أحكام القرآن - ج ١

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٣

به أن يخونه أحد شرعا ، نعم يكون ذلك فيهم فجورا وتعدّيا ، وخص النبي صلّى الله عليه وسلّم بالذكر تعظيما لقدره ، وإن كان غيره أيضا لا يجوز أن يخون ، ولكن هو أعظم حرمة.

الثالث ـ ما كان لنبىّ أن يتهم فإنه مبرّأ من ذلك ، وهذا يدل على بطلان قول من قال : إنّ شيطانا لبّس على النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحى وجاءه في صورة ملك ، وهذا باطل قطعا.

وقد بيناه في المشكلين ، وخصصناه برسالة سميناها بكتاب تنبيه النبىّ على مقدار النبي ، وسنذكرها في سورة الحج إن شاء الله تعالى.

الرابع ـ ما كان لنبي أن يغل ـ بفتح الغين ، ولا يعلم ، وإنما يتصوّر ذلك في غير النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ أما النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا خانه أحد أطلعه الله سبحانه عليه.

وهذا أقوى وجوه هذه الآية فقد ثبت في الصحيح أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان على ثقله رجل يقال له كركرة فمات ، فقال النبىّ عليه السلام : هو في النار ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوه قد غلّ عباءة.

وقد روى أبو داود وغيره ، وفي الموطأ أنّ رجلا أصيب يوم خيبر فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : صلّوا على صاحبكم ، فتغيّرت وجوه القوم. فقال صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفسي بيده إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا.

وفي رواية فقال : إن صاحبكم قد غلّ في [١٠٤] سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوى درهمين.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

روى البخاري وغيره عن أبى هريرة قال (١) : قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فذكر الغلول وعظّمه ، وقال : لا ألفينّ أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، وعلى رقبته فرس لها حمحمة يقول : يا رسول الله ، أغثنى. فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلّغت ... الحديث.

المسألة السادسة ـ إذا غلّ الرجل في المغنم فوجدناه أخذناه منه وأدّبناه خلافا للأوزاعى وأحمد وإسحاق من الفقهاء ، وللحسين من التابعين ، حيث قالوا : يحرق رحله إلا الحيوان والسلاح.

__________________

(١) صحيح مسلم : ١٤٦١ ، وابن كثير : ١ ـ ٤٢١ ، وقال : لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.

٣٠١

قال الأوزاعى : إلا السرج ، والإكاف (١) ؛ لحديث أبى داود عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ قال : إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه. رواه أبو داود عن عبد العزيز بن محمد بن أبى زائدة عن سالم عن أبيه عن عمر. ورواه ابن الجارود والدارقطني نحوه. قال ابن الجارود ، عن الذهلي ، عن على بن بحر القطان ، عن الوليد بن مسلم ، عن زهير ابن محمد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده فذكره. وذكر البخاري حديث كركرة المتقدم عن عبد الله بن عمر قال : ولم يذكر عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أحرق متاعه.

وهذا أصحّ. ويحتمل أن يكون النبىّ إنما لم يحرق رحل كركرة ؛ لأنّ كركرة قد فات بالموت ؛ والتحريق إنما هو زجر وردع ، ولا يردع من مات.

والجواب أنه يردع به من بقي ، ويحتمل أنه كان ثم ترك ، ويعضده أنه لا عقوبة في الأموال ، ولكنه يؤدّب بجنايته لخيانته بالإجماع.

المسألة السابعة ـ قال علماؤنا : تحريم الغلول دليل على اشتراك الغانمين في الغنيمة ، فلا يحلّ لأحد أن يستأثر بشيء منها دون الآخر لثلاثة أوجه :

أحدها ـ كان للنبىّ صلّى الله عليه وسلّم سهم الصّفى.

الثاني ـ أنّ الوالي يجوز له أن يأخذ من المغنم ما شاء ، وهذا ركن عظيم وأمر مشكل ، بيانه في سورة الأنفال إن شاء الله.

الثالث ـ في الصحيح ، واللفظ لمسلم ، عن عبد الله بن مغفل قال : أصبت جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته ، وقلت : والله لا أعطى اليوم أحدا شيئا من هذا ، فالتفّت فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبسم. قال علماؤنا : تبسّم النبي صلّى الله عليه وسلّم دليل على أنه رأى حقّا من أخذ الجراب وحقا من الاستبداد به دون الناس ، ولو كان ذلك لا يجوز لم يتبسم منه ولا أقرّه عليه ، لأنه لا يقرّ على الباطل إجماعا كما قرّرناه في الأصول.

المسألة الثامنة ـ إذا ثبت الاشتراك في الغنيمة ، فمن غصب منها شيئا أدّب ، فإن وطئ جارية أو سرق نصابا فاختلف العلماء في إقامة الحدّ عليه ، فرأى جماعة أنه لا قطع عليه ، منهم عبد الملك من أصحابنا ، لأنّ له فيه حقا وكان سهمه كالمشترك المعين.

__________________

(١) الإكاف : البرذعة.

٣٠٢

قلنا : الفرق بين المطلق والمعين ظاهر ، والدليل عليه بيت المال ، وقد منع بيت المال ، وقال : لا يقطع من سرق منه ، وقد قال يقطع ، وفرق بينهما ، فقال : إنّ حظّه في المغنم يورث عنه وحظّه في بيت المال لا يورث عنه ، وهي مشكلة بيناها في الإنصاف.

الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ اختلف الناس في المراد بهذه الآية على قولين :

أحدهما ـ أنهم مانعو الزكاة. الثاني : أنهم أهل الكتاب ، بخلوا [١٠٥] بما عندهم من خبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وصفته ؛ يروى عن ابن عباس.

المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : البخل منع الواجب ، والشحّ منع المستحبّ.

والدليل عليه الكتاب والسنة ؛ أما الكتاب فقوله تعالى (٢) : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). والإيثار مستحبّ ، وسمّى منعه شحّا.

وأما السنّة فثبت برواية الأئمة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (٣) : مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد ؛ فإذا أراد المتصدق أن يتصدّق سبغت ووفرت حتى تجنّ بنانه (٤) وتعفى أثره ، وإذا أراد البخيل أن يتصدّق تقلّصت ولزمت كلّ حلقة مكانها ، فهو يوسع ولا توسع. وهذا من الأمثال البديعة ، بيانه في شرح الحديث.

المسألة الثالثة ـ في المختار الصحيح : أنّ هذه الآية دليل على وجوب الزكاة ؛ لأنّ هذا وعيد لمانعها ، والوعيد المقترن بالفعل المأمور به والمنهي عنه على حسب اقتضاء الوجوب أو التحريم ؛ وهذا الوعيد بالعقاب مفسّر في الحديث الصحيح عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ؛ روى الأئمة عنه أنه قال (٥) : ما من مال لا يؤدّى زكاته إلا جاء يوم القيامة شجاعا أقرع

__________________

(١) الآية الثمانون بعد المائة.

(٢) سورة الحشر ، آية ٩

(٣) صحيح مسلم : ٧٠٨

(٤) في ا : بيانه ، وهو تحريف.

(٥) صحيح مسلم : ٦٨٤ ، وابن كثير : ١ ـ ٤٣٣

٣٠٣

له زبيبتان يأخذه بشدقيه يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا هذه الآية : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ... إلى آخرها.

وهذا نصّ لا يعدل عنه إلى غيره. أما أنّ القول الثاني يدخل في الآية بطريق الأولى ؛ لأنه إذا منع واجبا مما أخبر به صاحب الشريعة فاستحقّ العقاب فمنعه وقطعه لموجب الشريعة ومبلّغها ، وشارحها أولى بوجوب العقاب وتضعيفه.

الآية الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ فيها أربعة أقوال :

الأول ـ الذين يذكرون الله في الصلاة المشتملة على قيام وقعود ومضطجعين على جنوبهم.

الثاني ـ أنها في المريض الذي تختلف أحواله بحسب استطاعته ؛ قاله ابن مسعود.

الثالث ـ أنه الذّكر المطلق.

الرابع ـ قاله ابن فورك : المعنى قياما بحقّ الذّكر وقعودا عن الدعوى فيه.

المسألة الثانية ـ في الأحاديث المناسبة لهذا المعنى ، وهي خمسة :

الأول ـ روى الأئمة عن ابن عباس قال : بتّ عند خالتي ميمونة ... وذكر الحديث إلى قوله : فاستيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل يمسح النوم عن وجهه ، ويقرأ (٢): (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) العشر الآيات.

الثاني ـ روى البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عمران بن حصين أنه كان به باسور ، فسأل النبىّ صلّى الله عليه وسلّم (٣) فقال : صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب.

الثالث ـ روى الأئمة منهم مسلم أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان يذكر الله على كلّ أحيانه

__________________

(١) الآية الواحدة والتسعون بعد المائة.

(٢) الآية التي قبلها ، وهي الآية التسعون بعد المائة.

(٣) ابن كثير : ١ ـ ٤٣٨

٣٠٤

الرابع ـ أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة.

الخامس ـ روى أبو داود (١) أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لما أسنّ وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلّاه يعتمد عليه.

المسألة الثالثة ـ الصحيح أنّ الآية عامة في كل ذكر ، وقد روى [١٠٦] عن مالك : من قدر صلّى قائما ، فإن لم يقدر صلّى معتمدا على عصا ، فإن لم يقدر صلّى جالسا ، فإن لم يقدر صلّى نائما على جنبه الأيمن ، فإن لم يقدر صلّى على جنبه الأيسر ـ وروى على ظهره.

والصحيح الجنب ، واختلف قول مالك فيه ، وما وافق الحديث فيه أولى ، وهو مبيّن في المسائل.

الآية السادسة والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ في شرح ألفاظها :

الصبر : عبارة عن حبس النفس عن شهواتها ، والمصابرة : إدامة مخالفتها في ذلك ؛ فهي تدعو وهو ينزع. والمرابطة : العقد على الشيء حتى لا يبخل فيعود إلى ما كان صبر عنه.

المسألة الثانية ـ في الأقوال :

فيها ثلاثة أقوال :

الأول ـ اصبروا على دينكم ، وصابروا وعدى لكم ، ورابطوا أعداءكم.

الثاني ـ اصبروا على الجهاد ، وصابروا العدوّ ، ورابطوا الخيل.

الثالث ـ مثله إلا قوله : رابطوا ؛ فإنه أراد بذلك رابطوا الصلوات.

المسألة الثالثة ـ في حقيقة ذلك ، وهو أنّ الصبر : حبس النفس عن مكروهها المختصّ بها. والمصابرة : حمل مكروه يكون بها وبغيرها ؛ الأول كالمرض ، والثاني كالجهاد.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٥١٤

(٢) الآية المكملة للمائتين ، وللسورة.

٣٠٥

والرباط : حمل النفس على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة ، ومن أعظمه ارتباط الخيل في سبيل الله ، وارتباط النفس على الصلوات ، على ما جاء في الحديث الصحيح ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١) : الخيل ثلاثة : لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات. ولو أنها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات فهي له أجر. وذكر الحديث.

