الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

محمّد جواد مغنية

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


المحقق: سامي الغريري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: ٥٢٨

الحسين ومعنى الإستشهاد

بقلم كمال النّجمي

في طباعة كويتيّة أنيقة ، صدرت هذه المسرحيّة الشّعريّة ذات الفصول الخمسة والمناظر العشرين ...

طباعتها كويتيّة لأنّ مؤلّفها الشّاعر المصري الشّاب محمّد العفيفي مقيم في الكويت الآن ، يعمل مدرسا أو موظفا بعد أن عمل في الصّحافة المصريّة بضع سنوات.

وقد رحلت معه إلى الكويت شاعريته ، وسوف تعود معه حين يعود ، لأنّها شاعريّة حقّيقيّة أشبه بشاعرية أعرابي قديم مطبوع على قول الشّعر حيثما كان! ...

والعفيفي يكاد يكون غريبا بين شعراء زماننا ، فإنّ فصاحة بيانه تلحقه بالأقدمين ، ولكن تطور فنّه الشّعري يلحقه بالأحدثين. وقد نجا من عجمة الشّعارير الشّبان أدعياء التّجديد ، ومن جمود الشّعراء الكهول النّائمين على التّراث ، ولكن العوائق في طريقه لم تتح له حتّى الآن بلوغ المرام! ..

ومسرحيّة الشّعرية الجديدة الّتي طارت إلينا من الكويت ، هي ثالث مسرحياته الشّعرية ، وله أيضا ديوانان من الشّعر الغنائي ...

عنوان المسرحيّة الجديدة : «هكذا تكلّم الحسين» .. فهل تقوم هذه

٤٠١

المسرحيّة على كلام الحسين؟! وكيف يمكن أن تقوم مسرحيّة على الكلام لا على الفعل وقد قرّر سادتنا نقاد الدّراما في صحائفهم المهيبة أنّ المسرح فعل لا كلام؟!.

الحقيقة أنّ العفيفي كان يسعه أن يسمي مسرحيته : «هكذا فعل الحسين» .. لو لا أنّ الحسين حين قال فعل ، فكلامه كان دعوة إلى عمل ، وبداية عمل ، ودفاعا عن عمل ... وفي النّهاية مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا ... مقاومة واستشهادا! ..

أراد الشّاعر أن يبين بالفعل أو بالدّراما أنّ الكلمة حين تنبعث مخلصة صادقة ، لا تنطفيء في العواصف بل تتضوأ عملا ونجاحا ، أو تشتعل مقاومة واستشهادا. وإذا فاتها الصّدق والإخلاص ، فما أفدح الكارثة وما أرخص الكلام! ..

مع ذلك ، فعنوان المسرحيّة ليس كبير الأهميّة ، بل ليس مهما على الإطلاق ... المهم حقّا هو المسرحيّة ذاتها بفنّها ، وفكرها ، وشعرها ، وصراعها وما تضيفه إلى المسرح الشّعري العربي الّذي ما زال منذ بدأه شوقي قبل أربعين عامّا يخطو بعناء كأنّه يخطو على الأشواك!.

والإمام الحسين بن عليّ ـ بطل المسرحيّة ـ شخصيّة تأريخيّة لا يجهلها أحد. وما زال التّأريخ مهجرا خصبا للشّعر المسرحي في العالم كلّه قديما وحديثا ، لأنّ الشّخصيات التّأريخيّة بطبيعة الحال هالات خاصّة ترفعها فوق الواقع المعاشر ، فإذا نطقت شعرا لم يستشعر جمهور المسرح تكلفا فيما يسمع من هذا الشّعر ولو كان فخما جزلا ، موزونا مقفى ...

إلّا أنّ التّأريخ وإن كان مهجرا للشّعر المسرحي فإنّه ليس حيلة يهرب بها من

٤٠٢

الحياة المعاصرة. وإذا فرغت المسرحيّة الشّعريّة من مضمون قادر على مخاطبة العصر فرغت من الحياة.

