رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

آخر : « الثلث » (١) والجمع بتفاوت مراتب الفضل ممكن ، وإن كان الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب وهو الأول أجود.

( ولو كانت ) القابلة ( ذمّية ) لا تأكل ذبيحة المسلم ( أعطيت ثمن الربع ) للموثّق : « وإن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين ، أُعطيت قيمة ربع الكبش » (٢) وخُصّت اليهوديّة بالذكر لأكل النصارى وكذا المجوس ذبائحنا.

( ولو لم تكن ) ثمّة ( قابلة ، تصدّقت به ) أي بالربع ـ ( الأُمّ ) إلى من شاءت من فقير أو غني ؛ لعموم الموثّق : « وإن لم تكن قابلة فلأُمّه تعطيها من شاءت » (٣).

( وإذا لم يَعِقّ الوالد ) عنه ( استحبّ للولد ) أن يعقّ عن نفسه ( إذا بلغ ) وإن شاب ، بلا خلاف ؛ لمفهوم الموثّقين :

في أحدهما : « وإن لم يعقّ عنه حتى ضحّى فقد أجزأته الأُضحيّة » (٤) ونحوه الثاني (٥) ، فتأمّل.

والأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الدالّ على استحبابها للولد مع الشكّ في عقيقة الوالد عنه ، وفيه : ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٤ / ١٧٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٨ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٤٣ / ١٧٧١ ، الوسائل ٢١ : ٤٢١ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ٣ : ٣١٣ / ١٥٢٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٣٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٥ ح ١.

١٤١

فأمرني فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير (١) ، مضافاً إلى النصوص الدالّة بأنّ المرء مرتهن بعقيقته (٢).

( ولو مات الصبيّ ) ذكراً كان أو أُنثى ( في ) اليوم ( السابع قبل الزوال ، سقط ) استحبابها ( ولو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب ) بلا خلاف في الظاهر ؛ للصحيح : عن مولود يولد فيموت يوم السابع ، هل يعقَّ عنه؟ فقال : « إن مات قبل الظهر لم يعقَّ عنه ، وإن مات بعد الظهر عقَّ عنه » (٣).

( ويكره ) بل حكي قول بعدم الجواز (٤) ـ ( أن يأكل منها الوالدان ) بل ومن في عيالهما ، والكراهة في الأُمّ أشدّ ؛ للنصوص :

منها : « لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة » (٥).

وفي الرضوي : « ولا يأكل منه الأبوان » (٦).

وفي ذيل الأول ما يدلّ على جواز أكل من عدا الامّ وشدّة كراهته فيها ، ونحوه في الأول (٧) نصوص كثيرة :

منها الخبر : « إذا ولد لك غلام أو جارية فعقَّ عنه يوم السابع شاة أو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١٢ / ١٥١٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤١ / ١٧٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤١٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤١٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٨.

(٣) الكافي ٦ : ٣٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣١٤ / ١٥٢٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٤٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٦١ ح ١.

(٤) نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٢.

(٥) الكافي ٦ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٤٤ / ١٧٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٩ ، المستدرك ١٥ : ١٤٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٤ ح ١.

(٧) أي في جواز أكل من عدا الامّ.

١٤٢

جزوراً ، وكل منها وأطعم » (١).

وفي آخر في عقيقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحسنين عليهما‌السلام قال : « وعقّ عنهما شاةً شاة ، وبعثوا برجل إلى القابلة ، ونظروا ما غيره فأكلوا منه » (٢) وقريب منهما آخر (٣). وبهما مع الأصل ، وضعف النصوص المانعة يدفع القول بالحرمة.

ونحوه في الثاني (٤) الحسن : « لا تطعم الامّ منها شيئاً » (٥).

والمرسل : « لا تأكل المرأة من عقيقة ولدها » (٦).

وفي الرضويّ « ولا يأكل منها الأبوان ، وإن أكلت منه الامّ فلا ترضعه » (٧) ويستفاد منه كراهة الإرضاع مع أكلها منها ، وبه صرّح الصدوق في الفقيه (٨) ، ولا بأس بها وإن لم يذكره غيره.

