رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وبإثبات الثاني غير ناهضة.

( ولو طلّق ولم يشهد ) العدلين على إنشاء الطلاق ( ثم أشهد ) هما بعد ذلك ( كان ) الطلاق ( الأوّل لغواً ) لعدم اشتماله على شرط الصحة ، وصحّ الثاني إن اشتمل على شرائطها ، وإلاّ فلا ، لعموم الأدلّة ، وعليه يحمل إطلاق العبارة المشعرة بالصحة في الشهادة الثانية.

وكذا إطلاق الصحيح : عن رجل طلّق ولم يشهد ، ثم أشهد بعد ذلك بأيّام ، فمتى تعتدّ؟ قال : « من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق » (١).

( ولا تقبل شهادة النساء ) هنا مطلقاً ، لا منفردات ولا منضمّات ، بلا خلاف ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصوص ، الظاهرة بعضها ، والصريح باقيها في الذكور.

مضافاً إلى خصوص المستفيضة ، منها الصحيح : فيمن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين ، فقال : « لا يجوز شهادة النساء في الطلاق » الخبر (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ١٠.

(٢) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤.

٢٤١

( النظر الثاني )

( في أقسامه )

( وينقسم إلى ) قسمين ( بدعة ) محرّمة ( وسنّة ) جائزة ولو بعنوان الوجوب أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.

( فالبدعة ) على ما ذكره الأصحاب ثلاثة :

أحدها : ( طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو غيبته دون المدّة المشترطة ) على تقدير اعتبارها ، مع عدم حملها.

( و ) ثانيها : طلاقها ( في طهرٍ قد قربها فيه ) مع عدم الغيبة ، أو مطلقاً مع ثبوت الوقوع فيه ، على الخلاف الذي مضى (١).

( و ) ثالثها : ( الثلاث المرسلة ) مع اعتقاد وقوعها.

( وكلّه ) أي البدعي بأقسامه ( لا يقع ) إلاّ الأخير خاصّة فواحدة ، كما سبق إليه وإلى مستند بدعية الجميع الإشارة (٢).

وتقييد الثلاث بالمرسلة يفيد عدم بدعية المرتّبة ولو لم يتخلّلها رجعة ، كما أنّ الحصر في الثلاثة يفيد عدم بدعية الطلقات الأُخر الفاسدة ، كالواقع بغير إشهاد ، أو معه من دون الصيغة المعتبرة.

وكلّ ذلك محل مناقشة إن أُريد بالبدعية : الباطلة ، ولا إن كان ذا مجرّد اصطلاح ، كيف لا؟! وليس فيه مشاحّة ، إلاّ أنّه على هذا ليس القسمة‌

__________________

(١) راجع ص ٢١٠.

(٢) في ص ٢٠٥ ، ٢١٣ ، ٢٢٤.

٢٤٢

حاصرة.

( وطلاق السنّة ) قسمان :

الأوّل : وهو المراد به هنا ما قابل البدعة ، ويقال له : طلاق السنّة بالمعنى الأعم.

والثاني : ما هو أخصّ منه ، وهو أن يطلّق على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدّة الرجعية ، لا البائنة ، كما يستفاد من النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « طلاق السنّة : يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماعٍ بشهادة شاهدين ، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها ، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطّاب ، إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا » الخبر (١) ، ونحوه غيره (٢).

وليس فيها كما ترى ما ذكره جماعة (٣) : من اعتبار التزويج بها ثانياً بعد الخروج من العدّة ، بل غايتها الدلالة على اعتباره خاصّة. وليس فيها الشمول للبائنة.

وكيف كان يقال لهذا القسم : طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ.

والأوّل على أقسام ( ثلاثة : بائن ، ورجعي ، وللعدّة ، فالبائن : ما لا يصحّ معه الرجعة ) بلا عقد.

إمّا لعدم العدّة بالمرّة ( وهو ) أقسام ثلاثة :

أحدها : ( اليائسة ) عن المحيض ومثلها لا تحيض ( على الأظهر )

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ١٠٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١.

(٣) انظر التنقيح ٣ : ٣١٧ ، والمسالك ٢ : ٢٠.

٢٤٣

الأشهر بين الطائفة ، كما سيأتي إليه الإشارة.

( و ) ثانيها : ( من لم يدخل بها ) مطلقاً.

( و ) ثالثها ( الصغيرة ) ولو دخل بها ، بلا خلاف في الأُولى ، وعلى الأشهر في الثانية مع الدخول بها بين أصحابنا ، وسيأتي إليه الإشارة أيضاً.

