أحكام القرآن - ج ٢

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

وقال الآخرون الذين لا يرون ترتيب الوضوء : إن هذا القول صحيح فيما إذا كان جواب الشرط معنى واحدا ؛ فأما إذا كانت جملا كلّها جوابا وجزاء لم نبال بأيهما بدأت ؛ إذ المطلوب تحصيلها. وهذا قول له رونق وليس بمحقق ، قال الله سبحانه وتعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ؛ فبدأ بالوجه وعطف عليه غيره ، فالنظر الصحيح في ذلك أن يقال : تجب البداءة بما بدأ الله به وهو الوجه ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم حين حجّ وجاء إلى الصفا : نبدأ بما بدأ الله به ، وكانت البداءة بالصّفا واجبة.

ويعضد هذا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم توضّأ عمره كله مرتّبا ترتيب القرآن ، وفعله هذا بيان مجمل كتاب الله تعالى ، وبيان المجمل (١) الواجب واجب ، وهي مسألة خلاف عظمى قد بيناها في مسائل الخلاف ، وهذا هو الذي يختار فيها.

المسألة الحادية عشرة ـ قوله عز وجل : (فَاغْسِلُوا) :

وظنّ الشافعىّ ـ وهو عند أصحابه معد بنى عدنان في الفصاحة بله أبى حنيفة وسواه ـ أن الغسل صبّ الماء على المغسول من غير عرك (٢) ، وقد بينا فساد ذلك في مسائل الخلاف ، وفي سورة النساء (٣) ، وحققنا أنّ الغسل مر (٤) اليد مع إمرار الماء أو ما في معنى اليد.

المسألة الثانية عشرة ـ الغسل يقتضى مغسولا مطلقا ومغسولا به ؛ وسيأتى بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

المسألة الثالثة عشرة ـ قوله تعالى : (وُجُوهَكُمْ) :

والوجه في اللغة : ما برز من بدنه وواجه غيره به ، وهو أبين من أن يبيّن ، وأوجه من أن يوجّه ، وهو عند العرب عضو يشتمل على جملة أعضاء ، ومحلّ من الجسد فيه أربع طرق للعلوم ، وله طول وعرض ، وهو أيضا بيّن إلا أنه أشكل على الفقهاء منه ستة معان : الأول ـ إذا اكتسى الذّقن بالشعر ، فإنه قد انتقل الفرض فيما يقابله إلى الشعر قطعا ونفى الزائد عليه ، وهو ما استرسل من اللحية ، ويحتمل أن يكون فرضا ؛ لأنّه قد اتصل بالوجه وواجه كما يواجه ، فيكون فرضا غسله مثل الوجه ، ويحتمل أن يكون ندبا ، وبالأول

__________________

(١) في ل : المحتمل.

(٢) عرك الشيء : دلكه.

(٣) في الآية ٤٣.

(٤) في ا : من.

٤١

أقول ؛ لما ثبت أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان يغسل لحيته. خرّجه الترمذي وغيره ، فعيّن المحتمل بالفعل.

الثاني ـ إذا دار العذار على الخدّ ، هل يلزم غسل ما وراء إلى الأذن أم لا؟ وفيه خلاف بيننا في أنفسنا وبين العلماء أيضا غيرنا.

والصحيح عندي أنه لا يلزم غسله لا للأمرد ولا للمعذّر (١).

الثالث ـ الفم ، قال أحمد بن حنبل وجماعة : إنّ غسله في الوضوء واجب ، لأنه من الوجه ؛ وقد واظب النبىّ صلّى الله عليه وسلم عليه. وقال : إذا تمضمض خرجت الخطايا من فيه.

الرابع ـ الأنف ، وقد ورد الأمر به في الحديث الصحيح ، فقال (٢) : إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر ، ومن استجمر فليوتر (٣).

وقال أيضا : فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه.

الخامس ـ العين ، والحكم فيها واحد أثرا ونظرا ولغة ، ولكن سقط غسلها للتأذى بذلك والحرج به ؛ ولذلك كان عبد الله بن عمر لما عمى يغسل عينيه إذ كان لا يتأذّى بذلك.

الثالث ـ لا خلاف أنه لا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد فيه ، كما أنه لا بد على القول بوجوب عموم مسح الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدّر ، وهذا ينبنى على أصل من أصول الفقه ؛ وهو أنّ ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب مثله ؛ وقد مهدناه في موضعه ؛ فهذه تتمة تسع عشرة مسألة.

المسألة الموفية عشرين ـ قال لنا فخر الإسلام بمدينة السلام في الدرس : لما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) كان معناه ضرورة اللغة : فاغسلوا وجوهكم لأجل الصلاة ؛ وذكر أمثلة بيناها في مسائل الخلاف ؛ فاقتضى الأمر بظاهره غسل الوجه للصلاة ، فمن غسله لغير ذلك لم يكن ممتثلا للأمر.

__________________

(١) عذر الغلام : ثبت شعر عذاره ، يعنى خده (اللسان عذر).

(٢) ابن ماجة : ١٤٣ ، وصحيح مسلم : ٢١٢ ، وسنن الترمذي : ١ ـ ٤٠.

(٣) استنثر : استنشق الماء ، ثم استخرج ما في الأنف فينثره. والاستجمار : التمسح بالجمار ، وهي الأحجار الصغار (النهاية).

٤٢

وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعى ، هاهنا كلاما مختلّا ـ وهي :

المسألة الحادية والعشرون ـ ونصه : ظنّ ظانّون من أصحاب الشافعى الذين يوجبون النية في الوضوء أنه لما أوجب الوضوء عند القيام إلى الصلاة دل على أنه أوجبه لأجله ، وأنه أوجب به النية ؛ وهذا لا يصحّ ؛ فإن إيجاب الله سبحانه الوضوء لأجل الحدث لا يدلّ عليه أن ينوى ذلك ؛ بل يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد تعليق الطهارة بالصلاة وبنيّتها لأجله ... إلى تخليط زيد عليه لا أرضى ذكره.

قلنا قوله : «ظن ظانّ أن الوضوء لما وجد عند القيام إلى الصلاة أنه وجب لأجله». لم يظن أحد ذلك ؛ إنما قطع الاعتقاد به ، لقيام الدليل عليه.

وقوله : إنه أوجب له النية.

قلنا له : هذا تلبيس ؛ وجوبه لأجله هو الذي يفتضى النية ضرورة فيه ، فإنه يلزمه أن يأتى بما أمر لمأمور به له.

وقوله : هذا لا يصحّ.

