رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وعن الشيخ في الخلاف احتماله للآية والخبر الأول (١) ، لكنّه قوّى المشهور وقال : إنّه الذي يقتضيه مذهبنا (٢). وظاهره الإجماع عليه ، وحكي صريحاً عنه في المبسوط (٣) ؛ وهو الحجّة فيه ، مضافاً إلى ما مرّ من الأصل والنصوص الحاصرة لواجبي النفقة في أُولئك الخمسة المذكورين في الصحيحة المتقدّمة ، أو الثلاثة المنضمّ إليها باقي الخمسة لغيرها من الأدلّة ، وليس شي‌ء ممّا ذكر بمكافئ لها البتّة.

فاحتمال الوجوب فاسد بالبديهة وإن صار إليه بعض متأخّري الطائفة (٤) ؛ جموداً على ظاهر الصحيحة ، وليت شعري كيف ألغى القواعد الممهّدة والأُصول المقرّرة من لزوم مراعاة التكافؤ بين الأدلّة ، وأنّه لا ينفع مع عدمه صحّة السند ولا وضوح الدلالة؟! مع أنّها باعترافه شاذّة لا قائل بها بالمرّة ، وقد ورد النصوص المعتبرة بطرح مثلها ، وتلقّاها بالقبول هو وسائر علماء الطائفة ، وهي ليست من الشواذّ الخلافيّة ، بل من الشواذّ الوفاقيّة ، حيث أطبق الأصحاب بالفتوى على خلافها من دون تزلزل ولا ريبة.

( ويشترط في الوجوب ) أي وجوب الإنفاق على القرابة دون الإنفاق على الزوجة ـ ( الفقر ) في المنفق عليه وعدم شي‌ء يتقوّت به ، أو عدم وفاء ماله بقوته ، واشتراطه كاشتراط اليسار في المنفق موضع وفاق ، كما يظهر من كلام الجماعة ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٥) ؛ وهو‌

__________________

(١) حكاه عنه في الإيضاح ٣ : ٢٨٣.

(٢) الخلاف ٥ : ١٢٨.

(٣) المبسوط ٦ : ٣٥.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٥.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ١١٥.

١٨١

الحجّة فيه بعد الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ؛ لعدم انصراف إطلاق أدلّة الوجوب إلى الصورتين بالضرورة.

قالوا : والمراد باليسار : هو أن يفضل عن قوته وقوت زوجته وخادمها ليوم وليلة شي‌ء. وفي حكم القوت ما يحتاج إليه من الكسوة في ذلك الفضل ، وغيرها.

ولو فضل عن قوته أو قوت زوجته شي‌ء ، ففي وجوب الإنفاق ، أو جواز التزويج المانع عنه ، وجهان ، بل قولان ، والأشهر : الثاني ، ولا ريب فيه إن اضطرّ إليه.

( و ) في اشتراط ( العجز عن الاكتساب ) في المنفق عليه قولان ، أشهرهما : ذلك ؛ لأنّه معونة على سدّ الخَلّة ، والمكتسب قادر ، فهو كالغني ، ولذا يمنع من الزكاة والكفّارة المشروطة بالفقر ، وحصول الحاجة بالفعل لا يوجب الاستحقاق. نعم ، يعتبر لياقة الكسب بحاله.

ولا يشترط نقصان الخلقة بنحو الزمانة ، ولا الحكم بنحو الصغر والجنون ، على الأشهر الأقوى ، بل عن الخلاف : أنّه ادّعى في الظاهر عليه إجماعنا (١) ؛ وهو الحجة فيه بعد إطلاق النصوص. وخلاف المبسوط باعتبارهما (٢) شاذّ.

ولو بلغ الصغير حدّا يمكن أن يتعلّم حرفة أو يحمل على الاكتساب ، قيل : للولي حمله عليه والإنفاق عليه من كسبه ، لكن لو هرب وترك الاكتساب في بعض الأيّام فعلى الأب الإنفاق عليه ، بخلاف المكلّف (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ١١٥ ، وهو في الخلاف ٥ : ١٢٤ ١٢٥.

(٢) المبسوط ٦ : ٣٣.

(٣) قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٧٩.

١٨٢

ولا يشترط عدالته ولا إسلامه ، بل يجب وإن كان فاسقاً ؛ للعموم.

