أحكام القرآن - ج ٢

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

فإن قيل : فقد خصصتم الحديث في المأكولات من المقتات ، فنحن نخصّه في المأكولات أيضا.

قلنا : نحن خصصناه في المأكولات من المقتات بدليل الإجماع ، ولا دليل لكم على تخصيصه في المقتات ؛ فإن أعادوا لما تقدم من أقوالهم أعدنا ما سبق عليها من الأجوبة.

المسألة التاسعة ـ قال الشافعى : لا زكاة في الزيتون في أحد قوليه ؛ قال : لأنه يؤكل إداما ، وأيضا فإنّ التين أنفع منه في القوت ولا زكاة فيه.

قلنا له : الزكاة تجب عندنا في التين ، فلا قول لك في ذلك ، وأىّ فرق بين التين والزبيب ، والزيتون قوت يدّخر ذاته ويدخر زيته ؛ فلا كلام (١) عليه.

المسألة العاشرة ـ قال مالك في أظهر قوليه : إنما تكون الزكاة فيما يقتات في حال الاختيار دون ما يقتات به في حال الضرورة ، فلا زكاة في القطاني (٢) ، وبه قال الحسن والشعبي وابن سيرين وابن أبى ليلى والحسن بن صالح والثوري وابن المبارك ويحيى بن آدم وأبو عبيد ، ولذلك اختلف قوله في التين ، فكان لا يوجب فيه الزكاة ، لأنه لا يدريه (٣) ، فإذا أخبر عنه ورأى موقعه في بلاده أوجب فيه الزكاة ؛ وهذا بناء على أصل من أصول الفقه ؛ وهو أنّ كلام الله تعالى إذا ورد ، هل يحمل على العموم المطلق أو الغالب من المتناول فيه؟ والصحيح حمله على العموم المطلق حسبما بيّناه في موضعه. والله أعلم.

المسألة الحادية عشرة ـ قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) :

اختلف العلماء في وقت وجوب الزكاة في هذه الأموال النباتية على ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنها تجب وقت الجداد (٤) ؛ قاله محمد بن مسلمة ؛ بقوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

الثاني ـ أنها تجب يوم الطّيب ؛ لأنّ ما قبل الطيب يكون علفا لا قوتا ولا طعاما ؛ فإذا طابت وكان الأكل الذي أنعم الله به وجب الحقّ الذي أمر الله به ، إذ بتمام النعمة يجب شكر النعمة ، ويكون الإيتاء يوم الحصاد لما قد وجب يوم الطيب.

__________________

(١) في ل : فلا زكاة فيه.

(٢) القطاني : جمع قطنية ـ بكسر القاف ، وهي كالعدس وغيره (المختار).

(٣) في ل : لا بدل له.

(٤) الجداد : القطع. وفي القرطبي (٧ ـ ١٠٥) : الجذاذ.

٢٤١

الثالث ـ أنه يكون بعد تمام الخرص (١) ؛ قاله المغيرة ؛ لأنه حينئذ يتحقّق الواجب فيه من الزكاة ، فيكون شرطا لوجوبها ، أصله (٢) مجيء الساعى في الغنم.

ولكلّ قول وجه كما ترون ؛ لكن الصحيح وجوب الزكاة بالطّيب ، لما بيناه من الدليل ؛ وإنما خرص عليهم ليعلم قدر الواجب في ثمارهم.

والأصل في الخرص حديث الموطأ أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر فخرص عليهم وخيّرهم بين أن يأخذوا وله ما قال ، أو ينخلوا ولهم ما قال ؛ فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض. ويا ويح البخاري يتخيّر على مالك ، ولا يدخل هذا الحديث في باب الخرص ، ويدخل منه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (٣) أنه مرّ في غزوة تبوك بحديقة فقال : اخرصوا هذه ، فخرصوا ؛ فلما رجع عن الغزو وسأل المرأة كم جاءت حديقتك؟ فأخبرته أنها جاءت كما قال ؛ فكانت إحدى معجزاته في قول.

فإن تلفت بعد الطّيب فلا شيء فيها على المالك ، وهي :

المسألة الثانية عشرة ـ إن الله ذهب بماله وما عليه ، ولم يلزمه أن يخرجها من غيره ، وإن تلفت بعد الخرص ـ وهي :

المسألة الثالثة عشرة ـ فلا بدّ له أن يقيم البيّنة على تلفها.

وقال الشافعى : يحلف لأنها أمانة عنده ، وليس كذلك ؛ بل هي واجبة عليه ، فلا يبرئه منها إلا إيجاد البراءة ؛ وإنما ذلك في الأمانات التي تكون مستحفظة عنده من غيره ، وفي ذلك تفصيل ذكره في الفروع.

المسألة الرابعة عشرة ـ تركّبت على هذه الأصول (٤) مسألة ؛ وهي أنّه الله تعالى أوجب الزكاة في الكرم والزرع والنخل مطلقا ، ثم فسّر النصاب بقوله : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حبّ صدقة. فمن حصل له من تمر خمسة أوسق ، أو من زبيب خمسة أوسق ـ وجبت عليه الزكاة فيها ، فإن حصل له من تمر وزبيب معا خمسة أوسق لم تلزمه

__________________

(١) الخرص : تقدير ما على النخل من الرطب تمرا.

(٢) في ل : أصلها.

(٣) صحيح مسلم : ١٧٨٥.

(٤) في ل : المسألة.

٢٤٢

زكاة إجماعا في الوجهين ؛ لأنهما صنفان مختلفان. فإن حصل له من طعام برّ وشعير معا خمسة أوسق زكّاهما [معا] (١) عند مالك.

