رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

فقال : « لا يجوز ، ولا كرامة » (١).

وأمّا ما ورد في شواذّ الأخبار (٢) : من جواز طلاق المعتوه ، فمحمول وإن صحّ سنده على الأدواري حال إفاقته ، أو طلاق الولي عنه ، فإنّه طلاقه ، أو الناقص العقل الغير البالغ حدّ الجنون ؛ لكونه أعم منهما ، كما يستفاد من أخبار هذا الباب ، بل وربما كان حقيقة في المحمول عليه خاصّة ، كما حكاه عن جماعة من أهل اللغة بعض الأصحاب (٣).

( ولا المكره ) عليه لفقد الاختيار المشترط في الصحة هنا وفي سائر تصرفاته ، عدا ما استثني بإجماع الأُمّة ، كما حكاه بعض الأجلّة (٤).

والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن طلاق المكره وعتقه؟

فقال : « ليس طلاقه بطلاق ، ولا عتقه بعتق » الخبر (٥).

ويتحقق الإكراه بتوعّده بما يكون مضرّاً به في نفسه ، أو من يجري مجراه من إخوانه ، ففي الصحيح : أمرّ بالعشّار ومعي مال فيستحلفني ، فإن حلفت تركني ، وإن لم أحلف فتّشني ، فقال : « احلف له » قلت : فإنّه يستحلفني بالطلاق ، فقال : « احلف له » فقلت : فإنّ المال لا يكون لي ، قال : « فعن مال أخيك » الخبر (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢٦ / ١٥٧٧ ، التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ٨٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ٨.

(٣) حكاه عنهم في الحدائق ٢٥ : ١٥٨ ، وهو في تهذيب اللغة ١ : ١٣٩ ، والمصباح المنير : ٣٩٢ ، والقاموس المحيط ٤ : ٢٨٩.

(٤) نهاية المرام ٢ : ١١.

(٥) الكافي ٦ : ١٢٧ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٨٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٧ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ١٢٨ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٨ ح ٥.

٢٠١

ويناط الضرر بحسب حاله مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به ، والعلم أو الظن بفعله به مع عدم فعله المأمور به.

ولا فرق بين كون المتوعَّد به قتلاً ، أو جرحاً ، أو أخذ مال وإن قلّ ، أو شتماً ، أو ضرباً ، أو حبساً.

ويستوي في الأولين جميع الناس ، أمّا الأربعة فتختلف باختلاف الناس ضعةً ورفعةً ، فقراً وغنى ، فربما يؤثّر قليلها في الوجيه والفقير اللذين ينقصهما ذلك ، وقد يحتمل بعض الناس شيئاً لا يؤثّر في قدره وفقره ، والضابط فيه حصول الضرر عرفاً بوقوع المتوعَّد به.

وربما يشرك الثالث مع الأوّلين في استواء الناس فيهما.

ولا وجه له بعد مشاهدة اختلاف الناس فيه ، وعدم صدق الإكراه في بعض صوره في العرف المنوط به ، إلاّ ما ربما يتوهّم من إطلاق النصوص هنا بحصول الإكراه بالخوف على المال على الإطلاق ، ولكن المتبادر منه ما ذكرناه.

ولو خيّره بين الطلاق أو غيره من أفعاله المنوطة صحتها باختياره ، ورفعِ مال غير مستحق فهو إكراه ، بلا خلاف ، وربما كان في الموثق (١) المتضمّن لإفساده عليه‌السلام الطلاق الذي خيّر الراوي فيه بينه وبين منع زوجته الأُخرى عنه ففعله دلالة عليه ، فإنّ منع الزوجة غير مستحق عليه ، وهذا بخلاف ما لو خيّر بينه وبين ما يستحقّه المخيِّر من مال وغيره وإن حتم أحدهما الغير المعيَّن عليه ، فإنّه لا إكراه فيه بلا خلاف.

وفي بعض النصوص دلالة عليه ، كالخبر : إنّ امرأة عارفة أحدث‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٧ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٨٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٨ ح ١.

٢٠٢

زوجها ، فهرب في البلاد ، فتبع الزوج بعض أهل المرأة ، فقال : إمّا طلّقت ، وإمّا رددتك ، فطلّقها ، ومضى الرجل على وجهه ، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطّه : « تزوّجي يرحمك الله تعالى » (١) فتدبّر.