ومسرحيّة «هكذا تكلّم الحسين» تعود بنا سياسيّا وفكريّا إلى القرن الأوّل الهجري ، ولكنّها تقف على خشبة عصرنا بمضمون لم يستنفد أغراضه ، فضلا عن أنّها بغير هذا المضمون الإنساني الشّامل قادرة على مخاطبة جمهور ديني خاصّ ، هو جمهور الشّيعة ، ومأساة الحسين جرح في قلب هذا الجمهور لا يندمل! ...

تدور المسرحيّة حول الصّراع بين الإمام الحسين بن عليّ وبين الخليفة يزيد ابن معاوية الّذي طلب البيعة في بداية خلافته من الحسين وأنصاره في مدينة الرّسول ، فغادرها الحسين متوجّها إلى الكوفة في العراق استجابة لدعوة أهلها ، ولكن جند يزيد حالوا بين الحسين وبين الكوفة ، وحاصروه في كربلاء ومنعوا عنه الماء ، وكان جند يزيد بضعة آلآف ، ولم يكن يصحب الحسين إلّا بضع عشرات من أنصاره وبعض الأطفال ، والنّساء من آل بيته ...

وقال جند يزيد للحسين : بايع ليزيد ، نرفع عنك الحصار ولا ينلك منّا أذى وتذهب حيث أردت! .. فلم يبايع ، وصمّم على معارضة يزيد ، لأنّه تولّى الخلافة عنوة وأحالها إلى فراش غرام ومجلس شراب ، وانتهك حدود الدّين ، وظلم العباد ، وأفسد في البلاد ...

وجادل الحسين قادة جند يزيد مجادلة بليغة طويلة حتّى أوشك بعض الجند أن ينضمّوا إليه مقتنعين بوجهة نظره ، ولكنّ السّيف تكلّم في آخر الأمر ، وعصفت السّهام والنّبال ، فاستشهد الحسين ورجاله القلائل الشّجعان في حرب غير متكافئة كان الرّجل منهم يقاتل فيها مئة أو أكثر من جند الخليفة المغتصب

٤٠٣

للخلافة ... انهزمت كلمات الحسين وانتصرت أسلحة يزيد.

كان الحسين مناضلا بالقول والعمل ، على طريقة المسلمين الأوّلين ، وشتّان بينها وبين طريقة أهل الطّريق والصّوفيّين. ولو كان الحسين متصوفا لقبع في دار أو لجأ إلى «الخانقاه» يتعبد ويأكل من مال السّلطان.

ولكنّ الحسين خرج يتكلّم ويرشد النّاس ويزع المفسدين ويجادلهم. ثمّ مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا ... مقاومة واستشهادا.

٤٠٤

السّيّدة زينب (١)

قال عليه الصلاة والسّلام ، «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والسّاعي لهم في امورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه»(٢).

والسّيّدة زينب رضي الله عنها من هذه الذرّيّة الطّاهرة الصّالحة المؤمنة ، أمّها فاطمة الزّهراء بنت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، وأبوها عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ولدت في شعبان من السّنّة الخامسة للهجرة ، فحملتها أمّها وجاءت بها إلى أبيها ، وقالت :

ـ سمّ هذه المولودة.

فقال لها رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣١ / ١٠ / ١٩٧٢ م). (منه قدس‌سره).

(٢) انظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٢٤ الطّبعة الأولى ، مودّة القربى : ١٣ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٠ ح ٣٤١٨٠ ، و : ٨ / ١٥١ ، و : ٦ / ٢١٧ ، جواهر العقدين : ٢ / ٢٧٤ ، الصّواعق المحرقة : ١٧٥ و ١٧٦ ، الفصول المهمّة في أحوال الأئمّة : ١ / ١٧٦ ، بتحقّيقنا ، ذخائر العقبى : ١٨ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٢ / ١١٥ ح ٣٢٥ و ٣٨٠ و ٤٦٤ ح ٢٩٧ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم السّمهوديّ : ٢٤٢ بتحقّيقنا ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس ، مخطوط ورقة (٣٥) ، مسند زيد بن عليّ : ٤٦٣.

٤٠٥

ما كنت لأسبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في سفر له.

ولمّا جاء النّبيّ وسأله عن اسمها قال :

ما كنت لأسبق ربّي.

فهبط جبريل يقرأ على النّبيّ السّلام من الله الجليل وقال له :

اسم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم (١).