وإمّا لعدم إمكان الرجوع في العدّة ابتداءً وإن أمكن في الجملة ( و ) هو اثنان : طلاق ( المختلعة والمباراة ما لم ترجعا في البذل ) المعتبر فيهما.

أو مطلقاً ( و ) هو في ( المطلّقة ثلاثاً بينها رجعتان ) أو عقدتان ، أو رجعة وعقد.

( والرجعي هو ما يصح معه الرجعة ) في العدّة ( ولو لم يرجع ) ويكون فيما عدا الأقسام الستّة المتقدّمة في البائن.

وعلى هذا وما تقدّم فيه يكون طلاق المختلعة تارة من القسم الأوّل ، وهو مع الشرط المتقدّم فيه ، وأُخرى من هذا القسم مع عدمه.

( وطلاق العدّة ) على ما فسّره بعض الأجلّة (١) وفاقاً لجماعة ، كالعلاّمة في التحرير والقواعد والماتن في الشرائع (٢) أن يطلّق على الشرائط ، ثم يراجعها قبل خروجها من عدّتها ويواقعها ، ثم يطلّقها في غير طهر المواقعة ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم يطلّقها في طهر آخر.

وهو المستفاد من المعتبرة ، ففي الصحيح : « إذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم‌

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢٦٩.

(٢) التحرير ٢ : ٥٤ ، القواعد ٢ : ٦٤ ، الشرائع ٣ : ٢٤.

٢٤٤

يطلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين عدلين ، ويراجعها من يومه ذلك إن أحبّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ، ويواقعها حتى تحيض ، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة أُخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » الخبر (١) ، ونحوه غيره (٢) ممّا وقفت عليه.

والمستفاد من قوله في تفسيره : ( ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلّق ) هو أنّ المعتبر فيه أن يطلّق ثانياً بعد الرجوع والمواقعة خاصّة.

وعن بعضهم (٣) عدم اعتبار الطلاق ثانياً والاقتصار على الرجعة.

وعن النهاية وجماعة (٤) أنّ الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عِدّيّاً وإن لم يقع بعده رجوع ووقاع ، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عِدّيّاً إلاّ إذا وقع بعد الرجوع والوقاع ، قيل : وفي بعض الروايات دلالة عليه (٥).

وظاهر القولين الأوّلين اتصاف الطلاقين الأوّلين بالعِدّي دون الثالث ؛

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٦٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧ / ٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ٢.

(٣) حكاه عن العلاّمة في القواعد في نهاية المرام ٢ : ٤٧ ، وهو في القواعد ٢ : ٦٤.

(٤) الحاكي هو صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٤٧.

(٥) نهاية المرام ٢ : ٤٧.

٢٤٥

لحصول شرطه عليهما فيهما من المراجعة والمواقعة معاً ، كما في القول الأوّل ، أو الأوّل خاصة ، كما في الثاني ، ولا كذلك الطلاق الثالث ؛ لفقد الشرط فيه على القولين ، وينعكس الأمر على القول الثالث ، فيتّصف الأخير ان بالعِدّي دون الأوّل ؛ لوقوعهما بعد المراجعة والمواقعة ، دونه ؛ لعدمهما قبله.

ثم إنّ إطلاق العِدّي عليه من حيث الرجوع في العدّة.

وجعله في العبارة قسيماً للأوّلين يعطي المغايرة بينه وبينهما بالضرورة ، مع أنّه أخصّ من الأخير قطعاً ، فإنّه من جملة أفراده ، بل أظهرها جدّاً ؛ لمكان الرجوع في العدّة ، فلو جعله قسمين ثم قسّم الرجعي إليه وإلى غيره كان أجود.

نعم جعله قسيماً لهما متّجه على ما ذكرنا في تفسير العِدّي ؛ لتوقّفه عليه على الطلقة الثالثة المتعقّبة عن الرجعتين ، وهي بائنة بالضرورة ، فيرجع الأمر إلى تركّب العِدّي من البائن والرجعي ، ولا ريب أنّ المركّب منهما مخالف لأحدهما ، ولعلّه لهذا جعله قسيماً في الشرائع والتحرير (١) أيضاً كما هنا.