قيل : يجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم ، فلو كان حربيّا لم يجب ؛ لجواز إتلافه ، فترك الإنفاق عليه لا يزيد عليه (١). والمستند في أصل عدم اشتراط الأمرين هو اتّفاقهم عليه ظاهراً ، مع نقل بعضهم الإجماع صريحاً (٢) ، وإلاّ فإثباته بالعموم في نحو الكافر مشكل جدّاً ، كيف لا؟! وهو معارض بعموم النهي عن الموادّة إلى من نصب مع الله سبحانه المحادّة (٣) ، ومقتضى تعارض العمومين التساقط ، ومعه يرجع إلى الأصل النافي للوجوب ، لكن اعتضاد العموم هنا بالعمل مع عدم خلاف فيه يظهر ، بل ودعوى بعضهم بل جماعة الإجماع عليه كما مرّ أوجب ترجيحه وتخصيص ما خالفه.

وأمّا الحرّية ، فهي شرط بالإجماع ؛ للأصل ، وفقد ما يدلّ على وجوب الإنفاق على القريب المملوك للغير ؛ لعدم انصراف الإطلاقات إليه. وعلى تقديره ، فمعارض فيه بما دلّ (٤) على وجوب إنفاقه على غيره (٥) ، وليس بعد التعارض سوى التساقط الموجب لتخليص الأصل عن المعارض.

وعلى تقدير عدم التساقط ، فلا ريب أنّ الرجحان مع الأخير ؛ إذ وجوب الإنفاق عليه على من يستوفي منافعه في عوضه أولى ممّن لا يستوفي ، ويكون الإنفاق منه عليه لرفع حاجته وسدّ خلّته.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٤.

(٢) القائل هو الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجادلة : ٢٢.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٥٢٨ أبواب النفقات ب ١٣.

(٥) وهو المولى. منه رحمه‌الله.

١٨٣

نعم ، لو امتنع المولى عن الإنفاق عليه ، أو كان معسراً ، أمكن وجوبه على القريب ؛ عملاً بالعموم.

وقيل (١) : لا تجب مطلقاً ، بل يُلزَم ببيعه أو الإنفاق عليه ، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وهو حسن.

( ولا تقدير للنفقة ) الواجبة ( بل يجب بذل الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن ) لإطلاق الأدلّة اللازم في مثله الرجوع إلى العرف والعادة ، مع ما في الآية الكريمة ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (٢) ونحوه بعض المعتبرة (٣) من الإشارة إلى الرجوع إليها بالضرورة ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه هنا (٤) بين الطائفة ، بل وصرّح بالإجماع عليه جماعة (٥) ؛ وهو الحجّة فيه ، مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة.

ومقتضاها انسحاب الحكم في نفقة الزوجة ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر عبارة الحلّي بالإجماع عليه (٦).

خلافاً للخلاف ، فقدّر الطعام بمدّ مطلقاً ، مدّعياً فيه الوفاق (٧).

وهو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، مع معارضته بالإجماع المتقدّم ، الراجح عليه هنا بلا ارتياب ، فهو ضعيف.

وأضعف منه المحكيّ عنه في المبسوط من التفصيل : بمدّين‌

__________________

(١) حكاه في الروضة البهية ٥ : ٤٧٤ ، وهو في التحرير ٢ : ٥٠.

(٢) لقمان : ١٥.

(٣) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١.

(٤) أي نفقة الأقارب. منه رحمه‌الله.

(٥) انظر السرائر ٢ : ٦٥٥ ، والحدائق ٢٥ : ١٢٠.

(٦) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٧) الخلاف ٥ : ١١٢.

١٨٤

للموسر ، ومدّ ونصف للمتوسّط ، ومدّ للمعسر (١) وذلك لعدم الدليل عليه بالمرّة.

ثم إنّ المعتبر من المسكن : الإمتاع ، اتّفاقاً.

ومن المئونة : التمليك في صبيحة كل يوم لا أزيد ، اتّفاقاً ، بشرط بقائها ممكّنة إلى آخره ، فلو نشزت في الأثناء استحقّت بالنسبة.

وفي الكسوة قولان ، أشهرهما وأجودهما : أنّها كالأول ؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ؛ لضعف دليل الملحق بالثاني ، وهو الآية الكريمة ( عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) (٢) المعطوف فيها الكسوة على الرزق ، المقتضي ذلك اشتراكها معه في الأحكام له ، التي منها التمليك إجماعاً.

ووجه الضعف : اقتضاء العطف المشاركة في الحكم المثبت للمعطوف عليه في العبارة ، لا الأحكام الخارجة عنها الثابتة له بغيرها من الأدلّة ، وغاية ما يستفاد من الآية للمعطوف عليه : الوجوب ، الأعمّ من التمليك والإمتاع ، وتعيّن الأول فيه من الخارج غير ملازم لتعيّنه في المعطوف بالبديهة ، ولا دليل على كون التعيين مراداً من لفظ الآية ، وإنّما غايته القيام بإثباته في الجملة ، لا إثبات إرادته من نفس العبارة.

