الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

محمّد جواد مغنية

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


المحقق: سامي الغريري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: ٥٢٨

وإن كانوا أهل بيت الرّسول ، بل ولو ضحّوا في سبيل الإسلام بالأرواح ، والعيال ، والأطفال! ... لقد أنكر بعض الكتّاب على الشّيعة قولهم بعصمة من زكّاهم القرآن ، وطهّرهم من الرّجس ، ولم ينكر على بعض السّنّة القول بعدالة الصّحابة الّذين هم على شاكلة معاوية وسمرة! ..

معاوية عادل ، لأنّه بذل الأموال ، والمناصب لوضع الأحاديث في القدح بأخي الرّسول في الدّنيا والآخرة! ومعاوية مؤمن ، لأنّه شجّع الإفتراء على الله ، وأمر بوضع أحاديث في فضائله مثل «كتب معاوية آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هديّة له من فوق العرش» (١). وهذا الحديث المفترى هو المصدر الوحيد لكتابة معاوية للوحي (٢).

سئل النّسائي وهو في دمشق عن فضائل معاوية. فقال : ألا يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضّل (٣)؟!».

وإذا وجد في الصّحابة مثل سمرة بن جندب ، وأبي هريرة ، وابن العاصّ يقبضون ، ويكذبون فإنّ فيهم من يناصر الحقّ ، ولا تستهويه الأموال ، والمناصب فلقد وقف جماعة لمعاوية وجابهوه بالحقيقة ، وصارحوه بمثالبه ومروقه من

__________________

(١) انظر ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ١٢٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ١١١ هامش رقم «٤».

(٢) انظر ، كتاب الأضواء على السّنّة المحمّديّة : ٨١١ ، والنّصائح الكافية لمن يتولّى معاوية : ١٧٢ طبعة (١٩٤٨ م). (منه قدس‌سره). انظر ، تلخيص الحبير : ٤ / ١٨٨ ، الإكمال لابن ماكولا : ١ / ٥٢٦.

(٣) ذهب النّسائي إلى دمشق ، وهو أحد أصحاب الصّحاح السّتة عند السّنّة ، فقيل له : حدثنا عن فضائل معاوية ، فقال : أما يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضل؟! وقال : لا أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنه ، فداسوه بالأرجل ، ومات بسبب ذلك. انظر ، العبر : ٣ / ٢٨ ، البداية والنّهاية : ١١ / ٣١٧ ، وفيّات الأعيان : ١ / ٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ٥٣٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٢٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٣٦٥ ، مسند الطّيالسي : ح ٢٧٤٦ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٢٠٤.

٢٤١

الدّين ؛ وأقوالهم مثبتة في كتب السّير والتّأريخ ، لو جمعت لجاءت في مجلّد ضخم ، وإليك بعضها :

كتب معاوية إلى سعد بن وقّاص يستحثه على الطّلب بدم عثمان فردّ عليه سعد : «أنّ عليّا أحقّ بالخلافة من غيره ، لأنّه شارك غيره في محاسنه ، ولم يشاركه أحد في محاسنه» (١). وكتب قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري إلى معاوية جوابا له عن كتابه : «أمّا بعد فأنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها ، وخرجت منه طوعا» (٢).

وقالت له أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب : «لقد كفرت النّعمة ، وتسميّت بغير اسمك ، وأخذت غير حقّك بلا بلاء كان منك ولا من أبيك بعد أن كفرتم بما جاء به محمّد ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأضرع منكم الخدود حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبيّنا هو المنصور على كلّ من ناواه ، ولو كره المشركون ، فكنّا أهل البيت أعظم النّاس في هذا الدّين بلاء ، وعن أهله غناء وقدرا حتّى قبض الله نبيّه مغفورا ذنبه مرفوعة منزلته ، شريفا عند الله مرضيّا ، فوثب علينا بعده تيم وعدي ، وبنو اميّة ، فأنت منهم تهدي بهداهم ، وتقصد بقصدهم ، فصرنا فيكم بحمد الله أهل البيت بمنزلة قوم موسى وآل فرعون يذبّحون أبنآءهم ويستحيون نسآءهم ، وصار سيّدنا فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هرون

__________________

(١) انظر ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٤٤ ، فتح الباري : ١٣ / ٥٧ ، قريب منه.