وقال عليه السلام (٢) : ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ـ ثلاثا.

فبيّن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ أولاه وأفضله في نوعي الطاعة المتعدى بالمنفعة إلى الغير وهو الأفضل ، وإلزام المختصّ بالفاعل وهو دونه ، وبعد ذلك تتفاضل العقائد والأعمال بحسب متعلّقاتها ، وليس ذلك من الأحكام فنفيض فيه.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦٨١

(٢) ابن ماجة : ١٤٨ ، ٢٥٥

٣٠٦

سورة النّساء

فيها إحدى وستون آية

الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ).

المعنى اتقوا الله أن تعصوه ، واتّقوا الأرحام أن تقطعوها.

ومن قرأ والأرحام فقد أكّدها حتى قرنها بنفسه.

وقد اتفقت الملة أنّ صلة ذوى الأرحام واجبة وأنّ قطيعتها محرّمة ، وثبت أنّ أسماء بنت أبى بكر قالت : إنّ أمى قدمت علىّ راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال : نعم ، صلى أمّك.

فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الرحم الكافرة ، فانتهى الحال بأبى حنيفة وأصحابه إلى أن يقولوا : إنّ ذوى الأرحام يتوارثون ، ويعتقون على من اشتراهم من ذوى رحمهم ، لحرمة الرحم وتأكيدا للبعضية ، وعضد ذلك [١٠٧] بما رواه أبو هريرة وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال (٢) : من ملك ذا رحم محرّم فهو حرّ.

قال علماؤنا : وما بينهم من تعصبة وما يجب للرحم عليهم من صلة معلوم عقلا مؤكّد شرعا ، لكن قضاء الميراث قد أحكمته السنّة والشريعة ، وبيّنت أعيان الوارثين ، ولو كان لهم في الميراث حظّ لفصّل لهم ، أما الحكم بالعتق فقد نقضوه ، فإنهم لم يعلقوه بالرحم المطلقة حسبما قضى ظاهر القرآن ، وإنما أناطوه برحم المحرمية ؛ وذلك خروج عن ظاهر القرآن وتعلّق بإشارة الحديث.

وقد تكلمنا على ذلك في مسائل الخلاف بما نكتته أنه عموم خصّصناه في الآباء والأولاد والإخوة على أحد القولين ، بدليل المعنى المقرر هنالك.

الآية الثانية ـ قوله تعالى (٣) : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).

__________________

(١) من الآية الأولى من السورة.

(٢) ابن ماجة : ٢٥٢٤ ، ٢٥٢٥

(٣) الآية الثانية.

٣٠٧

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (وَآتُوا) معناه وأعطوا ، أى مكّنوهم منها ، واجعلوها في أيديهم ، وذلك لوجهين :

أحدهما ـ إجراء الطعام والكسوة ؛ إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحقّ الأخذ الكلّى والاستبداد.

الثاني ـ رفع اليد عنها بالكلية ، وذلك عند الابتلاء والإرشاد.

المسألة الثانية ـ قوله : (الْيَتامى).

وهو عند العرب اسم لكلّ من لا أب له من الآدميين حتى يبلغ الحلم ، فإذا بلغه خرج عن هذا الاسم ، وصار في جملة الرجال.

وحقيقة اليتم الانفراد ؛ فإن رشد عند البلوغ واستقلّ بنفسه في النظر لها ، والمعرفة بمصالحها ، والنظر بوجوه الأخذ والإعطاء منها زال عنه اسم اليتم ومعناه من الحجر ، وإن بلغ الحلم وهو مستمرّ في غرارته وسفهه متماد على جهالته زال عنه اسم اليتم حقيقة ، وبقي عليه حكم الحجر ، وتمادى عليه الاسم مجازا لبقاء الحكم عليه.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ).

كانوا في الجاهلية لعدم الدّين لا يتحرّجون عن أموال اليتامى ، فيأخذون أموال اليتامى ويبدّلونها بأموالهم ، ويقولون : اسم باسم ورأس برأس ، مثل أن يكون لليتيم مائة شاة جياد فيبدلونها بمائة شاة هزلى لهم ، ويقولون : مائة بمائة ؛ فنهاهم الله عنها.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) :

قال علماؤنا : معنى تأكلوا تجمعوا وتضمّوا أموالهم إلى أموالكم ، ولأجل ذلك قال بعض الناس : معناه مع أموالكم.

والمعنى الذي يسلم معه اللفظ ما قلنا : نهوا أن يعتقدوا أنّ أموال اليتامى كأموالهم ويتسلّطون عليها بالأكل والانتفاع.

المسألة الخامسة ـ روى أنّ هذه الآية لما نزلت اعتزل كلّ ولىّ يتيمه ، وأزال ملكه عن ملكه حتى آلت الحال أن يصنع لليتيم معاشه فيأكله ، فإن بقي له شيء فسد ولم يقربه

٣٠٨

أحد ، فعاد (١) ذلك بالضرر عليهم ، فأرخص الله سبحانه في المخالطة قصدا للإصلاح ، ونزلت هذه (٢) : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).

المسألة السادسة ـ إن كان المعنى بالآية الإنفاق فذلك يكون ما دامت الولاية ، ويكون اسم اليتم حقيقة كما قدمناه. وإن كان الإيتاء هو التمكين وإسلام المال إليه فذلك عند الرشد ، ويكون تسميته يتيما مجازا ؛ المعنى الذي كان يتيما.

وقال أبو حنيفة : إذا بلغ اليتيم خمسا وعشرين سنة أعطى ماله على أى حال كان.