قلنا : لا يصحّ إلا هو.

قوله : فإن إيجاب الله الوضوء لأجل الحدث.

قلنا : هذا هوس ؛ لم يجب الوضوء لأجل الحدث.

وقوله : إنه لا يجب عليه أن ينوى ذلك.

قلنا : لا يجب عليه أن ينوى ماذا؟ إن أردت الحدث ، فمن ذا الذي يقول به؟ وإن أردت الصلاة فلا يعطى اللفظ والمعنى إلا وجوب النية لها.

وقوله : يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد.

قلنا : هذا لا نسلّمه مطلقا إن أردت في العبادات فلا ، وإن أردت في غيرها فلا نبالى به. وقوله : «دون قصد».

إلى هنا انتهى كلامه المعقول لفظا المختل (١) معنى.

وأما قوله بعد ذلك تعليق الطهارة بالصلاة فكلام لا يعقل (٢) معناه لفظا ، فكيف معنى؟

__________________

(١) في ل : المحتمل.

(٢) في ل : لا يستقيم لفظا.

٤٣

المسألة الثانية والعشرون ـ هذا الذي زمزم (١) به أنا أعرّفه.

قوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) لا يخلو من ستة أقسام :

الأول ـ أنه لا يربط غسل الوجه وما بعده بشيء مما تقدم.

الثاني ـ أنه يربطه بالقيام إلى الصلاة أو الحدث وبالصلاة ، وهو الثالث ، أو بالصلاة وهو الرابع ، أو بالكلّ وهو الخامس ، أو ببعضه وهو السادس.

فإن قيل : لم نربطه بشيء كان محالا لغة كما تقدم ، محالا بالإجماع ؛ فإنه قد ربط بما ربط على الاختلاف فيه ، وإن ربطه بالقيام إلى الصلاة فمحال ضرورة ؛ لأنه لا يمكن الجمع بينهما ، ومحال معنى ؛ لأن نفس القيام لا يقصد بذلك من الوضوء ، وقد بينا أنّ معناه إذا أردتم القيام ، ونفس الإرادة هي النية.

وأما إن أردت ربطه بالحديث فبالإجماع أن الوضوء يجب به ، لا من أجله ، وإن قلم بالصلاة فكذلك (٢) هو. وقد صرح النبيّ صلّى الله عليه وسلم بذلك في قوله : لا يقبل الله صلاة بغير طهور. وإذا أمر بغسل الصلاة فلم يكن كذلك لم يمتثل ما أمر به ، وإن قال : إنه وجب لأجل الكلّ فقد تبيّن فساده ؛ وهذا تحقيق من كلامه في غرضه بعينه.

المسألة الثالثة والعشرون ـ إذا وجبت النية للوضوء أو الصلاة أو الصيام ، أى لأى عبادة وجبت ، فمحلّها أن تكون مقترنة مع أولها لا تجوز قبلها ولا بعدها ؛ لأنّ القصد بالفعل حقيقته (٣) أن يقترن به ، وإلا لم يكن قصدا له ، فنيّة الوضوء مع أول جزء منه ، وكذلك الصلاة ، وكذلك الصيام ؛ وهذه حقيقة لا خلاف فيها بين العقلاء (٤) ، بيد أن العلماء قالوا : إن من خرج إلى النهر من منزله بنية الغسل أجزأه [ذلك] (٥) ، وإن عزبت [نيته] (٦) في أثناء الطريق (٧). وإن خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية.

فركّب على هذا سفاسفة المفتين أنّ نية الصلاة تتخرّج على القولين ، وأوردوا فيها نصا عمن لا يفرق بين الظنّ واليقين [بأنه قال :] (٨) يجوز أن يقدم النية فيها على التكبير.

__________________

(١) أصل الزمزمة : صوت خفى لا يكاد يفهم. والزمزمة : الصوت البعيد تسمع له دويا (اللسان ـ زمم).

(٢) في ا : فلذلك ، وهو تحريف.

(٣) في ا : حقيقة.

(٤) في ا : العظماء.

(٥) من ل.

(٦) من القرطبي.

(٧) في القرطبي : وإن عزبت نيته في الطريق بطلت النية.

٤٤

ويا لله ويا للعالمين من أمّة أرادت أن تكون مفتية مجتهدة فما وفّقها الله ولا سدّدها (١)! اعلموا رحمكم الله أنّ النية في الوضوء مختلف في وجوبها بين العلماء. وقد اختلف فيها قول مالك ، فلما نزلت عن مرتبة الاتفاق سومح في تقديمها في بعض المواضع ؛ لأن أصلها قد لا يجب. فأما الصلاة فلم يختلف أحد من الأئمة فيها وهي أصل مقصود ، فكيف يحمل الأصل المقصود المتّفق عليه على الفرع التابع المختلف فيه؟ هل هذا إلا غاية الغباوة؟ فلا تجزئ صلاة عند أحد من الأئمة حتى تكون النية فيها مقارنة للتكبير.

وأما الصوم فإن الشرع رفع الحرج فيه ، لمّا كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه.

المسألة الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ) :

اليد : عبارة عما بين المنكب والظفر ، وهي ذات أجزاء وأسماء ؛ منها المنكب ، ومنها الكف ، والأصابع ، وهو محلّ البطش والتصرف العام في المنافع ، وهو معنى اليد (٢) ، وغسلهما في الوضوء مرتين : إحداهما عند أول محاولة الوضوء وهو سنة ، والثانية في أثناء الوضوء ، وهو فرض.

ومعنى غسلهما عند الوضوء تنظيف اليدين لإدخالهما [في] (٣) الإناء ومحاولة نقل الماء بهما ، ولا سيما عند الاستيقاظ من النوم ، فقد روى جميع الأئمة عن أبى هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال (٤) : إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ؛ فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده.

وروى عثمان وغيره صفة وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكلهم ذكروا (٥) أنه غسل يديه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، حتى بلغ مكانهما من علمائنا أن جعلوهما من سنن الوضوء.

فقال ابن القاسم : إذا غسل يديه ثم تمضمض ثم تمادى في الوضوء ثم أحدث في أثنائه فإنه بعيد غسل يديه كما يعيد ما سبق من الوضوء.

المسألة الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى : (إِلَى الْمَرافِقِ) :

__________________

(١) في ا : سودها ، والمثبت من ل ، والقرطبي.

(٢) في ا : البدن.

(٣) من ل.

(٤) ابن ماجة : ١٣٨ ، والترمذي : ١ ـ ٣٦.