وأمّا الاستدلال بالنبويّ : « ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف » (٣) فمجاب بضعف السند ، وبما مضى إن جُعل العطف فيها مستنداً ، وبعدم كون اللام حقيقةً في الملكيّة خاصّة إن جُعل المستند إفادتها‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٦.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) تحف العقول : ٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٧ أبواب النفقات ب ٦ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

١٨٥

الملكيّة ، بل نقول : لها معانٍ أُخر كثيرة لا تلازم الملكيّة ، تتوقّف إرادة كلّ منها على قرينة هي في المقام مفقودة ، ومجرّد ثبوت الملكيّة في الرزق غير ملازم لثبوتها في الكسوة ، إلاّ على تقدير قيام الدلالة على إرادتها بالنسبة إليه من اللام المذكورة في الرواية ، وهو محلّ مناقشة ، كيف لا؟! وليست إلاّ الإجماع الذي حكاه جماعة (١) ، ولا يستفاد منها سوى ثبوت الملكيّة له في الجملة المجامع لثبوتها له من غير الرواية.

وعلى المختار : ليس لها بيعها ، ولا التصرّف فيها بغير اللبس من أنواع التصرّفات الخارجة عن العادة ، ولا لبسها زيادةً على المعتاد كيفيّةً وكمّيةً ، فإن فعلت فأبلَتها قبل المدّة التي تبلى فيها عادةً لم يجب عليه إبدالها ؛ وكذا لو أبقتها زيادةً على المدّة. وله إبدالها بغيرها مطلقاً ، وتحصيلها بالاستئجار والإعارة وغيرهما من الوجوه التي هي للمنافع مبيحة.

ولو طلّقها ، أو ماتت ، أو مات ، أو نشزت ، استحقّ ما يجده منها مطلقاً.

وأمّا ما تحتاج إليه من الفرش والآلات فهو في حكم الكسوة.

( ونفقة الولد على الأب ) مع وجوده ويساره دون الامّ وإن شاركته في الوصفين إجماعاً ، حكاه جماعةً (٢) ؛ لظاهر قوله سبحانه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) الآية (٣) ، مع ضميمة عدم القائل بالفرق ، واستصحاب‌

__________________

(١) راجع التنقيح ٣ : ٢٨٨ ، ونهاية المرام ١ : ٤٨٧ ، والكفاية : ١٩٥ ، والحدائق ٢٥ : ١٢٤.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٧ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٦.

(٣) الطلاق : ٦.

١٨٦

الحالة السابقة ، وعموم رواية هند المشهورة : « خذي ما يكفيك وولدك » (١) المستفاد من ترك الاستفصال في مقام جواب السؤال ، وهو مفيدٌ له عند الجماعة.

( ومع عدمه أو فقره ، فعلى أب الأب وإن علا ) بمائة درجة ( مرتّباً ) الأقرب فالأقرب ، بالإجماع كما حكاه جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، دون التعليل بصدق الأب ؛ لمنع كونه على سبيل الحقيقة ، التي هي المعتبرة مع عدم القرينة على ما عداها من المعاني المجازيّة.

وبعد التسليم ، فغايتها الدلالة على الشركة ، لا الترتيب الذي اعتبره الجماعة ، ومع ذلك فهذه العلّة جارية في الآباء من جهة الأُمّ بالضرورة.

هذا ، وربما يناقش في حكاية الإجماع المتقدّمة بعبارة المبسوط ، المعربة عن تقديم أُمّ الأب على أب الأب البعيد عنها بدرجة (٣) ، المشعرة بل الظاهرة بكون ذلك مذهب الطائفة ، وخلافه ممّا ذكره الجماعة مذهب العامّة ، فالمسألة مشكلة.

ويمكن دفعه (٤) برجحان حكاية الإجماع المزبورة بالشهرة العظيمة والاستفاضة في الحكاية والصراحة ، فلا يعارضها إشعار العبارة المتقدّمة بالإجماع بخلافه بالضرورة.

هذا ، مع إمكان التأيّد بالعلّة المتقدّمة بدفع ما يرد عليها من المناقشات السابقة ، فالأُولى : بالإجماع على إرادة الآباء وإن علوا من الأب‌

__________________

(١) سنن النسائي ٨ : ٢٤٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ / ٢٢٩٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٥٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩٣ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٨ ، انظر الحدائق ٢٥ : ١٣٢.

(٣) المبسوط ٦ : ٣٢.

(٤) أي الإشكال. منه رحمه‌الله.

١٨٧

هنا بالبديهة ، مضافاً إلى ما قدّمناه من الرواية ، على سبيل المجاز كانت الإرادة أو الحقيقة ، فإنّ المناقشة على التقديرين مندفعة ، فتأمّل.

