائن بالعوض في الأمرين.

__________________

(١) انظر الصحاح ١ : ٣٦.

(٢) في ص ٣٦٣.

٣٦٨

خلافاً لمن شذّ وقد مر (١) فاستوجه الصحة مع البينونة حيث لم يقصد به أحدهما ؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الطلاق مطلقاً ، وعدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.

وقد مر (٢) وجه ضعفه من اتفاق الطائفة واستفاضة المعتبرة بفساد البذل مع عدم كراهة المرأة ، وفساده بذلك كما هو الفرض هنا إمّا مستلزم لفساد الطلاق المترتّب عليه أيضاً ، كما قيل (٣) ، أو موجب لعدم البينونة وإن صحّ الطلاق ؛ لخروجه عن الأمرين المنحصر فيهما الطلاق البائن بالبذل بمقتضى المستفيضة ، كما قاله الأكثر ، وعموم الأدلّة لا يستفاد منه سوى الصحة دون البينونة ، اللهم إلاّ أن يقول بمجرّد الصحة دون البينونة ، لكن فيه منافاة لما قدّمنا عنه.

( و ) كيف كان ( هي ) أي المبارأة تمتاز عن الخلع بأنّها ( تترتّب ) صحتها ( على كراهة الزوجين كل منهما صاحبه ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع كما حكاه جماعة (٤) ، وبه ظاهر بعض المعتبرة ، المنجبر قصور سنده مع حجّيته في نفسه بالشهرة ، كاعتضاد الدلالة بها ، فلا ضير إن لم تكن صريحة ، وهو الموثق : عن المبارأة كيف هي؟ قال : « يكون للمرأة على زوجها شي‌ء من صداقها أو من غيره ، ويكون قد أعطاها بعضه ، ويكره كلّ واحد منهما صاحبه ، فتقول المرأة : ما أخذت منك فهو لي ،

__________________

(١ و ٢) في ص ٣٦٤.

(٣) انظر نهاية المرام ٢ : ١٤٢.

(٤) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، وانظر نهاية المرام ٢ : ١٤٢ ، والكفاية : ٢١١ ، والحدائق ٢٥ : ٦٢٣.

٣٦٩

وما بقي عليك فهو لك ، وأبارئك ، فيقول لها الرجل : فإن رجعت فيما تركت فأنا أحقّ ببضعك » (١).

ويستفاد منه كغيره اعتبار صدور القول المذكور من الزوج ، وهو أحوط ، وإن لم يذكره من الأصحاب أحد ، ولذا حمله على الاستحباب ، أو إرادة بيان التنبيه للمرأة على عدم جواز ارتجاعها البذل إلاّ مع إمكان رجوع الزوج في البضع ، متّجه.

( ويشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر ) بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً ، وبالإجماع صرّح جماعة (٢) ، وهو الحجة فيه خاصّة ، لا النصوص ، فإنّها في عدم الاشتراط ظاهرة ، بل صريحة ، كالحسن (٣) : « المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ، ولا ميراث بينهما ؛ لأنّ العصمة منهما قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج » (٤).

لكنّها شاذّة ، والظاهرة منها لعدم الصراحة للتأويل بالحمل على المبارأة الشرعية المستجمعة للشرائط التي منها الإتباع بالطلاق قابلة ، والصريحة عن المقاومة للأصل والإجماعات المحكية المستفيضة بحسب‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠١ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٨ ح ٣.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٧٣ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٤ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٥٨ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٨٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٧٤.

(٣) كذا ، ولا يخفى أنّه رحمه‌الله قد عبّر عنه آنفاً في ص ٣٦٦ بالموثق.

(٤) التهذيب ٨ : ١٠٢ / ٣٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٣١٩ / ١١٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٩ ح ٣.

٣٧٠

السند قاصرة ، فليس عمّا ذكره الأصحاب مندوحة ، وإن لم يوجد لما ذكروه من الأخبار شاهد ولا قرينة ، كما اعترف به جماعة (١).

والذي يختلج بالفكر الكليل والفهم العليل إمكان الاستناد لما ذكروه إلى الصحيح : عن المرأة تباري زوجها أو تنخلع (٢) منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال : « تبين منه » إلى أن قال : قلت : إنّه قد روي أنّها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق ، قال : « ليس ذلك إذا خلع » الخبر (٣).