ولقيت زينب من جدّها الأعظم كلّ عطف ومحبّة وحنان وأسبغ الله عليها نور النّبوّة والحكمة ، ودرجت تلك الدّرّة في بيت الرّسالة ، ورضعت لبان الوحي من لدى الزّهراء البتول.

وللسّيّدة زينب في طفولتها مواقف تريح النّفس ، وتطمئن الحسّ ، وتبشر بمستقبل لها عظيم ، فقد حدث إن كانت جالسة في حجر أبيها يلاطفها قائلا :

(قولي : واحد.

فقالت : واحد.

قولي : اثنين .. فسكتت ، فقال عليّ بن أبي طالب :

ـ تكلّمي يا قرّة عيني.

فقالت الطّاهرة :

يا أبتاه ما اطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.

وسألت أباها ذات يوم :

أتحبّنا يا أبتاه؟.

فأجاب رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١. (منه قدس‌سره).

٤٠٦

وكيف لا احبّكم وأنتم ثمرة فؤادي.

فقالت :

يا أبتاه أنّ الحبّ لله تعالى والشّفقة لنا) (١).

وقدّر للسّيّدة زينب أن تفقد جدّها صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي في الخامسة من العمر ، وفقدت أمّها الزّهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت وهي الصّبيّة الصّغيرة عليهما حزنا شديدا ، وواجهت حياة البيت ورعته ، وأدارت شئونه بعقليّة رتيبة واعية وحسّ صادق ، وقلب مؤمن ...

وعند ما بلغت سنّ الزّواج طلبها شباب هاشم وقريش ، واختار لها والدها عبد الله بن جعفر.

وكتب على السّيّدة زينب الجهاد مع الحسين رضى الله عنه وتتابعت قتلى بني هاشم ، فسقط عبد الله بن عقيل ، وعون بن عبد الله بن جعفر ، ومحمّد ابن عبد الله بن جعفر ، وعبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وجعفر بن عقيل وغيرهم.

ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرّمية.

وتحرك موكب الأسرى والسّبايا من آل البيت النّبوّي الشّريف ، وما كاد الرّكب يمرّ على ساحة المعركة حتّى صاح النّساء وصاحت زينب :

«يا محمّداه! هذا حسين بالعراء مرمل بالدّماء مقطع الأعضاء؟ يا محمّد بناتك سبايا ، وذّريتك مقتلة فأبكت كلّ عدوّ وصديق (٢).

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٤. (منه قدس‌سره).

(٢) انظر ، خطط المقريزي : ٢ / ٢٨٩ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٦ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٧٦ الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، ـ

٤٠٧

ودخل الموكب الحزين الكوفة وتجمع أهلها يبكون فقالت لهم زينب :

«أمّا بعد يا أهل الكوفة

أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولاهدأت الرّنّة

إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.

أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا

وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.

لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.

أتعجبون لو أمطرت دما.؟.

ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا».

قال من سمعها :

«فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كأنّما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فلا والله ما اتّمت حديثها حتّى ضجّ النّاس بالبكاء ، وذهلوا ، وسقط ما في ايديهم من هول تلك المحنة الدّهماء».

__________________

ـ البداية والنّهاية : ٨ / ٢١٠ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٦ و : ٦ / ٢٦٨ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٤٥ ، بتحقّيقنا.

٤٠٨

وتكلمت فاطمة بنت الحسين فقالت في كلام لها :

«أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر ، والغدر ، والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا.

ويّلكم ، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم ، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم ، وختم على سمعكم وبصركم وسوّل لكم الشّيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

«تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله قبلكم؟ وذحول له لديكم؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب ، وعترته الطّيبين الأخيار» (١).

ومرّت الأيّام ، ثمّ أمر يزيد النّعمان بن بشير أن يجهزها ومن معها بما يصلحهم في رحلتهم إلى المدينة المنورة.

وذهبت السّيّدة زينب إلى المدينة ، وكان وجودها فيها كافيا لأنّ تلهب المشاعر ، وتؤلّب النّاس على الطغاة ، فأخرجت من المدينة بعد أن اختارت مصر دارا لإقامتها.

وقد شرّفت مصر بقدومها رضي الله عنها عند بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجريّة.