وقال الشافعى : لا يجمعان ، وكذلك غيرهما ، وإنما هي أنواع كلّها يعتبر النصاب في كل واحد منها (٢) على الانفراد ؛ لأنهما يختلفان في الاسم الخاص ؛ وفي حالة الطعم.

والصحيح ضمّهما ؛ لأنهما قوتان يتقاربان ، فلا يضرّ اختلاف الاسم. وقد بيناه في كتب الفروع.

المسألة الخامسة عشرة ـ قوله : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) :

الإسراف : هو الزيادة ، فقيل لهم : لا تسرفوا في الأكل بزيادة الحرام على ما أحلّه الله لكم ولا تسرفوا في أخذ زيادة على حقكم ، وهو التسعة الأعشار ، حاسبوا أنفسكم بما تأكلون ، وأدّوا ما يتعيّن عليكم بالخرص أو بالجذاذ على ما تقدّم. والله أعلم.

الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فيها سبع مسائل :

المسألة الأولى ـ (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) :

قد بيّنا في كتب الحديث أنّ الوحى ينقسم على ثمانية أقسام : منها مجيء الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بالأمر والنهى والخبر ؛ فأخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّ الملك لم يأت إليه الآن إلّا بهذا ؛ إذ قد جاء إليه قبل ذلك بالمحرمات (٤) وقد ثبت (٥) ذلك.

المسألة الثانية ـ هذه الآية مدنية مكية (٦) في قول الأكثر ، نزلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم نزل عليه قوله (٧) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ؛ وذلك يوم عرفة ، ولم ينزل بعدها ناسخ ؛ فهي محكمة.

__________________

(١) ليس في ا.

(٢) في ل : منهما.

(٣) الآية الخامسة والأربعون بعد المائة.

(٤) في ا : بمحرمات.

(٥) في ل : بينت.

(٦) في القرطبي (٧ ـ ١١٦) : ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة الأنعام مكية إلا قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...) الثلاث الآيات.

(٧) سورة المائدة : ٤

٢٤٣

المسألة الثالثة ـ قوله : (عَلى طاعِمٍ) :

المحرمات على ثلاثة أقسام : مطعومات ، ومنكوحات ، وملبوسات.

فأما المطعومات والمنكوحات فقد استوفى الله بيانها في القرآن كثيرا ، ومنها في السنّة توابع.

وأما الملبوسات فمنها في القرآن إشارات وتمام ذلك في السنّة ؛ وقال الله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ...) الآية.

فأما الميتة والدم فقد تقدّم الكلام عليهما في البقرة والمائدة ، وكذلك قوله (١) : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ). وكان ورود ذكر الدم مطلقا هناك وورد هاهنا مقيّدا بالسّفح.

واختلف الناس في حمل المطلق هاهنا على المقيّد على قولين :

فمنهم من قال : إنّ كلّ دم محرّم إلّا الكبد ، والطّحال ، باستثناء السنّة كما تقدم.

ومنهم من قال : إنّ التحريم يختصّ بالمسفوح ؛ قالته عائشة ، وعكرمة ، وقتادة. وروى عن عائشة أنها قالت : لولا أن الله قال : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) لتتبّع الناس ما في العروق.

قال الإمام الحافظ (٢) : الصحيح أنّ الدم إذا كان مفردا حرم منه كلّ شيء ، وإن خالط اللحم ؛ جاز ، لأنه لا يمكن الاحتراز منه ، وإنما حرم الدم بالقصد إليه.

المسألة الرابعة ـ اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنها منسوخة بالسنّة ، وحرّم النبىّ صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية ، وحرّم كلّ ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير ؛ خرّجه الأئمة كلّهم.

الثاني ـ أنها محكمة لا حرام فيها إلّا فيما قالته عائشة.

الثالث ـ قال الزهرىّ ومالك في أحد قوليه : هي محكمة ، ويضم إليها بالسنة ما فيها من محرّم ، فأما من قال : إنها منسوخة بالسنّة فقد اختلف الناس في ذلك كما اختلفوا في نسخ السنّة بها.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٣.

(٢) في ل : أبو بكر بن العربي ، وهو المؤلف.

٢٤٤

والصحيح جواز ذلك كلّه كما في تفصيل الأصول ، لكن لو ثبت بالسنة محرم غير هذه لما كان ذلك نسخا ؛ لأنّ زيادة محرّم على المحرمات أو فرض على المفروضات لا يكون نسخا بإجماع من المسلمين ، لا سيما وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية مختلف في تأويله على أربعة أقوال :

الأول ـ أنها محرّمة كما قالوا.

الثاني ـ أنها حرمت بعلّة أن جائيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : فنيت الحمر. فنيت الحمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ينادى بتحريمها لعلة خوف الفناء عليها ؛ فإذا كثرت ولم يضرّ فقدها بالحمولة جاز أكلها ؛ فإن الحكم يزول بزوال العلة.

الثالث ـ أنها حرمت لأنها طبخت قبل القسمة.

الرابع ـ أنها حرمت لأنها كانت جلّالة ـ خرجه أبو داود.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل جلّالة البقر (١). وهذا بديع في وجه الاحتجاج بها ، وقد استوفيناه في شرح الحديث الصحيح.

وكذلك ما روى (٢) عنه في كل ذي ناب من السباع ومخلب والطير إنما ورد في المسند الصحيح بقوله نهى ، ويحتمل ذلك النهى التحريم (٣) ، ويحتمل الكراهية ، مع اختلاف أحوال السباع في الافتراس. ألا ترى إلى الكلب والهرّ والضبع فإنها سباع ، وقد وقع الأنس بالهر مطلقا وببعض الكلاب ، وجاء الحديث عن جابر أن الضبع صيد ، وفيها كبش.