(٢) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٤٣ ، الكامل للمبرد : ١ / ٣٠٩ ، البيان والتّبيّين : ٢ / ٦٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٣ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٦٢ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٩٤ ، مقتل الخوارزمي : ٢٥٨ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٣٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٤٣.

٢٤٢

من موسى ، حيث يقول : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) ، فلم يجتمع بعد رسول الله شمل ، ولم يسهل وعث ، وغايتنا الجنّة ، وغايتكم النّار» (٢).

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) انظر ، العقد الفريد : ١ / ٤٥٧ ، بلاغات النّساء : ٢٧ ، محادثات النّساء : ٨٣ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٤٩ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥٠.

٢٤٣
٢٤٤

عقيل ومعاوية

كان لأبي طالب ـ واسمه عبد مناف (١) ـ ستة أولاد : أربعة ذكور وابنتان ، طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وعليّ ، وأمّ هاني ، وجمانة وأمّهم جميعا فاطمة بنت أسد ، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ، وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين ، وجعفر أسنّ من عليّ بعشر سنين (٢).

وليس فيما لدي من المصادر ذكر لجمانة سوى أنّها أختّ الإمام عليّ ، وأمّا أمّ هاني ، واسمها فاخته فقد أسلمت ، وتزوّجها هبيرة بن أبي لهب بن عمرو ،

__________________

(١) ويلقّب بأبي البطحاء لأنّهم استقوا به سقيا فكنّوه بذلك ، وهو شيبة بن هاشم ، وهو عمرو بن عبد مناف. انظر ، ذخائر العقبى ، الطّبري : ١٧١ ، المعارف لابن قتيبة تحقّيق ثروة عكاشة : ١ / ١١٧ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٥٥ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٩٨ ، اسد الغابة : ١ / ٢٨٦ ، الإصابة : ١ / ٢٤٨ ، طبقات ابن سعد: ٤ / ٢٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٣ / ٤٠٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٢٠٨ ، الإستيعاب : ١ / ٨١ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٤ ، معجم ما استعجم للبكري : ١ / ٧٧ ، صبح الأعشى للقلقشندي : ١ / ٣٥٥.

(٢) انظر ، سيرة النّبيّ لابن هشام : ٤ / ١٠٧٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٢١ ، عون المعبود : ٦ / ٢٢ ، مسند ابن راهويه : ٣ / ٧٣٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٣ / ٣٩ ، الجامع الصّغير : ٢ / ٥٠٥ ح ٧٩٧٧ ، كنز العمّال : ٧ / ٢٢٩ ح ١٨٧٤٥ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٩٣ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٤.

٢٤٥

وولدت له أولادا (١) ، ومات وهو مشرك ، وعن ابن عبّاس أنّ النّبيّ دخل يوم الفتح على أمّ هاني ، وكان جائعا ، فقالت : يا رسول الله أنّ أصهارا لي قد لجؤا إليّ ، وأنّ أخي عليّا لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأخاف أن يعلم بهم ، فيقتلهم ، فجعل من دخل دار أمّ هاني آمنا.

فقال رسول الله : «أجرنا من أجارت أمّ هاني» (٢).

ثمّ قال لها : هل عندك من شيء نأكله؟.

فقالت : ليس عندي إلّا كسر يابسة ، واستحي أقدّمها لك.

قال : هلمي بهنّ ؛ ولمّا أتته بكسر الخبز ، وضعهنّ بالماء والملح

وقال لها : هل من إدام؟

قالت : ما عندي إلّا شيء من خلّ ، فصبّه النّبيّ على طعامه. وأكل منه ، ثمّ حمد الله ، وقال : نعم الإدام الخلّ ، يا أمّ هاني ، لا يفتقر بيت فيه خلّ (٣).

واسلم جعفر قبل هجرة الرّسول إلى المدينة ، وهاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الحبّ له ، فقد قال له يوما :

__________________

(١) انظر ، كتاب العقد الفريد : ٥ / ٣١٣ طبعة ١٩٥٣ م ، و : ٥ / ٨٧.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٥٩ ح ٦٨٧٥ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٧٦ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٠٢ ح ٣٣١٨ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٨٧ ح ٦٩٣٤ ، المعجم الكبير : ٢٤ / ٤١٨ ح ١٠١٨ و ١٠٥٥ ، شعب الإيمان : ٥ / ١٠١ ح ٥٩٤٤ ، فيض القدير : ٥ / ٤٢٤ ، حلية الألياء لأبي نعيم : ٨ / ٣١٣ ، نصب الرّاية : ٤ / ٣١ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ٣٣.