وهذا باطل ؛ فإنّ الآية المطلقة مردودة إلى المقيدة [١٠٨] عندنا.

والمعنى الجامع بينهما أنّ العلة التي لأجلها منع اليتيم من ماله هي خوف التلف عليه بغرارته وسفهه ؛ فما دامت العلّة مستمرة لا يرتفع الحكم ، وإذا زالت العلّة زال الحكم ؛ وهذا هو المعنى بقوله سبحانه (٣) : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ).

وقد بينّا وجوب حمل المطلق على المقيّد ، وتحقيقه في أصول الفقه والمسائل ، وهبكم أنّا لا نحمل المطلق على المقيد فالحكم بخمس وعشرين سنة لا وجه له ، لا سيما وأبو حنيفة يرى المقدّرات لا تثبت قياسا ، وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة نصّ ولا قول من جميع وجوهه ، ولا يشهد له المعنى.

الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٤) : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

فيها اثنتا عشرة مسألة :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :

ثبت في الصحيح أنّ عروة (٥) سأل عائشة عن هذه الآية ، فقالت : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، ويريد أن يتزوّجها ، ولا يقسط

__________________

(١) في ا : عاد ، وهو تحريف.

(٢) سورة البقرة ، آية : ٢٢٠

(٣) سورة النساء ، آية ٦

(٤) الآية الثالثة من السورة.

(٥) ابن كثير : ١ ـ ٤٤٩

٣٠٩

لها في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن حتى يقسطوا لهنّ ، ويعطوهن أعلى سنتهن في الصّداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ.

قال عروة : قالت عائشة : وإنّ الناس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية ، فأنزل الله تبارك وتعالى (١) : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ).

قالت عائشة رضى الله عنها : وقول الله سبحانه في آية أخرى (٢) : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) هي رغبة أحدهم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إن كنّ قليلات المال والجمال ، وهذا نص كتابي البخاري والترمذي ، وفي ذلك من الحشو روايات لا فائدة في ذكرها هاهنا ، يرجع معناها إلى قول عائشة رضى الله عنها.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ).

قال جماعة من المفسرين : معناه أيقنتم وعلمتم ؛ والخوف وإن كان في اللغة بمعنى الظن الذي يترجّح وجوده على عدمه فإنه قد يأتى بمعنى اليقين والعلم.

والصحيح عندي أنه على بابه من الظن لا من اليقين ؛ التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها.

المسألة الثالثة ـ دليل الخطاب ، وإن اختلف العلماء في القول به ؛ فإنّ دليل خطاب هذه الآية ساقط بالإجماع ، فإنّ كلّ من علم أنه يقسط لليتيمة جاز له أن يتزوّج سواها ، كما يجوز ذلك له إذا خاف ألّا يقسط.

المسألة الرابعة ـ تعلّق أبو حنيفة بقوله (فِي الْيَتامى) في تجويز نكاح اليتيمة قبل البلوغ.

وقال مالك والشافعى : لا يجوز ذلك حتى تبلغ وتستأمر ويصحّ إذنها.

وفي بعض رواياتنا إذا افتقرت أو عدمت الصيانة جاز إنكاحها قبل البلوغ.

والمختار لأبى حنيفة أنها إنما تكون يتيمة قبل البلوغ ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة لا يتيمة.

قلنا : المراد به يتيمة بالغة ، بدليل قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ، وهو اسم إنما ينطلق

__________________

(١) سورة النساء ، آية : ١٢٧

(٢) هي الآية السابقة نفسها من سورة النساء ، آية : ١٢٧

٣١٠

على الكبار ، وكذلك قال (١) : (فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) ، فراعى لفظ النساء ، ويحمل اليتم على الاستصحاب للاسم.

فإن قيل : لو أراد البالغة لما نهى عن حطّها عن صداق مثلها ؛ لأنها تختار [١٠٩] ذلك ، فيجوز إجماعا.

قلنا : إنما هو محمول على وجهين :

أحدهما ـ أن تكون ذات وصىّ. والثاني ـ أن يكون محمولا على استظهار الولىّ عليها بالرجولية والولاية ، فيستضعفها لأجل ذلك ، ويتزوجها بما شاء ، ولا يمكّنها خلافه ؛ فنهوا عن ذلك إلا بالحق الوافر.

وقد وفرنا الكلام في هذه المسألة في التخليص ، وروينا في ذلك حديث الموطأ (٢) : الثيّب أحقّ بنفسها من وليها.

وقد روى عن مالك رضى الله عنه : واليتيمة تستأمر في نفسها ولا إذن لمن لم يبلغ.

وروى الدارقطنىّ وغيره ، وقال : زوّج قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون ، فجاء المغيرة إلى أمّها فرغّبها في المال فرغبت ، فقال قدامة : أنا عمّها ووصىّ أبيها ، زوّجتها ممن أعرف فضله. فترافعوا إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : إنها يتيمة لا تنكح إلا بإذنها.

قال أصحاب أبى حنيفة : تحمل هذه الألفاظ على البالغة بدليل قوله : إلّا بإذنها ، وليس للصغيرة إذن.

وقد أطنبنا في الجواب في مسائل الخلاف ، أقواه (٣) أنه لو كان كما قالوا لم يكن لذكر اليتم معنى ؛ لأنّ البالغة لا يزوّجها أحد إلّا بإذنها.

المسألة الخامسة ـ قال علماؤنا :

في هذه الآية دليل على أنّ مهر المثل واجب في النكاح لا يسقط إلّا بإسقاط الزوجة أو من يملك ذلك منها من أب ؛ فأمّا الوصىّ فمن دونه فلا يزوّجها إلا بمهر مثلها وسنّتها.