وتقدّم لها مسلمة بن مخلّد الأنصاري وإلي مصر ، وعزّاها في خشوع وخضوع ، وبكى فبكت ، وبكى الحاضرون.

محمود يوسف

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦١ ، بلاغات النّساء : ٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧.

٤٠٩
٤١٠

ثأر الله

بقلم : أمير اسكندر

منذ ثلاثة عشر قرنا ، خرج الحسين من أرض الحجاز متوجّها صوب العراق ، ملبيّا نداء أهلها ، كي يعلي كلمة الله الحقيقية ، كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة. وكان خروجه حينذاك ، نذيرا بالنّهاية لكلّ قوى الشّر ، والبغي ، والظّلمة ، فتربصت به ، وتحفّزت له كي تخنق شعاع الضّوء الوليد ، وتحاصر كلمة الحقّ في الصّحراء تموت من الظّمأ قبل أن تبلغ أهلها ...

رحلة عذاب طويلة ومجيدة ، ما كان يقوى عليها سوى أصحاب الرّسالات وحدهم ... ناضل فيها الحسين بالكلمة والسّيف معا ، رفض السّلام الخانع وارتفع فوق السّلامة الشّخصيّة الذّليلة ، وظل حتّى آخر نبضة في جسده قوي الرّوح ، صامد الإرادة ، مرفوع الرّأس دائما ، حتّى تمكّنت منه قوى الظّلام والطّغيان فقتلته وفصلت رأسه عن جسده ، وحسبت أنّها بجريمتها قد اطمأنّت ، وأنّ الأرض من تحت أقدامها قد استقرّت. ولكنّها أدركت بعد فوات الأوان أنّها لم تستطع أن تبلغ من أمرها شيئا ، فلا السّلطان دام ولا دعوة الحقّ زالت. قتل الحسين ، ولكن كلمته غدت رسالة. قطع رأسه ولكنّه بات رمزا للشّهادة. تضرّج دمه ولكنّه أمسى في عصره ، وفي كلّ العصور ، نداء يصرخ في المؤمنين

٤١١

والمناضلين من البسطاء والفقراء أن افتحوا دائما عيونكم ، وحدّقوا في كلّ قوى الشّر الّتي تحيطكم ، واقمعوا كلّ عوامل الضّعف والتّردد والخنوع في أعماقكم واثأروا لكلمة الله الحقيقة ... كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة.

أيمكن أن نعثر في تراثنا على قصّة أروع من قصّة خروج الحسين واستشهاده لنستلهم منها العبرة ، والمثل ، والقدرة على الفداء؟ هل يمكن للفنّان الّذي يعيش بفكره ووجدانه هذه القصّة أن يقاوم في نفسه الرّغبة العميقة والمخلصة في تجسيد أحداثها بوسيلته الخاصّة أيّا كانت شعرا أو لونا أو نغما أو حركة ، أو هذه كلّها معا؟ وكيف يمكننا أن نظل ليل نهار نتحدّث عن التّراث العريق الّذي نملكه ، دون أن تتقدّم خطوة نحو بعث هذا التّراث ، واستخلاص أغلى ما فيه ، وأعزّ ما فيه وأبقى ما فيه ، ونشره وإشاعته بكلّ الوسائل بين النّاس ...

هكذا صنع شاعر كبير هو عبد الرّحمن الشّرقاوي. وهكذا صنع مخرج مسرحي كبير هو كرم مطاوع ؛ لقد كتب الشّر قاوي مأساة الحسين أو ملحمته ، في مسرحيّة شعريّة هي بالتّأكيد آخر نقطة بلغها في رحلته الفكريّة والفنيّة ، وهي أيضا آخر نقطة بلغها تطور المسرح الشّعري في بلادنا حتّى الآن. وتناولها كرم مطاوع من بعده ، فركّز فصولها ، وكثّف مشاهدها حتّى يمكّنه تجسيدها على خشبة المسرح ، لأنّها في أصلها تزيد عن أربعمئة صفحة ... واستغرق الإعداد والإخراج شهورا عدّة. كانت الأنباء تنشر في الصّحف خلالها ، عن قرب تقدّيمها للجمهور ، على خشبة المسرح القومي.

