أحكام القرآن - ج ١

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٣

وهذا ظاهر جدا ، لكن عندنا إذا رهنه قولا وأبى عن الإقباض أجبر عليه ، وقد بينّا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة الرابعة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) يقتضى بظاهره ومطلقه أنّ الرهن إذا خرج عن يد صاحبه فإنه مقبوض صحيح يوجب الحكم ويختصّ بما ارتهن به دون الغرماء عند (١) كافة العلماء.

وقال عطاء وغيره : لا يكون مقبوضا إلا إن كان عند المرتهن ، وإذا صار عند العدل فهو مقبوض لغة مقبوض حقيقة ؛ لأنّ العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل له. وهذا ظاهر.

المسألة الخامسة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) : يقتضى بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع ، خلافا لأبى حنيفة ؛ لأنه لو لم يصح رهنه لم يصح بيعه ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى القبض افتقار الرهن بل أشدّ منه ، وهذا بيّن ، والله أعلم.

المسألة السادسة والأربعون ـ إذا قبض الرهن لم يجز انتزاعه من يده خلافا لبعض أصحاب الشافعىّ ؛ لأنه إذا انتزعه من يده فقد خرج عن الصفة التي وجبت له من القبض ، وترتّب عليها الحكم ، وهذا بيّن ظاهر.

المسألة السابعة والأربعون ـ كما يجوز رهن العين كذلك يجوز رهن الدّين ، وذلك عندنا إذا تعامل رجلان لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي له عليه ، وكان قبضه قبضا. وقال غيرنا من العلماء : لا يكون قبضا.

وكذلك إذا وهبت المرأة كالئها (٢) لزوجها جاز ، ويكون قبوله قبضا. وخالفنا فيه أيضا غيرنا من العلماء ؛ وما قلناه أصحّ ؛ لأنّ الذي في الذمّة آكد قبضا من المعيّن ؛ وهذا لا يخفى.

المسألة الثامنة والأربعون ـ إن الله سبحانه قال : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) فجعل الله تعالى الرهن قائما مقام الشاهد ؛ فقال علماؤنا : إذا اختلف الراهن والمرتهن فالقول قول المرتهن ما بينه وبين قيمة الرهن.

__________________

(١) في ا : عن.

(٢) الكالئ : النسيئة.

٢٦١

وخالفنا أبو حنيفة والشافعىّ وقالا : القول قول الراهن.

وما قلناه يشهد له ظاهر القرآن كما قدمناه.

وعادة الناس في ارتهانهم ما يكون قدر الدين في معاملتهم. فإذا قال المرتهن : ديني مائة ، وقال الراهن : خمسون ، صار الرهن شاهدا يحلف المدعى معه كما يحلف مع الشاهد. وإن قال المرتهن : ديني مائة وخمسون صار مدّعيا في الخمسين.

ولو هلك الرّهن فقد قال أصحاب الشافعى : لا يسقط الدين ، لأنّ الرهن وثيقة ، وظنّوا بنا أنّ الدّين يسقط بهلاك الرهن ، ونحن نقول : إنما نستوفى به إذا هلك ، وكان مما يعاب عليه ، وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة التاسعة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).

معناه إن أسقط الكتاب والإشهاد والرهن ، وعوّل على أمانة المعامل ، فليؤدّ الذي ائتمن الأمانة وليتّق الله ربّه.

وقد اختلف العلماء في ذلك كما بيناه ، ولو كان الإشهاد واجبا لما جاز إسقاطه ، وبهذا يتبيّن أنه وثيقة ، وكذلك هو عندنا في النكاح.

وقال المخالفون : هو واجب في النكاح ، وسيأتى في سورة الطلاق إن شاء الله تعالى.

وقد قال بعض الناس : إنّ هذا ناسخ للأمر بالإشهاد ، وتابعهم جماعة ؛ ولا منازعة عندنا في ذلك ؛ بل هو جائز ، وحبذا الموافقة في المذهب ، ولا نبالى من الاختلاف في الدليل.

وجملة الأمر أن الإشهاد حزم ، والائتمان وثيقة بالله من المداين ، ومروءة من المدين ، وفي الحديث الثابت الصحيح عن أبى هريرة (١) قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : ذكر أنّ رجلا من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيدا. قال : فأتنى بالكفيل. قال : كفى بالله كفيلا. قال : صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى. فخرج الرجل في البحر فقضى حاجته ، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجّله فلم يجد مركبا ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها

__________________

(١) ابن كثير : ١ ـ ٣٣٤

٢٦٢

ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجّج (١) موضعها ، ثم أتى بها إلى البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أنى تسلفت فلانا ألف دينار ، فسألنى كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا. فرضي بذلك. وسألنى شهيدا فقلت : كفى بالله شهيدا ، فرضي بذلك ، وإنى جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر. وإنى استودعتكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف ، [وهو] (٢) في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده.

فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك ، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال : هل كنت بعثت إلىّ شيئا؟ قال : أخبرك أنّى لم أجد مركبا قبل الذي جئت به. قال : فإنّ الله قد أدّى عنك الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بالألف دينار راشدا.

وقد روى عن سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية ، فقال : هذا نسخ لكلّ ما تقدم ؛ يعنى من الأمر بالكتاب والإشهاد والرهن.