وسئل مالك رضى الله عنه عن رجل زوّج ابنته غنية من ابن أخ له فقير ؛ فاعترضت أمّها ؛

__________________

(١) سورة النساء ، آية : ١٢٧

(٢) ابن ماجة : ٦٠٢

(٣) يريد أقوى جواب.

٣١١

فقال : إنى لأرى لها في ذلك متكلّما ، فسوّغ لها في ذلك الكلام حتى يظهر هو في نظره ما يسقط اعتراض الأم عليه.

وروى : ما أرى لها في ذلك متكلّما ، بزيادة الألف على النفي ، والأول أصح.

المسألة السادسة ـ قال علماؤنا : إذا بلغت اليتيمة وأقسط الولىّ في الصداق جاز له أن يتزوّجها ويكون هو الناكح والمنكح ؛ وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعىّ : لا يجوز له أن يتولّى طرفي العقد بنفسه ، فيكون ناكحا منكحا حتى يقدم الولىّ من ينكحها.

ومال الشافعى إلى أن تعديد الناكح والمنكح والولىّ تعبّد ، فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد من المذكورين في الحديث حين قال (١) : لا نكاح إلّا بولىّ وشاهدي عدل ... الحديث.

الجواب : إنّا لا نقول : إن للتعبد مدخلا في هذا ، وإنما أعلم الله عزّ وجل الخلق ارتباط العقد بالولىّ ، فأما التعدّد والتعبد فلا مدخل له ، ولا دليل عليه ، ولا نظر له ؛ وقد مهّدنا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).

اختلف الناس فيه ؛ فمنهم من ردّه إلى العقد ، ومنهم من ردّه إلى المعقود عليه ؛ والصحيح رجوعه إلى المعقود عليه. التقدير : انكحوا من حلّ لكم من النساء ، وهذا يدفع قول من قال : إنه يرجع إلى العقد ، ويكون التقدير : انكحوا نكاحا طيبا.

المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

قد توهّم قوم من الجهّال أنّ هذه الآية تبيح للرجل تسع نسوة ، ولم يعلموا أنّ مثنى عند العرب عبارة عن اثنين مرتين ، وثلاث عبارة عن ثلاث مرتين ، ورباع عبارة عن أربع مرتين ، فيخرج من ظاهره على مقتضى اللغة إباحة [١١٠] ثماني عشرة امرأة : لأن مجموع اثنين وثلاثة وأربعة تسعة ، وعضدوا جهالتهم بأنّ النبي عليه السلام كان تحته تسع نسوة ، وقد كان تحت النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر من تسع ، وإنما مات عن تسع ، وله في النكاح وفي غيره خصائص ليست لأحد ، بيانها في سورة الأحزاب.

__________________

(١) ابن ماجة : ١٨٨٠

٣١٢

ولو قال ربنا تبارك وتعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين وثلاثا وأربعا لما خرج من ذلك جواز نكاح التسع ؛ لأنّ مقصود الكلام ونظام المعنى فيه : فلكم نكاح أربع ، فإن لم تعدلوا فثلاثة ، فإن لم تعدلوا فاثنتين ؛ فإن لم تعدلوا فواحدة ؛ فنقل العاجز عن هذه الرتب إلى منتهى قدرته ، وهي الواحدة من ابتداء الحلّ ، وهي الأربع ، ولو كان المراد تسع نسوة لكان تقدير الكلام : فانكحوا تسع نسوة ، فإن لم تعدلوا فواحدة ، وهذا من ركيك البيان الذي لا يليق بالقرآن ، لا سيما وقد ثبت (١) من رواية أبى داود والدارقطني وغيرهما أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال لغيلان الثقفي حين أسلم ، وتحته عشر نسوة : اختر منهنّ أربعا وفارق سائرهنّ.

المسألة التاسعة ـ من البيّن على من رزقه الله تعالى فهما في كتاب الله أنّ العبد لا مدخل له في هذه الآية في نكاح أربع ؛ لأنها خطاب لمن ولى وملك وتولّى وتوصّى ، وليس للعبد شيء من ذلك ، لأنّ هذه صفات الأحرار المالكين الذين يلون الأيتام تحت نظرهم ؛ ينكح إذا رأى ، ويتوقّف إذا أراد. ثم قال الشافعى : لا ينكح إلا اثنتين ، وبه قال مالك في إحدى روايتيه ، وفي مشهور قوليه إنه يتزوّج أربعا من دليل آخر ، وذلك مبيّن في مسائل الخلاف. المسألة العاشرة ـ قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا).

قال علماؤنا : معناه في القسم بين الزوجات والتسوية في حقوق النكاح ، وهو فرض ، وقد كان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يعتمده ويقدر عليه ويقول : إذا فعل الظاهر من ذلك في الأفعال ووجد قلبه الكريم السليم يميل إلى عائشة : اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ، يعنى قلبه ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يكلّف أحدا صرف قلبه عن ذلك ، لما فيه من المشقة ، وربما فات القدرة ؛ وأخذ الخلق باعتداد الظاهر لتيسّره على العاقل ، فإذا قدر الرجل من ماله ومن بنيته على نكاح أربع فليفعل ، وإذا لم يحتمل ماله ولا بنيته في الباءة ذلك فليقتصر على ما يقدر عليه ، ومعلوم أنّ كلّ من كانت عنده واحدة أنه إن نالها فحسن وإن قعد عنها هان ذلك عليها ، بخلاف أن تكون عنده أخرى فإنه إذا أمسك عنها اعتقدت أنه يتوفّر للأخرى ، فيقع النزاع وتذهب الألفة.