وبه اندفع الاعتراض الذي أورده في المسالك (٢) على الماتن ، وهو الذي أشرنا إليه هنا ، مع إمكان اندفاعه عنه هنا أيضاً وإن لم يفسَّر العِدّي بما ذكرنا ، بناءً على مخالفة تفسير العِدّي كلاًّ من تفسيري البائن والرجعي ؛ لامتيازه باشتراط الرجعة عن الأوّل ، وباشتراط الطلقة بعدها وبعد المواقعة عن الثاني ، بناءً على عدم اعتبار المواقعة والطلقة الثانية في تفسيره ؛

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٣ ، التحرير ٢ : ٥٤.

(٢) المسالك ٢ : ٢٠.

٢٤٦

للاكتفاء فيه بمجرّد الرجعة ، وهو ظاهر في عدم اعتبار شي‌ء آخر وراءها ، فاعتباره ينافيه جدّاً.

وكيف كان ( فهذه ) أي المطلّقة للعدّة خاصّة ( تحرم في ) الطلقة ( التاسعة تحريماً مؤبّداً ) إذا كانت حرّة.

( وما عداها ) من أقسام الطلاق الصحيح وهو ما إذا رجع فيها وتجرّد عن الوطء ، أو بعدها بعقدٍ جديدٍ وإن وطِئ ( تحرم ) المطلّقة ( في كل ثالثة ) للحرّة ، وفي كل ثانية للأمة ( حتى تنكح ) زوجاً ( غيره ) كحرمتها كذلك لو طلّقت للعدّة.

فالفارق بين الطلاق للعدّة وغيرها حصول التحريم المؤبّد بالتاسعة في الأوّل خاصّة ، دون الثاني ، فلا تحرم فيه أبداً ولو ارتفع إلى مائة بعد حصول المحلّل بعد كل ثلاثة ، كما تقدّمت إليه الإشارة مع الأدلّة فيه وفي المسألة السابقة ، وهي الحرمة بالتاسعة في العِدّية في السبب الرابع بعد الثالث في المصاهرة.

( وهنا مسائل خمس )

( الاولى : لا يهدم استيفاء العدّة ) وانقضاؤها ، وعدم رجوع الزوج فيها في كلّ مرّة ( تحريم الثالثة ) حتى تنكح زوجاً غيره ، وكذا لو استوفت العدة في إحدى الطلقات خاصّة ، بإجماع الطائفة ، كما حكاه جماعة (١) ، بل ربما ادّعى عليه بعض الأجلة الإجماع عليه من العلماء كافة (٢).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٠ ، المهذب ٢ : ٤٦٥ ، وفيه ، لم يختلف أحد من أصحابنا .. ، الكفاية : ٢٠٢ ، وفيه هو المعروف من مذهب الأصحاب ، مرآة العقول ٢١ : ١٣١ ، وفيه لم يقل به أحد من أصحابنا.

(٢) راجع المسالك ٢ : ٢١.

٢٤٧

والأصل فيه بعد الإجماع عموم الكتاب والسنّة ، منها الصحيح : في امرأة طلّقها زوجها ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، قال : « لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » (١).

مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، منها الصحيح : في رجل طلّق امرأته ، ثم تركها حتى انقضت عدّتها ، ثم تزوّجها ، ثم طلّقها من غير أن يدخل بها ، حتى فعل ذلك ثلاثاً ، قال : « لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره » (٢).

خلافاً لابن بكير ؛ استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الطلاق الذي يحبّه الله تعالى ، والذي يطلّق الفقيه ، وهو العدل بين المرأة والرجل : أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب ، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالث ، وهو آخر القرء لأنّ الأقراء هو الأطهار فقد بانت منه ، وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له ، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله وحلّت بلا زوج » الحديث (٣).

ونحوه روايات أُخر (٤) هي كهذه الرواية قاصرة الأسانيد ، ظاهرة الدلالة على عدم صحة الإسناد في هذه الرواية إلى زرارة ؛ لتضمّنها أنّه قال‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٦٥ / ٢١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٧ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ١١١ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٦٥ / ٢١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٧ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١١ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٥ / ١٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١١٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١٦.

(٤) الوسائل ٢٢ : ١١٤ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١١ ، ١٢.

٢٤٨

حينما سئل عنه : هذا ممّا رزق الله تعالى من الرأي.