ولسنا نمنع أن يضاف إليها بالسنة ما صحّ سنده ، وتبيّن مورده ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (٤) : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفسا بغير نفس. وهذا كلّه على أن مورد الآية مجهول. فأما إذا تبيّنا أن موردها يوم عرفة فلا يحرم إلا ما فيها ، وإليه أميل ، وبه أقول.

__________________

(١) في ل : القرى.

(٢) في ل : ما ورد.

(٣) في ل : ويحتمل ذلك المنع الجزم.

(٤) ابن ماجة : ٨٤٧

٢٤٥

قال عمرو بن دينار : قلت لجابر بن زيد : إنهم يزعمون أن النبىّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية. قال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفارىّ ، ولكن أبى ذلك الخبر ـ يعنى ابن عباس ، وقرأ : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ ...) الآية ، وكذلك يروى عن عائشة مثله. وقرأت الآية كما قرأها ابن عباس.

المسألة الخامسة ـ قال أصحاب الشافعىّ : تقدير الآية : قل لا أجد فيما أوحى إلىّ محرما مما كنتم تستخبثونه (١) وتجتنبونه إلا أن يكون [ميتة] (٢) ... الآية. فأما غير ذلك من المحرمات فلا ؛ بدليل أنّ الله حرّم أشياء منها المنخنقة وأخواتها. وأجمعت الأمة على تحريم أشياء غير ذلك ، منها القاذورات ، ومنها الخمر والآدمىّ.

الجواب عنه من سبعة أوجه :

الجواب الأول ـ أن ابن عباس قد ردّ هذا وأوضح المراد منه والحقّ فيه ، وهو الخبر البحر الترجمان.

الجواب الثاني ـ دعوى ورود الآية على سؤال لا يقبل من غير نقل يعوّل عليه.

الجواب الثالث ـ لو صحّ السؤال لما آثر خصوص السؤال في عموم الجواب الوارد عليه. وقد أجمعنا عليه وبينّاه فيما قبل.

الجواب الرابع ـ وأما قولهم : إن الله حرّم غير ذلك كالمنخنقة وأخواتها ـ فإنّ ذلك داخل في الميتة إلا أنه بيّن أنواع الميتة وشرح ما يستدرك ذكاته مما تفوت ذكاته لئلا بشكل أمره ويمزج الحلال بالحرام في حكمها.

الجواب الخامس ـ وأما قولهم : أجمعت الأمة على تحريم القاذورات فلا قاذور محرم عندنا إلّا أن يكون رجسا فيدخل في علة تحريم لحم الخنزير ، وكذلك الخمر ، وهو :

الجواب السادس ـ دخلت في تعليل الرجسيّة.

وأما الجواب السابع عن الآدمىّ فهيهات أيها المتكلم! لقد حططت مسمّاك إذا أبعدت مرماك ، من أدخل (٣) الآدمي في هذا؟ وهو المحلّل له المحرم ، المخاطب المثاب المعاقب ،

__________________

(١) في ل : تستحمونه.

(٢) من ل.

(٣) في ل : إدخال.

٢٤٦

الممتثل المخالف ، فبينما كان متصرفا جعلته مصرّفا ، انصرف عن المقام فلست فيه بإمام ؛ فإن الإمام هاهنا وراء ، والوراء أمام ، وقد اندرجت :

المسألة السادسة ـ في هذا الكلام.

المسألة السابعة ـ روى مجاهد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كره من الشاء سبعا : الدم ، والمرار (١) ، والحياء ، والغدّة ، والذكر ، والأنثيين. وهذه زيادات على هذه المحرمات.

قلنا : عنه جوابان :

الأول ـ أن الكراهية غير التحريم ، وهو بالنسبة إليه كالنّدب بالنسبة إلى الوجوب.

الثاني ـ أن هذه الكراهية إنما هي (٢) عيافة نفس ، وتقزّز جبلّة ، وتقذر نوع من أنواع المحلّل.

فإن قيل : فقد قال الدم.

قلنا : عنه جوابان :

أحدهما ـ أن هذا استدلال بالقرائن ، فكم من مكروه قرن بمحرم ، كقوله : نهى النبىّ صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (٣). وكم من غير واجب قرن بواجب ، كقوله(٤): (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ). وقوله (٥) : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).

الثاني ـ أنه أراد الدم المخالط للّحم الذي عفى عنه للخلق وأما المرار المذكور في الحديث فهو من قول بعضهم الأمرّ ، وهو المصارين (٦) ، ولا أراه أراد إلا المرار بعينه ، ونبّه بذكره على علّة كراهة غيره بأنه محلّ المستخنث ؛ فكره لأجله. والله أعلم.

الآية الرابعة عشرة ـ قوله تعالى (٧) : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).

__________________

(١) المرار : جمع المرارة ، وهي التي في جوف الشاة وغيرها يكون فيها ماء أخضر مر. وقال القتيبي : أراد المحدث أن يقول الأمر وهو المصارين فقال المرار ، وليس بشيء (النهاية).

(٢) عاف الشيء : كرهه.

(٣) المفتر : الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فتور ، وهو ضعف وانكار (النهاية).

(٤) سورة الأنعام : ١٤١.

(٥) سورة البقرة : ١٩٦

(٦) الآية ١٤٦

٢٤٧

فيها خمس مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) :

فيها أربعة أقوال :

الأول ـ هادوا : تابوا. هاد يهود : تاب.

الثاني ـ هاد : إذا سكن.

الثالث ـ هاد : فتر.

الرابع ـ هاد : دخل في اليهودية. وقد قيل في قوله تعالى (١) : (كُونُوا هُوداً) ؛ أى يهودا. ثم حذف الياء.