(٥) ابن ماجة : ١٤٣.

٤٥

فذكرها. واختلف العلماء في وجوب إدخالهما في الغسل. وعن مالك روايتان ، وذكر أهل التأويل في ذلك ثلاثة أقاويل :

الأول ـ أن «إلى» بمعنى مع ، كما قال الله تعالى (١) : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ، معناه مع أموالكم.

الثاني ـ أن «إلى» حدّ ، والحدّ إذا كان من جنس المحدود دخل فيه ، تقول : بعتك هذا الفدان من هاهنا إلى هاهنا ، فيدخل الحدّ فيه. ولو قلت : من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ما دخل الحدّ في الفدّان.

الثالث ـ أن المرافق حدّ الساقط لا حدّ المفروض ؛ قاله القاضي عبد الوهاب. وما رأيته لغيره.

وتحقيقه أن قوله : «وأيديكم» يقتضى بمطلقه من الظفر إلى المنكب ، فلما قال : إلى المرافق أسقط ما بين المنكب والمرفق ، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر ؛ وهذا كلام صحيح يجرى على الأصول لغة ومعنى.

وأما قولهم : إن «إلى» بمعنى مع فلا سبيل إلى وضع حرف موضع حرف ، إنما يكون كلّ حرف بمعناه ، وتتصرّف معاني الأفعال ، ويكون معنى التأويل فيها لا في الحروف.

ومعنى قوله : «إلى المرافق» على التأويل الأول : فاغسلوا أيديكم مضافة إلى المرافق ، وكذلك قوله (٢) : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) معناه مضافة إلى أموالكم.

وقد روى الدّارقطنيّ وغيره عن جابر بن عبد الله أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لما توضّأ أدار الماء على مرفقيه.

المسألة السادسة والعشرون ـ قوله تعالى : (وَامْسَحُوا) :

المسح : عبارة عن إمرار اليد على المسوح خاصة ، وهو في الوضوء عبارة عن إيصال الماء إلى الآلة المسوح بها ، والغسل عبارة عن إيصال الماء إلى المغسول ؛ وهذا معلوم من ضرورة اللغة ، وبيانه يأتى إن شاء الله.

المسألة السابعة والعشرون ـ قوله تعالى : (بِرُؤُسِكُمْ) :

__________________

(١) سورة النساء ، آية ٢

٤٦

والرأس عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة ، ومنها الوجه ، فلما ذكره الله سبحانه في الوضوء وعيّن الوجه للغسل بقي باقيه للمسح. ولو لم يذكر الغسل أولا فيه للزم مسح جميعه : ما عليه شعر من الرأس ، وما فيه العينان والأنف والفم ؛ وهذا انتزاع بديع من الآية.

وقد أشار مالك إلى نحوه ، فإنه سئل عن الذي يترك بعض رأسه في الوضوء؟ فقال : أرأيت لو ترك بعض وجهه أكان يجزئه؟ ومسألة مسح الرأس في الوضوء معضلة ، ويا طالما تتبّعتها لأحيط بها حتى علمني الله تعالى بفضله إياها ؛ فخذوها مجملة (١) في علمها ، مسجلة بالصواب في حكمها ؛ واستيفاؤها في كتب المسائل :

اختلف العلماء في مسح الرأس على أحد عشر قولا :

الأول ـ أنه إن مسح منه شعرة واحدة أجزأه.

الثاني ـ ثلاث شعرات.

الثالث ـ ما يقع عليه الاسم. ذكر لنا هذه الأقوال الثلاثة فخر الإسلام بمدينة السلام في الدرس عن الشافعى.

الرابع ـ قال أبو حنيفة : يمسح الناصية (٢).

الخامس ـ قال أبو حنيفة : إن الفرض أن يمسح الربع (٣).

السادس ـ قال أيضا في روايته الثالثة : لا يجزيه إلّا أن يمسح الناصية بثلاث (٤) أصابع أو أربع.

السابع ـ يمسح الجميع ؛ قاله مالك.

الثامن ـ إن ترك اليسير من غير قصد أجزأه ؛ أملاه علىّ الفهري.

التاسع ـ قال محمد بن مسلمة : إن ترك الثلث أجزأه.

العاشر ـ قال أبو الفرج : إن مسح ثلثه أجزأه.

الحادي عشر ـ قال أشهب : إن مسح مقدمه أجزأه.

فهذه أحد عشر قولا ، ومنزلة الرأس في الأحكام منزلته في الأبدان ، وهو عظيم الخطر فيهما جميعا ؛ ولكلّ قول من هذه الأقوال مطلع من القرآن والسنة :

__________________

(١) في ا : مجردة.

(٢) أحكام الجصاص : ٣ ـ ٣٤٦.

(٣) أحكام الجصاص : ٣ ـ ٣٤٨.

٤٧

فمطلع الأول ـ أنّ الرأس وإن كان عبارة عن العضو فإنه ينطلق على الشعر بلفظه ، قال الله تعالى (١). (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : احلق رأسك ، والحلق إنما هو في الشعر ، إذا ثبت هذا تركّب عليه :

المطلع الثاني ـ وهو أن إضافة الفعل إلى الرأس ينقسم في العرف والإطلاق إلى قسمين :

أحدهما ـ أنه يقتضى استيفاء الاسم.

والثاني ـ يقتضى بعضه ؛ فإذا قلت : «حلقت رأسى» ـ اقتضى في الإطلاق العرفي الجميع. وإذا قلت : مسحت الجدار أو رأس اليتيم أو رأسى اقتضى البعض ، فيتركّب عليه : المطلع الثالث ـ وهو أنّ البعض لا حدّ له مجزئ منه ما كان ، قال لنا الشاشي : لما قال الله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) ، وكان معناه شعر رءوسكم ، وكان أقلّ الجمع ثلاثا ، قلنا : إن حلق ثلاث شعرات أجزأه ، وإن مسحها أجزأه ، والمسح أظهر ، وما يقع عليه الاسم أقلّه شعرة واحدة.

المطلع الرابع ـ نظر أبو حنيفة إلى أنّ الوضوء إنما شرعه الله سبحانه فيما يبدو من الأعضاء في الغالب ، والذي يبدو من الرأس تحت العمامة الناصية ، ولا سيما وهذا يعتضد

بالحديث الصحيح أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم توضّأ فمسح ناصيته وعمامته (٢).