وليس مثل ذلك قدحاً فيه ، ومنافياً لدعوى إجماع العصابة على صحة ما صحّ عنه من الرواية ، كما ذكره جماعة (١) ؛ لاحتمال رؤيته المصلحة في ذلك لتشييد ما رآه وصحّحه بأدلّة هي مستند عنده ، وحجة شرعيّة ، بعد أن رأى أنّ قدماء الرواة وأصحابه في تلك الأزمنة لا يقبلون منه ذلك بالمرّة ؛ لنسبة ذلك إلى رأيه ، فالتجأ إلى اختراع تلك النسبة إلى زرارة إعلاءً لما هو المذهب عنده والحجّة ، ويكون ذلك عنده كذباً لمصلحة ، ولعلّ مثل ذلك عنده لا ينافي العدالة.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن ذهب إليه في الفقيه (٢) ، تبعاً للرضوي (٣) ، وأخباره تنادي بضعفه في الأزمنة السابقة ؛ لدلالتها كما مضى على وقوع أصحاب القائل فيه في فتواه بالهدم باستيفاء العدّة.

( الثانية : يصح طلاق الحامل ) المستبين حملها مطلقاً ، مرّة ، إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ للأدلّة الآتية منطوقاً وفحوى ، وصاعداً أيضاً مطلقاً ، ولو كان ( للسنّة ) بالمعنى الآتي ( كما يصح للعدّة ) بالمعنى المقابل له وغيره ( على الأشبه ) الأشهر في المقامين ، بل عليه الإجماع في الشرائع والقواعد والإيضاح (٥) وشرح الأوّل للصيمري في الأخير في الجملة.

__________________

(١) من القائلين بالقدح الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٥١ ، انظر ملاذ الأخيار ١٣ : ٧٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢٠.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤١ ، المستدرك ١٥ : ٣١٥ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٤) منهم ابن فهد في المهذب ٣ : ٤٦٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣٢١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٤ ، القواعد ٢ : ٦٥ ، إيضاح الفوائد ٣ : ٣١٨.

٢٤٩

وهو الحجة فيه ، كعموم الكتاب والسنّة ، وخصوص الموثقات الثلاث في المقامين ، في إحداها : عن رجل طلّق امرأته وهي حامل ، ثم راجعها ، ثم طلّقها ، ثم راجعها ، ثم طلّقها الثالثة في يوم واحد ، تبين منه؟

قال : « نعم » (١).

وهي كما ترى مطلقة بل عامة شاملة لطلاقي العدّة والسنّة.

مضافاً إلى خصوص الخبرين في العدّة ، في أحدهما عن طلاق الحبلى؟ قال : « يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور والشهود » قلت : فله أن يراجعها؟ قال : « نعم ، وهي امرأته » قلت : فإن راجعها ومسّها ، ثم أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى؟ قال : « لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما مسّها شهر » قلت : فإن طلّقها ثانية وأشهد ، ثم راجعها وأشهد على رجعتها ، ومسّها ، ثم طلّقها التطليقة الثالثة ، وأشهد على طلاقها لكل غرّة (٢) شهر ، هل تبين منه كما تبين المطلّقة على العدّة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره؟ قال : « نعم » الخبر (٣).

وفي الثاني : في الرجل يكون له المرأة الحامل ، وهو يريد أن يطلّقها ، قال : « يطلّقها ، فإذا أراد الطلاق بعينه يطلّقها بشهادة الشهود ، فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها ويريد الرجعة بعينه فليراجع وليواقع ، ثم يبدو له فيطلّق أيضاً ، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أوّلاً ، ثم يبدو له فيطلّق ، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، إذا كان راجعها‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٤٧ ، ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ، الأحاديث ٦ ، ٨ ، ١٠.

(٢) في المصادر : عدّة.

(٣) الكافي ٦ : ٨٢ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٧٢ / ٢٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٠ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ١١.

٢٥٠

يريد المواقعة والإمساك ويواقع » (١).

والمناقشة بقصور سند هذه الأخبار سيّما الأخيرين ، مدفوعة بالاعتضاد والانجبار بالشهرة العظيمة ، والموافقة لعموم الكتاب والسنّة ، مع ما في الأخيرين من الاعتضاد بالإجماعات المحكية.

خلافاً للصدوقين وبعض متأخّري الطائفة (٢) ، فمنعوا عن الزيادة على الواحدة في المقامين مطلقاً ؛ لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، الظاهرة في أنّ طلاقها واحد ، مع تصريح بعضها بالنهي عن الزيادة على الإطلاق إلى الخروج عن العدّة التي هي هنا وضع الحمل ، إمّا مطلقاً ، كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، أو بشرط عدم مضيّ الأشهر الثلاثة ، وإلاّ فهو العدّة خاصة ، كما عن الصدوقين (٣) القائلين بالمنع مطلقا في هذه المسألة.