لما مرّ (٤) من ظهور « إذا » في الشرطية ، و « خلع » في فعلها ، فعلى هذا يفهم منه أنّ عدم اشتراط الإتباع بالطلاق المشار إليه بذلك مخصوص بالخلع ، ويلزم منه ثبوته في المبارأة المسئول عنها أيضاً ، وإلاّ لما كان لتخصيص النفي بالخلع وجه أصلاً.

نعم ربما نافاه الحكم بالبينونة من دون الإتباع فيها في صدر الرواية ، ولكن يمكن تخصيصه بالخلع خاصّة ، بمعنى عدم توجّه الحكم المزبور إلى المبارأة لضرب من المصلحة ، ولا بُعد في ارتكاب مثل ذلك بعد قيام القرينة في ذيل الرواية ؛ مضافاً إلى إجماع الطائفة ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٤٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٢٥.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصدر : تختلع ، ولعله الأنسب.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٣١٨ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٦ أبواب الخلع والمباراة ب ٣ ح ٩.

(٤) في ص ٣٥٣.

٣٧١

( والشرائط المعتبرة في ) كلّ من ( الخالع والمختلعة مشترطة هنا ) بالإجماع ، والمعتبرة الدالّة على أنّ المبارأة طلقة بائنة (١) ، فيعتبر فيها وفي المباري ما يعتبر في المطلِّق والمطلَّقة كما في الخلع.

مضافاً إلى صريح الصحيح : « لا طلاق ولا خلع ، ولا مباراة ، ولا خيار ، إلاّ على طهر من غير جماع » (٢).

وفي آخر ما يدل على أنّه يعتبر في المبارأة حضور شاهدين (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وكذا يثبت أحكام الخلع هنا ، إلاّ ما وقع عليه الاستثناء.

( و ) منها : أنّها طلقة بائنة ( لا رجوع للزوج إلاّ أن ترجع الزوجة في البذل ) ولا رجوع لها فيه إلاّ مع إمكان رجوعه في البضع.

( فإذا خرجت من العدّة فلا رجوع لها ) لما مضى هنا وفي الخلع أيضاً (٤).

قيل : إلاّ أنّ الأولى هنا اشتراط الرجوع في البضع لو رجعت ؛ للموثق المتقدّم (٥) ؛ مضافاً إلى الصحيح : « المبارأة أن تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك ، واتركني ، فيتركها ، إلاّ أنّه يقول لها : فإن ارتجعت في شي‌ء منه‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٩ / ٣٣٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٣ / ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩١ أبواب الخلع والمباراة ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٢٩٠ أبواب الخلع والمباراة ب ٦.

(٤) راجع ص ٣٦٤.

(٥) في ص ٣٦٨.

٣٧٢

فأنا أملك ببضعك » (١) ولا معارض لهما في البين (٢). انتهى.

وليس فيهما سوى اشتراط الزوج رجوعه في البضع لو رجعت في البذل ، وهو غير اشتراطها الرجوع في البذل ، فلا يكون فيهما حجّة على المشهور المجوّزين لرجوعها من دون اشتراطها الرجوع مطلقاً ، وإن لم يرض الزوج ، بل ظاهرهما جواز رجوعها مطلقاً ، ولو مع عدم شرطها ورضاءٍ من الزوج أصلاً ، فإذاً ما هو الأشهر أقوى ، فتأمّل.

ثم إنّ إطلاق العبارة باعتبار شروط المختلعة في المبارئة حسن على طريقة الأصحاب ، حيث لم يشترطوا فيها في المختلعة عدا مجرّد الكراهة وإن لم تكن شديدة ، ومشكل على ما قدّمناه من اعتبار الشدّة ، بل ينبغي استثناؤها هنا والاكتفاء بمجرّد الكراهة ؛ للأصل ، والإطلاق ، وخصوص الصحيح : « المبارئة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام ، وتتكلّم بما لا يحلّ لها » (٣).

( ويجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه ) من تمام المهر ( فما دون ) على الأشهر الأظهر ؛ للأصل ، والصحيح : « لا يجوز أن يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه » (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٤ أبواب الخلع والمباراة ب ٨ ح ١.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ١٤٦.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٢ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠١ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٤٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨٧ أبواب الخلع والمباراة ب ٤ ح ٢.