كما لا إكراه على طلاق معيّنة فطلّق غيرها ، أو على طلقة فطلّق أزيد ، أو على طلاق المعيّنة ففعله مرّة قاصداً إليه ، بلا إشكال ولا اختلاف في الأوّل ، ومعهما في الآخرين ، وإن كان الأقوى في الأخير ما ذكرناه ؛ لحصول القصد واللفظ المشترطين في الصحة ، مع عدم المانع عنها سوى إطلاق النصوص بمنع الإكراه الغير المنصرف إلى مثل هذا ؛ لانصرافه إلى ما لا يتضمّن القصد إلى الطلاق أصلاً.

ولا يبعد انسحابه في الأوّل إن تعدّد الطلقات في العبارة ؛ لاختصاص الأخبار بالواحدة فيخلو عنه الطلقات الزائدة.

ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين مريداً بها المتشخّصة في الخارج فالأقوى أنّه إكراه ؛ لعدم تحقق مقتضى أمره المشار إليه بدون إحداهما ، بخلاف ما لو أكرهه على ذلك من دون إرادة المتشخّصة ، كأن يقول : قل : إحداهما ، طالق ، فالأقوى عدم الإكراه في طلاق إحداهما المعيّنة ؛ لعدم الإكراه عليه ، واندفاعه بما لم يأت به.

( ولا المغضب مع ارتفاع القصد ) المشترط في صحة الطلاق ، بل مطلق التصرفات ، بالوفاق ، كما حكاه جماعة (٢) ، وساعده الاعتبار.

مع استفاضة النصوص به في المضمار ، منها : « لإطلاق إلاّ ما أُريد به‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨١ / ٩ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٤.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٤ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٩.

٢٠٣

الطلاق » (١).

ومنها : « لا يقع الطلاق بإكراه ، ولا إجبار ، ولا على سُكر ، ولا على غضب » (٢).

ومنها الرضوي : « ولا يقع إلاّ على طهر من غير جماع ، بشاهد عدلين ، مريداً للطلاق » (٣).

ونحو المغضب : الساهي ، والنائم ، والغالط ، والهازل ، والعجمي ، ونحوه الملقَّن بالصيغة مع عدم معرفة المعنى.

( الركن الثاني )

( في ) بيان ( المطلّقة ) ومن يصح طلاقها في الشريعة.

( ويشترط فيها الزوجية ) بالفعل ، فلا يقع بالأمة ، ولا الأجنبيّة ولو علقه بعقد المناكحة ، بإجماع الطائفة ، حكاه جماعة (٤) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن جوازه من السنة النبويّة وما جعله الشارع سبباً للبينونة ، وليس إلاّ الطلاق في الزوجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « لا طلاق إلاّ بعد نكاح ، ولا عتق إلاّ بعد ملك » (٥) ونحوه أخبار أُخر (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٢ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ١١ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٢١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤١ ، المستدرك ١٥ : ٢٨٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٦ ، وصاحب المفاتيح ٢ : ٣١٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٠.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٢١ / ١٥٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢ ح ١.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٣١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢.

٢٠٤

وليس المراد بالنكاح فيها الوطء ؛ إمّا لما مضى (١) من كونه حقيقة في العقد خاصة في الشريعة ؛ أو لعدم تمامية الحصر على تقدير إرادة الوطء بإجماع الأُمّة ؛ أو لظهور القرينة من بعض المعتبرة ، كالموثق : « لا يكون طلاق حتى يملك عقد النكاح » (٢).

( والدوام ) فلا يقع بمتمتّع بها ، ولا المحلّلة ، بلا خلاف ؛ لما مضى هنا من الأصل ، والنصوص الحاصرة للطلاق في النكاح المتبادر منه الدوام ، مع عدمه بمعنييه في الأخيرة.

مضافاً إلى خصوص النصوص في الأُولى ، منها الصحيح : وتبين بغير طلاق؟ قال : « نعم » (٣).

والخبر : كيف يتزوج المتعة؟ قال : « يقول : يا أمة الله أتزوّجك كذا وكذا يوماً ، فإذا مضت تلك الأيّام كان طلاقها في شرطها » (٤).

( والطهارة من ) دم ( الحيض والنفاس إذا كانت مدخولاً بها ) وحائلاً ( وزوجها معها حاضر ) فلا يجوز من دونها ، بإجماع العلماء ، حكاه بعض أصحابنا (٥) ، ولو طلّق والحال هذه فسد بإجماعنا للأصل ، والصحاح المستفيضة التي كادت أن تكون هي مع غيرها من المعتبرة بحسب المعنى متواترة ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٦).

__________________

(١) راجع ص ٤٨٢٨.