فأما من قال : إنه التائب يشهد له قوله (٢) : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) ؛ أى تبنا ، وكل تائب إلى ربّه ساكن إليه فاتر عن معصيته. وهذا معنى متقارب.

المسألة الثانية ـ أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله : (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) :

يعنى ما ليس بمنفرج الأصابع ، كالإبل والنعام والإوز والبط ؛ قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ويدخل في ذلك ما يصيد بظفره من [سباع] (٣) الطير والكلاب.

والحوايا : واحدها حاوياء أو حويّة ؛ وهي عند العلماء على ثلاثة أقوال :

الأول ـ المباعر (٤).

الثاني ـ أنها خزائن اللبن.

الثالث ـ أنها الأمعاء التي عليها الشحوم.

المسألة الثالثة ـ أخبر الله سبحانه وتعالى أنه كتب عليهم تحريم هذا في التوراة ، وقد نسخ الله ذلك كلّه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأباح لهم ما كان محرّما عليهم ؛ عقوبة لهم على طريق التشديد في التكليف لعظيم الحرم ، وزوال (٥) الحرج بمحمد صلى الله عليه وسلم [وأمته] (٦) ، وألزم جميع الخليفة دين الإسلام بحلّه وحرمه ، وأمره ونهيه ؛

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٥.

(٢) سورة الأعراف : ١٥٦.

(٣) من ل.

(٤) جمع مبعر ، سمى بذلك لاجتماع البعر فيه ، وهو الزبل.

(٥) في ل : وذلك.

(٦) من ل.

٢٤٨

فإذا ذبحوا أنعامهم فأكلوا ما أحلّ الله في التوراة ، وتركوا ما حرم ، فهل يحلّ لنا؟ فقال مالك في كتاب محمد : هي محرّمة [عليهم] (١) وقال في سماع المبسوط : هي محلّلة ، وبه قال ابن نافع. وقال ابن القاسم : أكرهه.

والصحيح أكلها ؛ لأنّ الله رفع ذلك التحريم بالإسلام.

فإن قيل : فقد بقي اعتقادهم فيه عند الذكاة.

قلنا : هذا لا يؤثر ؛ لأنه اعتقاد فاسد.

المسألة الرابعة ـ فلو ذبحوا كلّ ذي ظفر ؛ فقال أصبغ : كلّ ما كان محرّما في كتاب الله من ذبائحهم فلا يحلّ أكله. وقاله أشهب وابن القاسم وأجازه ابن وهب. والصحيح تحريمه ؛ لأن ذبحه منهم ليس بذكاة.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) دليل على أنّ التحريم إنما يكون عن ذنب ؛ لأنه ضيق فلا يعدل عن السعة إليه إلا عند الموجدة.

الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا ، فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).

قال علماؤنا : فيه دليل على أنّ الرجل إذا قال : رضيت بفلان فإذا شهد أنكره ، وقال : ظننت أنه يقول الحقّ أنه لا يلزمه.

وقد اختلف فيه الفقهاء ؛ فمنهم من قال : يلزمه ذلك. وقال آخرون : لا يلزمه ما قال. وللمالكية القولان. ومشهور قول ابن القاسم أنه لا يلزمه ، وليس في الآية الرضا بالشهادة ثم الإنكار ؛ إنما فيها طلب الدليل واستدعاء البرهان على الدعوى ؛ فإن العرب تحكّمت بالتحريم والتحليل ، فقال الله لنبيه : قل لهم : هاتوا شهداءكم بأنّ هذا من عند الله ، أى حجّتكم حتى نسمعها ، وننظر فيها.

فإن قيل : فما فائدة قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)؟

__________________

(١) من ل.

(٢) الآية : الخمسون بعد المائة.

٢٤٩

قلنا (١) : هذا تحذير من الله لنبيه لتعلم أمّته المعنى. فإن قال شهداؤهم مثل ما يقولون فلا تقله معهم ؛ فهذا دليل على أن الشاهد إذا قال ما قام الدليل على بطلانه فلا تقبل شهادته.

الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قد تقدم حال الولىّ مع اليتيم في ماله في سورة البقرة وآل عمران (٣) ، وهذا يدلّ على جواز عمل الوصىّ في مال اليتيم إذا كان حسنا حتى يبلغ الغلام أشدّه ، زاد في سورة النساء ويونس رشده.

المسألة الثانية ـ هذا يدلّ على أن البلوغ أشد (٤) ، ويأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

المسألة الثالثة ـ قال أبو حنيفة : الأشدّ خمسة وعشرون عاما ، وعجبا من أبى حنيفة فإنه يرى أن المقدّرات لا تثبت نظرا ولا قياسا ، وإنما تثبت نقلا على ما بيناه في أصول الفقه ، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة ، ولكنه سكن دار الضّرب (٥) فكثر عنده المدلّس ، ولو سكن المعدن (٦) كما قيّض الله لمالك لما صدر عنه إلّا إبريز (٧) الدين وإكسير الملّة كما صدر عن مالك.

الآية السابعة عشرة ـ قوله تعالى (٨) : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله : (إِنَّ صَلاتِي ...) الآية :

مقام التسليم لله ودرجة التفويض إلى الله بناء عن مشاهدة توحيد ومعاينة يقين وتحقيق؛

__________________

(١) في ل : قلت.

(٢) الآية الثانية والخمسون بعد المائة.

(٣) في البقرة آية ٢٨٢ ، وفي آل عمران آية ١٢٢.

(٤) أشده : قوته. وقد تكون القوة في البدن ، وقد تكون في المعرفة بالتجربة. ولا بد من حصول الوجهين.

(٥) يريد بدار الضرب بغداد. والمعدن : معدن الشريعة ومنجمها وهي المدينة المنورة.

(٦) يقال ذهب إبريز : خالص.