( وأن يُكسَر شي‌ء من عظامها ، بل يفصل مفاصل ) (٩) بلا خلاف ؛ للنصوص :

منها : « ولا تكسر العظم » (١٠).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٨ / ٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٣٣ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٣١ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٨ / ٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٧.

(٤) أي في شدّة كراهة الأكل في الأُمّ.

(٥) الكافي ٦ : ٣٢ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٣٢ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٧ ح ٣.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٩ ، المستدرك ١٥ : ١٤٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٣٤ ح ١.

(٨) الفقيه ٣ : ٣١٣.

(٩) في المطبوع زيادة : الأعضاء.

(١٠) الكافي ٦ : ٢٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٣ / ١٧٧٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٢١ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٥.

١٤٣

ومنها : « واقطع العقيقة جداول ، وادع عليها رهطاً من المسلمين » (١).

وليس بمحظور إجماعاً ؛ للأصل ، وضعف النصوص المانعة ، وصريح الموثّق بالجواز : عن العقيقة إذا ذبحت ، هل يكسر عظمها؟ قال : « نعم » (٢).

ثم إنّ ما اشتهر في أمثال زماننا بين الناس من استحباب دفن العظام ، بل ولفّها في خرقة ، فلم نقف في النصوص على كثرتها وكذا أقوال الفقهاء على ما يدلّ عليه ، ولا بأس به ما لم يقصد الشرعيّة ، ومعه فيمكن التحريم والإباحة ؛ بناءً على احتمال دخوله في المعتبرة الدالّة على : أنّ من بلغه شي‌ء من الثواب ، إلى آخره (٣) ؛ ولكن المتّجه حينئذٍ الاستحباب ، لكنّه مشكل ، والله العالم.

( ومن التوابع ) :

( الرضاع ) بكسر الراء وفتحها ، مصدر : رضع ، كسمع وضرب ، كالرضاعة بالكسر والفتح أيضاً ، وهو امتصاص الثدي.

( والحضانة ) بالفتح ، وهي ولاية عن الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته : من حفظه ، وجعله في سريره ورفعه ، وكَحله ، ودهنه ، وتنظيفه ، وغسل خرقه وثيابه ، ونحوه.

( و ) لا ريب ولا خلاف في أنّ ( أفضل ما يرضع ) به الولد ( لبن

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٢ / ١٧٦٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ٨. الجُدول جمع جدل ، بالكسر والفتح ، وهو العضو. النهاية ١ : ٢٤٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١٤ / ١٥٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٢٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٤٤ ح ١٧.

(٣) الوسائل ١ : ٨٠ أبواب مقدمة العبادات ب ١٨.

١٤٤

امّه ) لأوفقيّته بمزاجه ، وأنسبيّته بطبيعته لتغذيته منه في بطن امّه ، وللنّص : « ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (١).

( و ) المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعاً بينهم أنّه ( لا تُجبَر ) الأُمّ ( الحرّة ) وكذا الأمة مملوكة الغير ( على إرضاع ولدها ) إلاّ إذا لم يكن للولد مرضعة أُخرى سواها ، أو كانت ولم يمكن ؛ لعدم وجود الأب ، أو إعساره وعدم تمكّنه منه ، مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها ، فيجب عليها بلا خلاف ، كوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين.

وأمّا عدم الوجوب في غيرهما فللأصل ، والخبر : « لا تُجبَر الحرّة على إرضاع الولد ، وتُجبَر أُمّ الولد » (٢).

مع التأيد بظاهر عموم ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) (٣) الشامل لمثل الإضرار بها فيه بالإجبار على إرضاعه.

وظاهر قوله سبحانه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٤).

وقوله ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (٥).

وفي الاستدلال بهما نظر.

وبما مرّ يُصرَف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في الظاهر على الأشهر الأظهر المستفاد من قوله سبحانه : ( وَالْوالِداتُ

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ / ٣٦٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ / ١٤٨٦ ، التهذيب ٨ : ١٠٧ / ٣٦٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٦٨ ح ١.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤ و ٥) الطلاق : ٦.