__________________

(١) ابن كثير : ١ ـ ٤٥٠

٣١٣

المسألة الحادية عشرة ـ قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

قال علماؤنا : هذا دليل على أنّ ملك اليمين لا حقّ للوطء فيه ولا للقسم ؛ لأنّ المعنى فإن خفتم إلّا تعدلوا في القسم فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، فجعل ملك اليمين كله بمنزلة الواحدة ؛ فانتفى بذلك أن يكون لملكه حقّ في الوطء أو في القسم ، وحقّ ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكية والرفق بالرقيق.

المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

اختلف الناس في تأويله على ثلاثة أقوال :

الأول ـ ألّا يكثر عيالكم ؛ قاله الشافعى.

الثاني ـ ألّا تضلّوا ؛ قاله مجاهد.

الثالث ـ ألّا تميلوا ؛ قاله ابن عباس والناس.

وقد تكلمنا عليه في رسالة [١١١] ملجئة المتفقهين بشيء لم نر أن نختصره هاهنا :

قلنا : أعجب أصحاب الشافعى بكلامه هذا ، وقالوا : هو حجّة لمنزلة الشافعى في اللغة ، وشهرته في العربية ، والاعتراف له بالفصاحة حتى لقد قال الجويني : هو أفصح من نطق بالضاد ، مع غوصه على المعاني ، ومعرفته بالأصول ؛ واعتقدوا أنّ معنى الآية : فانكحوا واحدة إن خفتم أن يكثر عيالكم ، فذلك أقرب إلى أن تنتفى عنكم كثرة العيال.

قال الشافعى : وهذا يدلّ على أنّ نفقة المرأة على الزوج. وقال أصحابه : لو كان المراد بالعول هاهنا الميل لم تكن فيه فائدة ؛ لأنّ الميل لا يختلف بكثرة عدد النساء وقلتهنّ ، وإنما يختلف بالقيام بحقوق النساء ؛ فإنهنّ إذا كثرن تكاثرت الحقوق.

قال ابن العربي : كلّ ما قال الشافعى أو قيل عنه أو وصف به فهو كلّه جزء من مالك ، ونغبة (١) من بحره ؛ ومالك أوعى سمعا ، وأثقب فهما ، وأفصح لسانا ، وأبرع بيانا ، وأبدع وصفا ، ويدلّك على ذلك مقابلة قول بقول في كل مسألة وفصل.

والذي يكشف لك ذلك في هذه المسألة البحث عن معاني قولك «عال» لغة حتى إذا عرفته ركبت عليه معنى الآية ، وحكمت بما يصحّ به لفظا ومعنى.

__________________

(١) نغبة : جرعة ، وهي بفتح النون وضمها.

٣١٤

وقد قال علماؤنا فيه سبعة معان : الأول الميل ؛ قال يعقوب : عال الرجل إذا مال ، قال الله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

وفي العين : العول : الميل في الحكم إلى الجور ، وعال السهم عن الهدف : مال عنه ، وقال ابن عمر : إنه لعائل الكيل والوزن ، وينشد لأبى طالب (١) :

بميزان قسط لا يغلّ (٢) شعيرة

له شاهد من نفسه غير عائل

الثاني ـ عال : زاد. الثالث ـ عال : جار في الحكم. قالت الخنساء (٣) :

ويكفى العشيرة ما عالها

الرابع ـ عال : افتقر. قال الله تعالى (٤) : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).

الخامس ـ عال : أثقل ؛ قاله ابن دريد ، وربما كان ذلك معنى بيت الخنساء ، وكان به أقعد.

السادس ـ قام بمئونة العائل ، ومنه قوله عليه السلام : ابدأ بمن تعول.

السابع ـ عال : غلب ، ومنه عيل صبره ، أى غلب.

هذه معانيه السبعة ليس لها ثامن ، ويقال : أعال الرجل كثر عياله ، وبناء عال يتعدى ويلزم ، ويدخل بعضه على بعض ، وقد بينّا تفصيل ذلك في ملجئة المتفقهين ، كما قدّمنا في مسألة مثنى وثلاث ورباع مفصّلا بجميع وجوهه.

فإذا ثبت هذا فقد شهد لك اللفظ والمعنى بما قاله مالك ؛ أما اللفظ فلأنّ قوله تعالى: (تَعُولُوا) فعل ثلاثي يستعمل في الميل الذي ترجع إليه معاني «ع ول» كلها ، والفعل في كثرة العيال رباعي لا مدخل له في الآية ، فقد ذهبت الفصاحة ولم تنفع الضاد المنطوق بها على الاختصاص.

وأما المعنى فلأنّ الله تعالى قال : ذلك أدنى ، أقرب إلى أن ينتفى العول ـ يعنى الميل ، فإنه إذا كانت واحدة عدم الميل ، وإذا كانت ثلاثا فالميل أقل ، وهكذا في اثنتين ؛ فأرشد الله الخلق إذا خافوا عدم القسط والعدل بالوقوع في الميل مع اليتامى أن يأخذوا من الأجانب أربعا إلى واحدة ؛ فذلك أقرب إلى أن يقلّ الميل في اليتامى وفي الأعداد المأذون فيها ،

__________________

(١) اللسان ـ مادة عيل.

(٢) في ا : لا يعيل ، والمثبت من اللسان.

(٣) الديوان : ٧٦ ، والرواية فيه :

وليس بأولى ولكنه

سيكفى العشيرة ما غالها

(٤) سورة التوبة ، آية : ٢٨

٣١٥

أو ينتفى ؛ وذلك هو المراد ، فأما كثرة العيال فلا يصح أن يقال : ذلك أقرب إلى ألّا يكثر عيالكم.