(٧) الآية الثانية والستون ، والثالثة والستون بعد المائة.

٢٥٠

فإن الكلّ من الإنسان لله أصل ووصف ، وظاهر وباطن ، واعتقاد وعمل ، وابتداء وانتهاء ، وتوقّف وتصرف ، وتقدم وتخلّف ، لا شريك له فيه ، لا منه ولا من غيره يضاهيه أو يدانيه.

المسألة الثانية ـ ثبت في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح به صلاته ، وثبت أنه كان يقول في استفتاحها أيضا : سبحانك اللهم وبحمدك.

واختلف قول مالك بذلك ؛ فقال ابن القاسم : لم ير مالك هذا الذي يقوله الناس قبل القراءة : سبحانك اللهمّ وبحمدك.

وفي مختصر ما ليس في المختصر أن مالكا يقول : وإنما كان يقول في خاصته لصحة الحديث به ؛ وكان لا يريه (١) للناس مخافة أن يعتقدوا وجوبه.

ورآه الشافعى من سنن الصلوات (٢) ، وهو الصواب ؛ لصحة الحديث. والله أعلم.

المسألة الثالثة ـ إذا قلنا إنه يقولها في افتتاح الصلاة على الوجه المتقدم ، فإنه يقول في آخرها : وأنا من المسلمين ، ولا يقول : وأنا أول المسلمين ؛ إذ ليس أحد بأولهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل : أو ليس إبراهيم قبله؟ قلنا : عنه أجوبة ، أظهرها الآن أنه أول المسلمين من أهل ملّته. والله أعلم.

الآية الثامنة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ استدلّ بعض علمائنا المخالفين على أنّ بيع الفضولىّ لا يصحّ (٤) بقوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها).

وعارضهم علماؤنا بأن المراد بالآية تحمّل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا.

__________________

(١) في ا : لا يراه.

(٢) في ا : الصلاة.

(٣) الآية الرابعة والستون.

(٤) وهو قول الشافعى (القرطبي : ٧ ـ ١٥٦).

٢٥١

ويحتمل أن يكون المراد بذلك كسب الإلزام والالتزام ، لا كسب المعونة والاستخدام ؛ فقد يتعاون المسلمون ويتعاملون بحكم العادة والمروءة والمشاركة ؛ هذا رسول الله قد باع له واشترى عروة البارقىّ في دينار وتصرّف بغير أمره ، فأجازه النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمضاه ؛ نصّه (١) أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ، وأمره أن يشترى له شاة من الجلب (٢) فاشترى له به شاتين ، وباع إحداهما بدينار ، وجاءه بالدينار وبالشاة ؛ فدعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبركة ؛ فكان لا يتّجر في سوق إلا ربح فيها حتى لو اتّجر في التّراب لربح فيه.

قال : ولقد كنت أخرج إلى الكناسة بالكوفة فلا أرجع إلّا وقد ربحت ربحا عظيما. وقد مهّدنا الكلام عليه في صريح الحديث وتلخيص الطريقتين ، فانظروه يجدوه إن شاء الله.

المسألة الثانية ـ قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) :

للوزر معنيان :

أحدهما ـ الثقل ؛ وهو المراد هاهنا ، يقال وزره يزره إذا حمل ثقله ، ومنه قوله تعالى(٣): (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ). والمراد به هاهنا الذنب ؛ قال تعالى (٤) : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) ـ يعنى ذنوبهم ـ (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ؛ أى بئس الشيء شيئا يحملون.

والمعنى لا تحمل نفس مذنبة عقوبة الأخرى ؛ وإنما تؤخذ كلّ نفس منهم بجريرتها التي اكتسبتها ، كما قال تعالى (٥) : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).

وقد وقد أبو رمثة رفاعة بن يثربىّ التميمىّ مع ابنه (٦) على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال : أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه.

وهذا إنما بيّنه لهم ردّا على اعتقادهم. في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بابنه وبأبيه وبجريرة حليفه.

__________________

(١) القرطبي : ٧ ـ ١٥٦.

(٢) الجلب ـ بالتحريك : ما جلب القوم من غنم وغيره.

(٣) سورة الانشراح ، آية ٢.

(٤) الأنعام ، آية ٣١.

(٥) سورة البقرة ، آية ٢٨٦

(٦) هكذا في ا ، وفي ل : أخيه. وفي القرطبي : قال : انطلقت مع أبى نحو النبي ... (٧ ـ ١٥٧) : والقصة بتمامها هناك.

٢٥٢

المسألة الثالثة ـ وهذا حكم من الله تعالى نافذ في الدنيا والآخرة ؛ وهو ألّا يؤخذ أحد بجرم أحد ، بيد (١) أنه يتعلّق ببعض الناس من بعض أحكام في مصالح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والتعاون على البرّ والتقوى ، وحماية النفس والأهل عن العذاب ، كما قال تعالى (٢) : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً). والأصل في ذلك كلّه أنّ المرء كما يفترض عليه أن يصلح نفسه باكتساب الخير فواجب عليه أن يصلح غيره بالأمر به والدعاء إليه والحمل عليه ، وهذه فائدة الصحبة ، وثمرة المعاشرة ، وبركة المخالطة ، وحسن المجاورة ؛ فإن [حسن في ذلك كله كان معا في في الدنيا والآخرة ، وإن] (٣) قصر في ذلك كلّه كان معاقبا في الدنيا والآخرة ، فعليه أولا إصلاح أهله وولده ، ثم إصلاح خليطه وجاره ، ثم سائر الناس بعده ، بما بينّاه من أمرهم ودعائهم وحملهم ؛ فإن فعلوا ، وإلا استعان بالخليفة لله في الأرض عليهم ، فهو يحملهم على ذلك قسرا ، ومتى أغفل الخلق هذا فسدت المصالح ، وتشتّت الأمر ، واتسع الخرق ، وفات الترقيع ، وانتشر التدمير ؛ ولذلك يروون أنّ عمر بن الخطاب كفّل (٤) المتهمين عشائرهم ، وذلك بالتزامهم كفّهم أو رفعهم إليه حتى ينظر فيهم ، والله يتولى التوفيق برحمته.