وأنا لا أكتب في هذا السّطور نقدا للنّص المسرحي المنشور في كتاب أو للعرض المسرحي الّذي أتيح لي أن أشهد «بروفته» النّهائية ولكنّني ـ للأسف ـ

٤١٢

أريد أن أشير إلى رحلة هذه المسرحيّة الطّويلة خلف كواليس المسرح ، وهي رحلة حافلة بأشد ألوان العذاب للفكر والضّمير ، حتّى يتاح لها أن تخرج للنّاس. ويبدو أنّ مأساة الحسين الّتي وقعت في العراق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا (١) تتكرّر هنا مرّة أخرى رغم اختلاف الظّروف وبعد القرون. فمسرحيّة الحسين تتعرّض الآن مثلما تعرّض الحسين نفسه في الماضي للتّنكر والإنكار! وهي توشك أن تلقى مصيره الدّامي ، مختنقة وسط حصاد قوى غريبة تسلك سلوكا غير مبرّر وغير مفهوم ...

* * *

وحتّى يكون القاريء على بينة من القصّة كلّها ، أضع أمامه هذه الوقائع الّتي ترسم صورة تسجيليّة لكلّ ما حدث حتّى الآن ...

في (٨ يوليو عام ١٩٧٠ م) طلب مؤلّف المسرحيّة عبد الرّحمن الشّرقاوي من الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف فحص المسرحيّة وإبداء الرّأي فيها ، حتّى يتسنى البدء في إخراجها للمسرح القومي ...

رأى الأزهر تقليد متّبع في الأعمال الّتي تتناول موضوعات أو شخصيّات لها مسحة دينيّة.

في (٤ أغسطس عام ١٩٧٠ م) جاءت موافقة الأزهر الشّريف على نصّ المسرحيّة مع بعض التّحفظات الّتي تتحدد في أن يؤدي الممثّل الّذي يقوم بدور الحسين دوره متّخذا شخصيّة الرّاوية عن الحسين لا شخصية الحسين نفسه ، أي أن يبدأ كلماته قائلا «قال الحسين ...» وأن تؤدي الممثّلة الّتي تقوم بدور

__________________

(١) نحن الآن في القرن الرّابع عشر الهجري. المحقق.

٤١٣

السّيّدة زينب دورها متّخذة هي أيضا شخصية الرّاوية عن السّيّدة زينب ، لا شخصية السّيّدة زينب نفسها ، أي أن تبدأ كلماتها قائلة «قالت زينب ...» وهكذا على طول الرّواية ، وذلك كلّه حتّى يمكن تخطي عقبة التّقليد السّائر بعدم ظهور الشّخصيّات الدّينيّة على المسرح أو على شاشة السّينما والتّليفزيون. وبالفعل وافق المؤلّف والمخرج على هذه التّحفظات واقتضى ذلك خروج «عبد الله غيث وأمينة رزق» في بداية العرض إلى مقدّمة الخشبة ليقولا لجمهور المشاهدين أنّهما لا «يمثلان» الشّخصيتين الكريمتين : الحسين والسّيّدة زينب وإنّما يرويان عنهما فقط.

في (١٢ نوفمبر عام ١٩٧١ م) وافقت الرّقابة على المصنّفات الفنّية. على النّص المسرحي المقدم لها بناء على موافقة الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف على عرض المسرحيّة في أغسطس عام (١٩٧٠ م) ، وأصبح الأمر واضحا بعد هذا كلّه ؛ أنّ الضّوء الأخضر مفتوح إمام عرض المسرحيّة من كلّ الجهات الّتي يعنيها الأمر ، وخاصّة جهات الأزهر ، بل أنّ الدّكتور أحمد إبراهيم مهنا مدير إدارة البحوث والنّشر بمجمع البحوث الإسلاميّة أرسل إلى المؤلّف خطابا في (٢١ أكتوبر عام ١٩٧١ م) يقول له فيه : «أرجو أن تلتزموا بما اتّفق عليه بشأن مسرحيّتكم ـ يقصد عدم ظهور الحسين وزينب إلّا كراويتين ـ وفقكم الله».