(٣) أراد النّبيّ أن يهوّن على ابنة عمّه ، كي لا يدخل في روعها أنّها قصّرت بحقّه ، وأن يعطي درسا عامّا لجميع النّاس بأنّ كلّ ما تيسّر من الطّعام فهو خير خلّا كان أو غيره ، وإنّما ذكر الخلّ بالخصوص ؛ لأنّه الميسور في ساعته تلك ، وغير بعيد أنّه لو لم يوجد عند أمّ هاني إلّا الملح لقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم الأدام الملح». (منه قدس‌سره). انظر ، المصادر السّابقة.

٢٤٦

«أشبهت خلقي وخلقي» (١) ، وصادف قدوم جعفر من الحبشة يوم فزتح خيبر ، فتلقاه النّبيّ ، وقبّله بين عينيه ، وقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر» (٢). وقال له : حدّثني ببعض عجائب الحبشة.

فقال : نعم ، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، بينا أنا سائر في بعض طرقات الحبشة إذا بعجوز على رأسها مكتل ، فأقبل شاب يركض على فرس له ، فألقاه على وجهها ، وألقى المكتل على رأسها ، فاسترجعت قائمة ، واتبعته النّظر ، وهي تقول : الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه ، فاقتص للمظلوم من الظّالم. ، فجرت دموع رسول الله على لحيته مثل الجمان ، ثمّ قال : لا قدّس الله أمّة لا تأخذ للمظلوم حقّه من الظّالم (٣).

وكان جعفر خير النّاس للمساكين ، يطعمهم ويكسوهم ، ويجلس إليهم يحدّثهم ويحدثونه ، حتّى كنّاه رسول الله أبا المساكين ، وكان النّاس يعرفونه

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٩٦٠ ح ٢٥٥٢ و : ٣ / ١٣٥٩ ح ٣٥٠٤ و : ٤ / ١٥٥١ ح ٤٠٠٥ ، صحيح ابن حبّان : ١١ / ٢٢٩ ح ٤٨٧٣ و : ١٥ / ٥٢٠ ح ٧٠٤٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٤ ح ٣٧٦٥ ، مجمع الزّوائد : ٤ / ٣٢٤ و : ٩ / ٢٧٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٥ ح ١٥٥٤٦ ، مسند أحمد : ١ / ٩٨ ح ٧٧٠.

(٢) انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٢٨١ ح ٣٢٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٦ ح ٣٦٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٨ ح ١٤٦٩ ، شعب الإيمان : ٦ / ٤٧٧ ح ٦٩٦٨ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٢١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٣٣٥ ح ٦٠٠٩ و : ٥ / ٢٥٣ ح ٥٢٣٤ ، معجم الشّيوخ : ١ / ١٧١ و : ٦ / ٨١ ح ٧٥٤٩ ، السّنّة لابن عاصم : ١ / ٢٥٧ ح ٥٨٢ ، البيان والتّعريف : ٢ / ١٥٠ ، فيض القدير : ٥ / ٥٩.

٢٤٧

وينادونه بهذره الكنية (١) ، وقتل جعفر في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة ، وثبت عن النّبيّ بطريق السّنّة والشّيعة أنّه قال : «رأيت جعفرا يطير بجناحين في الجنّة مع الملائكة»(٢).

وتزوّج جعفر أسماء بنت عميس ، وكانت معه في الحبشة ، وولدت له هناك

__________________

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٥ ح ٣٧٦٧ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٣٨١ ح ٤١٢٥ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٧ ح ٣٦٥ ، شعب الإيمان : ٧ / ٤٣٧ ح ١٠٨٨٢ ، فتح الباري : ٩ / ٥٥٨ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٧ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٧ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٥١٨ ، الإصابة: ١ / ٤٨٦.

(٢) جعفر بن أبي طالب (عبد مناف) بن عبد المطّلب بن هاشم (ت ٨ ه‍) صحابي هاشمي من شجعانهم ، يقال له جعفر الطّيّار ، وهو أخو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وكان أسنّ من الإمام عليّ عليه‌السلام بعشر سنين ، وهو من السّابقين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثّانية ، فلم يزل هناك إلى أن هاجر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة. فقدم عليه جعفر وهو بخيبر سنة (٧ ه‍).

انظر ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، تلخيص الحبير : ٣ / ٢١٤ ح ١٦٠٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠.