١٤٥

يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) الآية (١) إلى الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ويمكن الجمع ، بحمله إمّا على الصورتين الأُوليين ، أو على أُمّ ولد المولى ؛ ( و ) ذلك لعدم الخلاف في أنّه ( يجبر الأمة مولاها ) على إرضاع ولدها ، بل مطلقاً ؛ لما مضى من صريح الخبر ، ولأنّها بجميع منافعها ملك له ، فتُجبَر.

وبالجملة : لا إشكال في أصل الحكم مع استثناء الصورتين الماضيتين ، وإنّما الإشكال في استثناء صورة ثالثة ، وهي وجوب إرضاعها اللِّبَأ ، وهو أوّل اللبن ، فقيل : نعم ، كما في القواعد واللمعة ؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه (٢).

خلافاً للأكثر ، فالعدم ؛ لمخالفة التعليل الوجدان.

وهو أظهر ، إلاّ مع ثبوت الضرر ، فيجب بلا إشكال ولا نظر. ويتقدّر المدّة حينئذٍ بمقدار اندفاعه ، وربما قُيّد بثلاثة أيّام (٣) ، والمحكيّ عن أهل اللغة أنّه أوّل الحلبة (٤).

وعليه ففي لزوم الأجر قولان ، وبه صرّح الأكثر ، وهو أظهر ؛ لإطلاق ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا قائل بالفرق بين المطلّقات وغيرهن ؛ مع التأيّد بما قيل من أنّه في الحقيقة عوض عن اللبن ، فيكون كمن عنده طعام اضطرّ إليه ذو نفس محترمة (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

(٢) القواعد ٢ : ٥١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٤٥٢.

(٣) حكاه في الروضة ٥ : ٤٥٢.

(٤) انظر نهاية المرام ١ : ٤٦٠.

(٥) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

١٤٦

وقيل : لا ؛ لأنّها كالعبادة الواجبة ، لا يجوز أن يؤخذ عليها اجرة (١).

والمناقشة فيه واضحة ، مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة إطلاق الآية المعتضدة بالشهرة.

( وللحرّة ) المستأجرة للإرضاع بنفسها ، أو بغيرها ، أو على الإطلاق ولو أرضعته من الغير على الأشهر كما في المسالك (٢) ، وعلى إشكال لو تبادر من الإطلاق الإرضاع بنفسها وإلاّ فحسن ( الأُجرة ) المضروبة ( على الأب ) الحيّ الموسر مطلقاً و ( إن ) كانت الحرّة امّاً و ( اختارت إرضاعه ) بعد استئجارها لذلك.

( وكذا لو أرضعته خادمتها ) المملوكة لها ، بلا إشكال ولا خلاف ؛ لأنّها من جملة نفقته الواجبة له عليه ، ولقوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) الآية (٣) ، فتأمّل.

وهل يجوز استئجار الامّ لذلك وهي في حبالته؟

المشهور : نعم ؛ للأصل ، والعمومات ، ولقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) الآية (٤).

خلافاً للشيخ في موضع من المبسوط (٥) ، فقوّى المنع ؛ لأنّه مالك للاستمتاع بها في كلّ وقت إلاّ ما استثني من أوقات العبادات ، فلا تقدر هي على إيفاء المانع المستأجرة.

وأمّا الآية فمسوقة للمطلّقات ، ولا نزاع فيهن.

__________________

(١) قال به الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٢٦٧.

(٢) المسالك ١ : ٥٨٠.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الطلاق : ٦.

(٥) المبسوط ٦ : ٣٦ ٣٧.

١٤٧

وفيه نظر ؛ لمجي‌ء المانع من قبله ، فإذا أسقطه سقط ، ولمّا استأجرها فقد أسقط حقّه من الاستمتاع في الأوقات التي لا يمكنه مع الإرضاع ، وهو أولى بالصحّة من أجير أذن له المؤجر في الإجارة من غيره في مدّة إجارته ، كذا قيل (١).

وإنّما يتمّ إذا كان الأب هو المستأجر ، ولا أظنّ الشيخ يمنع حينئذ ، وأمّا إذا كان غيره فلا يجري فيه الجواب ، فقوله لا يخلو عن قوّة ، إلاّ أنّ المحكيّ عنه هو الصورة الأُولى (٢) ، وهو عن مثله غريب.