المطلع الخامس ـ أنه إذا ثبت مسح الناصية فلا يتيقّن موضعها ؛ وإنما المقصود تعلّق العبادة بالرأس ؛ فقد ثبت مسح النبي صلّى الله عليه وسلم الناصية ، وهي نحو الربع فيتقدر الربع منه أين كان ، ومطلع الربع بتقدير الأصابع يأتى إن شاء الله ، ومطلع الجميع أنّ الله سبحانه وتعالى علّق عبادة المسح بالرأس ، كما علّق عبادة الغسل بالوجه ؛ فوجب الإيعاب فيهما بمطلق اللفظ.

وقول الشافعى : إن مطلق القول في المسح لا يقتضى الإيعاب عرفا ، فما علق به ليس بصحيح ؛ إنما هو مبنى على الأغراض وبحسب الأحوال ، تقول : مسحت الجدار ، فيقتضى بعضه من أجل أن الجدار لا يمكن تعميمه بالمسح حسّا ، ولا غرض في استيعابه قصدا ،

__________________

(١) سورة البقرة ، آية ١٩٦.

(٢) ابن ماجة : ١٥٠ ، وأحكام الجصاص : ٣ ـ ٣٤٦ ، والقرطبي : (٦ ـ ٨٨) ، وأخرجه مسلم.

٤٨

وتقول : مسحت رأس اليتيم لأجل الرأفة ، فيجزئ منه أقلّه بحصول الغرض به (١). وتقول : مسحت الدابة فلا يجزئ إلّا جميعها ؛ لأجل مقصد النظافة فيها ، فتعلّق الوظيفة بالرأس يقتضى عمومه بقصد التطهير فيه ، ولأنّ مطلق اللفظ يقتضيه ؛ ألا ترى أنك تقول : مسحت رأسى كلّه فتؤكده ؛ ولو كان يقتضى البعض لما تأكد بالكل ؛ فإن التأكيد لرفع الاحتمال المتطرّق إلى الظاهر في إطلاق اللفظ.

ومطلع من قال إن ترك اليسير من غير قصد أجزأه ـ أن تحقق عموم الوجه بالغسل ممكن بالحسّ ، وتحقق عموم المسح غير ممكن ؛ فسومح بترك اليسير منه دفعا للحرج.

وهذا لا يصحّ ؛ فإنّ مرور اليد على الجميع ممكن تحصيله حسّا وعادة.

ومطلع من قال : إن ترك الثلث من غير قصد أجزأه ـ قريب مما قبله ، إلّا أنه رأى الثلث يسيرا ، فجعله في حدّ المتروك لما رأى الشريعة سامحت به في الثلث وغيره.

ومطلع من قال : إن مسح ثلثه أجزأه إلى (٢) أنّ الشرع قد أطلق اسم الكثير على الثلث في قوله ـ من حديث (٣) سعد : الثّلث والثلث كثير.

ولحظ مطلع أبى حنيفة في الناصية حسبما جاء في الحديث ، ودلّ عليه ظاهر القرآن في تعلّق العبادات بالظاهر.

ومطلع قول أشهب في أنّ من مسح مقدّمه أجزأه إلى نحو من ذلك تناصف ليس يخفى على اللبيب عند اطلاعه على هذه الأقوال والأنحاء والمطلعات أنّ القوم لم يخرج اجتهادهم عن سبيل الدلالات في مقصود الشريعة ، ولا جاوزوا طرفيها إلى الإفراط ؛ فإن للشريعة طرفين : أحدهما ـ طرف التخفيف في التكليف. والآخر ـ طرف الاحتياط في العبادات. فمن احتاط استوفى الكلّ ، ومن خفّف أخذ بالبعض.

قلنا : في إيجاب الكلّ ترجيح من ثلاثة أوجه :

أحدهما ـ الاحتياط.

الثاني ـ التنظير بالوجه ، لا من طريق القياس ؛ بل من مطلق اللفظ في ذكر الفعل وهو الغسل أو المسح ، وذكر المحل ؛ وهو الوجه أو الرأس.

__________________

(١) في ل : فيه.

(٢) في ل : إلا.

(٣) الترمذي : ١ ـ ٤٨

٤٩

الثالث ـ أن كلّ من وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه كله.

فإن قيل : فقد ثبت أنه مسح ناصيته وعمامته ، وهذا نصّ على البعض؟

قلنا : بل هو نصّ على الجميع ؛ لأنه لو لم يلزم الجميع لم يجمع بين العمامة والرأس. فلما مسح بيده على ما أدرك من رأسه وأمرّ يده على الحائل بينه وبين باقيه أجراه مجرى الحائل من جبيرة أو خفّ ، ونقل الفرض إليه كما نقله في هذين.

جواب آخر ـ وهو أنّ هذا الخبر حكاية حال وقضية في عين ؛ فيحتمل أن يكون النبىّ صلّى الله عليه وسلم مزكوما فلم يمكنه كشف رأسه ؛ فمسح البعض ومرّ بيده على جميع البعض ، فانتهى آخر الكفّ إلى آخر الناصية ، فأمرّ اليد على العمامة ، فظن الراوي أنه قصد مسح العمامة ، وإنما قصد مسح الناصية بإمرار اليد ؛ وهذا مما يعرف مشاهدة ، ولهذا لم يرو عنه قطّ شيء من ذلك في أطواره بأسفاره على كثرتها.

المسألة الثامنة والعشرون ـ ظنّ بعض الشافعية وحشوية النحوية أنّ الباء للتبعيض ، ولم يبق ذو لسان رطب إلا وقد أفاض في ذلك حتى صار الكلام فيها إحلالا بالمتكلم ، ولا يجوز لمن شدا (١) طرفا من العربية أن يعتقد في الباء ذلك ، وإن كانت ترد في موضع لا يحتاج إليها فيه لربط الفعل بالاسم ، فليس ذلك إلا لمعنى ؛ تقول : مررت بزيد ، فهذا لإلصاق الفعل بالاسم ، ثم تقول : مررت زيدا فيبقى المعنى. وفي ذلك خلاف بيانه في ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين ، وقد طال القول في هذا الباب ، وترامت فيه الخواطر في المحاضر حتى أفادنى فيه بعض أشياخى في المذاكرة والمطالعة فائدة بديعة :

وذلك أن قوله : (فَامْسَحُوا) يقتضى ممسوحا ، وممسوحا به. والممسوح الأول هو ما كان. والممسوح الثاني هو الآلة التي بين الماسح والممسوح ، كاليد والمحصّل للمقصود من المسح ، وهو المنديل ؛ وهذا ظاهر لا خفاء به ؛ فإذا ثبت هذا فلو قال : امسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد إمرارا من غير شيء على الرأس لا ماء ولا سواه ، فجاء بالباء لتفيد ممسوحا به ، وهو

__________________

(١) شدا طرفا من العربية : أخذ طرفا منها.