__________________

(١) بيد : غير.

(٢) سورة التحريم ، آية ٦.

(٣) من ل.

(٤) بتشديد الفاء ، وتخفف أيضا ، كما في المختار.

٢٥٣

سورة الأعراف

[فيها سبع وعشرون آية]

الآية الأولى ـ قوله (١) : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قال بعضهم قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) نهى في الظاهر ، ولكنه لنفى الحرج. وعجبا له مع عمل يقع في مثله ، والنهى عن الشيء لا يقتضى نفيه ؛ فإن الله سبحانه ينهى عن أشياء وتوجد ، ويأمر بأشياء فلا توجد والصحيح أنه نهى على حاله ؛ قيل لمحمد : (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، وأعين على امتثال النهى بخلق القدرة له عليه ؛ كما فعل به في سائر التكليفات.

المسألة الثانية ـ الحرج هو الضّيق. وقيل : هو الشك (٢). وقيل : هو التبرم ؛ وإلى الأول يرجع ؛ فإن كان هو الشك فقد أنار الله فؤاده باليقين ، وإن كان التبرم فقد حبّب الله إليه الدين ، وإن كان الضيق فقد وسّع الله قلبه بالعلوم ، وشرح صدره بالمعارف ، وذلك مما فتح الله عليه من علوم القرآن ، وخفّف عليه ثقل العبادة حتى جعلت قرّة عينه في الصلاة ، فكان يقول : أرحنا بها يا بلال.

ومن تمام النية في العبادة النشاط إليها ، والخفّة إلى فعلها ، وخصوصا الصبح والعشاء ؛ فهما أثقل الصلوات على المنافقين حسبما رواه أبو داود وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكر من حديث أنّ هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا على الركب. وليس يخلو أحد (٣) عن وجود الثقل ؛ ولذلك كان تكليفا ، بيد أن المؤمن يحتمله ويخرج بالفعل عنه ، والمنافق يسقطه.

__________________

(١) الآية الثانية من السورة.

(٢) في القرطبي (٧ ـ ١٦١) : وليس هذا شك الكفر ، إنما هو شك الضيق.

(٣) في ل : هذا.

٢٥٤

فإن قيل ـ وهي :

المسألة الثالثة ـ فالعاصى إذا أسقطه أمنافق هو؟ قلنا : لا ، ولكنه فاعل فعل المنافقين والكافرين ، وإلى هذا المعنى أشار النبىّ صلى الله عليه وسلم بقوله : من ترك الصلاة فقد كفر ؛ أى فعل فعل الكفار في أحد الأقوال :

الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : معناه أحلوا حلاله وحرّموا حرامه ، وامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، واستبيحوا مباحه ، وارجوا وعده ، وخافوا وعيده ، واقتضوا حكمه ، وانشروا من علمه علمه ، واستجسوا خباياه ، ولجوا زواياه ، واستثيروا جاثمه ؛ وفضّوا خاتمه ، وألجقوا به ملائمه ـ وهي :

المسألة الثانية ـ باتباع ما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عارضه إذا وضح مسلكه ؛ فتارة يكون ناسخا له ، وأخرى خاصا ومتمّما في حكم على طرق موارده المعلومة ، بشروطها المحصورة حسبما بيناه في أصول الفقه.

الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٢) : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

فيها إحدى عشرة مسألة :

المسألة الأولى ـ في نزولها :

قيل : إنها نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة ، أمروا باللباس وستر العورة ؛ قاله ابن عباس وجماعة معه.

وقال مجاهد والزجاج : نزلت في ستر العورة في الصلاة ، وهذا ليس يدافع الأول ؛ لأن الطواف بالبيت صلاة.

__________________

(١) الآية الثالثة.

(٢) الآية الواحدة والثلاثون.

٢٥٥

وفي الصحيح عن ابن عباس قال (١) : كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول : من تعيرني تطوافا (٢) فتجعله على فرجها وتقول (٣) :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

وما بدا منه فلا أحلّه

جهم من الجهم (٤) عظيم ظلّه

كم من لبيب عقله يضلّه

وناظر ينظر ما يملّه فنزلت : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).

قال ابن العربي : وهذه المرأة هي ضباعة بنت عامر بن قرط.

وقد روى أنّ العرب كانت تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس (٥) : قريش وأحلافهم ، فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثوب أحمسىّ ، فيحلّ له أن يلبس ثيابه ، فإن لم يجد من يعيره ما يلبس من الحمس فإنه يلقى ثوبه ويطوف عريانا ، وتحرم عليه ثيابه ، فنزلت الآية.

وثبت في الصحيح أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أرسل ألّا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. فنودي بها في الموسم.