والثانية : بانقطاع الشركة وتعيّن الترتيب بإجماع الطائفة ، مع ما للاعتبار عليه من الشهادة ، وإمكان التأيّد بآية اولي الأرحام (١) ، المستدلّ بها لأولويّة القرب في مواضع عديدة في كلام الجماعة.

والثالثة : ببعض ما اندفع به الاولى والثانية ، وهو هنا إجماع الطائفة على عدم مشاركة آباء الامّ مع آباء الأب في المسألة وإن تساووا في الدرجة.

لكن مآل اندفاعها إلى الإجماع. وكيف كان ، فهو العمدة في الحجّية ، لا العلّة بنفسها ، وإن شاركته فيها بعد الضمائم المزبورة.

( ومع عدمهم تجب ) النفقة ( على الأُمّ ) خاصة ، إلاّ مع فقدها أو إعسارها ، ( و ) تكون حينئذٍ على ( آبائها ) وأُمّهاتها بالسويّة إن اشتركوا في الدرجة ، وإلاّ قدّم ( الأقرب فالأقرب ) إلى المنفق عليه ؛ بالإجماع المستفاد من تتبّع كلمات الجماعة ، مع التأيّد بالاعتبار والآية السابقة.

ولم يتعرّض الماتن هنا ولا في الشرائع لحكم الآباء والأُمّهات من قبل أُمّ الأب ، إلاّ أنّ المحكيّ عن الشيخ وسائر الجماعة : أنّ أُمّ الأب بمنزلة أُمّ الأُمّ ، وآباءها وأُمّهاتها بمنزلة آبائها وأُمّهاتها ، فيتشاركون مع التساوي في الدرجة بالسويّة ، ويختصّ الأقرب من الطرفين إلى المحتاج بوجوب الإنفاق عليه (٢).

كلّ ذا في الأُصول خاصّة.

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) حكاه عنهم في كفاية الأحكام : ١٩٧ ، انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٨.

١٨٨

وأمّا الفروع ، فلو وُجِدوا بشرائط الإنفاق دون الأُصول : فإن اتّحد تعيّن ، وإن تعدّد في درجة واحدة وجب عليهم بالسويّة ، وإن اختلفت درجاتهم وجب على الأقرب فالأقرب.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الذكر والأُنثى على الأشهر الأظهر.

خلافاً لشاذّ ، فعلى حسب الميراث (١). ولآخر ، فيختصّ بالذكر (٢).

وضعفهما ظاهر لمن تدبّر.

ولو اجتمع العمودان الأُصول والفروع فمع وحدة الدرجة فهم شركاء في الإنفاق بالسويّة ، كما في الأب والابن ، ومع اختلافهما وجب على الأقرب ، كما في الأب وابن الابن ، فالأب متعيّن بلا شبهة.

ولو كان الفرع أُنثى ، أو كان الأصل هي الأُمّ ، ففيه احتمالات ، والذي استظهره جماعة استواء الابن والبنت ، وكذا الامّ مع الولد مطلقاً (٣).

ثم لو كان الأقرب معسراً ، فأنفق الأبعد ، ثم أيسر الأقرب ، تعلّق به الوجوب حينئذ ، ولا يرجع الأبعد عليه بما أنفق ؛ للأصل.

ولو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وله أب ، وجب على الأب نفقة الآخر. ولو تشاحّا في اختيار أحدهما ، استخرج بالقرعة.

كلّ ذا حكم المنفق.

وأمّا المنفق عليه ، فمع التعدّد إن كانوا من جهة واحدة كالآباء والأجداد وجب الإنفاق على الجميع مع السعة ، وإلاّ فالأقرب إليه فالأقرب. ولا فرق في كلّ مرتبة بين الذكر والأُنثى ، ولا بين المتقرّب بالأب‌

__________________

(١) انظر القواعد ٢ : ٥٨.

(٢) الروضة البهية ٥ : ٤٨.

(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩٥ ، والمحقق الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٨٠.

١٨٩

من الأب والأُمّ ، والمتقرّب بالأُمّ كذلك.

وإن كانوا من الجهتين اعتبرت المراتب ، فإن تساوت عدّة الدرجات فيهما اشتركوا ، وإلاّ اختصّ الأقرب.

ولو لم يسع ماله مَن في درجة واحدة لقلّته وكثرتهم ، ففي الاقتسام والقرعة وجهان ، أقواهما الثاني ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ لمنافاة التشريك الغرض. وربما احتُمِل ترجيح الأحوج لصغر أو مرض بدون القرعة (٢) ، ولا بأس به.