( ولو كان الأب ميّتاً ) أو معسراً ( فمن مال الرضيع ) بلا خلاف ولا إشكال في الأول ؛ للنصوص :

منها المرسل كالصحيح : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل توفّى وترك صبيّاً فاسترضع له : أنّ أجر رضاع الصبيّ ممّا يرث من أبيه وأُمّه » (٣).

وقريب منه الصحيح : في رجل مات وترك امرأته ومعها منه ولد ، فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ ، فقال : « لها أجر مثلها ، وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله » (٤).

وربما ظهر من إطلاق العبارة وجوب الأُجرة على الأب ولو مع إعساره.

واستشكله جماعة ؛ للأصل ، مع عدم كون الولد حينئذٍ ممّن يجب‌

__________________

(١) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٢) انظر الحدائق ٢٥ : ٧٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٤٤٧ / ١٧٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ٤١ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ح ١.

١٤٨

عليه إنفاقه عليه (١).

وهو في محلّه ، إلاّ أنّ إطلاق الآيتين الموجبتين للأُجرة عليه ربما ينافي ذلك.

وكيف كان ، فلا ريب أنّه أحوط إن أمكن باقتراض ونحوه ، وإلاّ فلا ريب في سقوطه ، بل ولعلّه لا خلاف فيه حينئذ.

( و ) نهاية ( مدّة الرضاع ) في الأصل ( حولان ) كاملان بلا خلاف ؛ بنصّ الآية (٢) والرواية (٣).

( ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً ) عندنا (٤) ، كما حكاه جماعة من أصحابنا (٥) ؛ لظاهر ( حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٦) فإنّ الغالب في الحمل تسعة أشهر ؛ وللنصوص :

أحدها الموثّق : « الرضاع أحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور على الصبيّ » (٧).

والثاني الخبر : « الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهراً ، فما نقص عن أحد وعشرين شهراً فقد نقص الموضع ، فإن أراد أن يتمّ الرضاعة له‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٢ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٧٤.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٩٨ / ٧١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٥.

(٤) في حاشية « ص » : خ ل : باتّفاقنا.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٦) الأحقاف : ١٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٥.

١٤٩

فحولين كاملين » (١).

ونحوهما الثالث المرويّ هو والأول في الفقيه (٢) ، مع احتمال صحّة الأخير.

ومقتضاها أنّه ( لا ) يجوز ( أقلّ ) من ذلك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل حكي صريحاً (٣) ؛ وهو حجّة أُخرى في المسألة بعد هذه النصوص المعتبرة ، المنجبر قصور أسانيدها على تقديره بالإجماع ، ولا أقلّ من الشهرة العظيمة.

فمناقشة بعض الأجلّة في المسألة (٤) وتجويزه النقص عن المدّة المزبورة أيضاً من غير ضرورة ؛ للأصل ، وظاهر الآية ( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ) (٥) واهية ؛ لتخصيصهما بما مرّ من الأدلّة ، مع إجمال الثانية ، فتأمّل.

وبنحو ذلك يجاب عن الصحيح : « ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما فحسن » (٦).

( و ) يجوز ( الزيادة ) عن الحولين ( بشهر أو شهرين ) لظاهر الصحيحين ، الماضي أحدهما الآن ، وأظهر منه الثاني : عن الصبيّ ، هل يرضع أكثر من سنتين؟ فقال : « عامين » قلت : فإن زاد على سنتين ، هل‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٢.

(٢) لم نعثر عليه في الفقيه.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠٥.

(٤) كصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٣.

(٥) البقرة : ٢٣٣.

(٦) التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ١.

١٥٠

على أبويه من ذلك شي‌ء؟ قال : « لا » (١).

ولكن ليس فيهما التقييد بالشهرين ، بل إطلاقهما يشمل الزائد ، وهو مقتضى الأصل ، وإليه مال جماعة (٢).