وفي صحيح البخاريّ : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ ، أنّ ابن عمر كان إذا سلّم على ابن جعفر قال : السّلام عليك يا ابن ذي الجناحين) ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٤٤ ح ٤٣٥٢ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٧ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٩ ح ١٤٧٤ و : ١٢ / ٢٦٣ ح ١٣٠٥٥ ، فتح الباري : ٧ / ٧٦ ح ٣٥٠٦ و : ١٠ / ١٨٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٥ ، تهذيب الكمال : ٢ / ٨٣ ح ١٤٦ و : ٥ / ٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٨٨٨ ح ١٦٨٤ ، فضائل الصّحابة للنّسائي : ١ / ١٨ ح ٥٥.

وفي الحديث المرفوع أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بكى لمّا قتل جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في مؤته ، قال : «المرء كثير بأخيه». انظر ، مسند الشّهاب : ١ / ١٤١ ح ١٨٦ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٢٠٥ ح ٦٦٢٥ ، فيض القدير : ٢ / ٣٩٩ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٦٤ ح ٢٢٨٢ و ٢٧٩١.

٢٤٨

عبد الله ، ومحمّدا ، وعونا (١) ، ولمّا قتل عنها تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّدا (٢) ، ولمّا توفّي أبو بكر تزوّجها أمير المؤمنين عليّ ، فولدت له يحيى ، وتوفّي في حياة أبيه ، ولا عقب له(٣).

وأمّ أسماء بنت عميس هي هند بنت عوف بن الحارث الجرشي من جرش اليمن ، وكان لهند هذه أربع بنات :

١ ـ أسماء تزوّجها جعفر ، وأبو بكر ، وعليّ.

٢ ـ ميمونة تزوّجها رسول الله ، وهي آخر امرأة تزوّجها.

٣ ـ أمّ الفضل لبانة تزوّجها العبّاس بن عبد المطّلب ، وهي أمّ ولده عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل ، ومعبد ، وقثم.

٤ ـ سلمى تزوّجها الحمزة بن عبد المطّلب (٤).

__________________

(١) انظر ، ترجمة هؤلاء في جوامع السّيرة : ٢٨٢ ، والمعارف : ٢٠٥ ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاريّ : ٥ / ٢٤.

(٢) انظر ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١١٤ طبعة النّجف ، التّمهيد والبيان : ٢٠٩ ، الأغاني : ٢١ / ٩ ، الإشتقاق : ٣٧١ ، الطّبريّ ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكر حوادث سنة (٣٦ ه‍) ، الإصابة حرف الميم : ٣ ق ٢ / ٤٥١ ، الاستيعاب : ٣ / ٣٢٨ ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٧٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٥٥ وما بعدها ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٥٤١ رقم ٥٠٩٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦٤ و : ٣ / ١٩٠ ، شرح النّهج لمحمّد عبده : ١ / ١١٧.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٤٢ ، مقاتل الطّالبيين : ١١ ، شرح معاني الآثار : ١ / ٤٨ ، لسان الميزان : ٧ / ٥٢٢ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٦٢٩ ، أنساب الأشراف : ٣٩٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ٥٢ ، تحفة الأحوذي : ٧ / ١٢٠ و : ٨ / ٥٢.

(٤) انظر ، اسد الغابة : ٧ / ١٥٧ و ٢٠٢ ، المعارف : ١٢٣ و ١٣٧ ، السّيرة لابن هشام : ٤ / ٢٨٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ و : ٨ / ١٥٧ ، الإستيعاب : ٤ / ١٨١٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٨٣ و ١١٢ و ٢٣٣ ، صحيح ـ

٢٤٩

فأحماء هذه الجرشية رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والحمزة ، وجعفر ، والعبّاس ، وأبو بكر ، وقيل : من أحمائها الوليد بن المغيرة ، وأنّ أمّ خالد بن الوليد ابنة هذه الجرشية ، ولذا اشتهر أنّ الجرشية أكرم النّاس أحماء (١).

أمّا عقيل ، ويكنى أبا يزيد فقد أخرجه المشركون يوم بدر لحرب الرّسول مكرها ، فأسره مع عمّه العبّاس رجل من الأنصار يدعى أبا بشر (٢) ، ورآه أخوه

__________________

ـ مسلم : كتاب الرّضاع : ١٠٦٥ ح ٤٩ ، صحيح البخاري : تفسير سورة الأحزاب : ٣ / ١١٨ وكتاب النّكاح : ٣ / ١٦٤ و ١٦٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢١ ، نسب قريش : ٤٠ ، جمهرة أنساب العرب : ٣٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٠ ، كنز العمّال : ٧ / ١٠٥ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٩٧ ، سنن ابن ماجه : ٢٨٩ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٧٦.