( ولا تقضى نفقة الأقارب لو فاتت ) لما مضى في مسألة قضاء نفقة الزوجة (٣) ، ولا خلاف فيه ، إلاّ أنّه ذكر الجماعة وجوب القضاء فيما لو استدانه القريب بأمر الحاكم ، لغيبة المنفق أو امتناعه ، فإنّه يستقر الدين في ذمّته كسائر ديونه ، ولذا وجب عليه قضاؤه.

( وأمّا المملوك : فنفقته واجبة على مولاه ) ذكراً أو أُنثى أو غيرهما ( وكذا الأمة ) بإجماع الأُمّة على ما حكاه بعض الأجلّة (٤) ، مضافاً إلى السنّة التي مضى بعضها في نفقة القرابة (٥). ولا فرق فيهما بين الصغير والكبير والقنّ وأُمّ الولد والمدبّر والمكاتب ؛ لإطلاق النصّ والفتوى ، إلاّ أنّ الأخير نفقته في كسبه إن وفى به ، وإلاّ أتمّه المولى ، من دون فرق فيه بين كونه مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً.

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ٥٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٨١.

(٣) راجع ص ١٧٧.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٩ ، كشف اللثام ٢ : ١١٧ ، الحدائق ٢٥ : ١٣٩.

(٥) راجع ص ١٧٩.

١٩٠

ثم إن اتّحد المالك ، وإلاّ وزّعت النفقة عليهم بحسب الشركة قطعاً.

( و ) حيث إنّه لا تقدير في الشريعة لجنس النفقة وكيفيّتها ، وجب أن ( يرجع في قدر النفقة ) من الجهات المذكورة ( إلى عادة مماليك أمثال المولى ) من أهل بلده ، بحسب شرفه وضعته وإعساره ويساره.

ولا يكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا ، وإن اكتفي به في بلاد المماليك.

ولا فرق بين كون نفقة السيّد على نفسه دون الغالب في نفقة المملوك عادةً تقتيراً أو بخلاً أو رياضةً ، وفوقه ، فليس للمولى الاقتصار بالعبد على وجه نفقة نفسه في الأول (١).

ولا عبرة في الكمّية بالغالب في نفقة المملوك ، بل تجب الكفاية لو قلّ الغالب عنها ، كما لا يجب الزائد لو زاد عنها.

فإذاً المعتبر فيه (٢) الكيفيّة خاصّة ، دون المقدار والكميّة.

فإذاً في إطلاق الحكم بالرجوع في القدر المتبادر منه الكميّة إلى العادة كما في العبارة نوع مناقشة ، إلاّ أن يخصّ القدر بما يخصّ الجنس والكيفيّة خاصّة.

وعن المبسوط : اعتبار غالب قوت البلد وكسوته (٣). ولعلّ المؤدّى واحد.

ويستحبّ أن يطعمه ممّا يأكله ويُلبِسه ممّا يلبسه ؛ للنبويّ : « إخوانكم وخَوَلكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده‌

__________________

(١) وهو كونه دون الغالب. منه رحمه‌الله.

(٢) أي الغالب. منه رحمه‌الله.

(٣) المبسوط ٦ : ٤٤.

١٩١

فليطعمه ممّا يأكل ويُلبِسه ممّا يلبس » (١).

وفي آخر : « إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه وقد كفاه حرّه وعمله فليقعده فليأكل معه ، وإلاّ فليناوله أكلةً من طعام » (٢).

ونحوه آخر ، وفيه بدل : « فليناوله » : إلى آخره ، « فليروِّغ له اللقمة واللقمتين » (٣) والترويغ : أن يروّيه من الدَّسم ، كما عن المبسوط (٤).

والمستفاد منهما استحباب المؤاكلة مع العبيد ، والنصوص به مستفيضة (٥).

( ويجوز مخارجة المملوك على شي‌ء ) أي ضرب خراج معلوم عليه يؤدّيه كلّ يوم أو مدّة ممّا يكتسبه ( فما فضل يكون له ، فإن كفاه ) الفاضل لنفقته ( وإلاّ أتمّه المولى ) والأصل في جواز المخارجة بعد الإجماع الذي حكاه بعض الأجلّة (٦) المعتبرة :

منها الصحيح : عن رجل أراد أن يعتق مملوكاً له وقد كان يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كلّ سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالاً سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، فقال : « إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٢٨٣ / ٤٠. والخَوَل : العبيد والإماء وغيرهم من الحاشية. لسان العرب ١١ : ٢٢٤.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٨٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٦٥ / ٣٨٤٦ ، صحيح البخاري ٧ : ١٠٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٠٧.

(٣) سنن البيهقي ٨ : ٨ بتفاوت.

(٤) المبسوط ٦ : ٤٥.

(٥) الوسائل ٢٣ : ٣٠ أبواب العتق ب ١٤ ، المستدرك ١٥ : ٤٥٦ أبواب العتق ب ١٣.