ولكن المشهور أنّه ( لا ) يجوز ( أكثر ) من المدّة المزبورة ؛ ومستنده غير واضح ، إلاّ ما يقال من أنّ به رواية (٣). وفي الاعتماد على مثلها في تقييد ما مرّ من الأدلّة مناقشة ، وإن كان ربما يتوهّم كونها مرسلة مجبوراً ضعفها بالشهرة ، وأنّ مثلها ترجّح على الأدلّة الماضية ؛ وذلك لأنّ الرجحان بعد وضوح الدلالة ، وليس ؛ إذ يحتمل التوهّم ، لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة بالبديهة.

( ولا يلزم الوالد اجرة ما زاد على الحولين ) من رضاع الولد ، مع عدم الضرورة إليه قطعاً ووفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، ومنه الصحيح الماضي قريباً (٤) : « ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها » إلى آخره ، ونحوهما الخبران (٥) ، أحدهما الصحيح أيضاً.

وربما يستفاد من إطلاق هذه النصوص كالعبارة وكلام الجماعة عموم الحكم لصورة الضرورة.

وتأمَّل فيه جماعة ؛ بناءً على أنّ ذلك للولد بمنزلة النفقة الضروريّة ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٤.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٦.

(٣) السرائر ٢ : ٦٤٨.

(٤) في ص ١٥٠.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣ ، تفسير العياشي ١ : ١٢١ / ٣٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٣.

والآخر في : الفقيه ٣ : ٣٢٩ / ١٥٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٧.

١٥١

فيجب على والده الأُجرة (١).

وفيه : أنّه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة ، المعتضدة بالأصل والشهرة ، بل والاتّفاق ، كما يظهر من عبارة بعض الأجلّة (٢).

لكن ربما يجاب عن النصوص وعبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب (٣). وربما لا يخلو عن مناقشة ، إلاّ أنّ الأحوط مراعاة الأُجرة.

( والأُمّ أحقّ بإرضاعه إذا تبرّعت أو قنعت بما تطلب غيرها ) إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ قيل (٥) : لظاهر الآية ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٦).

والأجود الاستدلال عليه بالرواية : « المطلّقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى ؛ يقول الله عزّ وجلّ ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (٧) لا يضارّ الصبي ولا يضار به في رضاعه » الحديث (٨) ؛ مع التأيّد بالإشفاق وموافقة اللبن ، كما يشعر بها ذيلها.

( و ) ربما ظهر منها أنّها ( لو طلبت زيادة عمّا تقنع غيرها ، فللأب

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٤ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٨٢ ٨٣.

(٢) في المسالك ( ١ : ٥٨١ ) منه رحمه‌الله.

(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٨٢.

(٤) انظر الحدائق ٢٥ : ٧٥.

(٥) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨١ ، انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٧٠.

(٦) الطلاق : ٦.

(٧) البقرة : ٢٣٣.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٢٩ / ١٥٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٠ ح ٧ ؛ بتفاوت.

١٥٢

نزعه ) منها ( واسترضاع غيرها ) مطلقاً وإن لم تطالب أزيد من اجرة المثل ، كما هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب ؛ لذلك ، ولإطلاق قوله سبحانه ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (١) والخبرين :

في أحدهما ويستفاد منه الحكم الأول أيضاً ـ : « إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ، ولا يضارّها إلاّ أن يجد من هو أرخص منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتى تفطمه » (٢).

وفي الثاني : « فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها : أنا أرضع ابني بما تجد من يرضعه ، فهي أحقّ به » (٣).

وقيل : بل هي أحقّ مطلقاً إذا لم تطلب أكثر من اجرة المثل (٤).

ولا ريب في ضعفه ، فإن هو إلاّ اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة بالشهرة ، والموافقة لإطلاق ظاهر الآية ، السالمة عمّا يصلح للمعارضة من الأدلّة ؛ مضافاً إلى أصالة عدم الأحقّية إلاّ ما ساعدت بإخراجه الأدلّة.