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ١١ ، تهذيب الكمال : ٣٥ / ١٢٧.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢.

أمّا تشكيك الطّبري في : ٤ / ٢٢٦ من حضور العبّاس غزوة بدر فهو تشكيك في غير محله ولسنا بصدد مناقشة الطّبري وأمثاله حتّى أنّ ابن قتيبة في معارفه : ١٥٤ أوّل ما ذكر العبّاس بن عبد المطّلب ، وكذلك في سيرة ابن هشام : ٢٢ / ٣٢١ بل نورد الأحاديث الّتي وردت من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّهي عن قتل العبّاس خاصّة ، وقتل بني هاشم عامّة. وكذلك نهى عن قتل أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد ، مع ملاحظة أنّ نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل بني هاشم عامّة ونهيه عن قتل عمّه خاصّة تأكيد وتشديد ومبالغة لما عنده من العلم بأنّهم اخرجوا كرها ولم يؤذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يأمل توفيقهم وهدايتهم إلى الله تعالى ورسوله ومع ذلك فقد أبى ابن البختري عندما قال له المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن قتلك ، فقال ابن البختري : أنا وصاحبي ـ جنادة بن مليحة من بني ليث؟ قال له : لا والله ما نحن بتاركي صاحبك وما أمرنا رسول الله إلّا بك وحدك ... فاختار القتال وقتله المجذر.

ومن أراد الإطّلاع على ذلك فليراجع المصادر مثل الكامل في التّأريخ : ٢ / ٨٩ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ٢٨٢ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ١٧٢ ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ـ

٢٥٠

__________________

ـ ٢ / ٢٨١ ، والسّيرة الحلبية : ٢ / ١٦٨ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٣٣ و ١٨٣ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٤ ، ومجمع البيان : ٤ / ٥٥٩ ، وغيرها.

أمّا أنّ العبّاس قد اسر فلا شكّ ولا ريب في ذلك ، وقد نصّ عليه كلّ من أرّخ وقعة بدر من أهل السّير والأخبار ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي قال : سمعت تضوّر عمّي العبّاس في وثاقه فمنعني النّوم ، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

انظر ، ابن الأثير في الكامل : ٢ / ٨٩ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٨٢ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٢ ح ٥٣٩١ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ٥٢٠ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٥ ، وصحيح مسلم : ٦ / ١٥٧ ، شواهد التّنزيل : ١ / ٥١١ ح ٥٤١ ، الماوردي : ٢ / ٤٦.

وذكره أيضا ابن قتيبة في المعارف : ١٥٥ ، قال العبّاس : يا رسول الله إنّ هذا والله أسرني بعد ما أسرني رجل أجلح من أحسن النّاس وجها ، على فرس أبلق ما أراه فى القوم ، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله ، فقال : أسكت لقد أيّدك الله عزوجل بملك كريم ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر ، قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قطّ هيئته كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أعانك عليه ملك كريم. وقال للعبّاس : افد نفسك ، وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن عمر ، فقال : يا رسول الله إنّي كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلم باسلامك. فإن كان ما قلت فإنّ الله يجزيك.

ولذا نجد مفتي الشّافعيّة أحمد دحلان صاحب السّيرة النّبويّة : ١ / ٥٠٤ من هامش السّيرة الحلبية يدافع عن العبّاس ويقول : كان العبّاس يكتم إسلامه وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكّة ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمره بالمكوث في مكّة ليكتب له أسرار قريش.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٥ / ١٤٢ طبعة دار الفكر ، و : ٦ / ١٢٤ طبعة مطابع دار الشّعب ، و : ٣ / ١١٦ طبعة الخيرية بمصر ، و : ٥ / ٧٩ طبعة بمبي ، أسباب النّزول للسّيوطي بهامش تفسير الجلالين : ٤٤٢ طبعة بيروت ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٥ ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٢١٢.