٣٧٣

وليس في سنده اشتراك كما ظنّ (١) ، وعلى تقديره بالأصل والشهرة منجبر ، ومترجّح بذلك على الصحيح المتقدّم قريباً ، وإن عمل به الصدوقان والعماني كما حكي (٢) ، مع أنّه حسن في المشهور ، فلا يعارض الضعيف المنجبر بما مرّ ، مع ظهور احتمال كونه من الصحيح.

وأمّا القدح فيه بالقطع فليس على ما ينبغي ؛ لاستناده إلى أبي جعفر عليه‌السلام في الكافي ، وهو أضبط من التهذيب الذي قطع فيه (٣).

( و ) كيف كان هما نصّ في أنّه ( لا يحلّ له ما زاد عنه ) مع أنّه أيضاً إجماعي ، وهو أحد الفوارق بين المقام والخلع.

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ١٤٧.

(٢) الصدوق في المقنع : ١١٧ ، وحكاه عن والده وعن العماني في المختلف : ٥٩٥.

(٣) لا يخفى عدم وجود قطع في التهذيب الذي يكون بأيدينا ، فلاحظ.

٣٧٤

( كتاب الظهار )

وهو فِعال من الظهر ، اختصّ به الاشتقاق لأنّه محلّ الركوب في المركوب ، والمرأة مركوب الزوج ، والمراد به هنا تشبيه المكلّف من يملك نكاحها بظهر محرّمة عليه أبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة أيضاً ، وهو محرّم ، وإن تترتّب عليه الأحكام ؛ لقوله سبحانه ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (١). لكن قيل : إنّه لا عقاب فيه ؛ لتعقّبه بالعفو (٢).

ويضعّف بأنّه وصف مطلق ، فلا يتعيّن كونه عن هذا الذنب المعيّن ، لكن المستفاد من بعض المعتبرة (٣) تعلّقه به ، إلاّ أنّه بالنظر إلى المظاهر الذي نزلت الآية في شأنه.

( وينعقد بقوله : أنت عليّ كظهر أمّي ) قاصداً إليه ، إجماعاً ، والنصوص به مستفيضة (٤) ، لكنّها متّفقة بذكر هذه العبارة التي لم تختلف فيها حروف الصلة ، لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على الانعقاد ( وإن اختلفت حروف الصلة ) بأن بدّلت « أنتِ » بهذه ، أو زوجتي ، أو فلانة ، و « علي » بمنّي ، أو عندي ، أو معي ، بل صرّح بالإجماع بعضهم (٥) ، وهو‌

__________________

(١) المجادلة : ٢.

(٢) القائل هو الفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٢٩٠.

(٣) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٠٣ أبواب الظهار ب ١.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٣٠٣ أبواب الظهار ب ١ وب ٢ ح ٢ وب ٤ ح ٢ و ٣.

(٥) كالشيخ في المبسوط ٥ : ١٤٩.

٣٧٥

الحجة فيه ، مع إمكان التمسّك بإطلاق الآية.

وبه يصحّ ما عن الأكثر (١) من الانعقاد ولو مع حذف الصلة ، كأن يقول : أنتِ كظهر أمّي.

خلافاً للتحرير (٢) ، فاستشكل فيه ؛ لعدم الصراحة ، واحتمال إرادة التحريم على غيره.

وردّ بالبُعد ، وكفاية الظهور (٣).

وهو حسن إن قام دلالة على الكفاية ، وإلاّ فأصالة الإباحة تنافيها ، بل تحوج إلى الصراحة كما في الطلاق ، ولا ريب أنّ ما ذكروه أحوط.

( وكذا يقع لو شبّهها بظهر ) امرأة ( ذي رحم ) مطلقاً ( نسباً ) كان ( أو رضاعاً ) على الأشهر الأقوى ، بل ربما أشعر عبارة الطوسي والمهذّب (٤) بالإجماع عليه منّا ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيحين ، في أحدهما : عن الظهار؟ فقال : « هو عن كل ذي محرم أُمّ ، أو أُخت ، أو عمّة ، أو خالة ، ولا يكون الظهار في يمين » قلت : فكيف؟ قال : « يقول الرجل لامرأته وهي طاهرة في غير جماع : أنتِ عليّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي ، وهو يريد بذلك الظهار » (٥).