بعد ذلك ، عقد إجتماع ضمّ ثمانية أشخاص هم : الدّكتور مهنا ، والشّيخ عبد المهيمن ، والأستاذ عبد الحميد جودّة السّحار رئيس هيئة المسرح والسّينما ، وسيّد بدير مدير عام الهيئة ، وحمدي غيث مستشار قطّاع المسرح ، وكرم مطاوع مخرج المسرحيّة ، وعبد الرّحمن الشّرقاوي مؤلّفها ، وسعد أردش الّذي كان

٤١٤

يشرف وقتها على المسرح القومي. واتّفق في هذا الإجتماع على الإلتزام بالتّحفظات الّتي أبداها الأزهر ؛ كما اتّفق على ضم جزئي المسرحيّة «الحسين تائرا والحسين شهيدا» وتقديمهما معا بعد التّركيز والتّكثيف في عرض واحد.

وبدأت بعدها بروفات المسرحيّة وأخذت الصّحف تنشر أنباء تتابع العمل في نموه واكتماله. ثمّ ظهرت في الصّحف والمجلّات ، وعلى جوانب الطّرقات ، الإعلانات الّتي تقول أنّ «ثأر الله» سوف تعرض على خشبة المسرح القومي هذا الأسبوع.

ولكن كانت هناك مفاجأة تنتظر الجميع. قيل : نحن لم نبد رأيا بعد في المسرحيّة! ... أيّة مسرحيّة؟ .. قيل أنّ ضم جزئي المسرحيّة وتركيزها في عرض واحد يحتاج إلى إعادة نظر ؛ ما الّذي يمكن أن يتغيّر في المسرحيّة لو عرضت في ساعة أو في سبع ساعات من وجهة نظر بعض الجهات في الأزهر الشّريف ...؟ أنّ تحفظاتها ملتزم بها سواء استغرق العرض ساعة أو عشر ساعات. أنّ مسألة الإقتصاد في الوقت والتّركيز في الفصول والتّكيّيف في المشاهد ، لأنّهم ـ بعد ذلك ـ سوى العاملين في المسرحيّة وجمهورها ونقّادها. أليس كذلك ... أيمكن أن تكون هذه قضية خلافية بحقّ؟ ... ومع ذلك فلقد أرسل لهم النّص المعد للعرض في (٩ ديسمبر عام ١٩٧١ م) أي منذ أكثر من شهرين ، وحتّى الآن لم يأت الرّد! رغم أنّ النّص الأصلي للمسرحيّة الّذي أرسل في عام (١٩٧١ م) لم تستغرق إلّا أقل من شهر واحد!.

ما ذا حدث إذن؟ ... ما ذا يجري خلف الكواليس؟ ... وأي جديد طرأ اليوم حتّى يحتاج الأمر لإعادة نظر ، وإعادة تقييم ، ومراجعة للموافقات السّابقة؟ وما الموقف الآن ، بعد أن ظهرت الإعلانات في الصّحف والمجلّات والطّرقات ،

٤١٥

واكتمل جهد فكري وفنّي كبير ، وانفق مال حلال من خزينة الدّولة.

لست أريد اليوم أن أتساءل عن الأساس الّذي يستند إليه أولئك الّذين يطالبون اليوم بإعادة النّظر ، أريد أن أسأل فحسب عن معنى الحرمان من عمل كبير هو بالتأكيد من أفضل الأعمال الّتي اتيح لمسرحنا أن يقدّمها ، ومن أكثره قيمة ، ومن أشدّها إستجابة للضّرورات الفكريّة ، والوطنيّة ، والرّوحيّة الّتي نواجهها الآن ؛ من الّذي يكسب من هذا الحرمان بحقّ؟ ومن الّذي يخسر في النّهاية؟ وباسم أيّة قيمة فكريّة ، أو دينيّة تحول جهة ما بين الجمهور وبين هذا العمل الّذي قال عنه بعض رجال الأزهر الشّريف أنفسهم مثل الأستاذ عبد الكريم الخطيب ، والشّيخ عبد الرّحيم فودة : أنّه خدمة كبيرة للقيم الإسلاميّة ، ويجب أن يعرض؟.