(٦) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٧) الكافي ٦ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٧٤ / ٢٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٤ / ٨٠٧ ، المقنع : ١٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٥ أبواب بيع الحيوان ب ٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

١٩٢

وفي هذه الصحيحة دلالة على تملّكه فاضل الضريبة ، ولذا قطع به جماعة (١) ، منهم : المصنّف في بحث التجارة (٢).

وفي جواز إجبار السيّد عبده على المخارجة ، قولان ، ثانيهما : نعم ، ما لم يتجاوز مجهوده ، كما عن التحرير (٣) ، وهو أقوى ؛ عملاً بعموم ما دلّ على لزوم إطاعة المملوك لسيّده (٤) ، خرج عنه ما دون المجهود بالضرورة ، كيف لا؟! ولا عسر ولا حرج في الملّة السهلة السمحة ، ويبقى الباقي مندرجاً في عموم الأدلّة.

واعلم أنّ للسيّد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك ، ولا يخرج عن وسعه عادةً ، والملازمة عليه ، إلاّ في أوقات اعتيد فيها الاستراحة.

وأمّا الأفعال الشديدة الشاقّة التي لا يمكن عليها المداومة في العادة ، فله الأمر بها في بعض الأزمنة ، وعلى المملوك بذل الوسع مهما أمكنه.

وليس له تكليفه الخدمة ليلاً ونهاراً معاً ؛ لأنّها فوق الوسع والطاقة ، بل إذا عمل في أحدهما أراحه في الآخر ، ويريحه في الصيف وقت القيلولة.

وبالجملة : فالمتّبع العادة الغالبة.

( وتجب النفقة على البهائم المملوكة ) مأكولة اللحم كانت أم غيرها ، منتفعاً بها أم لا ، بلا خلاف أعرفه بين أصحابنا.

ولا تقدير لها ، بل عليه منها ما احتاجت إليه قطعاً من العلف والسقي حيث يفتقر إليهما ، والمكان المناسب من مراح وإصطبل يليق بحالها‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٥٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٧.

(٢) المختصر النافع ١ : ١٣٢.

(٣) التحرير ٢ : ٥٠.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ١١٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٣.

١٩٣

ومنها دود القزّ ، فيأثم بالتقصير في إيصاله قدر كفايته ، ووضعه في مكان يقصر عن صلاحيّته له بحسب الزمان وما يحتاج إليه البهيمة مطلقاً أيّ حيوان كان من الآلات حيث يستعملها ، أو الجلّ لدفع البرد وغيره حيث يحتاج إليه.

وفي النبويّ : « اطّلعت ليلة اسري بي ، فرأيت امرأة تعذّب ، فسألت عنها ، فقيل : إنّها ربطت هرّة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت ، فعذّبها الله تعالى بذلك » قال : « واطّلعت على الجنّة ، فرأيت امرأة زانية ، فسألت عنها ، فقيل : إنّها مرّت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى رُوي ، فغفر الله سبحانه لها » (١).

ثم إنّه يجبر على الإنفاق عليها ، إلاّ أن تجتزئ بالرعي ، وترد الماء بنفسها ، فيجتزئ به مع إمكانه ، وإلاّ ( فإن امتنع مالكها اجبر على ) الإنفاق عليها ، أو ( بيعها ، أو ذبحها إن كانت مقصودة بالذبح ) للّحم أو الجلد ، وإلاّ اجبر على البيع أو الإنفاق ؛ صوناً لها عن التلف.

فإن أصرّ ، ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ، ببيع شي‌ء من ماله في الإنفاق ، أو بيعها عليه ، وإنّما يتخيّر مع إمكان الأفراد ، وإلاّ تعيّن الممكن منها.

ثم إن كان لها ولد ، وفّر عليه من لبنها ما يكفيه وجوباً ، وحلب ما يفضل عنه خاصّة ، فإنّ ذلك نفقته ، إلاّ أن يقوم بكفايته من غير اللبن حيث يكتفي به.

والحمد لله.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٤٧ ، وأورد صدره في البحار ٦٢ : ٦٤ ، ٦٥.

١٩٤

( كتاب الطلاق )

وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض ، بصيغة « طالق » وما في معناه حيث قلنا به مع الشرائط المعتبرة.

( والنظر في أركانه ، وأقسامه ، ولواحقه ).

( الركن الأوّل )

( في ) بيان ( المطلِّق ، ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد ) إليه ، بلا خلاف ، بل إجماعاً فيما عدا الأوّل ، وفيه في الجملة ، والنّصوص بها مع ذلك مستفيضة سيأتي إليها الإشارة.