وفي الثاني : الرجل يقول لامرأته : أنتِ عليّ كظهر عمّته أو خالته ،

__________________

(١) حكاه عن الأكثر في نهاية المرام ٢ : ١٥١.

(٢) التحرير ٢ : ٦١.

(٣) نهاية المرام ٢ : ١٥١.

(٤) الطوسي في المبسوط ٥ : ١٤٩ ، المهذب ٢ : ٢٩٨.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٤٠ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٩ أبواب الظهار ب ٤ ح ١.

٣٧٦

قال : « هو الظهار » (١).

وعموم الأوّل يشمل المحرّمات الأبديّة ولو بالمصاهرة ، وبه أفتى في المختلف (٢) ، ووافقه جماعة (٣) ، ولا يخلو عن قوّة.

خلافاً للحلّي (٤) فيمن عدا الأُمّ النسبي مطلقاً ، فنفاه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الكتاب وما أجمع عليه الأصحاب.

وهو حسن على أصله ، مدفوع على غيره ؛ لمكان الصحيحين.

نعم في الصحيح : يقول الرجل لامرأته : أنتِ عليّ كظهر أختي ، أو عمّتي ، أو خالتي ، فقال : « إنّما ذكر الله تعالى الأُمّهات ، وإنّ هذا لحرام » (٥).

وردّ بأنّه لا دلالة فيه على نفيه ، مع أنّه أجاب بالتحريم.

وفيه نظر ؛ فإنّ ظهوره فيما ذكره لا يمكن أن ينكر ، نعم ما ذكره محتمل ، فليست الدلالة صريحة ، ومعه قصرت الرواية عن المقاومة للخبرين مع تعدّدهما ، واعتضادهما بالفتوى ، وبالإجماع الذي مضى.

ووافقه غيره (٦) ، لكن عمّم الامّ للرضاعيّة ، إمّا لصدق الامّ عليها حقيقة ، أو لحديث : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٧) وفيهما‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٨ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٠ أبواب الظهار ب ٤ ح ٢.

(٢) المختلف : ٥٩٨.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٧٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٥٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١١ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٦٣٧.

(٤) السرائر ٢ : ٧٠٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٥٧ / ١٨ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٠ أبواب الظهار ب ٤ ح ٣.

(٦) انظر المسالك ٢ : ٧٤.

(٧) الكافي ٥ : ٤٣٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٩١ / ١٢٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١ ح ٣.

٣٧٧

نظر ، سيّما الأوّل.

ووافقه القاضي (١) في تخصيص الامّ بالنسبية ، كما حكي ، إلاّ أنّه عدّى الحكم إلى من عدا الأُمّ النسبية من ذوات الأرحام نسباً ؛ تمسّكاً في التخصيص ، بالنسب إلى ما مرّ من الأصل ، وفي التعميم إلى من عدا الامّ بالصحيحين ، زاعماً عدم عمومٍ فيهما يوجب التعدية إلى المحرّمات رضاعاً ؛ لتبادر المحرم النسبي من ذي محرم وعمّة وأُخت.

وفيه نظر ؛ لعدم الحكم للتبادر مع العموم اللغوي وما في حكمه ، فهو ضعيف ، كموافقة الأكثر له في عدم التعدية إلى المحرّمات بالمصاهرة ؛ لعموم كل ذي محرم لها ؛ مضافاً إلى الاشتراك في العلّة ، وهي كونه منكراً وزوراً ، كذا ذكره شيخنا العلاّمة (٢) ، ولعلّه لا يخلو عن مناقشة.

( و ) لو شبّهها بكلّها ، كأنتِ مثل أُمّي ، أو بغير الظهر من أعضائها ، كما ( لو قال ) أنتِ ( كشعر أُمّي أو يدها ) أو شبّه عضواً منها بكلّها ، كأن يقول : يدكِ كأُمّي ، أو بأحد أعضائها ( لم يقع ) على الأصحّ ، وفاقاً للأكثر ، بل في الانتصار (٣) الإجماع عليه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق والنصّ المعتبر.

مضافاً إلى النظر إلى الاشتقاق ، وظهور الصحيح المتقدّم في الحصر في التشبيه بالظهر ، حيث سئل عن الظهار وأنّه كيف هو؟ فأجاب بأنتِ حرام مثل ظهر أُمّي (٤).

__________________

(١) المهذّب ٢ : ٢٩٩.

(٢) المختلف : ٥٩٨.