ومنه يظهر ما في نسبة القول بتقييد المنع بقبل الأشهر ، والجواز بعدها ولو قبل الوضع إليهما ، فإنّ التقييد في كلامهما إنما هو لبيان محلّ جواز الرجعة ، لا لتحديد محل الرخصة في الطلقة الزائدة بعد الرجعة.

وكيف كان فمن النصوص الأوّلة : الصحيح : « طلاق الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه » (٤) ونحوه غيره (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٧٢ / ٢٤١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٠ / ١٠٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٩ ، بتفاوت يسير.

(٢) الصدوق في المقنع : ١١٦ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٨٨ ؛ وانظر نهاية المرام ٢ : ٥٤.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٥٨٨ ، والصدوق في المقنع : ١١٦.

(٤) الكافي ٦ : ٨١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٤ بتفاوت يسير ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٢.

٢٥١

ومن الثانية : الخبران ، أحدهما : « في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « يطلّقها » قلت : فيراجعها؟ قال : « نعم يراجعها » قلت : فإن بدا له بعد ما راجعها أن يطلّقها ، قال : « لا حتى تضع » (١).

وثانيهما الرضوي : « وأمّا طلاق الحامل فهو واحد ، وأجلها أن تضع ما في بطنها ، وهو أقرب الأجلين ، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلّقها ، أو بعده متى كان ، فقد بانت منه وحلّت للأزواج ، فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج حتى تضع ، فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها ، أو يمضي ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر ثم يطلّقها » (٢).

وفيها نظر ؛ لعدم المقاومة لما مرّ ، فلتحمل على الفضيلة ، أو على الوحدة الصنفية ، يعني : طلاقها صنف واحد ، وهو ما عدا السنّة بالمعنى الأخصّ المتقدّم المستفاد من الأخبار ، وهو وإن تعدّد صنفاً أيضاً من حيث شموله للعدّة بالمعنى المتقدّم وغيرها ، إلاّ أنّهما يجمعهما شي‌ء واحد وهو كونهما للرجعة ، ولعلّه لهذا قسّم الطلاق في الأخبار إلى قسمين خاصة : السنّي والعدّي ، فتأمّل.

وللنهاية وجماعة (٣) في الأوّل بالمعنى الآتي ، فمنعوا عنه ، وجوّزوا العدّة المقابلة له خاصة ؛ جمعاً بين النصوص الماضية ، بحمل ما دلّ على الوحدة على السنّة بالمعنى المتقدّم خاصة ، وتقييد ما دلّ على الزيادة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٣١ / ١٦٠١ ، التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٩ / ١٠٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٧ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٧.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٣٥٠ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ١.

(٣) النهاية : ٥١٧ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٢٢ ، والمهذّب ٢ : ٢٨٥.

٢٥٢

بالعدّية خاصة ؛ للخبرين الماضيين (١) ذيل الموثقات ؛ لتصريحهما بالعدّة.

وفيه نظر ؛ لعدم استفادة التقييد من الأوّل ؛ لأنّ غايته فرض الثبوت في المورد ، وهو لا يلازم النفي عما عداه.

والثاني وإن ظهر منه التقييد من حيث الأمر ، إلاّ أنّه مقطوع ، والمنسوب إليه الحكم مجهول ، فلا يصلح للتقييد للمعتبرة ، مع ما هي عليه من المرجحات الكثيرة ، المنصوصة والاعتبارية ، الموجبة لرجحانها على هذه الرواية ، ولو كانت صحيحة السند واضحة الدلالة.

وأمّا المناقشة في هذا القول بعدم معلومية المراد من السنّة ، هل هو الأعم ، أو الأخصّ؟ مع أنّ إرادة كل منهما هنا فاسدة :

أمّا الأوّل : فبتصريح الموثق الأوّل (٢) بجواز التعدد الذي ليس بعدّي ، وهو السنّي بهذا المعنى ، مع أنّ العدي يتمشّى بهذا المعنى ، وحمله على ما عدا العدي بعيد ، وخلاف الظاهر ، وخلاف ما يقتضيه الجمع.

وأمّا الثاني : فلشمول النصوص المجوّزة له ولغيره ، مع عدم تحققه بهذا المعنى هنا إلاّ بعد انقضاء العدّة ، وهو وضع الحمل ، وبعده لا تكون حاملاً ، والكلام في طلاقها.