( فلا اعتبار بطلاق الصبي ) الغير المميّز إجماعاً ، وفيه أيضاً على الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر ، وهو الأظهر ؛ للأصل ، وأدلّة الحجر عموماً في الأكثر ، أو فحوًى في الجميع إن ادّعي اختصاصها بالمال ؛ إذ المنع عن التصرّف في المال ولا سيّما قليله ملازم للمنع عنه في الطلاق بطريق أولى ، كيف لا ولتعلّقه بأمر الفروج أمره أشدّ من أمر المال بمراتب شتّى جدّاً ، وفاقاً ، نصّاً وفتوى ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق خصوص المعتبرة المستفيضة ، منها القريب سنده من الصحة : « ليس طلاق الصبي بشي‌ء » (١) ونحوه (٢) المنجبر قصور سنده‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٤.

١٩٥

بالشهرة.

ومنها : « كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه ، أو الصبي ، أو مُبَرسَم ، أو مجنون ، أو مكره » (١).

ومنها المروي عن قرب الإسناد : « لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم » (٢) هذا.

مع أنّ في الصحيح : عن الصبي يتزوّج الصبيّة؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا » (٣).

وقد حمل الشيخ وغيره (٤) الخيار فيه على الطلاق ، فيدل حينئذٍ على اشتراطه بالإدراك الدالّ بمفهومه على العدم بعدمه.

( و ) لكن ورد ( فيمن بلغ ) بحسب السن ( عشراً رواية ) المراد بها الجنس لتعدّدها ( بالجواز ) عمل بها النهاية (٥) ، وتبعه عليه جماعة كالقاضي وابن حمزة (٦) ، أحدها الموثق : « يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين » (٧) ونحوه المرسل كالصحيح (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٣. البرسام : علّة يهذي فيها صاحبها وهو المُبَرسَم. القاموس ٤ : ٧٩.

(٢) قرب الإسناد : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٨.

(٤) قاله في التهذيب ٧ : ٣٨٢ ، انظر الوسائل ٢٠ : ٢٧٨.

(٥) النهاية : ٥١٨.

(٦) القاضي في المهذّب ٢ : ٢٨٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٣.

(٧) التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧٢ ، الوسائل ٢٢ : ٧٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٦.

(٨) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٢ ؛ بتفاوت.

١٩٦

وهي وإن لم يكن ( فيها ضعف ) بالمعنى المصطلح ، إلاّ أنّها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من حيث الاستفاضة ، والاعتضاد بالأصل والعمومات والشهرة العظيمة والأولوية المتقدمة ، فحمل تلك على هذه بالتقييد المناقشة فيه واضحة.

مع بُعد جريانه في بعضها ممّا جعل فيه غاية الجواز إلى الاحتلام ؛ لكونه كالصريح في المنع عن طلاق ذي العشر لعدم كونه الغاية.

فالقول بهذه الرواية ضعيف البتّة ، كالجواز المطلق في ذي التميز ، كما عن الإسكافي وجماعة (١) ، وإن وردت [ به (٢) ] روايات بحسب الأسانيد معتبرة ، كالموثقين : « يجوز طلاق الصبي إذا كان قد عقل ، ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم » (٣) ونحوهما الرضوي : « إذا طلق للسنة فطلاقه جائز » (٤).

لتطرّق النظر إليها بما مضى ، مع لزوم تقييدها بالخبرين المقيّدين إن عملنا بهما ، كتقييدهما بها.

( ولو طلّق عنه الولي لم يقع ) مطلقاً ، أبويه كان أم الحاكم ؛ للأصل ، وعموم : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٥) كما في المستفيضة.

مضافاً إلى الإجماع المحكي في كلام جماعة (٦).

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٨٩ ، والصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٥ ، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف : ٥٨٩.

(٢) في الأصل : بها ، والأنسب ما أثبتناه.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٧٦ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٣ / ١٠٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ٧٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٠٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٤ ح ٣.

(٥) عوالي اللئلئ ١ : ٢٣٤ / ١٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ / ٢٠٨١.

(٦) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٤٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٨.

١٩٧

وخصوص المعتبرة المستدل بها في الأوّلين بالمنطوق ، وفي الثالث بالأولوية ، منها الصحيح وغيره : هل يجوز طلاق الأب؟ قال : « لا » (١).

والفرق بينه وبين المجنون حيث قلنا بجواز طلاقه عنه : ترقّب مدّة يمكن زوال المنع فيها واندفاع الضرر به فيها ، دون المجنون ، كما لا يخفى.

مضافاً إلى استفاضة النصوص المخرجة عن الأصل فيه ، دون الصبي ، ولا مخرج عنه فيه منها قطعاً ، وهي كافية في الفرق ، ويخرج ما ذكرناه من الاعتبار شاهداً قطعاً.