(٢) الكافي ٦ : ٦٣ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٦ / ١١٤٧ ، الإستبصار ٣ : ١٥١ / ٥٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٨ أبواب المتعة ب ٢٥ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٣.

(٥) انظر المسالك ٢ : ٦ ، نهاية المرام ٢ : ١٥.

(٦) نهاية المرام ٢ : ٢٢.

٢٠٥

ففي الصحيح : الرجل يطلّق امرأته وهي حائض ، قال : « الطلاق على غير السنّة باطل » (١).

وفيه : « إذا طلّق الرجل في دم نفاس ، أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق » (٢).

وفيه : كيف طلاق السنّة؟ قال : « يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها ، بشاهدين عدلين ، كما قال الله تعالى في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله تعالى » (٣).

وإطلاق هذه النصوص كغيرها وإن شملت المدخول بها وغيرها ممن لم يدخل بها أو غاب عنها زوجها والحبلى ، إلاّ أنها قيّدت بمن عداها ؛ لأخبار أُخر يأتي ذكر ما يتعلق منها بالثانية.

وأمّا المتعلّق بالأولى والأخيرة فالمستفيضة ، منها الصحيح : « خمس يطلّقهنّ أزواجهنّ متى شاؤوا : الحامل المستبين حملها ، والجارية التي لم تحض ، والمرأة التي قعدت عن المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها » (٤) ونحوه الصحيحان المروي أحدهما في الكافي (٥) ، والآخر في الخصال (٦) ، وغيرهما (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣ / ٥٨ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٦٠ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٠ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٤.

(٥) الكافي ٦ : ٧٩ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٣.

(٦) الخصال : ٣٠٣ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٣٤ / ١٦١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٥٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ١.

٢٠٦

( و ) منه يظهر الوجه في أنه ( لو كان ) المطلِّق حيث الطلاق ( غائباً صحّ ) طلاقه ولو صادف الحيض أو طهر المواقعة ، مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

ثم إنّ إطلاق هذه الأخبار في استثناء الغائب وإن شمل الغائب العالم بحال زوجته ، إلاّ أنّ ظاهرهم الاتفاق على التقييد بالجاهل بها ، ولعلّه للأصل ، وعدم تبادر العالم من إطلاق النص ، وكيف كان فلا خلاف في التقييد.

( و ) لكن ( في ) تعيين ( قدر الغيبة ) المجوِّزة للطلاق المصحِّحة له وإن ظهر مصادفته الحيض اختلاف بين الأصحاب و ( اضطراب ) في أخبار الباب ، فبين مطلِق للجواز من دون تقدير للمدّة بقدر ، كما عن المفيد ووالد الصدوق والعماني والديلمي والحلبي (١) ؛ التفاتاً إلى عموم المستفيضة الماضية ونحوها من المعتبرة ، كالصحيح : عن رجل يطلّق امرأته وهو غائب؟ قال : « يجوز طلاقه على كلّ حال ، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها » (٢).

والخبر : في الرجل يطلّق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلّقها كانت طامثاً ، قال : « يجوز » (٣).

والرضوي : « واعلم أن خمساً يطلقَّن على كل حال ، ولا يحتاج ينتظر طهرهنّ : الحامل ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها ، والتي لم تبلغ‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٢٦ ، وحكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف : ٥٨٧ ، الديلمي في المراسم : ١٦١ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٦.

(٢) الكافي ٦ : ٨٠ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٥٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠١ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٤ / ١٠٤٠ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٦.

٢٠٧

المحيض ، والتي قد يئست من المحيض » (١).

ومقدِّرٍ لها بشهرٍ ، كما عن النهاية وابن حمزة (٢) ؛ لبعض المعتبرة المقيَّد به إطلاق المستفيضة ، ففي الخبرين (٣) ، أحدهما الموثق : « الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً ». وقصور السند ، وقلّة العدد ، والمعارضة بما يأتي من الثلاثة أشهر الذي لراوي هذين الخبرين يمنع عن المكافأة لما مرّ.

ومقدِّرٍ لها بثلاثة أشهر ، كما في المختلف وعن الإسكافي (٤) ؛ للصحيح : « الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتى يمضي ثلاثة أشهر » (٥) ونحوه غيره (٦).

ولأنها كالمسترابة في الجهالة.

ومقدِّرٍ لأدناها بالأول ، وأوسطها بالثاني ، وأقصاها بالخمسة أو الستة أشهر (٧) ؛ جمعاً بين ما مرّ وبين الموثق : الغائب الذي يطلّق كم غيبته؟ قال : « خمسة أشهر أو ستة أشهر » قلت : حدّ دون ذا ، قال : « ثلاثة أشهر » (٨).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٢٩٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٩ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٠.