أمّا العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة ، وعامر بن عبد الله ، ونوفل بن خويلد بن أسد ، ومسعود بن أميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبه بن الحجّاج ، وحاجب بن السّائب ذكرهم الواقدي في المغازي : ١ / ٤٨ طبعة اكسفورد ، والبخاريّ في صحيحه : ٦ / ٩٨ ، وصحيح مسلم : ٨ / ٢٤٥ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ١٩٧ و ٢٦٩ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٣ ، ـ

٢٥١

عليّ مع الأسرى فتجاهله وحاد عنه ، فقال له عقيل : يا ابن أمّ والله لقد رأيت مكاني ، فتركه ولم يلتفت إليه ، وهو أخوه لأمّه وأبيه» (١). وكان عقيل حاضر الذّهن سريع الجواب ، رآه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الأسرى يوم بدر ، فقال له : يا أبا يزيد قتل أبو جهل. فقال له عقيل : إذن لا تنازعوني في تهامة (٢). وأمر النّبيّ عمّه العبّاس أن يفدي نفسه ، وابن أخيه عقيلا ، فقال العبّاس : لا مال عندي. قال له النّبيّ : لقد تركت مالا عند أمّ الفضل ، وأوصيتها به. فقال : من أخبرك بهذا؟ قال جبرائيل عن الله. فقال العبّاس : ما علم بهذا أحد ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله (٣). فرجع الأسرى ، كلّهم مشركون إلّا العبّاس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب.

وكان النّبيّ يحبّ عقيلا. وقد صارحه بهذا الحبّ ، إذا قال له يوما ، «يا أبا يزيد إنّي أحبّك حبّين : حبّا لقرابتك منّي ، وحبّا لحبّ عمّي إيّاك» (٤) ، وكان عقيل فقيرا كثير العيال والأطفال لا يجد ما يسدّ حاجتهم الضّروريّة من المأكل والملبس ،

__________________

ـ والفلكي في الإبانة ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٠٨ ، والمغازي للواقدي : ١٤٣ ـ ١٥٣ طبعة آخر ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ٢ / ٤٣٦ ، المعارف لابن قتيبة : ١٥٦.

(١) انظر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٤٦ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٣٢٢ ، فتح الباري : ٦ / ١١٦.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، المنتخب من ذيل المذيل للطّبري : ٣٠.

(٣) انظر ، مسند أحمد : ١ / ٣٥٣ ح ٣٣١٠ ، معتصر المختصر : ١ / ٣٤٣ ، دلائل النّبوّة للإصبهاني : ١ / ١٣٧ ح ١٥٠ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ١٤ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٨٢. وفدى العبّاس نفسه بمئة اوقية ، وفدى كلّ واحد من بني أخيه وحليفه بأربعين اوقية. انظر ، الأحكام السّلطانية للماوردي : ٤٦.

(٤) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٦٦٧ ح ٦٤٦٤ ، الإستيعاب : ٣ / ١٠٧٨ ح ١٨٣٤ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ١٧ / ١٩١ ح ٥١٠ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٩ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ١ / ٢٧ ، فضائل الصّحابة لأحمد : ٢ / ٦٦٣ ح ١١٣١.

٢٥٢

ولمّا تولّى الإمام الخلافة قدم عليه يسترفده ، فعرض عليه الإمام عطاءه ، فقال : «إنّما أريد من بيت المال. فقال له الإمام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فلمّا صلّى الجمعة قال له : ما تقول بمن خان هؤلاء؟ قال : بئس الرّجل. قال : إنّك امرتني أن أخونهم واعطيك» (١). فخرج من عنده إلى الشّام (٢).

ورحّب به معاوية ، وأعطاه مئة ألف درهم من مال المسلمين ، وقال للنّاس وعقيل حاضر : هذا أبو يزيد لو لا علمه بأنّي خير من أخيه ما تركه ، وأقام عندنا ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنظر لنفسه منك ، وأنت خير لي في دنياي ، وأنظر لي من نفسك ، وقد آثرت دنياي ، وأسأل الله العفو» (٣).

وقال له يوما : «غلبك أخوك على الثّروة.

قال : نعم ، وسبقني وإيّاك إلى الجنّة» (٤).

وقال له : «أنّ فيكم للينا يا بني هاشم!

قال : أجل ، فينا لينا من غير ضعف ، وعزّا من غير عنف ، وأنّ لينكم يا معاوية غدر ، وسلمكم كفر.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٢ ، الإمامة والسّيّاسة لابن قتيبة : ١ / ١٠١ ، نظرات في الكتب الخالدة للدّكتور حامد حنفي : ١٤٧ ، مجلّة رسالة الإسلام العدد (١٤) تنظيم الصّدقة في الإسلام لحامد حنفي داود.