* * *

أنّ حرّيّة الفكر الّتي نصّ عليها الدّستور ، ليست مجرد عبارة مجردة ، ولكنّها ينبغي أن تكون فعلا وممارسة. وعلينا جميعا أن نحرص عليها ، وأن نناضل من أجلها ، فهي في النّهاية حجر الزّاوية في أي بناء إجتماعي ، وسياسي ، وثقافي متحضّر.

ونحن .. نناشدكم أيّها السّادة أن ترفعوا أيديكم عن هذا العمل الّذي يدافع عن أغلى وأعز ، وأبقى ما في تراثنا الماضي ، وحياتنا الرّاهنة ... أنّ الحسين العظيم لم يكن مجرّد شخصيّة دينيّة فقط ؛ ولكنّه كان أيضا رمزا إنسانيا نبيلا ينحني له المسلمون وغير المسلمين ، ويجسّد لهم كلّ معاني التّضحية الشّريفه في سبيل أسمى ما يدافع عنه الإنسان من قيم.

وهل هناك أسمى من قيم الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة؟.

أليست هذه بحقّ ، كلمة الله الحقيقيّة؟ ...

٤١٦

يسأل ابنته في العيد

من أين لك هذا؟ (١)

تحدّث التّأريخ عن بطولات عليّ بن أبي طالب ، وشجاعته ، وفدائيته ، وتضحياته ، كما تحدّث عن زهده ، وعلمه ، وبلاغته ، وتلك صفحة مشرقة من حياته يرويها التّأريخ عنه ، ونستشف منها عدله ، ويقظته ، وشدّته في الحفاظ على أموال الدّولة ، وتطبيق قانون «من أين لك هذا»؟.

فقد حدّث عليّ بن أبي رافع قائلا (٢) : كنت على بيت المال أيّام ولاية عليّ بن

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢ / ١ / ١٩٦٨ م). (منه قدس‌سره).

(٢) أبو رافع : هو مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز ، وصالح.

يعدّ في الطّبقة الأولى من الشّيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبد المطّلب ، فوهبه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّر صلى‌الله‌عليه‌وآله بإسلام العبّاس أعتقه.

هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه‌السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه‌السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه‌السلام ، لأنّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة.

انظر ، ترجمته في : طبقات ابن سعد : ٤ / ٧٣ ق ٤ ، اسد الغابة : ١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢١٢ ح ٢ ، و : ١٢ / ١٠٠ ، الإصابة : ١١ / ١٢٨ ، رجال النّجاشي : ٤ / ١ ، الكنى والألقاب : ١ / ١٧٤ ، تنقيح المقال : ٣ / ١٦ (باب الكنى) ، وتأسيس الشّيعة : ٣١٩ و ٣٤١ ، أعيان الشّيعة :

٤١٧

أبي طالب رضى الله عنه ، وكان في بيت المال عقد ، فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب تقول : بلغني أنّ في بيت المال عقد لؤلؤ ، واحبّ أن أستعيره لأتجمّل به في يوم عيد الأضحى ، فأرسلت إليها قائلا : العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ، فقبلت ، وردّت تقول : نعم ، العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ؛ فدفعتها إليها.

فلمّا رآه أمير المؤمنين في جيدها قال لها : من أين جاء إليك هذا العقد؟.

فقالت : استعرته من ابن أبي رافع لأتزيّن به يوم العيد ثمّ أردّه.

فبعث أمير المؤمنين إلى ابن أبي رافع وابتدره بقوله : يا ابن أبي رافع ، أتخون المسلمين؟.

قال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أخون المسلمين.

فقال : قد أعرت العقد الّذي في بيت المال بغير إذني ورضاي.

قال : يا أمير المؤمنين أنّها ابنتك.

فقال عليّ رضى الله عنه : ردّه من يومك ، وإيّاك أن تعود إلى مثل هذا ، فتلك عقوبتي ، وويل لابنتي (١).

عليّ عمران

__________________

ـ ٢ / ٣٥٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٦ / ٣ ، الجرح والتّعديل : ٢ / ١٤٩ ، تأريخ ابن معين : ٧٠٤.

والرّاوي لهذه القصّة هو عليّ بن أبي رافع ، والّذي عدّه الشّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان كاتبا له ، ومن خواصّ أصحابه ، وله كتاب في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكتاب في من شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الجمل ، وصفّين ، والنّهروان من الصّحابة.