(٣) الموثق : الكافي ٦ : ٨٠ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٥ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٣.

والخبر : الكافي ٦ : ٨١ / ٨ ، الوسائل ٢٢ : ٥٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٥.

(٤) حكاه العلاّمة عن ابن الجنيد في المختلف واختاره أيضاً : ٥٨٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٣ ، الوسائل ٢٢ : ٥٨ أبواب مقدّمات الطلاق ب ٢٦ ح ٧.

(٦) ولعلّه هو الموثق الآتي تحت رقم ٨.

(٧) هو الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٥.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٢٥ / ١٥٧٣ ، التهذيب ٨ : ٦٢ / ٢٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٥ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ٥٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٦ ح ٨ ؛ بتفاوت.

٢٠٨

وفي هذا الجمع نظر ، بل الجمع بالاستحباب أظهر ؛ لشدّة الاختلاف فيما مرّ مع كون الجميع لراوٍ واحد ، ويشير إليه الخبر الأخير ؛ للتخيير أوّلاً بين العددين في الصدر ، ثم التحديد بالثلاثة أشهر بعد سؤال الراوي.

وبالجملة : الظاهر بُعد ما مرّ من الجميع.

كالجمع المحكي عن أكثر من تأخّر (١) تبعاً للحلي والطوسي (٢) ممن تقدّم ، و ( محصّله : ) التقدير بمدّة يعلم ( انتقالها ) فيها ( من طهر إلى آخر ) بحسب عادتها ، وتحمل اختلاف النصوص على اختلاف عادات النساء في الحيض ، فذو العادة شهراً مدّة طلاقها التقدير الأوّل ، وذو الثلاثة : الثاني ، وذو الخمسة أو الستّة : الثالث.

ولا شاهد عليه سوى الشهرة المتأخّرة ، وليست بنفسها حجّة ، مع استلزامه حمل أخبار الثلاثة وكذا الخمسة أو الستة على الفروض النادرة مع ورودها بعنوان القاعدة الكلّية.

والذي يقتضيه التدبّر في النصوص قوّة القول الأول ؛ لاستفاضتها ، بل وعن العماني (٣) دعوى تواترها ، مع صحة أكثرها ، ووضوح دلالتها على العموم ، سيّما بملاحظة سياقها الذي كاد أن يلحقها بالخصوص.

وقصورِ الأخبار المقيِّدة سنداً في بعض ، ودلالةً في آخر ، وعدداً في الجميع ، مع اختلافها في نفسها ، ووضوح قرائن الاستحباب منها زيادةً على الاختلاف ، فحملها على الاستحباب ليس بذلك البعيد ؛ لرجحانه هنا لما مضى على التقييد.

__________________

(١) حكاه عنهم الشهيد في المسالك ٢ : ٦ وكذا صاحب الحدائق ٢٥ : ١٨٧.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٦٩٠ ، الشيخ في النهاية : ٥١٧.

(٣) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٨٧.

٢٠٩

إلاّ أنّ الأحوط المصير إلى اعتبار الثلاثة أشهر ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن استفادته من النص المعتبر ، وليس إلاّ هذه المدّة ؛ لما في الرواية الدالّة عليها من الصحة.

وعلى اعتبار المدّة فلا خلاف في الصحة لو طلّق مع استمرار الاشتباه ، أو تبيّن الوقوع في حالة الحيض ، أو طهر غير المواقعة ؛ لاجتماع الشرائط النفس الأمرية في الصورة الأخيرة ، واتفاق النصوص والفتاوي بالاغتفار في الثانية ، وعدم مانعية الاشتباه بعد مراعاة المدّة المعتبرة التي هي الشرط خاصّة في الصحة في مفروض المسألة في الأُولى.

كما لا خلاف في البطلان لو طلّق قبلها مع تبيّن الوقوع في الحيض ، أو طهر المواقعة ؛ لفقد الشروط هنا قطعاً.

وإنّما الخلاف في مقامين : الأوّل : الصحة في الشقّ الأوّل مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة ، فالأظهر الأشهر الصحة ، كما في صورة السابقة ؛ لحصول المدّة المشترطة ، والأولوية المستفادة من الحكم في الصورة الثانية ؛ لاستلزام ثبوت الصحة فيها مع تضمّنها فقد الشرطين : الطهر ، وطهر غير المواقعة ثبوتها هنا بطريق أولى ، من حيث تضمّنه فقد الشرط الثاني خاصّة.