(٢) لم يحقق في سند هذا القول ، وإلّا من خلال التّتبّع التّأريخي ، لم نعثر على نصّ يؤكّد ذهاب عقيل إلى معاوية قبل استشهاد الإمام عليّ عليه‌السلام. انظر ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، جواهر المطاب في مناقب الإمام عليّ لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٢٩ ، العقد الفريد : ٤ / ٩٠ طبعة بيروت.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥.

(٤) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٢.

٢٥٣

فقال معاوية : ولا كلّ هذا يا أبا يزيد!» (١).

وفي ذات يوم أقبل عقيل على معاوية ، وعنده عمرو ابن العاص فالتفت معاوية إلى ابن العاص ، وقال له : لأضحكنّك من عقيل ؛ ولمّا سلّم ، قال له معاوية : مرحبا بمن عمّه أبو لهب ـ مع العلم بأنّ أبا لهب عمّ النّبيّ كما هو عمّ عقيل وعليّ ـ فقال عقيل : وأهلا بمن عمّته حمّالة الحطب في جيدها حبل مّن مّسد ـ يشير إلى أمّ جميل العوراء زوّجة أبي لهب (٢) ، وهي أخت أبي سفيان وعمّة معاوية ـ فقال معاوية ما ظنّك بعمّك أبي لهب. فقال : إذا دخلت النّار ، فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب» (٣).

وغدا يوما على معاوية ، وجلساؤه حوله ، فقال له معاوية : «يا أبا يزيد خبّرني عن عسكري وعسكر أخيك ، فقد وردت عليهما.

فقال عقيل : مررت بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ، ونهار كنهاره ، ليس في القوم إلّا مصلّي لله أو قاريء للقرآن ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين الّذين نفروا برسول الله ليلة العقبة.

ثمّ قال : من هذا عن يمينك يا معاوية؟.

قال : هذا عمرو ابن العاص.

قال : هذا الّذي اختصم فيه ستة نفر ، فغلب عليه جزّار ، فمن الآخر؟

قال : الضّحاك بن قيس.

__________________

(١) انظر ، المصادر السّابقة.

(٢) انظر ، ترجمتها في غوامض الأسماء المبهمة : ١ / ١٩٠ ، فتح الباري : ٣ / ٩.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٣ ، أمالي السّيّد المرتضى : ٢٠٠.

٢٥٤

فقال : والله لقد كان أبوه يجيد خصي التّيوس ، فمن الآخر؟

قال : أبو موسى الأشعري.

قال : هذا ابن السّراقة.

فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جلساءه سأله معاوية عن نزفسه ليقول فيه ما قال فيهم ، ويخفف عنهم ، فقال له : ما تقول فيّ؟

قال : دعني منك.

قال : لتقولنّ.

قال : أتعرف حمامة؟.

قال : ومن حمامة؟.

قال : سلّ عنها؟.

فسأل عنها معاوية ، فقيل له : هي جدّته أمّ أبي سفيان كانت بغيّا في الجاهليّة ، وصاحبة راية تدل على مهنتها ، فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت ، فلا تغضبوا»(١).

لقد اضطر عقيل للشّخوص إلى معاوية ، وأعطاه هذا كلّ ما يريد وفوق ما يريد ، وحاول بجميع خدعه وحيله أن يجد لنفسه مدخلا في قلب عقيل ، أو ينتزع منه كلمة باطل ترضيه وتغضب الله فلم يفلح ، بل على العكس ، فكان كلّما أراد شيئا من هذا أجابه عقيل بما يفضحه ويخزيه ، كما رأينا.

ولمّا بلغ عقيلا خذلان أهل الكوفة لأخيه كتب إليه يعرض نفسه وأولاده عليه ، وقال له فيما قال : «والله لا أحبّ أن أبقى في الدّنيا بعدك ، إنّ عيشا نعيشه

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١٢٥ ، الغارات : ١ / ٦٥.

٢٥٥

بعدك لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع» (١). فأعفاه الإمام ، ولم يكلفه وأولاده حضور الحرب ، وكأنّ الإمام عليه‌السلام نظر بعين الغيب ، فادّخر أولاد أخيه إلى يوم ولده الحسين ، فقد قتل من ولد عقيل مع الحسين (١٣) شهيدا (٨) من أولاده و (٥) من أحفاده (٢). توفّي عقيل سنة (٥٠) من الهجرة عن ست وتسعين سنة (٣).