( وأمّا الحضانة ) :

( فالأُم أحقّ بالولد ) وتربيته ( مدّة الرضاع ) مطلقاً ، ذكراً كان أُم أُنثى أم غيرهما ، إجماعاً فتوًى ونصّاً (٥) فيما إذا أرضعته ، وإلاّ فقولان :

من الأصل ، وظاهر النصوص ، أظهرها الموثّق : « فإن وجد الأب من‌

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٤٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٣.

(٤) انظر السرائر ٢ : ٦٥٠ ٦٥١.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٥.

١٥٣

يرضعه بأربعة دراهم ، وقالت الامّ : لا أرضعه إلاّ بخمسة دراهم ، فإنّ له أن ينتزعه منها » (١).

وقريب منه ما مضى قُبَيل المقام من النصوص ؛ لدلالتها بالمفهوم على عدم أحقّيتها مع عدم رضاها بإرضاعه. وليست في الظهور كالأول ؛ لاحتمالها سلب الأحقيّة من جهة الإرضاع الغير الملازم لسلبها من جهة الحضانة.

ومن أنّ كلاًّ من الحضانة والرضاعة حقّان متغايران ، فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر.

وهو جيّد إن قام دليل على استحقاقها الحضانة على الإطلاق ، وليس ، إلاّ ما سيأتي من أحقّيتها بالولد على الإطلاق (٢) ، وهو مع قصور سنده معارض بما دلّ على أحقّية الأب كذلك (٣) ، وليس بعد التعارض سوى التساقط إن لم نقل برجحان الأخير ، ومعه فلا دلالة على إطلاق أحقّيتها بالحضانة.

فإذاً الأول أقوى ؛ للأصل ، مع النصوص الماضية ، التي هي حجّة أُخرى في ردّ ما ذكر للثاني من الحجّة ، وإلى ما صرنا إليه صار جماعة (٤) ؛ لما ذكر من الأدلّة ، مضافاً إلى استلزام بقاء حقّ الحضانة مع انتفاء حقّ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٤ / ١٣٠٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ١.

(٢) انظر ص ١٥٦.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٤٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٣.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٤٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٦٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٨٧.

١٥٤

الرضاعة العسر والحرج والضرر بتردّد المرضعة إلى الأُمّ في كلّ وقت يحتاج إلى الإرضاع ، وهما منفيّان آيةً ورواية.

هذا ، وأمّا القول باشتراك الحضانة بين الأبوين كما عن المهذّب مدّعياً عليه الإجماع (١) فضعيفٌ وإن دلّ عليه صدر الموثّق السابق : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة » لوهن الإجماع بمصير الأكثر بل الكلّ إلى الخلاف ، ومعارضة صدر الرواية بذيلها ، وقد مضى ، وفيه تصريح بجواز اختصاص الأب بالحضانة مع عدم إقدام الأُمّ على الرضاعة ؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة ، وعدم وضوح المراد بالسويّة ، فقد يراد بها : التسوية من جهة أنّ على الأُمّ الرضاعة وعلى الأب الأُجرة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٢).

ثم حضانة الأُمّ حيثما ثبتت لها مشروطة بما ( إذا كانت حرّة مسلمة ) عاقلة غير مزوّجة ، بلا خلاف في الأربعة.

فلا حضانة للأمة ؛ لفحوى النصوص النافية للحضانة عن الأب العبد ما دام العبوديّة ، ففي الصحيح : « أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها ؛ لموضع الأب » (٣) مع أنّ منافعها مملوكة لسيّدها ، فهي مشغولة بخدمته عن الحضانة ؛ ولأنّ الحضانة ولاية ، والأمة ليس لها أهليّة.

ولا للكافرة إذا كان الولد مسلماً ؛ لأنّ الحضانة ولاية ، ولا ولاية لها على المسلم ، فتأمّل.

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٤٢٦.

(٢) انظر التنقيح الرائع ٣ : ٢٧٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٣ ح ١.

١٥٥

ولا للمجنونة ؛ لاحتياجها إلى الحضانة ، فكيف يعقل حضانتها لغيرها؟! وفي إلحاق المرض المزمن الذي لا يرجى زواله كالسلّ والفالج بحيث تشغل بالألم عن كفالته وتدبير أمره ، وجهان ، ونحوه المرض المعدِّي. وإطلاق الأدلّة مع أصالة بقاء الولاية إذا كانت الأمراض حادثة بعدها يقتضي الإلحاق ، والضرر مندفع بالاستنابة ، إلاّ أنّ في شمول الإطلاق لمثلها نوع مناقشة.