وقيل (١) بالبطلان ؛ لفقد الشرط النفس الأمري ، وكون اشتراط المدّة هنا مراعى بعدم ظهوره.

وفيه نظر ؛ لمنع اشتراط الأوّل هنا ، ومنع التقييد الثاني ، وإن هو إلاّ تقييد للأدلّة من غير دلالة.

__________________

(١) رسالة طلاق الغائب ( رسائل المحقق الكركي ٢ ) : ٢١٢.

٢١٠

الثاني : البطلان في الشقّ الثاني مع تبيّن الوقوع في الطهر غير طهر المواقعة ، ففيه وجهان : البطلان ؛ من حيث فقد المدّة المشترطة في الصحة في المقام ، والصحة ؛ لحصول الشرائط النفس الأمرية.

وهي غير بعيدة بالنظر إلى الجاهل باشتراط المدّة أو الوقوع قبلها ، نظراً إلى الأولوية المستفادة من صحة مثل هذا الطلاق في الحاضر ، فثبوتها في الغائب بطريق أولى ؛ لأضعفيّة حكمه عن الأوّل قطعاً ، نصاً وفتوى ، فيكون اعتبار المدّة واشتراطها في الصحة حينئذٍ مراعى ، فتأمّل جدّاً.

ولا كذلك العالم بالاشتراط والوقوع قبل المدّة ، فإنّ البطلان فيه متوجّه جدّاً ؛ لعدم إمكان القصد منه إليه حينئذٍ أصلاً.

( ولو خرج ) إلى السفر ( في طهر لم يقربها فيه صحّ طلاقها من غير تربّص ) وانتظار للمدة المعتبرة ( ولو اتفق ) وقوعه ( في الحيض ) جهلاً منه بذلك ، بلا إشكال على القول بعدم اعتبارها ، وكذا على اعتبارها مع تبيّن الوقوع في الطهر ؛ للأولوية الماضية المقيّدة بها إطلاق المعتبرة باعتبار المدّة.

ومعه على القول الثاني مع تبيّن الوقوع في الحيض ؛ لإطلاق كل من النصوص المشترطة للطهر من الحيض والمعتبرة للمدّة.

فإطلاق الحكم بالصحة ولو في هذه الصورة في العبارة ، تبعاً لجماعة كالقاضي والشيخ في النهاية (١) محل تردّد ومناقشة ، ولا وجه له بالمرّة سوى ما في المسالك (٢) من حصول شرط الصحة من الاستبراء بالانتقال من طهر إلى آخر ، وأن الحيض بعد ذلك إنما هو مانع من صحة‌

__________________

(١) القاضي في المهذب ٢ : ٢٨٦ ، النهاية : ٥١٢.

(٢) المسالك ٢ : ٧.

٢١١

الطلاق ، ولا يشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه ، بل يكفي عدم العلم بوجودها.

وفيه نظر ؛ لاستلزامه أوّلاً تقييد إطلاق ما دل على اعتبار المدّة من غير وجه يظهر ، وابتنائه ثانياً على انحصار الشرط في الاستبراء ، وكون العلم بالحيض مانعاً ، لا كون فقده شرطاً ، وهو خلاف النصوص الماضية المعربة عن اشتراط الطلاق بفقد الحيض في نفس الأمر ، لا بعدم العلم به ، وأحدهما غير الآخر.

( والمحبوس عن زوجته كالغائب ) فيطلّق مع الجهل بحالها مطلقاً ، أو بعد المدّة المعتبرة ، شهراً أو ثلاثة ، على اختلاف الأقوال المتقدّمة ولو صادف الحيض أو طهر المواقعة على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر إلاّ بعض من ندر.

للصحيح : عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها ، وهي في منزل أهلها ، وقد أراد أن يطلّقها ، وليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت ، ولا يعلم بطهرها إذا طهرت؟ قال : فقال : « هذا مثل الغائب عن أهله يطلّقها بالأهلّة والشهور » قلت : أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان ، والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها ، كيف يطلّقها؟ فقال : « إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه فيطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود » الخبر (١).

خلافاً للحلي (٢) ، فكالحاضر ؛ للأصل ، وطعناً في الخبر بأنّه من الآحاد. وهو خروج عن طريقة السداد.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٣ / ١٦١٤ ، التهذيب ٨ : ٦٩ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ٦٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٨ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٦٨٦.