المسألة الموفية خمسين ـ قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ).

هذا تفسير لقوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) بكسر العين (٣) ؛ نهيه الشاهد عن أن يضرّ بكتمان الشهادة ، فإنّ ذلك إثم بالقلب كما لو حوّلها وبدّلها لكن كذبا ، وهو إثم باللسان.

المسألة الحادية والخمسون ـ إذا كان على الحق شهود تعيّن عليهم أداؤها على الكفاية ، فإن أدّاها اثنان واجتزأ بهما الحاكم سقط الفرض عن الباقين ، وإن لم يجتزئ بهما تعيّن المشي إليه حتى يقع الإثبات ، وهذا يعلم بدعاء صاحبها ، فإذا قال له : أحي حقي بأداء ما عندك لي من شهادة تعيّن ذلك عليه.

__________________

(١) زجج موضعها : أى سوى موضع النقر وأصلحه. وأصله مأخوذ من تزجيج الحواجب ، وهو حذف زوائد الشعر. ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج : النصل ، وهو أن يكون النقر في طرف الخشبة فترك فيه زجا ليمسكه ويحفظ ما في جوفه (النهاية).

(٢) زيادة من ل.

(٣) في يضار.

٢٦٣

المسألة الثانية والخمسون ـ قال علماؤنا رحمة الله عليهم : لما أمر الله سبحانه بالتوثيق بالشهادة على الحقوق كان ذلك دليلا على المحافظة في مراعاة المال وحفظه ، ويعتضد بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم (١) : نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال (٢) وإضاعة المال.

الآية الموفية تسعين ـ قوله تعالى (٣) : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) (٤) (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).

هذا أصل عظيم في الدين ، وركن من أركان شريعة المسلمين شرّفنا الله سبحانه على الأمم بها ، فلم يحملنا إصرا (٥) ولا كلفنا في مشقّة أمرا ، وقد كان من سلف من بنى إسرائيل إذا أصاب البول ثوب أحدهم قرضه بالمقراض ، فخفّف الله تعالى ذلك إلى وظائف على الأمم حملوها ، ورفعها الله تعالى عن هذه الأمّة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).

ذكر علماؤنا هذه الآية في أنّ القود واجب على شريك الأب ، خلافا لأبى حنيفة ، وعلى شريك الخاطئ خلافا للشافعي وأبى حنيفة ، لأنّ كلّ واحد منهما قد اكتسب القتل ؛ وقالوا : إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص شبهة في درء ما يدرأ بالشبهة. وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا).

تعلّق بذلك جماعة من العلماء في أنّ الفعل الواقع خطأ أو نسيانا ـ لغو في الأحكام،

__________________

(١) صحيح مسلم : ١٣٤١

(٢) في ا : النوال. والمثبت من ل ، ومسلم.

(٣) الآية السادسة والثمانون بعد المائتين.

(٤) الإصر : الذنب والثقل.

٢٦٤

كما جعله الله تعالى لغوا في الآثام ، وبيّن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك عندهم بقوله (١) : رفع عن أمتى الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه.

وهذا لا حجّة فيه ؛ لأنّ الحديث لم يصحّ ، والآية إنما جاءت لرفع الإثم الثابت في قوله تعالى (٢) : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). فأما أحكام العباد وحقوق الناس فثابتة حسب ما يبيّن في سورة النساء إن شاء الله تعالى. والله أعلم.

__________________

(١) ابن كثير : ١ ـ ٣٤٢

(٢) سورة البقرة ، آية : ٢٨٤

٢٦٥

سورة آل عمران

فيها ست وعشرون آية

الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

قال بعض علمائنا : هذه الآية دليل على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وإن أدّى إلى قتل الآمر به.

وقد بيّنا في كتاب المشكلين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وآياته وأخباره وشروطه وفائدته. وسنشير إلى بعضه ها هنا فنقول :

المسلم البالغ القادر يلزمه تغيير المنكر ؛ والآيات في ذلك كثيرة ، والأخبار متظاهرة ، وهي فائدة الرسالة وخلافة النبوة ، وهي ولاية الإلهية لمن اجتمعت فيه الشروط المتقدمة.

وليس من شرطه أن يكون عدلا عند أهل السنة. وقالت المبتدعة : لا يغيّر المنكر إلّا عدل ، وهذا ساقط ؛ فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق والنهى عن المنكر عامّ في جميع الناس.

فإن استدلّوا بقوله تعالى (٢) : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ). وقوله تعالى (٣) : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) ونحوه.

قلنا : إنما وقع الذمّ هاهنا على ارتكاب ما نهى عنه ، لا عن نهيه عن المنكر.

وكذلك ما روى في الحديث من أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى قوما تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقيل له : هم الذين ينهون عن المنكر ويأتونه ، إنما عوقبوا على إتيانهم.

ولا شكّ في أن النهى عنه ممّن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه عند فاعله فيبعد قبوله منه.

وأما القدرة فهي أصل ، وتكون منه في النفس وتكون في البدن إن احتاج إلى النهى عنه بيده ، فإن خاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل ، فإن رجا زواله جاز عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر ، وإن لم يرج زواله فأىّ فائدة فيه؟

__________________

(١) من الآية الواحدة والعشرين.