انظر ، رجال النّجاشي : ٣ ، رجال البرقي : ٤ ، رجال الطّوسي : ٤٧ ، اسد الغابة : ٢ / ١٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٥.

(١) انظر ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ ، وسائل الشّيعة : ٢٨ / ٢٩٢ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٧٥ ، حلية الأبرار : ٢ / ٢٨٦ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٣٣٨ ح ٢٢.

٤١٨

أهل البيت

بقلم : محسن محمّد

تلاشى الزّمن ... اختفت القرون الّتي تفصل بيني وبينهم وأحسست كأنّي أقف أمامهم في بيت النّبوّة.

هؤلاء هم «أهل البيت» فاطمة الزّهراء ـ ابنة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجها عليّ ـ ابن عمّ الرّسول ـ وأولادهما الحسن والحسين ... وأحفادهما (١).

ولقد زرت مكّة والمدينة ، ووقفت بكربلاء وعبرت الطّريق إلى النّجف والكوفة ... وتمثّلت لي في كلّ لحظة مواقفهم ... بطولاتهم ... استشهادهم.

ولقد سرح بي الفكر فيما رأيت من بقايا آثارهم وأنا أقرأ آخر وأحدث ما كتب عنهم ... قد جمعهم المؤلّف في كتاب واحد ... وروى قصصّ حياتهم ... وآراءهم ... وحكاياتهم ... ومواقفهما البطوليّة والإنسانيّة معا ووصاياهم لأهلهم وللنّاس ، ولا يوجد سطر في هذا الكتاب الجديد ـ أكثر من (٦٠٠) صحفة ، إلّا وقد عزّزه الكاتب الباحث المحقّق بدليل تأريخي يؤيد وجهة نظره وبمرجع عربي أو أجنبي .... وبوقائع ثابتة ومحدّدة ... وينتهي الكاتب إلى

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٤١٩

النّتيجة الّتي ينتهي إليها ... وتحس في نهاية المطاف بأنّه لا توجد نهاية أخرى ... أو نتيجة أخرى غير تلك الّتي وصل إليها الكاتب توفيق أبو علم وكيل وزارة العدل ورئيس مجلس إدارة مسجد السّيّدة نفسية ... وهي واحدة من أهل البيت.

فالكتاب خلاصة حبّ طويل ... وشفافيّة استغرقت العمر كلّه ... وكلّ صفحة من الكتاب تجعلك تشعر بأنّ الكاتب يريد أن ينقل إليك الحبّ الكبير الّذي عاشه ، ووهبه لأهل البيت.

أصغر البنات

هذه هي السّيّدة فاطمة الزّهراء أصغر بنات الرّسول وأحبّهنّ إليه.

أمّها السّيّدة خديجة الّتي جاءها النّبيّ من غار حرّاء بعد نزول الوحي خائفا متردّدا غريب النّظرات ... فإذا بها تردّ إليه السّكينة ، والأمن ، وتسبغ عليه ودّ الحبيبة ، وإخلاص الزّوجة ، وحنان الأمّهات.

تعلّمت من أمّها أعظم الدّروس فكانت ـ فاطمة ـ تضمّد جراح أبيها ـ النّبيّ ـ في غزوة احد ... وتقوم وحدها بعمل البيت لا يعينها أحد ، عاشت على الكفاف لا تكذب ولا تشكو ، وكانت تردّد دائما قول أبيها : «طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا قنع به» (١). تركت الإعتراض والسّخط. وأعرضت عن طيبات الدّنيا ، واستوى عندها الفقر ، والغنى ، والرّاحة ، والعناء ، والصّحة ، والمرض ،

__________________

(١) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٦ و : ٤ / ٥٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٩٠ ح ٩٨ و : ٤ / ١٣٦ ح ٧١٤٤ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٧٦ ح ٢٣٤٩ ، مسند أحمد : ٦ / ١٩ ح ٢٣٩٨٩ ، المعجم الكبير : ١٨ / ٣٠٥ ح ٧٨٦ و ٧٨٧ ، كشف الخفاء : ١ / ١٧٨ ح ٤٧٣ و : ٢ / ٦٢ ح ١٦٨١.

٤٢٠