٢١٢

وحمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق لطهر غير المواقعة كما ارتكبه بعض الأجلّة (١) يأباه التشبيه بالغائب بالضرورة ، ولا داعي إليه عدا عدم حجية الآحاد ، وفيه ما مرّ.

أو عدمِ المقاومة لما دلّ على اشتراط الخلوّ من الحيض والوقوع في الطهر غير المواقعة من حيث استفاضته واعتضاده بالأصل دون هذا الخبر.

وفيه نظر ، فإنّ الشهرة العظيمة أرجح من الأمرين ؛ مضافاً إلى جواز تخصيص قطعي السند بمثله ولو من دونها ، على الأقوى ، فتخصيص مثل هذه المستفيضة بمثل هذه الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة أولى ثم أولى.

وفي حكم الحاضر الغائب المطّلع ، بلا خلاف ، كما تقدّم مع وجهه.

( ويشترط رابع ، وهو أن يطلّقها في طهر لم يجامعها فيه ) بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٢) ، وبه استفاض أخبارنا ، بل وربما احتمل تواترها (٣) ، وقد مضى شطر منها (٤) ، ونحوها غيرها ، ففي الصحيح : « المرأة إذا حاضت وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه » الحديث (٥).

( ويسقط اعتباره في الصغيرة ) التي لم تبلغ تسعاً ( واليائسة ) التي‌

__________________

(١) وهو الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٠٠.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٢٢.

(٤) راجع ص ٢٠٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٨ / ٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٠ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٧.

٢١٣

قعدت عن المحيض ( والحامل ) المستبين حملها ، إجماعاً ، حكاه جماعة (١) ؛ للنصوص المستفيضة الماضية ، القائلة : إنّ خمساً يطلّقن على كل حال؟ وعدّ منها الثلاثة (٢).

ومنها يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها أيضاً ؛ لعدّها منها ، وإن أهملت العبارة ذكرها ، ولعلّه غفلة ، أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى (٣) في طلاق الغائب بعد المدّة مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة ، أو من حيث اختياره اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر ، كما عليه أكثر من تأخّر ، والظاهر أنّه الوجه في الإهمال.

ثم إنّ تفسير الصغيرة بغير البالغة صريح النهاية (٤) ، وظاهر الجماعة وبعض المعتبرة ، كالصحيح المعبِّر عنها بالتي لم تبلغ المحيض (٥) ، وعليه يحمل إطلاق المستفيضة المعبِّرة عنها بالتي لم تحض (٦) ، التي هي أعمّ من الصغيرة والبالغة التي لم تحض مثلها عادةً ، بل ربما كانت ظاهرة في الأُولى خاصّة ، كما يكشف عنه التتبّع في أخبارهم عليهم‌السلام ، ولا سيّما الواردة في العدّة.

ففي بعض المعتبرة الذي ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جماعة (٧) ، ولا بأس بضعفه على المشهور بين الطائفة ـ : « ثلاث يتزوّجن‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ١٧٨.

(٢) راجع ص ٢٠٦.

(٣) راجع ص ٢١٠.

(٤) النهاية : ٥١٦.

(٥) الخصال : ٣٠٣ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٥٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٥٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٥.

(٧) رجال الشيخ : ٤١٦ ، والوسائل ٣٠ : ٣٨٩.

٢١٤

على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟

قال : « إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين » الحديث (١).

وتحديدها بذلك كاشف عن عدم اختصاصها بالمورد.

خلافاً لبعض الأجلّة (٢) ، فاستوجه العمل بإطلاق المستفيضة.

ولا ريب في ضعفه ، بل المقطوع به إلحاق البالغة بالمسترابة ولو لم تحض مثلها عادة.

و ( أمّا المسترابة ) بالحمل ، وهي التي في سنّ من تحيض ولا تحيض ، سواء كان لعارضٍ من رضاع أو مرض ، أو خلقيّاً ( فإن أخّرت الحيضة ) لذلك مع كونه خلاف عادتها ( صبرت ثلاثة أشهر ) من حين المواقعة عنها ثم يطلّقها.

( ولا يقع طلاقها قبله ) بالإجماع المحكي في كلام جماعة (٣) ، والمعتبرة ، منها الصحيح : عن المسترابة كيف تطلّق؟ قال : « تطلّق بالشهور ، وأقلّ الشهور ثلاثة » (٤).

وأظهر منه المرسل : عن المرأة تستراب بها ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها ، كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟ قال : « ليمسك عنها ثلاثة ثم ليطلّقها » (٥) وقريب منه الخبر (٦). وقصور سندهما‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٦٧ / ٢٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٧ / ١٢٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٩ أبواب العدد ب ٢ ح ٤.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ٢٣.