(٢) سورة البقرة ، آية : ٤٤

(٣) سورة الصف ، آية : ٣

٢٦٦

والذي عنده : أنّ النية إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالى.

فإن قيل : هذا إلقاء بيده إلى التّهلكة.

قلنا : قد بينا معنى الآية في موضعها ، وتمامها في شرح المشكلين ، والله أعلم.

فإن قيل : فهل يستوي في ذلك المنكر الذي يتعلّق به حقّ الله تعالى مع الذي يتعلّق به حقّ الآدمي؟

قلنا : لم نر لعلمائنا في ذلك نصّا. وعندي أنّ تخليص الآدمي أوجب من تخليص حقّ الله تعالى ؛ وذلك ممهّد في موضعه.

الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ).

قال علماؤنا : في هذا دليل على وجوب ارتفاع المدعوّ إلى الحاكم ؛ لأنه دعى إلى كتاب الله ، فإن لم يفعل كان مخالفا يتعيّن عليه الزّجر بالأدب على قدر المخالف والمخالف.

ومثله قوله تعالى (٢) : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ).

الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٣) : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).

هذا عموم في أنّ المؤمن لا يتخذ الكافر وليّا في نصره على عدوّه ولا في أمانة ولا بطانة. من دونكم : يعنى من غيركم وسواكم ، كما قال تعالى (٤) : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً).

وقد نهى عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعرى عن ذمّيّ كان استكتبه باليمن وأمره بعزله ، وقد قال جماعة من العلماء يقاتل المشرك في معسكر المسلمين معهم لعدوهم ، واختلف في ذلك علماؤنا المالكية.

__________________

(١) الآية الثالثة والعشرون.

(٢) سورة النور ، آية : ٤٨

(٣) الآية الثامنة والعشرون.

(٤) سورة الإسراء ، آية : ٢

٢٦٧

والصحيح منعه لقوله عليه السلام : إنا لا نستعين بمشرك. وأقول : إن كانت في ذلك فائدة محقّقة فلا بأس به.

الآية الرابعة ـ قوله تعالى (١) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً).

فيه قولان :

أحدهما ـ إلا أن تخافوا منهم ، فإن خفتم منهم فساعدوهم ووالوهم وقولوا ما يصرف عنكم من شرهم وأذاهم بظاهر منكم لا باعتقاد ؛ يبيّن ذلك قوله تعالى (٢) : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) على ما يأتى بيانه إن شاء الله.

الثاني ـ أنّ المراد به إلا أن يكون بينكم وبينه قرابة فصلوها بالعطية ، كما روى أنّ أسماء قالت للنبي صلّى الله عليه وسلّم (٣) : إنّ أمى قدمت علىّ وهي مشركة وهي راغبة أفأصلها؟ قال : نعم. صلى أمّك.

وهذا وإن كان جائزا في الدين فليس بقوىّ في معنى الآية وإنما فائدتها ما تقدّم في القول الأول. والله أعلم.

الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٤) : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ : رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي ، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).

فيها عشر مسائل :

المسألة الأولى ـ في حقيقة النّذر ، وهو التزام الفعل بالقول مما يكون طاعة لله عزّ وجلّ ، من (٥) الأعمال قربة.

ولا يلزم نذر المباح. والدليل عليه ما روى في الصحيح (٦) أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى أبا إسرائيل قائما : فسأل عنه فقالوا : نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ويصوم(٧) ، فقال

__________________

(١) من الآية السابقة.

(٢) سورة النحل ، آية : ١٠٦

(٣) مسلم : ٦٩٦

(٤) الآية الخامسة والثلاثون.

(٥) في ا : ومن الأعمال.

(٦) البخاري : ٨ ـ ١٧٨

(٧) في البخاري : نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.

٢٦٨

النبي صلّى الله عليه وسلّم : مروه فليصم وليقعد وليستظل ؛ فأخبره بإتمام العبادة ونهاه عن فعل المباح.

وأما المعصية فهي ساقطة إجماعا ؛ ثبت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (١) : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه.

المسألة الثانية ـ في تعليق النّذر بالحمل :

اعلموا ـ علمكم الله ـ أنّ الحمل في حيّز العدم ؛ لأنّ القضاء بوجوده غير معلوم لاحتمال أن يكون نفخ في البطن لعلّة وحركة خلط يضطرب ، وريح ينبعث ، ويحتمل أن يكون لولد ؛ وقد يغلب على البطن كلّ واحد منهما في حالة ، وقد يشكل الحال ؛ فإن فرضنا غلبة الظنّ في كونه حملا فقد اتفق العلماء على أنّ العقود التي ترد عليه وتتعلّق به على ضربين :

أحدهما ـ عقد معاوضة. والثاني ـ عقد مطلق لا عوضية فيه.

فأما الأول ـ وهو عقد المعاوضة ـ فإنه ساقط فيه إجماعا ، بدليل ما روى (٢) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة (٣).

والحكمة فيه أنّ العقد إذا تضمّن العوض وجب تنزيهه عن الجهالة والغرر في حصول الفائدة التي بذل المرء فيها ماله ، فإذا لم يتحقّق حصول تلك الفائدة كان من أكل المال بالباطل.