( إلاّ أن ) يكون ( بلغ فاسد العقل ) فساداً لا يمكنه معه القصد إلى الطلاق أصلاً ، فيجوز طلاق الولي عنه حينئذٍ مطلقاً ، مطبقاً كان أو أدواريّاً لا يفيق حال الطلاق أبداً ، على الأظهر الأشهر ، بل في الإيضاح (٢) الإجماع عليه ، وهو الحجّة فيه ، كالمستفيضة.

منها الصحيحان ، في أحدهما : عن الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليّه عنه؟ قال : « ولمَ لا يطلّق هو؟ » قلت : لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً : لم أُطلّق ، أو لا يحسن أن يطلّق ، قال : « ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان » (٣).

ونحوه الثاني (٤) مبدلاً فيه السلطان بالإمام‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٣ ح ١.

وغيره في : الكافي ٧ : ١٣٢ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٨٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٣ ح ٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٨ : ٧٥ / ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٢ / ١٠٧١ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٢٦ / ١٥٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٨١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ١.

١٩٨

وإجمال المنزلة فيهما مبيَّن بسياقهما المعرب من حيث وجوب المطابقة بين السؤال والجواب عن إرادة جواز الطلاق منها ؛ وبالمعتبرة ، منها : في طلاق المعتوه ، قال : « يطلّق عنه وليّه فإنّي أراه بمنزلة الإمام » (١).

وقريب منه آخر : « المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق يطلّق عنه وليه » (٢).

وقصور سندهما منجبر بالشهرة ، مع احتمال الأوّل الصحة ، كما عليه من المحقّقين جماعة (٣).

خلافاً للخلاف (٤) ، مدّعياً على المنع الوفاق ، وتبعه الحلي (٥) ؛ لعموم المستفيض.

ويخص بما مرّ ، والإجماع مع معارضته بأقوى منه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، وعلى تقدير صحته وخلوّه فغايته أنّه خبر صحيح ، ولكنه واحد لا يعارض المستفيضة المتعدّد صحاحها ، والمنجبر بالشهرة باقيها.

ثم ظاهر الحصر في العبارة انحصار جواز طلاق الولي في اتصال الجنون بالصغر ، وهو مخالف للإجماع ، ولإطلاق النصوص إن أُريد بالولي : المطلق ، وللأخير خاصّة إن أُريد به من عدا الحاكم ، كما هو الظاهر.

ولعلّه مبني على ما مضى (٦) في بحث النكاح من انقطاع ولايته في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٦ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٨٤ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٥ ح ٢.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٣.

(٤) الخلاف ٤ : ٤٤٢.

(٥) السرائر ٢ : ٦٧٣.

(٦) راجع ص ٤٨٩٢.

١٩٩

غير هذه الصورة.

لكنه معارض بمثله في جانب الحاكم ، كما عرفت ثمة ، مع اعتضاده بإطلاق أخبار المسألة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال فيها ، بل ربما كان أظهر أفرادها غير المفروض في العبارة ، ولعلّه لذا أطلق الجواز جماعة (١) ، وإن صرّح بما في العبارة شيخنا في الروضة (٢).

ثمّ ليس في النصوص كالعبارة اشتراط الغبطة ، لكنه مشهور بين الطائفة ، فإن تمّ إجماع ، وإلا فطريق المناقشة فيه غير منسدّة ، كيف لا؟! وغاية ما يستفاد من الأدلة مراعاة عدم الضرر لا الغبطة ، وأحدهما غير الآخر بالضرورة.

( ولا يصح طلاق المجنون ) مطلقاً ، عدا الأدواري حال إفاقته.

( ولا السكران ) البالغ حدّا يصير نحو المجنون الذي لا ينتظم أُموره ، ولا يتوجّه إلى أفعاله قصده ، وفي معناه المغمى عليه والنائم.

لانتفاء القصد المشترط في الصحة بالإجماع والمعتبرة الآتية (٣).

والنصوص به مع ذلك مستفيضة مضى منها في الأوّل (٤) ، مضافاً إلى الصحيح فيه وفي الثاني : عن طلاق السكران وعتقه؟ فقال : « لا يجوز » وعن طلاق المعتوه؟ قال : « وما هو؟ » قلت : الأحمق الذاهب العقل ، قال : « لا يجوز » (٥).

ومنها في الثاني المستفيضة ، منها الصحيح : عن طلاق السكران؟

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٥٠٩ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٨٢ ، والتبصرة : ١٤٦.

(٢) الروضة البهية ٦ : ١٨.

(٣) في ص ٢٠٣ ، ٢٠٤.

(٤) راجع ص ١٩٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٧٣ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٨٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٤ ح ٥.

٢٠٠