(٣) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣ ، انظر نهاية المرام ٢ : ٢٤ ، الكفاية : ١٩٩ ، ملاذ الأخيار ١٣ : ١٣٩.

(٤) التهذيب ٨ : ٦٨ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٩ أبواب العدد ب ٤ ح ١٧.

(٥) الكافي ٦ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ٦٩ / ٢٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٩١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٤٠ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٩٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٨ ح ٢.

٢١٥

بالعمل منجبر.

ووجه التقييد بكون التأخير خلاف عادتها تفصّياً من احتمال من يكون ذلك عادتها ، فإنّ حكم هذه غير الاولى ، بل يجب الصبر بها إلى أن تحيض ولو زاد عن ثلاثة أشهر ؛ تمسّكاً بعموم ما دلّ على اعتبار الطهر غير المواقعة ، والتفاتاً إلى عدم تبادرها من إطلاق المسترابة في هذه المعتبرة ، مع كونها من الأفراد النادرة الغير الصالحة لأن يحمل عليها الإطلاق البتة ، وبما ذكرنا صرح بعض الأجلّة (١).

( وفي اشتراط تعيين المطلّقة ) إن تعدّدت الزوجة ، لفظاً أو نيّة ( تردّد ) ينشأ :

من أصالة بقاء النكاح ، فلا يزول إلاّ بسبب محقّق السببيّة ، وأنّ الطلاق أمر معيّن فلا بد له من محلٍّ معيّن ، وحيث لا محل فلا طلاق ، وأنّ الأحكام من قبيل الأعراض فلا بد لها من محلٍّ تقوم به ، وأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لا بد لها من محلٍّ معيّن.

ومن أصالة عدم الاشتراط. وتعارض بالأُولى.

ومن عموم مشروعية الطلاق ، ومحل المبهم جاز أن يكون مبهماً.

وهما ممنوعان.

ومن أنّ إحداهما زوجة ، وكل زوجة يصحّ طلاقها. وكلّية الكبرى ممنوعة ، ولا دليل عليها سوى العموم المدّعى ، وفيه بعد المنع المتقدّم أنّه ليس بنفسه دليلاً آخر قطعاً.

فإذاً القول الأوّل هو الأقوى والأشهر بين أصحابنا المتأخّرين منهم‌

__________________

(١) الحدائق ٢٥ : ٤١٣.

٢١٦

والقدماء ، كما حكاه بعض الأجلاّء (١) ، بل ادّعى عليه في الانتصار إجماعنا (٢) ، ويشهد له بعض المعتبرة الآتية في أوّل الركن الرابع ، وهو الشهادة (٣).

خلافاً للمبسوط والفاضلين والشهيد (٤) في أحد قوليهم.

وعليه فهل الصيغة المبهمة هي بنفسها مؤثّرة في البينونة في الحال ، أم لها صلاحية التأثير عند التعيين؟ قولان. ويتفرّع على الخلاف حرمة الزوجات جُمَع إلى تعيين الواحدة ، وتكون العدّة من حين الطلاق على الأوّل ، ولا على الثاني.

ويتفرّع على هذا القول فروع كثيرة قد كفانا ضعفه مئونة الاشتغال بذكرها.

( الركن الثالث )

( في الصيغة ) القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة ، وهي قسمان : صريحة وكناية.

والأولى : هي ما لا يتوقّف فهم إنشاء الطلاق به على نيّة ، أي على قرينة دالّة على إرادة الطلاق من العبارة.

وتقابلها الثانية : وهي المحتاجة إلى النية والقرينة الكاشفة عن إرادته‌

__________________

(١) وهو صاحب الحدائق ٢٥ : ١٨١.

(٢) الانتصار : ١٣٩.

(٣) يأتي في ص ٢٣٥.

(٤) المبسوط ٥ : ٧٨ ، المحقق في الشرائع ٣ : ١٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٦١ ، الشهيد في شرح الإرشاد حكاه عنه في الروضة ٦ : ٢٨.

٢١٧

من الصيغة ، وإلاّ القصد إلى الطلاق مطلقاً لازم بالضرورة.

وظاهر أصحابنا عدم الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف ، ويأتي إليه الإشارة.