وأما الثاني ـ وهو العقد المطلق المجرّد من العوض كالوصية والهبة والنذر فإنه يرد على الحمل ؛ لأنّ الغرر فيه منتف إذ هو تبرّع مجرّد ؛ فإن اتفق فيها ونعمت ، وإن تعذّر لم يستضر أحد.

المسألة الثالثة ـ في معنى الآية :

قال علماؤنا : كان لعمران بن ماثان ابنتان : إحداهما حنّة والأخرى يلمشقع ، وبنو ماثان من ملوك بنى إسرائيل من نسل داود عليه السلام ، وكان في ذلك الزمان لا يحرّر إلا الغلمان ، فلما نذرت قال لها زوجها عمران : أرأيتك إن كان ما في بطنك أنثى كيف نفعل؟ فاهتمّت لذلك فقالت : إنى نذرت لك ما في بطني محرّرا ، فتقبل منى إنك أنت السميع

__________________

(١) ابن ماجة : ٦٨٧ ، والبخاري : ٨ ـ ١٧٧

(٢) مسلم : ١١٥٣

(٣) في النهاية : وقيل أراد بحبل الحبلة أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الذي في بطن الناقة فهو أجل مجهول ، ولا يصح.

٢٦٩

العليم. وذلك لأنها كانت لا ولد لها ، فلما حملت نذرت إن الله أكمل لها الحمل ووضعته فإنه حبس على بيت المقدس (١).

المسألة الرابعة ـ قال أشهب عن مالك : جعلته نذرا تفي به. قالوا : فلما وضعتها ربّتها حتى ترعرعت ، وحينئذ أرسلتها.

وقيل : لفّتها في خرقها وقالت : ربّ إنى وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى ، وقد سميتها مريم ، وإنى أعيذها بك وذرّيّتها من الشيطان الرجيم ، وأرسلتها إلى المسجد وفاء بنذرها ، كما أشار إليه مالك ، وتبرّيا منها حين حررتها لله ، أى خلصتها.

والمحرر والحرّ : هو الخالص من كل شيء.

المسألة الخامسة ـ لا خلاف أنّ امرأة عمران لا يتطرّق إلى حملها نذر لكونها حرّة ، فلو كانت امرأته أمة فلا خلاف أنّ المرء لا يصحّ له نذر ولده كيف ما تصرفت حاله ؛ فإنه إن كان الناذر عبدا لم يتقرر له قول في ذلك ، وإن كان الناذر حرّا فولده لا يصحّ أن يكون مملوكا له ؛ وكذلك المرأة مثله ؛ وأى وجه للنذر فيه؟

وإنما معناه ـ والله أعلم ـ أنّ المرء إنما يريد ولده للأنس به والاستبصار والتسلّى والمؤازرة ؛ فطلبت المرأة الولد أنسا به وسكونا إليه ، فلما منّ الله تعالى عليها به نذرت أنّ حظّها من الأنس به متروك فيه ؛ وهو على خدمة الله تعالى موقوف. وهذا نذر الأحرار من الأبرار ، وأرادت به محرّرا من جهتي ، محررا من رقّ الدنيا وأشغالها. فتقبّله منّى.

وقد قال رجل من الصوفية لأمّه : يا أمّاه ؛ ذريني لله أتعبّد له وأتعلّم العلم. فقالت : نعم ، فسار حتى تبصّر ثم عاد إليها فدقّ الباب ، فقالت : من؟ قال : ابنك فلان. قالت : قد تركناك لله ولا نعود فيك.

المسألة السادسة ـ قوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).

يحتمل أن تريد به في كونها تحيض ولا تصلح في تلك الأيام للمسجد. ويحتمل أن تريد بها أنها امرأة فلا تصلح لمخالطة الرجال ؛ وعلى كلّ تقدير فقد تبرّأت منها ، ولعلّ الحجاب لم يكن عندهم كما كان في صدر الإسلام.

__________________

(١) في ابن كثير (١ ـ ٣٥٩) : امرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام ، وهي حنة بنت فاقوذ.

٢٧٠

وفي صحيح الحديث : أنّ امرأة سوداء كانت تقمّ (١) المسجد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفيه اختلاف في الرواية كثير.

المسألة السابعة ـ رواية أشهب عن مالك تدلّ على أنّ مذهبه التعلّق بشرائع الماضين في الأحكام والآداب ؛ وقد بيّناه في أصول الفقه.

المسألة الثامنة ـ لو صح أنها أسلمتها في خرقها إلى المسجد فكفلها زكريّا لكان ذلك في أنّ الحضانة حقّ للأم أصلا.

وقد اختلفت فيه رواية علمائنا على ثلاثة أقوال : أحدها ـ أنّ الحضانة حقّ لله سبحانه. الثاني ـ أنها حقّ للأم. الثالث ـ أنها حقّ للولد. وقد بيناه في مسائل الفروع بواضح الدليل.

المسألة التاسعة ـ على أىّ حال كان القول والتأويل فإنّ الآية دليل على جواز النذر في الحمل ، وكل عقد لا يتعلق به عوض بدليل إجماعهم على نفوذ العتق فيه ، والنذر مثله.