الآية الرابعة ـ قوله تعالى (١) : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ من المخاطب بالإيتاء؟

وقد اختلف الناس [١١٢] في ذلك على قولين :

أحدهما ـ أنّ المراد بذلك الأزواج. الثاني ـ أنّ المراد به الأولياء ؛ قاله أبو صالح.

واتفق الناس على الأول ؛ وهو الصحيح ؛ لأنّ الضمائر واحدة ؛ إذ هي معطوفة بعضها على بعض في نسق واحد ، وهي فيما تقدّم بجملته الأزواج ؛ فهم المراد هاهنا ؛ لأنه تعالى قال (٢) : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ، ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا. وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) ...

فوجب تناسق الضمائر ، وأن يكون الأول هو الآخر فيها أو منها.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (نِحْلَةً).

وهي في اللغة عبارة عن العطيّة الخالية عن العوض ، واختلف في المراد بها هاهنا على ثلاثة أقوال :

الأول ـ معناه : طيبوا نفسا بالصداق ، كما تطيبون بسائر النّحل والهبات.

الثاني ـ معناه نحلة من الله تعالى للنساء ؛ فإن الأولياء كانوا يأخذونها في الجاهلية ، فانتزعها الله سبحانه منهم ونحلها النساء.

الثالث ـ أنّ معناه عطية من الله ؛ فإنّ الناس كانوا يتناكحون في الجاهلية بالشّغار (٣) ويخلون النكاح من الصداق ؛ ففرضه الله تعالى للنساء ونحله إياهنّ.

المسألة الثالثة ـ قال أصحاب الشافعى : النكاح عقد معاوضة انعقد بين الزوجين ، فكلّ

__________________

(١) الآية الرابعة من السورة.

(٢) الآية السابقة : ٣

(٣) الشغار : نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختى ، على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى. وفي الحديث : لا شغار في الإسلام.

٣١٦

واحد منهما بدل عن صاحبه ، ومنفعة كلّ واحد منهما لصاحبه عوض عن منفعة الآخر ، والصّداق زيادة فرضه الله تعالى على الزواج لما جعل له في النكاح من الدرجة ، ولأجل خروجه عن رسم العوضية جاز إخلاء النكاح عنه ، والسكوت عن ذكره ، ثم يفرض بعد ذلك بالقول ، أو يجب بالوطء.

وكذلك أيضا قالوا : لو فسد الصداق لما تعدّى فساده إلى النكاح ، ولا يفسخ النكاح بفسخه لمّا كان معنى زائدا على عقده وصلة في حقه ، فإن طابت المرأة نفسا بعد وجوبه بهبته للزوج وحطّه فهو حلال له ، وإن أبت فهي على حقها فيه ، كانت بكرا أو ثيّبا حسبما اقتضاه عموم القرآن في ذلك.

وقال علماؤنا : إنّ الله سبحانه جعل الصّداق عوضا ، وأجراه مجرى سائر أعواض المعاملات المتقابلات ، بدليل قوله تعالى : (١) (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ؛ فسماه أجرا ، فوجب أن يخرج به عن حكم النّحل إلى حكم المعاوضات.

وأما تعلّقهم بأنّ كلّ واحد من الزوجين يتمتّع بصاحبه ويقابله في عقد النكاح ، وأنّ الصداق زيادة فيه فليس كذلك ؛ بل وجب الصداق على الزوج ليملك به السلطنة على المرأة ، وينزل معها منزلة المالك مع المملوك فيما بذل من العوض فيه ، فتكون منفعتها بذلك له فلا تصوم إلّا بإذنه ، ولا تحجّ إلا بإذنه ، ولا تفارق منزلها إلّا بإذنه ، ويتعلق حكمه بمالها كلّه حتى لا يكون لها منه إلّا ثلثه ، فما ظنّك ببدنها.

وقد روى عن مالك أنه قال : يفسد النكاح لفساده ، فيفسخ قبل وبعد.

والمشهور أنه يفسخ قبل الدخول ، ويثبت بعده ، لما فات من الانتفاع ومضى من الاستمتاع.

وروى أنه لا يفسخ لا قبله ولا بعده ، على ما تقرّر في المسائل الخلافية.

وأما طيب نفس المرأة به إن كانت مالكة فصحيح داخل تحت العموم.

وأما البكر فلم تدخل تحت العموم ؛ لأنها لا تملك مالها ، كما لم تدخل فيه الصغيرة عندهم والمجنونة والأمة. وإن كنّ من الأزواج ، [١١٣] ولكن راعى قيام الرّشد ، ودليل التملك للمال

__________________

(١) سورة النساء ، آية : ٢٤

٣١٧

دون ظاهر العموم في الزوجات ، كذلك فعلنا نحن في البكر ؛ وقد بينّا أدلّة قصورها عن النظر لنفسها في المسائل الخلافية ، وهذه مسألة عظيمة الموقع ، وفي الذي أشرنا إليه من النكت كفاية للبيب المنصف.

المسألة الرابعة ـ اتفق العلماء على أنّ المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ولا رجوع لها فيه ، إلا أنّ شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ؛ وإذا قامت طالبة له لم تطب به نفسا ، وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل ، فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ؛ وهذا بيّن.

الآية الخامسة ـ قوله تعالى (١) : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في السّفه ، وقد تقدم بيانه في آية الدّين في سورة البقرة (٢) ، والمراد به ها هنا الصغيرة والمرأة التي لم تجرّب.