ولا للمزوّجة ؛ لإجماع الطائفة كما في الروضة (١) وللخبرين ، أحدهما : عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد ، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال : « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج » (٢) ونحوه الثاني (٣).

ولو طلّقت بائناً أو رجعيّاً انقضت عدّتها ، ففي عود ولايتها وجهان ، بل قولان ، والأصل يقتضي الثاني ، كما عن الحلّي (٤) ، والخبران العاميّان يقتضيان الأول (٥).

وزيد هنا شرطان آخران (٦) لا دليل عليهما.

ولا اختصاص للشروط بالأُمّ ، فإنّ الأب شريك لها فيها حيث ثبتت‌

__________________

(١) الروضة البهية ٥ : ٤٦٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٣ ، التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٧١ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٤.

(٣) درر اللئالي ١ : ٤٥٧ ، المستدرك ١٥ : ١٦٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٥٨ ح ٥.

(٤) السرائر ٢ : ٦٥١.

(٥) أحدهما في : سنن أبي داود ٢ : ٢٨٣ / ٢٢٧٦ ، سنن البيهقي ٨ : ٤.

والآخر في : مسند أحمد ٢ : ٢٠٣.

(٦) انظر نهاية المرام ١ : ٤٦٩.

١٥٦

له الحضانة إجماعاً ، إلاّ الشرط الرابع ، فلا ينافيها في حقّه تزويجه بامرأة اخرى.

( وإذا فصل ) الولد عن الرضاع ( فالحرّة أحقّ بالبنت إلى سبع سنين ) من حين الولادة ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن السرائر والغنية (١) ؛ وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى إطلاق المعتبرة :

منها الصحيح : « المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين ، إلاّ أن تشاء المرأة » (٢).

ونحوه الخبر المرويّ في مستطرفات السرائر : رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثم فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : « إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله ، وإن تركه فله » (٣).

( وقيل ) كما عن المقنعة والمراسم والمهذّب (٤) ـ : أنّها أحقّ بها ( إلى تسع سنين ) ومستنده غير واضح ، إلاّ بعض الوجوه الاعتباريّة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعيّة.

( والأب أحقّ بالابن ) بعد الفطام ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٥) ؛ وهو الحجّة فيه كإطلاق بعض المعتبرة ، مثل الموثّقة السابقة (٦) : « إذا فطم فالأب أحقّ به من الامّ » وهي وإن شملت الأُنثى ، إلاّ أنّها خُصَّت بالذكَر جمعاً بينها وبين ما مرّ ممّا أُطلق فيه السبع بحمله على‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٥٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٦.

(٣) مستطرفات السرائر : ٦٥ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٧٢ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ٧.

(٤) المقنعة : ٥٣١ ، المراسم : ١٦٤ ، المهذب ٢ : ٣٥٢.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦.

(٦) في ص ١٥٣.

١٥٧

الأُنثى جمعاً أيضاً.

ومستند الجمع هو الإجماع المحكيّ في المقامين ، مع التأيّد بما ذكروه من المناسبة ، فإنّ الذَّكَر أولى بالزوج من الزوجة ، كأولويّتها منه بالأُنثى في الحضانة. ولولاهما (١) لكان القول بالتفصيل وإن اشتهر مشكلاً ، وكان القول بإطلاق السبع مطلقاً متّجهاً.

وهنا قولان آخران :

أحدهما : إطلاق الحضانة للأُمّ ما لم تتزوّج ، كما عن المقنع (٢) ؛ للخبرين اللذين مضيا في الشرائط ، وفيهما : « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج » (٣).

وقصور سندهما مع عدم جابر لهما هنا مضافاً إلى عدم مكافأتهما لما مضى من النصّ والفتوى الذي عليه الإجماع قد ادُّعي يمنع من العمل بهما ؛ مع معارضتهما بما دلّ على أولويّة الأب بالحضانة مطلقاً (٤) ، وفيه ما هو بحسب السند أقوى.