٥٠

الماء ، فكأنه قال : فامسحوا برءوسكم الماء ، من باب المقلوب ، والعرب تستعمله ، وقد أنشد سيبويه (١) :

كنواح ريش حمامة نجدية

ومسحت باللّثتين عصف (٢) الإثمد

مثله : مثل القنافذ (٣). ومثله (٤) : (مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً). واللثة : هي الممسوحة بعصف الإثمد ، فقلب. ولكن الأمر بيّن والفصاحة قائمة ، وإلى هذا النحو أشار أبو حنيفة في شرطه الرابع بالثلاثة الأصابع أو الأربع (٥) ؛ فإنه قال : لا بد أن يكون هنالك ممسوح به لأجل الباء ، فكأنه تعالى قال : فامسحوا بأكفكم رءوسكم. والكفّ خمس أصابع ومعظمها ثلاث وأربع ، والمعظم قائم مقام الكل على مذهبه في أصول الشريعة ، ففطن أنّ إدخال الباء لمعنى ، وغفل عن أن لفظ المسح يقتضى اليد لغة وحقيقة ؛ فجعل فائدة الباء التعلّق باليد.

وهذه عثرة لفهمه لا يقالها ، ووفق الله هذا الإمام الذي أفادنى هذه الفائدة فيها ، إن شاء الله ، والله ينفعني وإياكم [بها] (٦) برحمته.

المسألة التاسعة والعشرون ـ من أغرب شيء أنّ الشافعىّ رأى مسح شعر القفا ؛ وليس من الرأس في ورد ولا صدر ؛ فإن الرأس جزء من الإنسان ، واليد جزء ، والبدن جزء ، والعين جزء ، والعنق جزء ، ومقدم الرقبة العنق ، ومؤخرها القفا ، وقد ثبت في الصحيح أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح رأسه حتى بلغ قفاه.

وروى أبو داود عن المقدام بن معديكرب أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم مسح رأسه حتى بلغ إلى قفاه.

المسألة الموفية ثلاثين ـ قال الله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) : ثم توضّأ النبىّ صلّى الله عليه وسلم كما أمره الله ، فنقل أصحابه ما شاهدوا من صفة وضوئه ، ولم يذكروا لكيفية المغسول صفة ، ونقلوا كيفية مسح رأسه باهتبال (٧) كثير ، وتحصيل عظيم ؛ واختلاف في الروايات متفاوت ، نشأت منه مسائل لم يكن

__________________

(١) والقرطبي : ٦ ـ ٨٨ ، والبيت لخفاف بن ندبة السلمى.

(٢) عصف الإثمد : ما سحق منه.

(٣) من بيت للأخطل ، وتمامه :

مثل القنافذ هداجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوءاتهم هجر

(٤) سورة الإنسان ، آية ١٦.

(٥) أحكام الجصاص : ٣ ـ ٣٤٨

(٦) ليس في ل.

(٧) الاهتبال : الاغتنام.

٥١

بدّ من الإشارة إلى معظمها ؛ لأنها مفسرة لما أطلق في كتاب الله سبحانه مبهما.

المسألة الحادية والثلاثون ـ قال الله تعالى في كتابه الكريم : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) :

وقال الراوي : إن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح رأسه ، فلو غسله المتوضئ بدل المسح فلا نعلم خلافا أنّ ذلك يجزئه ، إلا ما أخبرنا فخر الإسلام في الدرس أن أبا العباس بن القاص (١) من أصحابهم قال : لا يجزئه. وهذا تولّج في مذهب الداودية الفاسد من اتّباع الظاهر المبطل للشريعة الذي ذمّه الله تعالى في قوله : (٢) (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وكما قال : (٣) (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) ، وإلا فقد جاء هذا الغاسل لرأسه بما أمر به وزيادة عليه.

فإن قيل : هذه زيادة خرجت عن اللفظ المتعبّد به.

قلنا : ولم يخرج عن معناه في إيصال الفعل إلى المحل وتحقيق التكليف في التطهير.

المسألة الثانية والثلاثون ـ في تجديد الماء لكل عضو :

وكذلك فعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم : في الحديث الصحيح أنه أدخل يده في الإناء ، فغسل وجهه ، ثم أدخل يده فغسل يده ، ثم أدخل يده فمسح رأسه ، ثم أدخل يده فغسل رجليه.

وعن عبد الله بن زيد أنه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم توضّأ ومسح رأسه بماء غير ماء فضل يديه. قال الترمذي (٤) : وهو صحيح ، وصح (٥) أيضا عن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح برأسه مطلقا ، وكذلك وردت الأخبار (٦) كلها في أعضاء الوضوء ، ووردت مقيدة ، والمقيّد أولى من المطلق ، لاحتمال المطلق وتنصيص المقيّد.

وقد قال عبد الملك من أصحابنا : يمسح رأسه ببلل لحيته ، وهذا ينبنى على أصلين :

أحدهما ـ جواز استعمال الماء المستعمل. والثاني ـ وجوب نقل الماء ، وهي :

المسألة الثالثة والثلاثون ـ نشأ من أصحابنا من يرى نفسه من أهل الاستنباط ، وليس منه ، من قول عبد الملك أنه يمسح رأسه من بلل لحيته نقل الماء إلى العضو ، وليس فيه من

__________________

(١) في ا : ابن القاضي.

(٢) سورة الروم ، آية ٧.

(٣) سورة الرعد ، آية ، ٣٣

(٤) السنن : ١ ـ ٥١.

(٥) في ا : وصحح.

(٦) في ل : الأحاديث.

٥٢

الفقه أكثر من أن المسح مبنى (١) على التخفيف ، فيكفى منه ما يظهر على اليد وعلى (٢) العضو الممسوح ، فأما نقل الماء إلى العضو فلا خلاف فيه بين الأئمة.

المسألة الرابعة والثلاثون ـ تكرار مسح الرأس :

وذلك أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم توضّأ كما وصف أصحابه ، فأما الأحاديث الصحاح كلّها حيثما وردت فاختلفت صفات وضوئه فيها ـ وكثرة الأعداد في الأعضاء وقلتها حاشا الرأس ، وجاء في بعضها عن عثمان وغيره : توضّأ ومسح برأسه ثلاثا. قال أبو داود : وأحاديث عثمان الصحاح على أنه مسح رأسه مسحة واحدة. وقد مهّدنا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة الخامسة والثلاثون ـ ثبت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم في صفة مسح الرأس أنه (٣) أقبل بيديه وأدبر ، بدأ بمقدّم رأسه ، ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه.