ولا يمكن تمييزه بالنية ، بمعنى أنّه إذا نوى أن يطلّقها وهي حامل فلا يراجعها إلى أن تضع ، ثم يتزوّجها ، فيصير حينئذٍ منهيّاً عنها.

لأنّ النية لا تؤثّر بنفسها في تحقق العدي والسنّي ، بل يتوقّفان على شرط متأخّر عنها ، وهو إمّا الرجعة في العدّة والوطء ، أو الصبر إلى انقضاء العدّة وتجديد العقد ، وحينئذٍ لا تكون حاملاً ، فلا يظهر النهي عن طلاق‌

__________________

(١) راجع ص ٢٥٠.

(٢) راجع ص ٢٤٩.

٢٥٣

الحامل كذلك.

إلاّ أن يقال : إنّ تحريم نكاحها بعد الوضع يكون كاشفاً عن جعل الطلاق السابق سنّياً ، فيلحقه حينئذٍ النهي.

وهذا أيضاً في غاية البُعد ؛ لأنّ خبري النهي إنّما دلاّ عليه وهي حامل.

فمدفوعة بحذافيرها ، بأنّ المراد بالسنّة هو الثاني ، لا بالمعنى الذي يتعقّبه المناقشة ، بل بالمعنى الذي يظهر من عبارة النهاية (١) بوجوه سياقية واعتبارات خارجية ، وصرّح به في باب أنّ المواقعة بعد الرجعة شرط لمريد الطلاق للعدّة ، وهو أن يطلّقها بعد الرجوع من غير وقاع ، ويقابله طلاق العدّة ، وهو ما يكون بعد الرجعة والمواقعة ، وبإرادته هنا ذلك صرّح جماعة (٢).

وعليه اندفعت المناقشات السابقة ، إلاّ النقض بالموثقة الأوّلة ، من حيث توهّم التصريح فيها بجواز الطلاق لغير العدّة.

ويدفعه فساد التوهّم ؛ لعدم التصريح فيها إلاّ بوقوع الطلقات في يوم واحد ، وهو غير ملازم لعدم المواقعة بعد كلّ رجعة ، إلاّ على تقدير اشتراط طهر غير طهر المواقعة ، وهو مع مخالفته لإجماع الطائفة مدفوع بالنصوص المستفيضة المتقدّمة.

وحينئذٍ فلا مانع من وقوع الطلقات الثلاث للعدّة بوقوع المواقعة بعد كلّ رجعة ، ولا استحالة في وقوعه في يوم أو ليلة حتى يدّعى لأجلها‌

__________________

(١) النهاية : ٥١٧.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٥٥ ، انظر المختلف : ٥٨٨ ، والحدائق ٢٥ : ٢٩١.

٢٥٤

الصراحة.

نعم هو خلاف الظاهر ، لكنّه غير الصراحة ، ولا بأس بارتكابه إذا اقتضاه الجمع بين الأدلّة.

وأمّا ما يقال عليه أيضاً : من عدم التمامية ؛ لدلالة بعض الروايات باشتراط طلاق العدة ثانياً بوقوعه بعد شهرٍ من حين المواقعة ، وهو لا يلائم إطلاق القول بجوازها.

فمدفوع بأنّه كذلك لولا الموثقة المتقدّمة ، المصرّحة بجواز وقوع الطلقات الثلاث في يوم واحد ، وهي مع أوضحيتها سنداً من الرواية السابقة مصرِّحة بعدم اعتبار تلك المدّة ، فليحمل اعتبارها فيها على الفضيلة ، والموثقة وإن لم تصرّح بكون الطلاق للعدّة ، إلاّ أنّه مقتضى الجمع بين الأدلّة ، فتكون كالنص في العدّة.

وبالجملة : المناقشة في هذا الجمع بأمثال ما ذكر غير واضحة ، والأولى الجواب عنه بما قدّمناه من المناقشة.

ومع ذلك فقول النهاية ليس بذلك البعيد ؛ لابتناء ما قدّمناه من المناقشة على عدم ظهور المقيِّد للموثقات المجوّزة ؛ لضعف الخبرين عن الدلالة والمقاومة لها ، إلاّ أنّ هنا رواية معتبرة لراوي تلك الموثقات بعينه ، ظاهرة الدلالة في ذلك ، سيأتي إليها الإشارة في المسألة الآتية في الطلقات الثلاث في الطهر الواحد مع الرجعة من دون مواقعة ، فقوله لا يخلو عن قوّة ، والاحتياط لا يترك البتّة.