وثانيهما : كالأول منهما (٥) بالإضافة إلى البنت ، وأولويّتها بالصبيّ إلى السبع ، كما عن الإسكافي والخلاف مدّعياً عليه فيه الوفاق والأخبار (٦).

والأول موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، مع معارضته بما هو أقوى عدداً واعتباراً (٧). والثاني لم نقف عليه.

__________________

(١) أي الإجماع المحكيّ والمؤيّد المزبور. منه رحمه‌الله.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥٧٧.

(٣) راجع ص ١٥٦.

(٤) المتقدم في ص ١٥٣.

(٥) وهو أنّها أحقّ بالبنت ما لم تتزوّج. منه رحمه‌الله.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٧ ، الخلاف ٥ : ١٣١.

(٧) من حيث الاعتضاد بالشهرة. منه رحمه‌الله.

١٥٨

فإذاً القول الأول من الأقوال في أصل المسألة أظهر وأقوى ، كما مضى.

( ولو مات الأب ، فالأُمّ أحقّ به ) أي الولد مطلقاً ، ذكراً كان أو أُنثى ـ ( من الوصيّ ) للأب أو الجدّ له أو غيره مطلقاً ، انقطعت حضانتها عنه قبل موت الأب أم لا ، إلى أن يبلغا ؛ لأنّها أشفق وأرفق ، وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله تعالى.

وللمرسل كالصحيح على الصحيح : عن رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد ، فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ ، فقال : « لها أجر مثلها ، وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله » (١).

وقريب منه فحوى الموثّق : « فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة » (٢).

وإطلاقهما كالعبارة والآية الشريفة يقتضي إطلاق الأحقيّة ولو كانت مزوّجة ، وبه صرّح جماعة ، ومنهم العلاّمة (٣) ، والخبران بالسقوط في المزوّجة (٤) ظاهران في حياة الأب جدّاً ، والاشتغال بحقوق الزوج غير كافٍ للإسقاط قطعاً.

( ولو كان الأب مملوكاً أو كافراً ، كانت الأُمّ الحرّة ) المسلمة ( أحقّ )

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٠٦ / ٣٥٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧١ ذيل الحديث ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٤ / ١٣٠٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٠٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٨١ ح ١.

(٣) انظر القواعد ٢ : ٥١.

(٤) المتقدمان في ص ١٥٦.

١٥٩

به ) حضانةً ( ولو تزوّجت ) أو لم يكن لها ولاية مع حرّية الأب وإسلامه ؛ لانتفاء الأهليّة عنهما ، ولمنطوق الخبرين في الأول وفحواهما في الثاني :

في أحدهما الصحيح : « أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً ، فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها ؛ لموضع الأب » (١).

وفي الثاني : « ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوّجت حتى يعتق ، هي أحقّ بولدها منه ما دام مملوكاً ، فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها » (٢).

( و ) يستفاد منهما أيضاً أنّه ( لو أُعتق الأب فالحضانة له ) وينبغي تقييدهما بما إذا كانت له الحضانة بأن كان العتق بعد الفطام في الذكر وبعد السبع في الأُنثى ؛ والوجه ظاهر.

فإنّ فُقِد الأبوان ، فقيل : إنّ الحضانة لأب الأب ؛ لأنّه أب في الجملة ، فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأنّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة ؛ وبهذا جزم في القواعد ، فقدّم الجدّ للأب على غيره من الأقارب.

ويشكل بأنّ ذلك (٣) لو كان موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم أُمّ الأُمّ عليه ؛ لأنّها بمنزلة الأُمّ ، وهي مقدّمة على الأب على ما فُصِّل. وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة ، وإلاّ لكان الأب أولى من الامّ ، وكذا الجدّ له ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٣ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٧ / ٣٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢١ / ١١٤٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٥٩ أبواب أحكام الأولاد ٧٣ ح ٢.

(٣) أي كونه أباً في الجملة. منه رحمه‌الله.

١٦٠