المسألة العاشرة ـ قال بعض الشافعية : الدليل على أنّ المطاوعة في نهار رمضان لزوجها على الوطء لا تساويه في وجوب الكفّارة عليهم قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).

قال القاضي ابن العربي : وعجبا لغفلته وغفلة القاضي عبد الوهاب عنه حين تكلم عليه وحاجّه فيه ، وهذا خبر عن شرع من قبلنا ؛ ولا خلاف بين الشافعية عن بكرة أبيهم أنّ شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ، فاسكت واصمت. ثم نقول لأنفسنا : نحن نعلم من أصول الفقه الفرق بين الأقوال التي جاءت بلفظ العموم وهي على قصد العموم ، والتي جاءت بلفظ العموم وهي على قصد الخصوص. وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد له بينة حالها ومقطع كلامها ؛ فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها ، ورأته أنثى لا تصلح أن تكون برزة ، وإنما هي عورة ؛ فاعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها ، وقد بينّا في أصول الفقه العموم المقصود به العموم وغيره ، وساعدنا عليه ابن الجويني ، وحققناه ؛ فلينظر هنالك.

المسألة الحادية عشرة ـ قالت : إنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، فكانت المعاذة وابنها عيسى ، فبهما وقع القبول من جملة الذرية ، وهذا يدلّ على أن الذرية قد تقع

__________________

(١) تقم : تكنس.

٢٧١

على الولد خاصة ، وقد بينّا ذلك في مسألة العقب من الأحكام. وفي سورة الأنعام. والله أعلم.

الآية السادسة ـ قوله تعالى (١) (وَسَيِّداً وَحَصُوراً).

اختلف العلماء في ذلك على قولين :

أحدهما ـ أنّ الحصور هو العنّين وهم الأكثر ، ومنهم ابن عباس.

ومنهم من قال : هو الذي يكفّ عن النساء ولا يأتيهنّ مع القدرة ، منهم سعيد بن المسيّب ؛ وهو الأصح لوجهين :

أحدهما ـ أنه مدح وثناء عليه ، والمدح والثناء إنما يكون على الفضل المكتسب دون الجبلّة في الغالب.

الثاني ـ أن حصورا فعولا ؛ وبناء فعول في اللغة من صيغ الفاعلين.

قال علماؤنا : الحصور : البخيل ، والهيوب الذي يحجم عن الشيء ؛ والكاتم السر ؛ وهذا بناء فاعل. والحصور عندهم : الناقة التي لا يخرج لبنها من ضيق إحليلها (٢).

وهذا فيه نظر ، وقد جاء فعول بمعنى مفعل ، تقول : رسول بمعنى مرسل ، ولكن الغالب ما تقدم.

وإذا ثبت هذا فيحيى كان كافّا عن النساء عن قدرة في شرعه ، فأما شرعنا فالنكاح. روى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عثمان بن مظعون عن التبتّل ، قال الراوي : ولو أذن له لاختصينا ، ولهذا بالغ قوم فقالوا : النكاح واجب ، وقصّر آخرون فقالوا مباح ، وتوسّط علماؤنا فقالوا : مندوب.

والصحيح أنه يختلف باختلاف حال النكاح والزمان ، وقد بينا ذلك في سورة النساء ، وسترونه إن شاء الله.

الآية السابعة ـ قوله تعالى (٣) : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في كيفية فعلهم :

__________________

(١) الآية التاسعة والثلاثون.

(٢) في القرطبي : وناقة حصور : ضيقة الإحليل.

(٣) الآية الرابعة والأربعون.

٢٧٢

واختلف فيه نقل المفسرين على روايتين :

الأولى ـ روى أن زكريا قال : أنا أحقّ بها ، خالتها (١) عندي. وقال بنو إسرائيل : نحن أحقّ بها ، بنت عالمنا ، فاقترعوا عليها بالأقلام ، وجاء كلّ واحد بقلمه ، واتفقوا أن يجعلوا الأقلام في الماء الجاري ، فمن وقف قلمه ولم يجر في الماء فهو صاحبها (٢)

قال النبي عليه السلام : فجرت الأقلام وعال (٣) قلم زكريا ؛ كانت آية ، لأنه نبي تجرى الآيات على يده.

الثاني ـ أنّ زكريا كان يكفلها حتى كان عام مجاعة فعجز وأراد منهم أن يقترعوا ، فاقترعوا ، فوقعت القرعة عليهم (٤) لما أراد الله من تخصيصه بها.

ويحتمل أن تكون أنها لما نذرتها لله تخلّت عنها حين بلغت السعى ، واستقلّت بنفسها ، فلم يكن لها بدّ من قيّم ، إذ لا يمكن انفرادها بنفسها ، فاختلفوا فيه فكان ما كان.

المسألة الثانية ـ القرعة أصل في شريعتنا ؛ ثبت أن النبي عليه السلام كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها ، وهذا مما لم يره مالك شرعا.

والصحيح أنه دين ومنهاج لا يتعدى ، وثبت عنه أيضا صلّى الله عليه وسلّم أن رجلا أعتق عبيدا له ستة في مرضه لا مال له غيرهم. فأقرع النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم ، فأعتق اثنين وأرقّ أربعة.