وللإسكافي (١) في الثاني ، فمنع عنه إلاّ بعد شهرٍ ؛ لما مضى من الخبر (٢).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٨٨.

(٢) في ص ٢٥٠.

٢٥٥

وهو مجاب بما مرّ ، وحمله على الاستحباب أو شدّة الكراهة بدون الشهر أظهر ، كما عليه كافّة من تأخّر.

( الثالثة : يصح أن يطلّق ثانية في الطهر الذي طلّق فيه وراجع فيه ولم يطأ ) وكذا في غير ذلك الطهر ، على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لعموم الكتاب والسنّة بجواز طلاق الزوجة التي منها هذه المطلّقة ؛ لحصول الزوجية بمجرّد الرجعة ولو من دون مواقعة ، بإجماع الطائفة ؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية.

وللموثق في الأوّل : رجل طلّق امرأته ، ثم راجعها بشهود ، ثم طلّقها ، ثم بدا له فيراجعها بشهود ، تبين منه؟ قال : « نعم » قلت : كل ذلك في طهر واحد ، قال : « تبين منه » قلت : فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال : « ليس هذا مثل هذا » (١).

وهو بالفحوى يدل على الثاني أيضاً ؛ مضافاً إلى المعتبرة فيه بالخصوص ، منها الصحيحان في أحدهما : عن رجل طلّق امرأته ، وأشهد على الرجعة ، ولم يجامع ، ثم طلّق في طهر آخر على السنة ، أتثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال : « نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة الثانية ثابتة » (٢) ونحوه الثاني (٣) والحسن (٤).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٢ / ٣١٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٢ / ١٠٠٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٣٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٤٥ / ١٤١ ، الإستبصار ٣ : ٢٨١ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٤.

٢٥٦

خلافاً للعماني (١) ، فاشترط في الطلاق بعد المراجعة : الوقاع ؛ للمستفيضة ، ففي الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته إله أن يراجع؟ قال : « لا يطلِّقَن التطليقة الأُخرى حتى يمسّها » (٢).

وفيه : « كلّ طلاق لا يكون على السنّة ، أو على العدّة فليس بشي‌ء » (٣).

وجه الدلالة عدم دخول الطلاق في العدّة من دون وقاع في شي‌ء من الأمرين ؛ لتفسيرهما فيه بما قدّمناه.

وفي الموثق : عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم راجعها من يومه ذلك ، ثم يطلّقها ، أتبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟

فقال : « خالف السنّة » قلت : فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلّقها إلاّ في طهر آخر ، قال : « نعم » قلت : حتى يجامع؟ قال : « نعم » (٤).

وفي الخبر : « لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ، ويجامع » (٥).

وفي آخر : « المراجعة هي الجماع ، وإلاّ فإنّما هي واحدة » (٦).

وجه الدلالة يظهر من ذيل الرواية المعرب عن أن المراد من‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٥٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ٧٣ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٤٤ / ١٣٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٠ / ٩٩٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٦٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦ / ٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٧٤ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٨ : ٤٦ / ١٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٤ / ١٠٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٢ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٧٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٤ / ١٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٠ / ٩٩٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٠ أبواب أقسام الطلاق ب ١٧ ح ١.

٢٥٧

المراجعة التي حصرت في المجامعة المراجعة الخاصة التي يتعقّبها التطليقة الثانية ، لا مطلق المراجعة ، حتى يرد على نفيه المناقشة بمخالفة الإجماع والأدلّة.

وكيف كان : فالجواب عنها أجمع بالقصور عن المقاومة لما مرّ ، من حيث اعتضاده بعمومي الكتاب والسنّة ، والشهرة العظيمة ، مع صراحة الدلالة ، وليس شي‌ء منها في المستفيضة ولا ما يقابلها عدا الاستفاضة خاصّة ، وليست تقاوم شيئاً من المرجّحات المذكورة البتة ، فلتحمل على الاستحباب والأفضلية ، وربما أومأت إليه الموثقة المتقدّمة.

ولا ينافيه الأخبار المصرّحة بعدم الوقوع ، أو أنّه ليس بشي‌ءٍ ؛ لقصور سند بعضها ، وقبوله مع الباقي حمل المنفي وقوعه وشيئيّته على الفرد الكامل ، كما في : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » (١).