المسألة الثانية ـ في سبب فعل الجاهلية لذلك :

إن قريشا كانت رأت رأيا تكيد به العرب ، فقالوا : يا معشر قريش ؛ لا تعظّموا شيئا من البلدان لتعظيم حرمكم ، فتزهد العرب في حرمكم إذا رأوكم قد عظّمتم من البلدان غيره كتعظيمه ، فعظّموا أمركم في العرب ؛ فإنكم ولاة البيت وأهله دون الناس ؛ فوضعوا لذلك الأمر أن قالوا (٦) : نحن أهل الحرم ، فلا ينبغي لنا أن نعظّم غيره ، ولا نخرج منه ؛ فكانوا يقفون بالمزدلفة دون عرفة ؛ لأنها خارج من الحرم ، وكانت سنة إبراهيم وعهدا

__________________

(١) القرطبي ٧ ـ ١٨٩. واللسان ـ طوف. وأسباب النزول : ١٢٩ ، وابن كثير : ٢ ـ ٢١٠

(٢) في اللسان : تطواف ـ بفتح التاء على حذف مضاف ؛ أى ذا تطواف ، ورواه بعضهم بكسر التاء ، قال : وهو الثوب الذي يطاف به. ويجوز أن يكون مصدرا.

(٣) في القرطبي : ٧ ـ ١٨٩ البيت الأول وحده.

(٤) في ل : ختم من الختم.

(٥) الخمس : سموا بذلك لأنهم تحمسوا في دينهم ، أى تشددوا. والحماسة : الشجاعة.

(٦) القرطبي : ٧ ـ ١٨٩

٢٥٦

من عهده ، ثم قالوا : لا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلّا في ثيابنا ، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا ، ولا يأكل الأقط ، ولا يستظلّ بالأدم إلا الحمس ؛ وهم قريش ، وما ولدت من العرب ومن كان يليها من حلفائها من بنى كنانة ؛ فكان الرجل من العرب أو المرأة يأتيان حاجين ، حتى إذا أتيا الحرم وضعا ثيابهما وزادهما ، وحرم عليهما أن يدخلا مكة بشيء من ذلك : فإن كان لأحد منهم صديق من الحمس استعار من ثيابه وطاف بها ، ومن لم يكن له صديق منهم ، وكان له يسار استأجر من رجل من الحمس ثيابه ، فإن لم يكن له صديق ولا يسار يستأجر به كان بين أحد أمرين : إمّا أن يطوف بالبيت عريانا ، وإما أن يتكرّم أن يطوف بالبيت عريانا فيطوف في ثيابه ؛ فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه ، فلم يمسّه ، ولم يمسّه أحد من الناس ؛ فكان ذلك الثوب يسمّى اللّقى ، قال قائل من العرب (١) :

كفى حزنا كرىّ عليه كأنه

لقى بين أيدى الطائفين حريم

وإن كانت امرأة ولم تجد من يعيرها ولا كان لها يسار تستأجر به [خلعت] (٢) ثيابها كلها إلا درعا مفردا ، ثم طافت فيه ؛ فقالت امرأة من العرب ـ كانت جميلة تامة ذات هيئة ـ وهي تطوف :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

وما بدا منه فلا أحلّه

فكانوا على ذلك من البدعة والضلالة حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأنزل فيمن كان يطوف بالبيت عريانا : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ...) إلى آخر الآية. ووضع الله ما كانت قريش ابتدعت من ذلك ، وقد أنزل الله في تركهم الوقوف بعرفة (٣) : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ؛ يعنى بذلك قريشا ومن كان على دينهم. المسألة الثالثة ـ اختلف الناس في ستر العورة ، هل هي فرض في الصلاة أم مستحبّة؟ فأما أبو حنيفة (٤) والشافعى وأحمد فقالوا : إنها فرض فيها. وأما مالك فالمشهور من قوله أنها فرض إسلامى لا تختصّ بالصلاة ؛ وهو أشهر أقوالنا. والقول الآخر مثل قول من تقدّم ؛ وهو الصحيح ؛ لما ثبت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بستر العورة في الصلاة ، والأمر على الوجوب ، وهو وإن كان فرضا إسلاميّا فإنه يتأكّد في الصلاة.

__________________

(١) والقرطبي : ٧ ـ ١٨٩.

(٢) زيادة يقتضيها المقام.

(٣) سورة البقرة : ١٩٩.

(٤) والجصاص : ٤ ـ ٢٠٥.

٢٥٧

المسألة الرابعة ـ العورة على ثلاثة أقسام :

الأول ـ جميع البدن ؛ فيجب ستره في الصلاة ؛ قاله أبو الفرج عنه.

الثاني ـ أنها من السّرّة إلى الرّكبة ؛ ولا خلاف فيه ، إنما الخلاف ـ وهو القسم الثالث ـ في أن (١) ما زاد على القبل والدّبر هل هو عورة مثقلة أو مخفّفة؟ فقال علماؤنا وأبو حنيفة : إن القبل والدبر عورة مثقلة ، والفخذ عورة مخففة.

والصحيح أن الفخذ ليس بعورة ؛ لأنها ظهرت من النبي صلى الله عليه وسلم يوم جرى في زقاق خيبر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلها بأفخاذ أصحابه ، ولو كانت عورة ما وصلها بها. قال زيد : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحى وفخذه على فخذي حتى كادت أن ترضّ فخذي ، أما إنه يكره كشفها فإن مالكا وغيره قد روى حديث جرهد (٢) أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له : غطّ فخذك ، فإن الفخذ عورة ، وهو حديث مشهور.

المسألة الخامسة ـ قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) وإن كل واردا على طواف العريان ، فإنه عندنا عام في كل مسجد للصلاة ؛ ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف ؛ لأنّ الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد. والذي يعمّ كل مسجد هو الصلاة ، وهذا قول من خفى عليه مقاصد اللغة والشريعة.

وبيانه أنهم كانوا يطوفون عراة في المسجد فنزلت : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، ليكون العموم شاملا لكل مسجد ، والسبب الذي أثار ذلك ما كانوا يفعلونه في أفضل المساجد ، والصحابة الذين هم أرباب اللغة والشريعة أخبروا بذلك ، ولم يخف عليهم نظام الكلام ، ولا كيف كان وروده ، اجتزءوا بورود الآية ومنحاها ، فلا مطمع لعالم في أن يسبق شأوهم في تفسير أو تقدير.