وهذا مما رآه مالك والشافعى ؛ وأباه أبو حنيفة ؛ واحتج بأنّ القرعة في شأن زكريا وأزواج النبىّ عليه السلام كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز.

وأما حديث الأعبد فلا يصحّ التراضي في الحرية ولا الرضا ؛ لأن العبودية والرق إنما ثبتت بالحكم دون قرعة فجازت ، ولا طريق للتراضى فيها ، وهذا ضعيف ؛ فإنّ القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفى عند التشاحّ (٥) فأما ما يخرجه التراضي فيه فباب آخر ، ولا يصحّ لأحد أن يقول : إنّ القرعة تجرى في موضع التراضي ، وإنها لا تكون أبدا مع

__________________

(١) ابن كثير (١ ـ ٣٦٣).

(٢) في القرطبي : فهو حاضنها.

(٣) عال : ارتفع.

(٤) هكذا بالأصل.

(٥) تشاح الخصمان : أراد كل منهما أن يكون هو الغالب.

٢٧٣

التراضي فكيف يستحيل اجتماعها مع التراضي؟ ثم يقال : إنها لا تجرى إلّا على حكمه ولا تكون إلّا في محلّه ؛ وهذا بعيد.

المسألة الثالثة ـ قد روى أنّ مريم كانت بنت أخت زوج زكريا ، ويروى أنها كانت بنت عمه ، وقيل من قرابته ؛ فأما القرابة فمقطوع بها ، وتعيينها مما لم يصح.

وهذا جرى في الشريعة التي قبلنا ، فأما إذا وقع في شريعتنا فالخالة أحقّ بالحضانة بعد الجدة من سائر القرابة والناس ؛ لما روى أن النبي عليه السلام قضى بها للخالة ، ونص الحديث ـ خرجه أبو داود ـ قال : خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة ـ قال ابن العربي : واسمها (١) أمة الله ، وأمها سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس ـ فقال جعفر : أنا أحق بها ؛ ابنة عمى ، وعندي خالتها ، وإنما الخالة أمّ. وقال علىّ : أنا أحقّ بها وعندي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فأنا أحقّ بها. وقال زيد : أنا أحقّ بها ، خرجت إليها وسافرت وقدمت بها ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر شيئا (٢) ، وقال : أمّا الجارية فأقضى بها لجعفر تكون مع خالتها ، وإنما الخالة بمنزلة الأم.

المسألة الرابعة ـ هذا إذا كانت الخالة أيّما ، فأما إن تزوّجت ، وكان زوجها أجنبيا فلا حضانة لها ؛ لأنّ الأمّ تسقط حضانتها بالزوج الأجنبى ؛ فكيف بأختها وبأمها والبدل عنها.

فإن كان وليّا لم تسقط حضانتها كما لم تسقط حضانة زوج جعفر ؛ لكون جعفر وليّا لابنة حمزة وهي بنوّة العم.

وذكر ابن أبى خيثمة أن زيد بن حارثة كان وصىّ حمزة فتكون الخالة على هذا أحقّ من الوصىّ ، ويكون ابن العم إذا كان زوجا غير قاطع للخالة في الحضانة وإن لم يكن محرّما لها.

وقد بينا في شرح الحديث اسم الكل ووصف قرابته.

الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٣) : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ (٤) مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).

__________________

(١) أى ابنة حمزة.

(٢) في القرطبي : حديثا.

(٣) سورة آل عمران ، الآية الواحدة والستون.

(٤) فيه : في عيسى (ابن كثير : ١ ـ ٣٦٨).

٢٧٤

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها : روى المفسّرون أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ناظر أهل نجران (١) حتى ظهر عليهم بالدليل والحجّة ، فأبوا الانقياد والإسلام ؛ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، فدعا حينئذ فاطمة والحسن والحسين ، ثم دعا النصارى إلى المباهلة.

المسألة الثانية ـ هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين ابناه ، وقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في الحسن : إنّ ابني هذا سيّد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

فتعلّق بهذا من قال : إن الابن من البنت يدخل في الوصية والحبس (٢) ، ويأتى ذلك في موضعه إن شاء الله.

وليس فيها حجة ، فإنه يقال : إنّ هذا الإطلاق مجاز ، وبيانه هنالك.

الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٣) : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

فيها إحدى عشرة مسألة :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :

قيل : نزلت في نصارى نجران. وقال ابن جريج : نزلت في قوم من اليهود تابعهم جماعة من العرب ، فلما أسلموا قال لهم اليهود : تركتم دينكم ، فليس لكم عندنا حقّ.

المسألة الثانية ـ الدينار أربعة وعشرون قيراطا ، والقيراط ثلاث حبات من شعير ، والقنطار أربعة أرباع ، والربع ثلاثون رطلا ، والرطل اثنتا عشرة أوقية ، والأوقية ستة عشر درهما ، والدرهم ست وثلاثون حبّة من شعير ، وقد بينا ذلك مشروحا في مسائل الفقه.

المسألة الثالثة ـ فائدتها النّهى عن ائتمانهم على مال. وقال شيخنا أبو عبد الله العربي: فائدتها ألّا يؤتمنوا على دين ؛ يدلّ عليه ما بعده من قوله (٤) : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ

__________________

(١) قصة وفد نجران وردت مطولة في ابن كثير (١ ـ ٣٦٩)

(٢) الحبس : الوقف.