وفي البخاري : فأدبر بهما وأقبل ، وهما صحيحان متوافقان. وقد بينا ذلك في شرح (٤) الصحيح ، وهي مسألة من أصول الفقه في تسمية الفعل بابتدائه وبغايته.

المسألة السادسة والثلاثون ـ ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلم المسح لرأسه بيديه ، فلو مسح بيد واحدة أجزأه ، قال (٥) ابن سفيان : حتى لو مسح رأسه بإصبع واحدة لأجزأه ، قاله ابن القاسم في العتبية.

وذلك لأنّ هيئة الأفعال في العبادات هل هي ركن فيها أم لا؟ وقد بينّا في كتابنا أنها على ثلاثة أقسام : منها ما يتعيّن في العبادة كأصلها. والثاني كوضع الإناء بين يدي المتوضئ. والثالث كاغتراف الماء باليد وغسل الأعضاء ومسح الرأس.

والمقصود من الهيئة المرويّة عن النبي صلّى الله عليه وسلم في المسح تفسير الأمر ، وهو أولى في التعميم ، وأقرب إلى التحصيل ، لأنه ما فاته في الإقبال أدركه في الإدبار.

المسألة السابعة والثلاثون ـ لما قال علماؤنا : إنّ جميع الرأس أصل في إيجاب عمومه ، وكانت الجبهة خارجة عنه بالسنّة ، وإن كانت منه بالحقيقة والخلقة ، نشأت عليه مسألة ،

__________________

(١) في ل : ينبنى.

(٢) في ل : وهو العضو.

(٣) صحيح مسلم : ٢١١ ، والترمذي : ١ ـ ٤٧.

(٤) في ا : في صريح الصحيح.

(٥) في ل : قاله ابن شعبان ، وفي القرطبي : قاله سفيان الثوري.

٥٣

وهي منزلة الأصلع والأنزع من الأغم (١). وقد بيناه في المسائل ، وحكمه الأظهر أن يمسح من الرأس مقدار العادة على القول بالتعميم.

المسألة الثامنة والثلاثون ـ الخطاب للمرأة بالعبادة ، كما هو للرجل في الوضوء ، حتى في مسح الرأس ، لكن المرأة تميزت عن الرجل باسترسال الدلالين ، فاختلف آراء متأخرى علمائنا ، فمنهم من أوجب مسح جميع شعر رأس المرأة ، لأن الفرض انتقل من الجلدة ، وبه تعلّق.

ومنهم من قال : تمسح منه ما يوازى الفرض من مقدار الرأس كما قلناه في اللحية آنفا ، وكما يلزم في الخفّين مسح ما يقابل محلّ الفرض من غسل الرجلين.

المسألة التاسعة والثلاثون ـ القول في الأذنين ، وهما إن كانتا من الرأس فإنهما في الإشكال رأس ، وقد تفاقم الخطب بين العلماء فيهما ، وقد بسطنا القول فيهما في كتب المسائل في التفريع ، وفي كتب الحديث في الآثار.

والذي يهوّن عليك الخطب أن الباري تعالى قال : (برءوسكم) ، ولم يذكر الأذنين ، ولو لا أنهما داخلتان في حكم الرأس ، ما أهملهما ، وما كان ربّك نسيّا.

وقد روى صفة وضوء النبي صلّى الله عليه وسلم جماعة لم أجد ذكر الأذنين فيها إلا اليسير من الصحابة ، منهم عبد الله بن زيد ، قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم توضّأ فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي أخذ لرأسه.

ومنهم عبد الله بن عباس ، روى أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه باطنهما السبّابتين وظاهرهما بإبهاميه ، وصححه الترمذي (٢).

ومنهم الرّبيّع بنت معوّذ ، قالت : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم توضّأ ، ومسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر ، ومسح صدغيه وأذنيه مرة واحدة. صححه (٣) الترمذي.

ومنهم عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ـ أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم علّم الوضوء

__________________

(١) الأنزع : الذي ينحسر شعر مقدم رأسه مما فوق الجبين. والغمم : سيلان الشعر حتى تضيق الجبهة والقفا ، ويقال : هو أغم الوجه والقفا (القاموس).

(٢) السنن : ١ ـ ٥٢.

(٣) السنن : ١ ـ ٤٩

٥٤

لمن سأله بأن توضّأ له ، ثم مسح رأسه ، وأدخل إصبعيه بالسبّابتين في أذنيه ، ومسح بإبهاميه ظاهرهما.

وقد اختلف الناس في حكم الأذنين على ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنهما من الرأس حكما ، قاله ابن المبارك والثوري وغيرهما.

الثاني ـ أنهما من الوجه ، قاله الزهري.

الثالث ـ قال الشعبي والحسن بن صالح : يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ، ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس ، واختاره الطبري.

أما من قال : إنهما من الرأس فلأن الصحابة لم تذكرهما في الوضوء ، وهذا ضعيف قد بينّا أنها ذكرتهما.

وأما من قال إنهما من الوجه فنزع بقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم في سجوده : سجد وجهى للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره وإنما أراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بوجهه جملته ، والسمع وإن كان في الرأس ، والبصر وإن كان في الوجه فالكلّ مضاف إلى الوجه ، لأنه اسم للجارحة وللقصد ، فأضافه إلى الاسم العام للمعنيين.

وأما من قال بالفرق فلا معنى له ، فإنه تحكّم لا تعضده لغة ، ولا تشهد له شريعة.

والصحيح ألّا يشتغل بهما ، هل هما من الرأس أو من الوجه؟ وأن يعتمد على أن النبىّ صلى الله عليه وسلم مسحهما ، فبيّن مسح الرأس ، وأنهما يمسحان كما يمسح الرأس ، وهما مضافان إليه شرعا ، لأنه قال : فإذا مسح رأسه خرجت خطايا رأسه ، حتى تخرج من أذنيه.

المسألة الموفية أربعين ـ البياض الذي بين الأذنين والرأس الخالي من الشعر اختلف فيه علماؤنا ، هل يمسح أم لا؟ وليس عندي بمقصود ، لا في الرأس ، ولا في الأذنين ، لكنه يمكن أن يتركه من يستوثق في مسح رأسه ولا يلزمه أن يقصده لأنه ليس عندي منه.