وقد قال بعض الناس : إنّ السفه صفة ذمّ ، والصغيرة والمرأة لا تستحقان ذمّا.

وهذا ضعيف ؛ فإنّ النبىّ عليه السلام قد وصف المرأة بنقصان الدين والعقل ، وكذلك الصغير موصوف بالغرارة والنّقص ، وإن كانا لم يفعلا ذلك بأنفسهما ، لكنهما لا يلامان على ذلك ، فنهى الله سبحانه عن إيتاء المال إليهم ، وتمكينهم منه ، وجعله في أيديهم ؛ ويجوز هبة ذلك لهم ، فيكون للسفهاء ملكا ولكن لا يكون لهم عليه يد.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (أَمْوالَكُمُ).

اختلف في هذه الإضافة على قولين :

أحدهما ـ أنها حقيقة ، والمراد نهى الرجل أو المكلّف أن يؤتى ماله سفهاء أولاده ؛ فيضيّعونه ويرجعون عيالا عليه.

والثاني ـ أنّ المراد به نهى الأولياء عن إيتاء السفهاء من أموالهم وإضافتها إلى الأولياء؛

__________________

(١) الآية الخامسة من السورة.

(٢) صفحة ٢٦٤ من هذا الكتاب.

٣١٨

لأنّ الأموال مشتركة بين الخلق ، تنتقل من يد إلى يد ، وتخرج عن ملك إلى ملك ، وهذا كقوله تعالى (١) : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) : معناه لا يقتل بعضكم بعضا ؛ فيقتل القاتل فيكون قد قتل نفسه ، وكذلك إذا أعطى المال سفيها فأفسده رجع النقصان إلى الكل.

والصحيح أنّ المراد به الجميع ، لقوله تعالى : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) ، وهذا عامّ في كل حال.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ).

لا يخلو أن يكون المراد بذلك ولىّ اليتيم ؛ فهو مخاطب بالتقدير المتقدّم من اشتراك الخلق في الأموال ، وإن كان المخاطب به الآباء ، فهذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

المعنى ـ لا تجمعوا بين الحرمان وجفاء القول لهم ، ولكن حسّنوا لهم الكلام ؛ مثل أن يقول الرجل لوليه : أنا أنظر إليك ، وهذا الاحتياط يرجع نفعه إليك. ويقول الأب لابنه : مالي إليك مصيره ، وأنت إن شاء الله صاحبه إذا ملكتم رشدكم وعرفتم تصرّفكم.

الآية السادسة ـ قوله تعالى (٢) : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).

فيها خمس عشرة مسألة :

المسألة الأولى ـ الابتلاء هنا الاختبار ، لتحصل معرفة ما غاب من علم العاقبة أو الباطن عن الطالب لذلك.

المسألة الثانية ـ قوله [١١٤] تعالى : (الْيَتامى) قد تقدم (٣) بيانه.

المسألة الثالثة ـ في وجه تخصيص اليتامى :

وهو أنّ الضعيف العاجز عن النظر لنفسه ومصلحته لا يخلو أن يكون له أب يحوطه،

__________________

(١) سورة النساء ، آية ٢٩

(٢) الآية السادسة.

(٣) صفحة ١٥٤ من هذا الجزء.

٣١٩

أو لا أب له ؛ فإن كان له أب فما عنده من غلبة الحنوّ وعظيم الشفقة يغنى عن الوصية به والاهتبال (١) بأمره.

فأما الذي لا أب له فخصّ بالتنبيه على أمره لذلك والوصية به ، وإلّا فكذلك يفعل الأب بولده الصغار أو الضعفاء فإنه يبتليهم ويختبر أحوالهم.

المسألة الرابعة ـ في كيفية الابتلاء ، وهو بوجهين :

أحدهما ـ يتأمّل أخلاق يتيمه ، ويستمع إلى أغراضه ، فيحصل له العلم بنجابته ، والمعرفة بالسعي في مصالحه ، وضبط ماله ، أو الإهمال لذلك ؛ فإذا توسّم الخير قال علماؤنا : لا بأس أن يدفع إليه شيئا من ماله ، وهو الثاني ، ويكون يسيرا ، ويبيح له التصرف فيه ؛ فإن نمّاه وأحسن (٢) النظر فيه فقد وقع الاختيار ، فليسلّم إليه ماله جميعه ، وإن أساء النظر فيه وجب عليه إمساك ماله عنه.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ).

يعنى القدرة على الوطء ، وذلك في الذكور بالاحتلام ، فإن عدم فالسنّ ، وذلك خمس عشرة سنة في رواية ، وثماني عشرة في أخرى.

وقد ثبت في الصحيح (٣) أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ردّ ابن عمر في أحد ابن أربع عشرة سنة ، وجوّزه في الخندق ابن خمس عشرة سنة ، وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز ، واختاره الشافعى وغيره.

قال علماؤنا : إنما كان ذلك نظرا إلى إطاقة القتال لا إلى الاحتلام ، فإن لم يكن هذا دليلا فكلّ عدد من السنين يذكر فإنه دعوى ، والسنّ التي اعتبرها النبىّ عليه السلام أولى من سنّ لم يعتبرها ، ولا قام في الشرع دليل عليها.

وكذلك اعتبر النبىّ صلّى الله عليه وسلّم الإنبات في بنى قريظة ؛ فمن عذيري ممّن يترك أمرين اعتبرهما النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ، فيتأوله ويعتبر ما لم يعتبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لفظا ، ولا جعل له في الشريعة نظرا.

__________________

(١) الاهتبال : الاحتيال.

(٢) في ا : وحسن.

(٣) صحيح مسلم : ١٤٩٠

٣٢٠