(٣) الآية الخامسة والسبعون.

(٤) من آية ٧٨ من السورة نفسها.

٢٧٥

أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ) : فأراد ألّا يؤتمنوا على نقل شيء من التوراة والإنجيل.

قال القاضي : والصحيح عندي أنها في المال نصّ ، وفي الدين سنّة ؛ فأفادت المعنيين بهذين الوجهين.

المسألة الرابعة ـ في قوله تعالى : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ).

هذا يدلّ على أن أداء الأمانة في الدينار بالنص أو بالسنة أو بالقياس ، وقد بيناه في أصول الفقه.

والصحيح أنه قياس جلىّ ، وهو أعلى مراتبه ، وهناك تجدونه.

المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً).

تعلّق به أبو حنيفة في ملازمة الغريم للمفلس ؛ وأباه سائر العلماء ؛ ولا حجّة لأبى حنيفة فيه ؛ لأن ملازمة الغريم المحكوم بعدمه لا فائدة فيها ؛ إذ لا يرجى ما عنده. وقد بيناه في مسائل الخلاف هناك.

وقد قال جماعة من الناس : إن معنى (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) أى حافظا بالشهادة ، فلينظر هنالك.

المسألة السادسة ـ أقسام هذه الحال ثلاثة :

قسم يؤدّى ، وقسم لا يؤدّى إلا ما دمت عليه قائما ، وقسم لا يؤدّى وإن دمت عليه قائما ، إلا أنّ الله سبحانه ذكر القسمين ، لأنه الغالب المعتاد ، والثالث نادر ؛ فخرج الكلام على الغالب.

المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).

المعنى فعلوا ذلك لاعتقادهم أنّ ظلمهم لأهل الإسلام جائز ، تقدير كلامهم ليس علينا في ظلم الأمّيين سبيل ؛ أى إثم. وقولهم هذا كذب صادر عن اعتقاد باطل مركب على كفر ، فإنهم أخبروا عن التوراة بما ليس فيها ، وذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

المسألة الثامنة ـ الأمانة عظيمة القدر في الدين ، ومن عظيم قدرها أنها تقف على جنبتي

٢٧٦

الصراط ، ولا يمكّن من الجواز إلّا من حفظها ، وقد بيناه في شرح الحديث وكتاب شرح المشكلين ؛ ولهذا وجب عليك أن تؤدّيها إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ؛ فتقابل معصية فيك بمعصية فيه ، على اختلاف بيناه في مسائل الخلاف.

ولذلك لم يجز لك أن تغدر بمن غدر بك. قال البخاري : باب إثم الغادر البرّ والفاجر. فإن قيل : فقد قال الشعبي : من حلّ بك فاحلل به. قال إبراهيم النخعي : يعنى أن المحرم لا يقتل ، ولكن من غرض لك فاقتله وحلّ أنت به أيضا ، من خانك فخنه.

قلنا : تحريم المحرم كان بشرط ألا يعرض له في أصل العقد ، والأمانة يلزم الوفاء بها من غير شرط.

المسألة التاسعة ـ قال رجل لابن عباس : إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة ونقول : ليس علينا بذلك بأس.

فقال له : هذا كما قال أهل الكتاب : ليس علينا في الأمّيين سبيل ؛ إنهم إذا أدّوا الجزية لم تحلّ لكم أموالهم إلّا عن طيب أنفسهم.

المسألة العاشرة ـ قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

هذه الآية ردّ على الكفرة الذين يحلّلون ويحرّمون من غير تحليل الله وتحريمه ، ويجعلون ذلك من الشرع ، ومن هذا يخرج الرد على من يحكم بالاستحسان من غير دليل ، ولست أعلم أحدا من أهل القبلة قاله.

الآية العاشرة ـ قوله تعالى (١) : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :

قال قوم : نزلت في اليهود ؛ كتبوا كتابا وحلفوا أنه من عند الله.

وقيل : نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة لتنفق (٢) سلعته في البيع ؛ قاله مجاهد وغيره.

والذي يصحّ أنّ عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٣) :

__________________

(١) الآية السابعة والسبعون.

(٢) تنفق : تروج.

(٣) صحيح مسلم : ١٢٢

٢٧٧

من حلف على يمين صبر (١) ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان ؛ فأنزل الله تعالى تصديق ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) الآية. قال : فجاء الأشعث بن قيس فقال : فىّ نزلت ، كان لي بئر في أرض ابن عمر ، وفي رواية : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني. قال النبي عليه السلام : بيّنتك أو يمينه. فقلت : إذا يحلف يا رسول الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ... وذكر الحديث. وذلك يحتمل ما صحّ في الحديث وما روى عن اليهود.

المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : هذا دليل على أنّ حكم الحاكم لا يحلّ المال في الباطن بقضاء الظاهر ، إذا علم المحكوم له بطلانه.

وقد روت أمّ سلمة في الصحيح أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال (٢) : إنما أنا بشر ، وأنتم تختصمون إلىّ ، ولعلّ بعضكم أن يكون الحن بحجّته من بعض ، فأقضى له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذه ؛ فإنما أقطع له قطعة من النار.

وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ، وإنما ناقض أبو حنيفة وغلا ، فقال : إنّ حكم الحاكم المبنىّ على الشهادة الباطلة يحلّ الفرج لمن كان محرّما عليه ، وسيأتى بطلان قوله في آية اللعان إن شاء الله تعالى.

الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ ، وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

فيها ست مسائل :

المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٤) :

قيل : إنها نزلت في نصارى نجران ، وكذلك روى أنّ السورة كلها إلى قوله : (وَإِذْ

__________________

(١) يمين صبر : أى ألزم بها وحبس عليها ، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم (النهاية).

وفي ابن كثير ١ ـ ٣٧٥ : على يمين كاذبة.

(٢) صحيح مسلم : ١٣٣٧

(٣) الآية التاسعة والسبعون ، والآية الثمانون.

(٤) ابن كثير : ١ ـ ٣٧٧

٢٧٨

غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) كان سبب نزولها نصارى نجران ، ولكن مزج معهم اليهود ؛ لأنهم فعلوا من الجحد والعناد مثل فعلهم.

المسألة الثانية ـ في قوله تعالى : (رَبَّانِيِّينَ).

وهو منسوب إلى الرب ، وقد بيّنا تفاصيل معنى اسم الرب في الأمد الأقصى ، وهو هاهنا عبارة عن الذي يربّى الناس بصغار العلم قبل كباره ، وكأنه يقتدى بالرب سبحانه وتعالى في تيسير الأمور المجملة في العبد على مقدار بدنه من غذاء وبلاء.

المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).

المعنى : وإنّ علمهم بالكتاب ، ودرسهم له يوجب ذلك عليهم ؛ لأنّ هذا من المعاني التي شرحت فيه لهم.

المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً).

المعنى : ولا آمر الخلق أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا يعبدونهم ؛ لأنّ الله سبحانه لا يأمر بالكفر من أسلم فعلا ، ولا يأمر بالكفر ابتداء ؛ لأنه محال عقلا ، فلما لم يتقدر ولا تصوّر لم يتعلق به أمر.

المسألة الخامسة ـ حرّم الله تعالى على الأنبياء أن يتخذوا الناس عبادا يتألّهون لهم ، ولكن ألزم الخلق طاعتهم.

وقد ثبت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (١) : لا يقولنّ أحدكم عبدى وأمتى ، وليقل فتاي وفتأتي ، ولا يقل أحدكم ربّى وليقل سيّدى.

وقد قال الله تعالى ـ مخبرا عن يوسف (٢) : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ). وقال (٣) : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ). وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلّم (٤) : «من أعتق شركا له في عبد ......» فتعارضت.

فلو تحققنا التاريخ لكان الآخر رافعا للأول أو مبيّنا له على اختلاف الناس في النسخ.

وإذا جهلنا التاريخ وجب النظر في دلالة الترجيح.

__________________

(١) صحيح مسلم : ١٧٦٤

(٢) سورة يوسف ، آية : ٤٢

(٣) سورة النور ، آية : ٣٢

(٤) صحيح مسلم : ١٢٨٦

٢٧٩

وقد مهّدنا ذلك في شرح الحديث بما الكافي منه الآن لكم ترجيح الجواز ؛ لأنّ النهى إنما كان لتخليص الاعتقاد من أن يعتقد لغير الله عبودية أو في سواه ربوبية ، فلما حصلت العقائد كان الجواز.

المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ).

قرأ ابن عامر وأهل الكوفة بضم التاء ، وكأنّ معناه لا تتخذوهم عبادا بحقّ تعليمكم ، فإنه فرض عليكم أو إشراك في نيّتكم ، أو استعجال لأجركم ، أو تبديل لأمر الآخرة بأمر الدنيا ؛ واختاره الطبري على قراءة فتح التاء.

قال شيخنا أبو عبد الله العربي : كذلك يقتضى صفة العلم وقراءته ؛ لأنّ العلم إنما هو للتعليم لتحريم كتمان العلم ، والأمر في ذلك قريب ؛ وليس هذا موضع تحريره.

الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (١) : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).

فيها خمس مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ).

معناه تصيبوا ، يقال : نالني خير ينولنى ، وأنالنى خيرا ؛ ويقال : نلته أنوله معروفا ونولنه ، قال الله تعالى (٢) : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) ؛ أى لا يصل إلى الله شيء من ذلك لتقديسه عن الاتصال والانفصال.

المسألة الثانية ـ (الْبِرَّ) قد بيناه في كتاب الأمد الأقصى وشفينا النفس من إشكاله.

قيل : إنه ثواب الله ، وقيل : إنه الجنة ؛ وذلك يصل البرّ إليه لكونه على الصفات المأمور بها.

المسألة الثالثة ـ (حَتَّى تُنْفِقُوا).

المعنى حتى تهلكوا ، يقال : نفق إذا هلك (٣). المعنى حتى تقدّموا من أموالكم في سبيل الله ما تتعلّق به قلوبكم.

المسألة الرابعة ـ في تفسير هذه النفقة :

__________________

(١) الآية الثانية والتسعون.

(٢) سورة الحج ، آية ٣٧

(٣) في المصباح : نفق الشيء : فنى ، وأنفقته : أفنيته.

٢٨٠