المسألة الحادية والأربعون ـ قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ) :

ثبتت القراءة فيها بثلاث روايات (١) : الرفع ، قرأ به نافع ، رواه عنه الوليد بن مسلم ، وهي

__________________

(١) انظر إملاء ما منّ به الرحمن (٢٠٨) ، والمحتسب (٢٠٨) في توجيه الرفع والنصب والخفض. وانظر كذلك ما يأتى في آخر الصفحة الآتية.

٥٥

قراءة الأعمش والحسن ، والنصب ، روى أبو عبد الرحمن السلمى ، قال : قرأ علىّ الحسن أو الحسين فقرأ قوله ـ وأرجلكم ، فسمع علىّ ذلك ، وكان يقضى بين الناس ، فقال : وأرجلكم ـ بالنصب ، هذا من مقدم الكلام ومؤخره. وقرأ ابن عباس مثله.

وقرأ أنس وعلقمة وأبو جعفر بالخفض.

وقال موسى بن أنس لأنس : يا أبا حمزة ، إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور ، فقال : اغسلوا حتى ذكر الرّجلين وغسلهما وغسل العراقيب والعراقب (١) ، فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج. قال الله سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) ـ قال : فكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما وقال (٢) : نزل القرآن بالمسح ، وجاءت السنّة بالغسل.

وعن ابن عباس وقتادة افترض الله مسحين وغسلين ، وبه قال عكرمة والشعبي. وقال : ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمّم ، وما كان عليه المسح أسقط.

واختار الطبري التخيير بين الغسل والمسح ، وجعل القراءتين كالروايتين في الخبر يعمل بهما إذا لم يتناقضا.

وجملة القول في ذلك أنّ الله سبحانه عطف الرّجلين على الرأس ، فقد ينصب على خلاف إعراب الرأس أو يخفض مثله ، والقرآن نزل بلغة العرب ، وأصحابه رءوسهم وعلماؤهم لغة وشرعا. وقد اختلفوا في ذلك ، فدل [على] (٣) أنّ المسألة محتملة لغة محتملة شرعا ، لكن تعضّد حالة النصب على حالة الخفض بأنّ النبي صلّى الله عليه وسلم غسل وما مسح قط ، وبأنه رأى قوما تلوح أعقابهم ، فقال (٤) : ويل للأعقاب من النار ، وويل للعراقيب من النار. فتوعّد بالنار على ترك إيعاب غسل الرجلين ، فدل ذلك على الوجوب بلا خلاف ، وتبيّن أن من قال [من الصحابة :] (٥) إنّ الرجلين ممسوحتان لم يعلم بوعيد النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ترك إيعابهما.

__________________

(١) في القرطبي : فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.

(٢) والقرطبي : ٦ ـ ٩٢

(٣) سنن الترمذي : ١ ـ ٥٨.

(٤) من ل.

٥٦

وطريق النظر البديع أنّ القراءتين محتملتان ، وأن اللغة تقضى بأنهما جائزتان ، فردّهما الصحابة إلى الرأس مسحا ، فلما قطع بنا حديث النبي صلّى الله عليه وسلم ، ووقف في وجوهنا وعيده ، قلنا : جاءت السنة قاضية بأنّ النصب يوجب العطف على الوجه واليدين ، ودخل بينهما مسح الرأس ، وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهما ، لأنه مفعول قبل الرجلين لا بعدهما ، فذكر لبيان الترتيب لا ليشتركا في صفة التطهير ، وجاء الخفض ليبيّن أنّ الرجلين يمسحان حال الاختيار على حائل ، وهما الخفّان بخلاف سائر الأعضاء ، فعطف بالنصب مغسولا على مغسول ، وعطف بالخفض ممسوحا على ممسوح ، وصحّ المعنى فيه.

فإن قيل : أنتم وإن قرأتموها بالنصب فهي عطف على الرءوس موضعا ، فإنّ الرءوس وإن كانت مجرورة لفظا فهي منصوبة معنى ، لأنها مفعولة ، فكيف قرأتها خفضا أو نصبا فوظيفتها المسح مثل الذي عطف عليه.

قلنا : يعارضه أنا وإن قرأناها خفضا ، وظهر أنها معطوفة على الرءوس فقد يعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما ، كقوله (١) :

علفتها تبنا وماء باردا

ورأيت زوجك في الوغى (٢)

متقلّدا سيفا ورمحا

 ......... (٣) وأطفلت

بالجلهتين ظباؤها ونعامها (٤)

وكقوله :

شرّاب ألبان وتمر وأقط

تقديره : غلفتها تبنا وسقيتها ماء. ومتقلّدا سيفا وحاملا رمحا ، وأطفلت بالجلهتين ظباؤها وفرخت نعامها. وشرّاب ألبان وآكل تمر وأقط.

فإن قيل : هاهنا عطف وشرك في الفعل وإن لم يكن به مفعولا اتكالا على فهم السامع للحقيقة.

__________________

(١) خزانة الأدب : ١ ـ ٢٠٠ ، ٣ ـ ١٢٥ ، والقرطبي : ٦ ـ ٩٥

(٢) في خزانة الأدب (١ ـ ٢٠٠) : يا ليت زوجك قد غدا.

(٣) من بيت للبيد كما في اللسان (جله) ، وأوله : فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ...

(٤) هكذا في اللسان والقرطبي والديوان ٢٩٨. وفي ل : ونعاجها. وفي شرح الديوان : ولا يقال أطفل النعام لأنه يبيض ولكنه ملحق بقوله : أطفلت ظباؤها.

٥٧

قلنا : وها هنا عطف الرّجلين على الرءوس وشركهما في فعلهما ، وإن لم يكن به مفعوله ، تعويلا على بيان المبلغ ، فقد بلغ ، وقد بينا أيضا أنها تكون ممسوحة تحت الخفّين ، وذلك ظاهر في البيان ، وقد أفردناها مستقلة في جزء.

المسألة الثانية والأربعون ـ إذا ثبت وجه التأويل في المسح على الخفين فإنها أصل في الشريعة وعلامة مفرّقة بين أهل السنة والبدعة ، وردت به الأخبار.

فإن قيل : هي أخبار آحاد ، وخبر الواحد عند المبتدعة باطل.

قلنا : خبر الواحد أصل عظيم لا ينكره إلا زائغ ، وقد أجمعت الصحابة على الرجوع إليه ، وقد جمعناه في جزء.