المسألة السادسة ـ قوله : (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) :

قال بعضهم : ظاهر هذا الكلام الورود بأخذ الزينة للفعل الواقع في المسجد ، تعظيما للمسجد ، ولا يدلّ ذلك على وجوب الستر خارج المسجد ، فزاد الناس ، فقالوا : هذا يدلّ على وجوب السّتر للعورة في الصلاة ؛ فإنه ليس الأمر بالستر في المسجد لعين المسجد ، وإنما هو للفعل الواقع في المسجد.

__________________

(١) في ا : أن ما زاد.

(٢) جرهد بن خويلد : صحابى.

٢٥٨

والفعل الواقع في المسجد على ثلاثة أقسام : طواف ، ولا يعمّ كلّ مسجد. واعتكاف ، ولم يشرف لأجله ؛ فلم يبق إلا الصلاة ؛ وقد ألزم الستر لها ، فكان ذلك شرطا فيها.

وقد قام الدليل على سقوط ما زاد على العورة ، وبقي ما قابل العورة على ظاهره ، وقد بيّنا فساد هذا من قبل ؛ فإن الأمر بالزينة عند كل مسجد يحتمل أن يكون لأجل ما فيه من اجتماع الناس.

فإن قيل : ويجتمعون في الأسواق.

قلنا : ليس ذلك اجتماعا مشروعا ؛ بل يجوز تفرّقهم. وها هنا إن تفرّقوا في المساجد كان ذلك قطعا للجماعة ، وخرقا للصفوف ؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة. خرّجه مسلم وغيره.

وأما قوله : إنّ الطواف لا يعمّ كلّ مسجد فقد تقدّم الجواب عنه.

المسألة السابعة ـ إذا قلنا : إنّ ستر العورة فرض في الصلاة فسقط ثوب إمام فانكشف دبره ، وهو راكع ، فرفع رأسه وغطّاه أجزاه ؛ قاله ابن القاسم.

وقال سحنون : وكلّ من نظر إليه من المأمومين أعاد. وقد روى سحنون (١) أنه يعيد ، ويعيدون ؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة ، فإذا بطل (٢) بطلت الصلاة ـ أصله الطهارة. فهذا طريق من طرق النظر.

وأما أن يقال : إن صلاتهم لا تبطل ، لأنهم لم يفقدوا (٣) شرطا. وأما من قال : إن أخذه مكانه صحّت صلاته (٤) وتبطل صلاة من نظر إليه ، فصحيفة يجب محوها ، ولا يجوز الاشتغال بها.

المسألة الثامنة ـ قال علماؤنا : إذا صلّى في جماعة أو كان إماما فلا يصلّى إلا بردائه أو شيء يجعله على منكبه (٥) ، ولو طرف عمامة (٦) ؛ لأنه من الزينة ، وقد أمر الله بها عند كل مسجد ، وكذلك قالت طائفة ـ وهي :

المسألة التاسعة ـ إنه يصلى في نعليه ، وقد روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قالوا : صلّوا في النعال ، ولم يصح ذلك.

__________________

(١) في ل : عن سحنون.

(٢) في القرطبي : فإذا ظهرت.

(٣) في ل : لم يعقدوا.

(٤) في ل : صلاتهم.

(٥) في ل : منكبيه.

(٦) في ل : عمامته.

٢٥٩

المسألة العاشرة ـ هذا خطاب للرجال والنساء ، إلّا أنهم يختلفون في العورة ، فعورة الرجل قد تقدّم ذكرها ، وعورة المرأة جميع بدنها إلا وجهها وكفّيها ، وفي المصنفين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار. وهذا في الحرّة ؛ فقد ثبت عن أم سلمة أنها سألت النبىّ صلى الله عليه وسلم : أتصلّى المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال : إذا كان الدّرع سابغا يغطّى ظهور قدميها ؛ فأما الأمة فإنها تصلى ـ كما تمشى ـ حاسرة الرأس.

وقال علماؤنا : تستر في الصلاة ما يستر الرجل ، حتى لو انكشف بطنها لم يضرها.

وقال أصبغ : إن انكشفت فخذها أعادت في الوقت. وقد بيّنا ذلك في مسائل الفقه.

المسألة الحادية عشرة ـ قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) :

الإسراف : تعدّى الحدّ ؛ فنهاهم عن تعدّى الحلال إلى الحرام.

وقيل : ألّا يزيدوا على قدر الحاجة.

وقد اختلف فيه على قولين : فقيل : هو حرام. وقيل : هو مكروه ؛ وهو الأصح ؛ فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان والطعمان. وقد ثبت في الصحيح أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر لرجل كافر بحلاب سبع شياه ، فشربها ثم آمن ، فلم يقدر على أكثر من حلب شاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم : المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ؛ وذلك أن القلب لما تنوّر بالتوحيد نظر إلى الطعام بعين التقوّى على الطاعة ، فأخذ منه قدر الحاجة ، وحين كان مظلما بالكفر كان أكله كالبهيمة ترتع حتى تثلط (١).

وقد قال بعض شيوخ الصوفية : إنّ الأمعاء السبعة كناية عن أسباب سبعة يأكل بها النّهم : يأكل للحاجة ، والخبر (٢) ، والنّظر ، والشّم ، واللمس ، والذوق ، ويزيد استغناما.

وقد مهدناه في شرح الصحيح. والله أعلم.

الآية الرابعة (٣) : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ،

__________________

(١) تثلط : تسلح.

(٢) يريد شهوة الأذن بسماعه عن الأكل ووصفه.

(٣) الآية الثانية والثلاثون.

٢٦٠