( و ) المشهور بينهم وجوب أن ( يقتصر على ) الاولى ، وهي أن يقول : أنتِ ، أو هذه ، أو فلانة ويذكر اسمها ، أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلاً ( طالق ) فلا يكفي أنتِ طلاق ، وإن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى طالق ( تحصيلاً لموضع ) النص و ( الاتفاق ) واستصحاباً للزوجيّة ، ولأنّ المصادر إنّما تستعمل في غير موضوعها مجازاً ، وإن كان في اسم الفاعل شهيراً ، وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق من الأُمور التوقيفيّة وإن انضمّ إليها القرينة المعربة عن النية ؛ لعدم كفايته بمجرّده عند الطائفة إلاّ في : أنتِ مُطلّقة ، مع الضميمة المزبورة ، فقد جوّز الوقوع بها شيخ الطائفة (١) في أحد قوليه.

ولا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مرّ ، وأنتِ الطالق ، أو من المطلّقات ، مع وجود تلك الضميمة ، ولذا اشتهر بين الطائفة عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضاً ؛ لأنّها ليست فيه صريحة ، ولأنّها إخبار ، ونقلها إلى الإنشاء على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، وهو صيغ العقود ، واطّراده في الطلاق قياس ، والنص فيه دلّ على « طالق » ولم يدلّ على غيره ، بل ربما دلّ على نفيه ، كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر وغيره ، فيقتصر عليه.

ومنه يظهر وجه القدح فيما احتجّ الشيخ من كون صيغة الماضي في‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤٦١.

٢١٨

غير الطلاق منقولة إلى الإنشاء.

( و ) أنّه ( لا يقع بـ ) نحو أنت ( خلية وبرية ) وغيرهما من الكنايات ، كالبتّة ، والبتلة ، وحرام ، وبائن ، واعتدّي ، وإن ضمّ إليها قرينة دالّة على النية ، بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير ، بل ادّعى إجماعنا عليه جماعة (١) ، وأخبارنا به عموماً وخصوصاً مستفيضة ، فمن الأوّل المعتبرة الآتية.

ومن الثاني المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل قال لامرأته : أنتِ منّي خلية ، أو برية ، أو بتّة ، أو بائن ، أو حرام؟ فقال : « ليس بشي‌ء » (٢) ونحوه الحسن (٣) وغيره (٤).

خلافاً للعامة ، فحكموا بالوقوع بمطلق الكناية مع النية (٥).

( وكذا ) لا يقع ( لو قال ) للزوجة : ( اعتدّي ) على الأشهر الأظهر ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل حكاه في الانتصار (٦) صريحاً ؛ لما مرّ ، ومنه الحصر في الخبر المروي في المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع ، عن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن مسلم ،

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٦٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٦ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٦ / ١٧٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٦ / ١٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٨ ، ٣٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٥ ح ٤ ، ٥.

(٥) كما في بداية المجتهد ٢ : ٧٦ ، المغني لابن قدامة ٨ : ٢٧٥.

(٦) الانتصار : ١٢٩.

٢١٩

عن مولانا الباقر عليه‌السلام : في رجل قال لامرأته : أنتِ حرام ، أو بائنة ، أو بتّة ، أو خليّة ، أو بريّة ، فقال : « هذا ليس بشي‌ء ، إنّما الطلاق أن يقول لها من قبل عدّتها [ بعد ما تطهر من محيضها ] قبل أن يجامعها : أنتِ طالق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين » (١).

والأصل في الحصر العموم ، وجعله هنا إضافياً بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما تقرّر في الأُصول من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل ، وتلقّاه أيضاً الفحول بالقبول.

ولا داعي إليه سوى الصحيحين (٢) ، المماثل أحدهما للخبر في المتن والحصر لكن بزيادة قوله : « اعتدّي » بعد قوله : « أنت طالق » ونحوها الآخر لكن مقتصراً على الحصر وما بعده.

وليسا مكافئين لما مرّ من حيث اعتضاده بالأصل وعمل الأكثر ، مع احتمال الثاني التقية ، مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة ، فيحتملان الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها ، وتكون هي إخباراً عنه ، لا إنشاءً لإيقاعه حينها ، وعليه حملهما الشيخ وجماعة (٣) ، وهي وإن بَعد بالإضافة إلى سياقهما ، إلاّ أنه لا بأس به للجمع.

__________________

(١) المختلف : ٥٨٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٦ / ١٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٣.

الثاني في : الكافي ٦ : ٦٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٣٧ / ١٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٧ / ٩٨٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٤.

(٣) الشيخ في التهذيب ٨ : ٣٧ ؛ المجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٨٣ ، ومرآة العقول ٢١ : ١١٧ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٠١.

٢٢٠