الجواب الثاني ـ إنها مرويّة تواترا ، لأنّ الأمة اتفقت على نقلها خلفا عن سلف ، وإن أضيفت إلى آحاد ، كما أضيف اختلاف القراءات إلى القرّاء في نقل القرآن ، وهو متواتر. وقد استوفينا الكلام فيها في شرح الحديث.

المسألة الثالثة والأربعون ـ قوله تعالى : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) :

اختلف فيهما ، فقال مالك والشافعى والجماعة : إنهما العظمان الناتئان في المفصل بين الساق والرّجل.

وقد قال القاضي عبد الوهاب ، عن ابن القاسم : إنهما العظمان الناتئان في وجه القدم ، وبه قال محمد بن الحسن.

وقال الخليل : الكعب هو الذي بين الساق والقدم. والعقب هو معقد الشراك ، وتقتضي لغة العرب أنّ كل ناتئ كعب ، يقال كعب ثدي المرأة إذا برز عن صدرها.

ولا يجوز أن يراد به الذي يعقد فيه الشراك ، لوجهين : أحدهما أنه ليس مشهورا في اللغة.

والثاني أنه لا يتحصّل به غسل الرجلين ، لأنه ليس بغاية لهما ولا ببعض معلوم منهما ، والإحالة على المجهول في التكليف لا تجوز إلا بالبيان ، وإن لم يكن قرآنا ، ولا من النبي صلى الله عليه وسلم سنّة ، فبطل ، بل جاءت السنة بضدّها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (١) : ويل للعراقيب من النار. وهذا يبطل أن يكون معقد الشراك حذاءه لا فوقه ، يعضده أر

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢١٥ ، والترمذي : ١ ـ ٥٨

٥٨

سبحانه قال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، ولو قال : أراد معقد الشراك لقال إلى الكعاب ، كما قال (١) : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) لما كان لكلّ واحدة قلب واحد ، فدلّ على أنّ في كل رجل كعبين اثنين.

المسألة الرابعة والأربعون ـ القول في دخول الرّجلين في الكعبين كالقول في دخول المرافق في الوضوء سواء ؛ لأنّ الكعب في الساق ، كما أن المرفق في العضد ، وكلّ واحد منهما هو في غير المذكور منهما ؛ لأنك إذا غسلت الساعد إلى المرفق فالمرفق آخر العضد ، وإذا غسلت القدم إلى الكعبين فالكعبان آخر الساقين ، فركّبه عليه وافهمه منه.

المسألة الخامسة والأربعون ـ في تخليل الأصابع في الوضوء :

وذلك في اليدين والرجلين ؛ قال ابن وهب : وهو واجب في الدين مستحبّ في الرجلين ، وبه قال أكثر العلماء.

وقيل : إن ذلك واجب في الجميع ، لما روى حذيفة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلّلوا بين الأصابع لا تتخلّلها النار.

وقال المستورد بن شداد : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه.

والحقّ أنه واجب في اليدين على القول بالدّلك ، غير واجب في الرجلين ، لأنّ تخليلها بالماء يقرح باطنها ، وقد شاهدنا ذلك ، وما علينا في الدين من حرج في أقل من ذلك ، فكيف في تخليل تتقرّح به الأقدام!

المسألة السادسة والأربعون ـ نزع علماؤنا بهذه الآية إلى أن إزالة النجاسة غير واجبة ، لأنه قال : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ؛ تقديره كما سبق : وأنتم محدثون ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ، فلم يذكر الاستنجاء ، وذكر الوضوء ، ولو كان واجبا لكان أوّل مبدوء به ، وهي رواية أشهب عن مالك.

وقال ابن وهب : لا تجزئ الصلاة بها (٢) لا ذاكرا ولا ناسيا ؛ وبه قال الشافعى.

وقال ابن القاسم عنه : تجب مع الذّكر وتسقط مع النسيان.

__________________

(١) سورة التحريم ، آي ٤.

(٢) أى بالنجاسة.

٥٩

وقال أبو حنيفة : تجب إزالة النجاسة إذا زادت على قدر الدرهم البغلى (١) ـ يريد الكبير الذي هو على هيئة المثقال ـ قياسا على فم المخرج المعتاد الذي عفى عنه ، وتوجيه ذلك وتفريعه في مسائل الخلاف وكتب الفروع.

والصحيح رواية ابن وهب. ولا حجة في ظاهر القرآن ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى إنما بيّن في آية الوضوء صفة الوضوء خاصة ، وللصلاة شروط : من استقبال الكعبة ، وستر العورة ، وإزالة النجاسة ، وبيان كل شرط منها في موضعه وسنتكلم على ذلك في موضعه (٢) إن شاء الله تعالى.

المسألة السابعة والأربعون ـ ذكر الله تعالى أعضاء الوضوء وترتيبها وأمر بغسلها معقبة ، فهل يلزم كلّ مكلف أن تكون مفعولة مجموعة في الفعل كجمعها في الذّكر ، أو يجزئ التفريق فيها؟

فقال في المدوّنة وكتاب محمد : إن التوالي (٣) ساقط ؛ وبه قال الشافعى.

وقال مالك وابن القاسم : إن فرّقه متعمدا لم يجزه ، ويجزيه ناسيا. وقال ابن وهب : لا يجزيه ناسيا ولا متعمّدا.

وقال مالك في رواية ابن حبيب : يجزيه في المغسول ولا يجزيه في الممسوح.

وقال ابن عبد الحكم : يجزيه ناسيا ومتعمّدا.

فهذه خمسة أقوال (٤) الأصل فيها أنّ الله سبحانه وتعالى أمر أمرا مطلقا فوال أو فرّق(٥) ، وليس لهذه المسألة متعلق بالفور إنما يتعلق بالفور الأمر بأصل الوضوء خاصة.

والأصل الثاني أنها عبادة ذات أركان مختلفة ، فوجب فيها التّوالى كالصلاة ، وبهذا نقول : إنه يلزم الموالاة مع الذكر والنسيان كالصلاة إلا أن يكون يسيرا ، هو معفوّ عنه.

وأما متعلّق الفرق بين الذكر والنسيان فإنّ التوالي صفة من صفات الطهارة ، فافترق فيها الذكر والنسيان ، كالترتيب. واعتبار صفة من صفات العبادة بصفة أولى من اعتبار عبادة بعبادة.

__________________

(١) ذكر الدميري ضربا من النقود يقال لها البغلية.

(٢) في ا : في موضعها.

(٣) في القرطبي : الموالاة ساقطة.

(٤) في القرطبي : ابتنيت على أصلين : الأول أن الله سبحانه.

(٥) في ا : فوالى وفرق.

٦٠