(٣) الانتصار : ١٤٢.

(٤) راجع ص ٣٧٤.

٣٧٨

( وقيل ) (١) ( : يقع ) لاعتبارات قياسية غير مسموعة في نحو المسألة ، نعم للمصير إلى الوقوع في الثاني خاصّة وجه ( ب ) سبب ( رواية ) سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يقول لامرأته : أنتِ عليّ كشعر أُمّي ، أو كبطنها ، أو كرجلها قال : « ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار » (٢) ونحوها اخرى (٣).

لكن ( فيها ) كالثانية ( ضعف ) ومع ذلك موافقة للعامة ، كما في الانتصار (٤) ، فلا يخرج بهما عن الأصل ، سيّما مع اعتضاده بالشهرة والإجماع المتقدّم ، ويعارض به الإجماع المدّعى في الخلاف (٥) على الوقوع في الثاني لو تمسك به ، مع أنّه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف.

لكن الأحوط ذلك ، بل الوقوع مطلقاً ، سيّما لو شبّهها بكلّها ؛ لاحتمال الوقوع فيه بالفحوى ، وإن كان لا يخلو عن نظر جدّاً.

( ويشترط ) فيه ما يشترط في الطلاق ، فيعتبر ( أن يسمع نطقه شاهدا عدل ) بلا خلاف ، بل في الانتصار وعن الحلي (٦) عليه الإجماع ، وهو الحجة ، كالمعتبرة المستفيضة العامة والخاصة ، فمن الأوّل : الصحيح المتقدّم : « لا يكون الظهار إلاّ على موضع الطلاق » (٧) ونحوه غيره (٨).

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٣٠.

(٢) التهذيب ٨ : ١٠ / ٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٧ أبواب الظهار ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٦١ / ٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣١٦ أبواب الظهار ب ٩ ح ١.

(٤) الانتصار : ١٤٢.

(٥) الخلاف ٤ : ٥٣٠.

(٦) الانتصار : ١٤١ ، السرائر ٢ : ٧١٠.

(٧) الكافي ٦ : ١٥٤ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٣ / ٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦١ / ٩٣٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ٣.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٧ أبواب الظهار ب ٢ ح ٣.

٣٧٩

ومن الثانية : الصحيح وغيره : « لا يكون ظهار إلاّ على طهر بغير جماع ، بشهادة شاهدين مسلمين » (١).

وظاهره الاكتفاء في الشهود بالإسلام ، إلاّ أنّ ظاهر الأوّل وصريح الأصحاب اعتبار العدالة كاعتبارها في شهود الطلاق ، وعليه يحمل إطلاق الثاني ؛ مضافاً إلى الاستقراء الكاشف عن اعتبارها في الشهود مطلقاً ، فلا وجه لنظر بعض من تأخّر (٢) فيما ذكر.

( وفي صحته مع ) التعليق على ( الشرط ) كأن يقول : أنت كظهر أمّي إن فعلت كذا ، غير قاصد للزجر أو البعث ؛ فإنّه مع القصد إليهما يمين لم يقع بإجماعنا ، فتوًى ونصّاً ، كما يأتي (٣) ( روايتان ) باختلافهما اختلف الأصحاب.

إلاّ أنّ ( أشهرهما ) كما هنا وفي المسالك (٤) بين متأخّري أصحابنا : ( الصحة ) بعد تحقق الشرط ، واختاره من المتقدّمين الصدوق والطوسي وجماعة (٥).

وهو مع ذلك صحيح السند ، متكثّر العدد ، ففي الصحيح : « الظهار على ضربين ، أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة ، والآخر بعدها ، والذي يكفّر قبل الشروع فهو الذي يقول : أنت عليّ كظهر أمّي ، ولا يقول : إن‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٤٥ / ١٦٥٧ ، التهذيب ٨ : ١٠ / ٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٨ / ٩٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠٨ أبواب الظهار ب ٢ ح ٤.

(٢) الشهيد في المسالك ٢ : ٧٦.

(٣) في ص ٣٨١.

(٤) المسالك ٢ : ٧٦.

(٥) الصدوق في المقنع : ١٠٧ ، ١١٨ ، الطوسي في النهاية : ٥٢٥ ، والمبسوط ٥ : ١٥٠ ، والخلاف ٤ : ٥٣٦ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٣٤.

٣٨٠