وصلّى الله على محمّد وآله ، وعلى عقيل وأولاده وأحفاده.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١١٩ ، الغارات : ٢ / ٤٣٠ ، المعيار والموازنة : ١٧٩ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٤.

(٢) تقدّمت تخريجاته. انظر ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٢٨ ، الإصابة لابن حجر تحت الرّقم «٢٥٦٣٠» ، البيان والتّبيّين : ١ / ١٧٤ ، اسد الغابة : ٢ / ٥٦٠ تحت الرّقم «٣٧٢٦». وقيل : توفّي سنة «٦٠ ه‍».

٢٥٦

مع بطلة كربلاء

٢٥٧
٢٥٨

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

وبعد :

فقد رغبت إليّ إحدى دور النّشر والتّوزيع أن أضع لها كتابا في «السّيّدة زينب بنت أمير المؤمنين» عليها وعلى آبائها أفضل الصّلاة والسّلام.

فقلت لصاحب الدّار : إنّ الّذين ألّفوا في هذا الموضوع لم يقصّروا ، ولم يتجافوا عن الغاية المنشودة من التّأليف ... بل بعض هؤلاء قد اجتذب إليه القرّاء ، واستقبلوا كتابه أحسن إستقبال.

فقال : أنّك كتبت في فضائل أبيها أمير المؤمنين ، مع أنّ غيرك كتب ، واجتذب إليه القرّاء.

فتوكلت على الله عزوجل ، وكتبت هذه الصّفحات ، وحاولت ما استطيع أن اضيف إلى ما كتبوا أشياء ، لها أهميتها ، على أن لا اضايق القاريء بذكر مطولات منقولة من هنا وهناك .. وإذا كتب البعض تملقا للجمهور ، أو رغبة في شيء يطلبه ، فإنّ هدفي الأوّل والأخير أن أوحي إلى القاريء الشّعور بعظمة السّيّدة ، وآل بيت الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٥٩

ومعلوم أنّ دور النّشر لا تستجيب لشيء إلّا للجمهور القاريء ... لذا تملكتني الغبطة بهذا الطّلب ، وقلت في نفسي : لم يبق أي مجال للسّكوت ما دام الطّلب قائما ، وحمدت الله سبحانه على أن يكون هذا الموضوع ، وما إليه مرغوبا ومفضلا عند القرّاء ، مع أنّ هذا اللّون من الكتب لا يعتمد على وسائل التّشويق والإغراء ، كما هي الحال في كتب الجنس والخلاعة ، والغرام والإجرام ـ إذن ـ فالدّافع الوحيد لإقبال القرّاء أنّ في أهل البيت سرّا ينبض بالحياة ويفيض بالخيرات ، وقوّة ذاتية تجذب إليها كلّ إنسان ، من حيث لا يدري.

هذا ، مع العلم بأنّ كلّ من كتب في فضائل أهل البيت ومناقبهم ، منذ البداية حتّى اليوم لم يتجاوز المرحلة الأولى ، ولن يتجاوزها ، مهما أطنب وأطال ... ولا أعرف أحدا عرض هذا الموضوع عرضا وافيا ، حتّى العلّامة المجلسي في بحاره وأنواره ... والسّر هو طبيعة الموضوع ، فإنّه أسمى وأعظم من أن تصل العقول إلى كنهه وحقيقته.

وقد سبق أن كتب خمسة كتب في أهل البيت وفضائلهم ـ ما عدا هذا الكتاب (١) وهي في مجموعها تعبّر عن عظمتهم تعبيرا جزئيّا ، أو قل : أنّها ليست تصويرا لتلك العظمة ، وإنّما هي مجرد إقرار واعتراف بمنزلتهم ومكانتهم ... وكذلك هذه الصّفحات إن هي إلّا إقرار واعتراف بعظمة بنت الوحي والنّبوّة.

والله سبحانه المسئول أن يجعل الوقت الّذي أمضيته في كتابتها أفضل أوقاتي كلّها ، أنّه خير مسئول ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّيبين.

__________________

(١) هذا الكتاب هو الواحد بعد العشرين ، والسادس في الفضائل ، الخمسة تلك هي : «أهل البيت» ، «عليّ عليه‌السلام والقرآن» ، «الشّيعة والحاكمون» ، «المجالس الحسينيّة» ، «فضائل الإمام عليّ عليه‌السلام» ؛ (منه قدس‌سره).

٢٦٠