وأمّا الجواب عن الأخبار الناهية بأنّ غايتها ثبوت الحرمة ، لا البطلان الذي هو مفروض المسألة ؛ لأنّ المنهي عنه ليس بعبادة. ليس في محلّه ؛ لعدم القائل بالفرق بين الحكمين ، فمن قال بالحرمة أثبت البطلان ، ومن قال بعدمه قال بنفي الحرمة.

وربما أُجيب عنها بمحامل أُخر يجمع بينها وبين ما مضى ، منها : ما فعله الشيخ (٢) ، فحمل هذه على العِدِّى ؛ للخبر : « الذي يطلّق ، ثم يراجع ، ثم يطلّق فلا يكون بين الطلاق والطلاق جماع ، فتلك تحلّ له قبل أن تتزوّج غيره ، والذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، هي التي تجامع‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٢ / ٢٤٤ ، الوسائل ٥ : ١٩٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر التهذيب ٨ : ٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٨٢.

٢٥٨

فيما بين الطلاق والطلاق » (١).

وفي الحسن : عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟

فقال : « أُخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي » فذكر أنّه طلّقها للعدّة ثلاثاً مع المواقعة في كلّ رجعة (٢).

وفيهما مع قصور سندهما ، سيّما الأوّل مخالفة لما اتفقوا عليه.

ومنها : ما فعله بعض الأصحاب (٣) ، فحمل هذه على ما إذا كان غرضه من الرجعة الطلاق لحصول البينونة ، وتلك على ما إذا كان الغرض أن تكون في حبالته ، ثم بدا له أن يطلّقها.

قيل : وله شواهد من النصوص (٤).

وفيه مع مخالفته الإجماع نظر ، فإنّ من النصوص المانعة الصحيح ، وهو طويل ، وفيه : « فإن طلّقها على طهر ، ثم راجعها ، فانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ، ثم طلّقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقاً ، لأنّه طلّقها التطليقة الثانية في طهر الاولى ، ولا ينقضي الطهر إلاّ بمواقعة بعد الرجعة » الخبر (٥).

وهو كما ترى صريح في العموم للصورتين من حيث عموم التعليل ، وهو منافٍ للتعليل الذي بنى عليه المنع في الجمع ، ولا ينافي الحمل على‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٤٦ / ١٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٤ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٩ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٧٥ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤١ / ١٢٥ ، تفسير العياشي ١ : ١١٨ / ٣٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٤ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢٠.

(٤) انظر الحدائق ٢٥ : ٣٠٦.

(٥) الكافي ٦ : ٦٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧ / ٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

٢٥٩

الاستحباب ، فتدبّر.

وبالجملة : الأصح الوقوع في المقامين ( لكن لا يقع للعدّة ) لاشتراطها بالمواقعة ، بإجماع الطائفة ، والمعتبرة.

( الرابعة : لو طلّق ) حال كونه ( غائباً ) بائناً أو رجعيّاً ( ثم حضر ودخل بها ) بعد البينونة ( ثم ادّعى الطلاق لم تقبل دعواه ) فيما يتعلّق بحق الزوجة خاصّة ، دون حقّه ؛ لأنّ : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١).

( ولا بيّنته ) التي أقامها بنفسه ، دون غيره ، فتقبل في الثاني لو ورّخت بما ينافي فعله ، ويحكم عليه بالفرقة في مفروض المسألة ، وهو الدخول بعد البينونة ، وإلاّ فيعدّ فعله رجعة.

( و ) يتفرّع على عدم قبول قوله وبيّنته أنّه ( لو أولدها لحق به ).

والأصل في المسألة رواية في سندها جهالة ، إلاّ أنّها مجبورة بعمل الجماعة من غير خلاف بينهم أجده ، مع ما في المجهول وهو إسماعيل ابن مرّار من قوة : عن رجل طلّق امرأته وهو غائب ، وأشهد على طلاقها ، ثم قدم فقام (٢) مع المرأة أشهراً ولم يُعلِمها بطلاقها ، ثم إنّ المرأة ادّعت الحبل ، فقال الرجل : قد طلّقتك وأشهدت على طلاقك ، قال : « يلزمه الولد ، ولا يقبل قوله » (٣).

وليس فيها عدم قبول البيّنة ، لكنّه مأخوذ من الإطلاق ، والقاعدة ، وهي : أنّها بفعله مكذوبة.

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٢) كذا وفي المصدر : فأقام ، ولعلّه الأنسب.

(٣) الكافي ٦ : ٨٠ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٨ أبواب أقسام الطلاق ب ١٥ ح ٤.

٢٦٠